4. مصاحف

4 مصاحف حمل المصحف بكل الصيغ

 القرآن الكريم وورد word doc iconتحميل سورة العاديات مكتوبة pdf//تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد

المصحف الكتاب الاسلامي

 /////////

 

الاثنين، 9 مايو 2022

مجلد 1. و2. المغني - ابن قدامة المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد

 

1

مجلد 1. المغني - ابن قدامة   المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد
 خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام : العالم الاوحد الصدر الكامل السيد الفاضل شيخ الإسلام سيد العلماء إمام أهل السنة بقية السلف مفتي الأمة : موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه وأرضاه كما اختاره لنصر دينه وارتضاه :
الحمد لله بارئ البريات وغافر الخطيئات وعالم الخفيات المطلع على الضمائر والنيات أحاط بكل شيء علماء ووسع كل شيء رحمة وحلما وقهر كل مخلوق عزة وحكما { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما } لا تدركه الابصار ولا تغيره الأعصار ولا توهممه الأفكار { وكل شيء عنده بمقدار } أتقن ما صنع وأحكمه وأحصى كل شيء وعلمه وخلق الإنسان وعلمه ورفع قدر العلم وعظمه وحظره على من استرذله وحرمه وخص به من خلقه من كرمه وحض عبادة المؤمنين على النفير للتفقه في الدين فقال تعالى وهو أصدق القائلين : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ندبهم إلى انذار بريته كما ندب إلى ذلك أهل رسالته ومنحهم ميراث أهل نبوته ورضيهم للقيام بحجته والنيابة عنه في الاخبار بشريعته واختصهم من بين عباده بخشيته فقال تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ثم أمر سائر الناس بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم وجعل علامة زيفهم وضلالهم ذهاب علمائهم واتخاذ الرؤوس من جهالهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم تخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ] وصلى الله على خاتم الانبياء وسيد الاصفياء وإمام العلماء وأكرم من مشى تحت أديم السماء محمد نبي الرحمة الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة والكاشف برسالته جلابيب الغمة وخير نبي بعث إلى خير أمة أرسله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن الله برحمته وطوله وقوته وحوله ضمن بقاء طائفة من هذه الامة على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وجعل السبب في بقائهم بقاء علمائهم واقتداؤهم بأئمتهم وفقهائهم وجعل هذه الأمة مع علمائها كالأمم الخالية مع أنبيائها وأظهر في كل طبقة من فقهائها أئمة يقتدى بها وينتهى إلى رايها وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الاعلام مهد بهم قواعد الاسلام وأوضح بهم مشلات الاحكام اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة تحيا القلوب بأخبارهم وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم ثم اختص منهم نفرا على قدرهم ومناصبهم وأبقى ذكرهم ومذاهبهم فعلى أقوالهم مدار الاحكام وبمذاهبهم يفتي فقهار الاسلام وكان إمامنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه من أوفاهم فضيلة وأقربهم إلى الله وسيلة وأتبعهم لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأعلمهم به وأزهدهم في الدنيا وأطوعهم لربه فلذلك وقع اختيارنا على مذهبه وقد أحببت أن أشرح مذهبه واختياره ليعلم ذلك من اقتضى آثاره وأبين في كثير من المسائل ما اختلف فيه مما أجمع عليه وأذكر لكل إمام ما ذهب إليه تبركا بهم وتعريفا لمذاهبهم وأشير إلى دليل بعض أقوالهم على سبيل الاختصار والاقتصار من ذلك على المختار وأعزو ما أمكنني عزوه من الاخبار إلى كتب الأئمة من علماء الآثار ليحصل الثقة بمدلولها والتمييز بين صحيحها ومعلولها فيعتمد على معروفها ويعرض عن مجهولها ثم بنيت ذلك على شرح مختصر أبي القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقي رحمه الله لكونه كتابا مباركا نافعا ومختصر موجزا جامعا ومؤلفه إمام كبير صالح ذو دين أخو ورع جمع العلم والعمل فنتبرك بكتابه ونجعل الشرح مرتبا على مسائلهع وأبوابه ونبدأ في كل مسألة بشرحها وتبيينها وما دلت عليه بمنطوقها ومفهومها ومضمونها ثم نتبع ذلك ما يشابهها مما ليس بمذكور في الكتاب فتحصل المسائل كتراجم الأبواب وبالله أستعين فيما أقصده وأتوكل عليه فيما أعتمده وإياه أسأل أن يوفقنا ويجعل سعينا مقربا إليه ومزلفا لديه برحمته فنقول وبالله التوفيق
قال أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرفي رحمة الله عليه :
قال القاضي الإمام أبو يعلى رحمه الله : : كان ال الخرقي علامة بارعا في مذهب أبي عبد الله وكان ذا دين وأخا ورع وقال القاضي أبو الحسين : كانت له المصنفات الكثيرة في المذهب ولم ينشر منها إلا المختصر في الفقه لأنه خرج من مدينة السلام لما ظهر سب الصحابة بها وأودع كتبه في دار سليمان فاحترقت الدار والكتب فيها - قرأ العلم من قرأه على أبي بكر المروذي و حرب الكرماني و صالح و عبد الله ابني أحمد وروى عن أبيه أبي علي الحسين بن عبد الله و كان أبو علي فقيها صحب أصحاب أحمد وأكثر صحبته لـ أبي بكر المرذوي وقرأ على أبي القاسم الخرقي جماعة من شيوخ المذهب منهم أبو عبد الله بن بطة و أبو الحسن التميمي و أبو الحسين ابن سمعون وقال أبو عبد الله بن بطة : توفي أبو القاسم الخرقي سنة أربع وثلاثين وثلثمائة ودفن بدمشق وزرت قبره وسمعت من يذكر أن سبب موتخ أنه أنكر منكرا بدمشق فضرب وكان موته بذلك
وقال رحمه الله : اختصرت هذا الكتاب يعني قربته وقللت ألفاظه وأوجزته والاختصار تقليل الشيء فقد يكون اختصار الكتاب بتقليل مسائله وقد يكون بتقليل ألفاظه مع تأ دية المعنى ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا ] ومن ذلك مختصرات الطرق وفي الحديث [ الجهاد مختصر طريق الجنة ] وقد نهي عن اختصار السجود ومعناه جمع آي السجدات فيقرؤها في وقت واحد وقيل : هو أن يحذف الآية التي فيها السجدة فلا يقرأها وفائدة الاختصار التقريب والتسهيل على من أراد تعلمه وحفظه فإن الكلام يختصر ليحفظ ويطول ليفهم وقد ذكر رحمه الله مقصوده بالاختصار فقال : ليقرب على متعلمه أي يسهل عليه ويقل تعبه في تعلمه
وقوله : على مذهب أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنيل رضي الله عنه وأرضاه فهو الامام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن ادريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن ذهل بن شيبان ابن ثعلبةبن عكاية بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان يلتقي نسبه ونسب رسول الله صلى الله عليه و سلم في نزار لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد مضر من نزار و أحمد من ولد ربيعة بن نزار قال عبد الله بن أحمد : قال أبي : ولدت سنة أربع وستين ومائة وقال عبد الله ومات في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع وسبعون سنة حملت به أمه بمرور وولدته ببغداد ونشأ بها وسافر في طلب أسفارا كثيرة ثم رجع إلى بغداد وتوفي بها بعد أن ساد أهل عصره ونصر الله به دينه قال أبو عبيد القاسم بن سلام ليس في شرق ولا غرب مثل أحمد بن حنبل ما رأيت رجلا أعلم بالسنة منه وقال الامام أبو عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله ورضوانه عليه : أحمد بن حنبل إمام في ثمان خصال : إمام في الحديث إمام في الفقه إمام في القرآن إمام في اللغة إمام في الفقر إمام في الزهد إمام في الورع إمام في السنة وقال عبد الرحمن بن مهدي فيه وهو صغير لقد كاد هذا الغلام أن يكون إماما في بطن أمه وقال أبو عمر بن النحاس الرملي - وذكر أحمد بن حنبل - : عن الدنيا ما كان أصبره وبالماضين ما كان أشبهه وبالصالحين رحمه الله ما كان ألحقه عرضت له الدنيا فأباها والبدع فنفاها واختصه الله سبحانه بنصر دينه والقيام بحفظ سنته ورضيه لإقامة حجته ونصر كلامه حين عجز عنه الناس قيل ل بشر بن الحارث حين ضرب أحمد يا أبا نصر لو أنك خرجت فقلت إني على قول أحمد بن حنبل ؟ فقال بشر أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء ؟ ان أحمد بن حنبل قام مقام الانبياء وقال علي بن شعيب الطوسي كان أحمد بن حنبل عندنا المثل الذي قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ انه كائن في امتي ما كان في بني إسرائيل حتة إن المنشار ليوضع على مفرق رأس أحدهم ما يصده ذلك عن دينه ] ولولا أن أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قام بهذا الشأن لكان عارا وشنارا علينا إلى يوم القيامة أن قوما سئلوا فلم يخرج منهم أحمد وفضائله وما قاله الأئمة في مدحه كثير وليس ها هنا موضع استقصائه وقد صنف فيه غير واحد من الأئمة كتبا مفردة وإنما غرضنا هنا الإشارة إلى نكتة من فضله وذكر نسبه ومولده ومبلغ عمره اذ لا يحسن من متمسك بمذهبه ومتفقه على طريقته أن يجعل هذا القدر من امامه ونسأل الله الكريم أن يجمع بيننا وبينه في دار كرامته والدرجات العلى من جنته وأن يجعل عملنا صالحا ويجعله لوجهه خالصا ويجعل سعينا مقربا إليه مبلغا إلى رضوانه أنه جواد كريم

باب ما تكون به الطهارة من الماء
بسم الله الرحمن الرحيم
باب ما تكون به الطهارة من الماء
قال : أبو القاسم رحمه الله :
التقدير هذا باب ما تكون به الطهارة من الماء فحذف المبتدأ للعلم به وقوله تكون الطهارة أي تحصل وتحدث وهي ها هنا تامة غير محتاجة إلى خبر ومتى كانت تامة كانت بمعنى الحدث والحصول نقول : كان الأمر اي حدث ووقع قال الله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } أي ان وجد ذو عسرة وقال الشاعر :
( اذا كان الشتاء فأدفئوني ... فان الشيخ يهرمه الشتاء )
أي اذا جاء الشتاء وفي نسخة مقروءة على ابن عقيل باب ما تجوز به الطهارة من الماء ومعناهما متقارب والطهارة في اللغة النزاهة عن الاقذار وفي الشرع رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة بالماء أو رفع حكمه بالتراب فعند إطلاق لفظ الشارع أو كلام الفقهاء ينصرف إلى الموضوع الشرعي دون اللغوي وكذلك كل ماله موضوع شرعي ولغوي انما ينصرف المطلق منه إلى الموضوع الشرعي كالوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه لأن الظاهر من صاحبه الشرع التكلم بموضوعاته
والطهور بضم الطاء المصدر قاله اليزيدي والطهور بالفتح من الاسماء المتعدية وهو الذي يطهر غيره مثل الغسول الذي يغسل به وقال الحنيفة هو من الاسماء اللازمة بمعنى الطاهر سواء لأن العرب لا تفرق بين الفاعل والفعول في التعدي واللزوم فما كان فاعله لازما كان فعوله لازما بدليل قاعد وقعود ونائم ونؤوم وضارب وضروب وهذا غير صحيح فان الله تعالى قال : { ليطهركم به } وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] متفق عليه ولو أراد به الطاهر لم يكن فيه مزية لأنه طاهر في حق كل أحد وسئل النبي صلى الله عليه و سلم عن التوضوء بماء البحر فقال : [ هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] ولو لم يكن الطهور متعديا لم يكن جوابا للقوم حيث سألوه عن المتعدي اذ ليس كل طاهر مطهرا وما ذكروه لا يستقيم لأن العرب فرقت بين الفاعل والفعول فقالت : قاعد لمن وجد منه القعود وقعود لمن يتكرر منه ذلك فينبغي أن يفرق ها هنا وليس إلا من حيث التعدي واللزوم

مسألة : أقسام المياه - صفة الماء - الطهور - الطاهر
مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : الطهارة بالماء الطاهر المطلق الذي لا يضاف الى اسم شيء غيره مثل ماء الباقلا وماء الورد وماء الحمص وماء الزعفران وما أشبهه مما لا يزابل اسمه اسم الماء في وقت
قوله : والطهارة مبتدأ خبره محذوف تقديره والطهارة مباحة أو جائزة أو نحو ذلك والألف واللام للاستغراق فكأنه قال : وكل طهارة جائزة بكل ماء طاهر مطلق والطاهر ما ليس بنجس والمطلق ما ليس بمضاف إلى شيء غيره وهو معنى قوله لا يضاف إلى اسم غيره وانما ذكره صفة له وتنبيها ثم مثل الاضافة فقال : مثل الباقلا وماء الورد وماء الحمص وماء الزعفران وما أشبهه وقوله : مما لا يزايل اسمه اسم الماء في وقت صفة للشيء الذي يضاف إليه الماء ومعناه لا يفارق اسمه اسم الماء - والمزايلة المفارقة قال الله تعالى : { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } وقال أبو طالب : وقد طاوعوا أمر العدو المزايل أي المفارق - أي لا يذكر الماء إلا مضافا إلى المخالط له في الغالب ويفيد هذا الوصف الاحتراز من المضاف إلى مكانه ومقره كماء النهر والبئر فانه اذا زال عن مكانه زالت النسبة في الغالب وكذلك ما تغيرت رائحته تغيرا يسيرا فإنه لا يضاف في الغالب وقال القاضي : هذا احتراز من المتغير بالتراب لأنه يصفو عنه ويزايل اسمه وقد دلت هذه المسألة على أحكام منها إباحة الطهارة بكل ماء موصوف بهذه الصفة التي ذكرها على أي صفة كان من أصل الخلقة من الحرارة والبرودة والعذوبة والملوحة نزل من السماء أو نبع من الأرض في بحر أو نهر أو بئر أو غدير أو غير ذلك وقد دل على ذلك قول الله : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وقوله سبحانه : { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] وقوله في البحر [ هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] وهذا قول عامة أهل العلم إلا أنه حكي عن عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو انهما قالا في البحر : التيمم أعجب الينا منه وهو نادر وحكاه الماوردي عن سعيد بن المسيب والأول أولى لقول الله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وماء البحر ماء فلا يجوز العدول الى التيمم مع وجوده وروي عن أبي هريرة قال : [ سأل رجل النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] أخرجه أبو داود و النسائي و الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله - ولأنه ماء باق على أصل خلقته فجاز الوضوء كالعذب وقولهم هو نار إن أريد به انه نار في الحال فهو خلاف الحس وإن أريد أنه يصير نارا لم يمنع ذلك الوضوء به حال كونه ماء
ومنها : ان الطهارة من النجاسة لا تحصل إلا بما يحصل به طهارة الحدث لدخوله في عموم الطهارة وبهذا قال مالك و الشافعي و محمد بن الحسن و زفر و قال أبو حنيفة يجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل للعين والاثر كالخل وماء الورد ونحوهما وروي عن أحمد ما يدل على مثل ذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبعا ] أطلق الغسل فتقييده بالماء يحتاج إلى دليل ولأنه مائع طاهر مزيل فجازت ازالة النجاسة به كالماء فاما ما لا يزيل كالمرق واللبن فلا خلاف في أن النجاسة لا تزال به ولنا ما [ روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأسماء بنت أبي بكر : إذا أصاب ثوب أحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصلي فيه ] اخرجه البخاري و انس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بذنوب من ماء فاهريق على بول الاعرابي متفق عليه وهذا أمر يقتضي الوجوب ولأنها طهارة تراد للصلاة فلا تحصل بغير الماء كطهارة الحدث ومطلق حديثهم مقيد بحديثنا والماء يختص بتحصيل إحدى الطهارتين فكذلك الأخرى
ومنها : اختصاص حصول الطهارة بالماء لتخصصه اياه بالذكر فلا يحصل بمائع سواه وبهذا قال مالك و الشافعي و أبو عبيد و أبو يوسف وروي عن علي رضي الله عنه - وليس بثابت عنه - أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بالنبيذ وبه قال الحسن و الأوزاعي وقال عكرمة النبيذ وضوء ومن لم يجد الماء وقال اسحاق النبيذ حلوا أحب الي من التيمم وجمعهما أحب إلي وعن أبي حنيفة كقول عكرمة وقيل عنه : يجوز الوضوء بنبيذ التمر اذا طبخ واشتد عند عدم الماء في السفر لما روي ابن مسعود [ أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة لجن فأراد أن يصلي صلاة الفجر فقال : أمعك وضوء ؟ فقال لا معي إداوة فيها نبيذ فقال : ثمرة طيبة وماء طهور ] ولنا قول الله تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وهذا نص في الانتقال إلى التراب عند عدم الماء وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ الصعيد الطيب وضوء المسلم وأن لم يجد الماء عشر سنين ] وراه أبو داود ولانه لا يجوز الوضوء به في الحضر أو مع وجود الماء فأشبه الخل والمرق وحديثهم لا يثبت وراوية أبو زيد مجهول عند أهل الحديث لا يعرف له غير هذا الحديث ولا يعرف بصحبة عبد الله قاله الترمذي و ابن المنذر وقد روي عن ابن مسعود أنه سئل هل كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الجن فقال : ما كان معه منا أحد رواه أبو داود وروى مسلم باسناده عن ابن مسعود قال : لم أكن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الجين ووددت أني كنت معه

فصل : التطهر بالمياه المتعصرة من النبات وطهورية الماء الذي يخالطه غيره من الطاهرات والمضاف
فصل فاما غير النبيذ من المائعات غير الماء كالخل والدهن والمرق واللبن فلا خلاف بين أهل العلم فيما نعلم أنه لا يجوز وضوء ولا غسل لان الله تعالى أثبت الطهورية للماء بقوله تعالى : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وهذا لا يقع عليه اسم الماء
ومنها أن المضاف لا تحصل به الطهارة وهو على ثلاثة أضرب أحدها ما لا تحصل به الطهارة رواية واحدة وهو على ثلاث أنواع أحدها ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد وماء القرنفل وما ينزل من عروق الشجر اذا قطعت رطبة الثاني ما خالطه طاهر فغير اسمه وغلب على أجزائه حتى صار صبغا أو حبرا أو خلا أو مرقا ونحو ذالك الثالث ما طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلا المغلي فجميع هذه الانواع لا يجوز الوضوء بها ولا الغسل لا نعلم فيه خلافا إلا ما حكي عن ابن ابي ليلى و الاصم في المياه المعتصرة أنها طهور يرتفع بها الحدث ويزال بها النجس ولأصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلا المغلي وسائر من بلغنا قوله من أهل العلم على خلافهم قال أبو بكر و المنذر أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم أن الوضوء غير جائز بماء الورد وماء الشجر وماء العصفر ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق يقع عليه اسم الماء ولان الطهارة انما تجوز بالماء وهذا لا يقع عليه اسم الماء باطلاقه
الضرب الثاني : ما خالطه طاهر يمكن التحرز منه فغير احدى صفاته - طعمه أو لونه أو ريحه كماء الباقلا وماء الحمص وماء الزعفران واختلف أهل العلم في الوضوء به واختلفت الرواية عن امامنا رحمه الله في ذلك فروي عنه لا تحصل الطهارة به وهو قول مالك و الشافعي و اسحاق قال القاضي ابو يعلى وهي أصح وهي المنصورة عند أصحابنا في الخلاف ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه منهم أبو الحارث و الميموني و اسحاق بن منصور جواز الوضوء به وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه لان الله تعالى قال : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وهذا عام في كل ماء لأنه نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تعم فلا يجوز التيمم مع وجوده وأيضا قول النبي صلى الله عليه و سلم : في حديث أبي ذر [ التراب كافيك ما لم تجد الماء ] وهذا واجد للماء ولان النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه كانوا يسافرون وغالب أسقيتم الادم والغالب أنها تغير الماء فلم ينقل عنهم تيمم مع وجود شيء من تلك المياه ولأنه طهور خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء ولا رقته ولا جريانه فأشبه المتغير بالدهن - ووجه الاول انه ماء تغير بمخالطة ما ليس بطهور يمكن الاحتراز منه فلم يجز الوضوء به كماء الباقلا المغلي ولأنه زال عن اطلاقه فأشبه المغلي اذا ثبت هذا فإن أصحابنا لم يفرقوا بين المذرور في الماء مما يختلط بالماء كالزعفران والعصفر والاشنان ونحوه وبين الحبوب من الباقلا والحمص والثمر كالتمر والزبيب والورق وأشباه ذلك وقال أصحاب الشافعي : ما كان مذرورا منع اذا غير الماء وما عداه لا يمنع إلا أن ينحل في الماء وإن غيره من غير انحلال لم يسلب طهوريته لانه تغير مجاورة أشبه تغيير الكافور ووافقهم أصحابنا في الخشب والعيدان وخالفوهم في سائر ما ذكرنا لان تغير الماء به انما كان لانفصال أجزاء منه إلى الماء وانحلالها فيه فوجب أن يمنع كما لو طبخ فيه ولأنه ماء تغير بمخالطة طاهر يمكن صونه عنه أشبه مالو أغلي فيه
الضرب الثالث : من المضاف ما يجوز الوضوء به رواية واحدة وهو أربعة أنواع أحدها ما اضيف إلى محله ومقره كماء النهر والبئر وأشباههما لهذا لا ينفك منه ماء وهي إضافة إلى غير مخالط وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم الثاني ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء أو تحمله الريح فتلقيه فيه وما تجذبه السيول من العيدان والتبن ونحوه فتلقيه في الماء وما هو قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما اذا جرى عليه الماء فتغير به أو كان في الأرض التي يقف الماء فيها وهذا كله يعفى عنه لأنه يشق التحرز منه فان أخذ شيء من ذلك فألقي في الماء وغيره كان حكمه حكم ما يكن التحرز منه من الزعفران ونحوه لأن الاحتراز منه ممكن الثالث ما يوافق الماء في صفيته الطهارة والطهورية كالتراب اذا غير الماء لا يمنع الطهورية لأنه طاهر مطهر كالماء فان ثخن بحيث لا يجري على الاعضاء لم تجر الطهارة به لأنه طين وليس بماء ولا فرق في التراب بين وقوعه في الماء عن قصد أو غير قصد وكذلك الملح الذي أصله الماء كالبحري والملح الذي ينعقد من الماء الذي يرسل على السبخة فيصير ملحا فلا يسلب الطهورية لأن أصله الماء فهو كالجليد والثلج وان كان معدنيا ليس أصله الماء كالزعفران وغيره الرابع ما يتغير به الماء بمجاورته من غير مخالطة كالدهن على اختلاف أنواعه والطاهرات الصلبة كالعود والكافور والعنبر إذا لم يهلك في الماء ولم يمع فيه لا يخرج به عن اطلاقه لأنه تغيير مجاورة أشبه ما لو تروح الماء بريح شيء على جانبه ولا نعلم في هذه الأنواع خلافا وفي معنى المتغير بالدهن ما تغير بالقطران والزفت والشمع لأن في ذلك دهنية يتغير بها الماء تغير مجاورة فلا يمنع كالدهن

فصل : الماء الآجن
فصل : والماء الآجن وهو الذي يتغير بطول مكثه في المكان من غير مخالطة شيء يغيره باق على اطلاقه في قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم على أن الوضوء بالماء الآجن من غير نجاسة حلت فيه جائز غير ابن سيرين فانه كره ذلك وقول الجمهور أولى فانه يروى أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ من بئر كأن ماءه نقاعة الحناء ولأنه تغير من غير مخالطة

فصل : تغيير الماء في محل التطهير
فصل : واذ كان على العضو طاهر كالزعفران والعجين فتغير به الماء وقت غسله لم يمنع حصول الطهارة به لأنه تغير في محل التطهير أشبه ما لو تغير الماء الذي تزال به النجاسة في محلها

مسألة : حكم الماء إذا خالطه ما يوافقه في الأوضاف
مسألة : قال : وما سقط فيه مما ذكرنا أو من غيره وكان يسيرا فلم يوجد له طعم ولا لون ولا رائحة كثيرة حتى ينسب الماء اليه توضئ به
قوله : مما ذكرنا يعني الباقلا والحمص والورد والزعفران وغيره يعني من الطاهرات سواه وقوله حتى ينسب الماء اليه أي يضاف اليه على ما قدمنا واعتبر الكثرة في الرائحة دون غيرها من الصفات لأن لها سراية ونفوذا فانها تحصل عن مجاورة تارة وعن مخالطة أخرى فاعتبر الكثرة فيها ليعلم أنها عن مخالطة قال ابن عقيل غير الخرقي من أصحابنا ذهب إلى التسوية بين الرائحة واللون والطعم فان عفي عن اليسير في بعضها عفي عنه في بقيتها وان يعف عن اليسير في بعضها لم يعف عنه بقيتها وقد ذكرنا معنى يقتضي الفرق ان شاء الله تعالى - ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في جواز الوضوء بماء خالطه طاهر لم يغيره إلا ما حكي عن أم هانئ في ماء بل فيه خبز لا يتوضأ به ولعلها أرادت ما تغير به وحكى ابن المنذر عن الزهري في كسر بلت بالماء غيرت لونه أو لم تغير لونه لم يتوضأ به والذي عليه الجمهور أولى لأنه طاهر لم يغير صفة الماء فلم يمنع كبقية الطاهرات اذا لم تغيره وقد [ اغتسل النبي صلى الله عليه و سلم وزوجته من جفنة فيها أثر العجين ] رواه النسائي و ابن ماجه و الاثرم

فصل : إذا وقع في الماء مائع لا يغيره
فصل : وإذا وقع في الماء مائع لا يغيره لموافقة صفته - وهذا يبعد إذ الظاهر أنه لا بد أن ينفرد عنه بصفته - فيعتبر التغير بظهور تلك الصفة فان اتفق ذلك اعتبرناه بغيره مما له صفة تظهر على الماء كالحر اذا جني عليه دون الموضحة قومناه كأنه عبد وإن شك في كونه يمنع بني على يقين الطهورية لأنها الأصل فلا يزول عنها بالشك

فصل : إذا كان الواقع في الماء ماء مستعملا
فصل : و ان كان الواقع في الماء ماء مستعملا عفي عن يسيره قال إسحاق بن منصور قلت ل أحمد الرجل يتوضأ فينضح من وضوئه في إنائه ؟ قال لا بأس به قال إبراهيم النخعي : لا بد من ذلك ونحوه عن الحسن وهذا ظاهر حال النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه لأنهم كانوا يتوضؤون من الاقداح والانوار ويغتسلون من الجفان وقد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يغتسل هو وميمونة من جفنة فيها أثر العجين واغتسل هو وعائشة من اناء واحد تختلف أيديهما في كل واحد منهما يقول لصاحبه أبق لي ومثل هذا لا يسلم من رشاششش يقع في الماء وان كثر الواقع تفاحش منع على إحدى الروايتين وقال أصحاب الشافعي إن كان الأكثر المستعمل منع وإن كان الأقل لم يمنع وقال ابن عقيل : إن كان الواقع بحيث لو كان خلا غير الماء والا فلا وما ذكرنا من الخبر والظاهر حال النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه يمنع من اعتباره بالخل لأنه من أسرع المائعات نفوذا وأبلغها سراية فيؤثر قليله في الماء والحديث دل على العفو يسيره فاذا يرجع في ذلك إلى العرف فما كان كثيرا متفاحشا منع وإلا فلا وإن شك فالماء باق على الطهورية لأنها الأصل فلا يزول عنها بالشك

فصل : إذا كان الماء لا يكفيه فكمله بمائع ؟
فصل فان كان معه ماء لا يكفيه لطهارته فكمله بمائع لم يغيره جاز الوضوء به في إحدى الروايتين لأنه طاهر لم يغير الماء فلم يمنع كما لو كان الماء قدرا يجزي في الطهارة الثانية لا يجوز لأننا نتيقن حصول غسل بعض أعضائه بالمائع والأولى أولى لأنه لما لم تظهر صفة المائع على الماء صار حكم الجميع حكم الماء وما ذكرناه للرواية الثانية بما اذا كان الماء قدرا يجزئ في الطهارة فخلطه بمائع ثم توضأ به وبقي قدر المائع أو دونه فانه يجوز مع العلم بأن المستعمل بعض الماء وبعض المائع وكذلك الباقي لاستحالة انفراد الماء عن المائع والله أعلم

فصل : الماء المسخن بوقود طاهر أو نجس
فصل : ولا يكره الوضوء بالماء المسخن بطاهر إلا أن يكون حارا يمنع اسباغ الوضوء لحرارته وممن روي عنه أنه رأى الوضوء بالماء المسخن عمر وابنه وابن عباس وأنس رضي الله عنهم وهو قول أهل الحجاز وأهل العراق جميعهم غير مجاهد ولا معنى لقوله فان زيد بن أسلم رضي الله عنه روي أن عمر كان له فمقمة يسخن فيها الماء وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل حماما بالجحفة وذكر ابن عقيل حديثا عن شريك رحال النبي صلى الله عليه و سلم قال : أجنبت وأنا مع النبي صلى الله عليه و سلم فجمعت حطبا فأحميت الماء فاغتسلت فأخبرت النبي صلى الله عليه و سلم فلم ينكر علي ولأنها صفة خلق عليها الماء فأشبه ما لو برده

فصل : التطهر بالماء المشمس
فصل : ولا تكره الطهارة بالماء المشمس وقال الشافعي تكره الطهارة بماء قصد إلى تشميسه في الأواني ولا أكرهه إلا من جهة الطب لما روي عن عائشة رضي الله عنها قال : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد سخنت له الماء في الشمس فقال : [ لا تفعلي يا حميراء فانه يورث البرص ] واختاره أبو الحسن التميمي - ولنا أنه سخن بطاهر أشبه ما في البرك والأنهار وما سخن بالنار وما لم يقصد تشميسه فان الضرر لا يختلف بالقصد وعدمه والحديث غير ثابت يرويه خالد بن إسماعيل وهو متروك الحديث و عمر بن محمد الاعسم وهو منكر الحديث قاله الدارقطني قال : ولا يصح عن الزهري وحكي عن أهل الطب أنهم لا يعرفون لذلك تأثيرا في الضرر

فصل : الماء المسخن بالنجاسة
فصل : فأما الماء المسخن بالنجاسة فهو على ثلاثة أقسام أحدها أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء فينجسه إذا كان يسيرا والثاني أن لا يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء والحائل غير حصين فالماء على أصل الطهارة ويكره استعماله وقال الشافعي : لا يكره لأن النبي صلى الله عليه و سلم دخل حماما بالجحفة
ولنا أنه ماء تردد بين الطهارة والنجاسة مع وجود سببها فأقل أحواله الكراهة والحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم وإنما يروى عن ابن عباس ولم يثبت أن الوقود كان نجسا ولا أن الحائل كان غير حصين والحديث قضية في عين لا يثبت به نفي الكراهة إلا في مثلها ولا يثبت به نفي الكراهة على الاطلاق القسم الثالث اذا كان الحائل حصينا فقال القاضي : يكره واختار الشريف أبو جعفر و ابن عقيل أنه لا يكره لأنه غير متردد في نجاسته بخلاف التي قبلها : وذكر أبو الخطاب في كراهة المسخن بالنجاسة روايتين على الإطلاق

فصل : التطهر بماء زمزم
فصل ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم لأنه ماء طهور فأشبه سائر المياه وعنه يكره لقول العباس : لا أحلها لمغتسل لكن للمحرم حل وبل ولأنه يزيل به مانعا من الصلاة أشبه إزالة النجاسة به والأول أولى وقول العباس لا يؤخذ بصريحه في التحريم ففي غيره أولى وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه و سلم كفته أو اغتسل منه

فصل : التطهر بماء الثلج والبرد
فصل : الذائب من الثلج والبرد طهور لأنه ماء نزل من السماء وفي دعاء النبي صلى الله عليه و سلم : [ اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد ] متفق عليه فإن أخذ الثلج فأمره على أعضائه لم تحصل الطهارة به ولو انبل به العضو لأن الواجب الغسل وأقل ذلك أن يجري الماء على العضو إلا أن يكون خفيفا فيذوب ويجري ماؤه على الاعضاء فيحصل به الغسل فيجزئه

مسألة : حكم الماء المتفضل عن أعضاء المتوضئ
مسألة : قال ولا يتوضأ بماء قد وضئ به
يعني الماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ والمغتسل في معناه وظاهر المذهب ان المستعمل في رفع الحدث طاهر غير مطهر لا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا وبه قال الليث و الأوزاعي : وهو المشهور عن أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وظاهر مذهب الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه طاهر مطهر وبه قال الحسن و عطاء و النخعي و الزهري و مكحول و أهل الظاهر والرواية الثانية ل مالك والقول الثاني ل الشافعي روي عن علي وابن عمر وأبي أمامة فيمن نسي مسح رأسه اذا وجد بللا في لحيته أجزأه أن يمسح رأسه بذلك البلل ووجه ذلك ان النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الماء ولا يجنب ] وقال [ الماء ليس عليه جنابة ] و [ روي أن النبي صلى الله عليه و سلم اغتسل من الجنابة فرأى لمعة لم يصيبها الماء فعصر شعره عليها ] رواهما الإمام أحمد في المسند و ابن ماجة وغيرهما ولأنه غسل به محل طاهر فلم تزل به طهوريته كما لو غسل به الثوب ولأنه لاقى محلا طاهرا فلا يخرج عن حكمه بتأدية الفرض به كالثوب يصلي فيه مرارا
وقال أبو يوسف : هو نجس وهو رواية عن أبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة ] رواه أبو داود فاقتضى أن الغسل فيه كالبول فيه ولأنه يسمى طهارة والطهارة لا تكون إلا عن نجاسة إذ تطهير الطاهر لا يعقل
ولنا : على طهارته أن النبي صلى الله عليه و سلم كان اذا توضأ كادوا يقتتلون على ضوئه رواه البخاري ولأنه صلى الله عليه و سلم صب على جابر من وضوئه إذ كان مريضا ولو كان نجسا لم يجز فعل ذلك - ولأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه ونسائه كانوا يتوضؤون في الأقداح والاتوار ويغتسلون في الجفان ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع في الماء من المستعمل ولهذا قال إبراهيم النخعي : ولا بد من ذلك فلو كان المستعمل نجسا لنجس الماء الذي يقع فيه وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قدمت إليه امرأة من نسائه قصعة ليتوضأ منها فقالت امرأة : أني غمست يدي فيها وأنا جنب فقال : [ الماء لا يجنب ] ورواه الإمام أبو عبد الله في المسند [ الماء لا ينجس ] وعندهم الحدث يرتفع من غير نية ولأنه ماء طاهر لاقى محلا طاهرا فكان طاهرا كالذي غسل به الطاهر والدليل على أن المحدث طاهر ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : [ لقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا جنب فانخنست منه فاغتسلت ثم جئت فقال : أين كنت يا أبا هريرة ؟ قلت يا رسول الله : كنت جنبا فكرهت أن أجالسك فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال : سبحان الله المسلم لا ينجس ] متفق عليه ولأنه لو غمس يده في الماء لم ينجسه ولو مس شيئا رطبا لم ينجسه ولو حمله مصل لم تبطل صلاته وقولهم أنه نهى عن الغسل من الجنابة في الماء الدائم كنهيه عن البول فيه قلنا النهي يدل على أنه يؤثر في الماء وهو المنع من التوضؤ به والاقتران يقتضي التسوية في أصل الحكم لا في تفصيله وإنما سمي الوضوء والغسل طهارة لكونه ينقي الذنوب والآثام كما ورد في الأخبار بدليل ما ذكرنا اذا ثبت هذا فالدليل على خروجه عن الطهورية قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ] رواه مسلم منع من الغسل فيه كمنعه من البول فيه فلولا أنه يفيده منعا لم ينه عنه ولأنه أزيل به مانع من الصلاة فلم يجز استعماله في طهارة أخرى كالمستعمل في ازالة النجاسة

فصل : حكم الماء المنفصل عن جيمع الأحداث
فصل : وجميع الأحداث سواء فيما ذكرنا - الحدث الأصغر والجنابة والحيض والنفاس وكذلك المنفصل من غسل الميت اذا قلنا بطهارته واختلفت الرواية في المنفصل عن غسل الذمية من الحيض فروي أنه مطهر لأنه لم يزل مانعا من الصلاة أشبه ماء تبرد به وروي أنه غير مطهر لأنها أزالت به المانع من وطء الزوج أشبه ما لو اغتسلت به مسلمة فان اغتسلت به من الجنابة كان مطهرا وجها واحدا لأنه لم يزل مانعا من الصلاة ولا استعمل في عبادة أشبه ما لو تبرد به - ويحتمل أن يمنع استعماله لأنه استعمل في الغسل من الجنابة أشبه ما لو اغتسلت به مسلمة

فصل : إذا استعمل في طهارة مستحبة
فصل : وإن استعمل في طهارة مستحبة غير واجبة كالتجديد والغسلة الثانية والثالثة في الوضوء والغسل للجمعة والعيدين وغيرهما ففيه روايتان احداهما أنه كالمستعمل في رفع الحدث لأنها طهارة مشروعة أشبه ما لو اغتسل به من جنابة والثانية لا يمنع لأنه لم يزل مانعا من الصلاة أشبه ما لو تبرد به فان لم تكن الطهارة مشروعة لم يؤثر استعمال الماء فيها شيئا وكان كما لو تبرد أو غسل به ثوبه ولا تختلف الرواية أن ما استعمل في التبرد والتنظيف أنه باق على إطلاقه ولا نعلم فيه خلافا

فصل : إذا استعمل في تعبد من غير حدث
فصل : فأما المستعمل في تعبد من غير حدث كغسل اليدين من نوم الليل فان قلنا ليس ذلك بواجب لم يؤثر استعماله في الماء وإن قلنا بوجوبه فقال القاضي هو طاهر غير مطهر وذكر أبو الخطاب فيه روايتين إحداهما أنه يخرج عن إطلاقه لأنه مستعمل في طهارة تعبد أشبه المستعمل في رفع الحدث ولأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يغمس القائم من نوم الليل يده في الاناء قبل غسلها فدل ذلك على أنه يفيد منعا والرواية الثانية أنه باق على إطلاقه لأنه لم يرفع حدثا أشبه المتبرد به وعلى قياسه المستعمل في غسل الذكر والانثيين من المذي اذا قلنا بوجوبه لأنه في معناه

فصل : حكم الماء الذي ينغمس فيه المحدث
فصل اذا انغمس الجنب أو المحدث فيما دون القلتين ينوي رفع الحدث صار مستعملا ولم يرتفع حدثه وقال الشافعي : يصير مستعملا ويرتفع حدثه لأنه إنما يصير مستعملا بارتفاع حدثه فيه ولنا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ] رواه مسلم والنهي فساد المنهي عنه ولأنه بانفصال أول جزء من الماء عن بدنه صار الماء مستعملا فلم يرتفع الحدث عن سائر البدن كما لو اغتسل فيه شخص آخر فان كان الماء قلتين فصاعدا ارتفع حدثه ولم يتأثر به الماء لأنه لا يحمل الخبث

فصل : خلط الماء المستعمل بماء غير مستعمل طهور
فصل : اذا اجتمع ماء مستعمل إلى قلتين غير مستعمل صار لكل طهورا لأنه لو كان المستعمل نجسا لكان الكل طهورا فالمستعمل أولى وإن انضم إلى ما دون القلتين وكثر المستعمل ولم يبلغ قلتين منع وإن بلغ قلتين باجتماعه فكذلك ويحتمل أن يزول المنع لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ اذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث ] وإن انضم مستعمل إلى مستعمل ولم يبلغ القلتين فهو باق على المنع وإن بلغ قلتين ففيه وجهان لما ذكرنا

مسألة : سعة القلتين
مسألة : قال : واذا كان الماء قلتين وهو خمس قرب فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد لها طعم ولا لون ولا رائحة فهو طاهر
القلة هي الجرة سميت قلة لأنها تقل بالأيدي أي تحمل ومنه قوله تعالى : { حتى إذا أقلت سحابا ثقالا } ويقع هذا الاسم على الكبيرة والصغيرة والمراد بها ها هنا قلتان من قلال هجر وهما خمس قرب كل قربة مائة رطل بالعراقي فتكون القلتان خمسمائة رطل بالعراقي هذا ظاهر المذهب عند أصحابنا وهو مذهب الشافعي لأنه روي عن ابن جريج أنه قال : رأيت قلال هجر القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا والاحتياط أن يجعل قربتين ونصفا وروى الأثرم و إسماعيل بن سعيد عن أحمد أن القلتين أربع قرب وحكاه ابن المنذر عن أحمد في كتابه وذلك لما روى الجوزجاني بإسناده عن يحيى بن عقيل قال : رأيت قلال هجر وأظن كل قلة تأخذ قربتين وروي نحو هذا عن ابن جريج واتفق القائلون بتحديد الماء بالقرب على تقدير كل قربة بمائة رطل بالعراقي ولا أعلم بينهم في ذلك خلافا ولعلهم أخذوا ذلك ممن اختبر قرب الحجاز وعرف أن ذلك مقدارها وإنما خصصنا هذا بقلال هجر لوجهين أحدهما أنه قد روي في حديث مبينا رواه الخطابي في معالم السنة بإسناده إلى ابن جريج عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا : [ اذا كان الماء قلتين بقلال هجر ] وذكر الحديث والثاني أن قلال هجر أكبر ما يكون من القلال وأشهرها في عصر النبي صلى الله عليه و سلم ذكره الخطابي قال وهي مشهورة الصنعة معلومة المقدار لا تختلف كما لا تختلف الصيعان والمكاييل ولأن الحد لا يقع بالمجهول وقال أبو عبيد هي الحباب وهي مستفيضة معروفة فينبغي أن يحمل لفظ القلتين عليها لشهرتها وكبرها فان كل معدود جعل مقدارا وحدا لم يتناول إلا أكبرها لأنها أقرب إلى العلم وأقل في العدد ولذلك جعل نصاب الزكاة بالأوسق دون الآصع والامداد قد دلت هذه المسألة بصريحها على أن ما بلغ القلتين فلم يتغير بما وقع فيه لا ينجس وبمفهومها على أن ما تغير بالنجاسة نجس وإن كثر وان ما دون القلتين ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير - فاما نجاسة ما تغير بالنجاسة فلا خلاف فيه قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير اذا وقعت فيه نجاسة فغيرت للماء طعما أو لونا أو رائحة أنه نجس ما دام كذلك وقد روى أبو أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه ] رواه ابن ماجة وقال حرب بن إسماعيل سئل أحمد عن الماء اذا تغير طعمه وريحه ؟ قال لا يتوضأ به ولا يشرب وليس فيه حديث ولكن الله تعالى حرم الميتة فاذا صارت الميتة في الماء فتغير طعمه أو ريحه فذلك طعم الميتة وريحها فلا يحل له وذلك أمر ظاهر وقال الخلال إنما قال أحمد : ليس فيه حديث لأن هذا الحديث يرويه سليمان بن عمر و رشدين بن سعد وكلاهما ضعيف و ابن ماجة رواه من طريق رشدين - وأما ما دون القلتين اذا لاقته النجاسة فلم يتغير بها فالمشهور في المذهب أنه ينجس وروي عن ابن عمر و سعيد بن جبر و مجاهد وبه قال الشافعي و إسحاق و أبو عبيد وروي عن أحمد رواية أخرى أن الماء لا ينجس إلا بالتغير قليله وكثيره وروي ذلك عن حذيفة وأبي هريرة وابن عباس : الماء لا ينجس وروي ذلك عن سعيد بن المسيب و الحسن و عكرمة و عطاء و جابر بن زيد و ابن أبي ليلى و مالك و الأوزاعي و الثوري و يحيى القطان و عبد الرحمن بن مهدي و ابن المنذر وهو قول ل الشافعي لحديث أبي أمامة الذي أوردناه و [ روى أبو سعيد قال : قيل يا رسول الله : أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ - وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن - فقال : أن الماء طهور لا ينجسه شيء ] رواه أبو داود و النسائي و الترمذي وقال حديث حسن قال الخلال قال أحمد حديث البئر بضاعة صحيح وروي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها فقال : لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور ] ولم يفرق بين القليل والكثير ولأنه لم يظهر عليه إحدى صفات النجاسة فلم ينجس بها كالزائد عن القلتين - ووجه الرواية الأولى ما روى ابن عمر رضي الله عنهما [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الماء وما بنويه من الدواب والسباع فقال : اذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ] رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة وفي لفظ [ اذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ] وتحديده بالقلتين يدل على أن ما دونهما ينجس إذا لو استوى حكم القلتين وما دونهما لم يكن بالتحديد مفيدا وصح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدري أين باتت يده ] فلولا أنه لا يفيده منعا لم ينه عنه وأمر النبي صلى الله عليه و سلم بغسل الاناء من ولوغ الكلب وإرقة سؤره ولم يفرق بين ما تغير وما لم يتغير مع أن الظاهر عدم التغير وخبر أبي أمامة ضعيف وخبر بئر بضاعة والخبر الآخر محمولان على الماء الكثير بدليل أن ما تغير نجس أو نخصهما بخبر القلتين فانه أخص منهما والخاص يقدم على العالم وأما الزائد عن القلتين اذا لم يتغير ولم تكن النجاسة بولا او عذرة فلا يختلف المذهب في طهارته وروي ذلك عن ابن عمر و سعيد بن جبير و مجاهد وهو قول الشافعي و إسحاق و أبي عبيد و أبي ثور و هو قول من حكينا عنهم أن اليسير لا ينجس الا بالتغير وحكي عن ابن عباس أنه قال : اذا كان الماء ذنوبين لم يحمل الخبث وقال عكرمة : ذنوبا أو ذنوبين وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى الكثير ينجس بالنجاسة الا أن يبلغ حدا يغلب على الظن أن النجاسة لا تصل إليه واختلفوا في حده فقال بعضهم : ما إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الآخر وقال بعضهم : ما بلغ عشرة أذرع في عشرة أذرع وما دون ذلك ينجس وإن بلغ الف قلة لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضا منه ] متفق عليه فنهى عن الوضوء من الماء الراكد بعد البول فيه ولم يفرق بين قليله وكثيره ولأنه ماء حلت فيه نجاسة لا يؤمن انتشاره إليه فينجس بها كاليسير - ولنا خبرا القلتين وبئر بضاعة اللذان ذكرناهما فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] مع قولهم له أتتوضأ من بئر بضاعة ؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن وبئر بضاعة لا يبلغ الحد الذي ذكروه قال أبو داود : قدرت بئر بضاعة برداني مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع وسألت الذي فتح لي باب البستان هل غير بناؤها عما كانت عليه ؟ قال : لا وسألت قيمها عن عمقها فقلت : أكثر فيها الماء ؟ قال : إلى العانة قلت : فاذا نقصل قال : دون العورة ولأنه ماء يبلغ قلتين فأشبه ما زاد على عشرة أذرع وحديثهم عام وحديثنا خاص فيجب تقديمه الثاني أن حديثهم لا بد تخصيصه فان ما زاد على الحد ذكروه لا يمنع من الوضوء به اتفاقا وإذا وجب تخصيصه كان تخصيصه بقول النبي صلى الله عليه و سلم أولى من تخصيصه بالرأي والتشهي من غير أصل يرجع إليه ولا دليل يعتمد عليه - ولأن ما ذكروه من الحد تقدير طريقه التوقيف لا يصار إليه إلا بنص أو اجماع وليس معهم نص ولا إجماع ولأن حديثهم خاص في البول ونحن نقول به على أحدى الروايتين ونقصر الحكم على ما تناوله النص وهو البول لأن له من التأكيد والانتشار في الماء ما ليس لغيره على ما سنذكره إن شاء الله تعالى فان قيل المراد بقوله : [ لم يحمل الخبث ] أي لم يدفع الخبث عن نفسه أي أنه ينجس بالواقع فيه قلنا هذا فاسد لوجوه أحدها ان في بعض ألفاظه لم ينجس رواه أبو داود و ابن ماجة واحتج به أحمد والثاني أنه لو أراد أن ما بلغ القلتين في القلة ينجس لكان ما فوقهما لا ينجس لتحقق الفرق بينهما فانه جعل القلتين فصلا بين ما يتنجس فلو سوينا بينهما لم يبق فصل الثالث ان مقتضاه في اللغة أنه يدفع الخبث عن نفسه من قولهم فلان لا يحتمل الضيم أي يدفعه عن نفسه والله أعلم

فصل : تحديد القلتين
فصل : اختلف أصحابنا هل القلتان خمسمائة رطل تحديدا أو تقريبا قال أبو الحسن الأمدي : الصحيح أنها تحديد وهو ظاهر قول القاضي وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن اعتبار ذلك كان احتياطا وما اعتبر احتياطا كان واجبا كغسل جزء من الرأس مع الوجه وإمساك جزء من الليل مع النهار في الصوم ولأنه قدر يدفع النجاسة عن نفسه فاعتبر تحقيقه كالعدد في الغسلات والصحيح أن ذلك تقريب لأن الذين نقلوا تقدير القلال لم يضبطوهما بحد إنما قال ابن جريج القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا وقال يحيى بن عقيل : أظنها تسع قربتين وهذا لا تحديد فان قولهما يدل على انهما قربا الأمر والشيء الزائد عن القربتين مشكوك فيه مع أنه يقع على المجهول والظاهر قلته لأن لفظه يدل على تقارب ما بين الأمرين المذكورين وكلما قل الشيء كان اقرب الى القربتين وكلام أحمد يد لعلى هذا فإنه روي عنه ان القلة قربتان وروي قربتان ونصف وروي وثلث وهذا يدل على أنه لم يحد في ذلك حدا ثم ليس للقربة حد معلوم فان القرب تختلف اختلافا كثيرا فلا تكاد قربتان تتفقان في حد واحد لهذا لو اشترى منه شيئا مقدرا بالقرب أو أسلم في شيء محدود بالقرب لم يجز ذلك ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قد علم أن الناس لا يكيلون الماء ولا يزنونه فلم يكن ليعرفهم الحد بما لا يعرف به وإنما أراد أن من وجد ماء فيه نجاسة فظنه مقاربا للقلتين توضأ منه وان ظنه ناقصا عنهما من غير مقاربة لهما تركه وفائدة هذا أن من اعتبر التحديد فنقص عن الحد شيئا يسيرا لم يعف عنه ونجس بورود النجاسة عليه ومن قال بالتقريب عفي عن النقص اليسير عنده وتعلق الحكم بما يقارب القلتين وإن شك في بلوغ الماء قدرا يدفع النجاسة أو لا يدفعها ففيه وجهان أحدهما يحكم بطهارته لأنه كان طاهرا قبل وقوع النجاسة فيه وشك هل ينجس به أو لا فلا يزول اليقين بالشك الثاني يحكم بنجاسته لأن الأصل قلة الماء فنبني عليه ويلزم من ذلك النجاسة

فصل : وقوع النجاسة في مائع غير الماء
فصل : فأما غير الماء من المائعات ففيه ثلاث روايات إحداهن أنه ينجس بالنجاسة وان كثر لأن النبي صلى الله عليه و سلم [ سئل عن فأرة وقعت في سمن قال : ان كان مائعا فلا تقربوه ] رواه الإمام أحمد في مسنده إسناد الصحيح على شرط الصحيحين ولم يفرق بين كثيره وقليله ولأنها لا قوة لها على دفع النجاسة فإنها لا تطهر غيرها فلا تدفعها عن نفسها كاليسير والثانية أنها كالماء لا ينجس منها ما بلغ القلتين الا بالتغير قال حرب سألت أحمد قلت كلب ولغ في سمن أو زيت ؟ قال اذا كان في آنية كبيرة مثل حب أو نحوه رجوت أن لايكون به بأس ويؤكل وأن كان في آنية صغيرة فلا يعجبني وذلك لأنه كثير فلم ينجس بالنجاسة من غير تغيير كالماء والثالثة ما أصله الماء كالخل التمري يدفع النجاسة لأن الغالب فيه الماء ومالا فلا والأولى أولى

فصل : الماء الطاهر الكثير هل يدفع النجاسة نفسه ؟
فصل : فأما الماء المستعمل وما كان طاهرا غير مطهر فإنه يدفع النجاسة عن نفسه اذا كثر لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ] ويحتمل أن ينجس لأنه طاهر غير مطهر فأشبه الخل

فصل : حكم النجاسة اليسيرة والماء النجس إذا كثر
فصل : إذا كان الماء كثيرا فوقع في جانب منه نجاسة فتغير بها نظرت فيما لم يتغير فان نقص عن القلتين فالجميع نجس لأن المتغير نجس بالتغير والباقي تنجس بملاقاته وان زاد عن القلتين فهو طاهر وقال ابن عقيل وبعض الشافعية : يكون نجسا أيضا وأن كبر وتباعدت أقطاره لأنه ماء راكد بعضه نجس فكان جميعه نجسا كما لو تقاربت أقطاره ولأن المتغير مائع نجس فينجس ما يلاقيه ثم تنجس بذلك ما يلاقيه إلى آخره فإن اضطراب فزال التغير زال التنجس لزوال علته - ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ] وقوله عليه الصلاة و السلام : [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] وغير المتغير قد بلغ القلتين ولم يتغير فيدخل في عموم الأحاديث ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو لم يتغير منه شيء ولأن العلة في نجاسة الماء الكثير التغير فقط فيختص التنجيس بمحل العلة كما لو تغير بعضه بطاهر فلا يصح القياس على ما اذا كان غير المتغير ناقصا عن القلتين لأنه قليل ينجس بمجرد الملاقاة للنجاسة الكبيرة وأما تباعد الأقطار وتقاربها فلا عبرة بها إنما العبرة بكون غير المتغير قليلا أو كثيرا فلا يمنع الحكم بطهارة الماء الملاصق للنجاسة بدليل ما لو كان فيه كلب أو ميتة فان الملاصق له طاهر وإن منعت طهارته فالملاصق للملاصق طاهر وعلى قياس قولهم ينبغي أن يتنجس البحر اذا تغير جانبه والماء الجاري وكل ما تغير بعضه ولا قائل به وقد قال أحمد في المصانع التي بطريق مكة لا ينجس تلك شيء

فصل : ولا فرق بين يسير النجاسة وكثيرها
فصل : ولا فرق بين يسير النجاسة وكثيرها وسواء كان اليسير مما يدركه الطرف أو لا يدركه من جميع النجاسات إلا أن ما يعفى عن يسيره في الثوب كالدم ونحوه - حكم الماء المتنجس به - حكمه في العفو عن يسيره وكل نجاسة بها الماء يصير حكمه حكمها لأن نجاسة الماء ناشئة عن نجاسة الواقع وفرع عليها والفرع يثبت له حكم أصله وقيل عن الشافعي إن ما يدركه الطرف من النجاسة معفو عنه للمشقة للاحقة به ونص في موضع على أن الذباب اذا وقع على خلاء رقيق أو بول ثم وقع على الثوب غسل موضعه لنجاسة الذباب مما لا يدركه الطرف ولأن دليل التنجيس لا يفرق بين يسير النجاسة وكثيرها ولا بين ما يدركه الطرف وما لا يدركه فالتفريق تحكم بغير دليل وما ذكروه من المشقة غير صحيح لأننا إنما نحكم بنجاسة ما علمنا وصول النجاسة إليه ومع العلم لا يفترقان في المشقة ثم ان المشقة حكمة لا يجوز تعليق الحكم بها بمجردها وجعل ما لا يدركه الطرف ضابطا لها غير صحيح فان ذلك إنما يعرف بتوقيف أو اعتبار الشرع له في موضع ولم يوجد واحد منهما

فصل : ماء الغدير إذا اتصل بغدير آخر
فصل : والغديران إذا اتصل أحدهما بالآخر بساقية بينهما فيها ماء قليل أو كثير فهما ماء واحد حكمهما حكم الغدير الواحد إن بلغا جميعا قلتين لم يتنجس واحد منهما إلا بالتغير وان يبلغاها تنجس كل واحد منهما بوقوع النجاسة في أحدهما لأنه ماء راكد متصل بعضه ببعض - أشبه الغدير الواحد

فصول : حكم وقوع النجاسة في الماء الجاري
فصل : في الماء الجاري : نقل عن أحمد رحمه الله ما يدل على الفرق بين الماء الجاري والراكد فانه قال في حوض الحمام قد قيل : إنه بمنزلة الماء الجاري وقال في البئر يكون لها مادة : هو واقف لا يجري ليس هو بمنزلة ما يجري فعلى هذا لا يتنجس الجاري إلا بتغيره لأن الأصل طهارته ولا نعلم في تنجيسه نصا ولا إجماعا فبقي على أصل الطهارة ولأنه يدخل في عموم قوله عليه السلام : [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] وقوله : [ الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه ] فان قيل : قد ورد الشرع بتنجيس قليله لقوله عليه السلام : [ إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ] قلنا : هذا حجة على طهارته لأن ماء الساقية بمجموعة قد بلغ القلتين فلا يحمل الخبث وتخصيص الجرية منه بهذا التقدير تحكم لا دليل عليه ثم الخبر إنما ورد في الماء الراكد ولا يصح قياس الجاري عليه لقوته بجريانه واتصاله بمادته ثم الخبر إنما يدل بمنطوقه على نفي النجاسة عما بلغ القلتين وإنما يستدل ها هنا بمفهومه وقضاء حق المفهوم يحصل بمخالفة ما دون القلتين لما بلغهما وقد حصلت المخالفة بكون ما دون القلتين يفترق فيه الماء الجاري والراكد في التنجيس وما بلغهما لا يختلف وهذا كاف وقال القاضي وأصحابه كل جرية من الماء الجاري معتبرة بنفسها فاذا كانت النجاسة جارية مع الماء فما أمامها طاهر لأنها لم تصل اليه وما خلفها طاهر لأنه لم يصل إليها والجرية التي فيها النجاسة إن بلغت قلتين فهي طاهرة إلا أن تتغير بالنجاسة وان كانت دون القلتين فهي نجسة وان كانت النجاسة واقفة في جانب النهر أو قراره أو في وهدة منه فكل جرية تمر عليها ان كانت دون القلتين فهي نجسة وإن بلغت قلتين فهي طاهرة إلا أن تتغير والجرية هي الماء الذي فيه النجاسة وما قرب منها ومن خلفها وأمامها - مما العادة انتشارها إليه إن كانت مما ينتشر - مع ما يحاذي ذلك كله مما بين طرفي النهر فان كانت النجاسة ممتدة فلكل جزء منها مثل تلك الجرية المعتبرة للنجاسة القليلة ولا يجعل جميع ما يحاذيها جرية واحدة لئلا يفضي الى تنجيس الماء الكثير بالنجاسة القليلة ونفي التنجيس عن الكثير مع وجود النجاسة الكثيرة فان المحاذي للكثيرة كثير فلا يتنجس والمحاذي للقليلة قليل يتنجس فاننا لو فرضنا كلبا في نهر وشعرة منه في الجانب الآخر لكان الخاذي للشعرة لا يبلغ قلتين لقلة ما يحاذيها والمحاذي للكلب يبلغ قلالا وقد ذكر القاضي و ابن عقيل ان الجرية المحاذية للنجاسة فيما بين طرفي النهر ويتعين حمله على ما ذكرنا لما بيناه
فان قيل فهذا يفضي الى التسوية بين النجاسة الكثيرة والقليلة قلنا : الشرع سوى بينهما في الماء الراكد وهو أصل فتجب التسوية بينهما في الجاري الذي فرع
فصل : فان كان في جانب النهر ماء واقف مائل عن سنن الماء متصل بالجاري أو كان في أرض النهر وهدة فيها ماء واقف وكان ذلك مع الجرية المقابلة له دون القلتين نجسا جميعا بوجود النجاسة في أحدهما لأنه ماء متصل دون القلتين فينجس بها جميعه كالراكد وإن كان أحدهما قلتين لم ينجس واحد منهما ما داما متلاقيين إلا بالتغير لأن القتين تدفع النجاسة عن نفسها وعما لاقته ثم لا يخلو من كون النجاسة في النهر أوفي الواقف فان كانت في النهر وهو قلتان فهو طاهر على كل حال وكذلك الواقف وإن كان دون القلتين فهو نجس قبل ملاقاته للواقف فاذا حاذاه طهر باتصاله به فإذا فارقه عاد إلى التنجس لقلته مع وجود النجاسة فيه وان كانت النجاسة في الواقف لم ينجس بحال لأنه لا يزال هو وما لاقاه قلتين فان كان الواقف دون القلتين والجرية كذلك إلا أنهما بمجموعهما يزيدان عن القلتين وكانت النجاسة في الواقف لم ينجس واحد منهما لانها مع ما تلاقيه أكثر من قلتين وإن كانت في النهر فقياس قول أصحابنا : أن ينجس الواقف والجرية التي فيها النجاسة وكل ما يمر بعدها بالواقف لأن الجرية التي فيها النجاسة كانت نجسة قبل ملاقاة الواقف ثم تنجس بها الواقف لكونه ماء دون القلتين ورد عليه ماء نجس ولم تطهر الجرية لأنها بمنزلة ماء نجس صب على ما دون القلتين فلما صار الواقف نجسا نجس ما يمر عليه ويحتمل أن يحكم بطهارة الجرية حال ملاقاتها للواقف ولا يتنجس الواقف بها لأنه ماء كثير لم يتغير فلا ينجس لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ] وهذا مذهب الشافعي وهذا كله ما لم يتغير فان تغير فهو نجس وحكمه حكم أعيان النجاسة فاذا كان الواقف متغيرا وحده فالجرية التي تمر به إن كانت قلتين فهي طاهرة وإن كانت دون القلتين فهي نجسه وإن كانت الجرية متغيرة والواقف قلتان فهو طاهر وإلا فهو نجس وإن كان بعض الواقف متغيرا وبعضه غير متغير وكان غير المتغير مع الجرية الملاقية له قلتين لم ينجس لأنه ماء زائد عن القلتين لم يتغير فكان طاهرا كما لو كانت الجرية قلتين وان كان المتغير منه الواقف يلي الجاري وغير المتغير لا يليه ولا يتصل به من أعلى الماء ولا أسفله ولا من ناحية من نواحيه وأن اتصل به من ناحية فكل ما لم يتغير طاهر اذا بلغ القلتين لأ ه كالغديرين الذين بينهما ساقية وان شك في ذلك فالماء طاهر لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك والله أعلم
فصل : اذا اجتمعت الجريات في موضع فان كان متغيرا بالنجاسة فهو نجس وان كثر وان كان في بعض الجريات ماء طاهر متوال يبلغ قلتين إما سابقا وإما لاحقا فالجميع طاهر ما لم يتغير لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها وعما اجتمعت معه وإن كان المجتمع دون القلتين وفي بعض الجريات شيء نجس فالكل نجس في ظاهر المذهب وإن كان قلتين إلا أن الجريات كلها نجسة أو بعض الجريات طاهر وبعضها نجس ولا يتوالى من الطاهر قلتان فظاهر المذهب أن الجميع نجس وان كثر ويحتمل أن يكون طاهرا وهو مذهب الشافعي لقوله عليه السلام : [ اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ] ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو كان متغيرا فزال تغيره بمكثه
ولنا : أنه انضم النجس إلى النجس فصار الجميع نجسا كغير الماء وان كان بعض الجريات طاهرا لكنه قليل فهو مما لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى فان كان الماء كثيرا متغير بالنجاسة فزال تغيره بنفسه طهر الجميع وإن زال بماء طاهر دون القلتين أو باجتماع ماء نجس إليه فظاهر المذهب أنه نجس لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه فلا يدفعها عن غيره ويحتمل أن يطهر لأنه أزال علة التنجيس فأزال كما لو زال بنزح أو بمكثه

فصل : تطهير الماء النجس
فصل : في تطهير الماء النجس وهو ثلاثة أقسام أحدها ما دون القلتين فتطهيره بالمكاثرة بقلتين طاهرتين اما أن يصب فيه أو ينبع فيه فيزول بهما تغيره إن كان متغيرا وأن لم يكن متغيرا طهر بمجرد المكاثرة لأن القلتين لا تحمل الخبث ولا تنجس الا بالتغير ولذلك لو ورد عليها ماء نجس لم ينجسها ما لم تتغير به فكذلك اذا كانت واردة ومن ضرورة الحكم بطهارتها طهارة ما اختلطا به
القسم الثاني : أن يكون وفق القلتين فلا يخلو من أن يكون غير متغير بالنجاسة فيطهر بالمكاثرة المذكورة لا غير الثاني : أن يكون متغيرا فيطهر بأحد أمرين بالمكاثرة المذكورة اذا أزالت التغير أو بتركه حتى يزول تغيره بطول مكثه
الثالث : الزائد عن القلتين فله حالان أحدهما أن يكون نجسا بغير التغير فلا طريق الى تطهيره بغير المكاثرة الثاني أن يكون متغيرا بالنجاسة فتطهيره بأحد أمور المكاثرة أو زوال تغيره بمكثه أو أن ينزح ممنه ما يزول به التغير ويبقى بعد ذلك قلتان فصاعدا فإنه إن بقي ما دون القلتين قبل زوال تغيره لم يبق التغير علة تنجيسه لأنه تنجس بدونه فلا يزول التنجس بزواله ولذلك طهر الكثير بالنزح وطول المكث ولم يطهر القليل فان الكثير لما كانت علة تنجيسه التغير زال تنجيسه بزوال علته كالخمرة اذا انقلبت خلا والقليل علة تنجيسه الملاقاة لا التغير فلم يؤثر زواله في زوال التنجس
فصل : ولا يعتبر في المكاثرة صب الماء دفعة واحدة لأن ذلك غير ممكن لكن يوصل الماء على ما يمكنه من المتابعة اما من ساقية وإما من دلوا أو يسيل إليه ماء المطر أو ينبع قليلا حتى يبلغ قلتين فيحصل به التطهير
فصل : فان كوثر بما دون القلتين فزال تغيره أو طرح فيه تراب أو مائع غير الماء أو غير ذلك فزال تغيره به ففيه وجهان أحدهما لا يطهر بذلك لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى ولأنه ليس بطهور فلا يحصل به الطهارة كالماء النجس والثاني يطهر لأن علة نجاسته التغير وقد زال فيزول التنجيس كما لو زال بمكثه وكالخمرة اذا انقلبت خلا

فصل : تطهير غير الماء من المائعات المتنجسة
فصل : ولا يطهر غير الماء من المائعات بالتطهير في قول القاضي و ابن عقيل : إلا الزئبق فإنه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد لأن النبي صلى الله عليه و سلم [ سئل عن السمن اذا وقعت فيه الفأرة فقال : ان كان مائعا فلا تقربوه ] رواه أبو داود ولو كان الى تطهير طريق لم يأمر بإراقته واختار أبو الخطاب إن ما يتأنى تطهيره كالزيت يطهر به لأنه أمكن غسله بالماء فيطهر به كالجامد وطريق تطهيره جعله في ماء كثير ويخاض فيه حتى يصيب الماء جميع أجزائه ثم يترك حتى يعلو على الماء فيؤخذ وان تركه في جرة فصب عليه ماء فخاضه به وجعل لها بزالا يخرج منه الماء جاز والخبر ورد في السمن ويحتمل أن لا يمكن تطهيره لأنه يجمد في الماء ويحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم ترك الأمر بتطهيره لمشقة ذلك وقلة وقوعه

فصل : إزلة النجاسة من السمن ونحوه
فصل : واذا وقعت النجاسة في غير الماء وكان مائعا نجس وإن كان جامدا كالسمن الجامد أخذت النجاسة بما حولها فألقيت الباقي طاهر لما روت ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم [ سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال : ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم ] رواه البخاري وعن أبي هريرة رضي الله عنه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال : إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه ] أخرجه الإمام أحمد في مسنده وإسناده على شرط الصحيحين وحد الجامد الذي لا تسري النجاسة إلى جميعه هو المتماسك الذي فيه قوة تمنع انتقال أجزاء النجاسة عن الموضع الذي وقعت عليه النجاسة إلى ما سواه قال المروذي : قيل ل أبي عبد الله في الدوشاب يعني يقع فيه نجاسة ؟ قال : اذا كان كثيرا أخذوا ما حوله مثل السمن وقال ابن عقيل : حد الجامد ما اذا فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه وظاهر ما رويناه عن أحمد خلاف هذا فان الدوشاب لا يكاد يبلغ هذا وسمن الحجاز لا يكاد يبلغه والمقصود بالجمود أن لا تسري أجزاء النجاسة وهذا حاصل بما ذكرنا فيقتصر عليه

فصل : تطهير العجين ونحوه مما تتخلله النجاسة
فصل : وإن تنجس العجين ونحوه فلا سبيل إلى تطهيره لأنه لا يمكن غسله وكذلك ان نقع السمسم أو شيء من الحبوب في الماء النجس حتى انتفخ وابتل لم يطهر قيل ل أحمد في سمسم نقع في تغار فوقعت فيه فأرة فماتت قال لا ينتفع بشيء منه قيل : أفيغسل مرارا حتى يذهب ذلك الماء ؟ قال أليس قد ابتلى من ذلك الماء لا ينقى منه وإن غسل - اذا ثبت هذا فان أحمد قال في العجين والسمسم يطعم النواضح لا يطعم لما يؤكل لحمه يعني لما يؤكل لحمه قريبا وقال مجاهد وعطاء والثوري وأبو عبيد : يطعم الدجاج وقال مالك و الشافعي : يطعم البهائم وقال ابن المنذر : ولا يطعم شيئا لأن النبي صلى الله عليه و سلم [ سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال : لا هو حرام ] متفق عليه وهذا في معناه ولنا ما روي أحمد بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما [ أن قوما اختبزوا من آبار الذين ظلموا أنفسهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم اعلفوا النواضح ] واحتج به أحمد وقال في كسب الحجام : أطعمه ناضحك أ رقيقك وقال أحمد ليس هذا بميتة يعني أن نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما تناول الميتة وليس هذا بداخل في النهي ولا في معناها ولأن استعمال شحوم الميتة فيما سئل عنه النبي صلى الله عليه و سلم يفضي إلى تعدي نحاستها واستعمال ما دهنت به من الجلود فيكون مستعملا للنجاسة وليس كذلك ههنا فان نجاسة هذا لا تتعدى أكله قال أحمد ولا يطعم لشيء يؤكل في الحال ولا يحلب لبنه لئلا يتنجس به ويصير كالجلال

فصل : الفرف بين البول ونحوه وبين غيره من النجاسات في تنجيس الماء
مسألة : قال : إلا أن تكون النجاسة بولا أو عذرة مائعة فإنه ينجس ألا أن يكون مثل المصانع التي بطريق مكة وما أشبهها من المياه الكثيرة التي لا يمكن نزحها فذاك الذي لا ينجسه شيء
يعني بالمصانع البرك التي صنعت موردا للحجاج يشربون منها ويجتمع فيها ماء كثير ويفضل عنهم فتلك لا تتنجس بشيء من النجاسات ما لم تتغير لا نعلم أحدا خالف في هذا قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الماء الكثير مثل الرجل من البحر ونحوه إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغير له لونا ولا طعما ولا ريحا أنه بحاله يتطهر منه فأما ما يمكن نزحه اذا بلغ قلتين فلا يتنجس بشيء من النجاسات إلا ببول الآدميين أو عذرتهم المائعة فان فيه روايتين عن أحمد أشهرهما أنه ينجس بذلك روي نحو هذا عن علي و الحسن البصري وقال الخلال : وحدثنا عن علي رضي الله عنه بإسناد صحيح أنه سئل عن صبي بال في بئر فأمرهم أن ينزفوها ومثل ذلك عن الحسن البصري ووجه ذلك ما روى أبو هريرة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه ] متفق عليه وفي لفظ [ ثم يتوضأ منه ] صحيح و ل البخاري [ ثم يغتسل فيه ] وهذا متناول للقليل والكثير وهو خاص بالبول وأصح من حديث القلتين فيتعين تقديمه والرواية الثانية : أنه لا ينجس ما لم يتغير كسائر النجاسات اختارها أبو الخطاب و ابن عقيل وهذا مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم لا يفرقون بين البول وغيره من النجاسات لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس ] ولأن بول الآدمي لا يزيد على نجاسة الكلب وهو لا ينجس القلتين فبول الآدمي أولى وحديث أبي هريرة لا بد من تخصيصه بدليل ما لا يمكن نزحه فيقاس عليه ما بلغ القلتين أو يخص بخبر القلتين فان تخصيصه بخبر النبي صلى الله عليه و سلم أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم من غير دليل لأنه لو تساوي الحديثان لوجب العدول إلى القياس على سائر النجاسات
فصل : ولم أجد عن إمامنا رحمه الله ولا عن أصحابنا تحديد ما يمكن نزحه بأكثر من تشبيهه بمصانع مكة قال أحمد إنما نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الراكد من آبار المدينة على قلة ما فيها لأن المصانع لم تكن إنما أحدثت وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن المصانع التي بطريق مكة فقال : ليس ينجس تلك عندي البول ولا شيء اذا كثر الماء حتى يكون مثل تلك المصانع وقال إسحاق ابن منصور سئل أحمد عن بئر بال فيها إنسان قال : تترح حتى تغلبهم قلت ما حده قال : لا يقدرون على نزحها وقيل ل أبي عبد الله الغدير يبال فيه قا ل : الغدير أسهل ولم ير به بأسا وقال في البئر يكون لها مادة هو واقف لا يجري ليس بمنزلة ما يجري يعني أنه يتنجس بالبول فيه اذا أمكن نزحه
فصل : ولا فرق بين البول القليل والكثير قال مهنا : سألت أحمد عن بئر غزيرة وقعت فيها خرقة أصابها بول قال : تترح وقال في قطر بول وقعت في ماء لا يتوضأ منه وذلك لأن سائر النجاسات لا فرق بين قليلها وكثيرها

فصل : الشك في تنجس الماء المعد للطهارة
فصل : اذا كانت بئر الماء ملاصقة لبئر فيها بول أو غيره من النجاسات وشك في وصولها إلى الماء فهو على أصله في الطهارة قال أحمد : يكون بين البئر والبالوعة ما لم يغير طعما ولا ريحا وقال الحسن : ما لم يتغير لونه أو ريحه فلا بأس أن يتوضأ منها وذلك لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وإن أحب علم حقيقة ذلك فليطرح في البئر النجسة نفطا إن وجد رائحته في الماء علم وصوله إليه وإلا فلا وإن تغير الماء تغيرا يصلح أن يكون من النجاسة ولم يعلم له سببا آخر فهو نجس لأن الملاصقة سبب فيحال الحكم عليه وما عداه مشكوك فيه ولو وجد ماء متغيرا في غير هذه الصورة ولم يعلم سبب تغيره فهو طاهر وإن غلب على ظنه نجاسته لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وإن وقعت فيه نجاسة فوجده متغيرا يصلح أن يكون منها فهو نجس إلا أن يكون التغير لا يصلح أن يكون من النجاسة الواقعة فيها لكثرته وقلتها أو لمخالفته لونها أو طعمها فهو طاهر لأننا لا نعلم للنجاسة سببا فأشبه ما لو لم يقع فيه شيء

فصل : الشك بعد الوضوء في تنجس الماء قبله
فصل : وان توضأ من الماء القليل وصلى ثم وجد فيه نجاسة أو توضأ من ماء كثير ثم وجده متغيرا بنجاسة وشك هل كان قبل وضوئه أو بعده فالأصل صحة طهارته وإن علم أن تلك كان قبل وضوئه بأمارة أعاد وإن علم ان النجاسة قبل وضوئه ولم يعلم أكان دون القلتين أو كان قلتين فنقص بالاستعمال أعاد لأن الأصل نقص الماء

فصل : تطهير البئر بنزح الماء النجس
فصل : اذا نزح ماء البئر النجس فنبع فيه بعد ذلك ماء أو صب فيه فهو طاهر لأن أرض البئر من جملة الأرض التي تطهر بالمكاصرة بمرور الماء عليها وإن نجست جوانب البئر فهل يجب غسلها ؟ على روايتين إحداهما يجب لأنه محل نجس فأشبه رأس البئر والثانية لا يجب للمشقة اللاحقة بذلك فعفي عنه كمحل الاستنجاء وأسفل الحذاء

فصل : عن حجارة القبور التي يصير فيها المطر
فصل : قال محمد بن يحيى سألت أبا عبد الله عن قبور الحجارة التي للروم يجيء المطر فيصير فيها ويشربون من ذلك ويتوضأون قال : لو غسلت كيف تغسل الماء يجيء المطر إلا أن يكون قد غسلها مرة أو مرتين والأولى الحكم بطهارتها لأن هذه قد أصابها الماء مرات لا يحصى عددها وجرى على حيطانها من ماء المطر ما يطهرها بعضه ولأن هذه يشق غسلها فأشبهت الأرض التي تطهر بمجيء المطر عليها

فصل : حكم الماء ! إذا وقع فيه حيوان
مسألة : قال : واذا مات في الماء اليسير ما ليس له نفس سائلة مثل الذباب والعقرب والخنفساء وما أشبه فلا ينجسه
النفس ها هنا الدم يعني ما ليس له دم سائل والعرب تسمي الدم نفسا قال الشاعر :
( أنبئت ان بني سحيم أدخلوا ... أبياتهم تامور نفس المنذر )
يعني دمه ومنه قيل للمرأة نفساء لسيلان دمها عند الولادة وتقول العرب : نفست المرأة اذا حاضت ونفست من النفاس وكل ما ليس له دم سائل كالذي ذكره الخرقي من الحيوان البري أو حيوان البحر منه العلق والديدان والسرطان ونحوها لا ينجس بالموت ولا ينجس الماء اذا مات فيه في قول عامة الفقهاء قال ابن المنذر لا أعلم في ذلك خلافا الا ما كان من أحد قولي الشافعي قال : فيها قولان أحدهما ينجس قليل الماء قال بعض أصحابه : وهو القياس والثاني لا ينجس وهو الأصلح للناس فأما الحيوان في نفسه فهو عنده نجس قولا واحدا لأنه حيوان لا يؤكل لا لحرمته فينجس بالموت كالبغل والحمار
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ اذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء ] رواه البخاري و أبو داود وفي لفظ [ اذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه يما وفي الآخر شفاء ] قال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ذلك قال الشافعي : مقله ليس بقتله قلنا : اللفظ عام في كل شراب بارد أو حار أو دهن مما يموت يغمسه فيه فلو كان ينجس الماء كان أمرا بافساده وقد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم [ قال لسلمان : يا سلمان أيما طعام أو شراب ماتت فيه دابة ليست لها نفس سائلة فه الحلال أكله وشربه ووضوءه ] وهذا صريح أخرجه الترمذي و الدارقطني قال الترمذي : يرويه بقية وهو مدلس فإذا روي عن الثقات جود ولأنه لا نفس له سائلة لم يتولد من النجاسة فأشبه دود الخل اذا مات فيه فإنهم سلموا ذلك ونجوه أنه لا ينجس المائع الذي تولد منه إلا أن يؤخذ ثم يطرح فيه أو يشق الاحتراز منه أشبه ما ذكرنا فاذا ثبت أنه لا ينجس لزم أن لا يكون نجسا لأنه لو كان نجسا كسائر النجاسات
فصل : فان غير الماء فحكمه حكم الطاهرات إن كان مما لا يمكن التحرز منه كالجراد يتساقط في الماء ونحوه فهو كورق الشجر المتناثر في الماء يعقى عنه وإن كان مما يمكن التحرز منه كالذي يلقى في الماء قصدا فهو كالورق الذي يلقى في الماء ولو تغير الماء بحيوان مذكى من غير أن يصيب نجاسة فقد نقل إسحاق بن منصور قا ل : سئل أحمد عن شاة مذبوحة وقعت في ماء فتغير ريح الماء ؟ قا للا بأس إنما ذلك اذا كان من نجاسة وقال عبد الله بن أحمد : قال أبي وأما السمك اذا غير الماء فأرجو أن لا يكون به بأس

فصل : الماء الذي يقع فيه الصيد
فصل : ذكر ابن عقيل فيمن ضرب حيوانا مأكولا فوقع في ماء ثم وجده ميتا ولم يعلم هل مات بالجراحة أو بالماء فالماء على أصله في الطهارة والحيوان على أصله في الحظر إلا أن تكون الجراحة موجبة فيكون الحيوان أيضا مباحا لأن الظاهر موته بالجراح والماء طاهر إلا أن يقع فيه دم

فصول : ما ينجس من أنواع الحيوان بالموت
فصل : الحيوان ضربان ما ليست له نفس سائلة وهو نوعان ما يتولد من الطاهرات فهو طاهر حيا وميتا وهو الذي ذكرناه الثاني : ما يتوالد من النجاسات كدود الحش وصراصره فهو نجس حيا وميتا لأنه متولد من النجاسة فكان نجسا كولد الكلب والخنزير قال أحمد في رواية المروذي : صراصر الكنيف والبالوعة اذا وقع في الاناء أو الجب صب وصراصر البئر ليست بقذرة ولا تأكل العذرة
الضرب الثاني : ما له نفس سائلة وهو ثلاثة أنواع أحدها ما تباح ميتته وهو السمك وسائر حيوان البحر الذي لا يعيش إلا في الماء فهو طاهر حيا وميتا لولا ذلك لم يبح أكله فإن غير الماء لم يمنع لأنه لا يمكن التحرز منه النوع الثاني ما لا تباح ميتته غير الآدمي كحيوان البر المأكول وغيره كحيوان البحر الذي يعيش في البر كالضفدع والتمساح وشبههما فكل ذلك ينجس بالموت فينجس الماء القليل اذا مات فيه والكثير اذا غيره وبهذا قال ابن المبارك و الشافعي و أبو يوسف وقال مالك و أبو حنيفة و محمد بن حسن في الضفدع اذا ماتت في الماء لا تفسده لأنها تعيش في الماء أشبهت السمك
ولنا : أنها تنجس غير الماء فتنجس الماء كحيوان البر ولأنه حيوان له نفس سائلة لا تباح ميتته فأشبه طير الماء وبفارق السمك فإنه مباح ولا ينجس غير الماء النوع الثالث الآدمي الصحيح في المذهب أنه طاهر حيا وميتا لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ المؤمن لا ينجس ] متفق عليه وعن أحمد أنه سئل عن بئر وقع فيها إنسان فمات قال : ينزح حتى يغلبهم وهو مذهب أبي حنيفة قال : ينجس بالغسل لأنه حيوان له نفس سائلة فنجس بالموت كسائر الحيوانات ول الشافعي قولان كالروايتين والصحيح ما ذكرنا أولا للخبر ولأنه آدمي فلم ينجس بالموت كالشهيد ولأنه لو نجس بالموت لم يطهر بالغسل كسائر الحيوانات التي تنجس ولم يفرق أصحابنا بين المسلم والكافر لاستوائهما في الآدمية وفي حال الحياة ويحتمل أن ينجس الكافر بموته لأن الخبر إنما ورد في المسلم ولا يصح قياس الكافر عليه لأنه لا يصلى عليه وليس له حرمة كحرمة المسلم
فصل : وحكم أجزاء الآدمي وابعاضه حكم جملته سواء انفصلت في حياته أو بعد موته لأنها أجزاء من جملته أنها نجسة رواية واحدة لأنها لا حرمة لها بدليل أنه لا يصلى عليها ولا يصح هذا فإن لها حرمة بدليل أن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي ويصلى عليها اذا وجدت من الميت ثم تبطل بشهيد المعركة فإنه لا يصلى عليه وهو طاهر
فصل : وفي الوزغ وجهان أحدهما لا ينجس بالموت لأنه لا نفس له سائلة أشبه العقرب ولأنه أن شك في نجاسته فالماء يبقى على أصله في الطهارة والثاني أنه ينجس لما روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول : إن ماتت الوزغة أو الفأرة في الجب يصب ما فيه واذا ماتت في بئر فانزعها حتى تغلبك
فصل : وإذا مات في الماء حيوان لا يعلم هل ينجس بالموت أم لا ؟ فالماء طاهر لأن الأصل طهارته والنجاسة مشكوك فيها فلا نزول عن اليقين بالشك وكذلك الحكم إن شرب منه حيوان يشك في نجاسة سؤره وطهارته لما ذكرنا

فصل : الطاهر والنجس من أنواع الحيوان وأجزائه وسؤره وعرقه
مسألة : قال : و لا يتوضأ بسؤر كل بهيمة لا يؤكل لحمها إلا السنور وما دونها في الخلقة
السؤر فضلة الشرب - والحيوان قسمان نجس وطاهر فالنجس نوعان أحدهما ما هو نجس رواية واحدة وهو الكلب والخنزير وهو مذهب الشافعي و أبي عبيد وهو قول أبي حنيفة في السؤر خاصة وقال مالك و الأوزاعي و داود : سؤرهما طاهر يتوضأ به ويشرب وإن ولغا في طعام لم يحرم أكله وقال الزهري : يتوضأ به اذا لم يجد غيره وقال عبدة بن أبي لبابة و الثوري و ابن الماجشون و ابن مسلمة يتوضأ ويتيمم قال مالك : ويغسل الاناء الذي ولغ فيه الكلب تعبدا واحتج بعضهم على طهارته بأن الله تعالى قال : { فكلوا مما أمسكن عليكم } ولم يأمر بغسل ما أصابه فمه وروى ابن ماجة بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم [ سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها فقال : لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور ] ولأنه حيوان فكان طاهرا كالمأكول
ولنا : ما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم [ قال : اذا ولغ الكلب في إناء احدكم فليغسله سبعا ] متفق عليه ولـ مسلم [ فليرقه ثم ليغسله سبع مرات ] ولو كان سؤره طاهرا لم تجز إراقته ولا وجب غسله فان قيل انما وجب غسله تعبدا كما تغسل أعضاء الوضوء وتغسل اليد من نوم الليل قلنا الاصل وجوب الغسل من النجاسة بدليل سائر الغسل ثم لو كان تعبدا لما أمر باراقة الماء ولما اختص الغسل بموضع الولوغ لعموم اللفظ في الاناء كله وأما غسل اليد من النوم فإنما أمر به للأحتفاظ لاحتمال أن تكون يده قد أصابتها نجاسة فيتنجس الماء ثم تنجس أعضاؤه به وغسل اعضاء الوضوء شرع للوضاءة والنظافة ليكون العبد في حال قيامه بين يدي الله تعالى على أحسن حال وأكملها
ثم أن سلمنا ذلك فانما عهدنا التعبد في غسل اليدين أما الآنية والثياب فإنما يجب غسلها من النجاسات وقد روي في لفظ [ طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا ] أخرجه أبو داود ولا يكون الطهور إلا في محل الطهارة وقولهم أن الله تعالى أمر بأكل ما أمسكه الكلب قبل غسله قلنا الله تعالى : أمر بأكله والنبي صلى الله عليه و سلم أمر بغسله فيعمل بأمرهما وإن سلمنا أنه لا يجب غسله فلأنه يشق فعفي عنه وحديثهم قضية في عين يحتمل أن الماء المسؤول عنه كان كثيرا ولذلك قال في موضع آخر حين سئل عن الماء وما ينوبه من السباع [ اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ] ولأن الماء لا ينجس إلا بالتغير على رواية لنا وشربها من الماء لا يغيره فلم ينجسه ذلك
النوع الثاني : ما اختلف فيه وهو سائر البهائم إلا السنور وما دونها في الخلقة وكذلك جوارح الطير والحمار الأهلي والبغل فعن أحمد أن سؤرها نجس إذا لم يجد غيره تيمم وتركه روي عن ابن عمر أنه كره سؤر الحمار وهو قول الحسن و ابن سيرين و الشعبي و الاوزاعي و حماد و إسحاق وعن أحمد أنه قال في البغل والحمار أذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه وهو قول أبي حنيفة و الثوري وهذه الرواية تدل على طهارة سؤرهما لأنه لو كان نجسا لم تجز الطهارة به وروي عن إسماعيل بن سعيد لا بأس بسؤر السباع لا عمر قال في السباع : ترد علينا ونرد عليها - ورخص في سؤر جميع ذلك الحسن و عطاء و الزهري و يحيى الأنصاري و بكير بن الأشج و ربيعة و أبو الزناد و مالك و الشافعي و ابن المنذر لحديث أبي سعيد في الحياض وقد روي عن جابر أيضا في حديث آخر عن جابر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال : نعم وبما أفضلت السباع كلها ] رواه الشافعي في مسنده وهذا نص ولأنه حيوان يجوز الانتفاع به من غير ضرورة فكان طاهرا كالشاة
ووجه الرواية الأولى أن النبي صلى الله عليه و سلم [ سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال : إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس ] ولو كانت طاهرة لم يحده بالقلتين وقال [ النبي صلى الله عليه و سلم في الحمر يوم خيبر إنها رجس ] ولأنه حيوان حرم أكله لا لحرمة يمكن التحرز منه غالبا أشبه الكلب ولأن السباع والجوارح الغالب عليها أكل الميتات والنجاسات فتنجس أفواهها ولا يتحقق وجود مطهرها فينبغي أن يقضي بنجاستها كالكلاب وحديث أبي سعيد قد أجبنا عنه ويتعين حمله على الماء الكثير عند من يرى نجاسة سؤر الكلب والحديث الآخر يرويه ابن أبي حبيبة وهو منكر الحديث قاله البخاري و إبراهيم و يحيى وهو كذاب - والصحيح عندي طهارة البغل والحمار لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يركبها وتركب في زمنه وفي عصر الصحابة فلو كان نجسا لبين النبي صلى الله عليه و سلم ذلك ولأنهما لا يمكن التحرز منهما لمقتنيهما فاشبه السنور وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنها رجس ] أراد إنها محرمة كقوله تعالى في الخمر والميسر والانصاب والازلام إنها رجس ويحتمل أنه أراد لحمها الذي كان في قدورهم فإنه رجس فإن ذبح ما لا يحل أكله لا يطهر
القسم الثاني : طاهر في نفسه وسؤره وعرقه وهو ثلاثة اضراب الأول الآدمي فهو طاهر وسؤره طاهر سواء كان مسلما أو كافرا عند أهل العلم إلا إنه حكي عن النخعي إنه كره سؤر الحائض وعن جابر بن زيد لا يتوضأ منه وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ المؤمن ليس بنجس ] وعن عائشة انها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم فيضع فاه على موضع فيها فيشرب وتتعرق العرق فيأخذه فيضع فاه على موضع فيها وراه مسلم وكانت تغسل رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي حائض متفق عليه وقال لعائشة : [ ناوليني الخمرة من المسجد قالت : إني حائض قال : إن حيضك ليست في يدك ]
الضرب الثاني : من أكل لحمه فقا ل أبو بكر بن المنذر أجمع أهل العلم على أن سؤر ما أكل لحمه يجوز شربه والوضوء به فان كان جلالا يأكل النجاسات فذكر القاضي روايتين إحداهما أنه نجس والثانية طاهر فيكون هذا من النوع الثاني من القسم الأول المختلف فيه
الضرب : السنور وما دونها في الخلقة كالفأرة وابن عرس فهذا ونحوه من حشرات الأرض سؤره طاهر يجوز شربه والوضوء به ولا يكره وهذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين من أهل المدينة والشام وأهل الكوفة وأصحاب الرأي إلا أبا حنيفة فإنه كره الوضوء بسؤر الهر فإن فعل أجزأه وقد روي عن ابن عمر أنه كرهه وكذلك يحيى الأنصاري و ابن أبي ليلى : وقال أبو هريرة : يغسل مرة أو مرتين وبه قال ابن المنذر وقال الحسن و ابن سيرين : يغسل مرة وقال طاوس : يغسل سبعا كالكلب وقد روى أبو داود باسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث وقال : [ إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة ] ولنا ما روي عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت أبي قتادة أن إبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا قالت : فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة : فرآني أنظر إليه فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ؟ فقلت : نعم فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات ] أخرجه أبو داود و النسائي و الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح وهذا أحسن شيء في الباب وقد دل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر وبتعليله على نفي الكراهة عما دونها مما يطوف علينا ورى ابن ماجة عن عائشة قالت : كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء قد أصابت منه الهرة قبل ذلك [ وعن عائشة أنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم ] وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ بفضلها وراه أبو داود
فصل : إذا أكلت الهرة نجاسة ثم شربت من ماء يسير بعد أن غابت فالماء طاهر لأن النبي صلى الله عليه و سلم نفى عنها النجاسة وتوضأ بفضلها مع علمه بأكلها النجاسات وإن شربت قبل أن تغيب فقال القاضي و ابن عقيل : ينجس لأنه وردت عليه نجاسة متيقنة أشبه ما لو أصابه بول وقال أبو الحسن الآمدي ظاهر مذهب أصحابنا أنه طاهر وإن لم تغب لأن النبي صلى الله عليه و سلم عفى عنها مطلقا وعلل بعدم امكان الاحتراز عنها ولأننا حكمنا بطهارة سؤرها مع الغيبة في مكان لا يحتمل ورودها على ماء كثير يطهر فاها ولو احتمل ذلك فهو شك لا يزيل يقين النجاسة فوجب إخالة الطهارة على العفو عنها وهو شامل لما قبل الغيبة

فصل : حكم الماء إذا وقع فيه حيوان
فصل : وإن وقعت الفأرة أو الهرة ونحوها في مائع أو ماء يسير ثم خرجت حية فهو طاهر نص عليه أحمد فإنه سئل عن الفأرة تقع في السمن الذائب فلم تمت قال : لا بأس بأكله وفي رواية قال : إذا كان حيا فلا شيء إنما الكلام في الميت وقيل : يحتمل أن ينجس إذا أصاب الماء مخرجها لأن مخرج النجاسة نجس فينجس به الماء ولنا أن الأصل الطهارة وإصابة الماء لموضع النجاسة مشكوك فيه فإن المخرج ينضم إذا وقع الحيوان في الماء فلا يزول اليقين بالشك

فصل : والجلد والشعر والدمع والعرق من كل حيوان حكمه حكم سؤر ذلك الحيوان
فصل : كل حيوان حكم جلده وشعره وعرقه ودمعه ولعابه - حكم سؤره في الطهارة والنجاسة لأن السؤر إنما يثبت فيه حكم النجاسة في الموضع الذي ينجس لملاقاته لعاب الحيوان وجسمه فلو كان طاهرا كان سؤره طاهرا وإذا كان نجسا كان سؤره نجسا

فصل : كيفية التطهير من نجاسة الكلب والخنزير
مسألة : قال : وكل إناء حلت فيه نجاسة من ولوغ كلب أو بول أو غيره فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب
النجاسة تنقسم قسمين أحدهما نجاسة الكلب والخنزير والمتولد منهما فهذا لا يختلف المذهب في أنه يجب غسلها سبعا إحداهن بالتراب وهو قول الشافعي وعن أحمد أنه يجب غسلها ثمانيا إحداهن بالتراب روي ذلك عن الحسن لحديث عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب ] رواه مسلم والرواية الأولى أصح يحمل هذا الحديث على أنه عد التراب ثامنة لأنه وأن وجد مع إحدى الغسلات فهو نجس آخر فيجمع بين الخبرين وقال أبو حنيفة : لا يجب العدد في شيء من النجاسات إنما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من الوهاب بن الضحاك وهو ضعيف وقد روى غيره من الثقات [ فليغسله سبعا ] وعلى أنه يحتمل الشك من الراوي فينبغي أن يتوقف فيه ويعمل بغيره وأما الأرض فإنه سومح في غسلها للمشقة بخلاف غيرها
فصل : فإن جعل مكان التراب غيره من الاشنان والصابون والنخالة ونحو ذلك أو غسله غسلة ثامنة فقال أبو بكر : فيه وجهان أحدهما لا يجزئه لأنه طهارة أمر فيها بالتراب فلم يقم غيره مقامه كالتيمم ولأن الأمر به تعبد غير معقول فلا يجوز القياس فيه والثاني يجزئه لأن هذه الأشياء أبلغ من التراب في الأزالة فنصه على التراب تنبيه عليها ولأنه جامد أمر به في إزالة النجاسة فألحق به ما يماثله كالحجر في الاستجمار فأما الغسلة الثامنة فالصحيح أنه لا تقوم مقام التراب لأنه ان كان القصد به تقوية الماء في الإزالة فلا يحصل ذلك بالثامنة لأن الجمع بينهما أبلغ في الإزالة وإن وجب تعبدا امتنع ابداله والقياس عليه وقال بعض أصحابنا : انما يجوز العدول إلى غير التراب عند عدمه أو افساد المحل المغسول به فأما مع وجود وعدم الضرر فلا وهذا قول ابن جامد

فصل : عدد الغسلات في تطهير النجاسة
القسم الثاني : نجاسة غير الكلب والخنزير ففيها ورايتان إحداهما يجب العدد فيها قياسا على نجاسة الولوغ وروى ابن عمر أنه قال : أمرنا بغسل الأنجاس سبعا فينصرف إلى أمر النبي صلى الله عليه و سلم والثانية لا يجب العدد بل يجزئ فيها المكاثرة بالماء من غير عدد بحيث تزول عين النجاسة وهذا قول الشافعي لما روي عن ابن عمر قال : [ كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرات والغسل من البول سبع مرات فلم يزل النبي صلى الله عليه و سلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا والغسل من البول مرة والغسل من الجنابة مرة ] رواه الإمام أحمد في مسنده و أبو داود في سننه وهذا نصل إلا أن في مراجعة أيوب بن جابر وهو ضعيف وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أصاب احداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصل فيه ] رواه البخاري ولم يأمر فيه بعدد وفي حديث آخر أن امرأة ركبت ردف النبي صلى الله عليه و سلم على ناقته فلما نزلت إذا على حقيبته شيء من دمها فأمرها النبي صلى الله عليه و سلم أن تجعل في الماء ملحا ثم تغسل به الدم رواه أبو داود ولم يأمرها بعدد وأمر النبي صلى الله عليه و سلم بأن يصب على بول الأعرابي سجل من ماء متفق عليه ولم يأمر بالعدد [ ولأنها نجاسة غير الكلب فلم يجب فيها العدد ] وروي أن العدد لا يعتبر في غير محل الاستنجاء من البدن ويعتبر في محل الاستنجاء كبقية المحال قال الخلال : هذه الرواية وهو ولم يثبتها فإذا قلنا : بوجوب العدد ففي قدره روايتان : إحداهما سبع لما قدمنا والثانية ثلاث لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قام أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده ] متفق عليه إلا قوله ثلاثا انفرد به مسلم - أمر بغسلها ثلاثا ليرتفع وهو النجاسة ولا يرفع وهو النجاسة إلا ما يرفع حقيقتها وقد روي أن النجاسة في محل الاستنجاء تطهر بثلاث وفي غيره تطهر بسبع لأن محل الاستنجاء تتكرر فيه النجاسة فاقتضى ذلك التخفيف وقد اجتزئ فيها بثلاثة أحجار مع أن الماء أبلغ في الإزالة فأولى أن يجتزئ فيها بثلاث غسلات قال القاضي : الظاهر من قول أحمد ما اختار الخرقي وهو وجوب العدد في جميع النجاسات فان قلنا : لا يجب العدد لم يجب التراب وكذلك ان قلنا : لا يجب الغسل سبعا لأن الأصل عدم وجوبه ولم يرد الشرع به إلا في نجاسة الولوغ وإن قلنا : بوجوب السبع ففي وجوب التراب وجهان أحدهما يجب قياسا على الولوغ والثاني لا يجب لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالغسل للدم وغيره ولم يأمر بالتراب إلا في نجاسة الولوغ فوجب أن يقتصر عليه ولأن التراب أن أمر به تعبدا وجب قصره على محله وأن أمر به لمعنى في الولوغ للزوجة فيه لاتنقلع إلا بالتراب فلا يوجد ذلك في غيره والمستحب أن يجعل التراب في الغسلة الأولى لموافقته لفظ الخبر أو ليأتي الماء عليه بعدده فينظفه ومتى غسل به أجزأه لأنه روى في حديث إحداهن بالتراب وفي حديث أولاهن وفي حديث في الثامنة فيدل على أن محل التراب من الغسلات غير مقصود
فصل : إذا أصاب المحل نجاسات متساوية في الحكم فهي كنجاسة واحدة وان كان بعضها أغلظ كالولوغ مع غيره فالحكم لأغلظها ويدخل فيه ما دونه ولو غسل الإناء دون السبع ثم ولغ فيه مرة أخرى فغسله سبعا أجزأه لأنه إذا أجزأ عما يمثل فعما دونه أولى

فصل : تطهير ما تبقى الغسالة قبل طهارة المغسول
فصل : وإذا غسل محل النجاسة فأصاب ماء بعض الغسلات محلا آخر قبل تمام السبع ففيه وجهان أحدهما يجب غسله سبعا وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن جامد لأنها نجاسة فلا يراعى فيها حكم المحل الذي انفصلت عنه كنجاسة الأرض ومحل الاستنجاء وظاهر قول الخرقي أنه يجب غسلها بالتراب وان كان المحل الذي انفصلت عنه قد غسل بالتراب لأنها نجاسة أصابت غير الأرض فأشبهت الأولى والثاني يجب غسله من الأولى ستا ومن الثانية خمسا ومن الثالثة أربعا كذلك إلى آخره لأنها نجاسة تطهر في محلها بدون السبع فطهرت في مثله كالنجاسة على الأرض ولأن المنفصل بعض المتصل والمتصل يطهر بذلك فكذا المنفصل وتفارق المنفصل عن الأرض ومحل الاستنجاء لأن العلة في خفتها المحل وقد زالت عنه فزال التخفيف والعلة في تخفيفها ههنا قصور حكمها بما مر عليها من الغسل وهذا لازم لها حسب ما كان ثم إن كانت قد انفصلت عن محل غسل بالتراب غسل محلها بغير تراب وإن كانت الأولى بغير تراب غسلت هذه بالتراب وهذا اختيار القاضي وهو أصح إن شاء الله تعالى

فصل : حكم نجاسة سائر أجزاء الكلب والخنزير وحكم ولوغه وبوله
فصل : ولا فرق بين النجاسة من ولوغ الكلب أو يده أو رجله أو شعره أو غير ذلك من أجزائه لأن حكم كل جزء من أجزاء الحيوان حكم بقية أجزائه على ما قررناه وحكم الخنزير حكم الكلب لأن النص وقع في الكلب والخنزير شر منه وأغلظ لأن الله تعالى نصل على تحريمه وأجمع المسلمون على ذلك وحرم اقتناؤه

فصل : كيفية احتساب الغسلات في تطهير محل النجاسة
فصل : وغسل النجاسة يختلف باختلاف محلها إن كانت جسما لا يتشرب النجاسة كالآنية فغسله بمرور الماء عليه كل مرة غسلة سواء كان يفعل آدمي أو غيره فعله مثل أن ينزل عليه ماء المطر أو يكون في نهر جار فتمر عليه جريات النهر فكل جرية تمر عليه غسلة لأن القصد غير معتبر فأشبه ما لو صبه آدمي بغير قصد وأن وقع في ماء قليل راكد نجسه ولم يطهر وان كان كثيرا احتسب بوضعه فيه ومرور الماء على أجزائه غسلة فإن خضخضة في الماء وحركه بحيث يمر عليه أجزاء غير التي كانت ملاقية له احتسب ذلك غسلة ثانية كما لو مرت عليه جريات من الماء الجاري وإن كان المغسول إناء فطرح فيه الماء لم يحتسب به غسلة حتى يفرغه منه لأنه العادة في غسله إلا ألا أن يكون سبع قلتين فصاعدا فملاه فيحمل أن ادارة الماء فيه تجري مجرى الغسلات لأن أجزاءه تمر عليها جريات من الماء غير التي كانت ملاقية له فأشبه ما ول مرت عليه جريات من ماء جار وقال ابن عقيل : لا يكون غسله إلا بتفريغه منه أيضا وإن كان المغسول جسما تدخل فيه أجزاء النجاسة لم يحتسب برفعه من الماء غسلة إلا بعد عصره وعصر كل شيء بحسبه فان كان بساطا ثقيلا أو زليا فعصره بتقليبه ودقه

فصل : هل يباح استعمال ثياب المشركين وآنيتهم ؟
فصل : ما أزيلت به النجاسة أن انفصل متغيرا بالنجاسة أو قبل طهارة المحل فهو نجس لأنه تغير بالنجاسة أو ماء قليل لاقى محلا نجسا لم يطهره فكان نجسا كما لو وردت عيه وإن انفصل غير متغير من الغسلة التي طهر بها المحل فإن كان المحل أرضا فهو طاهر رواية واحدة لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر أن يصب على بول الأعرابي ذنوب من ماء ليطهر الأرض التي بال عليها فلو كان المنفصل نجسا لنجس به ما انتشر إليه من الأرض فتكثر النجاسة وإن كان غير الأرض ففيه وجهان قال أبو الخطاب أصحهما أنه طاهر وهو مذهب الشافعي لأنه أنفصل عن محل محكوم بطهارته فكان طاهرا كالغسلة الثامنة وإن المنفصل بعض المتصل والمتصل طاهر وكذلك المنفصل - والثاني أنه نجس وهو قول أبي حنيفة واختاره أبو عبد الله بن جامد لأنه ماء قليل لاقى محلا نجسا أشبه ما لو لم يطهرها قال أبو الخطاب : انما يحكم بطهارة المنفصل من الأرض إذا كانت قد نشقت أعيان البول فإن كانت أعيانها قائمة فجرى الماء عليها طهرها وفي المنفصل روايتان كالمنفصل عن غير الأرض قال : وكونه نجسا أصح في كلامه والأولى الحكم بطهارته لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بغسل بول الأعرابي عقيب بوله ولم يشترط نشافه

فصل : غسل بعض الثوب النجس
فصل : إذا غسل بعض الثوب النجس جاز ويطهر المغسول دون غيره فإن كان يغمس بعضه في ماء يسير راكد يعركه فيه نجس الماء ولم يطهر منه شيء لأنه بغمسه في الماء صار نجسا فلم يطهر منه شيئا وإن كان يصب على بعض في جفنه طهر ما طهره وكان المنفصل نجسا لأنه لابد من أن يلاقي الماء المنفصل جزء غير المغسول فينجس به

فصل : الأستعانة بالتطهير بغير الماء
فصل : إذا أصاب ثوب المرأة دم حيضها استحب أن تحته بظفرها لتذهب خشونته ثم تقرصه ليلين للغسل ثم تغسله بالماء لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ لأسماء في دم الحيض حتيه ثم اقرصيه ثم غسليه بالماء ] متفق عليه فإن اقتصرت على إزالته بالماء جاز فإن لم يزل لونه وكان إزالته تشق أو يتلف الثوب ويضر عفي عنه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ولا يضرك أثره ] وأن استعملت في إزالته شيئا يزيله كالملح وغيره فحسن لما روى أبو داود باسناده عن امرأة من غفار أن النبي صلى الله عليه و سلم [ ردفها على حقيبته فحاضت قالت فنزلت فإذا بها دم مني فقال : مالك ؟ لعلك نفست قالت : نعم قال : فاصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم ] قال الخطابي فيه من الفقه جواز استعمال الملح وهو مطعوم في غسل الثوب وتنقيته من الدم فعلى هذا يجوز غسل الثياب بالعسل إذا كان يفسدها الصابون وبالخل إذا أصابها الحبر والتدليك بالنخالة وغسل الأيدي بها والبطيخ ودقيق الباقلا وغيرها من الأشياء التي لها قوة الجلاء والله أعلم

فصل : تطهير الإناء الذي يتشرب النجاسة
فصل : فإذا كان في الإناء خمر أو شبهه من النجاسات التي يشربها الإناء ثم متى جعل فيه مائع سواه ظهر فيه طعم النجاسة أو لونها لم يطهر بالغسل لأن الغسل لا يستأصل أجزاء النجاسة من جسم الإناء فلم يطهره كالسمسم إذا ابتل بالنجاسة قال الشيخ أبو الفرج المقدسي في المبهج : آنية الخمر منها المزفت فتطهر بالغسل لأن الزفت يمنع وصول النجاسة إلى جسم الإناء ومنها ما ليس بمزفت فيتشرب أجزاءه النجاسة فلا يطهر بالتطهير فإنه متى ترك فيه مائع ظهر فيه طعم الخمر ولونه

مسألة : وإذا كان معه في السفر إناءان واشتبها عليه أراقهما وتيمم
مسألة : قال : وإذا كان معه في السفر إناءان نجس وطاهر واشتبها عليه أرقهما وتيمم
إنما خص حالة السفر بهذه المسألة لأنها الحالة التي يجوز التيمم فيها ويعدم فيها الماء وأراد إذا لم يجد ماء غير الإناءين المشتبهين فإنه متى وجد ماء طهورا غيرهما توضأ به ولم يجز التحري ولا التيمم بغير خلاف ولا تخلو الآنية المشتبهة من حالين أحدهما أن لا يزيد عدد الطاهر على النجس فلا خلاف في المذهب أنه لا يجوز التحري فيهما والثاني أن يكثر عدد الطاهرات فذهب أبو علي النجاد من أصحابنا إلى جواز التحري فيهما وهو مذهب أبي حنيفة لأن الظاهر أصابة الطاهر ولأن جهة الإباحة قد ترجحت فيجاز التحري كما لو اشتبهت عليه أخته في نساء مصر وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز التحري فيها بحال وهو قول أكثر أصحابه وهو قول المزني و أبي ثور وقال الشافعي : يتحرى ويتوضأ بالأغلب عنده في الحالين [ لأنه شرط للصلاة فجاز التحري من أجله كما لو اشتبهت القبلة ولأن الطهارة تؤدى باليقين تارة والظن أخرى ] ولهذا جاز التوضؤ بالماء القليل المتغير الذي لا يعلم سبب تغيره وقال ابن الماجشون : يتوضأ من كل واحد منهما وضوء ويصلي به وبه قال محمد ابن مسلمة إلا أنه قال يغسل ما أصابه من الأولى لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين فلزمه [ كما لو اشتبه طاهر بطهور وكما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها أو اشتبهت عليه الثياب ]
ولنا : أنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري كما لو استوى العدد عند أبي حنيفة وكما لو كان أحدهما بولا عند الشافعي فإنه قد سلمه واعتذر أصحابه بأنه لا أصل له في الطهارة - قلنا وهذا الماء قد زال عنه أصل الطهارة وصار نجسا فلم يبق للأصل الزائل أثر [ على أن البول قد كان ماء فله أصل قي الطهارة كهذا الماء النجس ] وقولهم إذا كثر الطاهر ترجحت الإباحة يبطل بما إذا اشتبهت أخته في مائة أو ميتة بمذكيات فإنه لا يجوز التحري وإن كثر المباح وأما إذا اشتبهت في نساء مصر فإنه يشق اجتنابهن جميعا ولذلك يجوز له النكاح من غير تحر [ وأما القبلة فيباح تركها للضرورة كحالة الخوف ] ويجوز أيضا في السفر في صلاة النافلة ولأن قبلته ما يتوجه إليه بظنه ولو بان له يقين الخطأ لم يلزمه الإعادة بخلاف مسألتنا وأما المتغير من غير سبب يعلمه فيجوز الوضوء به استنادا إلى أصل الطهارة وإن غلب على ظنه نجاسته ولا يحتاج إلى تحر وفي مسألتنا عارض يقين الطهارة يقين النجاسة فلم يبق له حكم ولهذا لا يجوز له استعماله من غير تحر ثم يبطل قياسهم بما إذا كان أحدهما بولا والآخر ماء ويدل على صحة ما قلنا أنه لو توضأ من أحد الإناءين وصلى ثم غلب على ظنه في الصلاة الثانية أن الآخر هو الطاهر فتوضأ به وصلى من غير غسل أثر الأول فقد علمنا أنه صلى بالنجاسة يقينا وإن غسل أثر الأول ففيه حرج ونقض لاجتهاده باجتهاده ونعلم أن أحدى الصلاتين باطلة لا بعينها فليزمه اعادتهما فان توضأ من الأول فقد توضأ بما يعتقده نجسا وما قاله ابن الماجشون فباطل فإنه يفضي إلى تنجيس نفسه يقينا وبطلان صلاته اجماعا وما قاله ابن مسلمة ففيه حرج ويبطل بالقبلة فإنه لا يلزمه أن يصلي إلى أربع جهات

فصل : وهو يجوز له التيمم قبل إراقتهما ؟
فصل : وهل يجوز له التيمم قبل إراقتهما ؟ على روايتين إحداهما لا يجوز لان معه ماء طاهرا بيقين فلم يجز له التيمم مع وجوده فان خلطهما أو أراقهما جاز له التيمم لأنه لم يبق معه ماء طاهر والثانية يجوز التيمم قبل ذلك اختاره أبو بكر وهو الصحيح لأنه غير قادر على استعمال الطاهر أشبه ما لو كان في بئر لا يمكنه استقاؤه وإن احتاج إليهما للشرب لم تجب إراقتهما بغير خلاف فإنه يجوز له التيمم لو كانا طاهرين فمع الاشتباه أولى وإذا أراد الشرب تحرى وشرب من الطاهر عنده لأنه ضرورة تبيح الشرب من النجس إذا لم يجد غيره فمن الذي يظن طهارته أولى وإن لم يغلب على ظنه طهارة أحدهما شرب من أحدهما وصار هذا كما لو اشتبهت ميتة بمذكاة في حال الاضطرار ولم يجد غيرها فإنه إذا جاز استعمال النجس فاستعمال ما يظن طهارته أولى وإذا شربت من أحدهما أو أكل من المشتبهات ثم وجد ماء طهورا فهل يلزمه غسل فيه ؟ يحتمل وجهين أحدهما لا يلزمه لأن الأصل طهارة فيه فلا تزول عن ذلك بالشك والثاني يلزمه لأنه محل منع استعماله من أجل النجاسة فلزمه غسل أثره كالمتيقن

فصل : حكم من معه ماء طهور وماء نجس ولا يكفيه الطهور للطهارة والشرب
فصل : وإذا علم عين النجس استحب إراقته ليزيل الشك عن نفسه وإن احتاج إلى الشرب شرب من الطاهر ويتيمم إذا لم يجد غير النجس وإن خاف العطش في ثاني الحال فقال القاضي يتوضأ بالماء الطاهر ويحبس النجس لأنه غير محتاج إلى شربه في الحال فلم يجز التيمم مع وجوده والصحيح إن شاء الله أنه يحبس الطاهر ويتيمم لأن وجود النجس كعدمه عند الحاجة إلى الشرب في الحال وكذلك في المآل وخوف العطش في إباحة التيمم كحقيقته
فصل : وإذا اشتبه ماء طهور بماء قد بلطت طهوريته توضأ من كل واحد منهما وضوءا كاملا وصلى بالوضوءين صلاة واحدة لا أعلم فيه خلافا لأنه أمكنه اداء فرضه بيقين من غير حرج فيه فلزمه كما لو كانا طاهرين ولم يكفه أحدهما وفارق ما إذا كان نجسا لأنه ينجس أعضاءه يقينا ولا يأمن أن يكون النجس هو الثاني فيبقى نجسا ولا تصح صلاته ن فإن احتاج إلى أحد الإناءين في الشرب تحرى فتوضأ بالطهور عنده ويتيمم معه ليحصل له اليقين والله أعلم

فصل : اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة
فصل : وإن اشتبهت عليه ثياب طاهرة بنجسه لم يجز التحري وصلى في كل ثوب بعدد النجس وزاد صلاة وهذا قول ابن الماجشون وقال أبو ثور و المزني لا يصلي في شيء منها كالأواني وقال أبو حنيفة و الشافعي يتحرى فيها كقولهم في الأواني والقبلة
ولنا : أنه أمكنه أداء فرضه بيقين من غير حرج فلزمه لو اشتبه الطهور بالطاهر وكما نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها والفرق بين هذا وبين الأواني النجسة من وجهين أحدهما ان استعمال النجس يتنجس به ويمنع صحة صلاته في الحال والمآل وهذا بخلافه الثاني أن الثوب النجس تباح له الصلاة فيه إذا لم يجد غيره والماء النجس بخلافه والفرق بينه وبين القبلة من وجوه احدها أن القبلة يكثر الاشتباه فيها فيشق إعتبار اليقين فسقط دفعا للمشقة وهذا بخلافه الثاني ان الاشتباه ههنا حصل بتفريطه لأنه كان يمكنه تعليم النجس أو غسله ولا يمكنه ذلك في القبلة الثالث أن القبلة عليها أدلة من النجوم والشمس والقمر وغيرها فيصح الاجتهاد في طلبها ويقوى دليل الإصابة لها بحيث لا يبقى احتمال الخطأ إلا وهما ضعيفا بخلاف الثياب
فصل : فإن لم يعلم عدد النجس صلى فيما يتيقن به أنه صلى في ثوب طاهر فإن كثر ذلك وشق فقال ابن عقيل يتحرى في أصح الوجهين دفعا للمشقة والثاني : لا يتحرى لأن هذا يندر جدا فلا يفرد بحكم ويحسب عليه دليل الغالب

فصل : من يقبل خبره عن نجاسة الماء ونحوه
فصل : وإن ماء فأخبره بنجاسته صبي أو كافر أو فاسق لم يلزمه قبول خبره لأنه ليس من أهل الشهادة ولا الرواية فلا يلزمه قبول خبره كالطفل وإن كان المخبر بالغا عاقلا مسلما غير معلوم فسقه وعين سبب النجاسة لزم قبول خبره سواء كان رجلا أو امرأة حرا أو عبدا معلوم العدالة أو مستور الحال لأنه خبر ديني فأشبه الخبر بدخول وقت الصلاة وإن لم يعين سببها فقال القاضي لا يلزمه قبو لخبره لاحتمال اعتقاده نجاسة الماء بسبب لا يعتقده المخبر ك الحنفي يرى نجاسة الماء الكثير و الشافعي يرى نجاسة الماء اليسير بما لا نفس له سائلة والموسوس الذي يعتقد نجاسة بما لا ينجسه ويحتمل أن يلزم قبول خبره إذا انتفت هذه الاحتمالات في حقه
فصل : فإن أخبره أن كلبا ولغ في هذه الإناء لزم قبول خبره سواء كان بصيرا أو ضريرا لأن للضرير طريقا إلى العلم بذلك بالخبر والحس وإن أخبره أن كلبا ولغ في هذا الإناء ولم يلغ في هذا وقال آخر لم يلغ في الأول وإنما ولغ في الثاني وجب اجتنابهما فيقبل قول كل واحد منهما في الإثبات دون النفي لأنه يجوز أن يعلم كل واحد منهما ما خفي على الآخر إلا أن يعينا وكلبا واحدا يضيق الوقت عن شربه منهما فيتعارض قولهما ويسقطان ويباح استعمال كل واحد منهما فإن قال أحدهما شرب من هذا الإناء وقال الآخر نزل ولم يشرب قدم قول المثبت إلا أن يكون لم يتحقق شربه مثل الضرير الذي يخبر عن حسه فيقدم قول البصير لأنه أعلم

فصل : الأصل في المياه الطهارة
فصل : إذا سقط على إنسان من طريق ماء لم يلزمه السؤال عنه لأن الأصل طهارته قال صالح سألت أبي عن الرجل يمر بالموضع فيقطر عليه قطرة أو قطرتان فقال : إن كان مخرجا يعني خلاء فاغسله وإن لم يكن مخرجا فلا يسأل عنه فإن عمر رضي الله عنه مر هو وعمرو بن العاص على حوض فقال عمرو : يا صاحب الحوض أترد على حوضك السباع ؟ فقال عمر : يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا رواه مالك في الموطأ فإن سأل فقال ابن عقيل : لا يلزم المسؤول رد الجواب لخبر عمر ويحتمل أن يلزمه لأنه سأل عن شرط الصلاة فلزمه الجواب إذا علم كما لو سأل عن القبلة وخبر عمر رضي الله عنه يدل على أن سؤر السباع غير نجس والله أعلم

باب الآنية مسألة : تطهير جلد الميتة بالدبغ
مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس
لا يختلف المذهب في نجاسة الميتة قبل الدبغ ولا نعلم أحدا خالف فيه وأما بعد الدبغ فالمشهور في المذهب أنه نجس أيضا وهو أحدى الروايتين عن مالك ويروى ذلك عن عمر وابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وعمران بن حصين وعائشة رضي الله عنهم وعن أحمد رواية أخرى أنه يطهر منها جلد ما كان طاهرا في حال الحياة وروي نحو هذا عن عطاء و الحسن و الشعبي و النخعي و قتادة و يحيى الأنصاري و سعيد بن جبير و الأوزاعي و الليث و الثوري و ابن المبارك و إسحاق و روي ذلك عن عمر وابن عباس وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم مع اختلافهم فيما هو طاهر في الحياة وهو مذهب الشافعي وهو يرى طهارة الحيوانات كلها إلا الكلب والخنزير فيطهر عنده كل جلد إلا جلدهما وله في جلد الآدمي وجهان وقال أو حنيفة يطهر كل جلد بالدبغ إلا جلد الخنزير وحكي عن أبي يوسف أنه يطهر كل جلد وهو رواية عن مالك ومذهب من حكم بطهارة الحيوانات كلها لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا دبغ الاهاب فقد طهر ] متفق عليه لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ هلا انتفعتم بجلدها قالوا إنها ميتة قال : إنما حرم أكلها ] وفي لفظ [ الا أخذوا إهابها فدبغوه به ] متفق عليه ولأنه إنما نجس باتصال الدماء والرطوبات به الموت والدبغ ذلك فيرتد الجلد إلى ما كان عليه في حال الحياة ولنا ما روي عبد الله بن عكيم [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى جهينة إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاء كم كتابي هذا لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ] رواه أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده وقال الإمام أحمد بإسناد جيد يرويه يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم وفي لفظ [ أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل وفاته بشهر أو شهرين ] وهو ناسخ لما قبله لأنه آخر عمر النبي صلى الله عليه و سلم ولفظه دال على سبق الترخيص وأنه متأخر عنه لقوله : [ كنت رخصت لكم ] وإنما يؤخذ بالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن قيل : هذا مرسل لأنه من كتاب لا يعرف حامله قلنا كتاب النبي صلى الله عليه و سلم كلفظه ولولا ذلك لم يكتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى أحد وقد كتب إلى ملوك الأطراف وإلى غيرهم فلزمتهم الحجة به وحصل له البلاغ ولو لم يكن حجة لم تلزمهم الإجابة ولا حصل به بلاغ ولكان لهم عذر في ترك الإجابة لجهلهم بحامل الكتاب وعدالته وروى أبو بكر و الشافعي بإسناده [ عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تنتفعوا من الميتة بشيء ] وإسناده حسن ولأنه جزء من الميتة فكان محرما لقوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } فلم يطهر بالدبغ كاللحم ولأنه حرم بالموت فكان نجسا كما قبل الدبغ وقولهم أنه إنما نجس باتصال الدماء والرطوبات به غير صحيح لأنه لو كان نجسا لذلك لم ينجس ظاهر الجلد ولا ما ذكاه المجوسي والوثني ولا ما قد نصفين ولا متروك التسمية لعدم علة التنجيس ولوجب الحكم بنجاسة الصيد الذي لم تنسفح دماؤه وطوباته ثم كيف يصح هذا عن الشافعي وهو يحكم بنجاسة الشعر والصوف والعظم ؟ و أبو حنيفة يطهر جلد الكلب وهو نجس في الحياة

فصل : الانتفاع بجلد الميتة
فصل : هل يجوز الانتفاع به في اليابسات ؟ فيه روايتان إحداهما لا يجوز لقوله : [ لا تنتفعوا من الميتة بشيء ] وقوله : [ لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ] والثانية يجوز الانتفاع به لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ الا أخذوا إهابها فانتفعوا به ] وفي لفظ [ الا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به ] لأن الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم وذبائحهم ميتة ولأنه انتفاع من غير ضرر أشبه الاصطياد بالكلب وركوب البغل والحمار
فصل : فأما جلود السباع فقال القاضي : لا يجوز الإنتفاع بها قبل الدبغ ولا يعده وبذلك قال الأوزاعي : و يزيد بن هارون و ابن المبارك و إسحاق و أبو ثور وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما كراهة الصلاة في جلود الثعالب وكرهها سعيد بن جبير و الحكم و مكحول و إسحاق وكره الانتفاع بجلود السنانير عطاء و طاوس و مجاهد و عبيدة السلماني وخص في جلود السباع جابر وروي عن ابن سيرين وعروة أنهم رخصوا في الركوب على جلود النمور ورخص فيها الزهري وأباح الحسن و الشعبي و أصحاب الرأي الصلاة في جلود الثعالب لأن الثعالب تفدى في الإحرام فكانت مباحة ولما ثبتمن الدليل على طهارة جلود الميتة بالدباغ
ولنا : ما روي أبو ريحانة قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها رواه أبو داود وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن افتراش جلود السباع رواه الترمذي ورواه أبو داود ولفظه إن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن جلود السباع مع ما سبق من نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن الانتفاع بشيء من الميتة وأما الثعالب فيبنى حكمها على حلها وفيها روايتان كذلك يخرج في جلودها فان قلنا بتحريمها فحكم جلودها جلود بقية السباع وكذلك السنانير البرية فأما الأهلية فمحرمة وهل تطهر جلودها بالدباغ ؟ يخرج على روايتين

فصل : عن النبي صلى الله عليه و سلم إيما أهاب دبغ فقد طهر
فصل : إذا قلنا بطهارة الجلود بالدباغ لم يطهر منها جلد ما لم يكن طاهرا في الحياة نص أحمد على أنه يطهر وقال بعض أصحابنا لا يطهر إلا ما كان مأكول اللحم وهو مذهب الأوزاعي و أبي ثور و إسحاق لأنه روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ دباغ الأديم ذكاته ] فشبه الدبغ بالذكاة إنما تعمل في مأكول اللحم ولأنه أحد المطهرين للجلد فلم يؤثر في غير مأكول كالذبح وظاهر كلام أحمد أن كل طاهر في الحياة يطهر بالدبغ لعموم لفظه في ذلك ولأن قوله عليه السلام : [ أيما أهاب دبغ فقد طهر ] يتناول المأكول وغيره خرج منه ما كان نجسا في الحياة لكون الدبغ إنما يؤثر في دفع نجاسة حادثة بالموت فيبقى فيما عداه على قضية العموم وحديثهم يحتمل أنه أراد بالذكاة التطييب من قولهم رائحة أي طيبة وهذا يطيب الجميع ويدل على هذا أنه أضاف الذكاة إلى الجلد خاصة والذي يختص به الجلد هو تطييبه وطهارته أما الذكاة التي هي الذبح فلا تضاف إلا إلى الحيوان كله ويحتمل أنه أراد بالذكاة الطهارة فسمى الطهارة ذكاة فيكون اللفظ عاما في كل جلد فيتناول ما اختلفنا فيه

فصل : لا يحل أكل جلد الميتة بعد الدبغ ولكن يجوز بيعه والانتفاع به
فصل : ولا يحل أكله بعد الدبغ في قول أكثر أهل العلم وحكي عن ابن جامد أنه يحل وهو وجه لأصحاب الشافعي لقوله : [ دباغ الأديم ذكاته ] ولأنه معنى يفيد الطهارة في الجلد فأباح الأكل كالذبح ولنا قوله تعالى { حرمت عليكم الميتة } والجلد منها وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما حرم من الميتة أكلها ] متفق عليه ولأنه جزء من الميتة فحرم أكله كسائر أجزائها ولا يلزم من الطهارة إباحة الأكل بدليل الخبائث مما لا ينجس بالموت ثم لا يسمع قياسهم في ترك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم
فصل : ويجوز بيعه وإجازته والانتفاع به في كل ما يمكن الانتفاع به فيه سوى الأكل لأنه صار بمنزلة المذكى في غير الأكل ولا يجوز بيعه قبل دبغه لأنه نجس متفق على نجاسة عينه فأشبه الخنزير

فصل : ما يشترط في الدبغ المطهر لجلد الميتة
فصل : ويفتقر ما يدبغ به إلى أن يكون منشفا للرطوبة منقيا للخبث كالشب والقرظ قال ابن عقيل : ويشترط كونه طاهرا فإن كان نجسا لم يطهر الجلد لأنها طهارة من نجاسة فلم تحصل بنجس كالاستجمار والغسل وهل يطهر الجلد بمجرد الدبغ قبل غسله بالماء ؟ فيه وجهان أحدهما لا تحصل لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ في جلد الشاة المتية : يطهرها الماء والقرظ ] رواه أبو داود ولأن ما يدبغ به نجس بملاقاة الجلد فإذا اندبغ الجلد بقيت الآلة نجسة فتبقى نجاسة الجلد لملاقاتها له فلا يزول إلا بالغسل والثاني يطهر لقوله عليه السلام : [ إيما أهاب دبغ فقد طهر ] ولأنه طهر بانقلابه فلم يفتقر إلى استعمال الماء كالخمرة إذا انقلبت خلا والأول أولى والخبر والمعنى يدلان على طهارة عينه ولا يمنع ذلك من وجوب غسله من نجاسة تلاقيه كما لو أصابته نجاسة سوى آلة الدبغ أو أصابته آلة الدبغ بعد فصله عنها
فصل : ولا يفتقر الدبغ إلى فعل لأنها إزالة نجاسة فأشبهت غسل الأرض فلو وقع جلد ميتة في مدبغة بغير فعل فاندبغ طهر كما لو نزل ماء السماء على أرض نجسه طهرها

فصل : إذا ذبح ما لا يؤكل لحمه كان جلده نجسا
فصل : وإذا ذبح ما لا يؤكل لحمه كان جلده نجسا وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك يطهر لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ دباغ الاديم ذكاته ] أي كذ كاته فشبه بالذكاة والمشبه به أقوى من المشبه فإذا طهر الدبغ مع ضعفه فالذكاة أولى ولأن الدبغ يرفع العلة بعد وجودها والذكاة تمنعها والمنع أقوى من الرفع ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم : نهى عن افتراش جلود السباع وركوب النمور وهو عام في المذكى وغيره ولأنه ذبح لا يطهر اللحم فلم يطهر الجلد كذبح المجوسي أو ذبح غير مشروع فأشبه الأصل والخبر أجبنا عنه فيما مضى ثم نقول إن الدبغ إنما يؤثر في مأكول اللحم فكذلك ما شبه به ولو سلمنا أنه يؤثر في تطهير غيره فلا يلزم حصول التطهير بالذكاة لكون الدبغ مزيلا للخبث والرطوبات كلها مطيبا للجلد على وجه يتهيا به للبقاء على وجه لا يتغير والذكاء لا يحصل بها على ذلك فلا يستغنى بها عن الدبغ وقولهم المشبه أضعف من المشبه به غير لازم فإن الله تعالى قال في صفة الحور : { كأنهن بيض مكنون } وهن أحسن من البيض والمرأة الحسناء تنسبه بالظبية وبقرة الوحش وهو أحسن منهما وقولهم إن الدبغ يرفع العلة ممنوع فإننا قد بينا أن الجلد لم ينجس لما ذكرناه وإن سلمنا فإن الذبح لا يمنع منها ثم يبطل ما ذكروه بذبح المجوسي والوثني والمحرم وبترك التسمية وما شق نصفين

فصل : هل تطهر النجاسة بالاستحالة ! !
فصل : ظاهر المذهب أنه لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا الخمرة إذا انقلبت بنفسها خلا وما عداه لا يطهر كالنجاسات إذا احترقت فصارت رمادا والخنزير إذا وقع في الملاحة وصار ملحا والدخان المترقي من وقود النجاسة والبخار المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل ثم قطر فهو نجس ويتخرج أن تطهر النجاسات كلها بالاستحالة قياسا على الخمرة إذا انقلبت وجلود الميتة إذا دبغت والجلالة إذا حبست والأول ظاهر المذهب وقد نهى إمامنا رحمه الله عن الخبز في تنور شوي فيه خنزير

فصول : عظام الميتة ولبنها وبيضها
مسألة : قال : كذلك آنية عظام الميتة
يعني أنها نجسه وجملة ذلك أن عظام الميتة نجسة سواء كانت ميتة ما يؤكل لحمه أو ما لا يؤكل لحمه كالفيلة ولا يطهر بحال وهذا مذهب مالك و الشافعي و إسحاق وكره عطاء و طاوس و الحسن و عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم عظام الفيلة ورخص في الانتفاع بها محمد بن سيرين وغيره و ابن جريج لما روى أبو داود بإسناده عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم [ اشترى لفاطمة رضي الله عنها قلادة من عصب وسوارين من عاج ]
ولنا : قول الله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } والعظم من جملتها فيكون محرما والفيل لا يؤكل لحمه فهو نجس على كل حال وأما الحديث فقال الخطابي : قال : الأصمعي العاج الذيل ويقال : هو عظم ظهر السلحفاة البحرية وذهب مالك إلى أن الفيل إن ذكي فعظمه طاهر وإلا فهو نجس لأن الفيل مأكول عنده وهو غير صحيح لأن النبي صلى الله عليه و سلم : [ نهى عن أكل ذي ناب من السباع ] رواه مسلم والفيل أعظمها نابا فأما عظام بقية الميتات فذهب الثوري و أبو حنيفة إلى طهارتها لأن الموت لا يحلها فلا تنجس به كالشعر ولأن علة التنجيس في اللحم والجلد اتصال الدماء والرطوبات به ولا يوجد ذلك في العظام ولنا قول الله تعالى : { قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم } وما يحيا فهو يموت ولأن دليل الحياة الإحساس والألم والألم في العظم أشد في اللحم والجلد الضرس يألم ويلحقه الضرس ويحس ببرد الماء وحرارته وما تحله الحياة يحله الموت مفارقة الحياة وما يحله الموت ينجسه به كاللحم قال الحسن لبعض أصحابه لما سقط ضرسه أشعرت أن بعضي مات اليوم ؟ وقولهم أن سبب التنجيس اتصال الدماء والرطوبات قد أجبنا عنه فيما مضى
فصل : والقرن والظفر والحافر كالعظم أن أخذ من مذكي فهو طاهر وإن أخذ من حي فهو نجس لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب وكذلك ما يتساقط من قرون الوعول في حياتها ويحتمل أن هذا طاهر لأنه متصل مع عدم الحياة فيه فلم ينجس بفصله من الحيوان ولا يموت الحيوان كالشعر والخبر أريد به ما يقطع من البهيمة مما فيه حياة لأنه بفصله يموت فتفارقه الحياة بخلاف هذا فإنه لا يموت بفصله فهو أشبه بالشعر وما لا ينجس بالموت لا بأس بعظامه كالسمك لأن موته كتذكية الحيوانات المأكولة
فصل : ولبن الميتة وانفحتها نجس في ظاهر المذهب وهو قول مالك و الشافعي وروي أنها طاهرة وهو قول أبي حنيفة و داود لأن الصحابة رضي الله عنهم أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن وهو يعمل بالأنفحة وهي تؤخذ من صغار المعز فهو بمنزلة اللبن وذبائحهم ميتة
ولنا : أنه مائع في وعاء نجس فكان نجسا كما لو حلب في وعاء نجس ولأنه لو أصاب الميتة بعد فصله عنها لكان نجسا فكذلك قبل فصله وأما المجوس فقد قيل إنهم ما كانوا يتولون الذبح بأنفسهم وكان جزاروهم اليهود والنصارى ولو لم ينقل ذلك عنهم لكان الاحتمال موجودا فقد كان فيهم اليهود والنصارى والأصل الحل فلا يزول بالشك وقد روي أن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم الذين قدموا العراق مع خالد كسروا جيشا من أهل فارس بعد أن نصبوا الموائد ووضعوا طعامهم ليأكلوا فلما فرغ المسلمون منهم جلسوا فأكلوا ذلك الطعام والظاهر أنه كان لحما فلو حكم بنجاسة ما ذبح ببلدهم لما أكلوا من لحمهم شيئا فإذا حكموا بحل اللحم فالجبن أولى وعلى هذا لو دخل أرضا فيها مجوس وأهل الكتاب كان له أكل جبنهم ولحمهم احتجاجا بفعل النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه
فصل : وإن ماتت الدجاجة وفي بطنها بيضة قد صلب قشرها فهي طاهرة وهذا قول أبي حنيفة و بعض الشافعية و ابن المنذر و كرهها علي بن أبي طالب وابن عمر وربيعة و مالك و الليث وبعض الشافعية لأنها جزء من الدجاجة
ولنا : أنها بيضة صلبة القشر طرأت النجاسة عليها فأشبه ما لو وقعت في ماء نجس وقولهم أنها جزء منها غير صحيح وإنما هي مودعة فيها متصلة بها فأشبهت الولد إذا خرج حيا من المتية ولأنها خارجة من حيوان يخلق منها مثل أصلها أشبهت الولد الحي وكراهة الصحابة لها محمولة على كراهة التنزيه استقذارا لها ولو وضعت البيضة تحت طائر فصارت فرخا كان طاهرا بكل حال فإن لم تكمل البيضة فقال بعض أصحابنا ما كان قشره أبيض فهو طاهر وما لم يبيض قشره فهو نجس لأنه ليس عليه حائل حصين واختار ابن عقيل أنه لا ينجس لأن البيضة عليها غاشية رقيقة كالجلد وهو القشر قبل أن يقوي فلا ينجس منها إلا ما كان لاقى النجاسة كالسمن الجامد إذا ماتت فيه فأرة إلا أن هذه تطهر إذا غسلها لأن لها من القوة ما يمنع تداخل أجزاء النجاسة فيها بخلاف السمن

مسألة : الوضوء من الآنية المحرمة
مسألة : قال : ويكره أن يتوضأ بآنية من الذهب والفضة فإن فعل كره
أراد بالكراهة التحريم ولا خلاف بين أصحابنا في ان استعمال الذهب والفضة حرام وهو مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي ولا أعلم فيه خلافا لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تشربوا في آنية من الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ] ونهى عن الشرب في آنية من الفضة قال : [ من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة ] وقال عليه الصلاة و السلام : [ الذي يشرب في آنية من الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ] متفق عليهن والنهي يقتضي التحريم وذكر في ذلك وعيدا شديدا يقتضي التحريم ويروى نار جهنم برفع الراء ونصبها فمن رفعها نسب الفعل إلى النار ومن نصبها أضمر الفاعل في الفعل وجعل النار مفعولة تقديره يجرجر الشارب في بطنه نار جهنم والعلة في تحريم الشرب فيها ما يتضمنه ذلك من الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وهو موجود في الطهارة منها واستعمالها كيفما كان بل إذا حرم في غير العبادة ففيها أولى فإن توضأ منها أو اغتسل فعلى وجهين أحدهما تصح طهارته وهو قول الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وأصحاب الرأي لأن فعل الطهارة وماءها لا يتعلق بشيء من ذلك أشبه الطهارة في الدار المغصوبة والثاني لا يصح اختاره أبو بكر لأنه استعمل المحرم في العبادة فلم يصح كالصلاة في الدار المغصوبة والأول أصح ويفارق هذا الصلاة في الدار المغصوبة لأن أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود في الدار المغصوبة محرم لكونه تصرفا في ملك غيره بغير إذنه وشغلا له وأفعال الوضوء من الغسل والمسح ليس بمحرم إذ ليس هو استعمالا للإناء ولا تصرفا فيه وإنما يقع ذلك بعد رفع الماء من الإناء وفصله عنه فأشبه ما لو غرف بآنية الفضة في إناء غيره ثم توضأ ولأ المكان شرط الصلاة إذا لا يمكن وجودها في غير مكان الإناء ليس بشرط فأشبه ما لو صلى وفي يده خاتم ذهب
مسألة : فان جعل آنية من الذهب والفضة مصبا لماء الوضوء ينفصل الماء عن أعضائه إليه صح الوضوء لأن المنفصل الذي يقع في الآنية قد رفع الحدث فلم يزل ذلك بوقوعه في الإناء ويحتمل أن تكون كالتي قبلها لأن الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء يحصل باستعماله ههنا كحصوله في التي قبلها وفعل الطهارة يحصل ههنا قبل وصول الماء إلى الإناء وفي التي قبلها بعد فصله عنه فهي مثلها في المعنى وإن افترقا في الصورة

فصل : الذهب والفضة والمضببة بهما
فصل : ويحرم اتخاذ آنية الذهب والفضة وحكي عن الشافعي أن ذلك لا يحرم لأن الخبر إنما ورد بتحريم الاستعمال فلا يحرم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير
ولنا : أن ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالطنبور وأما ثياب الحرير فإنها لا تحرم مطلقا فإنها تباح للنساء وتباح للتجارة فيها ويحرم استعمال الآنية مطلقا في الشرب والأكل وغيرهما لأن النص ورد بتحريم الشرب والأكل وغيرهما في معناهما ويحرم ذلك على الرجل والنساء لعموم النص فيهما ووجود معنى التحريم في حقهما وإنما أبيح التحلي في حق المرأة لحاجتها إلى التزين للزوج والتجمل عنده وهذا يختص الحلي فتختص الإباحة به
فصل : فأما المضبب بالذهب أو الفضة فإن كان كثيرا فهو محرم بكل حال ذهبا كان أو فضة لحاجة ولغيرها وبهذا قال الشافعي وأباح أبو حنيفة المضبب وإن كان كثيرا لأنه صار تابعا للمباح فأشبه المضبب باليسير
ولنا : أن هذا فيه سرف وخيلاء فأشبه الخالص ويبطل ما قاله بما إذا اتخذ أبوابا من فضة أو ذهب أو رفوفا فإنه يحرم وإن كان تابعا أو فارق اليسير فإنه لا يوجد فيه المعنى المحرم إذا ثبت هذا فاختلف أصحابنا فقال أبو بكر يباح اليسير من الذهب والفضة لما ذكرنا وأكثر أصحابنا على أنه لا يباح اليسير من الذهب ولا يباح منه إلا ما دعت الضرورة إليه كأنف الذهب وما ربط به أسنانه
وأما الفضة فيباح منها اليسير لما روى أنس أن قدح رسول الله صلى الله عليه و سلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة رواه البخاري ولأن الحاجة تدعو إليه وليس فيه سرف ولا خيلاء فأشبه الضبة من الصفر قال القاضي : ويباح ذلك مع الحاجة وعدمها لما ذكرنا إلا أن ما يستعمل من ذلك لا يباح كالحلقة وما لا يستعمل كالضبة يباح وقال أبو الخطاب : لا يباح اليسير إلا لحاجة لأن الخبر إنما ورد في تشعيب القدح في موضع الكسر وهو لحاجة ومعنى الحاجة أن تدعو الحاجة إلى ما فعله به وإن كان غيره يقوم مقامه وتكره مباشرة موضع الفضة بالاستعمال كيلا يكون مستعملا لها وسنذكر ذلك في غير هذا الموضع بأبسط من هذا إن شاء الله تعالى

فصل : أما غير الذهب والفضة فيباح
فصل : فأما سائر الآنية فمباح اتخاذها واستعمالها سواء كانت ثمينة كالياقوت والبلور والعقيق والصفر والمخروط من الزجاج أو غير ثمينة كالخشب والخزف والجلود ولا يكره استعمال شيء منها في قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن ابن عمر أنه كره الوضوء في الصفر والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك واختار ذل الشيخ أبو الفرج المقدسي لأن الماء يتغير فيها وروي أن الملائكة تكره ريح النحاس وقال الشافعي في أحد قوليه ما كان ثمينا لنفاسة جوهره فهو محرم لأن تحريم الاثمان تنبيه على تحريم ما هو اعلى منه ولأن فيه سرفا وخيلاء وكسر قلوب الفقراء فكان محرما كالاثمان
ولنا : روي عن عبد الله بن زيد قال : [ أتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ ] متفق عليه وروى أبو داود في سننه عن عائشة قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم في تور من شبه ولأن الأصل الحل فيبقى عليه ولا يصح قياسه على الاثمان لوجهين أحدهما أن هذا لا يعرفه إلا خواص الناس فلا تنكسر قلوب الفقراء باستعماله بخلاف الاثمان والثاني أن هذه الجواهر لقلتها لا يحصل اتخاذ الآنية منها إلا نادرا فلا تفضي إباحتها إلى اتخاذها واستعمالها وتعلق التحريم بالأثمان التي هي واقعة في مظنة الكثرة فلم يتجاوزه كما تعلق حكم التحريم في اللباس بالحرير وجاز استعمال القصب من الثياب وإن زادت قيمته على قيمة الحرير ولأنه لو جعل فصل خاتمه جوهرة ثمينة جاز وخاتم الذهب حرام ولو جعل فصه كان حراما وإن قلت قيمته

مسألة : شعر الميتة وصوفها
مسألة : قال : وصوف الميتة وشعرها طاهر
يعني شعر ما كان طاهرا في حياته وصوفه وروي ذلك عن الحسن و ابن سيرين وأصحاب عبد الله قالوا إذا غسل وبه قال مالك و الليث بن سعد و الأوزاعي و إسحاق و ابن المنذر و اصحاب الرأي وروي عن أحمد ما يدل على أنه نجس وهو قول الشافعي لأنه ينمى من الحيوان فينجس بموته كاعضائه
ولنا : ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أنه قال : لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ وصوفها وشعرها إذا غسل ] رواه الدارقطني وقال لم يأت به إلا يوسف بن السفر وهو ضعيف ولأنه لا تفتقر طهارة منفصلة إلى ذكاة أصله فلم ينجس بموته كأجزاء السمك والجراد ولأنه لا يحله الموت فلم ينجس بموت الحيوان كبيضة والدليل على أنه لا حياة فيه أنه لا يحس ولا يألم وهما دليلا الحياة ولو انفصل في الحياة كان طاهرا ولو كانت فيه حياة لنجس بفصله لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما أبين من حي فهو ميت ] رواه أبو داود والنمو بمجرده ليس بدليل الحياة فإن الحشيش ينمى ولا ينجس

فصل : أصول الريش والشعر وفي طهارته بعد غسله وجهان
فصل : والريش كالشعر فيما ذكرنا لأنه في معناه فأما أصول الريش والشعر إذا كان رطبا إذا نتف من الميتة فهو نجس لأنه رطب في محل نجس وهل يكون طاهرا بعد غسله ؟ على وجهين أحدهما أنه طاهر كرؤوس الشعر إذا تنجس والثاني أنه نجس لأنه جزء من اللحم لم يستكمل شعرا ولا ريشا

فصل : شعر الآدمي طاهر
فصل : وشعر الآدمي طاهر متصله ومنفصله في حياة الآدمي وبعد موته وقال الشافعي : في أحد قوليه إذا انفصل فهو نجس لأنه جزء من الآدمي انفصل في حياته فكان نجسا كعضوه
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم فرق شعره بين أصحابه قال أنس : [ لما رمى النبي صلى الله عليه و سلم ونحر نسكه ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر قال : أحلقه فحلقه وأعطاه أبا طلحة ففال : اقسمه بين الناس ] رواه مسلم و أبو داود وروي أن معاوية أوصى أن يجعل نصيبه منه في فيه إذا مات وكانت في قلنسوة خالد شعرات من شعر الرسول صلى الله عليه و سلم ولو كان نجسا لما ساغ هذا ولما فرقه النبي صلى الله عليه و سلم وقد علم أنهم يأخذونه يتبركون به ويحملونه معهم تبركا به وما كان طاهرا من النبي صلى الله عليه و سلم كان طاهرا من سواه كسائره ولأنه شعر متصله طاهر فمنفصله طاهر كشعر الحيوانات كلها وكذلك نقول في أعضاء الآدمي ولئن سلمنا نجاستها فإنها تنجس من سائر الحيوانات بفصلها في حياته بخلاف الشعر

فصل : وكل حيوان فشعره مثل بقية أجزائه
فصل : وكل حيوان فشعره مثل بقية أجزائه ما كان طاهرا فشعره طاهر وما كان نجسا فشعره كذلك ولا فرق بين حالة الحياة وحالة الموت إلا أن الحيوانات التي حكمنا بطهارتها لمشقة الاحتراز منها كالسنور وما دونها في الخلقة فيها بعد الموت وجهان أحدهما أنها نجسه لأنها كانت طاهرة مع وجود علة التنجيس لمعارض وهو الحاجة الى العفو عنها للمشقة وقد انتفت الحاجة فتنتفي الطهارة والثاني هي طاهرة وهذا أصح لأنها كانت طاهرة في الحياة والموت لا يقتضي تنجيسها فتبقى الطهارة وما ذكرناه للوجه الأول لا يصح لأننا لا نسلم وجود علة التنجيس ولئن سلمنا غير أن الشرع ألغاه ولم يثبت اعتباره في موضع فليس لنا إثبات حكمه بالتحكم

فصل : الخرز بشعر الخنزير
فصل : واختلفت الرواية عن أحمد في الخرز بشعر الخنزير فروي عنه كراهته وحكي ذلك عن ابن سيرين و الحكم و حماد و إسحاق و الشافعي لأنه استعمال للعين النجسة ولا يسلم من التنجيس بها فحرم الانتفاع بها كجلده والثانية يجوز الخرز به قال : وبالليف أحب إلينا ورخص فيه الحسن و مالك و الأوزاعي و أبو حنيفة لأن الحاجة تدعو إليه وإذا خرز به شيئا رطبا أو كانت الشعرة رطبة نجس ولم يطهر إلا بالغسل قال ابن عقيل : وقد روي عن أحمد أنه لا بأس به ولعله قال ذلك لأنه لا يسلم الناس منه وفي تكليف غسله إتلاف أموال الناس فالظاهر أن أحمد إنما عنى لا بأس بالخرز فأما الطهارة فلا بد منها والله أعلم

فصل : استعمال ثياب المشركين وآنيتهم
فصل : والمشركون على ضربين أهل الكتاب وغيرهم فأهل الكتاب يباح أكل طعامهم وشرابهم والأكل في آنيتهم ما لم يتحقق نجاستها قال ابن عقيل : لا تختلف الرواية في أنه يحرم استعمال أوانيهم وذلك لقول الله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } وروي عن عبد الله بن المغفل قال دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته وقلت والله لا أعطي أحدا منه شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يبتسم وراه مسلم وأخرجه البخاري بمعناه وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم أضافه يهودي بخبز وأهالة سنخة رواه الإمام أحمد في المسند وكتاب الزهد وتوضأ عمر من جرة نصرانية - وهل يكره له استعمال أوانيهم ؟ على روايتين إحداهما لا يكره لما ذكرنا والثانية يكره لما روى أبو ثعلبة الخشني [ قال : قلت يا رسول الله : إنا بأرض قول أهل كتاب أفتأكل في آوانيهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها ] متفق عليه وأقل أحوال النهي والكراهة ولأنهم لا يتورعون عن النجاسة ولا تسلم آنيتهم من أطعمتهم وأدنى ما يؤثر ذلك الكراهة وأما ثيابهم فما لم يستعملوه أو علا منها كالعمامة والطيلسان والثوب الفوقاني فهو طاهر لا بأس بلبسه وما لاقى عوراتهم كالسراويل والثوب السفلاني والازار فقال : أحمد : أحب إلي أن يعيد يعني من صلى فيه فيحتمل وجهين أحدهما وجوب الإعادة وهو قول القاضي وكره أبو حنيفة و الشافعي الأزر والسراويلات لأنهم يتعبدون بترك النجاسة ولا يتحرزون منها فالظاهر نجاسة ما ولي مخرجها والثاني لا يجب وهو قول أبي الخطاب لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك
الضرب الثاني : غير أهل الكتاب وهم المجوس وعبدة الأوثان ونحوهم فحكم ثيابهم حكم ثياب أهل الذمة وأما أوانيهم فقال القاضي : لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم لأن أوانيهم لا تخلو من أطعمتهم وذبائحهم ميتة فلا تخلو أوانيهم من وضعها فيها وقال أبو الخطاب : حكمهم حكم أهل الكتاب وثيابهم وأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال ما لم يتيقن نجاستها وهو مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه توضؤوا من مزادة مشركة متفق عليه ولأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك فظاهر كلام أحمد رحمه الله مثل قول القاضي فانه قال : في المجوس لا يؤكل من طعامهم إلا طعامهم إلا الفاكهة لأن الظاهر نجاسة آنيتهم المستعملة في أطعمتهم فأشبهت السراويلات من ثيابهم ومن يأكل الخنزير من النصارى في موضع يمكنهم أكله أو يأكل الميتة أو يذبح بالسن والظفر ونحوه فحكمه حكم غير أهل الكتاب لاتفاقهم في نجاسة أطعمتهم ومتى شك في الإناء هل استعملوه في أطعمتهم أو لم يستعملوه فهو طاهر لأن الأصل طهارته ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة الصلاة في الثوب الذي نسجه الكفار فإن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه إنما كان لباسهم من نسج الكفار فأما ثيابهم التي يلبسونها فأباح الصلاة فيها الثوري وأصحاب الرأي وقال مالك : في ثوب الكفار يلبسه على كل حال إن صلى فيه يعيد ما دام في الوقت ولنا أن الأصل الطهارة ولم تترجع جهة التنجيس فيه أشبه ما نسجه الكفار

فصل : الحكم بطهارة ثوب الصبي وطهارة ثوب المرأة
فصل : وتباح الصلاة في ثياب الصبيان ما لم تتيقن نجاستها وبذلك قال الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي لأن أبا قتادة روى [ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ] متفق عليه وكان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن الحسين على ظهره وتكره الصلاة فيه لما فيه من احتمال غلبة النجاسة وتصح في ثوب المرأة الذي تحيض فيه إذا لم تتحقق إصابة النجاسة له لأن الأصل الطهارة والتوقي لذلك أولى لأنه يحتمل إصابة النجاسة إياه وقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يصلي في شعرنا ولحفنا ولعاب الصبيان طاهر وقد روى أبو هريرة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حاملا الحسين على عاتقه ولعابه يسيل عليه وحمل أبو بكر الحسن بن علي على عاتقه ولعابه يسيل وعلي إلى جانبه وجعل أبو بكر يقول : [ وابأبي ] شبه النبي لا شبيها بعلي وعلي يضحك

فصل : حكم الثوب إذا غسله كافر وصبغه
فصل : وإذا صبغ في حب صباغ لم يجب غسل الثوب المصبوغ سواء كان الصباغ مسلما أو كافرا نص عليه أحمد لأن الأصل الطهارة فإذا تحققت نجاسته طهر بالغسل وإن بقي اللون بدليل قوله عليه السلام في الدم [ لا يضرك أثره ]

فصول : الفطرة خمس : الختان الاستحداد قص الشارب تقليم الأظافر نتف الإبط
فصول في الفطرة : روى أبو هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الفطرة خمس - الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط ] متفق عليه وروى عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : عشر من الفطر - قص الشارب واعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء ] قال بعض الرواة : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة - الاستحداد حلق العانة استفعال من الحديد وانتقاص الماء الاستنجاء به لأن الماء يقطع البول ويرده قال : أبو داود : وقد روي عن ابن عباس نحو حديث عائشة قال : خمس كلها في الرأس ذكر منها الفرق ولم يذكر اعفاء اللحية قال أحمد : الفرق سنة قيل يا أبا عبد الله يشهر نفسه قال : النبي صلى الله عليه و سلم قد فرق وأمر بالفرق
فصل : فأما الختان فواجب على الرجال ومكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن هذا قول كثير من أهل العلم قال أحمد : الرجل أشد وذلك أن الرجل إذا لم يختن فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة ولا ينقي ماثم والمرأة أهون قال أبو عبد الله وكان ابن عباس يشدد في أمره وروي عنه أنه لا حج له ولا صلاة يعني إذا لم يختتن و الحسن يرخص فيه يقول إذا أسلم لا يبالي أن لا يختن ويقول أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتش أحد منهم ولم يختنوا والدليل على وجوبه أن ستر العورة واجب فلولا أن الختان واجب لم يجز هتك حرمة المختون بالنظر إلى عورته من أجله ولأنه من شعار المسلمين فكان واجبا كسائر شعارهم وإن أسلم رجل كبير فخاف على نفسه من الختان سقط عنه لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه فهذا أولى وإن أمن على نفسه لزمه فعله قال حنبل : سألت أبا عبد الله عن الذمي إذا أسلم ترى له أن يطهر بالختان ؟ قال : لا بد له من ذلك قلت إن كان كبيرا قال أحب إلي أن يتطهر لأن الحديث : [ اختن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة ] قال تعال : { ملة أبيكم إبراهيم } ويشرع الختان في حق النساء أيضا قال أبو عبد الله وحديث النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا التقى الختانان وجب الغسل ] فيه بيان أن النساء كن يختن وحديث عمر إن ختانة ختنت فقال : أبقي منه شيئا إذا خفضت وروى الخلال بإسناده عن شداد بن أوس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنه قال للخافضة : أشمي ولا تنهكي فانه أحظى للزوج وأسرى للوجه ] والخفض ختانة المرأة
فصل : والاستحداد حلق العانة وهو مستحب لأنه من الفطرة ويفحش بتركه فاستحبت إزالته وبأي شي أزاله صاحبه فلا بأس لأن المقصود إزالته قيل ل أبي عبد الله ترى أن يأخذ الرجل سفلته بالمقراض وإن لم يستقص ؟ قال : أرجو أن يجزئه إن شاء الله قيل يا أبا عبد الله ما تقول في الرجل إذا نتف عانته ؟ فقال : وهل يقوى على هذا أحد ؟ وإن اطلى بنورة فلا بأس إلا أنه لا يدع أحدا يلي عورته إلا من يحل له الإطلاع عليها من زوجة أو أمة قال أبو العباس النسائي ضربت ل عبد الله نورة ونورته بها فلما بلغ إلى عانته نورها هو وروي الخلال بإسناده عن نافع قال : كنت أطلي ابن عمر فإذا بلغ عانته نورها هو بيده وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم [ قال المروذي : كان أبو عبد الله لا يدخل الحمام وإذا احتاج إلى النورة تنور في البيت وأصلحت له غير مرة نورة تنور بها واشتريت له جلدا ليديه فكان يدخل يديه فيه وينور نفسه والحلق أفضل لموافقته الخبر وقد قال ابن عمر : هو مما أحدثوا من النعيم - يعني النورة ]
فصل : ونتف الإبط سنة لأنه من الفطرة ويفحش بتركه وإن أزال الشعر بالحلق والنورة جاز ونتفه أفضل لموافقته الخبر قال حرب : قلت ل إسحاق نتف الإبط إليك أو بنورة ؟ قال نتفه إن قدر
فصل : ويستحب تقليم الأظافر لأنه من الفطرة ويتفاحش بتركه وربما حل به الوسح فيجتمع تحتها من المواضع المنتنة فتصير رائحة ذلك في رؤوس الأصابع وربما منع وصول الطهارة إلى ما تحته وقد روينا في خبر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما لي لا أسهو وأنتم تدخلون علي قلحا ورفع أحدكم بين ظفره وأنملته ] ومعناه أن أحدكم يطيل أظفارثم يحك بها رفغه ومواضع النتن فتصير رائحة ذلك تحت أظفاره وروي في حديث مسلسل قد سمعناه أن عليا قال : [ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقلم أظفاره يوم الخميس ثم قال : يا علي قص الظفر ونتف الأبط وحلق العانة يوم الخميس والغسل والطيب واللباس يوم الجمعة ] وروي في حديث : [ من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينيه رمدا ] وفسره أبو عبد الله بن بطة يبدأ بخنصر اليمنى ثم الوسطى ثم الإبهام ثم البنصر ثم السبابة ثم بابهام اليسرى ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السبابة ثم البنصر
فصل : ويستحب غسل رؤوس الأصابع بعد الأظفار وقد قيل ك إن الحك بالإظفار قبل غسلها يضر بالجسد وفي حديث عائشة غسل البراجم في تفسير الفطرة فيحتمل أنه أراد ذلك وقال الخطابي : البراجم العقد التي في ظهور الأصابع والرواجب ما بين البراجم ومعناه تنظيف المواضع التي تتسخ ويجتمع فيها الوسخ ويستحب دفن ما قلم من أظفاره أو أزال من شعره لما روى الخلال بإسناده عن ميل بنت مشرح الاشعرية قالت : رأيت أبي يقلم أظفاره ويدفنها ويقول رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل ذلك وعن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كان يعجبه دفن الدم وقال مهنا سألت أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أو يلقيه ؟ قال يدفنه قلت بلغك فيه شيء ؟ قال كان ابن عمر يدفنه وروينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر بدفن الشعر والأظفار وقال : [ لا يتلعب به سحرة بني آدم ]

فصل : اتخاذ الشعر أفضل من ازالته
فصل : واتخاذ الشعر أفضل من إزالته قال أبو إسحاق سئل أبو عبد الله عن الرجل يتخذ الشعر فقال سنة حسنة لو أمكننا اتخذناه وقال : كان للنبي صلى الله عليه و سلم جمة وقال : تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم لهم شعر وقال : عشرة لهم جمم وقال في بعض الحديث : إن شعر النبي صلى الله عليه و سلم كان إلى شحمة أذنيه وفي بعض الحديث إلى منكبيه وروى البراء بن عازب قال : ما رأيت ذا لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم له شعر يضرب منكبيه : متفق عليه وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ رأيت ابن مريم له لمة ] قال الخلال : سألت أحمد بن يحيى - يعني ثعلبا - عن اللمة فقال : ما ألمت بالأذن والجمة ما طالت وقد ذكر البراء بن عازب في حديثه أن شعر النبي صلى الله عليه و سلم يضرب منكبيه وقد سماه لمة ويستحب أن يكون شعر الإنسان على صفة شعر النبي صلى الله عليه و سلم إذا طال فالى منكبيه وإن قصره فإلى شحمة أذنيه وإن طوله فلا بأس نص عليه أحمد وقال أبو عبيدة كانت له عقيصتان وعثمان كانت له عقيصتان وقال وائل بن حجر [ أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ولي شعر طويل فلما رآني قال : ذباب ذباب فرجعت فجزرته ثم أتيته من الغد فقال : لم أعنك ] وهذا حسن رواه ابن ماجة ويستحب ترجيل الشعر وإكرامه لما روى أبو هريرة يرفعه [ من كان له شعر فليكرمه ] رواه أبو داود ويستحب فرق الشعر لأن النبي صلى الله عليه و سلم فرق شعره وذكره من الفطرة في حديث ابن عباس وفي شروط عمر وأهل الذمة : أن لا يفرقوا شعورهم لئلا يتشبهوا بالمسلمين

فصل : حكم حلق الشعر
فصل : واختلفت الرواية عن أحمد في حلق الرأس فعنه أنه مكروه لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أنه قال في الخوارج : سيما هم التحليق ] فجعله علامة لهم وقال عمر لصبيغ لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عنيك بالسيف وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة ] رواه الدارقطني في الأفراد وروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ ليس منا من حلق ] رواه أحمد وقال ابن عباس الذي يحلق رأسه في المصر شيطان قال أحمد كانوا يكرهون ذلك وروي عنه لا يكره ذلك لكن تركه أفضل قال حنبل كنت أنا وأبي نحلق رؤوسنا في حياة أبي عبد الله فيرانا ونحن نحلق فلا ينهانا وكان هو يأخذ رأسه بالجلمين ولا يحفيه ويأخذه وسطا وقد روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم [ رأى غلاما قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك ] رواه مسلم وفي لفظ قال [ احلقه كله أو دعه كله ] وروي عن عبد الله ابن جعفر ابن النبي صلى الله عليه و سلم لما جاء نعي جعفر أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ثم أتاهم فقال : [ لا تبكون على أخي بعد اليوم - ثم قال - ادعوا بني أخي - فجيء بنا قال - ادعوا لي الحلاق فأمر بنا فحلق رؤوسنا ] رواه أبو داود و الطيالسي ولأنه لا يكره استئصال الشعر بالمقراض وهذا في معناه وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ليس منا من حلق ] يعني في المصيبة لأن فيه [ أو صلق أو خرق ] قال ابن عبد البر وقد أجمع العلماء على إباحة الحلق وكفى بهذا حجة وأما استئصال الشعر بالمقراض فغير مكروه رواية واحدة قال أحمد إنما كرهوا الحلق بالموس وأما بالمقراض فليس به بأس لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق

فصل : حلق بعض الرأس وترك بعض
فصل : فأما حلق بعض الرأس فمكروه ويسمى القزع لما ذكرنا من حديث ابن عمر ورواه أبو داود ولفظه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن القزع وقال : احلقه كله أو دعه كله ] وفي شروط عمر على أهل الذمة أن يحلقوا مقادم رؤوسهم ليتميزوا بذلك عن المسلمين فمن فعله من المسلمين كان متشبها بهم

فصل : : حلق شعر رأس المرأة
فصل : ولا تختلف الرواية في كراهة حلق المرأة رأسها من غير ضرورة قال أبو موسى : [ برئ رسول الله صلى الله عليه و سلم من الصالقة والحالقة ] متفق عليه وروى الخلال بإسناده عن قتادة عم عكرمة قال : [ نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن تحلق المرأة رأسها ] قال الحسن : هي مثلة قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن المرأة تعجز عن شعرها وعن معالجته أتأخذه على حديث ميمونة قال لأي شيء تأخذه ؟ قيل له لا تقدر على الدهن وما يصلحه وتقع فيه الدواب قال إذا كان لضرورة فأرجو أن لا يكون به بأس

فصل : حكم نتف الشيب
فصل : ويكره نتف الشيب لما روى عمر بن شعيب [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نتف الشيب وقال : أنه نور الإسلام ] وعن طارق بن حبيب [ أن حجاما أخذ من شارب النبي صلى الله عليه و سلم فرأى شيبة في لحيته فأهوى إليها ليأخذها فأمسك النبي صلى الله عليه و سلم يده وقال : من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ] رواه الخلال في جامعه

فصل : ويكره حلق القفا لمن يحلق رأسه
فصل : ويكره حلق القفا لمن لم يحلق رأسه ولم يحتج إليه قال المروذي سألت أبا عبد الله عن حلق القفا فقال : هو من فعل المجوس ومن تشبه بقوم فهو منهم وقال : لا بأس أن يحلق قفاه وقت الحجامة فإما حف الوجه فقال : مهنا سألت أبا عبد الله عن الحف فقال : ليس به بأس للنساء وأكرهه للرجال

فصل : حكم خضاب الشيب
فصل : ويستحب خضاب الشيب بغير السواد قال أحمد : إني لأرى الشيخ المخضوب فأفرح به وذاكر رجلا فقال : لم لا تخضب ؟ فقال : أستحي قال سبحان الله سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال المروذي : قلت يحكى عن بشر بن الحارث أنه قال : قال لي ابن داود خضبت قلت أنا لا أتفرغ لغسلها فكيف أتفرغ لخضابها فقال أنا أنكر أن يكون بشر كشف عمله ل ابن داود ثم قال : [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : غيروا الشيب ] وأبو بكر وعمر خضبا والمهاجرون فهؤلاء لم يتفرغوا لغسلها النبي صلى الله عليه و سلم قد أمر بالخضاب فمن لم يكن على ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم فليس من الدين في شيء وحديث أبي ذر وحديث أبي هريرة وحديث أبي رمثه وحديث أم سلمة
ويستحب الخضاب بالحناء والكتم لما روى الخلال و ابن ماجة بإسنادهما عن تميم بن عبد الله بن موهب قال دخلت على أم سلمة فأخرجت إلينا شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم مخضوبا بالحناء والكتم وخضب أبو بكر بالحناء والكتم ولا بأس بالورس والزعفران لأن أبا مالك الأشجعي قال : كان خضابنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الورس والزعفران وعن الحكم بن عمر الغفاري قال : دخلت أنا وأخي رافع على أمير المؤمنين عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة فقال عمر بن الخطاب : هذا خضاب الإسلام وقال لأخي رافع : هذا خضاب الإيمان ويكره الخضاب بالسواد قيل ل أبي عبد الله تكره الخضاب بالسواد قال أي والله قال : وجاء أبو بكر بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ غيرهما وجنبوه السواد ] وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس مرفوعا [ يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة ] ورخص فيه إسحاق للمرأة تتزين به لزوجها

فصل : ويستحب أن يكتحل
فصل : ويستحب أن يكتحل وترا ويدهن غبا وينظر في المرآة ويتطيب قال حنبل : رأيت أبا عبد الله وكانت له صينية فيها مرآة ومكحلة ومشط فإذا فرغ من حزبه نطر في المرآة واكتحل وامتشط وقد روي جابر بن عبد الله قال [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : عليكم بالاثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر ] قيل لـ أبي عبد الله كيف يكتحل الرجل ؟ قال : وترا وليس له إسناد وروى أبو داود بإسناده [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ] والوتر ثلاث في كل عين وقيل ثلاث في اليمنى واثنتان في اليسرى ليكون الوتر حاصلا في العينين معا وروى الخلال بإسناده عن عبد الله بن المغفل [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الترجل الاغبا ] قال أحمد معناه يدهن يوما ويوما لا وكان أحمد يعجبه الطيب لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحب الطيب ويتطيب كثيرا

فصل : وصل الشعر
فصل : وروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لعن الواصلة المستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة فهذه الخصال محرمة لأن النبي صلى الله عليه و سلم لعن فاعلها ولا يجوز لعن فاعل المباح والواصلة هي التي تصل شعرها بغيره أو شعر غيرها والمستوصلة الموصول شعرها بأمرها فهذا لا يجوز للخبر لما روت عائشة رضي الله عنها [ أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : إن ابنتي عرس قد تمزق شعرها أفأصله ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لعنت الواصلة والمستوصلة ] فلا يجوز وصل شعر المرأة بشعر آخر لهذه الأحاديث ولما روى معاوية أنه أخرج كبة من شعر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عن مثل هذا وقال : [ إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذا نساؤهم ] وأما وصله بغير الشعر فإن كان بقدر ما تشد به رأسها فلا بأس به لأن الحاجة داعية إليه ولا يمكن التحرز منه وإن كان أكثر من ذلك ففيه روايتان إحداهما أنه مكروه غير محرم لحديث معاوية في تخصيص التي تصله بالشعر فيمكن جعل ذلك تفسيرا للفظ العام وبقيت الكراهة لعموم اللفظ في سائر الأحاديث وروي عنه أنه قال لا تصل المرأة برأسها الشعر ولا القرامل ولا الصوف نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الوصال فكل شيء يصل فهو وصال وروي عن جابر قال : [ نهى النبي صلى الله عليه و سلم أ تصل المرأة برأسها شيئا ] وقال المروذي : جاءت امرأة من هؤلاء الذين يمشطون إلى أبي عبد الله فقالت : إني أصل رأس المرأة بقرامل وأمشطها فترى لي أن أحج مما اكتسبت ؟ قال : لا وكره كسبها وقال لها : يكون من مال أطيب من هذا والظاهر أن المحرم إنما هو وصل الشعر بالشعر لما فيه من التدليس واستعمال المختلف في نجاسته وغير ذلك لا يحرم لعدم هذه المعاني فيها وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة والله أعلم

فصل : نتف شعر الوجه
فصل : فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه والمتنمصة المنتوف شعرها بأمرها فلا يجوز للخبر وإن حلق الشعر فلا بأس لأن الخبر إنما ورد في النتف نص على هذا أحمد وأما الواشرة فهي التي تبرد الأسنان بمبرد ونحوه لتحددها وتفلجها وتحسنها والمستوشرة المفعول بها ذلك بإذنها وفي خبر آخر [ لعن الله الوشمة والمستوشمة ] والواشمة التي تغرز جلدها بإبرة ثم تحشوه كحلا والمستوشمة التي يفعل بها ذلك

باب السواك وسنة الوضوء مسألة : حكم الاستياك
مسألة : قال أبو القاسم : والسواك سنة يستحب عند كل صلاة
أكثر أهل العلم يرون السواك سنة غير واجب ولا نعلم أحدا قال بوجوبه إلا إسحاق و داود لأنه مأمور به والأمر يقتضي الوجوب وقد روى أبو داود بإسناده أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرا وغير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ] متفق عليه يعني لأمرتهم أمر إيجاب لأن المشقة إنما تلحق بالإيجاب لا بالندب وهذا يدل على أن الأمر في حديثهم أمر ندب واستحباب ويحتمل أن يكون ذلك واجبا في حق النبي صلى الله عليه و سلم على الخصوص بين الخبرين واتفق أهل العلم على أنه سنة مؤكدة لحث النبي صلى الله عليه و سلم ومواظبته عليه وترغيبه فيه وندبه إليه وتسميته إياه من الفطرة فيما روينا من الحديث وقد روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أنه قال : السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ] رواه الإمام أحمد في مسنده وعن عائشة رضي الله عنها قالت : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك ] رواه مسلم وروي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي ] رواه ابن ماجة ويتأكد استحبابه في مواضع ثلاثة عند الصلاة للخبر الأول وعند القيام من النوم لما روى حذيفة قال [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك متفق عليه يعني يغسله يقال شاصه يشوصه وماصه إذا غسله ] وعن عائشة رضي الله عنها قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ ] رواه أبو داود ولأنه إذا نام ينطبق فوه فتتغر رائحته وعند تغير رائحة فيه بمأكول أو غيره لأن السواك مشروع لإزالته رائحته وتطيبه

فصل : المسنون في كيفية الاستياك
فصل : ويستاك على أسنانه ولسانه قال أبو موسى : [ أتينا رسول الله فرأيته يستاك على لسانه ] متفق عليه وقال عليه السلام [ إني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي ] ويستاك عرضا لقوله عليه السلام : [ استاكوا عرضا وادهنوا غبا واكتحلوا وترا ] لأن السواك طولا من أطراف الأسنان إلى عمودها ربما أدمى اللثة وأفسد العمود ويستحب التيامن في سواكه لأن عائشة رضي الله عنها قالت : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ] متفق عليه ويغسله بالماء ليزيل ما عليه قالت عائشة رضي الله عنها [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطيني السواك لأغسله فابدأ به فأستاك ثم أغسله ثم أدفعه إليه ] رواه أبو داود وروي عنها قالت كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه و سلم آنية مخمرة من الليل : إناء لطهوره وإناء لسواكه ن وإناء لشرابه أخرجه ابن ماجة

فصل : ما تحصل السنة بالاستياك به
فصل : ويستحب أن يكون السواك عودا لينا ينقي الفم ولا يجرحه ولا يضره ولا يتفتت فيه كالأراك والعرجون ولا يستاك بعود الرمان ولا الآس ولا الأعواد لأنه روي عن قبيصة بن ذؤيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تخللوا بعود الريحان ولا الرمان فإنهما يحركان عرق الجذام ] رواه محمد بن الحسين الأزدي بإسناده وقيل السواك بعود الريحان يضر بلحم الفم وإن استاك بأصبعه أو خرقة فقد قيل لا يصيب السنة لأن الشرع لم يرد به ولا يحصل الانقاء به حصوله بالعود والصحيح أنه يصيب بقدر ما يحصل من الانقاء ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها والله أعلم وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا رزق بن عبد الوهاب التميمي أخبرنا أبو الحسين بن يسران أخبرنا البختري حدثنا أحمد ابن إسحاق بن صالح حدثنا خالد بن خداش حدثنا محمد بن المثنى حدثني بعض أهلي عن أنس بن مالك أن رجلا من بني عمرو بن عوف قال : [ يا رسول الله إنك رغبتنا في السواك فهل دون ذلك من شيء ؟ قال : أصبعيك سواك عند وضوئك أمرهما على أسنانك أنه لا عمل لمن لانية له ولا أجر لمن لا حسنة له ]

مسألة : استياك الصائم بعد الزوال
مسألة : قال : إلا أن يكون صائما فيمسك من وقت صلاة الظهر إلى أن تغرب الشمس
قال ابن عقيل : لا يختلف المذهب أنه لا يستحب للصائم السواك بعد الزول وهل يكره ؟ على روايتين إحداهما يكره وهو قول الشافعي و إسحاق و أبي ثور وروي ذلك عن عمر و عطاء و مجاهد لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال يستاك ما بينه وما بين الظهر ولا يستاك بعد ذلك ولأن السواك إنما استحب لإزالة رائحة الفم وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ] قال الترمذي : هذا حديث حسن وإزالة المستطاب مكروه كدم الشهداء وشعث الإحرام والثانية لا يكره ورخص فيه غدوة وعشيا النخعي و ابن سيرين و عروة و مالك وأصحاب الرأي وري ذلك عن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم لعموم الأحاديث المروية في السواك وقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من خير خصال الصائم السواك ] رواه ابن ماجة وقال عامر بن ربيعة : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم قال الترمذي : هذا حديث حسن

مسألة : غسل اليدين من نوم الليل روايتان : تعبد ومستحب
مسألة : قال : وغسل اليدين إذا قام من نوم الليل ان يدخلهما الإناء ثلاثا
غسل اليدين في أول الوضوء مسنون في الجملة سواء قام من النوم أو لم يقم لأنها تغمس في الإناء وتنقل الوضوء إلى الأعضاء ففي غسلهما إحراز لجميع الوضوء وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعله فإن عثمان رضي الله عنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : دعي بالماء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فعسلهما ثم أدخل يده في الإناء متفق عليه وكذلك وصف علي وعبد الله بن زيد وغيرهما وليس ذلك بواجب عند غير القيام من النوم بغير خلاف نعلمه فأما عند القيام من نوم الليل فاختلفت الرواية في وجوبه فروي عن أحمد وجوبه وهو الظاهر عنه واختار أبي بكر وهو مذهب ابن عمر وأبي هريرة و الحسن البصري لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ] متفق عليه وفي لفظ ل مسلم [ فلا يغمس يده في وضوء حتى يغسلها ثلاثا ] وأمره يقتضي الوجوب ونهيه يقتضي التحريم وروي أن ذلك مستحب وليس بواجب وبه قال عطاء و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي و ابن المندر لأن الله تعالى قال : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } قال زيد بن أسلم في تفسيرها إذا قمتم من نوم ولأن القيام من النوم داخل في عموم الآية وقد أمره بالوضوء من غير غسل الكفين في أوله والأمر بالشيء يقتضي حصول الأجزاء به ولأنه قائم من نوم فأشبه القائم من نوم النهار والحديث محمول على الاستحباب لتعليله بما يقتضي ذلك وهو قوله : [ فإنه لا يدري أين باتت يده ] وطريان الشك على يقين الطهارة لا يؤثر فيها كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث فيدل ذلك على أنه أراد الندب

فصل : الاختلاف بين نوم الليل ونوم النهار
فصل : ولا تختلف الرواية في أنه لا يجب غسلهما من نوم النهار وسوى الحسن بين نوم الليل ونوم النهار في الوجوب لعموم قوله : [ إذا قام أحدكم من نومه ] ولنا أن في الخبر ما يدل على إرادة نوم الليل لقوله : [ فإنه لا يدري أين باتت يده ] والمبيت يكون بالليل خاصة ولا يصح قياس غيره عليه لوجهين أحدهما أن الحكم ثبت تعبدا فلا يصح تعديته والثاني أن الليل مظنة النوم والاستغراق فيه وطول مدته فاحتمال إصابة يده لنجاسة لا يشعر بها أكثر من ذلك في نوم النهار قال أحمد في رواية الأثرم : الحديث في المبيت بالليل فأما النهار فلا بأس به

فصل : حكم غمس اليدين ؟ في الوعاء قبل غسلهما
فصل : فإن غمس يده في الإناء قبل غسلها فعلى قول من لم يوجب غسلها يؤثر غمسها شيئا ومن أوجبه قال : إن كان الماء كثيرا يدفع النجاسة عن نفسه لم يؤثر أيضا لأنه يدفع الخبث عن نفسه وإن كان يسيرا فقال أحمد : أعجب إلي أن يهريق الماء فيحتمل أن تجب إراقته وهو قول الحسن لأن النهي عن غمس اليد فيه يدل على تأثيره فيه وقد روى أبو حفص عمر بن المسلم الكعبري في الخبر زيادة عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإن أدخلها قبل الغسق أراق الماء ] ويحتمل أن لا تزول طهوريته ولا تجب إراقته لأن طهورية الماء كانت ثابتة بيقين والغمس المحرم لا يقتضي إبطال طهورية الماء لأنه إن كان لوهم النجاسة فالوهم لا يزول به يقين الطهورية لأنه لم يزل يقين الطهارة فكذلك لا يزيل الطهورية فإننا لم نحكم بنجاسة اليد ولا الماء ولأن اليقين لا يزول بالشك فبالوهم أولى وإن كان تعبدا فنقتصر على مقتضى الأمر والنهي وهو جوب الغسل وتحريم الغمس ولا يعدى إلى غير ذلك ولا يصح قياسه على رفع ههنا بين أن ينوي أو لا ينوي وقال أبو الخطاب : إن غمس يده في الماء قبل غسلها فهل تبطل طهوريته ؟ على روايتين

فصل : حد اليد المأمور بغسلها
فصل : وحد اليد المأمور بغسلها من الكوع لأن اليد المطلقة في الشرع تتناول ذلك بدليل قوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } وانما تقطع يد السارق من مفصل الكوع وكذلك التيمم يكون في اليدين إلى الكوع والدية الواجبة في اليد تجب على من قطعها من مفصل الكوع وغمس بعضها ولو أصبع أو ظفر منها كغمس جميعها في أحد الوجهين في لأن ما تعلق المنع بجميعه تعلق ببعضه كالحدث والنجاسة والثاني لا يمنع وهو قول الحسن لأن النهي تناول غمس جميعها ولا يلزم من كون الشيء مانعا كون بعضه مانعا كما لا يلزم من كون الشيء سببا كون بعضه سببا وغمسها بعد غسلها دون الثلاث كغسلها قبل غسلها لأن النهي لا يزول حتى يغسلها ثلاثا

فصل : لا فرق بين كون يد النائم مطلقة أو مشدودة
فصل : ولا فرق بين كون يد النائم مطلقة أو مشدودة بشيء أو في جواب أو كون النائم عليه سراويله أو لم يكن قال أبو داود سئل أحمد إذا نام الرجل وعليه سراويله قال : السراويل وغيره واحد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا انتبه أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ] يعني أن الحديث عام فيجب الأخذ بعمومه ولأن الحكم إذا تعلق علىالمظنة لم يعتبر الحكمة كالعدة الواجبة لاستبراء الرحم يجب في حق الآيسة والصغيرة وكذلك الاستبراء مع أن احتمال النجاسة لا ينحصر في مس الفرج فإنه قد يكون في البدن بثرة أو دمل وقد يحك جسده فيخرج منه دم بين أظفاره أو يخرج من أنفه دم وقد تكون نجسه قبل نومه فينسى نجاستها لطول نومه على أن الظاهر عند من أوجب الغسل أنه تعبد لا لعلة التنجيس ولهذا لم يحكم بنجاسة اليد ولا الماء فيعم الوجوب كل من تناوله الخبر

فصل : فإن كان القائم من النوم صبيا أو مجنونا
فصل : فإن كان القائم من النوم صبيا أو مجنونا ففيه وجهان أحدهما أنه كالمسلم البالغ العاقل لأنه لا يدري أين باتت يده والثاني أنه لا يؤثر غمسه شيئا لأن المنع من الغمس إنما يثبت بالخطاب ولا خطاب في حق هؤلاء ولأن وجوب الغسل ها هنا تعبد ولا تعبد في حق هؤلاء ولأن غمسهم لو أثر في الماء لأثر في جميع زمانهم لأن الغسل المزيل من حكم المنع من شرطه النية وما هم من أهلها ولا نعلم قائلا بذلك

فصل : والنوم الذي يتعلق به غسل اليد ما نقض الوضوء
فصل : والنوم الذي يتعلق به الأمر بغسل اليد ما نقض الوضوء ذكره القاضي لعموم الخبر في النوم وقال ابن عقيل : هو ما زاد على نصف الليل لأنه لا يكون بائتا إلا بذلك بدليل أن من دفع من مزدلفة قبل نصف الليل لا يكون بائتا بها ولهذا يلزمه دم بخلاف من دفع بعد نصف الليل والأول أصح وما ذكره يبطل بما جاء مزدلفة بعد نصف الليل فإنه يكون بائتا بها ولا دم عليه وإنما بات بها دون النصف

فصل : غسل اليدين يفتقر إلى النية عند من أوجبه طهارة تعبدية ولا يفتقر إليها إذا كان معللا بوهم النجاسة
فصل : وغسل اليدين يفتقر إلى النية عند من أوجبه في أحد الوجهين لأنه طهارة تعبدية فأشبه الوضوء والغسل والثاني لا يفتقر إلى النية لأنه معلل بوهم النجاسة ولا تعتبر في غسلها النية ولأن المأمور به الغسل وقد أتى به والأمر بالشيء يقتضي حصول الأجزاء به ولا يفتقر الغسل إلى تسمية وقال أبو الخطاب يفتقر إليها قياسا على الوضوء وهذا يعيد فإن التسمية في الوضوء غير واجبة في الصحيح ومن أوجبها فإنما أوجبها تعبدا فيجب قصرها على محلها فإن التعبد به فرع التعليل ومن شرطه كون المعنى معقولا ولا يمكن الحاقه بعد لعدم الفرق فإن الوضوء آكد وهو في أربعة أعضاء وسببه غير سبب غسل اليد

فصل : لو انغمس الجنب في ماء كثير أو لم يجد ماء فتيمم لم يجزئه غسل اليد
فصل : ولو انغمس الجنب في ماء كثير أو توضأ في ماء كثير يغمس فيه أعضاءه ولم ينو غسل اليدين من نوم الليل صح غسله ووضوؤه ولم يجزه عن غسل اليد من نوم الليل عند من أوجب النية في غسلهما لان بقاء النجاسة على العضو لا يمنع رفع الحدث فلو غسل أنفه أو يده في الوضوء وهو نجس لارتفع حدثه وبقاء الحدث على الوضوء لا يمنع رفع حدث آخر بدليل ما لو توضأ الجنب ينوي رفع الحدث الأصغر أو اغتسل ولم ينو الطهارة الصغرى صحت المنوية دون غيرها وهذا لا يخرج عن شبهة بأحذ الأمرين
فصل : إذا وجد ماء قليلا ليس معه ما يغترف به ويداه نجستان فقال أحمد : لا بأس أن يأخذ بفيه ويصب على يده هكذا لو أمكنه غمس خرقة أو غيرها وصبه على يده فعل ذلك فإن لم يمكنه شيء من ذلك تيمم وتركه لئلا ينجس الماء ويتنجس به فإن كان لم يغسل يديه من نوم الليل توضأ منه عند من يجعل الماء باقيا على إطلاقه ومن جعله مستعملا قال يتوضأ به ويتيمم معه ولو استيقظ المحبوس من نومه فلم يدر أهو من نوم النهار أو الليل لم يلزمه غسل يديه لأن الأصل عدم وجوب فلا نوجبه بالشك

مسألة : التسمية عند الوضوء
مسألة : قال : والتسمية عند الوضوء
ظاهر مذهب أحمد رضي الله عنه أن التسمية مسنونة في طهارة الأحداث كلها رواه عنه جماعة من أصحابه وقال الخلال الذي استقرت الرواياتعنه أنه لا بأس به يعني إذا ترك التسمية وهذا قول الثوري و مالك و الشافعي و أبي عبيد و ابن المنذر وأصحاب الرأي وعنه أنها واجبة فيه كلها الوضوء والغسل والتيمم وهو اختيار أبي بكر ومذهب الحسن و إسحاق لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ] رواه أبو داود و الترمذي ورواه عن النبي صلى الله عليه و سلم جماعة من أصحابه قال الإمام أحمد : حديث أبي سعيد أحسن حديث في هذا الباب وقال الترمذي : حديث سعيد بن زيد أحسن وهذا نفي في نكرة يقتضي أن لا يصح وضوؤه بدون التسمية ووجه الرواية الأولى أنها طهارة فلا تفتقر إلى التسمية كالطهارة من النجاسة أو عبادة فلا تجب فيها التسمية كسائر العبادات ولأن الأصل عدم الوجوب وإنما ثبت بالشرع والأحاديث قال أحمد : ليس يثبت في هذا حديث ولا أعلم فيها حديثا له إسناد جيد وقال الحسن بن محمد ضعف أبو عبد الله الحديث في التسمية وقال أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح يعني حديث أبي سعيد ثم ذكر ربيحا أي من هو من أبوه تفال يعني الذي يروي حديث سعيد بن زيد يعني أنهم مجهولون وضعف إسناده وإن صح ذلك فيحمل على تأكيد الاستحباب ونفي الكمال بدونها كقوله : [ لا صلاة لجار المسجد إلإ في المسجد ]

فصل : والتسمية هي بسم الله لا يقوم غيرها مقامها
فصل : وأن قلنا بوجوبها فتركها عمدا لم تصح طهارته لأنه ترك واجبا في الطهارة أشبه ما لو ترك النية وإن تركها سهوا صحت طهارته نص عليه أحمد في رواية أبي داود فإنه قال : سألت أحمد بن حنبل إذا نسي التسمية في الوضوء ؟ قال أرجو أن لا يكون عليه شيء وهذا قول إسحاق فعلى هذا إذا ذكر في أثناء طهارته أتى بها حيث ذكرها لأنه لما عفي عنها مع السهو في جملة الوضوء ففي بعضه أولى وإن تركها عمدا حتى غسل عضوا لم يعتد بغسله لأنه لم يذكر اسم الله عليه مع العمد وقال الشيخ أبو الفرج : إذا سمي في أثناء الوضوء أجزاء يعني على كل حال لأنه قد ذكر اسم الله على وضوئه وقال بعض أصحابنا لا تسقط بالسهو لعموم الخبر وقياسا لها على سائر الواجبات والأول أولى لقوله عليه السلام [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ] ولأن الوضوء عبادة تتغاير أفعالها فكان في واجباتها ما يسقط بالسهو كالصلاة ولا يصح قياسها على سائر واجبات الطهارة لأن تلك تأكد وجوبها بخلاف التسمية إذا ثبت هذا فإن التسمية هي قول : بسم الله لا يقوم غيرها مقامها كالتسمية المشروعة على الذبيحة وعند أكل الطعام وشرب الشراب فيكون بعد النية لتشميل النية جميع واجباتها وقبل أفعال الطهارة ليكون مسميا على جميعها كما يسمى على الذبيحة وقت ذبحها

مسألة : فصل المبالغة في غسل أعضاء الوضوء
مسألة : قال : والمبالغة في الاستنشاق إلا أن يكون صائما
معنى المبالغة في الاستنشاق احتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا وذلك سنة مستحبة في الوضوء إلا أن يكون صائما فلا يستحب لا نعلم في ذلك خلافا والأصل في ذلك ما روى عاصم بن لقيط ابن صبرة عن أبيه قال : [ قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال : أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأنه من أعضاء الطهارة فاستحبت المبالغة فيه كسائر أعضائها
فصل : المبالغة مستحبة في سائر الوضوء لقوله عليه السلام : [ اسبغ الوضوء ] والمبالغة في المضمضة إدارة الماء في أعماق الفم وأقاصيه وأشداقه ولا يجعله وجورا لم يمجه وإن ابتلعه جاز لأن الغسل قد حصل بالغسل وقد روى نعيم بن عبد الله أنه رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين ثم قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : أن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ] متفق عليه وروى أبو حازم عنه قريبا من هذا وقال سمعت خليلي يقول [ تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ] متفق عليه

مسألة : فصل : غسل اللحية وتخليلها
مسألة : قال : وتخليل اللحية
وجملة ذلك أن اللحية إن كانت خفيفة تصف البشرة وجب غسل باطنها وإن كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها ويستحب تخليلها وممن روي عنه أنه كان يخلل لحيته ابن عمر و ابن عباس و الحسن وأنس و ابن أبي ليلى و عطاء بن السائب وقال إسحاق : إذا ترك تخليل لحيته عامدا أعاد لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخلل لحيته رواه عنه عثمان بن عفان قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وقال البخاري هذا أصح حديث في الباب وروى أبو داود عن أنس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه وقال : هكذا أمرني ربي عز و جل ] وعن ابن عمر قال [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها ] رواه ابن ماجة وقال عطاء و أبو ثور : يجب غسل باطن شعور الوجه وإن كان كثيفا كما يجب في الجنابة ولأنه مأمور بغسل الوجه في الوضوء كما أمر بغسله في الجنابة فما وجب في أحدهما وجب في الآخر مثله ومذهب أكثر أهل العلم أن ذلك لا يجب ولا يجب التخليل وممن رخض في ترك التخليل ابن عمر والحسن بن علي و طاوس و الشعبي و أبو العالية و مجاهد و أبو القاسم و محمد بن علي و سعيد بن عبد العزيز و المنذر لأن اله تعالى أمر بالغسل ولم يذكر التخليل وأكثر من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يحكه ولو كان واجبا لما أخل به في وضوء ولو فعله في كل وضوء لنقله كل من حكى وضوه أو أكثرهم وتركه لذلك يدل على أن غسل ما تحت الشعر الكثيف ليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان كثيف اللحية فلا يبلغ الماء تحت شعرها بدون التخليل والمبالغة وفعله التخليل في بعض أحيانه يدل على استحباب ذلك والله أعلم
فصل : قال يعقوب : سألت أحمد عن التخليل فأراني من تحت لحيته فخلل بالأصابع وقال حنبل : من تحت ذقنه من أسفل الذقن يخلل جانبي لحيته جميعا بالماء ويمسح جانبيها وباطنها وقال أبو الحارث : قال : أحمد إن شاء خللها مع وجهه وإن شاء إذا مسح رأسه ويستحب أن يتعهد بقية شعور وجهه ويمسح مآقيه ليزول ما بهما من كحل أو غمص وقد روى أبو داود بإسناده عن أبي أمامة أنه ذكر وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : وكان يمسح الماقين

مسألة : مسح الأنثيين
مسألة : قال : وأخذ ماء جديد للأذنين ظاهرهما وباطنهما
المستحب أن يأخذ لأذنيه ماء جديد قال أحمد : أنا أستحب أن يأخذ لأذنبه ماء جديدا كان ابن عمر يأخذ لأذنيه ماء جديدا وبهذا قال مالك و الشافعي وقال ابن المنذر هذا الذي قالوه غير موجود في الأخبار وقد روى أبو أمامة وأبو هريرة وعبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الأذنان من الرأس ] رواهن ابن ماجة وروى ابن عباس و الربيع بنت معوذ والمقدام بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه و سلم [ مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة ] رواهن أبو داود ولنا أن إفرادهما بماء جديد قد روى عن ابن عمر وقد ذهب الزهري إلى أنهما من الوجه وقال الشعبي : ما أقبل منهما من الوجه وظاهرهما من الرأس وقال الشافعي و أبو ثور : ليس من الوجه ولا من الرأس ففي إفرادهما بماء جديد خروج من الخلاف فكان أولى وإن مسحهما بماء الرأس أجزأه لأن النبي صلى الله عليه و سلم فعله

فصل : حكم مسح العنق
فصل : قال المروذي : رأيت أبا عبد الله مسح رأسه ولم أره يمسح على عنقه فقلت له : أتمسح على عنقك ؟ قال : إنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : أليس قد روي عن أبي هريرة ؟ قال : هو موضع الغل قال : نعم ولكن هكذا يمسح النبي صلى الله عليه و سلم لم يفعله وقال أيضا : هو زيادة وذكر القاضي وغيره أن فيه رواية أخرى أنه مستحب واحتج بعضهم أن في خبر ابن عباس امسحوا أعناقكم مخافة الغل والذي وقفت عليه عن أحمد في هذا أن عبد الله قال : رأيت أبي إذا مسح رأسه وأذنيه في الوضوء مسح قفاه ووهن الخلال هذه الرواية وقال : هي وهم وقد أنكر أحمد حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وهو أول القفا وذكر أن سفيان كان ينكره وأنكره يحيى أيضا وخبر ابن عباس لا نعرفه ولم يروه أصحاب السنن

فصل : حكم غسل داخل العينين
فصل : وذكر بعض أصحابنا من سنن الوضوء غسل داخل العينين وروي عن ابن عمر أنه عمي من كثرة إدخال الماء في عينيه وقال القاضي إنما يستحب ذلك في الغسل نص عليه أحمد في مواضع وذلك لأن غسل الجنابة أبلغ فإنه يعم جميع البدن وتغسل فيه بواطن الشعور الكثيفة وما تحت الجفنين ونحوهما وداخل العينين من جملة البدن الممكن غسله فإذا لم تجب فلا أقل من أن يكون مستحبا والصحيح أن هذا ليس بمسنون في وضوء ولا غسل لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يفعله ولا أمر به وفيه ضرر وما ذكر عن ابن عمر فهو دليل على كراهته لأنه ذهب ببصره وفعل ما يخاف منه ذهاب البصر أو نقصه من غير ورود الشرع به إذا لم يكن محرما فلا أقل من أن يكون مكروها

مسألة : فصل : غسل الأصابع ودلكها وتخليل ما بينها
مسألة : قال : وتخليل ما بين الأصابع
تخليل أصابع اليدين والرجلين في الوضوء مسنون وهو في الرجلين آكد لقول النبي صلى الله عليه و سلم للقيط بن صبرة : [ أسبغ الوضوء وخلل الأصباع ] وهو حديث صحيح وقال المستورد بن شداد : [ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا توضأ دلك أصابع رجله بخنصره ] رواه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي وقال : لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة ويستحب أن يخلل أصابع رجليه بخنصره لهذا الحديث ويبدأ في تخليل اليمنى من خنصرها إلى إبهامها وفي اليسرى من إبهامها إلى خنصرها لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يحب التيامن في وضوئه وفي هذا تيمن
فصل : يستحب أن يعرك رجله بيده ويتعهد عقبه والمواضع التي يزلق عنها الماء قال أبو داود قلت ل أحمد : إذا توضأ فأدخل رجله في الماء وأخرجها ؟ قال : ينبغي أن يمر يده على رجله ويخلل أصابعه قلت : فإن لم يفعل يجزئه ؟ قال : أرجو أن يجزئه من التخليل أن يحرك رجله في الماء فإنه ربما زلق الماء عن الجسد في الشتاء قيل له : من توضأ يحرك خاتمه ؟ قال : إن كان ضيقا لا بد أن يحركه وإن كان واسعا يدخل فيه الماء أجزأه وقد روى أبو رافع رضي الله عنه أن [ رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا توضأ حرك خاتمه ] وإذا شك في وصول الماء إلى ما تحته وجب تحريكه ليتيقن وصول الماء إليه لأن الأصل عدم وصوله وإن التف بعض أصابعه على بعض وكان متصلا لم يجب فصل إحداهما لأنهما صارتا كأصبع واحدة وإن لم يكن ملتصقا وجب إيصال الماء إلى ما بينهما

مسألة : غسل الميامن قبل المياسر
مسألة : قال : غسل الميامن قبل المياسر
لا خلاف بين أهل العلم فيما علمنا في استحباب البداءة باليمنى وممن روى ذلك عنه أهل المدينة وأهل العراق وأهل الشام وأصحاب الرأي وأجمعوا على أنه لا إعادة على من بدأ قبل يمينه وأصل الاستحباب في ذلك ما [ روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعجبه ذلك ويفعله فروت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ] متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم ] رواه ابن ماجة و [ حكى عثمان وعلي رضي الله عنهما وضوء النبي صلى الله عليه و سلم فبدآ باليمنى قبل اليسرى ] رواهما أبو داود ولا يجب ذلك لأن اليدين بمنزلة العضو الواحد وكذا الرجلان فإن الله تعالى قال { وأيديكم } { وأرجلكم } ولم يفصل والفقهاء يسمون أعضاء الوضوء أربعة يجعلون اليدين عضوا والرجلين عضوا ولا يجب الترتيب في العضو الواحد

باب فرض الطهارة
مسألة : فرض الطهارة ماء طاهر حكم من توضأ قبل أن يستجمر أو يستنجي
مسألة : قال : وفرض الطهارة ماء طاهر وإزالة الحدث
أراد بالطاهر الطهور وقد ذكرنا فيما مضى أن الطهارة لا تصح إلا بالماء الطهور وعنى بإزالة الحدث الاستنجاء بالماء أو بالأحجار وينبغي أن يتقيد ذلك بحالة وجود الحدث كما تقيد اشتراط الطهارة بحالة وجوده وسمى هذين فرضين لأنهما من شرائط الوضوء وشرائط الشيء واجبة له والواجب هو الفرض في أحدى الروايتين وظاهر كلام الخرقي اشتراط الاستنجاء لصحة الوضوء فلو توضأ قبل الاستنجاء لم يصح كالتيمم والرواية الثانية يصح الوضوء قبل الاستنجاء ويستجمر بعد ذلك بالأحجار أو يغسل فرجه بحائل بينه وبين يديه ولا يمس الفرج وهذه الرواية أصح وهي مذهب الشافعي لأنها إزالة نجاسة فلم تشترط لصحة الطهارة كما لو كانت على غير الفرج فأما التيمم قبل الاستجمار فقال القاضي : لا يصح وجها واحدا لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما أبيح للصلاة ومن عليه نجاسة يمكنه إزالتها لا تباح له الصلاة فلم تصح نية الاستباحة كالتيمم قبل الوقت وقال القاضي فيه وجه آخر إنه يصح لأن التيمم طهارة فأشبهت الوضوء والمنع من الإباحة لمانع آخر لا يقدحفي صحة التيمم كما لو تيمم في موضع نهي عن الصلاة فيه أو تيمم من على ثوبه نجاسة أو على بدنه في غير الفرج وقال ابن عقيل : لو كانت النجاسة على غير الفرج من بدنه فهو كما كانت على الفرج لما ذكرنا من العلة والأشبه التفريق بينهما كما لو افترقا في طهارة الماء ولأن نجاسة الفرج سبب وجوب التيمم فجاز أن يكون بقاؤها مانعا منه بخلاف سائر النجاسات

مسألة : حكم النية للطهارة
مسألة : قال : والنية للطهارة
يعني نية الطهارة والنية القصد يقال نواك الله بخير أي قصدك به ونويت السفر أي قصدته وعزمت عليه والنية من شرائط الطهارة للأحداث كلها لا يصح وضوء ولا غسل ولا تيمم إلا بها وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال ربيعة و مالك و الشافعي و الليث و إسحاق و أبو عبيدة و ابن المنذر وقال الثوري وأصحاب الرأي : لا تشترط النية في طهارة الماء وإنما تشترط في التيمم لأن الله تعالى قال : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } الآية ذكر الشرائط ولم يذكر النية ولو كانت شرطا لذكرها ولأن مقتضى الأمر حصول الاجزاء بفعل المأمور به فتقتضي الآية حصول الاجزاء بما تضمنته ولأنها طهارة بالماء فلم تفتقر إلى النية كغسل النجاسة - ولنا : ما روي عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] متفق عليه فنفي أن يكون له عمل شرعي بدون النية ولأنها طهارة عن حدث فلم تصح بغير نية والآية حجة لنا فإن قوله { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } أي للصلاة كما يقال إذا لقيت الأمير فترجل - أي له - وإذا رأيت الأسد فاحذر - أي منه وقولهم : ذكر كل الشرائط قلنا : إنما ذكر أركان الوضوء وبين النبي صلى الله عليه و سلم شرطه كآية التيمم وقولهم : مقتضى الأمر حصول الأجزاء قلنا : بل مقتضاه وجوب الفعل وهو واجب فاشترط لصحته شرط آخر بدليل التيمم وقولهم : إنها طهارة قلنا : إلا إنها عبادة والعبادة لا تكون إلا منوية لأنها قربة إلى الله تعالى وطاعة له وامتثال لأمره ولا يحصل ذلك بغير نية

فصل : محل النية وصفتها
فصل : ومحل النية القلب إذ هي عبارة عن القصد ومحل القصد القلب فمتى اعتقد بقلبه أجزأه وإن لم يلفظ بلسانه وإن لم تخطر النية بقلبه لم يجزه ولو سبق لسانه إلى غير ما اعتقده لم يمنع ذلك صحة ما اعتقده بقلبه
فصل : وصفتها أن يقصد بطهارته استباحة شيء لا يستباح إلا بها كالصلاة والطواف ومس المصحف وينوي رفع الحدث ومعناه إزالة المانع من كل فعل يفتقر إلى الطهارة وهذا قول من وافقنا على اشتراط النية لا نعلم بينهم فيه اختلافا فإن نوى بالطهارة ما لا تشرع له الطهارة كالتبرد والأكل والبيع والنكاح ونحوه ولم ينو الطهارة الشرعية لم يرتفع حدثه لأنه لم ينو الطهارة ولا يما يتضمن نيتها فلم يحصل له شيء كالذي لم يقصد شيئا وإن نوى تجديد الطهارة فتبين أنه كان محدثا فهل تصح طهارته ؟ على روايتين إحداهما تصح لأنه طهارة شرعية فينبغي أن يحصل له ما نواه للخبر وقياسا على ما نوى رفع الحدث الثانية لا تصح طهارته لأنه لم ينو رفع الحدث ولا ما تضمنه أشبه ما لو نوى التبرد وإن نوى ما تشرع له الطهارة ولا تشترط كقراءة القرآن والأذان والنوم فهل يرتفع حدثه ؟ على وجهين أصلهما إذا نوى تجديد الوضوء وهو محدث والأولى صحة طهارته لأنه نوى شيئا من ضرورة صحة الطهارة وهو الفضيلة الحاضلة لمن فعل ذلك وهو طهارة فصحن طهارته كما لو نوى بها ما لا يباح إلا بها ولأنه نوى طهارة شرعية فصحت للخبر فإن قيل يبطل هذا بما لو نوى بطهارته ما لا تشرع له الطهارة قلنا ان نوى طهارة شرعية مثل أن قصد أن يأكل وهو متطهر طهارة شرعية أو قصد أن لا يزال على وضوء فهو كمسألتنا وتصح طهارته وإن قصد بذلك نظافة أعضائه من وسخ أو طين أو غيره لم تصح طهارته لأنه لم يقصدها وإن نوى وضوءا مطلقا أو طهارة ففيه وجهان أصحهما صحته لأن الوضوء والطهارة إنما ينصرف إطلاقهما إلى المشروع فيكون ناويا لوضوء شرعي والوجه الثاني لا تصح طهارته في هذه المواضع كلها لأنه قصد ما يباح بدون الطهارة أشبه قاصد الأكل - والطهارة تنقسم إلى ما هو مشروع وإلى غيره فلم تصح مع التردد وإن نوى بطهارته رفع الحدث وتبريد أعضائه صحت طهارته لأن التبريد يحصل بدون النية فلم يؤثر هذا الاشتراك كما لو قصد بالصلاة الطاعة والخلاص من خصمه وإن قصد الجنب بالغسل اللبث في المسجد ارتفع حدثه لأنه شرط لذلك

فصل : تقديم النية على الطهارة واستصحاب حكمها فيها
فصل : ويجب تقديم النية على الطهارة كلها لأنها شرط لها فيعتبر وجودها في جميعها فإن وجد شيء من واجبات الطهارة قبل النية لم يعتد به ويستحب أن ينوي قبل غسل كفيه لتشمل النية مسنون الطهارة ومفروضها فإن غسل كفيه قبل النية كان كمن لم يغسلهما ويجوز تقديم النية على الطهارة بالزمن اليسير كقولنا في الصلاة وإن طال الفصل لم يجزه ذلك ويستحب استصحاب ذكر النية إلى آخر طهارته لتكون أفعاله مقترنة بالنية فان استصحب حكمها أجزاه ومعناه أن لا ينوي قطعها وإن عزبت عن خاطره وذهل عنها لم يؤثر ذلك في قطعها لأن ما اشترطت له النية لا يبطل بعزوبها والذهول عنها كالصلاة والصيام وإن قطع نيته في اثنائها مثل أن ينوي أن لا يتم طهارته وإن نوى جعل الغسل لغير الطهارة لم يبطل ما مضى من طهارته لأنه وقع صحيحا فلم يبطل بقطع النية بعده كما لو نوى قطع النية بعد الفراغ من الوضوء وما أتى من الغسل بعد قطع النية لم يعتد به لأنه وجد بغير شرطه فإن أعاد غسله بنية قبل طول الفصل صحت طهارته لوجود أفعال الطهارة كلها منوية متوالية وإن طال الفصل انبنى ذلك على وجوب الموالاة في الوضوء فإن قلنا : هي واجبة بطلت لفواتها وإن قلنا ك هي غير واجبة أتمها

فصل : الشك في النية
فصل : وإن شك في النية في أثناء الطهارة لزمه استئنافها لأنها عبادة شك في شروطها وهو فيها فلم تصح كالصلاة إلا أن النية إنما في القصد ولا يعتبر مقارنتها فمهما علم أنه جاء ليتوضأ وأراد فعل الوضوء مقارنا له أو سابقا عليه قريبا منه فقد وجدت النية وإن شك في وجود ذلك في أثناء الطهارة لم يصح ما فعله منها وهكذا إن شك في غسل عضو أو مسح رأسه كان حكمه حكم من لم يأت به لأن الأصل عدمه إلا أن يكون ذلك وهما كالوسواس فلا يلتفت إليه وإن شك في شيء من ذلك بعد فراغه من الطهارة لم يلتفت إلى شكه لأنه شك في العبادة بعد فراغه منها أشبه الشك في شرط الصلاة ويحتمل أن تبطل الطهارة لأن حكمها باق بدليل بطلانها بمبطلاتها بخلاف الصلاة والأول أصح لأنها كانت محكوما بصحتها قبل شكه فلا يزول ذلك بالشك كما لو شك في وجود الحدث المبطل

فصل : من وضأه غيره اعتبرت النية من المتوضئ
فصل : وإذا وضأه غيره اعتبرت النية من المتوضئ لأن الموضئ لأن المتوضيء هو المخاطب بالوضوء يحصل له بخلاف الموضئ فغنه آلة لا يخاطب ولا يحصل له فأشبه الإناء أو حامل الماء إليه

فصل : حكم من صلى ثم شك في نسيان فرض من الوضوء
فصل : وإذا توضأ وصلى الظهر ثم أحدث وتوضأ وصلى العصر ثم علم أنه ترك مسح رأسه أو واجبا في الطهارة في أحد الوضوءين لزمه إعادة الوضوء والصلاتين معا لأنه تيقن بطلان إحدى الصلاتين لا بعينها وكذا لو ترك واجبا في وضوء إحدى الصلوات الخمس ولم يعلم عينه لزمه إعادة الوضوء والصلوات الخمس لأنه يعلم أن عليه صلاة من خمس لا يعلم عينها فلزمه كما لو نسي صلاة في يوم لا يعلم عينها وإن كان الوضوء تجديدا لا عن حدث وقلنا ك إن التجديد لا يرفع الحدث فكذلك لأن وجوده كعدمه وإن قلنا : يرفع الحدث لم يلزمه إلا الأولى لأن الطهارة الأولى إن كانت صحيحة فصلاته كلها صحيحة لأنها باقية لم تبطل بالتجديد وإن كانت غير صحيحة فقد ارتفع الحدث بالتجديد

مسألة : فصل : غسل الوجه ويدخل فيه الخد
مسألة : قال : وغسل الوجه وهو من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن وإلى أصول الأذنين ويتعاهد المفصل وهو ما بين اللحية والأذن
غسل الوجه واجب بالنص والإجماع وقوله من منابت شعر الرأس أي في غالب الناس ولا يعتبر كل واحد بنفسه بل لو كان أجلح ينحسر شعره عن مقدم رأسه غسل إلى حد منابت الشعر في الغالب والأقرع الذي ينزل شعره إلى الوجه يجب عليه غسل الشعر الذي ينزل عن حد الغالب وذهب الزهري إلى أن الأذنين من الوجه يغسلان معه لقوله عليه السلام : [ سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره ] أضاف السمع إليه كما أضاف البصر وقال مالك : ما بين اللحية والأذن ليس من الوجه ولا يجب غسله لأن الوجه ما تحصل به المواجهة وهذا لا يواجه به قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك هذا ولنا على الزهري قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الأذنان من الرأس ] وفي حديث ابن عباس والربيع والمقدام أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح أذنيه مع رأسه وقد ذكرناهما ولم يحك أحد أنه غسلهما مع الوجه وإنما أضافهما إلى الوجه لمجاورتهما له والشيء يسمى باسم ما جاوره ولنا على مالك أن هذا من الوجه في حق من لا لحية له فكان منه في حق من له لحية كسائر الوجه وقوله أن الوجه ما يحصل به المواجهة قلنا : وهذا يحصل به المواجهة في الغلام ويستحب تعاهد هذا الموضع بالغسل لأنه مما يغفل الناس عنه قال المروذي : أراني أبو عبد الله ما بين أذنه وصدغه وقال : هذا موضع ينبغي أن يتعاهد وهذا الموضع مفصل اللحي من الوجه فلذلك سماه الخرقي مفصلا
فصل : ويدخل في الوجه العذار وهو الشعر الذي على العظم الناتئ الذي هو سمت صماخ الأذن وما انحط عنه إلى وتد الأذن والعارض وهو ما نزل عن جد العذار وهو الشعر الذي على اللحيين قال الأصمعي و المفضل بن سلمة : ما جاوز وتد الأذن عارض والذقن مجمع اللحيين فهذه الشعور الثلاثة من الوجه يجب غسلها معه كذلك الشعور الأربعة وهي الحاجبان وأهداب العينين والعنفقة والشارب فأما الصدغ وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار وهو ما يحاذي رأس الأذنان وينزل عن رأسها قليلا والنزعتان وهما ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا في جانبي الرأس فهما من الرأس وذكر بعض أصحابنا في الصدغ وجها آخر أنه من الوجه لأنه متصل بالعذار أشبه العارض وليس بصحيح فإن الربيع بنت معوذ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ فمسح رأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة فمسحه مع الرأس ولم ينقل أنه غسله مع الوجه ولأنه شعر متصل بشعر الرأس فكان منه فأما التحذيف وهو الشعر الداخل في الوجه ما بين انتهاء العذار والنزعة فهو من الوجه ذكره ابن جامد يحتمل أنه الرأس لأنه شعر متصل به والأول أصح لأن محله لو لم يكن عليه شعر لكان من الوجه فكذلك إذا كان عليه شعر كسائر الوجه
فصل : وهذه الشعور كلها إن كانت بعضها كثيفا لا تصف البشرة أجزأه غسل ظاهرها وإن كانت تصف البشرة وجب غسلها معه وإن كان بعضها كثيفا وبعضها خفيفا وجب غسل بشرة الخفيف معه وظاهر الكثيف أومأ إليه أحمد رحمه الله تعالى ومن أصحابنا من ذكر في الشارب والعنفقة والحاجبين وأهداب العينين ولحية المرأة وجها آخر في وجوب غسل باطنها وإن كانت كثيفة لأنها لا تستر ما تحتها عادة وإن وجد ذلك كان نادرا فلا يتعلق به حكم وهذا مذهب الشافعي ولنا أنه شعر ساتر لما تحته أشبه لحية الرجل ودعوى الندرة في الحاجبين والشارب والعنفقة غير مسلم بل العادة ذلك

فصل : حكم من توضأ ثم زال الجلد أو الشعر الذي غسله بالوضوء
ومتى غسل هذه الشعور ثم زالت عنه أو انقطعت جلدة من يديه أو قص ظفره أو انقلع لم يؤثر في طهارته قال يونس بن عبيد : ما زاده إلا طهارة وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن ابن جرير أن ظهور بشرة الوجه بعد غسل شعر يوجب غسلها قياسا على قدم الماسح على الخف ولا يصح لأن الفرض انتقل إلى الشعر أصلا بدليل أنه لو غسل البشرة دون الشعر لم يجزه بخلاف الخفين فإنهما بدل يجزئ غسل الرجلين دونهما

فصل : يجب غسل ما استرسل من اللحية
فصل : ويجب غسل ما استرسل من اللحية وقال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه لا يجب غسل ما نزل منها عن حد الوجه طولا لأنه شعر خارج عن محل الفرض فأشبه ما نزل من شعر الرأس عنه وروي عن أبي حنفية أنه لا يجب غسل اللحية الكثيفة لأن الله تعالى إنما أمر بغسل الوجه وهو اسم للبشرة التي تحصل بها المواجهة والشعر ليس ببشرة وما تحته لا تحصل به المواجهة وقد قال الخلال الذي ثبت عن أبي عبد الله في اللحية أنه لا يغسلها وليست من الوجه البتة قال وروى بكر بن محمد عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله أيما أعجب إليك غسل اللحية أو التخليل ؟ فقال : غسلها ليس من السنة وإن لم يخلل أجزأه وهذا ظاهره مثل مذهب أبي حنيفة في الرواية التي ذكرت عنه ويحتمل أنه أراد ما خرج عن حد الوجه منها وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي والمشهور عن أبي حنيفة أن عليه غسل الربع من اللحية بناء على أصله في مسح الرأس وظاهر مذهب أحمد الذي عليه أصحابه وجوب غسل اللحية كلها مما هو نابت في محل الفرض سواء حاذى محل الفرض أو تجاوزه وهو ظاهر كلام الشافعي وقول أحمد في نفي الغسل أراد به غسل باطنها أي غسل باطنها ليس من السنة وقد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى رجلا قد غطى لحيته في الصلاة فقال [ اكشف وجهك فإن اللحية من الوجه ] ولأنه نابت في محل الفرض يدخل في اسمه ظاهرا فأشبه اليد الزائدة ولأنه يواجه به فيدخل في اسم الوجه ويفارق شعر الرأس فإن النازل عنه لا يدخل في اسمه والخف لا يجب مسح جميعه بخلاف ما نحن فيه

فصل : ويستح بأن يزيد في ماء الوجه
فصل : يستحب أن يزيد في ماء الوجه لأن فيه غضونا وشعورا ودواخل وخوارج ليصل الماء إلى جميعه وقد روى علي رضي الله عنه في صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بهما على وجهه ثم الثانية ثم الثالثة مثل ذلك ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فتركها تستن على وجهه رواه أبو داود وقوله تستن أي تسيل وتنصب قال أحمد : رحمه الله يؤخذ للوجه أكثر مما يؤخذ لعضو من الأعضاء وقال محمد بن الحكم : كره أبو عبد الله أن يأخذ الماء ثم يصبه ثم يغسل وجهه وقال : هذا مسح ولكنه يغسل غسلا وروى أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم [ كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه وقال : هكذا أمرني ربي عز و جل ]

مسألة : والفم والأنف من الوجه المضمضة والاستنشاق
مسألة : قال : والفم والأنف من الوجه
يعني أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين جميعا - الغسل والوضوء فإن غسل الوجه واجب فيهما هذا المشهور في المذهب وبه قال ابن المبارك و ابن أبي ليلى و إسحاق وحكي عن عطاء وروي عن أحمد رواية أخرى في الاستنشاق وحده أنه واجب قال القاضي : الاستنشاق واجب في الطهارتين رواية واحدة وبه قال أبو عبيدة و أبو ثور و ابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من توضأ فليستنثر ] وفي رواية [ إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر ] متفق عليه ولت مسلم [ من توضأ فليستنشق ] وعن ابن عباس مفروعا [ استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا ] وهذا أمر يقتضي الوجوب ولأن الأنق لا يزال مفتوحا وليس له غطاء يستره بخلاف الفم وقال غير القاضي : عن أحمد رواية أخرى أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الكبرى مسنونان في الصغرى وهذا مذهب الثوري وأصحاب الرأي لأن الكبرى يجب غسل كل ما أمكن من البدن كبواطن الشعور الكثيفة ولا يمسح فيها على الحوائل فوجبا فيها بخلاف الصغرى وقال مالك و الشافعي لا يجبان في الطهارتين وإنما هما مسنونان فيهما وروى ذلك عن الحسن و الحكم و حماد و قتادة و ربيعة و يحيى الانصاري و الليث و الأوزاعي لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ عشر من الفطرة ] وذكر منها المضمضة والاستنشاق - والفطرة السنة - وذكره لهما من الفطرة يدل على مخالفتهما لسائر الوضوء ولأن الفم والأنف عضوان باطنان فلا يجب غسلهما كباطن اللحية وداخل العينين ولأن الوجه ما تحصل به المواجهة ولا تحصل المواجهة بهما ولنا ما روت عائشة رضي الله عنها [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه ] رواه أبو بكر في الشافي بإسناده عن ابن المبارك عن ابن جريج عن عررة عن عائشة وأخرجه الدارقطني في سننه ولأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم مستقصيا ذكر أنه تمضمض واستنشق ومداومته عليهما تدل على وجوبهما لأن فعله يصلح أن يكون بيانا وتفصيلا للوضوء المأمور به في كتاب الله وكونهما من الفطرة لا ينفي وجوبهما لاشتمال الفطرة على الواجب والمندوب ولذلك ذكر فيها الختان وهو واجب

فصل : والمبالغة فيهما مستحبة في حق غير الصائم
فصل : والمضمضة إدارة الماء في الفم والاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى باطن الأنف والاستنثار إخراج من أنفه لكن يعبر بالاستنثار عن الاستنشاق لكونه من لوازمه ولا يجب إدارة الماء في جميع الفم ولا إيصال الماء إلى جميع باطن الأنف وإنما ذلك مبالغة مستحبة في حق غير الصائم وقد ذكرناه في سنن الطهارة وإذا أدار الماء في فيه فهو مخير بين مجه وبلعه لأن المقصود قد حصل به فإن جعله في فيه ينوي رفع الحدث الأصغر ثم ذكر أنه جنب فنوى رفع الحدثين ارتفعا جميعا لأن الماء لا يثبت له حكم الإستعمال إلا بعد الانفصال ولو كان الماء قد لبث في فيه حتى تحلل من ريقه ماء يغيره لم يمنع لأن التغير في محل الإزالة لا يمنع أشبه ما لو تغير الماء على عضوه بعجين عليه

فصل : كيفيتهما والموالاة بينهما وبين سائر أعضاء الوضوء
فصل : ويستحب أن يتمضمض ويستنشق بيمناه ثم يستنثر بيسراه لما روي عن عثمان رضي الله عنه أن توضأ فدعا بماء فغسل يديه ثلاثا ثم غرف بيمينه ثم رفعها إلى فيه فمضمض واستنشق بكف واحدة واستنثر بيسراه فعل ذلك ثلاثا ثم ذكر سائر الوضوء ثم قال : إن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ لنا كما توضأت لكم فمن كان سائلا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذا وضوؤه وراه سعيد بن منصور بإسناده وعن علي رضي الله عنه أنه أدخل يده اليمنى في الإناء فملأ كفه فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى فعل ذلك ثلاثا ثم قال : هذا وضوء نبي الله صلى الله عليه و سلم رواه أبو بكر في الشافي و النسائي ويستحب أن يتمضمض ويستنشق من كف واحدة يجمع بينهما قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل أيما أعجب إليك المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة أو كل واحدة منهما على حدة قال : بغرفة واحدة ذلك لما ذكرنا من حديث عثمان وعلي رضي الله عنهما وفي حديث عبد الله بن زيد [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أدخل يديه في التور فتمضمض واستنثر ثلاث مرات يمتضمض ويستثر من غرفة واحدة ] رواه سعيد وفي لفظ [ تمضمض واستنثر ثلاثا ثلاثا من غرفة واحدة ] رواه البخاري وفي لفظ [ فتمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا ] متفق عليه وفي لفظ أنه [ مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ] متفق عليه وفي لفظ [ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحدة ] رواه الأثرم و ابن ماجة فإن شاء المتوضي تمضمض واستنشق من ثلاث غرفات وإن شاء فعل ذلك ثلاثا بغرفة واحدة لما ذكرنا من الأحاديث وإن أفرد المضمضة بثلاث غرفات والاستنشاق بثلاث جاز لأنه قد روى في حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أنه فصل بين المضمضة والاستنشاق ] رواه أبو داود ولأن الكيفية في الغسل غير واجبة
فصل : ولا يجب الترتيب بينهما وبين غسل بقية الوجه لأنهما من أجزائه ولكن المستحب أن يبدأ بهما قبل الوجه لأن كل وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر أنه بدأ بهما إلا شيئا نادرا وهل يجب الترتيب والموالاة بينهما وبين سائر الأعضاء غير الوجه ؟ على روايتين إحداهما تجب وهو ظاهر كلام الخرقي لأنهما من الوجه فوجب غسلهما قبل غسل اليدين للآية وقياسا على سائر أجزائه والثانية لا تجب بل لو تركهما في وضوئه وصلى تمضمض واستنشق وأعاد الصلاة ولم يعد الوضوء لما روى المقدام بن معد يكرب [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى بوضوء فغسل كفيه ثلاثا ثم غسل وجهه ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثم تمضمض وإستنشق ] رواه أبو داود ولأن وجوبهما بغير القرآن وإنما وجب الترتيب بين الأعضاء المذكورة لأن في الآية ما يدل على إرادة الترتيب ولم يوجد ذلك فيهما قيل ل أحمد : فنسي المضمضة وحدها قال : الاستنشاق عند آكد وذلك لصحة الأخبار الواردة فيه بخصوصه قال أصحابنا : وهل يسميان فرضا مع وجوبهما ؟ على روايتين وهذا ينبني على اختلاف الروايتين في الواجب هل يسمى فرضا أو لا والصحيح أن يسمى فرضا فيسميان ههنا فرضا والله أعلم

مسألة : غسل اليدين غلى المرفقين
مسألة : قال : وغسل اليدين إلى المرفقين ويدخل المرفقين في الغسل
لا خلاف بين علماء الأمة في وجوب غسل اليدين في الطهارة وقد نص الله تعالى بقوله سبحانه : { وأيديكم إلى المرافق } وأكثر العلماء على أنه يجب إدخال المرفقين في الغسل منهم عطاء و مالك و الشافعي و أسحاق وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب مالك و ابن داود : لا يجب وحكي ذلك عن زفر لأن الله تعالى أمر بالغسل إليهما وجعلهما غايته بحرف إلى وهو لانتهاء الغاية فلا يدخل المذكورة بعده كقوله تعالى ك { ثم أتموا الصيام إلى الليل } - ولنا ما روى جابر قال : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا توضأ أدار الماء إلى مرفقيه ] وهذا بيان للغسل المأمور به في الآية فإن إلى تستعمل بمعنى مع قال الله تعالى : { ويزدكم قوة إلى قوتكم } أي مع قوتكم { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } و { من أنصاري إلى الله } فكان فعله مبينا وقولهم : إن إلى للغاية قلنا : وقد تكون بمعنى مع قال المبرد : إذا كان الحد من جنس المحدود دخل فيه كقولهم : بعت هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف

فصل : ومن كانت له أصبع أو يد زائدة وإن انقلعت جلدة وتدلت وإن قطعت اليد من دون المرفق
فصل : وإن خلق له أصبح زائدة أو يد زائدة في محل الفرض وجب غسلها مع الأصلية لأنها نابتة فيه أشبهت الثؤلول وإن كانت نابتة في غير محل الفرض كالعضد أو المنكب لم يجب غسلها سواء كانت قصيرة أو طويلة لأنها في غير محل الفرض فأشبهت شعر الرأس إذا نزل عن الوجه وهذا قول ابن حامد و ابن عقيل وقال القاضي : إن كان بعضها يحاذي محل الفرض غسل ما يحاذيه منها والأول أصح واختلف أصحاب الرأي في ذلك كنحو مما ذكرنا وإن لم يعلم الأصلية منهما وجب غسلهما جميعا لأن غسل إحداهما واجب ولا يخرج عن عهدة الواجب يقينا إلا بغسلهما فوجب غسلهما كما لو تنجست إحدى يديه ولم يعلم عينها
فصل : وإن تعلقت جلدة من غير محل الفرض حتى تدلت من محل الفرض وجب غسلها لأن أصلها في محل الفرض فأشبهت الأصبح الزائدة وإن تعلقت من محل الفرض حتى صارت متدلية من غير محل الفرض لم يجب غسلها قصيرة كانت أو طويلة بلا خلاف لأنها في غير محل الفرض وإن تعلقت من أحد الفرض مها من ظاهرها وباطنها وغسل ما تحتها من محل الفرض
فصل : وإن قطعت يده من دون المرفق غسل ما بقي من محل الفرض وإن قطعت من المرفق غسل العظم الذي هو طرف العضد لأن غسل العظمين المتلاقيين من الذراع والعضد واجب فإذا زال أحدهما غسل الآخر وإن كان من فوق المرفقين سقط الغسل لعدم محله فإن كان أقطع اليدين فوجد من يوضئه متبرعا لزمه ذلك لأنه قادر عليه وإن لم يجد من يوضئه إلا بأجر يقدر عليه لزمه أيضا كما يلزمه شراء الماء وقال ابن عقيل : يحتمل أن لا يلزمه لو عجز عن القيام في الصلاة لم يلزمه استئجار من يقيمه ويعتمد عليه وإن عجز عن الأجر أو لم يقدر على من يستأجره صلى على حسب حاله كعادم الماء والتراب وإن وجد من ييممه ولم يجد من يوضئه لزمه التيمم كعادم الماء إذا وجد التراب وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا

فصل : غسل ما تحت الأضفار
فصل : إذا كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته فقال ابن عقيل : لا تصح طهارته حتى يزيله لأنه محل من اليد استتر بما ليس من خلقه الأصل سترا منع إيصال الماء إليه مع إمكان إيصاله وعدم الضرر به فأشبه ما لو كان عليه شمع أو غيره ويحتمل أن لا يلزمه ذلك لأن هذا يستر عادة فلو كان غسله واجبا لبينه النبي صلى الله عليه و سلم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه وقد عاب النبي صلى الله عليه و سلم عليهم كونهم يدخلون عليه قلحا ورفع أحدهم بين أنملته وظفره يعني أن وسخ أرفاغهم تحت أظفارهم يصل إليه رائحة نتنها فعاب عليهم نتن ريحها لا بطلان طهارتهم ولو كان مبطلا كان ذلك أهم من نتن الريح فكان أحق بالبيان ولأن هذا يستتر عادة أشبه ما يستره الشعر من الوجه

فصل : الأغتراف باليد من الماء اليسير لا يجعله مستعملا
فصل : ومن كان يتوضأ من ماء يسيؤ يغترف منه بيده فغرف منه عند غسل يديه لم يؤثر ذلك في الماء وقال بعض أصحاب الشافعي يصير الماء مستعملا بغرفه منه لأنه موضع غسل اليد وهو ناو للوضوء يغسلها فأشبه ما لو غمسها في الماء ينوي غسلها فيه ولنا أن في حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه دعا بماء فذكر وضوءه إلى أن قال : غسل وجهها ثلاثا ثم أدخل يده فاستخرجها وغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين وفي حديث عثمان ثم غرف بيده اليمنى على ذراعه اليمنى فغسلها إلى المرفقين ثلاثا ثم غرف بيمينه فغسل يده اليسرى رواهما سعيد وحديث عبد الله بن زيد رواه مسلم وغيره وكل من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يحك أنه تحرز من اغتراف الماء بيده في موضع غسلها ولو كان هذا يفسد الماء كان النبي صلى الله عليه و سلم أحق بمعرفته ولوجب عليه بيانه لمسيس الحاجة إليه إذ كان هذا لا يعرف بدون البيان ولا يتوقاه إلا متحذلق وما ذكره لا يصح لأن المغترف لم يقصد بغمس يده إلا الاغتراف دون غسلها فأشبه من يغوص في البئر لترقية الدلو وعليه جنابة لا يقصد غير ترقيته ونية الاغتراف نية الطهارة فصرفتها والله أعلم

مسألة : مسح الرأس
مسألة : قال : ومسح الرأس
لا خلاف في وجوب مسح الرأس وقد نص الله تعالى عليه بقوله : { وامسحوا برؤوسكم } وأختلف في قدر الواجب فروي عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك وروي عن أحمد يجزئ مسح بعضه قال أبو الحارث : قلت ل أحمد : فإن مسح برأسه وترك بعضه ؟ قال بجزئه ثم قال : ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله ؟ وقد نقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه وان عمر مسح اليافوخ وممن قال : بمسح البعض الحسن و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أصحاب الرأي إلا أن الظاهر عن أحمد رحمه الله تعالى في حق الرجل وجوب الاستيعاب وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها قال الخلال : العمل في مذهب أحمد أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها وقال مهنا : قال أحمد : أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل قلت له ولم ؟ قالت : كانت عائشة تمسح مقدم رأسها واحتج من أجاز مسح البعض بأن المغيرة بن شعبة روى أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح بناصيته وعمامته وان عثمان مسح مقدم رأسه بيده مرة واحدة ولم يستأنف له ماء جديدا حين حكى وضوء النبي صلى الله عليه و سلم رواه سعيد ولأن من مسح بعض رأسه يقال مسح برأسه كما يقال مسح برأس اليتيم وقبل رأسه وزعم بعض من ينصر ذلك أن الباء للتبعيض فكأنه قال : وامسحوا بعض رؤوسكم ولنا قول الله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } والباء للالصاق فكأنه قال : وامسحوا رؤوسكم فيتناول الجميع كما قال في التيمم : وامسحوا بوجوهكم وقولهم : الباء للتبعيض غير صحيح ولا يعرف أهل العربية ذلك قال ابن برهان : من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه وحديث المغيرة يدل على جواز المسح على العمامة ونحن نقول به ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لما توضأ مسح رأسه كله وهذا يصلح أن يكون مبينا للمسح المأمور وما ذكروه من اللفظ مجاز لا يعدل إليه عن الحقيقة إلا بدليل

فصل : لا يجزيء إلا مسح أكثر الرأس
فصل : وإذا قلنا بجواز مسح البعض فمن أي موضع مسح أجزاأه لأن الجميع رأس إلا أنه لا يجزئ مسح الأذنين عن الرأس لأنهما تبع فلا يجتزئ بهما عن الأصل والظاهر عن أبي عبد الله أنه لا يجب مسحهما وإن وجب الاستيعاب لأن الرأس عند إطلاق لفظه إنما يتناول ما عليه الشعر
واختلف أصحابنا في قدر البعض المجزئ فقال القاضي : قدر الناصية لحديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح ناصيته وحكى أبو الخطاب وبعض أصحاب الشافعي عن أحمد أنه لا يجزئ إلا مسح أكثره لأن الأكثر ينطلق عليه اسم الشيء الكامل وقال أبو حنيفة يجزئ مسح ربعه وقال الشافعي يجزئ مسح ما يقع عليه الاسم وأقله ثلاث شعرات وحكي عنه لو مسح ثلاث شعرات - وحكي عنه لو مسح شعرة - أجزأه لوقوع الاسم عليها ووجه ما قاله القاضي : أن فعل النبي صلى الله عليه و سلم يصلح بيانا لما أمر به فيحمل عليه

فصل : كيفية المسح
فصل : والمستحب في مسح الرأس أن يبل يديه ثم يضع طرف إحدى سبابته على طرف الأخرى وبعضها على مقدم رأسه ويضع الابهامين على الصدغين ثم يمر يديه إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه كما روى عبد الله بن زيد في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فمسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ متفق عليه وكذلك وصف المقدام بن معد يكرب رواه أبو داود فإن كان ذا شعر يخاف أن ينتفش برد يديه لم يردهما نص عليه أحمد فإنه قيل له : من له شعر إلى منكبيه كيف يمسح في الوضوء ؟ فأقبل أحمد بيديه على رأسه مرة وقال : هكذا كراهية أن ينتشر شعره يعني أن يمسح إلى قفاه ولا يرد يديه قال أحمد : حديث علي هكذا وإن شاء مسح كما روي عن الربيع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ عندها فمسح رأسه كله من فرق الشعر كل ناحية لمصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته رواه أبو داود وسئل أحمد كيف تمسح المرأة ؟ فقال هكذا ووضع يده على وسط رأسه ثم جرها إلى مقدمه ثم رفعها حيث منه بدأ ثم جرها إلى مؤخره وكيف مسح بعد استيعاب قدر الواجب أجزأه

فصل : ولا يسن التكرار
فصل : ولا يسن تكرار مسح الرأس في الصحيح من المذهب وهو قول ابي حنيفة و مالك وروي ذلك عن ابن عمر وابنه سالم والنخعي ومجاهد وطلحة بن مصرف والحكم قال الترمذي : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم وعن أحمد أنه يسن تكراره ويحتمله كلام الخرقي لقوله : الثلاث أفضل وهو مذهب الشافعي وروي عن أنس قال ابن عبد البر : كلهم يقولم مسح الرأس مسحة واحدة وقال الشافعي : يمسح برأسه ثلاثا لأن أبا داود روى عن شقيق بن سلمة قال : رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثا ومسح برأسه ثلاثا ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل مثل وروي مثل ذلك من غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى عثمان وعلي وابن عمر وأبو هريرة وعبد الله بن أبي أوفي و أبو مالك والربيع وأبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ ثلاثا ثلاثا وفي حديث أبي قال : [ هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي ] رواه ابن ماجة ولأن الرأس أصل في الطهارة فسن تكرارها فيه كالوجه
ولنا : أن عبد الله بن زيد وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ومسح برأسه مرة واحدة متفق عليه وروى علي رصي الله عنه أنه توضأ ومسح برأسه مرة واحدة وقال : هذا وضوء النبي صلى الله عليه و سلم من أحب أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه و سلم فلينظر إلى هذا قال الترمذي : هذا حديث صحيح وكذلك وصف عبد الله بن أبي أوفى وابن عباس وسلمة بن الأكوع والربيع كلهم قالوا : ومسح برأسه مرة واحدة وحكايتهم لوضوء النبي صلى الله عليه و سلم إخبار عن الدوام ولا يداوم إلا على الأفضل الأكمل وحديث ابن عباس حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم في الليل حال خلوته ولا يفعل في تلك الحال إلا الأفضل ولأنه مسح في طهارة فلم يسن تكراره كالمسح في التيمم والمسح على الجبيرة وسائر المسح ولم يصح من أحاديثهم شيء صريح قال أبو داود أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا وقالوا فيها : ومسح برأسه ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره والحديث الذي ذكر فيه مسح رأسه ثلاثا رواه يحيى بن آدم وخالفه وكيع فقال : توضأ ثلاثا فقط والصحيح عن عثمان أنه توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه ولم يذكر عددا هكذا رواه البخاري و مسلم وقال أبو داود : وهو الصحيح ومن روى عنه ذلك سوى عثمان فلم يصح فإنهم الذي رووا أحاديثنا وهي صحاح فيلزم من ذلك ضعف من خالفها والأحاديث التي ذكروا فيها أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ ثلاثا ثلاثا أرادوا بها ما سوى المسح فإن رواتها حين فصلوها قالوا : ومسح برأسه مرة واحدة والتفصيل يحكم به على الإجمال ويكون تفسيرا له ولا يعارض به كالخاص مع العام وقياسهم منقوض بالتيمم فإن قيل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم قد مسح مرة ليبين الجواز ومسح ثلاثا ليبين الأفضل كما فعل في الغسل فنقل الأمران نقلا صحيحا من غير تعارض بين الروايات قلنا قول الراوي : هذا طهور رسول الله صلى الله عليه و سلم يدل على أنه طهوره على الدوام ولأن الصحابة رضي الله عنهم إنما ذكروا صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم لتعريف سائلهم ومن حضرهم كيفية وضوئه في دوامه فلو شاهدوا وضوءه على صفة أخرى لم يطلقوا هذا الإطلاق الذي يفهم منه أنهم لم يشاهدوا غيره لأن ذلك يكون تدليسا وإبهاما بغير الصواب فلا يظن ذلك بهم وتعين حمل حل الرواي لغير الصحيح على الغلط لا غير ولأن الرواة إذا رووا حديثا واحدا عن شخص واحد فاتفق الحفاظ منهم على صفة وخالفهم فيها واحد حكموا عليه بالغلط وإن كان ثقة حافظا فكيف إذا لم يكن معروفا بذلك

فصل : ولو وصل الماء إلى بشرة الرأس ولم يمسح الشعر لم يجزئه
فصل : إذا وصل الماء إلى بشرة الرأس ولم يمسح على الشعر لم يجزئه لأن الفرض انتقل إليه فلم يجز مسح غيره كما لو أوصل الماء إلى باطن اللحية ولم يغسل ظاهرها وإن نزل شعره عن منابت شعر الرأس فمسح على النازل من منابته لم يجزئه لأن الرأس ما ترأس وعلا ولو رد هذا النازل وعقده على رأسه لم يجزئه المسح عليه لأنه ليس من الرأس وإنما هو نازل رده إلى أعلاه ولو نزل عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض فمسح عليه أجزأه لأنه شعر على محل الفرض فأشبه القائم على محله ولأن هذا لا بد منه لكل ذي شعر ولو خضب رأسه بما يستره أو طينه لم يجزئه المسح على الخضاب والطين نص عليه في الخضاب لأنه لم يمسحعلى محل الفرض فأشبه ما لو ترك على رأسه خرقة فمسح عليها والله أعلم

فصل : ويمسح الرأس بماء جديد
فصل : ويمسح رأسه بماء جديد غير ما فصل عن ذراعيه وهو قول أبي حنيفة و الشافعي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم قاله الترمذي وجوزه الحسن و عروة و الأوزاعي لما ذكرنا من حديث عثمان ويتخرج لنا مثل ذلك إذا قلنا المستعمل لا يخرج عن طهوريته سيما الغسلة الثانية والثالثة
ولنا ما روى عبد الله بن زيد قال : [ مسح رسول الله صلى الله عليه و سلم رأسه بماء غير فضل يديه ] وكذلك حكى علي ومعاوية رواهن أبو داود وقال الترمذي : وقد روي من وجه أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ لرأسه ماء جديدا ولأن البلل الباقي في يده مستعمل فلا يجزئ المسح به كما لو فصله في إناء ثم استعمله

فصل : فإن غسل رأسه بدل مسحه على وجهين
فصل : فإن غسل رأسه بدل مسحه فعلى وجهين أحدهما لا يجزئه لأن الله تعالى أمر بالمسح والنبي صلى الله عليه و سلم مسح وأمر بالمسح لأنه أحد نوعي الطهارة فلم يجزئ عن النوع الآخر كالمسح عن الغسل والثاني يجزئ لأنه لو كان جنبا فانغمس في ماء ينوي الطهارتين أجزأه مع عدم المسح فكذلك إذا كان الحدث الأصغر منفردا ولأن في صفة غسل النبي صلى الله عليه و سلم أنه غسل وجهه ويديه ثم أفرغ على رأسه ولم يذكر مسحا ولأن الغسل أبلغ من المسح فإذا أتى به ينبغي أن يجزئه كما لو أغتسل ينوي به الوضوء وهذا فيما إذا لم يمر يده على رأسه فأما إن أمر يده على رأسه مع الغسل أو بعده اجزأه لأنه قد أتى بالمسح وقد روي عن معاوية أنه توضأ للناس كما رأى النبي صلى الله عليه و سلم توضأ فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقطر ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره ومن مؤخره إلى مقدمه رواه أبو داود ولو حصل على رأسه ماء المطر أو صب عليه إنسان ثم مسح عليه يقصد بذلك الطهارة أو كان قد صمد للمطر أجزأه إن حصل الماء على رأسه من غير قصد أجزأه أيضا لأن حصول الماء على رأسه بغير قصد لم يؤثره في الماء فمتى وضع يده على ذلك البلل ومسح به فقد مسح بماء غير مستعمل فصحت طهارته كما لو حصل بقصده فإن لم يمسح بيده وقلنا إن الغسل يقوم مقام المسح نظرنا فإن قصد حصول الماء على رأسه أجزأه إذا جرى الماء عليه وإلا لم يجزه وإن قلنا لا يجزئ الغسل عن المسح لم يجزه بحال

فصل : وفي أجزاء مسح الرأس بخرقة مبلولة وجهان
فصل : وأن مسح رأسخ بخرقة مبلولة أو خشبة أجزأه في أحد الوجهين لأن الله تعالى أمر بالمسح وقد فعله فأجزأه كما لو مسح بيده أو بيد غيره ولأن مسحه بيده غير مشترط بدليل ما لو مسحه بيد غير والثاني لا يجزئه لأن النبي صلى الله عليه و سلم مسح بيده وإن وضع على رأسه خرقة مبلولة فابتل بها رأسه أو وضع خرقة ثم بلها حتى ابتل شعره لم يجزئه لأن ذلك ليس بمسح ولا غسل ويحتمل أن يجزئه لأنه بل شعره قاصدا للوضوء فأجزأه كما لو غسله وإن مسح باصبع أو أصبعين أجزأه إذا مسح بهما ما يجب مسحه كله ونقل محمد بن الحكم عن أحمد أنه لا يجزئه قال القاضي : هذا محمول على وجوب الاستيعاب فإنه لا يمكنه استيعاب الرأس بأصبعه فأما إن استوعبه أجزأه لأنه مسح ببعض يده أشبه مسحه بكفه

فصل : مسح الأذنين
فصل : والأذنان من الرأس فقياس المذهب وجوب مسحهما مع مسحه وقال الخلال : كلهم حكوا عن أبي عبد الله فيمن ترك مسحهما عامدا أو ناسيا أنه يجزئه وذلك لأنهما تبع للرأس لا يفهم من اطلاق إسم الرأس دخولهما فيه ولا يشبهان بقية أجزاء الرأس ولذلك لم يجزه مسحهما عن مسحه عند من اجتزأ بمسح بعضه والأولى مسحهما معه لأن النبي صلى الله عليه و سلم مسحهما مع رأسه فروت الربيع أنها رأت النبي صلى الله عليه و سلم مسح رأسه ما أقبل منه وما أدبر وصدغيه واذنيه مرة واحدة وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما وقال الترمذي : حديث ابن عباس وحديث الربيع صحيحان وروى المقدام بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح برأسه وأذنيه وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه رواه أبو داود فيستحب أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح ظاهر أذنيه بإبهاميه ولا يجب مسح ما استتر بالغضاريف لأن الرأس الذي هو الأصل لا يجب مسح ما استتر منه بالشعر والأذن أولى

مسألة : غسل الرجلين إلى الكعبين وهما العظمان الناتئان
مسألة : قال : وغسل الرجلين إلى الكعبين وهما العظمان الناتئان
غسل الرجلين واجب في قول أكثر أهل العلم وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على غسل القدمين وروي عن علي أنه مسح على نعليه وقدميه ثم ذخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى وحكي عن ابن عباس أنه قال : ما أجد في كتاب الله إلا غسلتين ومسحتين وروي عن أنس بن مالك أن ذكر له قول الحجاج اغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما وخللوا ما بين الأصابع فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج وتلا هذه الآية : { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } وحكي عن الشعبي أنه قال : الوضوء مغسولان وممسوحان فالممسوحان يسقطان في التيمم ولم يعلم من فقهاء المسلمين من يقول بالمسح على الرجلين غير من ذكرنا إلا ما حكي عن ابن جرير أنه قال : هو مخير بين المسح والغسل واحتج بظاهر الآية وبما روى ابن عباس قال : توضأ النبي صلى الله عليه و سلم وأدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق مرة واحدة ثم أدخل يده فصب على وجهه مرة واحدة وصب على يديه مرة واحدة ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة ثم أخذ ملء كف من ماء فرش على قدميه وهو منتعل رواه سعيد وقال أيضا : حدثنا هشيم أخبرنا يعلي بن عطاء عن أبيه قال : أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم أتى كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه قال هشيم : كان هذا في أول الإسلام
ولنا : أن عبد الله بن زيد وعثمان حكيا وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم قالا : فغسل قدميه وفي حديث عثمان ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا متفق عليه وفي لفظ ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثا وثلاثا ثم غسل اليسرى مثل ذلك وعن علي أنه حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ثلاثا وكذلك قالت الربيع بنت معوذ : والبراء بن عازب وعبد الله بن عمر رواهن سعيد وغيره وعن عمر رضي الله عنه [ أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر من قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ارجع فأحسن وضوءك فرجع فتوضأ ثم صلى ] رواه مسلم وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يعيد الوضوء والصلاة رواه أبو داود و الأثرم قال الأثرم : ذكر أبو عبد الله إسناد هذا الحديث قلت له : إسناد جيد ؟ قال : نعم وعن عبد الله بن عمرو [ أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى قوما يتوضؤون وأعقابهم تلوح فقال : ويل للأعقاب من النار ] وعن عائشة وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ويل للأعقاب من النار ] رواهن مسلم وقد ذكرنا أمر النبي صلى الله عليه و سلم بتخليل الأصابع وأنه كان يعرك أصابعه بخنصره بعض العرك وهذا كله يدل على وجوب الغسل فإن الممسوح لا يحتاج إلى الاستيعاب والعرك وأما الآية فقد روى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ : وأرجلكم قال عاد إلى الغسل وروي عن علي وابن مسعود والشعبي أنهم كانوا يقرؤونها كذلك وروى ذلك كله سعيد وهي قراءة جماعة من القراء منهم ابن عامر فتكون معطوفة على اليدين في الغسل ومن قرأها بالجر فللمجاورة كما قال وأنشدوا :
( كأن ثبيرا في عرانين وبله ... كبير أناس في مجاد مزمل )
وأنشد :
( فظل طهاة اللحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجل )
جر قديرا مع العطف للمجاورة وفي كتاب الله تعالى : { إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم } جر أليما وهو صفة العذاب المنصوب لمجاورته المجرور وتقول العرب : جحر ضب خرب وإذا كان الأمر فيها محتملا وجب الرجوع إلى بيان النبي صلى الله عليه و سلم ويدل على صحة هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عمرو بن عنبسة ثم غسل رجليه كما أمره الله عز و جل فثبت بهذا أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أمر بالغسل لا بالمسح ويحتمل أنه أراد بالمسح الغسل الخفيف قال أبو علي الفارسي : العرب تسمي خفيف الغسل مسحا فيقولون : تمسحت للصلاة أي توضأت وقال أبو زيد الأنصاري : نحو ذلك وتحديده بالكعبين دليل على أنه أراد الغسل فإن المسح ليس بمحدود فإن قيل نعطفه على الرأس دليل على أنه أراد حقيقة المسح قلنا قد افترقا من وجوه أحدهما أن الممسوح في الرأس شعر يشق غسله والرجلان بخلاف ذلك فهما أشبه بالمغسولات والثاني أنهما محدودان بحد ينتهي إليه فأشبها اليدين والثالث أنهما معرضتان للخبث لكونهما يوطأ بهما على الأرض بخلاف الرأس وأما حديث أوس أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح على قدميه فإنما أراد الغسل الخفيف وكذلك حديث ابن عباس ولذلك قال : أخذ ملء كف من ماء فرش على قدميه والمسح يكون بالبلل لا برش الماء
فأما قول الخرقي : وهما العظمان الناتئان فأراد أن الكعبين هما اللذان في أسفل الساق من جانبي القدم وحكي عن محمد بن الحسن أنه قال في مشط القدم وهو معقد الشراك من الرجل بدليل أنه قال : إلى الكعبين فيدل على أن في الرجلين لا غير ولو أراد ما ذكرتموه كانت كعاب الرجلين أربعة فإن لكل قدم كعبين ولنا أن الكعاب المشهورة في العرف في التي ذكرناها ققا ل أبو عبيد الكعب الذي في أصل القدم منتهى الساق إليه بمنزلة كعاب القنا كل عقد منها يسمى كعبا وقد روى أبو القاسم الحدفي عن النعمان ابن بشير قال : كان أحدنا يلزق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة ومنكبه بمنكب صاحبه رواه الخلال وقاله البخاري وروى أن قريشا كانت ترمي كعبي رسول الله صلى الله عليه و سلم من ورائه حتى تدميهما ومحط القدم أمامه وقوله إلى الكعبين حجة لنا فإنه أراد كل رجل تغسل إلى الكعبين إذ لو أراد كعاب جميع الأرجل لقال الكعاب كما قال وأيديكم إلى المرافق

فصل : ويلزم إدخال الكعبين في الغسل
فصل : ويلزمه إدخال الكعبين في الغسل كقولنا في المرافق فيما مضى

مسألة : الترتيب بين أعضاء الوضوء
مسألة : قال : ويأتي بالطهارة عضوا بعد عضو كما أمر الله تعالى
وجملة ذلك أن الترتيب في الوضوء على ما في الآية واجب عند أحمد لم أر عنه فيه اختلافا وهو مذهب الشافعي و أبي ثور و أبي عبيد وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه غير واجب وهذا مذهب مالك و الثوري وأصحاب الرأي وروي أيضا عن سعيد بن المسيب و عطاء و الحسن وروى عن علي و مكحول و النخعي و الزهري و الأوزاعي فيمن نسي مسح رأسه فرأى في لحيته بللا يمسح رأسه به ولم يأمروه باعادة غسل رجليه واختاره ابن المنذر لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء وعطف بعضها على بعض بواو الجمع وهي لا تقتضي الترتيب فكيفما غسل كان ممتثلا وروي عن علي وابن مسعود ما أبالي بأي أعضائي بدأت وقال ابن مسعود : لا بأس أن تبدأ برجليلك قبل يديك في الوضوء
ولنا : أن في الآية قرينة تدل على أنه أريد بها الترتيب فإنه أدخل ممسوحا بين مغسولين والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة ههنا الترتيب فإن قيل : فائدته استحباب الترتيب قلنا : الآية ما سيقت إلا لبيان الواجب ولهذا لم يذكر فيها شيئا من السنن ولأنه متى اقتضى اللفظ الترتيب كان مأمورا به والأمر يقتضي الوجوب ولأن كل من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم حكاه مرتبا مفسر لما في كتاب الله تعالى : وتوضأ مرتبا وقال : [ هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ] أي بمثله وما روي عن علي وابن مسعود قال أحمد إنما عنى به اليسرى قبل اليمنى لأن مخرجهما من الكتاب واحد قال أحمد حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه أن عليا سئل فقيل له : أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيء قل : لا حتى يكون كما أمر الله تعالى والرواية الأخرى عن ابن مسعود ولا يعرف لها أصل

فصل : ولا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى
فصل : ولا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى ولا نعلم فيه خلافا لأن مخرجهما في الكتاب واحد قال الله تعالى : { وأيديكم } { وأرجلكم } والفقهاء يعدون اليدين عضوا والرجلين عضوا ولا يجب الترتيب في العضو الواحد وقد دل على ذلك قول علي وابن مسعود

فصل : وإن نكس وضوءه فبدأ بشيء من أعضائه قبل وجهه لم يحسب بما غسله قبل وجهه
فصل : وإذا نكس وضوءه فبدأ بشيء من أعضائه قبل وجهه لم يحتسب بما غسله قبل وجهه فإذا غسل وجهه مع بقاء نيته أو بعدها بزمن يسير احتسب له به ثم يرتب الاعضاء الثلاثة وان غسل وجهه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه و رجليه أعاد مسح رأسه وغسل رجليه وإن غسل وجهه ويديه ثم غسل رجليه ثم مسح رأسه صح وضوءه إلا غسل رجليه وإن نكس وضوءه جميعه لم يصح إلا غسل وجهه وإن توضأ منكسا أربع مرات صح وضوءه يحصل له من كل مرة غسل عضو إذا كان متقاربا ومذهب الشافعي مثل ما ذكرنا ولو غسل أعضاءه دفعة واحدة لم يصح له إلا غسل وجهه لأنه لم يرتب وإن انغمس في ماء جار فلم يمر على أعضائه إلا جرية واحدة فكذلك وإن مر عليه أربع جريات وقلنا : الغسل يجزئ عن المسح أجزأه كما لو توضأ أربع مرات وإن كان الماء راكدا فقال : بعض أصحابنا إذا أخرج وجهه ثم يديه ثم مسح رأسه ثم خرج من الماء أجزأه لأن الحدث إنما يرتفع بانفصال الماء عن العضو ونص أحمد في رجل أراد الوضوء فاغتمس في الماء ثم خرج من الماء فعليه مسح رأسه وغسل رجليه وهذا يدل على أن الماء إذا كان جاريا فمرت عليه جرية واحدة أنه يجزئه مسح رأسه وغسل رجليه وإن اجتمع الحدثان سقط الترتيب والموالاة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى

فصل : الموالاة بين أعضاء الوضوء
فصل : ولمم يذكر الخرقي الموالاة وهي واجبة عند أحمد نص عليها في مواضع وهذا قول الأوزاعي و أحد قولي الشافعي قال القاضي ونقل حنبل أنها غير واجبة وهذا قول أبي حنيفة لظاهر الآية ولأن المأمور به غسل الأعضاء فكيفما غسل جاز ولأنها إحدى الطهارتين فلم تجب الموالاة فيها كالغسل وقال مالك إن تعمد التفريق بطل وإلا فلا ولنا ما ذكرنا من رواية عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم [ رأى رجلا يصلي في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يعيد الوضوء والصلاة ] ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعة ولأنها عبادة يفسدها الحدث فاشترطت الموالاة كالصلاة والآية دلت على وجوب الغسل والنبي صلى الله عليه و سلم بين كيفيته وفسر مجمله بفعله وأمره فإنه لم يتوضأ إلا متواليا وأمر تارك الموالاة بإعادة الوضوء وغسل الجنابة بمنزلة غسل عضو واحد بخلاف الوضوء
فصل : والموالاة الواجبة أن لا يترك غسل عضو حتى يمضي زمن يجف فيه العضو الذي قبله في الزمان المعتدل لأنه قد يسرع جفاف العضو في بعض الزمان دون بعض ولأنه يعتبر ذلك فيما بين طرفي الطهارة وقال ابن عقيل في رواية أخرى إن حد التفريق المبطل ما يفحش في العادة لأنه لم يحد في الشرع فيرجع فيه إلى العادة كالإحراز والتفريق في البيع
فصل : وإن نشفت أعضاؤه لاشتغاله بواجب في الطهارة أو مسنون لم يعد تفريقا كما لو طول أركان الصلاة قال أحمد : إذا كان في علاج الوضوء فلا بأس وإن كان لوسوسة تلحقه فكذلك لأنه في علاج الوضوء وإن كان ذلك لعبث أو شيء زائد على المسنون وأشباهه عد تفريقا ويحتمل أن تكون الوسوسة كذلك لأنه مشتغل بما ليس بمفروض ولا مسنون

مسألة : والوضوء مرة يجزيء والثلاث أفضل
مسألة : قال : والوضوء مرة يجزيء والثلاث أفضل
هذا قول أكثر أهل العلم إلا أن مالكا لم يوقت مرة ولا ثلاثا قال : إنما قال الله تعالى : { فاغسلوا وجوهكم } وقال الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز : الوضوء ثلاثا ثلاثا إلا غسل الرجلين فإنه ينقيهما وقد روي عن ابن عباس قال : توضأ النبي صلى الله عليه و سلم مرة مرة رواه البخاري وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ مرتين مرتين رواه الترمذي : حديث علي أحسن شيء في هذا الباب وأصح وقال سعيد : حدثنا سلام الطويل عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن ابن عمر [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة ثم قال : هذا وظيفة الوضوء وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به ثم تحدث ساعة ثم دعا بماء فتوضأ ثلاثا ثلاثا فقال : هذا وضوئي ووضوء النبين من قبلي ] وروى ابن ماجة بإسنادة عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه و سلم نحو هذا ووى مسلم في صحيحه أن عثمان دعا بوضوء فتوضأ وغسل كفيه ثلاث مرات ثم تمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ثم مسح برأسه ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ] قال ابن شهاب وكان علماؤنا يقولون : هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة

فصل : وإن غسل بعض أعضائه مرة وبعضها أكثر
فصل : وإن غسل بعض أعضائه مرة وبعضها أكثر جاز لأنه إذا جاز ذلك في الكل جاز في البعض وفي حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه و سلم [ توضأ فغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه مرتين ومسح برأسه مرة ] متفق عليه

فصل : ولا يزيد عن الثلاث إلا متبلي
فصل : قال أحمد رحمه الله : لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى وقال ابن المبارك : لا آمن من ازداد على الثلاث أن يأثم وقال إبراهيم النخعي : تشديد الوضوء من الشيطان لو كان هذا فضلا لأوثر به أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : [ جاء اعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال : هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم ] رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجة

فصل : ذكر الفراغ من الوضوء
فصل : وإذا فرغ من وضوئه استحب أن يرفع نظره إلى السماء ثم يقول : ما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ] رواه أبو بكر الخلال بإسناده وفيه : [ من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء - وفيه - اللهم اجعلني نم التوابين واجعلني من المتطهرين ]

فصل : المعاونة على الوضوء
فصل : ولا بأس بالمعاونة على الوضوء لما روى المغيرة بن شعبة أنه أفرغ على النبي صلى الله عليه و سلم في ووضوئه رواه مسلم وروي عن صفوان بن عسال قال : صببت على النبي صلى الله عليه و سلم في السفر والحضر وعن أم عياش وكانت أمة لرقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : أوضئ رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا قائمة وهو قاعد رواهما ابن ماجة وروي عن أحمد أنه قال : ما أحب أنه يعينني على وضوئي أحد لأن عمر قال ذلك :

فصل : تنشيف الأعضاء
فصل : ولا بأس بتنشيف أعضائه بالمنديل من بلل الوضوء والغسل قال الخلال : المنقول عن أحمد أنه لا بأس بالتنشيف بعد الوضوء وممن الوضوء وممن روي عنه أخذ المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن بن علي وأنس وكثير من أهل العلم ونهى عنه جابر بن عبد الله وكرهه عبد الرحمن بن مهدي وجماعه من أهل العلم لأن ميمونة روت أن النبي صلى الله عليه و سلم فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض بالماء بيده متفق عليه والأول أصح لأن الأصل الإباحة وترك النبي صلى الله عليه و سلم لا يدل على الكراهة فإن النبي صلى الله عليه و سلم قد يترك المباح كما يفعله وقد روى أبو بكر في الشافي بإسناده عن عروة عن عائشة قالت : كان للنبي صلى الله عليه و سلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال : منكر منكر وروي عن قيس بن سعد أن النبي صلى الله عليه و سلم اغتسل ثم أتيناه بملحفة ودسية فالتحف بها إلا أن الترمذي قال : لا يصح في هذا الباب شيء ولا يكره نفض الماء عن بدنه بيديه لحديث ميمونة

مسألة : صلاة الفريضة بوضوء النافلة
مسألة : قال : وإذا توضأ لنافلة صلى فريضة
لا أعلم في هذه المسألة خلافا وذلك لأن النافلة تفتقر إلى رفع الحدث كالفريضة وإذا ارتفع الحدث تحقق شرط الصلاة وارتفع المانع فأبيح له الفرض وكذلك كل ما يفتقر إلى الطهارة كمس المصحف والطواف إذا توضأ له ارتفع حدثه وصحت طهارته وأبيح له سائر ما يحتاج إلى الطهارة وقد ذكرنا ذلك فيما مضى

فصل : الصلاة بالوضوء الواحد ما شاء من الصلوات
فصل : يجوز أن يصلي بالوضوء ما لم يحدث ولا نعلم في هذا خلافا قال أحمد بن قاسم سألت أحمد عن رجل صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد قال : ما بأس بهذا إذا لم ينتقض وضوؤه ما ظننت أن أحدا أنكر هذا وقال : صلى النبي صلى الله عليه و سلم الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد وروى أنس قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يتوضأ عند كل صلاة قلت وكيف كنتم تصنعون ؟ قال : يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث رواه البخاري و أبو داود وفي مسلم عن بريدة قال : [ صلى النبي صلى الله عليه و سلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر : إني رأيتك صنعت شيئا لم تكن تصنعه قال : عمدا صنعته ]

فصل : وتجديد الوضوء مستحب
فصل : وتجديد الوضوء مستحب نص أحمد عليه في رواية موسى بن عيسى ونقل حنبل عنه أنه كان يفعله وذلك لما روينا من الحديث وعن غطيف الهذلي قال : رأيت ابن عمر يوما توضأ لكل صلاة فقلت : أصلحك الله أفريضة أم سنة الوضوء عند كل صلاة ؟ فقال : لا لو توضأت لصلاة الصبح لصليت به الصلوات كلها ما لم أحدث ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ من توضأ على طهر فله عشر حسنات ] وإنما رغبت في الحسنات أخرجه أبو داود و ابن ماجة وقد نقل علي بن سعيد عن أحمد لا فضل فيه والأول أصح

فصل : الوضوء في المسجد
فصل : ولا بأس بالوضوء في المسجد إذا لم يؤذ أحدا بوضوئه ولم يبل موضع الصلاة قال ابن المنذر أباح ذلك كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار منهم ابن عمر و ابن عباس و عطاء و طاوس و أبو بكر بن محمد و ابن عمر و ابن حزم و ابن جريج وعوام أهل العلم قال : وبه نقول إلا أن يبل مكانا يجتاز الناس فيه فإني أكرهه إلا أن يفحص الحصا عن البطحاء كما فعل ل عطاء و طاوس فإذا توضأ رد الحصا عليه فإني لا أكرهه وقد روي عن أحمد أنه يكرهه صيانة للمسجد عن البصاق والمخاط وما يخرج من فضلات الوضوء

مسألة وفصل : تحريم قراءة القرآن على الجنب والحائض
مسألة : قال : و لا يقرأ القرآن جنب ولا حائض ولا نفساء
رويت الكراهية لذلك عن عمر وعلي والحسن والنخعي و الزهري و قتادة و الشافعي وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي : لا يقرأ إلا آية الركوب والنزول { سبحان الذي سخر لنا هذا } { وقل رب أنزلني منزلا مباركا } وقال ابن عباس : يقرأ ورده وقال سعيد بن المسيب : يقرأ القرآن أليس هو في جوفه ؟ وحكي عن مالك للحائض القراءة دون الجنب لأن أيامها تطول فإن منعناها من القراءة نسيت
ولنا : ما روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يحجبه - أو قال - يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة رواه أبو داود و النسائي و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ] رواه أبو داود و الترمذي وقال : يرويه إسماعيل بن عياش عن نافع وقد ضعف البخاري روايته عن أهل الحجاز وقال : إنما روايته عن أهل الشام وإذا ثبت هذا في الجنب ففي الحائض أولى لأن حدثها آكد ولذلك حرم الوطء ومنع الصيام وأسقط الصلاة وساواها في سائر أحكامها
فصل : ويحرم عليهم قراءة آية فأما بعض آية فإن كان مما لا يتميز به القرآن من غيره كالتسمية والحمد لله وسائر الذكر فإن لم يقصد به القرآن فلا بأس فإنه لا خلاف في أن لهم ذكر الله تعالى ويحتاجون إلى التسمية عند اغتسالهم ولا يمكنهم التحرز من هذا وإن قصدوا به القراءة أو كان ما قرأوه شيئا يتميز به القرآن عن غيره من الكلام ففيه روايتان : إحداهما لا يجوز وروي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن الجنب يقرأ القرآن ؟ فقال : لا ولا حرفا وهذا مذهب الشافعي لعموم الخبر في النهي ولأنه قرآن فمنع من قراءته كالآية والثانية لا يمنع منه وهو قول أبي حنيفة لأنه لا يحصل به الإعجاز ولا يجزيء في الخطبة ويجوز إذا لم يقصد به القرآن وكذلك إذا قصد

فصول : لبث الجنب والحائض في المسجد وذي الحدث الدائم
فصل : وليس لهم اللبث في المسجد لقول الله تعالى : { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } وروت عائشة قالت : [ جاء النبي صلى الله عليه و سلم وبيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال : وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ] رواه أبو داود ويباح العبور للحاجة من أخذ شيء أو تركه أو كون الطريق فيه فأما لغير ذلك فلا يجوز بحال وممن نقلت عنه الرخصة في العبور ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب وابن جبير والحسن و مالك و الشافعي وقال الثوري و إسحاق : لا يمر في المسجد إلا أن لا يجد بدا فيتيمم وهو قول أصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ] ولنا قول الله تعالى : { إلا عابري سبيل } والاستثناء من المنهي عنه إباحة وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لها : [ ناوليني الخمرة من المسجد قالت : إني حائض قال : إن حيضتك ليست في يدك ] رواه مسلم وعن جابر قال : كنا نمر في المسجد ونحن جنب رواه ابن المنذر وعن زيد بن أسلم قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشون في المسجد وهم جنب رواه ابن المنذر أيضا وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعا
فصل : فأما المستحاضة ومن به سلس البول فلهم اللبث في المسجد والعبور إذا أمنوا تلويث المسجد لما روي عن عائشة أن امرأة من أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتكفت معه وهي مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري ولأنه حدث لا يمنع الصلاة فلم يمنع اللبث كخروج الدم اليسير من أنفه فإن خاف تلويث المسجد فليس له العبور فإن المسجد يصان عن هذا كما يصان عن البول فيه ولو خشيت الحائض تلويث المسجد بالعبور فيه لم يكن لها ذلك
فصل : وإن خاف الجنب على نفسه أو ماله أو لم يمكنه الخروج من المسجد أو لم يجد مكانا غيره أو لم يمكنه الغسل ولا الوضوء تيمم ثم أقام في المسجد وروي عن علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن بن مسلم بن يناق في تأويل قوله تعالى : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } يعني مسافرين لا يجدون ماء فيتيممون وقال بعض أصحابنا : يلبث بغير تيمم لأن التيمم لا يرفع الحدث وهذا غير صحيح لأنه يخالف قول من سمينا من الصحابة ولأن هذا أمر يشترط له الطهارة فوجب التيمم له عند العجز عنها كالصلاة وسائر ما يشترط له الطهارة وقولهم : لا يرفع الحدث قلنا إلا أنه يقوم مقام ما يرفع الحدث في إباحة ما يستباح به
فصل : إذا توضأ الجنب فله اللبث في المسجد في قول أصحابنا و إسحاق وقال أكثر أهل العلم : لا يجوز للآية والخبر واحتج أصحابنا بما روي عن زيد بن أسلم قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعا يخص به العموم ولأنه إذا توضأ خف حكم الحدث فأشبه التيمم عند عدم الماء ودليل خفته أمر النبي الجنب به إذا أراد النوم واستحبابه لمن أراد الأكل ومعاودة الوطء فأما الحائض إذا توضأت فلا يباح لها اللبث لأن وضوءها لا يصح

مسألة : ولا تمس المصحف إلا طاهر
مسألة : قال : ولا يمس المصحف إلا طاهر
يعني طاهرا من الحدثين جميعا روي هذا عن ابن عمر و الحسن و طاوس و الشعبي و القاسم بن محمد وهو قول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم مخالفا لهم إلا دواد فإنه أباح مسه واحتج بأن النبي صلى الله عليه و سلم كتب في كتابه آية إلى قيصر وأباح الحكم و حماد مسه بظاهر الكف لأن آلة المس باطن اليد فينصرف النهي إليه دون غيره ولنا قوله تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون } وفي كتاب النبي صلى الله عليه و سلم لعمر بن حزم : [ إن لا يمس القرآن إلا طاهر ] وهو كتاب مشهور رواه أبو عبيد في فضائل القرآن رواه الأثرم فأما الآية التي كتب بها النبي صلى الله عليه و سلم فإنما قصد بها المراسلة والآية في الرسالة أو كتاب فقه أو نحوه لا تمنع مسه ولا يصير الكتاب بها مصحفا ولا تثبت له حرمته إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز له مسه بشيء من جسده لأنه من جسده فأشبه يده وقولهم : إن المس إنما يختص باطن اليد ليس بصحيح فإن كل شيء لاعى شيئا فقد مسه

فصول : ويجوز لغير الطاهر حمله بعلاقة أو بحائل أو التيمم عند عدم الماء ويجوز مس كتب التفسير والفقه الخ ولا يجوز السفر بالمصحف إلى دار الحرب
فصل : ويجوز حمله بعلاقته وهذا قول أبي حنيفة وروي ذلك عن الحسن و عطاء و طاوس و الشعبي و القاسم و أبي وائل و الحكم و حماد ومنع منه الأوزاعي و مالك و الشافعي قال مالك : أحسن ما سمعت أنه لا يحمل المصحف بعلاقته ولا في غلافه إلا وهو طاهر وليس ذلك لأنه يدنسه ولكن تعظيما للقرآن واحتجوا بأنه مكلف محدث قاصد لحمل المصحف فلم يجز كما لو حمله مع مسه
ولنا : أنه غير ماس له فلم يمنع منه كما لو حمله في رحله ولأن النهي إنما يتناول المس والحمل ليس بمس فلم يتناوله النهي وقياسهم فاسد فإن العلة في الأصل مسه وهو غير موجود في الفرع والحمل لا أثر له فلا يصح التعليل به وعلى هذا لو حمله بعلاقة أو بحائل بينه وبين مما لا يتبعه في البيع جاز لما ذكرنا وعندهم لا يجوز ووجه المذهبين ما تقدم ويجوز تقليبه بعود ومسه به وكتب المصحف بيده من غير أن يمسه وفي تصفحه بكمه روايتان وخرج القاضي في مس غلافه وحمله بعلاقته رواية أخرى أنه لا يجوز بناء على مسه بكمه والصحيح جوازه لأن النهي إنما يتناول مسه والحمل ليس بمس
فصل : ويجوز مس كتب التفسير والفقه وغيرهما والرسائل وإن كان فيها آيات من القرآن بدليل أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى قيصر كتابا فيه آية ولأنها لا يقع عليها إسم مصحف ولا نثبت لها حرمته وفي مس صبيان الكتائب ألواحهم التي فيها القرآن وجهان : أحدهما الجواز لأنه موضع حاجة فلو اشترطنا الطهارة أدى إلى تنفيرهم عن حفظه والثاني المنع لدخولهم في عموم الآية وفي الدراهم المكتوب عليها القرآن وجهان : أحدهما المنع وهو قول أبي حنيفة وكرهه عطاء و القاسم و الشعبي لأن القرآن مكتوب عليها فأشبهت الورق والثاني الجواز لأنه لا يقع عليها اسم المصحف فاشبهت كتب الفقه ولأن في الاحتراز منها مشقة أشبهت ألواح الصبيان
فصل : وإن احتاج المحدث إلى مس المصحف عند عدم الماء تيمم وجاز مسه ولو غسل المحدث بعض أعضاء الوضوء لم يجز له مسه به قبل إتمام وضوئه لأنه لا يكون متطهرا إلا بغسل الجميع
فصل : ولا يجوز المسافرة بالمصحف إلى دار الحرب لما روى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم ]

باب الاستطابة والحدث
مسألة : ليس على من نام أو حرجت منه ريح استجمار والاستجمار لما خرج من السبيلين
الاستطابة هي الاستنجاء بالماء أو بالأحجار يقال استطاب إذا استنجى سمي استطابة لأنه يطيب جسده بإزالة الخبث عنه قال الشاعر : يهجو رجلا
( يا رخما قاظ على عرقوب ... يعجل كف الخارئ المطيب )
والاستنجاء استفعال من نجوت الشجرة أي قطعتها فكأنه قطع الأذى عنه وقال ابن قتيبة هو مأخوذ من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض لأن من أراد قضاء الحاجة استتر بها والاستجمار استفعال من الجمار وهي الحجارة الصغار لأنه يستعملها في استجماره
مسألة : قال : وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء
ولا نعلم في هذا خلافا قال أبو عبد الله : ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا في سنة رسوله إنما عليه الوضوء وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ من استنجى من ريح فليس منا ] رواه الطبراني في معجمه الصغير وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إذا قمتم ولم يأمر بغيره فدل على أنه لا يجب ولأن الوجوب من الشرع ولم يرد بالاستنجاء ههنا نص ولا هو في معنى المنصوص عليه لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة ههنا
مسألة : قال : والاستنجاء لما خرج من السبيلين
هذا فيه إضمار وتقديره والاستنجاء واجب فحذف خبر الابتداء اختصارا وأراد ما خرج غير الريح لأنه قد بين حكمها وسواء كان الخارج معتادا كالبول والغائط أو نادرا كالحصا والدود والشعر رطبا أو يأبسا ولو احتقن فرجعت أجزاء خرجت من الفرج أو وطئ رجل امرأته دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج منه فعليهما الاستنجاء لأنه خارج من السبيل فأشبه الغائط المستحجر والقياس أن لا يجب من ناشق لا ينجس المحل للمعنى الذي ذكرنا في الريح وهو قول الشافعي وهكذا الحكم في الطاهر وهو المني إذا حكمنا بطهارته والقول بوجوب الاستنجاء في الجملة قول أكثر أهل العلم وحكي عن ابن سيرين فيمن صلى بقوم ولم يستنج لا أعلم به بأسا وهذا يحتمل أن يكون فيمن لم يلزمه الاستنجاء كمن لزمه الوضوء لنوم أو خروج ريح أو من ترك الاستنجاء ناسيا فيكون موافقا لقول الجماعة ويحتمل أنه لم ير وجوب الاستنجاء وهذا قول أبي حنيفة لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ] رواه أبو داود ولأنها نجاسة يكتفى فيها بالمسح فلم تجب إزالتها كيسير الدم
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إذا ذهب أحدكم إلى العائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه ] رواه أبو داود وقال : [ لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار ] رواه مسلم وفي لفظ ل مسلم : لقد نهانا أن نستنجي بدون ثلاثة أحجار فأمر والأمر يقتضي الوجوب وقال : : [ فإنها تجزئ عنه ] والاجزاء إنما يستعمل في الواجب ونهى عن الاقتصار على أقل من ثلاثة والنهي يقتضي التحريم وإذا حرم ترك بعض النجاسة فترك جميعها أولى وقال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار ] وأمر بالعدد في أخبار كثيرة وقوله : [ لا حرج ] يعني في ترك الوتر لا في ترك الاستجمار لأن المأمور به في الخبر الوتر فيعود نفي الحرج إليه وأما الاجتزاء بالمسح فيه فلمشقة الغسل لكثرة تكرره في محل الاستنجاء

فصل : وسيلة الاستنجاء
فصل : وهو مخير بين الاستنجاء بالماء أو الأحجار في قول أكثر أهل العلم وحكي عن سعد بن أبي وقاص وابن الزبير أنهما أنكرا الاستنجاء بالماء وقال سعيد بن المسيب : وهل يفعل ذلك إلا النساء ؟ وقال عطاء : غسل الدبر محدث وكان الحسن لا يستنجي بالماء وروي عن حذيفة القولان جميعا وكان ابن عمر لا يستنجي بالماء ثم فعله وقال ل نافع : جربناه فوجدناه صالحا وهو مذهب رافع بن خديج وهو الصحيح لما روى أنس قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي اداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء متفق عليه وعن عائشة أنها قالت : مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعله قال الترمذي : هذا حديث صحيح ورواه سعيد
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } قال : كانوا يستنجون بالماء فنزلت هذه الآية فيهم رواه أبو داود و ابن ماجة ولأنه يطهر المحل ويزيل النجاسة فجاز كما لو كانت النجاسة على محل آخر فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل لما روينا من الحديث ولأنه يطهر المحل ويزيل العين والأثر وهو أبلغ في التنظيف وإن اقتصر على الحجز أجزأه بغير خلاف بين أهل العلم لما ذكرنا من الأخبار ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم والأفضل أن يستجمر بالحجر ثم يتبعه الماء قال أحمد : إن جمعهما فهو أحب إلي لأن عائشة قالت : مرن أزواجكن إن يتبعن الحجارة الماء من أثر الغائط والبول فإني أستحييهم كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعله احتج به أحمد رواه سعيد ولأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تصيبها يده ثم يأتي بالماء فيطهر المحل فيكون أبلغ في التنظيف وأحسن

مسألة : وفصل : ما يجزئ الاستجمار به
مسألة : قال : فإن لم يعدوا مخرجهما أجزأه ثلاثة أحجار إذا أنقى بهن فإن أنقى بدون الثلاثة لم يجزه حتى يأتي بالعدد وإن لم ينق بالثلاثة زاد حتى ينقي
قوله يعدوا مخرجهما يعني الخارجين من السبيلين إذا لم يتجاوز محرجهما يقال عداك الشر أي تجاوزك والمراد والله أعلم إذالم يتجاوز المخرج بما لم تجر العادة به فإن اليسير لا يمكن التحرز منه والعادة جارية به فإذا كان كذلك فإنه يجزئه ثلاثة أحجار منقية ومعنى الانقاء إزالة عين النجاسة وبلتها بحيث يخرج الحجر نقيا وليس عليه أثر إلا شيئا يسيرا ويشترط الأمران جميعا : الانقاء وإكمال الثلاثة أيهما وجد دون صاحبه لم يكف وهذا مذهب الشافعي وجماعة وقال مالك و داود : الواجب الانقاء دون العدد لقوله عليه السلام : [ من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ]
ولنا : قول سلمان لقد نهانا النبي صلى الله عليه و سلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وما ذكرنا من الأحاديث وحديثهم قد أجنبا عنه فيما مضى
فصل : وإذا زاد على الثلاثة استحب أن لا يقطع إلا على وتر لقوله عليه السلام : [ من استجمر فليوتر ] متفق عليه فيستجمر خمسا أو سبعا أو تسعا أو ما زاد على ذلك فإن اقتصر على شفع منقية فيما زاد على الثلاثة جاز لقوله عليه السلام : [ ومن لا فلا حرج ]

فصل : كيفية الاستجمار
فصل : وكيفما حصل الانقاء في الاستجمار أجزأه وذكر القاضي أن المستحب أن يمر الحجر الأول من مقدم صفحته اليمنى إلى مؤخرها ثم يديره على اليسرى ثم يرجع به إلى الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى كذلك ثم يمر الثالث على المسربة والصفحتين لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أولا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة ؟ ] رواه الدار قطني وقال : إسناده حسن وينبغي أن يعم المحل بكل واحد من الأحجار لأنه إذا لم يعم به كان تلفيقا فيكون بمنزلة مسحة واحدة ولا يكون تكرارا ذكر هذا الشريف أبو جعفر و ابن عقيل وقالا معنى الحديث البداية بهذه المواضع ويحتمل أن يجزئه لكل جهة مسحة لظاهر الخبر والله أعلم
فصل : ويجزئه الاستجمار في النادر كما يجزئ في المعتاد ولأصحاب الشافعي وجه أنه لا يجزئ في النادر قال ابن عبد البر : ويحتمل أن يكون قول مالك - لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بغسل الذكر من المذي والأمر يقتضي الوجوب قال ابن عبد البر : واستدلوا بأن الآثار كلها على إختلاف ألفاظها وأسانيدها ليس فيها ذكر استنجاء إنما هو الغسل ولأن النادر لا يتكرر فلا يبقى اعتبار الماء فيه فوجب كغسل غير هذا المحل
ولنا : أن الخبر عام في الجميع وإن الاستجمار في النادر إنما وجب لما صحبه من بلة المعتاد ثم إن لم يشق فهو في محل المشقة فتعتبر مظنة المشقة دون حقيقتها كما جاز الاستجمار على نهر جار وأما المذي فمعتاد كثير وربما كان بعض الناس أكثر من البول قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كنت رجلا مذاء فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ ذاك ماء الفحل ولكل فحل ماء ] وقال سهل بن حنيف : كنت رجلا مذاء فكنت أكثر منه الاغتسال ولهذا أوجب مالك منه الوضوء وهو لا يوجبه من النادر فليس هو من مسألتنا ويجب غسل الذكر منه والانثيين في إحدى الروايتين تعبدا والأخرى أنه لا يجب وأمر صلى الله عليه و سلم بغسله للاستحباب قياسا على سائر ما يخرج والله أعلم
فصل : ولا يستجمر بيمينه لقول سلمان في حديثه أنه لينهانا أن يستنجي بيمينه رواه مسلم وروى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ] متفق عليه فإن كان يستنجي من غائط أخذ الحجر بشمالة فمسح به وإن كان يستنجي من البول وكان الحجر كبيرا أخذ ذكره بشماله فمسح به وإن كان صغيرا فأمكنه أن يضعه بين عقبيه أو بين أصابعه ويمسح ذكره عليه فعل وأن لم يمكنه أمسكه بيمينه ومسح بيساره لموضع الحاجة وقيل : يمسك بيمينه ويمسح بشماله ليكون المسح بغير اليمين والأول أولى لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه ] وإذا أمسك الحجر باليمين ومسح الذكر عليه لم يكن ماسحا باليمين ولا ممسكا للذكر بها وإن كان أقطع اليسرى أو بها مرض استجمر بيمينه للحاجة ولا يكره الاستعانة بها في الماء لأن الحاجة داعية إليه وإن استجمر بيمينه مع الغنى عنه أجزأه في قول أكثر أهل العلم وحكي عن بعض أهل الظاهر أنه لا يجزئه لأنه منهي عنه فلم يفد مقصوده كما لو استنجى بالروث والرمة فإن النهي يتناول الأمرين والفرق بينهما أن الروث آلة الاستجمار المباشرة للمحل وشرطه فلم يجز استعمال المنهي عنه فيها واليد ليست المباشرة للمحل ولا شرطا فيه إنما يتناول بها الحجر الملاقي للمحل فصار النهي عنها تأديب لا يمنع الاجزاء

فصل : طريقة الاستنجاء
فصل : ويبدأ الرجل في الاستنجاء بالقبل لئلا تتلوث يده إذا شرع في الدبر لأن قبله بارز تصيبه اليد إذا مدها إلى الدبر والمرأة مخيرة في البداية بأيهما شاءت لعدم ذلك فيها
ويستحب أن يمكث بعد البول قليلا ويضع يده على أصل الذكر من تحت الانثيين ثم يسلته إلى رأسه فينتر ذكره ثلاثا برفق قال أحمد : إذا توضأت فضع يدك في سفلتك ثم أسلت ماثم حتى ينزل ولا تجعل ذلك من همك ولا تلتفت إلى ظنك وقد روى يزداد الثماني قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات ] رواه أحمد وإذا استنجى بالماء ثم فرغ استحب له دلك يده بالأرض لما روي عن ميمونة إن النبي صلى الله عليه و سلم فعل ذلك رواه البخاري وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى حاجته ثم استنجى من تور ودلك يده بالأرض أخرجه ابن ماجة وإن استنجى عقب انقطاع البول جاز لأن الظاهر انقطاعه وقد قيل : إن الماء يقطع البول ولذلك سمي الاستنجاء انتقاص الماء
ويستحب أن ينضح على فرجه وسراويله ليزيل الوسواس عنه قال حنبل : سألت أحمد قلت : أتوضأ وأستبرئ وأجد في نفسي أني قد أحدثت بعده قال : إذا توضأت ثم خذ كفا من ماء فرشه على فرجك ولا تلتفت إليه فإنه يذهب إن شاء الله وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ جاءني جبريل فقال : يا محمد إذا توضأت فانتضح ] وهو حديث غريب

مسائل : تعريف الاستجمار ما يستجمر به أن يكون طاهرا ولا يجوز الاستجمار بالروث ولا بما له حرمة والحجر الكبير يجزئ عن ثلاثة
مسائل : قال : والخشب والخرق وكل ما أنقي به فهو كالأحجار
هذا الصحيح من المذهب وهو قول أكثر أهل العلم وفيه رواية أخرى لا يجزئ إلا الأحجار اختارها أبو بكر وهو مذهب دواد لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالأحجار وأمره يقتضي الوجوب ولأنه موضع رخصة ورد الشرع فيها بآلة مخصوصة فوجب الاقتصار عليها كالتراب في التيمم
ولنا ما روى أبو داود عن خزيمة قال [ سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن الاستطابة فقال : بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ] فلولا أنه أراد الحجر وما معناه لم يستثن منها الرجيع لأنه يحتاج إلى ذكره ولم يكن لتخصيص الرجيع بالذكر معنى وفي حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستجمر برجيع أو عظم رواه مسلم وتخصيص هذين بالنهي يدل على أنه أراد الحجارة وما قام مقامها ورى طاوس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ إذا أتى أحدكم فلينزه قبلة الله ولا يستقبلها ولا يستديرها وليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أو أعواد أو ثلاث حثيات من تراب ] رواه الدارقطني وقال : وقد روي عن ابن عباس مرفوعا والصحيح أنه مرسل ورواه سعيد في سننه موقوفا على طاوس ولأنه متى ورد النص بشيء لمعنى معقول وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى ههنا إزالة عين النجاسة وهذا يحصل بغير الأحجار كحصوله بها وبهذا يخرج التيمم فإنه غير معقول ولا بد أن يكون ما يستجمر به منقيا لأن الانقاء مشترط في الاستجمار فأما الزلج كالزجاج الرخو وشبههما مما لا ينقي فلا يجزئ لأنه لا يحصل منه المقصود ويشترط كونه طاهرا فإن كان نجسا لم يجزه وبهذا قال الشافعي : وقال أبو حنيفة يجزئه لأنه يجفف كالطاهر
ولنا : [ أن مسعود جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم بحجرين وروثه يستجمر بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا ركس ] رواه البخاري وفي لفظ رواه الترمذي : [ أنها ركس ] يعني نجسا وهذا تعليل من النبي صلى الله عليه و سلم يجب المصير إليه ولأنه إزالة النجاسة قد يحصل بالنجاسة كالغسل فإن استنجى بنجس احتمل أن لا يجزئه الاستجمار بعده لأن المحل تنجس بنجاسة من غير المخرج فلم يجزئ فيها غير الماء كما لو تنجس ابتداء ويحتمل أن يجزئه لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل فزالت بزوالها
مسألة : إلا الروث والعظام والطعام
وجملته أنه لا يجوز الاستجمار بالروث ولا العظام ولا يجزئ في قول أكثر أهل العلم وبهدا قال الثوري و الشافعي و إسحاق وأباح أبو حنيفة الاستنجاء بهما لأنهما يجففان النجاسة وينقيان المحل فهما كالحجر وأباح مالك الاستنجاء بالطاهر منهما وقد ذكرنا نهي النبي صلى الله عليه و سلم عنهما وروى مسلم عن ابن مسعود قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد اخوانكم من الجن ] وروى الدارقطني [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن نستنجي بروث أو عظم وقال : إنما لا يطهران ] وقال إسناد صحيح وروى أبو داود عنه عليه السلام [ أنه قال لرويفع بن ثابت : أخبر الناس أنه من استنجى برجيع أو عظم فهو بريء من دين محمد ] وهذا عام في الطاهر منها والنهي يقتضي الفساد وعدم الاجزاء فأما الطعام فتحريمه من طريق التنبيه لأن النبي صلى الله عليه و سلم علل النهي عن الروث والرمة في حديث ابن مسعود بكونه زاد إخواننا من الجن فزادنا مع عظم حرمته أولى فإن قيل : فقد نهى عن الاستنجاء باليمين كنهيه ههنا فلم يمنع ذلك الاجزاء ثم كذا ههنا قلنا : قد بين في الحديث أنهما لا يطهران ثم الفرق بينهما أن النهي ها هنا لمعنى في شرط الفعل فمنع صحته كالنهي عن الوضوء بالماء النجس وثم لمعنى في آلة الشرط فلم يمنع كالوضوء من إناء محرم
فصل : ولا يجوز الاستنجاء بما له حرمة كشيء كتب فيه فقه أو حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم لما فيه من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها فهو في الحرمة أعظم من الروث والرمة ولا يجوز بمتصل بحيوان كيده وعقبه وذنب بهيمة وصوفها المتصل بها قال بعض أصحابنا يجمع المستجمر به ست خصال أن يكون طاهرا جامدا منقيا غير مطعوم ولا حرمة له ولا متصفل بحيوان
مسألة : قال : والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام ثلاثة أحجار
وبهذا قال الشافعي و إسحاق و أبو ثور وعن أحمد رواية أخرى لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار وهو قول أبي بكر و ابن المنذر لقوله عليه السلام : [ لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار ولا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار ] ولأنه إذا استجمر بحجر تنجس فلا يجوز الاستجمار به ثانيا كالغصير
ولنا : أنه استجمر ثلاثا منقية بما وجدت فيه شروط فأجزأه كما لو فصله ثلاثة صغارا واستجمر بها إذ لا فرق بين الأصل والفرع إلا فصله ولا أثر لذلك في التطهير والحديث يقتضي ثلاث مسحات بحجر دون عين الأحجار كما يقال ضربته ثلاثة أسواط أي ثلاث ضربات بسوط وذلك لأن معناه معقول ومراده معلوم ولذلك لم نقتصر على لفظه في غير الأحجار بل أجزنا الخشب والخرق والمدر والمعنى من ثلاثة حاصل من ثلاث شعب أو مسحه ذكره في صخرة عظيمة بثلاثة مواضع منها أو في حائط أو أرض فلا معنى للجمود على اللفظ مع وجود ما يساويه من كل وجه وقولهم : ينجس قلنا : إنما ينجس ما أصاب النجاسة والاستجمار حاصل بغيره فأشبه ما لو تنجس جانبه بغير الاستجمار ولأنه لو استجمر به ثلاثة لحصل لكل واحد منهم مسحة وقام مقام ثلاثة أحجار فلكذلك إذا استجمر به الواحد ولو استجمر ثلاثة بثلاثة أحجار لكل حجر منها ثلاث شعب فاستجمر كل واحد منهم من كل حجر بشعبة أجزأهم ويحتمل على قول أبي بكر أن لا يجزئهم !

فصل : ويجوز الاستجمار بحجر مرة ثانية إذا غسل أو كسر
فصل : ولو استجمر بحجر ثم غسله أو كسر ما تنجس منه واستجمر به ثانيا ثم فعل ذلك واستجمر به ثالثا أجزأه لأنه حجر يجزئ غيره الاستجمار به فأجزأه كغيره ويحتمل على قول أبي بكر أن لا يجزئه محافظة على صورة اللفظ وهو بعيد

مسائل : وما عدا المخرج فلا يجزيء فيه الماء
مسائل : قال : وما عدا المخرج فلا يجزئ فيه إلا الماء
وبهذا قال الشافعي و إسحاق و ابن المنذر يعني إذا تجاوز المحل بما لم تجر به العادة مثل أن ينتشر إلى الصفحتين وامتد في الحشفة لم يجزه إلا الماء لأن الاستجمار في المحل المعتاد رخصة لأجل المشقة في غسله لتكرر النجاسة فيه فما لا تتكر النجاسة فيه لا يجزىء فيه إلا الغسل كساقه وفخذه ولذلك قال علي رضي الله عنه : إنكم كنتم تبعرون بعرا وأنتم اليوم تثلطون ثلطا فأتبعوا الماء الأحجار وقوله عليه السلام : [ يكفي أحدكم ثلاثة أحجار ] أراد ما لم يتجاوز محل العادة لما ذكرنا
فصل : والمرأة البكر كالرجل لأن عذرتها تمنع إنتشار البول فأما الثيب فإن خرج البول بحدة فلم ينتشر فكذلك وإن تعدى إلى مخرج الحيض فقال أصحابنا : يجب غسله لأن مخرج الحيض والولد غير مخرج البول ويحتمل أن لا يجب لأن هذا عادة في حقها فكفى فيه الاستجمار كالمعتاد في غيرها ولأن الغسل لو لزمها مع اعتياده لبينه النبي صلى الله عليه و سلم لأزواجه لكونه مما يحتاج إلى معرفته وإن شك في انتشار الخارج إلى ما يوجب الغسل لم يجب لأن الأصل عدمه والمستحب الغسل احتياطا
فصل : والاقلف إن كان مرتقا لا تخرج بشرته من قلفته فهو كالمختتن وإن كان يمكنه كشفها كشفها فإذا بال واستجمر أعادها فإن تنجست بالبول لزمه غسلها كما لو انتشر إلى الحشفة
فصل : وإن انسد المخرجد المعتاد وانفتح آخر لم يجزه الاستجمار فيه لأنه غير السبيل المعتاد وحكي عن بعض أصحابنا أنه يجزئه لأنه صار معتادا
ولنا أن هذا نادر بالنسبة إلى سائر الناس فلم تثبت فيه أحكام الفرج فإنه لا ينقض الوضوء مسه ولا يجب بالايلاج فيه حد ولا مهر ولا غسل ولا غير ذلك من الأحكام فأشبه سائر البدن

فصل : عدد الغسلات في الاستنجاء والماء يجزيء
فصل : ظاهر كلام أحمد أن محل الاستجمار بعد الانقاء طاهر فإن أحمد بن الحسين قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يبول فيستبرئ ويستجمر يعرق في سراويله ؟ قال : إذا استجمر ثلاثا فلا بأس وسأله رجل فقل : إذا استنجيت من الغائط يصيب ذلك الماء موضعا مني آخر فقال أحمد : قد جاء في الاستنجاء ثلاثة أحجار فاستنج أنت بثلاثة أحجار ثم لا تبالي ما أصابك من ذلك الماء قال : سألت أحمد عن رش الماء على الخف إذا لم يستجمر الرجل قال : أحب الي أن يغسله ثلاثا وهذا قول ابن حامد وظاهر قول المتأخرين من أصحابنا أنه نجس وهو قول الشافعي و أبي حنيفة فلوقعد المستجمر في ماء قليل نجسه ولو عرق كان عرقه نجسا لأنه مسح للنجاسة فلم يطهر به محلها كسائر المسح
ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تستنجوا بروث ولا عظم فإنهما لا يطهران ] فمفهومه أن غيرهما يطهر ولأن الصحابة رضي الله عنهم كان الغالب عليهم الاستجمار حتى إن جماعة منهم أنكروا الاستنجاء بالماء وسماه بعضهم بدعة وبلادهم حارة والظاهر أنهم لا يسلمون من العرق فلم ينقل عنهم توقي ذلك ولا الاحتراز منه ولا ذكر ذلك أصلا وقد نقل عن ابن عمر أنه بال بالمزدلفة فأدخل يده فنضح ففرجه من تحت ثيابه وإبراهيم النخعي نحو ذلك ولو أنهما اعتقدا طهارته ما فعلا ذلك
فصل : إذا استنجى بالماء لم يحتج إلى تراب قال أحمد : يجزئه الماء وحده ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه استعمل التراب مع الماء في الاستنجاء ولا أمر به ن فأما عدد الغسلات فقد اختلف عن أحمد فيها فقال : في رواية ابنه صالح أقل ما يجزئه من الماء سبع مرات وقال : في رواية محمد بن الحكم ولكن المقعدة يجزئ أن تمسح بثلاثة أحجار أو يغسله ثلاث مرات ولا يجزئ عندي إذا كان في الجسد أن يغسله ثلاث مرات وذلك لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يغسل مقعدته ثلاثا رواه ابن ماجة وقال أبو داود : سئل أحمد عن حد الاستنجاء بالماء فقال : ينقي وظاهر أنه لا عدد فيه إنما الواجب الانقاء وهذا أصح لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك عدد ولا أمر به ولا بد من الانقاء على الروايات كلها وهو أن يذهب لزوجة النجاسة وآثارها

فصول في آداب التخلي الاستنجاء
فصل : ولا يجوز استقبال القبلة في القضاء لقضاء الحاجة
فصول في آداب التخلي
لا يجوز استقبال القبلة في الفضاء لقضاء الحاجة في قول أكثر أهل العلم لما روى أبو أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره ولكن شرقوا أو غربوا ] قال أبو أيوب : فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله عز و جل متفق عليه ول مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ] وقال عروة بن ربيعة و أبو داود يجوز استقبالها لما روى جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب وهذا دليل على النسخ فيجب تقديمه
ولنا : أحاديث النهي وهي صحيحة وحديث جابر يحتمل أنه رآه في البنيان أو مستترا بشيء ولا يثبت النسخ بالاحتمال ويتعين حمله على ما ذكرنا ليكون موافقا للأحاديث التي نذكرها فأما في البنيان أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء يستره ففيه روايتان إحداهما لا يجوز أيضا وهو قول الثوري و أبي حنيفة لعموم الأحاديث في النهي والثانية يجوز استقبالها واستدبارها في البنيان روي ذلك عن العباس وابن عمر رضي الله عنهما وبه قال مالك : و الشافعي و ابن المنذر وهو الصحيح لحديث جابر وقد حملناه على أنه كان في البنيان وروت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر له أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أوقد فعلوها ؟ استقبلوا بمقعدتي القبلة ] رواه أصحاب السنن وأكثر أصحاب المسانيد منهم أبو داود و الطيالسي رواه عن خالد بن الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة قال أبو عبد الله أحسن ما روي في الرخصة حديث عائشة وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن قال أحمد : عراك لم يسمع من عائشة فلذلك سماه مرسلا وهذا كله في البنيان وهو خاص يقدم على العام وعن مروان بن الأصفر قال : رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها فقلت : يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ؟ قال : بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس رواه أبو داود وهذا تفسير لنهي رسول الله صلى الله عليه و سلم العام وفيه جميع بين الأحاديث فيتعين المصير إليه وعن أحمد أنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعا لما روى ابن عمر قال : رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة متفق عليه

فصل : ويكره أن يستقبل الشمس والقمر
فصل : ويكره أن يستقبل الشمس والقمر بفرجه لما فيهما من نور الله تعالى فإن استتر عنهما بشيء فلا بأس لأنه لو استتر عن القبلة جاز فههنا أولى ويكره أن يستقبل الريح لئلا ترد عليه رشاش البول فينجسه

فصل : ويستحب أن يستتر عن الناس
فصل : ويستحب أن يستتر عن الناس فإن وجد حائطا أو كثيبا أو شجرة أو بعيرا استتر به وإن لم يجد شيئا أبعد حتى لا يراه لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من الرمل فليستدبره ] وروي عنه عليه السلام [ أنه خرج معه درقة ثم استتر بها ثم بال ] وعن جابر قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم [ إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد ] والبراز الموضع البارز سمي قضاء الحاجة به لأنها تقضى فيه وعن المغيرة بن شعبة قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا ذهب أبعد روى أحاديث هذا الفصل كلها أبو داود و ابن ماجة وقال عبدالله بن جعفر : كان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه و سلم لحاجته هدف أو حائش نخل رواه ابن ماجة

فصل : وأن يرتاد لبوله موضعا رخوا
فصل : ويستحب أن يرتاد لبوله موضعا رخوا لئلا يترشش عليه قال أبو موسى : كتت مع النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم فأراد فأتى دمثا في أصل حائط قبال ثم قال : [ إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله ] رواه الإمام أحمد
ويستحب أن يبول قاعدا لئلا يترشش عليه قال ابن مسعود من الجفاء أن تبول وأنت قائم وكان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائما قالت عائشة من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا قال الترمذي : هذا أصح شيء في الباب وقد رويت الرخصة فيه عن عمر وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن سعد وأنس وأبي هريرة وعروة وروى حذيفة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى سباطة قوم فبال قائما ] رواه البخاري وغيره ولعل النبي صلى الله عليه و سلم فعل ذلك لتبيين الجواز ولم يفعله إلا مرة واحدة ويحتمل أنه كان في موضع لا يتمكن من الجلوس فيه وقيل : فعل ذلك لعلة كانت بمأبضه - والمأبض ما تحت الركبة من كل حيوان

فصل : وأن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض
فصل : ويستحب أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لما روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ولأن ذلك استر له فيكون أولى

فصل : وأن لا يبول في طريق الناس ولا مورد ماء
فصل : ولا يجوز أن يبول في طريق الناس ولا مورد ماء ولا ظل ينتفع به الناس لما روى معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ اتقوا الملاعن الثلاثة - البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل ] رواه أبو داود وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ اتقو اللاعنين : قالوا : وما الاعنان يا سول الله ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم ] أخرجه مسلم و المورد طريق
ولا يبول تحت شجرة مثمرة في حال كون الثمرة عليها لئلا تسقط الثمرة فتنجس به فأما في غير حال الثمرة فلا بأس فإن النبي صلى الله عليه و سلم كان أحب ما استتر به إليه لحاجته هدف أو حائش نخل ولا بيول في الماء الدائم لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن البول في الماء الراكد متفق عليه ولأن الماء إن كان قليلا تنجس به وإن كان كثيرا فربما تغير بتكرار البول فيه فأما الجاري فلا يجوز التغوط فيه لأنه يؤذي من يمر به وإن بال فيه وهو كثير لا يؤثر فيه البول فلا بأس لأن تخصيص النبي صلى الله عليه و سلم الراكد بالنهي عن البول فيه دليل على أن الجاري بخلافه ولا يبول على ما نهي عن الاستجمار به لأن هذا أبلغ من الاستجمار به فالنهي ثم تنبيه على تحريم البول عليه ويكره على أن يبول في شق أو ثقب لما روى عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يبال في الحجر رواه أبو داود لأن عبد الله بن المغفل قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يبولن أحدكم في مستحمه ] ولأنه لا يأمن أن يكون فيه حيوان يلسعه أو يكون مسكنا للجن فيتأذى بهم فقد حكي أن سعد بن عبادة بال في حجر بالشام ثم استلقى ميتا فسمعت الجن تقول :
( نحن قتلنا سيد الخزرج ... سعد بن عبادة )
( ورميناه بسهمين ... فلم نخطئ فؤاده )
ولا يبول في مستحمه فإن عامة الوسواس منه رواه أبو داود و ابن ماجة وقال : سمعت علي بن محمد الطنافسي يقول : إنما هذا في الحفيرة فأما اليوم فمغتسلاتهم الجص والصاروج والقير فإذا بال وأرسل عليه الماء فلا بأس به وقد قيل : إن البصاق على البول يورث الوسواس وإن البول على النار يورث السقم وتوقي ذلك كله أولى ويكره أن يتوضأ على موضع بوله أو يستنجي عليه لئلا يتنجس به

فصل : ويستحب أن يقعد في حال جلوسه على رجله اليسرى
فصل : ويعتمد في حال جلوسه على رجله اليسرى لما روى سراقة بن مالك قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتوكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى رواه الطبراني في المعجم ولأنه أسهل لخروج الخارج ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة لأن ذلك يضره وقد قيل : أنه يورث الباسور وقيل إنه يدمي الكبد وربما آذى من ينتظره
ويستحب أن يغطي رأسه لأن ذلك يروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولأنه حال كشف العورة فيستنجي فيها ويلبس حذاءه لئلا تتنجس رجلاه ولا يذكر الله تعالى على حاجته إلا بقلبه وكره ذلك ابن عباس وعطاء وعكرمة وقال ابن سيرين في هذا الحال فذكر الله أولى فإذا عطس حمد الله بقلبه ولم يتكلم وقال ابن عقيل : فيه رواية أخرى أن يحمد الله بلسانه والأولى لما ذكرناه فإنه لم يرد السلام الواجب فلم ليس بواجب أولى ولا يسلم ولا يرد على مسلم لما روى ابن عمر أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه و سلم وهو يبول فسلم فلم يرد عليه السلام قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وعن جابر أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه و سلم وهو يبول فسلم عليه فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك ] رواه ابن ماجة ولا يتكلم لما روى أبو سعيد قال : [ سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان فان الله يمقت ذلك ] رواه أبو داود

فصل : وإن لا يدخل الخلاء معه شيء من ذكر الله إلا إذا احترز عليه من السقوط
فصل : إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى أستحب وضعه وقال أنس بن مالك : كان وسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه رواه ابن ماجة و أبو داود وقال : هذا حديث منكر وقيل : إنما كان النبي صلى الله عليه و سلم يضعه لأن فيه محمد رسول الله ثلاثة أسطر فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى واحترز عليه من السقوط أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه فلا بأس قال أحمد : الخاتم إذا كان فيه إسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء وقال عكرمة : قلبه هكذا في باطن كفك فاقبض عليه وبه قال إسحاق ورخص فيه ابن المسيب والحسن و ابن سيرين وقال أحمد : في الرجل يدخل الخلاء معه الدارهم أرجو أن لا يكون به بأس

فصل : ويستحب تقديم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج
فصل : ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج ويقول عند دخوله : بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم قال أحمد يقول إذا دخل الخلاء : أعوذ بالله من الخبث والخبائث وما دخلت قط المتوضأ ولم أقلها إلا أصابني ما أكره وعن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل الخلاء قال : [ اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ] متفق عليه وعن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله ] وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ] رواهما ابن ماجة قال أبو عبيد : الخبث بسكون الباء الشر والخبائث الشياطين وقيل : الخبث بضم الباء والخبائث ذكران الشياطين وإناثهم فإذا خرج من الخلاء قال : غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وروى أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج من الخلاء قال : [ غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ] أخرجه ابن ماجة وقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خرج من الخلاء قال : [ غفرانك ] قال الترمذي : هذا حديث حسن

فصل : ولا بأس أن يبول في إناء
فصل : ولا بأس أن يبول في الإناء قالت أميمة بنت رقيقة : كان للنبي صلى الله عليه و سلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجة

باب ما ينقض الطهارة
مسألة : انتفاض الوضوء بالخارج من السبيلين
مسألة : قال : أبو القاسم : والذي ينقض الطهارة ما خرج من قبل أو دبر
وجملة ذلك أن الخارج من السبيلين على ضربين - معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح فهذا ينقض الوضوء إجماعا قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقبل المرأة وخروج المذي وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة ويوجب الوضوء ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامة أهل العلم إلا في قول ربيعة
الضرب الثاني : نادر كالدم والدود والحصا والشعر فينقض الوضوء أيضا وبهذا قال الثوري و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي وكان عطاء والحسن وأبو مجلز والحكم وحماد والأوزاعي وابن المبارك يرون الوضوء من الدود يخرج من الدبر ولم يوجب مالك الوضوء من هذا الضرب لأنه نادر أشبه الخارج من غير السبيل
ولنا : أنه خارج من السبيل أشبه المذي ولأنه لا يخلو من بلة تتعلق به فينتقض به فينتقض الوضوء بها وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ودمها غير معتاد

فصل : خروج الريح من الذكر وقبل المرأة ولو احتشى قطنا
فصل : وقد نقل صالح عن أبيه في المرأة يخرج من فرجها الريح : ما خرج من السبيلين ففيه الوضوء وقال القاضي : خروج الريح من الذكر وقبل المرأة ينقض الوضوء وقال ابن عقيل : يحتمل أن يكون الأشبه بمذهبنا في الريح يخرج من الذكر أن لا ينقض لأن المثانة ليس لها منفذ إلى الجوف ولا جعلها أصحابنا جوفا ولم يبطلوا الصوم بالحقنة فيه ولا نعلم لهذا وجودا ولا نعلم وجود في حق أحد وقد قيل : إنه يعلم وجوده بأن يحس الإنسان في ذكر دبيبا وهذا لا يصح فإن هذا لا يحصل به اليقين والطهارة لا تنتقض بالشك فإن قدر وجود ذلك يقينا نقض الطهارة لأنه خارج من أحد السبيلين فنقض قياسا على سائر الخوارج
فصل : وإن قطر في إحليله دهنا ثم عاد فخرج نقض الوضوء لأنه خارج من السبيل ولا يخلو من بلة نجسة تصحبه فينتقض بها الوضوء كما لو خرجت منفردة ولو احتشى قطنا في ذكره ثم خرج وعليه بلل نقض الوضوء لأنه خرج منفردا لنقض فكذلك إذا خرج مع غيره فإن خرج ناشفا ففيه وجهان أحدهما ينقض لأنه خارج من السبيل فأشبه سائر الخوارج والثاني لا ينقض لانه ليس بين المثانة والجوف منفذ فلا يكون خارجا من الجوف ولو احتقن في دبره فرجعت أجزاء خرجت من الفرج نقضت الوضوء وهكذا لو وطيء امرأته دون الفرج فدب ماؤه فدخل الفرج ثم خرج نقض الوضوء وعليهما الاستنجاء لأنه خارج من السبيل لا يخلو من بلة تصحبه من الفرج فإن لم يعلما خروج شيء مه احتمل وجهين أحدهما النقض فيهما لأن الغالب أنه لا ينفك عن الخروج فنقض كالنوم والثاني لا ينقض لأن الطهارة متيقنة فلا تزول عنها بالشك لكن إن كان المحتقن قد أدخل رأس الزراقة ثم أخرحه نقض الوضوء : وكذلك لو أدخل فيه ميلا أو غيره ثم خرج نقض الوضوء لأنه خارج من السبيل فنقض كسائر الخارج

فصل : تعريف المذي وحكمه
فصل : قال أبو الحارث : سالت أحمد عن رجل به علة ربما ظهرت مقعتدته قال : إن علم أنه يظهر معها ندى توضأ وإن لم يعلم فلا شيء عليه ويحتمل أن أحمد إنما أراد ندى ينفصل عنها لأنه خارج من الفرج متصل فنقض كالخارج على الحصا فأما الرطوبة اللازمة لها فلا تنقض لأنها لا تنفك عن رطوبة فلو نقضت لنقض خروجها على كل حال ولأنه شيء لم ينفصل عنها فلم ينقض كسائر أجزائها وقد قالوا فيمن أخرج لسانه وعليه بلل ثم أدخله وابتلع ذلك البلل أنه لا يفطر لأنه لم يثبت له حكم الانفصال والله أعلم
فصل : قد ذكرنا أن المذي ينقض الوضوء وهو ما يخرج زلجا مسببا عند الشهوة فيكون على رأس الذكر واختلفت الرواية في حكمه فروي أنه يوجب الوضوء وغسل الذكر والانثيين لما روى أن عليا رضي الله عنه قال : كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم لمكان إبنته فإمرت المقداد بن الأسود فساله فقل : [ يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ ] رواه أبو داود وفي لفظ : [ يغسل ذكره ويتوضأ ] متفق عليه وفي لفظ : [ توضأ وانضح فرجك ] والأمر يقتضي الوجوب ولأنه خارج بسبب الشهوة فأوجب غسلا زائدا على موحب البول كالمني فعلى هذا يجزئه غسلة واحدة لأن المأمور به غسل مطلق فيوجب ما يقع عليه إسم الغسل وقد ثبت في قوله في اللفظ الآخر : [ وانضح فرجك ] وسواء غسله قبل الوضوء أو بعده لأنه غسل غير مرتبط بالوضوء فلم يترتب عليه كغسل النجاسة والرواية الثانية لا يجب أكثر من الاستنجاء والوضوء روي ذلك عن ابن عباس وهو قول أكثر اهل العلم وظاهر كلام الخرقي لما روى سهل بن حنيف قال : كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر من الاغتسال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ إنما يجزئك من ذلك الوضوء ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ولأنه خارج لا يوجب الاغتسال أشبه الودي والأمر بالنضح وغسل الذكر والانثيين محمول على الاستحباب لأنه يحتمله وقوله : [ إنما يجزئك من ذلك الوضوء ] صريح في حصول الاجزاء بالوضوء فيجب تقديمه فأما الودي فهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول كدرا فيس فيه وفي بقيه الخوارج إلا الوضوء وروى الأثرم بإسناده عن ابن عباس قال : المني والودي والمذي أما المني ففيه الغسل وأما المذي والودي ففيهما إسباغ الوضوء

مسألة : انتقاض الوضوء بالخارج النجس من غير السبيلين
مسألة : قال وخروج البول والغائط من غير مخرجهما
ولا تختلف الرواية أن الغائط والبول ينتقض الوضوء بخروجهما من السبيلين ومن غيرهما ويستوي قليلهما وكثيرهما سواء كان السبيلان منسدين أو مفتوحين من فوق المعدة أو من تحتها وقال أصحاب الشافعي : إن انسد المخرج وانفتح آخر دون المعدة لزم الوضوء بالخارج منه قولا واحدا وإن انفتح المعدة ففيه قولان أحدهما ينقض الوضوء والثاني لا ينقضه وإن كان المعتاد باقيا فالمشهور أنه لا ينتقض الوضوء بالخارج من غيره وبناء على أصله في أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض
ولنا عموم قوله تعالى : { أو جاء أحد منكم من الغائط } وقول صفوان بن عسال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كنا مسافرين أو - سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وحقيقة الغائط المكان المطمئن سمي الخارج به لمجاورته إياه فإن المتبرز يتحراه لحاجته كما سمي عذرة وهي في الحقيقة فناء الدار لأنه كان يطرح بالأفنية فسمي بها للمجاورة وهذا من الاسماء العرفية التي صار المجاز فيها أشهر من الحقيقة وعند الإطلاق يفهم منه المجاز ويحمل عليه الكلام لشهرته ولأن الخارج غائط وبول فنقض كما لو خرج من السبيل

مسألة : انتقاض الوضوء بزوال العقل
مسألة : قال : وزوال العقل إلا أن يكون بنوم يسير جالسا أو قائما
وزوال العقل على ضربين نوم وغيره النوم وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعا قال ابن المنذر : أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه ولأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم بدليل أنهم لاينتبهون بالانتباه ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه
الضرب الثاني : النوم وهو ناقض للوضوء في الجملة في قول عامة أهل العلم إلا ما حكي عن أبي موسى الأشعري و أبي مجلز و حميد الأعرج أنه لا ينقض وعن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء ولعلهم ذهبوا إلى أن النوم ليس بحدث في نفسه والحدث مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك
ولنا قول صفوان بن عسال : لكن من غائط وبول ونوم وقد ذكرنا أنه صحيح وروى علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ ] رواه أبو داود و ابن ماجة ولأن النوم مظنة الحدث فأقيم مقامه كالتقاء الختانين في وجوب الغسل أقيم مقام الإنزال

فصلان : انتقاض الوضوء بالنوم : نوم القائم المضطجع القاعد والمحتبى
فصل : والنوم ينقسم ثلاثة أقسام نوم المضطجع فينقض الوضوء يسيره وكثيره في قول كل من يقول بنقضه بالنوم الثاني نوم القاعد إن كان كثيرا نقض رواية وإن كان يسيرا لم ينقض وهذا قول حماد و الحكم و مالك و الثوري وأصحاب الرأي وقال الشافعي : لا ينقض وإن كثر إذا كان القاعد متمكنا مفضيا بمحل الحدث إلى الأرض لما روى أنس قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وفي لفظ قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون وهذا إشارة إلى جميعهم وبه يتخصص عموم الحديثين الأولين ولأنه متحفظ عن خروج الحدث فلم ينقض وضوءه كما لو كان نومه يسيرا
ولنا عموم الحديثين الأولين وإنما خصصناهما في اليسير لحديث أنس وليس فيه بيان كثرة ولا قلة فإن النائم يخفق رأسه من يسير النوم فهو يقين في اليسير فيعمل به وما زاد عليه فهو محتمل لا يترك له العموم المتيقن ولأن نقض الوضوء بالنوم يعلل بإفضائه إلى الحدث ومع الكثرة والغلبة يفضي إليه ولا يحس بخروجه منه بخلاف اليسير ولا يصح قياس الكثير على اليسير لاختلافهما في الافضاء إلى الحدث
الثالث : ما عدا هاتين الحالتين وهو نوم القائم والراكع والساجد فروي عن أحمد في جميع ذلك روايتان إحداهما ينقض وهو قول الشافعي لأنه يرد في تخصيصه من عموم النقض نص ولا هو في معنى المنصوص لكون القاعد متحفظا لاعتماده بمحل الحدث إلى الأرض والراكع والساجد ينفرج محل الحدث منهما والثانية لا ينقض إلا إذا كثر وذهب أبو حنيفة إلى أن النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض وإن كثر لما روى ابن عباس [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسجد وينام ثم يقوم فيصلي فقلت له : صليت ولم تتوضأ وقد نمت فقال : إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ] رواه أبو داود ولأ ه حال من أحوال الصلاة فأشبهت حال الجلوس والظاهر عن أحمد التسوية بين القيام والجلوس لأنهما يشتبهان في الانخفاض واجتماع المخرج وربما كان القائم أبعد من الحدث لعدم التمكن من الاستثقال في النوم فإنه لو استثقل لسقط والظاهر عنه في الساجد التسوية بينه وبين المضطجع لأنه ينفرج محل الحدث ويعتمد بأعضائه على الأرض ويتهيأ لخروج الخارج فأشبه المضطجع والحديث الذي ذكروه منكر قاله أبو داود وقال ابن المنذر : لا يثبت وهو مرسل يرويه قتادة عن أبي العالية قال شعبة : لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها
فصل : واختلفت الرواية عن أحمد في القاعد المستند والمحتبي فعنه لا ينقض يسيره قال أبو داود : سمعت أحمد قيل له : الوضوء من النوم قال : إذا طال قيل : فالمحتبي قال : يتوضأ : قيل : المتكئ قال : الأتكاء شديد والمتساند كأنه أشد - يعني من الاحتباء - ورأى منها كلها الوضوء إلا أن يغفو - يعني قليلا - وعنه ينقض يعني بكل حال لأنه معتمد على شيء فهو كالمضطجع والأولى أنه متى كان معتمدا بمحل الحدث على الأرض أن لا ينقض منه إلا الكثير لأن دليل النقض في القاعد لا تفريق فيه فيسوى بين أحواله

فصلان : تحديد النوم الناقض للوضوء ومن لم يغلب النوم على عقله فلا وضوء عليه وأن شك
فصل : واختلف أصحابنا في تحديد الكثير من النوم الذي ينقض الوضوء فقال القاضي : ليس للقليل حد يرجع إليه وهو على ما جرت به العادة وقيل : حد الكثير ما يتغير به النائم عن هيئته مثل أن يسقط على الأرض ومنها أن يرى حلما والصحيح أنه لا حد له لأن التحديد إنما يعرف بتوقيف ولا توقيف في هذا فمتى وجدنا ما يدل على الكثرة مثل سقوط المتمكن وغيره انتقض وضوؤه وإن شك في كثرته لم ينتقض وضوؤه لأن الطهارة متيقنة فلا تزول بالشك
فصل : ومن لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه لأن النوم الغلبة على العقل قال بعض أهل اللغة في قوله تعالى : { لا تأخذه سنة ولا نوم } السنة ابتداء النعاس في الرأس فإذا وصل إلى القلب صار نوما قال الشاعر :
( وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم )
ولأن الناقض زوال العقل ومتى كان العقل ثابتا وحسه غير زائل مثل من يسمع ما يقال عنده ويفهمه فلم يوجد سبب النقض في حقه وإن شك هل نام أم لا خطر بباله شيء لا يدري أرؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه

مسألة : انتقاض الوضوء بالردة عن الإسلام
مسألة : قال : والارتداد عن الإسلام
وجملة ذلك أن الردة تنقض الوضوء وتبطل التيمم وهذا قول الأوزاعي و أبي ثور وهي الاتيان بما يخرج به عن الإسلام إما نطقا أو اعتقادا أو شكا ينقل عن الإسلام فمتى عاود إسلامه ورجع إلى دين الحق فليس له الصلاة حتى يتوضأ وإن كان متوضئا قبل ردته وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي : لا يبطل الوضوء بذلك ول الشافعي في بطلان التيمم به قولان لقول الله تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } فشرط الموت ولأنها طهارة فلا تبطل بالردة كالغسل من الجنابة
ولنا : قوله تعالى : { لئن أشركت ليحبطن عملك } والطهارة عمل وهي باقية حكما تبطل بمبطلاتها فيجب أن تحبط بالشرك ولأنها عبادة يفسدها الحدث فأفسدها الشرك كالصلاة والتيمم ولأن الردة حدث بدليل قول ابن عباس : الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج وأشدهما حدث اللسان وإذا أحدث لم تقبل صلاته بغير وضوء لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ] متفق عليه وما ذكروه تمسك بدليل الخطاب والمنطوق مقدم عليه ولأنه شرط الموت لجميع المذكور في الآية وهو حبوط العمل والخلود في النار وأما غسل الجنابة فلا يتصور فيه الإبطال وإنما يجب الغسل بسبب جديد يوجبه وهنا يجب الغسل أيضا عند من أوجب على من أسلم الغسل

فصلان : ولا ينتقض بالغيبة ونحوها ولا بالقهقهة
فصل : ولا ينقض الوضوء ما عدا الردة من الكلام من الكذب والغيبة والرفث والقذف وغيرها نص عليه أحمد وقال ابن المنذر : أجمع من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أن القذف وقول الزور والكذب والغيبة لا توجب الطهارة ولا تنقض وضوءا وقد روينا عن غير واحد من الأوائل أنهم أمروا بالوضوء من الكلام الخبيث وذلك استحباب عندنا ممن أمر به ولا نعلم حجة توجب وضوءا في شيء من الكلام وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ] ولم يأمر في ذلك بوضوء
فصل : وليس في القهقهة وضوء روى ذلك عن عروة و عطاء و الزهري و مالك و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وقال أصحاب الرأي : يجب الوضوء من القهقهة داخل الصلاة دون خارجها وروي ذلك عن الحسن و النخعي و الثوري لما روى أبو العالية أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي فجاء ضرير فتردى في بئر فضحك طوائف فأمر النبي صلى الله عليه و سلم الذين ضحكوا أن يعيدوا الوضوء والصلاة وروي من غير طريق أبي العالية بأسانيد ضعاف وحاصله يرجع إلى أبي العالية كذلك قال عبد الرحمن بن مهدي و الإمام أحمد و الدارقطني
ولنا : أنه معنى لا يبطل الوضوء خارج فلم يبطله داخلها كالكلام وأنه ليس بحدث ولا يفضي إليه فأشبه سائر ما لا يبطل ولأن الوجوب من الشارع ولم يصف عن الشارع في هذا إيجاب للوضوء ولا في شيء يقاس هذا عليه ما رووه مرسل لا يثبت وقد قال ابن سيرين : لا تأخذوا بمراسيل الحسن و أبي العالية فإنهما لا يباليان عمن أخذا والمخالف في هذا المسألة يرد الأخبار الصحيحة لمخالفتها الأصول فكيف يخالفها ههنا بهذا الخبر الضعيف عند أهل المعرفة

مسألة وفصول : انتقاض الوضوء بمس الفرج
مسألة : قال : ومس الفرج
الفرج اسم لمخرج الحدث ويتناول الذكر والدبر وقبل المرأة وفي نقض الوضوء بجميع ذلك خلاف في المذهب وغيره فنذكره إن شاء الله مفصلا ونبدأ بالكلام في مس الذكر فإنه آكدها فعن أحمد فيه روايتان إحداهما ينقض الوضوء وهو مذهب ابن عمر وسعيد بن المسيب و عطاء و أبان بن عثمان و عروة و سلمان بن يسار و الزهري و الأوزاعي و الشافعي وهو المشهور عن مالك وقد روي أيضا عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن سيرين وأبي العالية والرواية الثانية لا وضوء فيه روي ذلك عن علي وعمار وابن مسعود وحذيفة وعمران بن حصين وأبي الدرداء وبه قال ربيعة و الثوري و ابن المنذر وأصحاب الرأي لما روى قيس بن طلق عن أبيه قال : [ قدمنا على نبي الله صلى الله عليه و سلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال : يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ ؟ فقال : وهل هو إلا بضعة منك - أو مضغة منك ] رواه أبو داود و النسائي و الترمذي و ابن ماجة ولأنه عضو منه فكان كسائره ووجه الرواية الأولى ما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من مس ذكره فليتوضأ ] وعن جابر مثل ذلك وعن أم حبيبة وأبي أيوب قالا : سمعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول [ من مسه فرجه فليتوضأ ] وفي الباب عن أبي هريرة رواهن ابن ماجة وقال أحمد : حديث بسرة وحديث أم حبيبة صحيحان وقال الترمذي : حديث بسرة حسن صحيح وقال البخاري أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة وقال أبو زرعة حديث أم حبيبة أيضا صحيح وقد روي عن بضعة عشر من الصحابة فأما خبر قيس فقال أبو زرعة وأبو حاتم : قيس ممن لا تقوم بروايته حجة إن حديثنا متأخر لأن أبا هريرة قد رواه وهو متأخر الإسلام صحب النبي صلى الله عليه و سلم أربع سنين وكان قدوم طلق على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يوسسون المسجد أول زمن الهجرة فيكون حديثنا ناسخا له وقياس الذكر على سائر البدن لا يستقيم لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد من المهر وغير ذلك
فصل : فعلى رواية النقض لا فرق بين العامد وغيره وبه قال الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبو أيوب و أبو خيثمة لعموم الخبر وعن أحمد لا ينتقض الوضوء إلا بمسه قاصدا مسه قال أحمد بن الحسين : قيل ل أحمد : الوضوء من مس الذكر : فقال هكذا وقبض على يده إذا قبض عليه وهذا قول مكحول وطاوس وسعيد بن جبير وحميد الطويل قالوا : إن مسه يريد وضوءا وإلا فلا شيء عليه لأنه لمس فلا ينقض الوضوء من غير قصد كلمس النساء
فصل : ولا فرق بين بطن الكف وظهره وهذا قول عطاء و الأوزاعي وقال مالك و الليث و الشافعي و إسحاق لا ينقض مسه إلا بباطن كفه لأن ظاهر الكف ليس بآلة اللمس فأشبه ما لو مسه بفخذه وأحتج أحمد بحديث النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس بينهما سترة فليتوضأ ] وفي لفظ : [ إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء ] رواه الشافعي في مسنده وظاهر كفه من يده والافضاء اللمس من غير حائل ولأنه جزء من يده تتعلق به الأحكام المعلقة على مطلق اليد فأشبه باطن الكف
فصل : ولا ينقض مسه بذراعه وعن أحمد أنه ينقض لأنه من يده وهو قول عطاء و الأوزاعي والصحيح الأول لأن الحكم المعلق على مطلق اليد في الشرع لا يتجاوز الكوع بدليل قطع السارق وغسل اليد من نوم الليل والمسح في التيمم وإنما وجب غسله في الوضوء لأنه قيده بالمرافق ولأنه ليس بآلة للمس أشبه العضد وكونه من يده يبطل بالعضد فإنه لا خلاف بين العلماء فيه
فصل : ولا فرق بين ذكره وذكر غيره وقال داود لا ينقض مس ذكر غيره لأنه لا نص فيه والأخبار إنما وردت في ذكر نفسه فيقتصر عليه ولنا أن مس ذكر غيره معصية وأدعى إلى الشهوة وخروج الخارج وحاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكره نفسه فإذا انتقض بمس نفسه فبمس ذكر غيره أولى وهذا تنبيه يقدم على الدليل وفي بعض ألفاظ خبر بسرة : [ من مس الذكر فليتوضأ ]
فصل : ولا فرق بين ذكر الصغير والكبير وبه قال عطاء و الشافعي و أبو ثور وعن الزهري و الأوزاعي لا وضوء على من مس ذكر الصغير لأنه يجوز مسه والنظر إليه وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قبل زبيبة الحسن وروي وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم مس زبيبة الحسن ولم يتوضأ ولنا عموم قوله : [ من مس الذكر فليتوضأ ] ولأنه ذكر آدمي متصل به أشبه الكبير والخبر ليس بثابت ثم إن نقض اللمس لا يلزم منه كون القبلة ناقضة ثم ليس فيه أنه صلى ولم يتوضأ فيحتمل أنه لم يتوضأ في مجلسه وجواز اللمس والنظر يبطل بذكر نفسه
فصل : وفرج الميت كفرج الحي لبقاء الاسم والحرمة لاتصاله بجملة الآدمي وهو قول الشافعي و قال إسحاق : لا وضوء عليه وفي الذكر المقطوع وجهان أحدهما ينقض لبقاء اسم الذكر والآخر لا ينقض لذهاب الحرمة وعدم الشهوة بمسه فأشبه ثيل الجمل ولو مس القلفة التي تقطع في الختان قبل قطعها انتقض وضوؤه لأنها من جلدة الذكره وإن مسها بعد القطع فلا وضوء عليه لزوال الاسم والحرمة
فصل : فأما مس حلقة الدبر فعنه روايتان أيضا إحداهما لا ينقض الوضوء وهو مذهب مالك قال الخلال : العمل والاشيع في قوله : وحجته أنه لا يتوضأ من مس الدبر لأن المشهور من الحديث : [ من مس ذكره فليتوضأ ] وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه ولا يفضي إلى خروج خارج والثانية ينقض نقلها أبو داود وهو مذهب عطاء و الزهري و الشافعي لعموم قوله : [ من مس فرجه فليتوضأ ] ولأنه أحد الفرجين أشبه الذكر
فصل : وفي مس المرأة فرجها أيضا روايتان إحداهما ينقض لعموم قوله : [ من مس فرجه فليتوضأ ] وروى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ ] ولأنها آدمي مس فرجه فانتقض وضوؤه كالرجل والأخرى لا ينتقض قال المروذي : قيل ل أبي عبد الله فالجارية إذا مست فرجها أعليها وضوء ؟ قال : لم أسمع في هذا بشيء قلت لـ أبي عبد الله حديث عن عبد الله ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ ] فتبسم وقال : هذا حديث الزبيدي وليس إسناده بذاك ولأن الحديث المشهور في مس الذكر وليس مس المرأة فرجها في معناه لكونه لا يدعو إلى خروج خارج فلم ينقض
فصل : فأما لمس فرج المشكل فلا يخلو من أن يكون اللمس منه أو من غيره فإن كان اللمس منه فلمس أحد فرجيه لم ينتقض وضوؤه لأنه يحتمل أن يكون الملموس خلقة زائدة لمسهما جميعا وقلنا لا ينقض وضوء المرأة مس فرجها لم ينتقض وضوؤها لجواز أن يكون امرأة مست فرجها او خلقة زائدة وإن قلنا ينقض انتقض وضوؤه لأنه لا بد أن يكون أحدهما فرجا وإن كان اللامس رجلا فمس الذكهر لغير شهوة لم ينتقض وضوؤه وإن مسه لشهوة انتقض وضوؤه في ظاهر المذهب فإنه إن كان ذكرا فقد مسه وإن كان انثى فقد مسها لشهوة وإن مس قبل المرأة لم ينتقض وضوؤه لجواز أن يكون خلقة زائدة من رجل وإن مسهما جميعا لشهوة انتقض وضوؤه لما ذكرنا في الذكر وإن كان لغير شهوة انتقض وضوؤه في الظاهر لأنه لا يخلو من أن يكون مس ذكر رجل أو فرج امرأة وإن كان اللامس امرأة فلمست أحدهما لغير شهوة لم ينتقض وضوؤها وإن لمست الذكر لشهوة لم ينتقض وضوؤها لجواز أن يكون زائدة من امرأة فإن مست فرج المرأة لشهوة انبنى على مس المرأة الرجل لشهوة فإن قلنا ينقض انتقض وضوؤها ههنا لذلك وإلا لم ينتقض وإن مستهما جميعا لغير شهوة وقلنا إن مس فرج المرأة ينقض الوضوء انتقض وضوؤها ههنا وإلا فلا وإن كان اللامس خنثى مشكلا لم ينتقض وضوؤه إلا أن يجمع بين الفرجين في اللمس ولو مس أحد الخنثيين ذكر الآخر ومس الآخر فرجه وكان اللمس منهما لشهوة أو لغيرها فلا وضوء على واحد منهما لأن كل واحد منهما على انفراده يقين الطهارة باق في حقه والحدث مشكوك فيه فلا نزول عن اليقين بالشك لأنه يحتمل أن يكون جميعا امرأتين فلا ينتقض وضوء لامس الذكر ويحتمل أن يكون رجلين فلا ينتقض وضوء لامس الفرج وإن مس كل واحد منهما ذكر الآخر احتمل أن يكون امرأتين وقد مس كل واحد منهما خلقة زائدة من الآخر وإن مس كل واحد منهما قبل الآخر احتمل أن يكون رجلين
فصل : ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن كالرفع والانثيين والأبط في قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن عروة قال : من مس أنثييه فليتوضأ وقال الزهري : أحب إلي أن يتوضأ وقال عكرمة : من مس ما بين الفرجين فليتوضأ وقول الجمهور أولى لأنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه ولا ينتقض وضوء الملموس أيضا لأن الوجوب من الشرع وإنما وردت السنة في اللامس
ولا ينتقض الوضوء بمس فرج بهيمة وقال الليث بن سعد : عليه الوضوء وقال عطاء من مس قنب حمار عليه الوضوء ومن مس ثيل جمل لا وضوء عليه وما قلناه قول جمهور العلماء وهو أولى لأن هذا ليس بمنصوص على النقض به ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا وجه للقول به

مسألة : خروج القيء والدم والدود من غير السبيلين قسمان : طاهر ونجس
مسألة : قال : والقيء الفاحش والدم الفاحش والدود الفاحش يخرج من الجروح
وجملته أن الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم قسمين طاهرا ونجسا فالطاهر لا ينقض الوضوء على حال ما والنجس ينقض الوضوء في الجملة رواية واحدة روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعلقمة و عطاء و وقتادة و الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي وكان مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر لا يوجبون منه وضوءا وقال مكحول : لا وضوء إلا فيما خرج من قبل أو دبر خارج من غير المخرج مع بقاء المخرج فلم يتعلق به نقض الطهارة كالبصاق ولأنه لا ينص فيه ولا يمكن قياسه على محل النص وهو الخارج من السبيلين لكون الحكم فيه غير معلل ولأنه لا يفترق الحال بين قليله وكثيره وطاهره ونجسه وههنا بخلافه فامتنع القياس
ولنا : ما روى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه و سلم [ قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك فقال ثوبان : صدق أنا صببت له وضوءه ] رواه الأثرم و الترمذي وقال : هذا أصح شيء في هذا الباب قيل ل أحمد حديث ثوبان ثبت عندك قال : نعم وروى الخلال بإسناده عن ابن جريج عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا قلس أحدكم فليتوضأ ] قال ابن جريج : وحدثني أبن أبي مليكة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم مثل ذلك وأيضا فإنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم فيكون إجماعا ولأنه خارج يلحقه حكم التطهير فنقض الوضوء كالخارج من السبيل وقياسهم منقوض بما إذا انفتح مخرج دون المعدة

فصول : مقدار الخارج النجس من غير السبيلين
فصل : وإنما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير وقال بعض أصحابنا فيه رواية أخرى أن اليسير ينقض ولا نعرف هذا الرواية ولم يذكرها الخلال في جامعه إلا في القلس واطرحها وقال القاضي : لا ينقض رواية واحدة وهو المشهور عن الصحابة رضي الله عنهم قال ابن عباس في الدم : إذا كان فاحشا فعليه الإعادة وابن أبي أوفى بزق دما ثم قام فصلى وابن عمر عصر بثرة فخرج دم وصلى ولم يتوضأ قال أبو عبد الله : عدة من الصحابة تكلموا فيه فأبو هريرة كان يدخل أصابعه في أنفه وابن عمر عصر بثرة وابن أبي أوفى عصر دملا وابن عباس قال : إذا كان فاحشا وجابر أدخل أصابعه في أنفه وابن المسيب أدخل أصابعه العشرة أنفه وأخرجها متلطخة بالدم يعني وهو في الصلاة
وقال أبو حنيفة : إذا سال الدم ففيه الوضوء وإن وقف على رأس الجرح لم يجب لعموم قوله عليه السلام : [ من قاء أو رعف في صلاته فليتوضأ ]
ولنا ما روينا عن الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا وقد روى الدارقطني بإسناده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليس الوضوء من القطرة والقطرتين ] وحديثهم لا تعرف صحته لم يذكره أصحاب السنن وقد تركوا العمل به فإنهم قالوا : إذا كان دون ملء الفم لم يجب الوضوء منه
فصل : وظاهر مذهب أحمد أن الكثير الذي ينقض الوضوء لا حد له أكثر من أنه يكون فاحشا وقيل : يا أبا عبد الله ما قدر الفاحش ؟ قال : ما فحش في قلبك وقيل له : مثل أي شيء يكون الفاحش ؟ قال : قال ابن عباس : ما فحش في قلبك وقد نقل عنه أنه سئل كم الكثير ؟ فقال شبر وفي موضع قال : قدر فاحش وفي موضع قال : الذي يوجب الوضوء من ذلك إذا كان مقدار ما يرفعه الإنسان بأصابعه الخمس من القيح والصديد والقيء فلا بأس به فقيل له إن كان مقدار عشرة أصابع فرآه كثيرا قال الخلال : والذي استقر قوله في الفاحش أنه على قدر ما يستفحشه كل إنسان في نفسه قال ابن عقيل لا يجب تعريفه إلى ما لا تبيعه نفوس أواساط الناس ونص أحمد في هذا كما حكيناه وذهب إلى قول ابن عباس رضي الله عنه
فصل : والقيح والصديد كالدم فيما ذكرنا وأسهل وأخف منه حكما عند أبي عبد الله لوقوع الاختلاف فيه فإنه روي عن ابن عمر والحسن أنهم لم يروا القيح والصديد كالدم وقال أبو مجلز في الصديد : لا شيء إنما ذكر الله الدم المسفوح وقال الأوزاعي في قرحة سال منها كغسالة اللحم لا وضوء فيه وقال إسحاق : كل ما سوى الدم لا يوجب وضوءا وقال مجاهد و عروة و الشعبي و الزهري و قتادة و الحكم و الليث : القيح بمنزلة الدم فلذلك خف حكمه عنده واختياره مع ذلك إلحاقه بالدم وإثبات مثل حكمه فيه لكن الذي يفحش منه يكون أكثر من الذيب يفحش من الدم

فصلان : عدم انتقاض الوضوء بالجشاء والنخامة والغلس إلا إذا فحش
فصل : والقلس كالدم ينقض الوضوء منه ما فحش قال الخلال الذي أجمع عليه أصحاب أبي عبد الله عنه أنه إذا كان فاحشا أعاد الوضوء منه وقد حكي عنه فيه الوضوء إذا ملأ الفم وقيل عنه إذا كان أقل من نصف الفم لا يتوضأ والأول المذهب وكذلك الحكم في الدود الخارج من الجسد إذا كان كثيرا نقض الوضوء وإن كان يسيرا لم ينقض والكثير ما فخش في النفس
فصل : فأما الجشاء فلا وضوء فيه لا نعلم فيه خلافا قال مهنا : سألت أبا عبد الله عن الرجل يخرج من فيه الريح مثل الجشاء الكثير ؟ قال : لا وضوء عليه وكذلك النخاعة لا وضوء فيها سوء كانت الرأس أو الصدر لأنها طاهرة أشبهت بالبصاق

مسألة : انتقاض الوضوء بأكل لحم الإبل
مسألة : قال : وأكل لحم الجزور
وجملة ذلك أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيئا ومطبوخا عالما أو جاهلا وبهذا قال جابر بن سمرة و محمد بن إسحاق و إسحاق و أبو خيثمة و يحيى و ابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي قال الخطابي ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث وقال الثوري و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي لا ينقض الوضوء بحال لأنه روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الوضوء مما يخرج لا مما يدخل ] وروي عن جابر قال : كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود ولأ ه مأكول أشبع سائر المأكولات وقد روي عن أبي عبد الله أنه قال في الذي يأكل من لحوم الإبل : إن كان لا يعلم ليس عليه وضوء فإن كان الرجل قد علم وسمع فهذا عليه واجب لأنه قد علم فليس هو كمن لا يعلم ولا يدري قال الخلال : وعلى هذا استقر قول أبي عبد الله في هذا الباب
ولنا ما [ روى البراء بن عازب قا ل : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن لحوم الإبل فقال : توضؤ وأمنها ] وسئل عن لحوم الغنم فقال : [ لا يتوضأ منها ] رواه مسلم و أبو داود وروى جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله أخرجه مسلم وروى الإمام أحمد بإسناده عن أسيد بن حضير قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : توضؤوا من لحوم الإبل ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم ]
وروى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم مثل ذلك قال أحمد و إسحاق و ابن راهويه فيه حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه و سلم حديث البراء وحديث جابر بن سمرة وحديثهم عن ابن عباس لا أصل له وإنما هو من قول ابن عباس موقوف عليه ولو صح لوجب تقديم حديثنا عليه لكونه أصح منه وأخص والخاص يقدم على العام وحديث جابر لا يعارض حديثنا أيضا لصحته وخصوصه فإن قيل فحديث جابر متأخر فيكون ناسخا قلنا لا يصح النسخ به لوجةه أربعة : أحدها أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار أو مقارن له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست النار فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي وإما أن يكون قبله فإن كان به والأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار فكيف يجوز أن يكون منسوخا به ومن شروط النسخ تأخر الناسخ وإن كان الناسخ قبله لم يجز أن ينسخ بما قبله
الثاني : إن أكل لحوم الإبل إنما نقض لكونه من لحوم الإبل لا لكونه مما مست النار ولهذا ينقض وإن كان شيئا نيئا فنسخ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الجهة الأخرى كما لو حرمت المرأة للرضاع ولكونها ربيبة فنسخ التحريم بالرضاع لم يكون نسخا لتحريم الربيبة
الثالث : إن خبرهم عام وخبرنا خاص والعام لا ينسخ به الخاص لأن من شروط النسخ تعذر الجمع والجمع بين الخاص والعام ممكن بتنزيل العام ما عدا محل التخصيص : الرابع : إن خبرنا صحيح مستفيض ثبتت له قوة الصحة والاستفاضة والخصوص وخبرهم ضعيف لعدم هذه الوجوه الثلاثة فيه فلا يجوز أن يكون ناسخا له فأن قيل الأمر بالوضوء في خبركم إذا أضيف إلى الطعام فتحمله عليه ويحتمل أنه أراد بالوضوء قبل الطعام وبعده غسل اليدين لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضى غسل اليد كما كان عليه السلام يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده وخص ذلك بلحم الإبل لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في غيره قلنا أما الأول فمخالف للظاهر من ثلاثة أوجه أحدها أن مقتضى الأمر الوجوب الثاني أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن حكم هذا اللحم فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلا يجوز حمله على غير الوجوب لأنه يكون تلبيسا على السائل لا جوابا الثالث : أنه عليه السلام قرنه بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم والمراد بالنهي ههنا نفي الإيجاب لا التحريم فيتعين حمل الأمر على الإيجاب ليحصل الفرق
وأما الثاني فلا يصح لوجوه أربعة أحدها أنه يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب فإن غسل اليد بمفرده غير واجب وقد بينا فساده الثاني : أن الوضوء إذا جاء في لسان الشارع وجب حمله على الموضوع الشرعي دون اللغوي لأن الظاهر منه أنه إنما يتكلم بموضوعاته : الثالث : أنه خرج لسؤال السائل عن حكم الوضوء من لحومها والصلاة في مباركها فلا يفهم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة الرابع : أنه لو أراد غسل اليد لما فرق بيه وبين لحم الغنم فإن غسل اليد منهما مستحب ولهذا قال : [ من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ] وما ذكروه من زيادة الزهومة فأمر يسير لا يقتضي التفريق والله أعلم ثم لا بد من دليل تصرف به اللفظ عن ظاهره ويجب أن يكون الدليل له من القوة بقدر قوة الظواهر المتروكة وأقوى منها وليس لهم دليل وقياسهم فاسد فإنه طردي لا معنى فيه وانتفاء الحكم في سائر المأكولات لانتفاء المقتضى لا لكونه مأكولا فلا أثر لكونه مأكولا ووجوده كعدمه
ومن العجب أن مخالفينا في هذا المسألة أوجبوا الوضوء بأحاديث ضعيفة تخالف الأصول ف أبو حنيفة أوجبه بالقهقهة في الصلاة دون خارجها بحديث من مراسيل أبي العالية و مالك و الشافعي أوجباه بمس الذكر بحديث مختلف فيه معارض بمثله دون مس بقية الاعضاء وتركوا هذا الحديث الصحيح لا معارض له مع بعده عن التأويل وقوة الدلالة فيه لمخالفته لقياس طردي

فصل : أما شرب لبن الإبل وما عدا اللحم ففي نقضه روايتان
فصل : وفي شرب لبن الإبل روايتان إحداهما ينقض الوضوء لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ توضؤوا من لحوم الإبل وألبانها ] رواه الإمام أحمد في المسند وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن ألبان الإبل فقال : [ توضؤوا من ألبانها ] وسئل عن ألبان الغنم فقال : [ لا تتوضؤوا من ألبانها ] رواه ابن ماجة وروي عن عبد الله بن عمر والثانية : لا وضوء فيه لأن الحديث الصحيح إنما ورد في اللحم وقولهم فيه حديثان صحيحان يدل على أنه لا صحيح فيه سواهما فالحكم ههنا غير معقول فيجب الاقتصار على مورد النص فيه وفيما سوى اللحم من أجزاء البعير من كبده وطحاله وسنامه ودهنه ومرقه وكرشه ومصرانه وجهان أحدهما لا ينقض لأن النص لم يتناوله والثاني ينقض لأنه من جملة الجزور واطلاق اللحم في الحيوان يراد به جملته لأنه أكثر ما فيه ولذلك لما حرم الله تعالى لحم الخنزير كان تحريما لجملته كذا ههنا

فصل : عدم انتقاض الوضوء بأكل الأطعمة
فصل : وما عدا لحم الجزور من الأطعمة لا وضوء فيه سواء مسته النار أم لم تمسه هذا قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين و أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي الدرداء وأبي أمامة وعامة الفقهاء ولا نعلم اليوم فيه خلافا وذهب جماعة من السلف إلى إيجاب الوضوء مما غيرت النار منهم ابن عمر وزيد بن ثابت وأبو طلحة وأبو موسى وأبو هريرة وأنس وعمر بن عبد العزيز و أبو مجلز و أبو قلابة و الحسن و الزهري لما روى أبو هريرة وزيد وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ توضؤوا مما مست النار ] وفي لفظ [ أنما الوضوء مما مست النار ] رواهن مسلم
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم ] وقول جابر آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود و النسائي

مسألة : هل ينقض الوضوء بغسل الميت ؟
مسألة : قال : وغسل الميت
اختلف أصحابنا في وجوب الوضوء من غسل الميت فقال أكثرهم : بوجبه سواء المغسول صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا وهو قول إسحاق و النخعي وروي ذلك عن ابن وابن عباس وأبي هريرة فروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وعن أبي هريرة قال : أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم مخالفا في الصحابة ولأن الغالب فيه أنه لا يسلم أن تقع يده على فرج الميت فكان مظنة ذلك قائما مقام حقيقته كما أقيم النوم مقام الحدث وقال أبو الحسن التميمي : لا وضوء فيه وهذا قول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله لأن الوجوب من الشرع ولم يرد في هذا نص ولا هو معنى المنصوص عليه فبقي على الأصل ولأنه غسل آدمي فأشبه غسل الحي وما روي عن أحمد في هذا يحمل على الاستحباب دون الإيجاب فإن كلامه يقتضي نفي الوجوب فإنه ترك العمل بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ من غسل ميتا فليغتسل ] وعلل ذلك بأن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة وإذا لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة مع احتمال أن يكون من قول النبي صلى الله عليه و سلم فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم ذلك الاحتمال أولى وأحرى

مسألة وفصول : انتقاض الوضوء بملامسة النساء
مسألة : قال : وملاقاة جسم الرجل للمرأة لشهوة
المشهور من مذهب أحمد رحمه الله أن لمس النساء لشهوة ينقض الوضوء ولا ينقضه لغير شهوة وهذا قول علقمة و أبي عبيدة و النخعي و الحكم و حماد و مالك و الثوري و إسحاق و الشعبي فإنهم قالوا : يجب الوضوء على من قبل لشهوة ولا يجب على من قبل لرحمة : وممن أوجب الوضوء في القبلة ابن مسعود وابن عمر و الزهري و زيد بن أسلم و مكحول و يحيى الأنصاري و ربيعة و الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز و الشافعي قال أحمد : المدنيون والكوفيون ما زالوا يرون أن القبلة من اللمس تنقض الوضوء حتى كان بآخرة وصار فيهم أبو حنيفة فقالوا : لا تنقض الوضوء ويأخذون بحديث عرون ونرى أنه غلط وعن أحمد روايه ثانية لا ينقض اللمس بحال وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء وطاوس و الحسن و مسروق وبه قال أبو حنيفة : إلا أن يطأها دون الفرج فينتشر فيها لما روى حبيب عن عروة عن عائشة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قبل امرأة من نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ] رواه أبو داود و ابن ماجة وغيرهما وهو حديث رواه إبراهيم التيمي عن عائشة أيضا ولأن الوجوب من الشرع ولم يرد بهذا ولا هو في معنى ما ورد الشرع به وقوله : { أو لامستم النساء } اراد به الجماع بدليل أن المس أريد به الجماع فكذلك اللمس ولأنه ذكره بلفظ المفاعلة والمفاعلة لا تكون من أقل من اثنين وعن أحمد رواية ثالثة أن اللمس ينقض بكل حال وهو مذهب الشافعي لعموم قوله تعالى : { أو لامستم النساء } وحقيقة اللمس ملاقاة البشرتين قال الله تعالى مخبرا عن الجن أنهم قالوا : { وأنا لمسنا السماء } وقال الشاعر :
( لمست بكفي كفه أطلب الغنى )
وقرأها ابن مسعود : { أو لامستم النساء } وأما حديث القبلة فلك طرقه معلولة قال يحيى بن سعيد : احك عني أن هذا الحديث شبه لا شيء قال أحمد : نرى أنه غلظ الحديثين جميعا يعني حديث إبراهيم التيمي وحديث عروة فإن إبراهيم التيمي لا يصح سماعه من عائشة وعروة المذكور ههنا عروة المزني ولم يدرك عائشة كذلك قاله سفيان الثوري : ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ليس هو عروة بن الزبير وقال إسحاق : لا تظنوا أن حبيبا لقي عروة وقال : وقد يمكن أن يقبل الرجل امرأته لغير شهوة ولغير شهوة ويحتمل أنه قبلها من وراء حائل واللمس لغير شهوة لا ينقض لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يمس زوجته وتمسه ولو كان ناقضا للوضوء لم يفعله قالت عائشة : إن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة فإذا أراد أن يسجد غمزني فقبضت رجلي متفق عليه عليه وفي حديث آخر فإذا أراد أن يوتر مسني برجله وروى الحسن قال : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم جالسا في مسجده في الصلاة فقبض على قدم عائشة غير متلذذ ] رواه إسحاق بإسناده و النسائي وعن عائشة قالت : [ فقدت رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات ليلة فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد وهو يقول : أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ] رواهما النسائي ورواه مسلم وصلى النبي صلى الله عليه و سلم حاملا أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا سجد وضعها وإذا قام حملها متفق عليه والظاهر أنه لا يسلم من مسها ولأ ه لمس لغير شهوة فلم ينقض كلمس ذوات المحارم يحققه أن اللمس ليس يحدث في نفسه وإنما نقض لأنه يفضي إلى خروج المذي أو المني فاعتبرت الحالة التي تفضي إلى الحدث فيها وهي حالة الشهوة
فصل : ولا فرق بين الأجنبية وذات المحارم والكبيرة والصغيرة وقال الشافعي : لا ينقض لمس ذوات المحارم ولا الصغيرة في أحد القولين لأن لمسها لا يفضي إلى خروج أشبه لمس الرجل الرجل
ولنا عموم النص : واللمس الناقض تعتبر فيه الشهوة ومتى وجدت الشهوة فلا فرق بين الجميع فأما لمس الميتة ففيه وجهان أحدهما ينقض لعموم الآية والثاني لا ينقض اختاره الشريف أبو جعفر و ابن عقيل لأنها ليست محلا للشهوة فهي كالرجل
فصل : ولا يختص اللمس الناقض باليد بل أي شيء منه لاقى شيئا من بشرتها مع الشهوة انتقض وضوؤه به سواء كان عضوا أصليا أو زائدا وحكي عن الأوزاعي لا ينقض اللمس إلا بأحد أعضاء الوضوء ولنا عموم النص والتخصيص بغير دليل تحكم لا يصار إليه ولا ينقض مس شعر المرأة المرأة ولا ظفرها ولا سنها وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولا ينقض لمسها بشعره ولا سنه ولا ظفره لأن ذلك مما لا يقع الطلاق على المرأة بتطليقه ولا الظهار ولا ينجس بموت الحيوان ولا بقطعه منه في حياته
فصل : وإن لمسها من وراء حائل لم ينتقض وضوؤه في قول أكثر أهل العلم وقال مالك و الليث : ينقض إن كان ثوبا رقيقا وكذلك قال ربيعة : إذا غمزها من وراء ثوب رقيق لشهوة لأن الشهوة موجودة وقال المروذي : لا نعلم أحدا قال ذلك غير مالك و الليث ولنا أنه يلمس جسم المرأة فأشبه ما لو لمس ثيابها والشهوة بمجردها لا تكفي كما لو مس رجلا بشهوة أو وجدت الشهوة من غير لمس
فصل : وإن لمست امرأة ووجدت الشهوة منهما فظاهر كلام الخرقي نقض وضوئهما بملاقاة بشرتهما وقد سئل أحمد عن المرأة إذا مست زوجها قال : ما سمعت فيه شئيا ولكن هي شقيقة الرجل بعجبني أن تتوضأ لأن المرأة أحد المشتركين في اللمس فهي كالرجل وينتقض وضوء الملموس إذا وجدت منه الشهوة لأن ما ينتقض بالتقاء البشرتين لا فرق فيه بين اللامس والملموس كالتقاء الختانين وفيه رواية أخرى : لا ينتقض وضوء المرأة ولا وضوء الملموس ول الشافعي قولان كالراويتين ووجه عدم النقض أن النص إنما ورد بالنقض بملامسة النساء فيتناول اللامس من الرجال فيختص به النقض كلمس الفرج ولأن المرأة والملموس لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص لأن اللمس من الرجل مع الشهوة مظنة لخروج المذي الناقض فأقيم مقامه ولا يوجد ذلك في حق المرأة والشهوة من اللامس أشد منها من الملموس وأدعى إلى الخروج فلا يصح القياس عليهما وإذا امتنع النص والقياس لم يثبت الدليل
فصل : ولا ينتقض الوضوء بلمس عضو مقطوع من المرأة لزوال الاسم وخروجه على أن يكون محلا للشهوة ولا بمس رجل ولا صبي ولا بمس المرأة لأنه ليس بداخل في الآية ولا هو في معنى ما في الآية لأن المرأة محل لشهوة الرجل شرعا وطبعا وهذا بخلافه ولا بمس البهيمة لذلك ولا بمس خنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا ولا امرأة ولا بمس الخنثى لرجل أو امرأة لذلك والأصل الطهارة فلا تزول بالشك ولا أعلم في هذا كله خلافا والله أعلم

مسألة : الشك والتيقن في الوضوء بملامسة النساء
مسألة : قال : ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما
يعني إذا علم أنه توضأ وشك هل أحدث أو لا بنى على أنه متطهر وإن كان محدثا فشك هل توضأ أو لا فهو محدث يبني في الحالتين على ما علمه قبل الشك ويلغي الشك وبهذا قال الثوري : وأهل العراق و الأوزاعي و الشافعي وسائر أهل العلم فيما علمنا إلا الحسن و مالكا فإن الحسن قال : إن شك في الحدث في الصلاة مضى فيها وإن كان قبل الدخول فيها توضأ وقال مالك : إن شك في الحدث إن يلحقه كثيرا فهو على وضوئه وإن كان لا يلحقه كثيرا توضأ لأنه لا يدخل في الصلاة مع الشك
ولنا : ما روى عبد الله بن زيد قال : [ شكي إلى النبي صلى الله عليه و سلم الرجل يخيل إليه وهو في الصلاة أنه يجد الشيء قال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ] متفق عليه ول مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا أوجر أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه أم لم يخرج فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أويجد ريحا ] ولأنه إذا شك تعارض عنده الأمران فيجب سقوطهما كالبينتين إذا تعارضتا ويرجع إلى التيقن ولا فرق بين أن يغلب على ظنه أحدهما أو يتساوى الأمران عنده لأن غلبة الظن إذا لم تكن مضبوطة بضابط شرعي لا يلتفت إليهما كما لا يلتفت الحاكم إلا قول أحد المتداعيين إذا غلب على ظنه صدقه بغير دليل

فصل : وإذا تيقن الحدث والطهارة معا
فصل : إذا تيقن الطهارة والحدث معا ولم يعلم الآخر منهما مثل من تيقن أنه كان في وقت الظهر متطهرا مرة ومحدثا أخرى ولا يعلم أيهما كان بعد صاحبه فإنه يرجع إلى حاله قبل الزوال فإن كان محدثا فهو الآن متطهر لأنه متيقن أنه قد انتقل عن هذا الحدث إلى الطهارة ولم يتيقن زوالها والحدث المتيقن بعد الزوال يحتمل أن يكون قبل الطهارة ويحتمل أن يكون بعدها فوجوده بعدها مشكوك فيه فلا يزول عن طهارة متيقنة بشك كما لو شهدت بينة لرجل أنه وفى زيدا حقه وهو مائة فأقام المشهود عليه بينة بإقرار خصمه له بمائة - لم يثبت له بها حق لاحتمال أن يكون اقراره قبل الاستيفاء منه وإن كان قبل الزوال متطهرا فهو الآن محدث لما ذكرنا في الطرف الآخر
فصل : وإن تيقن أنه في وقت الظهر نقض طهارته وتوضأ عن حدث وشك في السابق منهما نظر فإن كان قبل الزوال متطهرا فهو على طهارة لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض هذه الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك وإن كان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث لأنه تيقن أنه انتقل عنه الطهارة ثم نقضها والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها والله أعلم فهذا جميع نواقض الطهارة ولا تنتقض بغير ذلك في قول عامة العلماء إلا أنه قد حكي عن مجاهد و الحكم و حماد في قض الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط الوضوء وقول جمهور العلماء بخلافهم ولا نعلم لهم فيما يقولون حجة الله سبحانه أعلم

مسألة وفصول : موجبات الغسل
باب ما يوجب الغسل
قال أبو محمد بن بري النحوي : غسل الجنابة بفتح الغين وقال ابن السكيت الغسل الماء الذي يغتسل به والغسل ما غسل به الرأس
مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : والموجب للغسل خروج المني
الألف واللام هنا للاستغراق ومعناه أن جميع موجبات الغسل هذه الستة المسماة أولها خروج المني وهو الماء الغليظ الدافق الذي يخرج عند اشتداد الشهوة ومني المرأة رقيق أصفر وروى مسلم في صحيحه بإسناده [ أن أم سليم حدثت أنها سألت نبي الله صلى الله عليه و سلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل فقالت أم سليم : واستحيت من ذلك وهل يكون هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم فمن أين يكون الشبه ؟ ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه ] وفي لفظ أنها قالت : [ هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : نعم إذا رأت الماء ] متفق عليه فخروج المني الدافق بشهوة يوجب الغسل من الرجل والمرأة في يقظة أو في نوم وهو قول عامة الفقهاء قال الترمذي ولا نعلم فيه خلافا

فصل : فإن خرج شبه المنى لمرض
فصل : فإن خرج شبيه المني لمرض أو برد لا عن شهوة فلا غسل فيه وهذا قول أبي حنيفة و مالك وقال الشافعي : يجب به الغسل ويحتمله كلام الخرقي لقوله عليه السلام : [ إذا رأت الماء ] وقوله : [ الماء من الماء ] ولأنه مني خارج فأوجب الغسل كما لو خرج حال الاغماء
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم وصف المني الموجب للغسل بكونه أبيض غليظا وقال لعلي : [ إذا فضخت الماء فاغتسل ] رواه أبو داود و الأثرم : [ إذا رأيت فضخ الماء فاغتسل ] والفضخ خروجه على وجه الشدة وقال إبراهيم الحربي : خروجه بالعجلة وقوله إذا رأت الماء يعني الاحتلام وإنما يخرج في الاحتلام بالشهوة والحديث الآخر منسوخ على أن هذا يجوز أن يمنع كونه منيا لأن النبي صلى الله عليه و سلم وصف المني بصفة غير موجودة في هذا

فصل : فإذا أحس بانتقال المني عند الشهوة
فصل : فإن أحس بانتقال المني عند الشهوة فأمسك ذكره فلم يخرج فلا غسل عليه في ظاهر قول الخرقي وإحدى الروايتين عن أحمد وقول أكثر الفقهاء والمشهور عن أحمد وجوب الغسل وأنكر أن يكون الماء يرجع وأحب أن يغتسل ولم يذكر القاضي في وجوب الغسل خلافا قال : لأن الجنابة تباعد الماء عن محله وقد وجد فتكون الجنابة موجودة فيجب الغسل بها ولأن الغسل تراعى فيه الشهوة وقد حصلت بانتقاله فأشبه ما لو ظهر
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم علق الاغتسال على الرؤية وفضخه بقوله : [ إذا رأيت الماء وإذا فضخت الماء فاغتسل ] فلا يثبت الحكم بدونه وما ذكره من الاشتقاق لا يصح لأنه يجوز أن يسمى جنبا لمجانبته الماء ولا يحصل إلا بخروجه منه ولمجانبته الصلاة أو المسجد أو غيرهما مما منع منه ولو سمي بذلك مع الخروج لم يلزم وجود التسمية من غير خروج فإن الاشتقاق لا يلزم منه الاطراد ومراعاة الشهوة للحكم لا يلزم منه استقلالها به فإن أحد وصفي العلة وشرط الحكم مراعى له ولا يستقل بالحكم ثم يبطل بلمس النساء وبما إذا وجدت الشهوة ههنا من غير انتقال فإن الشهوة لا تستقل بالحكم في موضعين مع مراعاتها فيه وكلام أحمد ههنا إنما يدل على أن الماء إذا انتقل لزم منه الخروج وإنما يتأخر ولذلك يتأخر الغسل إلى حين خروجه فعلى هذا إذا خرج المني بعد ذلك لزمه الغسل سواء اغتسل قبل خروجه أو لم يغتسل لأنه مني خرج بسبب الشهوة فأوجب الغسل كما لو خرج حال انتقاله وقد قال أحمد رحمه الله في الرجل يجامع ولم ينزل فيغتسل ثم يخرج منه المني عليه الغسل وسئل عن رجل رأى في المنام أنه يجامع فاستيقظ فلم يجد شيئا فلما مشى خرج منه المني قال : يغتسل وقال القاضي : في الذي أحس بانتقال المني فأمسك ذكره فاغتسل ثم خرج منه المني من غير مقارنة شهوة بعد البول فلا غسل عليه رواية واحدة وإن كان قبل البول فعلى روايتين لأنه بعد البول غير المني المنتقل خرج بغير شهوة فأشبه الخارج لمرض وإن كان قبله فهو ذلك المني الذي انتقل ووجه ما قلنا : إن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالغسل عند رؤية الماء وفضخه وقد وجد ونص أحمد على وجوب الغسل على المجامع الذي يرى الماء بعد غسله وهذا مثله وقد دللنا على أن من أحس بانتقال المني ولم يخرج لا غسل عليه ويلزم من ذلك وجوب الغسل عليه بطهوره لئلا يفضي إلى نفي الوجوب عنه بالكلية مع انتقال المني لشهوة وخروجه

فصل : ومن اغتسل ثم خرج منه المني
فصل : فأما أن احتلم أو جامع فأمنى ثم اغتسل ثم خرج منه مني فالمشهور عن أحمد أنه لا غسل عليه قال الخلال : تواترت الروايات عن أبي عبد الله أنه ليس عليه إلا الوضوء بال أو لم يبل فعلى هذا استقر قوله وروى ذلك عن علي وابن عباس و عطاء و الزهري و مالك و الليث و الثوري و إسحاق وقال سعيد بن جبير : لا غسل عليه إلا من شهوة وفيه رواية ثانية إن خرج بعد البول فلا غسل فيه وإن خرج قبله إغتسل وهذا قول الأوزاعي و أبي حنيفة ونقل ذلك عن الحسن لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة فأوجب الغسل كالأول بعد البول خرج بغير دفق وشهوة ولا نعلم أنه بقية الأول لأنه لو كان بقيته لما تخلف بعد البول وقال القاضي : فيه رواية ثالثة عليه الغسل بكل حال وهو مذهب الشافعي لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث وقال في موضع آخر : لا غسل عليه رواية واحدة لأنه جنابة واحدة فلم يجب به غسلان كما لو خرج دفعة واحدة والصحيح أنه يجب الغسل لأن الخروج يصلح موجبا للغسل ما ذكره يبطل بما إذا جامع فلم ينزل فاغتسل ثم أنزل فإن أحمد قد نص على وجوب الغسل عليه بالإنزال مع وجوبه بالتقاء الختانين

فصل : وإذا رأى أنه احتلم
فصل : إذا رأى أنه قد احتلم ولم يجد منيا فلا غسل عليه وقال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم لكن إن مشى فخرج منه المني أو خرج بعد استيقاظه فعليه الغسل نص عليه أحمد لأن الظاهر أنه انتقل وتخلف خروجه إلى ما بعد الاستيقاظ وإن انتبه فرأى منيا ولم يذكر احتلاما فعليه الغسل لا نعلم فيه خلافا أيضا وروي نحو ذلك عن عمر وعثمان وبه قال ابن عباس وعطاء و سعيد بن جبير و الشعبي و النخعي و الحسن و مجاهد و قتادة و مالك و الشافعي و إسحاق لأن الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه وروي عن عمر رضى الله عنه أنه صلى الفجر بالمسلمين ثم خرج إلى الجرف فرأى في ثوابه احتلاما فقال : ما أراني إلا قد احتلمت فاغتسل وغسل ثوبه وصلى وروي نحوه عن عثمان وروت عائشة قالت : [ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال : يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد بللا فقال : لا غسل عليه ] رواه أبو داود و ابن ماجة وروت أم سلمة أن أم سليم قالت : [ يا رسول الله هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ قال : نعم إذا رأت الماء ] متفق عليه وهذا يدل على أنه لا غسل عليها إلا أن ترى الماء

فصل : وإذا انتبه من النوم فوجد بللا
فصل : إذا انتبه من النوم فوجد بللا لا يعلم هو هو مني أو غيره فقال أحمد : إذا وجد بلة اغتسل إلا أن يكون به أبردة أو لاعب أهله فإنه ربما خرج منه المذي فأرجو أن لا يكون به بأس وكذلك إن كان انتشر من أول الليل بتذكر أو رؤية لا غسل عليه وهو قول الحسن لأنه مشكوك فيه يحتمل أنه مذي وقد وجد سببه فلا يوجب الغسل مع الشك وإن لم يكن وجد ذلك فعليه الغسل لخبر عائشة لأن الظاهر أنه احتلام وقد توقف أحمد في هذه المسألة في مواضع وقال مجاهد و قتادة : لا غسل عليه حتى يوقن بالماء الدافق قال قتادة : يشمه وهذا هو القياس ولأن اليقين بقاء الطهارة فلا يزول بالشك والأولى الاغتسال لموافقة الخبر وإزالة الشك

فصل : ومن وجد في ثوبه منيا وكان مما لا ينام فيه
فصل : فإن رأى في ثوبه منيا وكان مما لا ينام فيه غيره فعليه الغسل لأن عمر وعثمان اغتسلا حين رأياه في ثوبهما ولأنه لا يحتمل أن يكون إلا منه ويعيد الصلاة من أحدث نومة نامها فيه إلا أن يرى أمارة تدل على أنه قبلها فيعيد من أدنى نومة يحتمل أنه منها وإن كان الرائي له غلاما يمكن وجود المني منه كابن اثنتي عشرة سنة فهو كالرجل لأنه وجد دليله وهو محتمل للوجود وإن كان أقل من ذلك فلا غسل عليه لأنه لا يحتمل فيتعين حمله على أنه من غيره فأما إن وجد الرجل منيا في ثوب ينام فيه هو وغيره ممن يحتلم فلا غسل على واحد منهما لأن كل واحد منهما بالنظر إليه مفردا يحتمل أن لا يكون منه فوجوب الغسل عليه مشكوك فيه وليس لأحدهما أن يأثم بصاحبه لأن أحدهما جنب يقينا فلا تصح صلاتهما كما لو سمع كل واحد منهما صوت ريح يظن أنها من صاحبه أو لا يدري من أيهما هي

فصل : ومن وطىء امرأته دون الفرج
فصل : إذا وطىء امرأته دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج أو وطئها في الفرج فاغتسلت ثم خرج ماء الرجل من فرجها فلا غسل عليها وبهذا قال قتادة و الأوزاعي و إسحاق وقال الحسن : يغتسل لأنه مني خرج فأشبه ماءها والأول أولى لأنه ليس منيها فأشبه غير المني

مسألة : التقاء الختانين
مسألة : قال : والتقاء الختانين
ويعني تغيب الحشفة في الفرج فإن هذا هو الموجب للغسل سواء كانا مختننين أو لا وسواء أصاب موضع الختان منه موضع ختانها أو لم يصبه ولو مس الختان الختان من غير إيلاج فلا غسل بالاتفاق
واتفق الفقهاء على وجوب الغسل في هذه المسألة إلا ما حكي عن داود أنه قال : لا يجب لقوله عليه السلام : [ الماء من الماء ] وكان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يقولون : لا غسل على من جامع فأكسل يعني لم ينزل ورووا في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم وكانت رخصة رخص فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أمر بالغسل قال سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب أن [ الماء من الماء ] كان رخصة أرخص فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نهى عنها متفق عليه رواه الإمام أحمد و أبو دواد و ابن ماجة و الترمذي قال : حديث حسن صحيح وروي عن أبي موسى الأشعري قال : اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون : لا يجب الغسل إلا من الماء الدافق أو من الماء وقال المهاجرون : بل إذا خالط فقد وجب الغسل فقال أبو موسى : فإنا أشفيكم من ذلك فقمت فاستأذنت على عائشة فقلت : يا أماه أو يا أم المؤمنين اني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحييك فقالت : لا تستحي أن تسألني عن شيء كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك قلت : فما يوجب الغسل ؟ قالت : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل ] متفق عليه وفي حديث عن عمر رضي الله عنه أنه قال : من خالف في ذلك جعلته نكالا وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قعد بين شعبها الأربع وجهدها فقد وجب عليه الغسل ] متفق عليه زاد مسلم وإن لم ينزل قال الأزهري : أراد بين شعبتي رجليها وشعبتي شفريها وحديثهم منسوخ بدليل حديث سهل بن سعد والحمد لله

فصلان : يجب الغسل على كل واطىء وموطوء وأن أولج بعضا
فصل : ويجب الغسل على كل واطىء وموطوء إذا كان من أهل الغسل سواء كان الفرج قبلا أو دبرا من كل آدمي أو بهيمة حيا أو ميتا طائعا أو مكرها نائما أو يقظان وقال أبو حنيفة : لا يجب الغسل بوطء الميتة والبهيمة لأنه ليس بمقصود ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص
ولنا أنه إيلاج في فرج فوجب به الغسل كوطء الآدمية في حياتها ووطء الآدمية الميتة داخل في عموم الأحاديث المروية وما ذكروه ينتقض بوطء العجوز والشوهاء
فصل : وإن أولج بعض الحشفة أو وطىء دون الفرج أو في السرة ولم ينزل فلا غسل عليه لأنه لم يوجد التقاء الختانين ولا ما في معناه وإن انقطعت الحشفة فأولج الباقي من ذكره وكان بقدر الحشفة وجب الغسل وتعلقت به أحكام الوطء من المهر وغيره وإن كان أقل من ذلك لم يجب شيء

فصل : وإن كان الواطىء أو الموطوء خنثى
فصل : فإن أولج في قبل خنثى مشكل أو أولج الخنثى ذكره في فرج أو وطىء أحدهما الآخر في قبله فلا غسل على واحد منهما لأنه يحتمل أن تكون خلقة زائدة فإن أنزال الواطىء أو أنزال الموطوء من قبله فعلى من أنزل الغسل ويثبت لمن أنزل من ذكره حكم الرجال ولمن أنزل من قبله حكم النساء لأن الله تعالى أجرى العادة بذلك في حق الرجال والنساء وذكر القاضي في موضع لا يحكم له بالذكورية بالإنزال من ذكره ولا بالأنوثية بالحيض من فرجه ولا بالبلوغ بهذا
ولنا : أنه أمر خص الله تعالى به أحد الصنفين فكان دليلا عليه كالبول من ذكره أو من قبله ولأنه أنزل الماء الدافق لشهوة فوجب عليه الغسل لقوله عليه السلام [ الماء من الماء ] وبالقياس على من تثبت له الذكورية أو الانوثية

فصل : وإن كان الواطىء أو الموطوء صغيرا
فصل : فإن كان الواطىء أو الموطوء صغيرا فقال أحمد : يجب عليهما الغسل وقال : إذا أتى على الصبية تسع سنين ومثلها يوطأ وجب عليها الغسل وسئل عن الغلام يجامع مثله ولم يبلغ فجامع المرأة يكون عليهما جميعا الغسل ؟ قال : نعم قيل له أنزل أو لم ينزل ؟ قال : نعم وقال : ترى عائشة حين كان يطؤها النبي صلى الله عليه و سلم لم تكن تغتسل ويروى عنها : إذا التقى الختانان وجب الغسل وحمل القاضي كلام أحمد على الاستحباب وهو قول أصحاب الرأي و أبي ثور لأن الصغير لا يتعلق بها المأثم ولا هي من أهل التكليف ولا تجب عليها الصلاة التي تجب الطهارة لها فأشبهت الحائض ولا يصح حمل كلام أحمد على الاستحباب لتصريحه بالوجوب وذمه قول أصحاب الرأي وقوله هو قول سوء واحتج بفعل عائشة وروايتها للحديث العام في الصغير والكبير ولأنها أجابت بفعلها وفعل النبي صلى الله عليه و سلم بقولها فعلته أنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فاغتسلنا فكيف تكون خارجة منه وليس معنى وجوب الغسل في الصغير التأثيم بتركه بل معناه أنه شرط لصحة الصلاة والطواف وإباحة قراءة القرآن واللبث في المجد وإنما يأثم البالغ بتأخيره في موضع يتأخر الواجب بتركه ولذلك لو أخره في غير وقت الصلاة لم يأثم والصبي لا صلاة عليه فلم يأثم بالتأخير وبقي في حقه شرطا كما في حق الكبير إذا بلغ كان حكم الحدث في حقه باقيا كالحدث الأصغر ينقض الطهارة في حق الكبير والصغير والله أعلم

مسألة وفصلان : وجوب الغسل على من أسلم
مسألة : قال : وإذا أسلم الكافر
وجملته أن الكافر إذا أسلم وجب عليه الغسل سوء كان أصليا أو مرتدا اغتسل قبل إسلامه أو لم يغتسل وجد منه في زمن كفره ما يوجب الغسل أو لم يوجد وهذا مذهب مالك و أبي ثور و ابن المنذر وقال أبو بكر : يستحب الغسل وليس بواجب إلا أن يكون قد وجدت منه جنابة زمن كفره فعليه الغسل إذا أسلم سواء كان قد اغتسل في زمن كفره أو لم يغتسل وهذا مذهب الشافعي ولم يوجب عليه أبو حنيفة الغسل بحال لأن العدد الكثير والجم الغفير أسلموا فلو أمر كل من أسلم بالغسل لنقل نقلا متواترا أو ظاهرا ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال : [ ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإن محمدا عبده ورسوله فإن هم أطاعوك لذلك فاعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ] ولو كان الغسل واجبا لأمرهم به لأنه أول واجبات الإسلام
ولنا : ما روى قيس بن عاصم قال : [ أتيت النبي صلى الله عليه و سلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر ] رواه أبو داود و النسائي و أمره يقتضي الوجوب وما ذكروه من قلة النقل فلا يصح ممن أوجب الغسل على من أسلم بعد الجنابة في شركه فإن الظاهر أن البالغ لا يسلم منها ثم أن الخبر إذا صح كان حجة من غير اعتبار شرط آخر على أنه قد روي أن سعد بن معاذ وأسيد بن حضير حين أراد الإسلام سألا مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر ؟ قالا : نغتسل ونشهد شهادة الحق وهذا يدل على أنه كان مستفيضا ولأن الكافر لا يسلم غالبا من جنابة تلحقه ونجاسة تصيبه وهو لا يغتسل ولا يرتفع حدثه إذا اغتسل فأقيمت مظنة ذلك مقام حقيقته كما أقيم النوم مقام الحدث والتقاء الختانين مقام الإنزال
فصل : فإن أجنب الكافر ثم أسلم لم يلزمه غسل الجنابة سواء اغتسل في كفره أو لم يغتسل وهذا قول من أوجب غسل الإسلام وقول أبو حنيفة وقال الشافعي : عليه الغسل في الحالين وهذا اختيار أبي بكر لأن عدم التكليف لا يمنع وجوب الغسل كالصبا والجنون واغتساله في كفره لا يرفع حدثه لأنه أحد الحدثين فلم يرتفع في حال كفره كالحدث الأصغر وحكي عن أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي أنه يرفع حدثه لأنه أصح نية من الصبي وليس بصحيح لأن الطهارة عبادة محضة فلم تصح من كافر كالصلاة
ولنا على أنه لا يجب أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر أحدا بغسل الجنابة مع كثرة من أسلم من الرجال والنساء البالغين المتزوجين ولأن المظنة أقيمت مقام حقيقة الحدث فسقط حكم الحدث كالسفر مع المشقة
فصل : ويستحب ان يغتسل المسلم بماء وسدر كما في حديث قيس ويستحب إزالة شعره [ لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر رجلا أسلم فقال : احلق وقال لآخر معه : ألق عنك شعر الكفر واختتن ] رواه أبو داود وأقل أحوال الأمر الاستحباب

مسألة وفصول : الغسل من حيض أو نفاس
مسألة : والطهر من الحيض والنفاس
قال ابن عقيل : هذا تجوز فإن الموجب للغسل في التحقيق هو الحيض والنفاس لأنه هو الحدث وانقطاعه شرط وجوب الغسل وصحته فسماه موجبا لذلك وهذا كقولهم انقطاع دم الاستحاضة مبطل للصلاة والمبطل إنما هو الحدث الخارج لكن عفي عنه للضرورة فإذا انقطع الدم زالت الضرورة فظهر حكم الحدث حينئذ وأضيف الحكم إلى الانقطاع عنده ولا خلاف في وجوب الغسل بالحيض والنفاس وقد [ أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالغسل من الحيض في أحاديث كثيرة فقال لفاطمة بنت أبي حبيش : دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي ] متفق عليه
وأمر به في حديث أم سلمة وحديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده رواهما أبو دواد وغيره وأمر به حديث أم حبيبة وسهلة بنت سهلة وحمنة بنت جحش وغيرهن وقد قيل في قول الله تعالى : { فإذا تطهرن فاتوهن } يعني إذا اغتسلن منع الزوج وطأها قبل الغسل فدل على وجوبه عليها والنفاس كالحيض سواء فإن دم النفاس هو دم الحيض إنما كان في مدة الحمل ينصرف إلى غذاء الولد فحين خرج الولد خرج الدم لعدم مصرفه وسمي نفاسا
فصل : فأما الولادة إذا عربت من دم فلا يجب فيها الغسل في ظاهر كلام الخرقي وقال غيره : فيها وجهان أحدهما يجب الغسل بها لأنها مظنة للنفاس الموجب فقامت مقامه في الإيجاب كالتقاء الختانين ولأنها يستبرئ بها الرحم أشبهت الحيض ولأصحاب الشافعي وجهان كالوجهين والأول الصحيح فإن الوجوب بالشرع ولم يرد بالغسل ولا هو في معنى المنصوص فإنه ليس بدم ولا مني وإنما ورد الشرع بالإيجاب بهذين الشيئين وقولهم : إنه مظنة قلنا : المظان إنما يعلم جعلها مظنة بنص أو أجماع ولا نص في هذا ولا إجماع والقياس الآخر مجرد طرد لا معنى تحته ثم قد اختلفا في أكثر الأحكام فليس تشبهه به في هذا الحكم أولى من مخالفته في سائر الأحكام
فصل : إذا كان على الحائض جنابة فليس عليها أن تغتسل حتى ينقطع حيضها نص عليه أحمد وهو قول إسحاق وذلك لأن الغسل لا يفيد شئيا من الأحكام فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها صح غسلها وزال حكم الجنابة نص عليه أحمد وقال : تزول الجنابة والحيض لا يزول حتى ينقطع الدم قال : ولا أعلم أحدا لا تغتسل إلا عطاء فإنه قال : الحيض أكبر قال : ثم نزل عن ذلك وقال : تغتسل وهذا لأن أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر كما لو اغتسل المحدث الأصغر

فصل : ولا يجب الغسل على من غسل الميت
فصل : ولا يجب الغسل من غسل الميت وبه قال ابن عباس وابن عمر وعائشة والحسن و النخعي و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي وعن أبي هريرة أنهما قالا : من غسل ميتا فليغتسل وبه قال سعيد بن المسيب و ابن سيرين و الزهري و اختاره أبو إسحاق الجوزجاني لما روي عن أبي هريرة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من غسل ميتا فليغتسل ومن حمل ميتا فليتوضأ ] قال الترمذي : هذا حديث حسن وذكر أصحابنا رواية أخرى عن أحمد في وجوب الغسل علىمن غسل الميت الكافر خاصة [ لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر عليا أن يغتسل لما غسل أباه ]
ولنا قول صفوان بن عسال الرازي قال : [ أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ] ولأنه غسل آدمي فلم يوجب الغسل كغسل الحي وحديثهم موقوف على أبي هريرة قاله الإمام أحمد وقال ابن المنذر : ليس في هذا حديث يثبت ولذلك لا يعمل به في وجوب الوضوء على من حمله وقد ذكر لعائشة قول أبي هريرة : [ ومن حمله فليتوضأ ] قالت : وهل هي إلا أعواد حملها ؟ ذكر الأثرم بإسناده ولا نعلم أحدا قال به في الوضوء من حمله وأما [ حديث علي رضي الله عنه قال أبو إسحاق الجورجاني : ليس فيه أنه غسل أبا طالت ليس فيه أنه غسل أبا طالب إنما قال النبي صلى الله عليه و سلم : اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني قال : فأتيته فأمرني فاغتسلت وقد قيل : يجب الغسل من غسل الكافر الحي ] ولا نعلم لقائل هذا القول حجة توجبه وأهل العلم على خلافه

فصل : ولا يجب الغسل على المجنون والمغمى عليه
فصل : ولا يجب الغسل على المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا من غير احتلام ولا أعلم في هذا خلافا قال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اغتسل من الاغماء وأجمعوا على أنه لا يجب ولأن زوال العقل في نفسه ليس بموجب للغسل ووجود الإنزال مشكوك فيه فلا نزول عن اليقين بالشك فإن تيقن منهما الإنزال فعليهما الغسل لأنه يكون من احتلام فيدخل في جملة الموجبات المذكورة ويستحب الغسل من جميع ما نفينا وجوب الغسل منه لوجود ما يدل عليه من فعل النبي صلى الله عليه و سلم له والخروج من الخلاف

مسألة : طهارة جسم الحائض والجنب الكافر
مسألة : قال : والحائض والجنب والمشرك إذا غمسوا أيديهم في الماء فهو طاهر
أما طهارة الماء فلا إشكال فيه إلا أن يكون على ايديهم نجاسة فإن أجسامهم طاهرة وهذه الأحداث لا تقتضي تنجيسها قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن عرق الجنب طاهر ثبت ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم من الفقهاء وقالت عائشة : عرق الحائض طاهر وكل ذلك قول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي ولا يحفظ عن غيرهم خلافهم وقد روى أبو هريرة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال : فانخنست منه فاغتسلت ثم جئت فقال : أين كنت يا أبا هريرة ؟ قال : يا رسول الله كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال : سبحان الله أن المؤمن لا ينجس ] متفق عليه وروي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قد إليه بعض نسائه قصعة ليتوضأ منها فقالت امرأة : إني حائض قال : إن حيضتك ليست في يدك ] و [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يشرب من سؤر عائشة وهي حائض ويضع فاه على موضع فيها وتتعرق العرق وهي حائض ] و [ توضأ النبي صلى الله عليه و سلم من مزادة مشركة ] متفق عليه وتوضأ عمر من جرة نصرانية و [ أجاب النبي صلى الله عليه و سلم يهوديا دعاه إلى خبز وإهالة سنخة ] و لأن الكفر معنى في قلبه فلا يؤثر في نجاسة ظاهره كسائر ما في القلب والأصل الطهارة ويتخرج التفريق بين الكتابي لا يأكل الميتة والخنزير وبين غيره ممن يأكل الميتة والخنزير ومن لا تحل ذبيحتهم كما فرقنا بينهم في آنيتهم وثيابهم

فصل : حكم الماء بعد غمس الحائض أو الجنب
فصل : وأما طهورية الماء فإن الحائض والكافر لا يؤثر غمسهما يديهما في الماء شيئا لأن حدثهما لا يرتفع وأما الجنب فإن لم ينو بغمس يده في الماء رفع الحدث منها فهو باق على طهوريته بدليل حديث المرأة التي قالت : غمست يدي في الماء وأنا جنب [ فقال النبي صلى الله عليه وسمل : الماء لا يجنب ] ولأن الحدث لا يرتفع من غير نية فأشبه غمس الحائض وإن نوى رفع حدثها فحكم الماء حكم ما لو اغتسل الجنب فيه للجنابة وقال بعض أصحابنا : إذا نوى رفع الحدث ثم غمس يده في الماء ليغترف بها صار الماء مستعملا الصحيح إن شاء الله أنه إذا نوى الاغتراف لم يصر مستعملا لأن قصد الاغتراف منع قصد غسلها علىما بيناه في المتوضىء إذا اغترف من الإناء بعد غسل وجهه وإن انقطع حيض المرأة ولم تغتسل فهي كالجنب فيما ذكرنا من التفصيل وقد اختلف عن أحمد في هذا فقال ك في موضع في الجنب والحائض يغمس يده في الإناء إذا كانا نظيفين فلا بأس به وقال في موضع آخر : كنت لا أرى به بأسا ثم حدثت عن شعبة عن محارب بن دثار عن ابن عمر وكأني تهيبته وسئل عن جنب وضع له ماء فأدخل يده ينظر حره من برده قال : إن كان أصبعا فأرجوا أن لا يكون به بأس وإن كان اليد أجمع فكأنه كرهه وسئل عن الرجل يدخل الحمام وليس معه أحد ولا ما يصب به على يده أترى له أن يأخذ بفمه ؟ قال : لا يده وفمه واحد وقياس المذهب ما ذكرناه وكلام أحمد محمول على الكراهة المجردة لما فيه من الخلاف وقال أبو يوسف : أن إدخل الجنب يده في الماء لم يفسد وإن أدخل رجله فسد لأن الجنب نجس وعفي عن يده لموضع الحاجة وكره النخعي الوضوء بسؤر الحائض وقال جابر بن زيد : لا يتوضأ به للصلاة وأكثر أهل العلم لا يرون بسؤرها بأسا منهم الحسن و مجاهد و الزهري و مالك و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أبو عبيد وقد دللنا على طهارة الجنب والحائض والتفريق بين اليد والرجل لا يصح لأنهما استويا فيما إذا أصابتهما نجاسة فاستويا في الجنابة ويحتمل أن نقول به لأن اليد يراد بها الاغتراف وقصده هو المانع من جعل الماء مستعملا وهذا لا يوجد في الرجل لأنها لا يغترف بها فكان غمسها بعد أرادة الغسل استعمالا للماء والله أعلم

مسألة وفصول : توضوء الرجل بفضل وضوءه وطهور المرأة
مسألة : قال : ولا يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة إذا خلت بالماء
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في وضوء الرجل وضوء المرأة إذا خلت به والمشهور عنه أنه لا يجوز ذلك وهو قول عبد الرحمن بن سرجس و الحسن و غنيم بن قيس و هو قول ابن عمر في الحائض والجنب قال أحمد يغتسل بفضل وضوء ميمونة وقالت ميمونة : [ اغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه و سلم إني قد اغتلست منه فقال : الماء ليس على جنابة ] ولأنه ماء طهور جاز للمرأة الوضوء به فجاز للرجل كفضل الرجل
ووجه الرواية الأولى ما روى الحكم بن عمرو [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ] قال الترمذي : هذا حديث حسن ورواه أبو داود و ابن ماجة قال الخطابي : قال محمد بن إسماعيل : خبر الأقرع لا يصح والصحيح في هذا خبر عبد الله بن سرجس وهو موقوف ومن رفعه أخطأ قلنا : قد رواه أحمد واحتج به وهذا يقدم على التضعيف لاحتمال أن يكون قد روي من وجه صحيح خفي على من ضعفه وأيضا فإنه قول جماعة من الصحابة قال أحمد أكثر رسول الله صلى الله عليه و سلم يقولون إذا خلت بالماء فلا يتوضأ منه فأما حديث ميمونة فقد قال أحمد : أنفيه لحال سماك ليس أحد يرويه غيره وقال : فيه اختلاف شديد بعضهم يرفعه وبعضهم لا يرفعه ولأنه يحتمل أنها لم تخل به فيحمل عليه جميعا بين الخبرين
فصل : واختلف أصحابنا في تفسير الخلوة به فقال الشريف أبو جعفر قولا على أن الخلوة هي أن لا يحضرها من لا تحصل الخلوة من النكاح بحضوره سواء كان رجلا أو امرأة أو صبيا عاقلا لأنها إحدى الخلوتين فنافاها حضور أحد هؤلاء كالأخرى وقال القاضي : هي أن لا يشاهدها رجل مسلم فإن شاهدها صبي أو امرأة أو رجل كافر لم تخرج بحضورهم عن الخلوة وذهب بعض الأصحاب إلى أن الخلوة استعمالها للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله لأن أحمد قال إذا خلت به فلا يعجبني أن يغتسل هو به وإذا شرعا فيه جميعا فلا بأس به لقول عبد الله بن سرجس : اغتسلا جميعا هو هكذا وأنت هكذا قال عبد الواحد في إشارته : كان الإناء بينهما وإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم وقد [ كانت عائشة تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد يغترفان منه جميعا ] متفق عليه فيخص بهذا عموم النهي وبقينا فيما عداه على العموم
فصل : فإن خلت به في بعض أعضائها أو في تجديد طهارة أو استنجاء أو غسل نجاسة ففيه وجهان أحدهما : المنع لأنه طهارة شرعية والثاني لا يمنع لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة وإن خلت به ذمية في اغتسالها ففيه وجهان أحدهما هو كخلوة المسلمة لأنها أدنى حالا من المسلمة وأبعد من الطهارة وقد تعلق بغسلها حكم شرعي وهو حل وطئها إذا اغتسلت من الحيض وأمرها به إذا كان من جنابة والثاني لا يؤثر لأن طهارتها لا تصح فهي كتبردها وإن خلت المرأة بالماء في تبردها أو تنظيفها أو غسل ثوبها من الوسخ لم يؤثر لأنه ليس بطهارة
فصل : وإنما تؤثر خلوتها في الماء القليل وما بلغ القلتين لا تؤثر خلوتها فيه لأن حقيقة النجاسة والحدث لا تؤثر فيه فوهم ذلك أولى

فصل : حكم منع الرجل من استعمال فضلة وطهور المرأة تعبدي ويجوز لامرأة سواها التطهر به
فصل : ومنع الرجل من استعمال فضلة طهور المرأة تعبدي غير معقول المعنى نص عليه أحمد ولذلك يباح لامرأة سواها التطهر به في طهارة الحدث وغسل النجاسة وغيرهما لأن النهي اختص الرجل ولم يعقل معناه فيجب قصره على محل النهي وهل يجوز للرجل غسل النجاسة به ؟ فيه وجهان : أحدهما لا يجوز وهو قول القاضي لأنه مانع لا يرفع حدثه فلم يزل النجس كسائر المائعات والثاني يجوز وهو صحيح لأنه ماء يطهر المرأة من الحدث والنجاسة ويزيلها من المحال كلها إذا فعلته فيزيلها إذا فعله الرجل كسائر المياه ولأنه ماء يزيل للنجاسة بمباشرة المرأة فيزيلها إذا فعله الرجل كسائر المياه والحديث لا تعقل علته فيقتصر على ما ورد به لفظه ونحو هذا يحكى عن ابن أبي موسى والله أعلم

باب الغسل من الجنابة
مسألة : صفة الغسل والكمال : عشرة أشياء والغسل يغني عن الوضوء
مسألة : قال : أبو القاسم : وإذا أجنب غسل ما به من أذى وتوضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاثا يروي أصول الشعر ثم يفيض الماء على سائر جسده
قال الفراء : يقال جنب الرجل وأجنب وتجنب واجتنب من الجنابة ولغسل الجنابة صفتان صفة اجزاء وصفة كمال فالذي ذكره الخرقي ههنا صفة الكمال قال بعض أصحابنا : الكامل يأتي فيه بعشرة أشياء : النية والتسمية وغسل يديه ثلاثا وغسل ما به من أذى والوضوء ويحثي على رأسه ثلاثا يروي بها أصول الشعر ويفيض الماء على سائر جسده ويبدأ بشقه الأيمن ويدلل بدنه بيده وينتقل من موضع غسله فيغسل قدميه ويستحب أن يخلل أصول شعر رأسه ولحيته بماء قبل إفاضته عليه قال أحمد : الغسل من الجنابة على حديث عائشة وهوما روي عنها قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثا وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته افاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده ] متفق عليه وقالت ميمونة : [ وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم وضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم ضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض الماء على رأسه ثم غسل جسده ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيديه ] متفق عليه وفي هذين الحديثين كثير من الخصال المسماة وأما البداية بشقه الأيمن فلأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يحب التيمن في طهوره وفي حديث عن عائشة [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفيه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه ] متفق عليه وأما غسل الرجلين بعد الغسل فقد اختلف عن أحمد في موضعه فقال في رواية : أحب إلي أن يغسلهما بعد الوضوء لحديث ميمونة وقال في رواية : العمل على حديث عائشة وفيه [ أنه توض للصلاة قبل اغتساله ] وقال في موضع : [ غسل رجليه في موضعه وبعده وقبله سواء ] ولعله ذهب إلى أن اختلاف الأحاديث فيه يدل على أن موضع الغسل ليس بمقصود وإنما المقصود أصل الغسل والله تعالى أعلم
مسألة : قال : وإن غسل مرة وعم بالماء رأسه وجسده ولم يتوضأ أجزأه بعد أن يتمضمض ويستنشق وينوي به الغسل والوضوء وكان تاركا للاختيار
هذا المذكور صفة الأجزاء والأول هو المختار ولذلك قال : وكان تاركا للأختيار يعني إذا اقتصر على هذا أجزأه مع تركه للأفضل والأولى وقوله وينوي به الغسل والوضوء يعني أنه يجزئه الغسل عنهما إذا نواهما نص عليه أحمد وعنه رواية أخرى لا يجزئه الغسل عن الوضوء حتى يأتي به قبل الغسل أو بعده وهو أحد قولي الشافعي لأن النبي صلى الله علهي وسلم فعل ذلك ولأن الجنابة والحدث وجدا منه فوجبت لهما الطهارتان كما لو كان ولنا قوله تعالى : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة فإذا اغتسل يجب أن لا يمنع منها ولأنهما عبادتان من جنس واحد فتدخل الصغرى في الكبرى كالعمرة في الحج قال ابن عبد البر المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعم جميع جسده فقد أدى ما عليه لأن الله تعالى إنما افترض على الجنب الغسل من الجنابة دون الوضوء بقوله : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } وهو إجماع لا خلاف فيه بين العلماء إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبل الغسل تاسيا برسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا يتوضأ بعد الغسل وأهدب فيه ] وروى بإسناده [ عن عائشة قلت : كان رسول لله صلى الله عليه و سلم لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة فإن لم ينو الوضوء لم يجزه إلا عن الغسل فإن نواهما ثم أحدث في أثناء غسله أتم غسله ويتوضأ ] وبهذا قال عطاء و عمرو بن دينار و الثوري ويشبه مذهب الشافعي وقال الحسن : يستأنف الغسل ولا يصح لأن الحدث لا ينافي الغسل فلا يؤثر وجوده فيه كغير الحدث

فصل : ولا يجب امرار باليد على الجسد
فصل : ولا يجب عليه امرار يده على جسده في الغسل والوضوء إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده وهذا قول الحسن و النخعي و الشعبي و حماد و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي وقال مالك : امرار يده إلى حيث تنال يده واجب ونحوه قال أبو العالية وقال عطاء : في الجنب يفيض عليه الماء ؟ قال : لا بل يغتسل غسلين لأن الله تعالى قال : حتى لا تغتسلوا ولا يقال اغتسل إلا لمن دلك نفسه ولأن الغسل طهارة عن حدث فوجب امرار اليد فيها كالتيمم
ولنا ما روت أم سلمة قالت : [ قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ فقال : لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ] رواه مسلم ولأنه غس واجب فلم يجب فيه امرار اليد كغسل النجاسة وما ذكروه في الغسل غير مسلم فإنه يقال : غسل الإناء وإن لم يمر يده ويسمى السيل الكبير غاسولا والتيمم أمرنا فيه بالمسح لأنه طهارة بالتراب ويتعذر في الغالب امرار التراب إلا باليد فإن قيل : فهذا الحديث لم تذكر في النية وهي واجبة ولا المضمضة والاستنشاق وهما واجبان عندكم قلنا : أما النية فإنها سألته عن الجنابة ولا يكون الغسل للجنابة إلا بالنية وأما المضمضة والاستنشاق فقد دخلا في عمومه لقوله : [ ثم تفيضين عليك الماء ] والفم والأنف من جملتها

فصل : ولا يجب الترتيب ولا الموالاة
فصل : ولا يجب الترتيب ولا الموالاة في أعضاء الوضوء إذا قلنا الغسل يجزئ عنها لأنهما عبادتان دخلت إحداهما في الأخرى فسقط حكم الصغرى كالعمرة مع الحج نص على هذا أحمد قال حنبل : سألته عن جنب اغتسل وعليه خاتم ضيق ؟ قال : يغسل موضع الخاتم قلت : فإن جف غسله ؟ قال : يغسله ليس هو بمنزلة الوضوء محدود وهذا على الجملى قال الله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } قلت : فإن صلى ثم ذكر قال : يغسل موضعه ثم يعيد الصلاة وأكثر أهل العلم لا يرون تفريق الغسل مبطلا له إلا أن ربيعة قال : من تعمد ذلك فأرى عليه أن يعيد الغسل وبه قال الليث واختلف فيه عن مالك وفيه وجه لأصحاب الشافعي وما عليه الجمهور أولى لأنه غسل لا يجب فيه الترتيب فلا تجب الموالاة كغسل النجاسة فلو اغتسل إلا أعضاء وضوئه لم يجب الترتيب فيها لأن حكم الجنابة باق وقال ابن عقيل و الآمدي : فيمن غسل جميع بدنه إلا رجليه ثم أحدث يجب الترتيب في الاعضاء الثلاثة لانفرادها بالحدث الأصغر ولا يجب الترتيب في الرجلين لا جتماع الحدثين فيهما

فصل : واجبات الغسل : النية وغسل جميع البدن
فصل : فعلى هذا يكون واجبات الغسل شيئين لا غير : النية وغسل جميع البدن فأما التسمية فحكمها حكم التسمية في الوضوء على ما مضى بل حكمها في الجنابة أخف لأن حديث التسمية إنما تناول بصريحة الوضوء لا غير

فصل : الوضوء لعدة أحداث
فصل : إذا اجتمع شيئان يوجبان الغسل كالحيض والجنابة أو التقاء الختانين والإنزال ونواهما بطهارته أجزأه عنهما قاله أكثر أهل العلم منهم عطاء و أبو الزناد و ربيعة و مالك و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي ويروى عن الحسن و النخعي في الحائض الجنب يغتسل غسلين
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يغتسل من الجماع إلا غسلا واحدا وهو يتضمن شيئين إذا هو لازم للإنزال في غالب الأحوال ولأنهما سببان يوجبان الغسل فأجزأه الغسل الواحد عنهما كالحدث والنجاسة وهكذا الحكم إن اجتمعت أحداث توجب الطهارة الصغرى كالنوم وخروج النجاسة واللمس فنواها بطهارته أو نوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أجزأه عن الجميع وإن نرى أحدها أو نوت المرأة الحيض دون الجنابة فهل تجزئه عن الآخر ؟ على وجهين أحدهما تجزئه عن الآخر لأنه غسل صحيح نوى به الفرض فأجزأه كما لو نوى استباحة الصلاة والثانية يجزئه عما نواه دون ما لم ينوه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما لكل امرىء ما نوى ] وكذلك لو اغتسل للجمعة هل تجزئه عن الجنابة ؟ على وجهين مضى توجيههما فيما مضى

فصل : وإذا بقيت لمعة من الجسد يجزئه أن يدلكها بلل شعره
فصل : إذا بقيت لمعة من جسده لم يصيبها الماء فروي عن أحمد أنه سئل عن حديث العلاء بن زياد [ أن النبي صلى الله عليه و سلم اغتسل فرأى لمعة لم يصيبها الماء فدلكها بشعره قال : نعم آخذ به ] رواه ابن ماجة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم وروي عن علي قال : [ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إني اغتسلت من الجنابة وصليت ثم أضحيت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصيبه الماء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو كنت مسحت عليه بيدك أجزاك ] رواه ابن ماجة أيضا قال مهنا وذكر لي أحمد [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رأى على رجل موضعا لم يصبه الماء فأمره أن يعصر شعره عليه ] وروي عن أحمد أنه قال : يأخذ ماء جديدا فيه حديث لا يثبت بعصر شعره وذكر له حديث ابن عباس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم عصر لمته على لمعة كانت في جسده ] قال : ذاك ولم يصححه والصحيح إن ذلك يجزئه إذا كان من بلل الغسلة الثانية أو الثالثة وجرى ماؤه على تلك اللمعة لأن غسلها بذلك البلل كغسلها بماء جديد مع ما فيه من الأحاديث والله أعلم

مسألتان وفصلان : إسباغ الوضوء - معنى الاسباغ - مقدار الرطل العراقي - ويجزئ المد من الماء وما دون ذلك وإن بأكثر جاز
مسألة : قال : ويتوضأ بالمد وهو رطل وثلث ويغتسل بالصاع وهو أربعة أمداد
ليس في حصول الاجزاء بالمد في الوضوء والصاع في الغسل خلاف نعلمه وقد روى سفينة قال [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد ] رواه مسلم وروي إن قوما سألوا جابرا عن الغسل فقال : يكفيلك صاع فقال رجل : ما يكفيني فقال جابر : كان يكفي من هو أوفى شعرا منك وخير منك يعني النبي صلى الله عليه و سلم متفق عليه وفيه أخبار كثيرة صحاح والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي والمد ربع ذلك وهو رطل وثلث وهذ قول مالك و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد و أبي يوسف وقال أبو حنيفة : الصاع ثمانية أرطال لأن أنس بن مالك قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ بالمد وهو رطلان ويغتسل بالصاع ]
ولنا ما روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لكعب بن عجرة : أطعم ستة مساكين فرقا من طعام ] متفق عليه قال أبو عبيد ولا اختلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصح والفرق ستة عشر رطلا فثبت أن الصاع خمسة أرطال وثلث وروي أن أبا يوسف دخل المدينة فسألهم عن الصاع فقالوا خمسة أرطال وثلث فطالبهم بالحجة فقالوا : غداذ فجاء من الغد سبعون شيخا كل واحد منهم آخذ صاعا تحت ردائه فقال : صاعي ورثته عن أبي وورثه أبي عن جدي حتى انتهو به إلى النبي صلى الله عليه و سلم فرجع أبو يوسف عن قوله وهذا اسناد متواتر يفيد القطع وقد ثبت [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : المكيال مكيال أهل المدينة ] ولم يثبت لنا تغييره وحديث أنس هذا انفرد به موسى بن نصر وهو ضعيف الحديث قاله الدارقطني
فصل : والرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباغ درهم وهو تسعون مثقالا والمثقال درهم وثلاثة أسباغ درهم هكذا كان قديما ثم أنهم زادوا فيه مثقالا فجعلوه إحدى وتسعين مثقالا وكمل به مائة وثلاثون درهما وقصدوا بهذه الزيادة إزالة كسر الدرهم والعمل على الأول لأنه الذي كان موجودا وقت تقدير المد به فيكون المد حينئذ مائة درهم وإحدى وسبعين درهما وثلاثة أسباغ درهم وذلك بالرطل الدمشقي وزنه ستمائة درهم - ثلاثة أواقي أسباغ أوقية والصاع أربعة أمداد فيكون رطلا وأوقية وخمسة أسباغ أوقية وإن شئت قلت هو رطل وسبع رطل
مسألة : قال : فإن أسبغ بدونهما أجزأه
معنى الإسباغ أن يعم جميع الأعضاء بالماء بحيث يجري عليها لان هذا هو الغسل وقد أمرنا بالغسل قال أحمد : إنما هو الغسل ليس المسح فإذا أمكنه أن يغسل غسلا وإن كان مدا أو أقل من مد أجزأه وهذا مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم وقد قيل : لا يجزىء دون الصاع في الغسل والمد في الوضوء وحكى هذا عن أبي حنيفة لأنه روي عن جابر قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يجزىء من الوضوء مد ومن الجنابة صاع ] والتقدير بهذا يدل على أنه لا يحصل الأجزاء بدونه
ولنا : أن الله تعالى أمر بالغسل وقد أتى به فيجب أن يجزئه وقد [ روي عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه و سلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك ] رواه مسلم و [ عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ بثلثي مد ] وحديثهم إنما دل بمفهومه وهم لا يقولون به ثم أنه إنما يدل بشرط أن لا يكون للتخصيص فائدة سوى تخصيص الحكم به وههنا إنما خصه لأنه خرج مخرج الغالب لأنه لا يكفي في الغالب أقل من ذلك ثم ما ذكرناه منطوق وهو مقدم على المفهوم اتفاقا وقد روى الأثرم عن القعنبي عن سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن عطاء أنه سمع سعيد بن المسيب ورجلا من أهل العراق يسأله عما يكفي الإنسان من غسل الجنابة فقال سعيد : إن لي تورا يسع مدين من ماء ونحو ذلك فاغتسل به ويكفيني ويفضل منه فضل فقال الرجل : فوالله لا ستنثر وأتمضمض بمدين من ماء ونحو ذلك فقال سعيد بن المسيب : فبم تأمرني إن كان الشيطان يلعب بك فقال له الرجل : فإن لم يكفني فإني رجل كما ترى عظيم فقال له سعيد بن المسيب ثلاثة أمداد فقال : ثلاثة أمداد قليل فقال له سعيد فصاع وقال سعيد : إن لي ركوة أو قدحا ما يسع إلا نصف المد ماء أو نحوه ثم أبول ثم أتوضأ وأفضل منه فضلا قال عبد الرحمن : فذكرت هذا الحديث الذي سمعت من سعيد بن المسيب لسليمان بن يسار فقال سليمان : وأنا يكفيني مثل ذلك قال عبد الرحمن : فذكرت ذلك ل أبي عبيدة بن عمار بن ياسر فقال أبو عبيدة وهكذا سمعنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال إبراهيم النخعي : أني لأتوضأ من كوز الحب مرتين
فصل : وإن زاد على المد في الوضوء والصاع في الغسل جاز فان عائشة قالت : [ كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه و سلم من إناء واحد من قدر يقال له الفرق ] رواه البخاري والفرق ثلاثة آصع وعن أنس قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ] رواه البخاري أيضا ويكره الاسراف في الماء والزيادة الكثيرة فيه لما روينا من الآثار وروى عبد الله بن عمرو [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف فقال : أفي الوضوء أسراف ؟ فقال : نعم وإن كنت على نهر جار ] رواه ابن ماجة وعن أبي بن كعب قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن للوضوء شيطانا يقال له ولهان فاتقوا وسواس الماء ] وكان يقال من قلة فقه الرجل ولوعه بالماء

مسألة : نقص الشعر للغسل المرأة
مسألة : قال : وتنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض وليس عليها نقضه من الجنابة إذا أروت أصوله
نص على هذا أحمد قال : مهنا سألت أحمد عن المرأة تنقض شعرها إذا اغتسلت من الجنابة فقال : لا فقلت له : في هذا شيء ؟ قال : نعم حديث أم سلمة قلت : فتنقض شعرها من الحيض ؟ قال : نعم قلت له : وكيف تنقضه من الحيضة ولا تنقضه من الجنابة ؟ فقال : حديث أسماء [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا تنقضه ] ولا يختلف المذهب في أنه لا يجب نقضه من الجنابة ولا أعلم فيه خلافا بين العلماء إلا ما روي عن عبد الله بن عمرو : روى أحمد في المسند حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير قال : بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ييقضن رؤوسهن فقالت : يا عجبا لابن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن ؟ لقد كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم نغتسل فلا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث افراغات واتفق الأئمة الأربعة على أن نقضه غير واجب وذلك ل [ حديث أم سلمة أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم : أني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة ؟ قال : لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ] رواه مسلم إلا أن يكون في رأسها حشو أو سدر يمنع وصول الماء إلى ما تحته اختصاصها بكثرة الشعر وتوفيره وتطويله وأما نقضه للغسل من الحيض فاختلف أصحابنا في وجوبه فمنهم من أوجبه وهو قول الحسن و طاوس لما روي عن عائشة رضي الله عنها [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها إذ كانت حائضا : خذي ماءك وسدرك وامتشطي ] ولا يكون المشط إلى في شعر غير مضفور ول البخاري : [ أنقضي رأسك وامتشطي ] ول ابن ماجة : [ انقضي شعرك واغتسلي ] ولأن الأصل وجوب نقض الشعر ليتحقق وصول الماء إلى ما يجب غسله فعفي عنه في غسل الجنابة لأنه يكثر فيشق ذلك فيه والحيض بخلافه فبقي على مقتضى الأصل في الوجوب وقال بعض أصحابنا : هذا مستحب غير واجب وهو قول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله لأن في بعض الفاظ حديث أم سلمة أنها [ قالت للنبي صلى الله عليه و سلم : إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيضة وللجنابة ؟ فقال : لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ] رواه مسلم وهذه زيادة يجب قبولها وهذا صريح في نفي الوجوب [ وروت أسماء أنها سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن غسل الحيض فقال : تأخذ احداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء ] رواه مسلم ولو كان النقض واجبا لذكره لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجبة ولأنه موضع من البدن فاستوى فيه الحيض والجنابة كسائر البدن وحديث عائشة الذي رواه البخاري ليس فيه أمر بالغسل ولو أمرت بالغسل لم يكن فيه حجة لأن ذلك ليس هو غسل الحيض إنما أمرت بالغسل في حال الحيض للإحرام بالحج فإنها قالت : [ أدركني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي ] وإن ثبت الأمر بالغسل حمل على الاستحباب بما ذكرنا من الحديث وفيه ما يدل على الاستحباب لأنه أمرها بالمشط وليس بواجب فما هو من ضرورته أولى

فصل : غسل الشعر وما تحت الشعر
فصل : وغسل بشرة الرأس واجب سواء كان الشعر كثيفا أو خفيفا وكذلك كل ما تحت الشعر كجلد اللحية وغيرها لما [ روت أسماء أنها سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن غسل الجنابة فقال : تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تفيض عليها الماء ] [ عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل به من النار كذا وكذا ] قال علي : فمن ثم عاديت شعري قال : وكان يجز شعره رواه أبو داود ولأن ما تحت الشعر بشرة أمكن إيصال الماء إليها من غير ضرر فلزمه كسائر بشرته

فصل : ويجب غسل ما استرسل من الشعر
فصل : فأما غسل ما استرسل من الشعر وبل ما على الجسد منه ففيه وجهان : أحدهما يجب وهو ظاهر قول الأصحاب ومذهب الشافعي لما [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقلوا البشرة ] رواه أبو داود وغيره ولأنه شعر نابت في محل الغسل فوجب غسله كشعر الحاجبين وأهداب العيينن والثاني لا يجب ويحتمله كلام الخرقي وهو قول أبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ] مع إخبارها اياه بشد ضفر رأسها ومثل هذا لا يبل الشعر المشدود ضفره في العادة ولأنه لو وجب بله لوجب نقضه ليعلم أن الغسل قد أتى عليه ولأن الشعر ليس من أجزاء الحيوان بدليل أنه لا ينجس بموته ولاحياة فيه ولا ينقض الوضوء مسه من المرأة ولا تطلق بطلاقه فلم يجب غسله للجنابة كثيابها وأما حديث [ بلوا الشعر ] فيرويه [ الحارث بن وجيه ] وحده وهو ضعيف عن مالك بن دينار وأما الحاجبان فيجب غسلهما لأن من ضرورة غسل بشرتهما غسلهما وكذا كل شعر من ضرورة غسل بشرته غسله فيجب غسله ضرورة أن الواجب لا يتم إلا به وإن قلنا يوجب غسله فترك غسل بعضه لم يتم غسله فإن قطع المتروك ثم غسله لأنه لم يبق في بدنه شيء غير مغسول ولو غسله ثم انقطع لم يجب غسل موضع القطع ولم يقدح ذلك في غسله

فصل : وغسل الحيض كغسل الجنابة
فصل : وغسل الحيض كغسل الجنابة إلا في نقض الشعر وأنه يستحب أن يغتسل بماء وسدر وتأخذ فرصه ممكنة فتتبع بها مجرى الدم والموضع الذي يصل إليه الماء من فرجها ليقطع عنها زفورة الدم ورائحته فإن لم تجد مسكا فغيره من الطيب فإن لم تجد فالماء شاف كاف قالت عائشة رضي الله عنها : [ إن أسماء سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن غسل المحيض قال ك تأخذ إحداكن سدرتها وماءها فتطهر فتحسن الطهور ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها فقالت اسماء : وكيف أتطهر بها ؟ فقال : سبحان الله تطهري بها فقالت عائشة كأنها تخفي ذلك : تتبعي أثر الدم ] رواه مسلم الفرصة هي القطعة من كل شيء

فصل : استحباب الوضوء للجنب
فصل : ويستحب للجنب إذا أراد أن ينام أو يطأ ثانيا أو يأكل أن يغسل فرجه ويتوضأ وروي ذلك عن علي وعبد الله بن عمرو وكان عبد الله بن عمر يتوضأ إلا غسل قدميه وقال ابن المسيب : إذا أراد أن يأكل يغسل كفيه ويتمضمض وحكي نحوه عن إمامنا و إسحاق وأصحاب الرأي وقال مجاهد : يغسل كفيه لما روي عن عائشه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه ] رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجة وقال مالك : يغسل يديه إن كان أصابهما أذى وقال ابن المسيب وأصحاب الرأي : ينام ولا يمس ماء لما روى الأسود عن عائشه قالت : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء ] رواه أبو داود و ابن ماجة وغيرهما وروى أحمد في المسند حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجنب ثم ينام ولا يمس ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل ] وروي [ إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد ] رواه البخاري ولأنه حدث يوجب الغسل فلا يستحب الوضوء مع بقائه كالحيض
ولنا ما روي [ أن عمر سأل النبي صلى الله عليه و سلم : أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال نعم إذا توضأ ] متفق عليه وعن أبي سعيد قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ ] رواه مسلم وعن عائشه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ يعني وهو جنب ] رواه أبو داود فأما حديث عائشة ينام وهو جنب ولا يمس ماء فرواه أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة ورواه غير واحد عن الأسود عن عائشة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ قبل أن ينام ] رواه شعبة و الثوري ويرون أنه غلط من إبي إسحاق قال أحمد : أبو إسحاق روى عن الأسود حديثا خالف فيه الناس فلم يقل أحد عن الأسود مثل ما قد قال فلو أحاله على غير الأسود والحديث الآخر ليس فيه أنه لم يتوضأ حين أراد أن يعود على أن هذه الأحاديث محمولة على الجواز وأحاديثنا تدل على الاستحباب فالحائض حدثها قائم فلا وضوء مع ما ينافيه فلا معنى للوضوء

فصول في الحمام
فصل : بناء الحمام واستئجاره
فصل : بناء الحمام وبيعه وشراؤه وكراؤه مكروه عند أبي عبد الله قال في الذي يبني حماما للنساء ليس بعدل قال أبو داود : سألت أحمد عن كري الحمام قال : أخشى كأنه كرهه وقيل له : فإن اشترط على المكتري أن لا يدخله أحد بغير ازار فقال : ويضبط هذا ؟ وكأنه لم يعجبه وإنما كرهه لما في من فعل المنكرات من كشف العورات ومشاهدتها ودخول النساء إياها

فصل : حكم دخول الحمام
فصل : فأما دخوله فإن كان الداخل رجلا يسلم من النظر إلى العورات ونظر الناس إلى عورته فلا بأس بدخوله فإنه يروى أن ابن عباس دخل حماما بالجحفة ويروى ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم ويروى عن خالد بن الوليد أنه دخل الحمام وكان الحسن وابن سيرين يدخلان الحمام رواه الخلال وإن خشي أن لا يسلم من ذلك كره له ذلك لأنه لا يأمن وقوعه في المحظور فإن كشف العورة ومشاهدتها حرام بدليل ما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قال : [ يا رسول الله فإذا كان أحدنا خاليا قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قال : يا رسول الله فإذا كان أحدنا خاليا قال : فالله أحق أن يستحى منه من الناس ] و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ] و [ قال عليه السلام : لا تمشوا عراة ] رواهما مسلم قال أحمد : إن علمت أن كل من في الحمام عليه ازار فادخله وإلا فلا تدخل وقال سعيد بن جبير : دخول الحمام بغير إزار حرام

فصل : وليس للنساء دخول الحمام ولو بستر
فأما النساء فلس لهن دخوله مع ما ذكرنا من الستر إلا لعذر من حيض أو نفاس أو مرض أو حاجة إلى الغسل ولا يمكنها أن تغتسل في بيتها لتعذر ذلك عليها أو خوفها من مرض أو ضرر فيباح لها ذلك إذا غضت بصرها وسترت عورتها وأما مع عدم العذر فلا لما روي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ستفتح أرض العجم وستجدون فيها حمامات فامنعوا نساءكم إلا حائضا أو نفساء ] وروي أن عائشة دخل عليها نساء من أهل حمص فقالت : لعلكن من النساء اللاتي يدخلن الحمامات [ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت سترها بينها وبين الله عز و جل ]

فصل : التعري للغسل
فصل : ومن اغتسل عريانا بين الناس لم يجز له ذلك لأن كشفها للناس محرم لما ذكرنا وإن كان خاليا جاز لأن موسى عليه السلام اغتسل عريانا رواه البخاري و أيوب عليه السلام اغتسل عريانا وإن ستره إنسان بثوب فلا بأس فقد [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يستتر بثوب ويغتسل ويستحب التستر وإن كان خاليا ] لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ فالله أحق أن يستحيى منه من الناس ]

فصل : طهارة ماء الحمام
فصل : ويجزئه الغسل بماء الحمام قال الخلال : ثبت عن أصحاب أبو عبد الله أن ماء الحمام يجزىء أن يغتسل به ولا يغتسل منه وذلك أن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وقال أحمد : لا بأس بالوضوء من ماء الحمام وروي عنه إنه قال : لا بأس أن يأخذ من الأنبوبة وهذا على سبيل الاحتياط ولو لم يفعله جاز لأن الأصل الطهارة وقد قال أحمد : ماء الحمام عندي طاهر وهو بمنزلة الماء الجاري وقد روي عن الأثرم أنه قال : من الناس من يشدد فيه ومنهم من يقول : هو بمنزلة الماء الجاري لأنه ينزف يخرج الأول فالأول قلت : يكون كالجاري وهو يستقر في مكان قبل أن يخرج ؟ فقال : قد قلت لك فيه اختلاف وأراه قد ظهر منه أنه يستحب أن يحتاط بماء آخر ولم يبين ذلك هذا يدل على أن الماء الجاري لا ينجسه إلا التغير لأنه لو كان يتنجس لم يكن لكونه جاريا أثر ويدل أيضا على استحباب الاحتياط مع الحكم بطهارة الماء لأن ماء الحمام طاهر لما ذكرنا من قبل وإنما جعله بمنزلة الماء الجاري إذا كان الماء يفيض من الحوض ويخرج فإن الذي يأتي أخيرا يدفع ما في الحوض ويثبت في مكانه بدليل أنه لو كان ما في الحوض كدرا وتتابعت عليه دفع من الماء صافيا لزالت كدورته والله أعلم

فصل : ذكر الله وقراءة القرآن في الحمام - التعري
فصل : ولا بأس بذكر الله في الحمام فإن ذكر الله حسن في كل مكان ما لم يرد المنع منه وقد روي أن أبا هريرة دخل الحمام فقال : لا إله إلا الله وروي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يذكر الله على كل أحيانه ] فأما قراءة القرآن فقال أحمد : لم يبن لهذا وكره قراءة القرآن فيه أبو وائل و الشعبي و الحسن و مكحول و قبيصة بن ذؤيب ولم يكرهه النخعي و مالك لما ذكرنا في ذكر الله فيه
ووجه الأول أنه محل للتكشف ويفعل فيه ما لا يستحسن عمله في غير فاستحب صيانة القرآن عنه والأولى جواز القراءة فيه لأنا لا نعلم فيه حجة تمنع من قراءته فأما التسليم فيه فقال أحمد : لا أعلم انني سمعت فيه شيئا والأولى جوازه لدخوله في عموم قوله عليه السلام : [ أفشوا السلام بينكم ]
فصل : قال أحمد : لا يعجبني أن يدخل الماء إلا مستترا أن للماء سكانا وذلك لما روي عن الحسن والحسين أنهما دخلا الماء وعليهما بردان فقيل لهما في ذلك فقالا : إن للماء سكانا ولأن الماء لا يستر فتبدو عورة من دخله عريانا

باب التيمم
التيمم في اللغة القصد قال الله تعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } وقال امرؤ القيس :
( تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها طامي )
وقال الله تعالى : { فتيمموا صعيدا طيبا } أي اقصدوه ثم نق لفي عرف الفقهاء إلى مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد وهو جائز بالكتاب والسنة الإجماع أما الكتاب فقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } وأما السنة فحديث عمار وغيره وأما الإجماع فأجمعت الأمة على جواز التيمم في الجملة

مسألة : مقدار السفر المبيح للتيمم
مسألة قال : ويتيمم في قصير السفر وطويله
طويل السفر ما يبيح القصر والفطر وقصيره ما دون ذلك مما يقع عليه اسم سفر مثل أن يكون بين قريتين متقاربتين أو متباعدتين قال القاضي : لو خرج إلى ضيعة له ففارق البنيان والمنازل ولو بخمسين خطوة جاز له التيمم والصلاة على الراحلة وأكل الميتة للضرورة فيباح له التيمم فيهما جميعا وهذا قول مالك و الشافعي وقد قيل : لا يباح إلا في السفر الطويل وقول الله عز و جل : { وإن كنتم مرضى أو على سفر } - إلى قوله - { فتيمموا } يدل بمطلقه على إباحة التيمم في كل سفر ولأن السفر القصير يكثر فيكثر عدم الماء فيه فيحتاج إلى التيمم فيه فينبغي أن يسقط به الفرض كالطويل

فصل : لا فرق بين سفر الطاعة والمعصية
فصل : ولا فرق بين سفر الطاعة والمعصية لأن التيمم عزيمة فلا يجوز تركه بخلاف بقية الرخص ولأنه حكم لا يختص السفر فأبيح في سفر المعصية كمسح يوم وليلة

فصل : التيمم في الحضر
فصل فإن عدم الماء في الحضر بان انقطع الماء عنهم أو حبس في مصر فعليه التيمم والصلاة وهذا قول مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وقال أبو حنيفة في رواية عنه : لا يصلى لأن الله تعالى شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز لغيره وقد روي عن أحمد أنه سئل عن رجل حبس في دار وأغلق عليه الباب بمنزل المضيف أيتيمم ؟ قال : لا ولنا ما روى أبو ذر [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح فيدخل تحت عمومه محل النزاع ولأنه عادم للماء فاشبه المسافر والآية يحتمل أن يكون ذكر السفر فيها خرج مخرج الغالب لأن الغالب أن الماء إنما يعدم فيه كما ذكر السفر وعدم وجود الكاتب في الرهن وليسا شرطين فيه ولو كان حجة فالمنطوق مقدم عليه على أن أبا حنيفة لا يرى دليل الخطاب حجة والآية إنما يحتج بدليل خطابها فعلى هذا إذا تيمم في الحضر وصلى ثم قدر على الماء فهل يعيد ؟ على روايتين إحداهما يعيد وهو مذهب الشافعي لأن هذا عذر نادر فلا يسقط به القضاء كالحيض في الصوم والثانية لا يعيد وهو مذهب مالك لأنه أتى بما أمر فخرج من عهدته ولأنه صلى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع فأشبه المريض والمسافر مع إن عموم الخبر يدل عليه وقال أبو الخطاب : إن حبس في المصر صلى ولم يذكر إعادة وذكر الروايتين في غيره ويحتمل أنه أن كان عدم الماء العذر نادر أو يزول قريبا كرجل أغلق كرجل أغلق عليه الباب مثل الضيف ونحوه أو ما أشبه هذا من الأعذار التي لا تتطاول فعليه الإعادة لأن هذا بمنزلة المتشاغل بطلب الماء وتحصيله وإن كان عذرا ممتدا كثيرا كالمحبوس أو من انقطع الماء في قريته واحتاج إلى استقاء الماء من مسافة بعيد ة فله التيمم ولا إعادة عليه ولأن هذا عادم للماء بعذر متطاول معتاد فهو كالمسافر ولأن عدم هذا الماء أكثر من عدم المسافر له فالنص على التيمم تنبيه على التيمم ههنا والله أعلم

فصل : من خرج لحاجة عمل وحضرت الصلاة ولا ماء معه
فصل : ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله لحاجة كالحراث والحصاد والحطاب والصياد وأشباههم ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه فحضرت الصلاة ولا ماء معه ولا يمكنه الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته فله أن يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه لأنه مسافر فأشبه الخارج إلى قرية أخرى ويحتمل أن يلزمه الإعادة لكونه في أرض من أعمال المصر فأشبه المقيم فيه فإن كانت الأرض التي يخرج إليها من عمل قرية أخرى فلا إعادة عليه وجها واحدا لأنه مسافر

مسألة : إذا دخل وقت الصلاة وطلب الماء فأعوزه
مسألة قال : إذا دخل وقت الصلاة وطلب الماء فأعوزه
هذه ثلاثة شروط لصحة التيمم أحدها دخول وقت الصلاة فأن كانت الصلاة مكتوبة مؤداة لم يجز التيمم قبل دخول وقتها وإن كانت نافلة لم يجز التيمم لها في وقت نهي عن فعلها فيه لأنه ليس بوقت لها وأن كانت فائتة جاز التيمم لها في كل وقت لأن فعلها جائر في كل وقت وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : يصح التيمم قبل وقت الصلاة لأنها طهارة تبيح الصلاة فأبيح تقديمها على وقت الصلاة كسائر الطهارات وروي عن أحمد أنه قال : القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث فعلى هذا يجوز قبل الوقت والمذهب الأول لأنه طهارة ضرورة فلم يجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة أو نقول يتيمم للفرض في وقت هو مستغن عنه فأشبه ما لو تيمم عند وجود الماء وقياسهم ينتقض بطهارة المستحاضة ويفارق التيمم سائر الطهارات لكونها ليست لضرورة الشرط الثاني طلب الماء وهذا الشرط وإعواز الماء إنما يشترط لمن تيمم لعذر عدم الماء والمشهور عن أحمد اشتراط طلب الماء لصحة التيمم وهو مذهب الشافعي وروي عن أحمد لا يشترط الطلب وهو مذهب أبي حنيفة لقوله عليه السلام : [ التراب كافيك ما لم تجد الماء ] ولأنه غير عالم بوجود الماء قرييا منه فأشبه ما لو طلب فلم يجد
ولنا قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } ولا يثبت أنه غير واجد إلا بعد الطلب لجواز أن يكون بقربه ماء لا يعلمه ولذلك لما أمر في الظهار بتحرير رقبه قال : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } لم يبح له الصيام حتى يطلب الرقبة ولم يعد قبل ذلك غير واجد ولأنه سبب للصلاة مختص بها فلزمه الاجتهاد في طلبه عند الاعواز كالقبلة

فصل : اشتراط طلب الماء لصحة التيمم
فصل : وصفة الطلب أن يطلب في رحله ثم أن رأى خضرة أو شيئا يدل على الماء قصده فاستبرأه وأن كان بقربه ربوة أو شيء قائم وطلب عنده وأن لم يكن نظر أمامه ووراءه وعن يمينه ويساره وإن كانت له رفقة يدل عليهم طلب منهم وأن وجد من له خبرة بالمكان سأله عن مياهه فإن لم يجد فهو عادم وإن دل على ماء لزمه قصده إن كان قريبا ما لم يخف على نفسه أو ماله أو يخشى فوات رفقته ولم يفت الوقت وهذا مذهب الشافعي

فصل : اما اعواز الماء بعد الطلب فلا خلاف في اشتراطه
فصل : فإن طلب الماء قبل الوقت فعليه إعادة الطلب بعده قاله ابن عقيل لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه كالشفيع إذا طلب الشفعة قبل البيع وإن طلب بعد الوقت ولم يتيمم عقيبه جاز التيمم بعد ذلك من غير تجديد طلب
الشرط الثالث : اعواز الماء بعد الطلب ولا خلاف في اشتراطه لأن الله تعالى قال : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وقال عليه السلام : [ التراب كافيك ما لم تجد الماء ] فاشترط أن لا يجد الماء ولأن التيمم طهارة ضرورة ولا يرفع الحدث فلا يجوز إلا عند الضرورة ومع وجود الماء لا ضرورة

فصل : ما يصنع من وجد ماء لا يكفيه لطهارته
فصل : وإذا وجد الجنب ما يكفي بعض أعضائه لزمه استعماله ويتيمم للباقي نص عليه أحمد فيمن وجد ما يكفيه لوضوئه وهو جنب قال : يتوضأ ويتيمم وبه قال عبد بن أبي لبابة و معمر ونحوه قال عطاء : وهو أحد قولي الشافعي وقال الحسن و الزهري و حماد و مالك وأصحاب الرأي و ابن المنذر و الشافعي في القول الثاني : يتيمم ويتركه لأن هذا الماء لا يطهره فلم يلزمه استعماله كالمستعمل
ولنا قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وخبر أبي ذر شرط في التيمم عدم الماء وهذا واجد و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ] رواه البخاري ولأنه وجد من الماء ما يمكنه استعماله في بعض جسده فلزمه ذلك كما لو كان أكثر بدنه صحيحا وباقيه جريحا ولأنه قدر على بعض الشرط فلزمه كالسترة وإزالة النجاسة وإذا كان أكثر بدنه صحيحا ولا يسلم الحكم في المستعمل وإن سلمنا فلأنه لا يطهر شئيا منه بخلاف هذا إذا ثبت هذا فإنه يستعمل الماء قبل التيمم ليتحقق الاعواز المشترط
فصل : وإن وجد المحدث الأصغر بعض ما يكفيه فهل يلزمه استعماله ؟ على وجهين أحدهما يلزمه استعماله لما ذكرنا في الجنب ولأنه قدر على بعض الطهارة بالماء فلزمه كالجنب وكما لو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا والثاني لا يلزمه لأن الموالاة شرط فيها فإذا غسل بعض الأعضاء دون بعض لم يفد بخلاف الجنابة ولذلك إذا وجد الماء لزمه غسل ما لم يغسله فقط وفي الحدث يلزمه استئناف الطهارة وفارق ما إذا كان بعض أعضائه صحيحا وبعضه جريحا لأن العجز ببعض البدن يخالف العجز ببعض الواجب بدليل أن من بعضه حر إذا ملك رقبة لزمه اعتاقها في كفارته ولو ملك الحر بعض رقبة لم يلزمه اعتاقه ول الشافعي قولان كالوجهين

فصل : الخوف المبيح للتيمم
فصل : ومن حال بينه وبين الماء سبع أو عدو أو حريق أو لص فهو كالعادم ولو كان الماء بمجمع الفساق تخاف المرأة على نفسها منهم فهي عادمة وقد توقف أحمد عن هذا المسألة وقال أبن أبي موسى : تتيمم ولا إعادة عليها في أصح الوجهين والصحيح أنها تتيمم ولا إعادة عليها وجها واحدا بل لا يحل المضي إلى الماء لما فيه من التعرض للزنا وهتك نفسها وعرضها وتنكيس رؤوس أهلها وربما أفضى إلى قتلها وقد أبيح لها التيمم حفظا للقليل من مالها المباح لها بذله وحفظا لنفسها من مرض أو تباطؤ برء فههنا أولى ومن كان في موضع عند رحله فخاف أن ذهب إلى الماء ذهب شيء من رحله او شردت دابته أو سرقت أو خاف على أهله لصا أو سبعا خوفا شديدا فهو كالعادم ومن كان خوفه جبنا لا سبب يخاف من مثله لم تجزه الصلاة بالتيمم نص أحمد في رجل يخاف بالليل وليس بشيء يخاف منه فقال : لا بد من أن يتوضأ ويحتمل أن تباح له بالتيمم ويعيد إذا كان ممن يشتد خوفه لأنه بمنزلة الخائف لسبب ومن كان خوفه لسبب ظنه فتبين عدم السبب مثل من رأى سوادا بالليل ظنه عدوا فتبين أنه ليس بعدو أو رأى كلبا فظنه أسدا أو نمرا فتيمم وصلى ثم بان خلافه فهل يلزمه الإعادة ؟ على وجهين أحدهما لا يلزمه الإعادة لأنه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته والثاني يلزمه الإعادة لأنه تيمم من غير سبب يبيح التيمم فأشبه من نسي الماء في رحله وتيمم
فصل : ومن كان مريضا لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء فهو كالعادم قاله ابن أبي موسى : وهو قول الحسن لأنه لا سبيل له إلى الماء فأشبه من وجد بئرا ليس له ما يستقي به منها وإن كان له من يناوله الماء قبل خروج الوقت فهو كالواجد لأنه بمنزلة من يجد ما يستقي به في الوقت وأن خاف خروج الوقت قبل مجيئه فقال ابن أبي موسى : له التيمم ولا إعادة عليه وهو قول الحسن لأنه عادم في الوقت فاشبه العادم مطلقا ويحتمل أن ينتظر مجيء من يناوله لأنه حاضر ينتظر حصول الماء قريبا فاشبه المشتغل باستقاء الماء وتحصيله

فصول : حكم من الماء قريب فلم يقدر عليه
فصل : إذا وجد بئرا وقدر على التوصل إلى مائها بالنزول من غير ضرر أو الاغتراف بدلو او ثوب يبله ثم يعصره لزمه ذلك وإن خاف فوت الوقت لأن الاشتغال به كالاشتغال بالوضوء وحكم من في السفينة في الماء كحكم واجد البئر وأن لم يمكنه الوصول إلى مائها إلا بمشقة أو تغرير بالنفس فهو كالعادم وهذا قول الثوري و الشافعي ومن تبعهم ومن كان الماء قريبا منه يمكنه تحصيله إلا أنه يخاف فوت الوقت لزمه السعي إليه والاشتغال بتحصيله وإن فات الوقت لأنه واجد للماء فلا يباح له التيمم لقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا }
فصل : وإن بذل له ماء لطهارته لزمه قبوله لأنه قدر على استعماله ولا منة في ذلك في العادة وإن لم يجده إلا بثمن لا يقدر عليه فبذل له الثمن لم يلزمه قبوله لأن المنة تلحق به وإن وجده يباع بثمن مثله في موضعه أو زيادة يسيرة يقدر على ذلك مع استغنائه عنه لقوته ومؤنة سفره لزمه شراؤه وإن كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله لم يلزمه شراؤه لأن عليه ضررا وإن كات كثيرة لا تجحف بماله فقد توقف أحمد فيمن بذلك له ماء بدينار ومعه مائة فيحتمل إذا وجهين : أحدهم يلزمه شراؤه لأنه واجد للماء قادر عليه فيلزمه استعماله بدلالة قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } والثاني لا يلزمه لأن عليه ضررا في الزيادة الكثيرة فلم يلزمه بذلها كما لو خاف لصا يأخذ من ماله ذلك المقدار وقال الشافعي : لا يلزمه شراؤه بزيادة يسيرة ولا كثيرة لذلك
ولنا : قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وهذا واجد فإن القدرة على ثمن العين كالقدرة على العين في المنع من الانتقال إلى البدن بدليل ما لو بيعت بثمن مثلها وكالرقبة في كفارة الظهار ولأن ضرر المال دون ضرر النفس وقد قالوا في المريض يلزمه الغسل ما لم يخف التلف فتحمل الضرر اليسير في المال أحرى فإن لم يكن معه ثمنه فبذلك له بثمن في الذمة يقدر على أدائه في بلده فقال القاضي : يلزمه شراؤه لأنه قادر على أخذه بما لا مضرة فيه وقال أبو الحسن الآمدي : لا يلزمه شراؤه لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته وربما يتلف ماله قبل أدائه وإن لم يكن في بلده ما يؤدي ثمنه لم يلزمه شراؤه لأن عليه ضررا وإن لم يبذله له وكان فاضلا عن حاجته لم يجز له مكاثرته عليه لأن الضرورة لا تدعو إليه لأن هذا له بدل وهو التيمم بخلاف الطعام في المجاعة
فصل : إذا كان معه ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء قبل الوقت فتجاوزه وعدم الماء في الوقت صلى بالتيمم من غير إعادة وبه يقول الشافعي وقال الأوزاعي : إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت كقولنا وإلا صلى بالتيمم وعليه الإعادة لأه مفرط
ولنا : أنه لم يجب عليه استعماله فأشبه ما لو ظن أنه يدرك الماء في الوقت وإن أراق الماء في الوقت أو مر به في الوقت فلم يستعمله ثم عدم الماء يتيمم ويصلي وفي الأعادة وجهان : أحدهما لا يعيد لأنه صلى بتيمم صحيح تحققت شرائطه فهو كما لو أراقه قبل الوقت و الثاني يعيد لأنه وجبت عليه الصلاة بوضوء وهو فوت القدرة على نفسه فبقي في عهدة الواجب وإن وهبه بعد دخول الوقت لم تصح الهبة والماء باق على ملكه فلوتيمم مع بقاء الماء لم يصح تيممه وإن تصرف فيه الموهوب له فهو كما لو أراقه
فصل : إذا نسي الماء في رحله أو موضع يمكنه استعماله وصلى بالتيمم فقد توقف أحمد رحمه الله في هذه المسألة وقطع في موضع أنه لا يجزئه وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة و أبو ثور يجزئه وعن مالك كالمذهبين لأنه مع النسيان غير قادر على استعمال الماء فهو كالعادم
ولنا : أنها طهارة تجب مع الذكر فلم تسقط بالنسيان كما لو صلى ناسيا لحدثه ثم ذكر أو صلى الماسح ثم بان له انقضاء مدة المسح قبل صلاته ويفارق ما قاسوا عليه فإنه غير مفرط وههنا هو مفرط بترك الطلب
فصل : وإن صل عن رحله الذي فيه الماء أو كان يعرف بئرا فضاعت عنه ثم وجدها ؟ فقال ابن عقيل : يحتمل أن يكون كالناسي والصحيح أنه لا إعادة عليه وهو قول الشافعي لأنه ليس بواجد للماء فيدخل في عموم قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } ولأنه غير مفرط بخلاف الناسي وإن كان الماء مع عبد ه فنسيه العبد حتى صلى سيده احتمل أن يكون كالناسي واحتمل أن لا يعيد لأن التفريط من غيره
فصل : إذا صلى ثم بان أنه كان بقربه بئر أو ماء نظرت فإن كان خفية بغير علامة وطلب فلم يجدها فلا إعادة عليه لأنه مفرط وإن كانت أعلامه ظاهرة فقد فرط فعليه الإعادة

مسألة : تأخير التيمم بانتظار الماء
مسألة قال : والاختيار تأخير التيمم
ظاهر كلام الخرقي أن تأخير التيمم أولى بكل حال وهو المنصوص عن أحمد وروي ذلك عن علي و عطاء و الحسن و ابن سيرين و الزهري و الثوري و أصحاب الرأي وقال أبو الخطاب : يستحب التأخير أن رجي وجود الماء وأن يئس من وجوده استحب تقديمه وهو قول مالك وقال الشافعي في أحد قوليه : التقديم أفضل إلا أن يكون واثقا بوجود الماء في الوقت - لأنه يستحب ترك فضيلة أول الوقت وهي متحققة لأمر مظنون
ولنا : قول علي رضي الله عنه في الجنب : يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم ولأنه يستحب التأخير للصلاة إلى بعد العشاء وقضاء الحاجة كيلا يذهب خشوعها وحضور القلب فيها ويستحب تأخيرها لادراك الجماعة فتأخيرها لادراك الطهارة المشترطة أولى

مسألة : حكم من صلى بالتيمم ثم وجد ماء
مسألة قال : فإن تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه وإن أصاب الماء في الوقت
وجملة ذلك إن العادم للماء في السفر إذا صلى بالتيمم ثم وجد الماء إن وجده بعد خروج فلا إعادة عليه إجماعا قال أبو بكر بن المنذر : أجمع اهل العلم على أن من تيمم وصلى ثم وجد الماء بعد خروج وقت الصلاة أن لا إعادة عليه وإن وجده في الوقت لم يلزمه إعادة سواء يئس من وجود الماء في الوقت أو غلب على ظنه وجوه فيه وبهذا قال أبو سلمة و الشعبي و النخعي و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وأصحاب الرأي وقال عطاء و طاوس و القاسم بن محمد و مكحول و ابن سيرين و الزهري و ربيعة : يعيد الصلاة
ولنا : ما روى أبو داود عن أبي سعيد [ أن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد : أصبت السنة واجزأتك صلاتك وقال للذي أعاد : لك الأجر مرتين ] واحتج أحمد بأن ابن عمر تيمم وهو يرى بيوت المدينة وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد ولأنه أدى فرضه كما أمر فلم يلزمه الإعادة كما لو وجده بعد الوقت ولأن عدم الماء عذر معتاد فإذا تيمم معه يجب أن يسقط فرض الصلاة كالمرض ولأنه أسقط فرض الصلاة فلم يعد إلى ذمته كما لو وجده بعد الوقت

مسألة وفصول : صفة التيمم
مسألة قال : والتيمم ضربة واحدة
المسنون عند أحمد التيمم بضربة واحدة فإن تيمم جاز وقال القاضي : الاجزاء يحصل بضربة والكمال ضربتان والمنصوص ما ذكرناه قال الأثرم : قلت ل أبي عبد الله : التيمم ضربة واحدة ؟ فقال : نعم ضربة واحدة للوجه والكفين ومن قال ضربتين فإنما هو شيء زاده قال الترمذي : وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وغيرهم منهم علي وعمار وابن عباس و عطاء و الشعبي و مكحول و الأوزاعي و مالك و إسحاق قال الشافعي : لا يجزيء التيمم للوجه واليدين إلى المرفقين وروي ذلك عن ابن عمر وابنه سالم و الحسن و الثوري وأصحاب الرأي لما روى ابن الصمة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه ] وروى ابن عمر وجابر وأبو أمامة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين ] ولأنه يدل يؤتى به في محل مبدله وكان حده عنهما واحدا كالوجه
ولنا : ماروى عمار قال : [ بعثني النبي صلى الله عليه و سلم في حاجة فاجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال : إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ] متفق عليه ولأنه حكم علق على مطلق اليدين فلم يدخل فيه الذراع كقطع السارق ومس الفرج وقد احتج ابن عباس بهذا فقال إن الله تعالى قال في التيمم : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } وقال : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } وكانت السنة في القطع من الكفين إنما هو الوجه والكفان يعني التيمم وأما أحاديثهم فضعيفة قال الخلال : الأحاديث في ذلك ضعيفة جدا ولم يرو منها أصحاب السنن إلا حديث ابن عمر وقال أحمد ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم إنما هو عن ابن عمر وهو عندهم حديث منكر وقال الخطابي : يرويه محمد بن ثابت وهو ضعيف وقال ابن عبد البر : لم يروه غير محمد بن ثابت وبه يعرف ومن أجله ضعف عندهم وهو حديث منكر وحديث ابن الصمة صحيح لكن إنما جاء في المتفق عليه فمسح وجهه ويديه فيكون حجة لنا لأن ما علق على مطلق اليدين لا يتناول الذراعين ثم أحاديثهم لا تعارض حديثنا فإنها تدل على جواز التيمم بضربتين ولا ينفي ذلك جواز التيمم بضربة كما أن ضوء النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثا ثلاثا لا ينفي الاجزاء مرة واحدة وإن قيل فقد روي في حديث عمار إلى المرفقين ويحتمل أنه أراد بالكفين اليدين إلى المرفقين ؟ قلنا : أما حديثه إلى المرفقين فلا يعول عليه إنما رواه سلمة وشك فيه فقال له منصور : ما تقول فيه فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك ؟ فشك وقال : لا أدري أذكر الذراعين أم لا قال ذلك النسائي فلا يثبت مع الشك وقد أنكر عليه وخالف به سائر الرواة الثقاة فكيف يلتفت إلى مثل هذا وهو لو انفرد لم يعول عليه ولم يحتج به وأما التأويل فباطل لوجوه أحدهما أن عمارا الراوي له لفعل النبي صلى الله عليه و سلم في التيمم للوجه والكفين عملا بالحديث وقد شاهد فعل النبي صلى الله عليه و سلم لا احتمال فيه والثاني أنه قال ضربة واحدة وهم يقولون ضربتان الثالث أننا لا نعرف في اللغة التعبير بالكفين عن الذراعين والرابع أن الجمع بين الخبرين بما ذكرناه من أن كل واحد من الفعلين جائز أقرب من تأويلهم وأسهل وقياسهم ينتقض بالتيمم عن الغسل الواجب فإنه ينقص عن المبدل وكذلك في الوضوء فإنه في أربعة أعضاء والتيمم في عضوين وكذا نقول في الوجه فإنه لا يجب مسح ما تحت الشعور الخفيفة ولا المضمضة والاستنشاق
فصل : ولا يختلف المذهب أنه يجزىء التيمم بضربة واحدة وبضربتين وإن التيمم بأكثر من ضربتين جاز أيضا لأن المقصود إيصال التراب إلى محل الفرض فكيفما حصل جاز كالوضوء
فصل فان وصل التراب إلى وجهه ويديه بغير ضرب نحو أن ينسف الريح عليه غبارا يعمه فإن كان عمد ذلك وأحضر النية احتمل أن يجزئه كما لو صمد للمطر حتى جرى على أعضائه والصحيح أنه لا يجزئه لأنه لم يمسح به وقد أمر الله تعالى بالمسح به فإن مسح وجهه بما على وجهه احتمل أن يجزئه لأنه مسح بالتراب واحتمل أن لا يجزئه لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسح به ولم يأخذ الصعيد وإن لم يكن قصد الريح ولا صمد لها فأخذ غير ما على جهه فمسح وجهه به جاز وأن أمر ما على وجهه منه على وجهه لم يجزه لأنه لم يأخذ التراب لوجهه
فصل : إذا علا علا يديه تراب كثير لم يكره نفخه فان في حديث عمار [ أن النبي صلى الله عليه و سلم ضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ] قال أحمد : لا يضره فعل أو لم يفعل وأن كان خفيفا فقال أصحابنا يكره نفخه رواية واحدة فان ذهب ما عليها بالنفخ لم يجزه حتى يعيد الضرب لأنه مأمور بالمسح بشيء من الصعيد

مسألة وفصول : ما يجوز به التيمم وما لا يجوز
مسألة : قال : يضرب بيديه على الصعيد وهو التراب
وجملة ذلك أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ذي غبار يعلق باليد لأن الله تعالى قال : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } قال ابن عباس : الصعيد تراب الحرث وقيل في قوله تعالى : { فتصبح صعيدا زلقا } ترابا أملس والطيب الطاهر وبهذا قال الشافعي و إسحاق و أبو يوسف و داود و قال مالك و أبو حنيفة : يجوز بكل حال ما كان من جنس الأرض كالنورة والزرنيخ والحجارة وقال الأوزاعي : الرمل من الصعيد وقال حماد بن أبي سليمان : لا بأس أن يتيمم بالرخام لما روى البخاري [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] وعن أبي هريرة [ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إنا نكون بالرمل فتصيبنا الجنابة والحيض والنفاس ولا نجد الماء أربعة أشهر أو خمسة أشهر فقال النبي صلى الله عليه و سلم : عليكم بالأرض ] وأنه من جنس الأرض فجاز التيمم به كالتراب
ولنا : الآية فان الله سبحانه أمر بالتيمم بالصعيد وهو التراب فقال : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } ولا يحصل المسح بشيء منه إلا أن يكون ذا غبار يعلق باليد وروي عن علي رضي الله عنه قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله جعل لي التراب طهورا ] وذكر الحديث رواه الشافعي في مسنده ولو كان غير التراب طهورا ذكره فيما من الله تعالى به عليه وقد روى حذيفة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ] فخص ترابها بكونه طهورا ولأن الطهارة اختصت بأعم المائعات وجودا وهو الماء فتختص بأعم الجامدات وجودا وهو التراب وخبر أبي ذر نخصه بحديثنا وخبر أبي هريرة يرويه المثنى بن الصباح وهو ضعيف
فصل : وعن أحمد رواية أخرى في السبخة والرمل أنه يجوز التيمم به قال أبو الحرث : قال أحمد : أرض الحرث أحب إلي وإن تيمم من أرض السبخة أجزأه قال القاضي : الموضع الذي أجاز التيمم بها إذا كان لها غبار والموضع الذي منع إذا لم يكن لها غبار قال : ويمكن أن يقال في الرمل مثل ذلك وعنه أنه يجوز ذلك مع الاضطرار خاصة قال وفي رواية سندي : أرض الحرث أجود من السبخ ومن موضع النورة والحصى إلا أن يضطر إلى ذلك فإن اضطر أجزأه قال الخلال : إنما سهل أحمد فيها إذا اضطر إليها إذا كانت غبرة كالتراب فأما إذا كانت قلحة كالملح فلا يتيمم بها أصلا وقال ابن أبي موسى : يتيمم عند عدم التراب بكل طاهر تصاعد على وجه الأرض مثل الرمل والسبخة والكحل وما في معنى ذلك ويصلي وهل يعيد على روايتين
فصل : فإن دق الخزف أو الطين المحرق لم يجز التيمم به لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب وكذا أن نحت المرمر والكذان حتى صار غبارا لم يجز التيمم به لأنه غير تراب وإن دق الطين الصلب كالأرمني جاز التيمم به لأنه تراب
فصل : فإن ضرب بيده على لبد أو ثوب أو جوالق أو برذعة أو في شعير فعلق بيديه غبار فتيمم به جاز نص أحمد على ذلك كله وكلام أحمد يدل على اعتبار التراب حيث كان فعلى هذا لو ضرب بيده على صخرة أو حائط أو حيوان أو شيء كان فصار على يديه غبار جاز له التيمم به وإن لم يكن فيه غبار فلا يجوز وقد روى ابن عمر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم ضرب يديه على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب أخرى فمسح ذراعيه ] رواه أبو داود وروى الأثرم عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لا يتيمم بالثلج فمن لم يجد فضفة سرجه أو معرفة دابته وأجاز مالك و أبو حنيفة التيمم بصخرة لا غبار عليها وتراب ندي لا يعلق باليد منه غبار وأجاز مالك التيمم بالثلج والجبس وكل ما تصاعد على وجه الأرض ولا يجوز عنده التيمم بغبار اللبد والثوب لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما ضرب بيده نفخهما
ولنا : قول الله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } ومن للتبعيض فيحتاج أن يمسح بجزء منه والنفخ لا يزيل الغبار الملاصق وذلك يكفي
فصل : إذا خالط التراب ما لا يجوز التيمم به كالنورة والزرنيخ والجص فقال القاضي : حكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات إن كانت الغلبة للتراب جاز وإن كانت الغلبة للمخالط لم يجز وقال ابن عقيل : يمنع وإن كان قليلا وهو مذهب الشافعي لأنه ربما حصل في العضو فمنع وصول التراب إليه وهذا فيما يعلق باليد فاما ما لا يعلق باليد فلا يمنع فان أحمد قد نص على أنه يجوز التيمم من الشعير وذلك لأنه لا يحصل على اليد منه ما يحول بين الغبار وبينها
فصل : إذا كان في طين لا يجد ترابا فحكي عن ابن عباس أنه قال : يأخذ الطين فيطلي به جسده فإذا جف تيمم به وإن خاف فوات الوقت قبل جفافه فهو كالعادم أنه أن كان يجف قريبا انتظر جفافه وإن فات الوقت لأنه كطالب الماء القريب والمشتغل بتحصيله من بئر ونحوه وأن لطخ وجهه بطين لم يجزه لأنه لم يقع عليه اسم الصعيد ولأنه لا غبار فيه أشبه التراب الندي
فصل : وإن عدم بكل حال صلى على حسب حاله وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي : لا يصلي حتى يقدر ثم يقضي لأنها عبادة لا تسقط القضاء فلم تكن واجبة كصيام الحائض وقال مالك : لا يصلي ولا يقضي لأنه عجز عن الطهارة فلم تجب عليه الصلاة كالحائض وقال ابن عبد البر : هذه رواية منكرة عن مالك وذكر عن أصحابه قولين كقول أبي حنيفة والثاني يصلي حسب حاله ويعيد
ولنا : ما روى مسلم في صحيحه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث أناسا لطلب قلادة أضلتها عائشه فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبي صلى الله عليه و سلم فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم ولم ينكر النبي صلى الله عليه و سلم ذلك ولا أمرهم بالإعادة ] فدل على أنها غير واجبة ولأن الطهارة شرط فلم تؤخر الصلاة عند عدمها كالسترة واستقبال القبلة وإذا ثبت هذا فاذا صلى على حسب حاله ثم وجد الماء أو التراب لم يلزمه إعادة الصلاة إحدى الروايتين والأخرى عليه الإعادة وهو مذهب الشافعي لأنه فقد شرط الصلاة أشبه ما لو صلى بالنجاسة والصحيح الأول لما ذكرنا من الخبر ولأنه أتى بما أمر فخرج من عهدته ولأنه شرط من شرائط الصلاة فيسقط عند العجز عنه كسائر شروطها وأركانها ولأنه أدى فرضه على حسب فلم يلزمه الإعادة كالعاجز عن السترة إذا صلى عريانا والعاجز عن استقبال إذا صلى إلى غيرها والعاجز عن القيام إذ صلى جالسا وقياس أبي حنيفة على الحائض في تأخير الصيام لا يصح لأن الصوم يدخله التأخير بخلاف الصلاة بدليل أن المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة ولأن عدم الماء لو قام مقام الحيض لاسقط الصلاة بالكلية لأن قياس الصلاة على الصلاة أولى من قياسها على الصيام وأما قياس مالك فلا يصح لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ] وقياس الطهارة على سائر شرائط الصلاة أولى من قياسها على الحائض فإن الحيض أمر معتاد يتكرر عادة والعجز ههنا عذر نادر غير معتاد فلا يصح قياسه على الحيض ولأن هذا عذر نادر فلم يسقط الفرض كنسيان الصلاة وفقد سائر الشروط والله تعالى أعلم

مسألة : التيمم لا يصح إلا بنية ولا يرتفع الحدث بالتيمم
مسألة : قال : وينوي به المكتوبة
لا نعلم خلافا في أن التيمم لا يصح إلا بنية ما حكي عن الأوزاعي و الحسن بن صالح أنه يصح بغير نية وسائر أهل العلم على إيجاب النية فيه وممن قال ذلك ربيعة و مالك و الليث و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور و ابن المنذر وأصحاب الرأي وذلك لما ذكرنا في الوضوء وينوي استباحة الصلاة فإن نوى رفع الحدث لم يصح لأنه لا يرفع الحدث قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن طهارة التيمم لا ترفع الحدث إذا وجد الماء بل متى وجده أعاد الطهارة جنبا كان أو محدثا وهذا مذهب مالك و الشافعي وغيرهما وحكي عن أبي حنيفة بل متى يرفع الحدث لأنه طهارة عن حدث يبيح الصلاة فيرفع الحدث كطهارة الماء
ولنا : أنه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم إن كان جنبا أو محدثا أو امرأة حائضا لو رفع الحدث لاستوى الجميع لاستوائهم في الوجدان ولأنها طهارة ضرورة فلم ترفع الحدث كطهارة المستحاضة وبهذا فارق الماء إذا ثبت هذا فإنه أن نوى بتيممه فريضة فله أن يصلي ما شاء من الفرض والنفل سواء نوى فريضة معينة أو مطلقة فإن نوى نفلا أو صلاة مطلقة لم يجز أن يصلي به إلا نافلة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : له أن يصلي ما شاء لأنها طهارة يصح بها النفل فصح بها الفرض كطهارة الماء
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] وهذا لم ينو الفرض فلا يكون له وفارق طهارة الماء لأنها ترفع الحدث المانع من فعل الصلاة فيباح له جميع ما يمنعه الحدث ولا يلزم استباحة النفل بنية الفرض لأن الفرض أعلى ما في الباب فنيته تضمنت نية ما دونه وإذا استباحه استباح ما دونه تبعا

فصل : اختلاف ما يباح بالتيمم باختلاف النية
فصل : إذا نوى الفرض استباح كل ما يباح بالتيمم من النفل قبل الفرض وبعده وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك : لا يتطوع قبل الفريضة بصلاة غير راتبة وحكي نحوه عن أحمد لأن النفل تبع للفرض فلا يتقدم المتبوع
ولنا : أنه تطوع فأبيح له فعله إذا نوى الفرض كالسنن الراتبة وكما بعد الفرض وقوله أنه تبع إنما هو تبع في الاستباحة لا في الفعل كالسنن الراتبة وقراءة القرآن وغيرهما وأن نوى نافلة أبيحت له وأبيح له قراءة القرآن ومس المصحف والطواف لأن النافلة آكد من ذلك كله لأن الطهارتين مشترطتان لها بالإجماع وفي اشتراطهما لما سواها خلاف فيدخل الأدنى في الأعلى كدخول النافلة في الفريضة ولأن النفل يشتمل على قراءة القرآن فنية النفل تشمله وأن نوى شيئا من ذلك لم يبح له التنفل بالصلاة لأنه أدنى فلا يستبيح الأعلى بنيته كالفرض مع النفل وأن تيمم للطواف أبيح له قراءة القرآن واللبث في المسجد لأنه أعلى منهما فإنه صلاة ويشترط له الطهارتان وله نفل وفرض ويدخل في ضمنه اللبث في المسجد لأنه لا يكون في المسجد وأن نوى أحدهما لم يستبح الطواف لأنه أعلى منهما وأن نوى فرض الطواف استباح نفله وإن نوى نفله لم يستبح فرضه كالصلاة وأن نوى بتيممه قراءة القرآن لكونه جنبا أو اللبث في المسجد أو مس المصحف لم يستبح غير ما نواه لقوله عليه السلام : [ وإنما لكل امرىء ما نوى ] ولأنه لم ينو ذلك ولا ما هو أعلى منه فلم يستبحه كما لا يستبح الفرض إذا لم ينوه

فصل : تيمم الصبي لاحدى الصلوات
فصل : وإن تيمم الصبي لاحدى الصلوات الخمس ثم بلغ لم يستبح بتيممه فرضا لأن ما نواه كان نفلا ويباح أن يتنفل به كما لو نوى به البالغ النفل فأما أن توضأ قبل البلوغ ثم بلغ فله أن يصلي فرضا ونفلا لأن الوضوء للنفل يبيح فعل الفرض

مسألة : وجوب مسح الكف والكفين
مسألة : فيمسح بها وجهه وكفيه
لا خلاف في وجوب مسح الوجه والكفين لقول الله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } ويجب مسح جميعهما واستيعاب ما يأتي عليه الماء منهما لا يسقط منها إلا المضمضة والاستنشاق وما تحت الشعور الخفيفة وبهذا قال الشافعي وقال سليمان بن داود : يجزئه إن لم يصب إلا بعض وجهه وبعض كفيه
ولنا : قوله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } والباء زائدة فصار كأنه قال : فامسحوا وجوهكم وأيديكم منه فيجب تعميمهما كما يجب تعميمهما بالغسل لقوله : { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق } فيضرب ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابع يديه وظاهر كفيه إلى الكوعين بباطن واحتيه ويستحب أن يمسح إحدى الراحتين بالأخرى ويخلل بين الأصابع وليس بفرض لأن فرض الراحتين قد سقط بامرار كل واحدة على ظهر الكف قال ابن عقيل : رأيت التيمم بضربة واحدة قد أسقط ترتيبا مستحقا في الوضوء وهو أنه يعتد بمسح يديه قبل وجهه وكيفما مسح بعد استيعاب محل الفرض أجزأ سواء كان بضربة أو بضربتين أو ثلاث أو أكثر

فصل : وتخليل بين أصابعهما
فصل : وإن تيمم بضربتين للوجه واليدين إلى المرفقين فإنه يمسح بالأولى وجهه ويمسح بالثانية يديه فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمنى ويمرها على ظهر الكف فإذا بلغ الكوع قبض أطراف أصابعه على حرف الذراع ويمرها إلى مرفقه ثم يدير كفه إلى بطن الذراع ويمرها عليها ويرفع إبهامه فإذا بلغ الكوع أمر الابهام على ظهر ابهام يده اليمنى ويمسح بيده اليمنى يده اليسرى كذلك ويمسح إحدى الراحتين بالاخرى ويخلل بين أصابعهما ولو مسح إلى المرفقين بضربة واحدة أو ثلاث أو أكثر جاز لأنه مسح محل التيمم بالغبار فجاز كما لو مسحه بضربتين

فصل : ووجوب الموالاة
فصل : فإن بقي من محل الفرض شيء لم يصله التراب أمر يده عليها ما لم يفصل راحته فإن فصل راحته وكان قد بقي عليها غبار جاز أن يمسح بها وإن لم يبق عليها غبار احتاج إلى ضربة أخرى وإن كان المتروك ن الوجه مسحه وأعاد مسح يديه ليحصل الترتيب وأن تطاول الفصل بينهما وقلنا بوجوب الموالاة استأنف التيمم لتحصل الموالاة ويرجع في طول الفصل وقصره إلى القدر الذي ذكرناه في الطهارة لأن التيمم فرع عليها والحكم في التسمية كالحكم في التسمية في الوضوء ما مضى من الخلاف فيه لأنه بدل منه

فصل : والواجب مسح اليدين إلى الموضع الذي يقطع من السارق
فصل : ويجب مسح اليدين إلى الموضع الذي يقطع منه السارق أومأ أحمد إلى هذا لما سئل عن التيمم فأومأ إلى كفيه ولم يجاوزه وقال : قال الله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } من أين تقطع يد السارق ؟ أليس من ههنا وأشار إلى الرسغ وقد روينا عن ابن عباس نحو هذا فعلى هذا إن كان أقطع من فوق الرسغ سقط مسح اليدين وإن كان دونه مسح ما بقي وإن كان من المفصل فقال ابن عقبل : يمسح موضع القطع قال : ونص عليه أحمد لأن الرسغين في التيمم كالمرفقين في الوضوء فكما أنه إذا قطع من المرفقين في الوضوء غسل ما بقي كذا ههنا يمسح العظم الباقي وقال القاضي : يسقط الفرض لأن محله الكف الذي يؤخذ في السرقة وقد ذهب لكن يستحب امرار التراب عليه ومسح العظم الباقي مع بقاء الكف إنما كان ضرورة استيعاب لان الواجب لا يتم إلا به فإذا زال الأصل المأمور به سقط ما وجب لضرورته كمن سقط عنه غسل الوجه لا يجب عليه غسله جزء من الرأس ومن سقط عنه الصيام لا يجب عليه امساك جزء من الليل

فصل : وإن أوصل التراب إلى مكان الفرض بخرقة أو خشبة
فصل : فإن أوصل التراب إلى محل الفرض بخرقة أو خشبة فقال القاضي : يجزئه لأن الله تعالى أمر بالمسح ولم يعين آلته فلا يتعين وقال ابن عقيل : فيه وجهان بناء على مسح الرأس بخرقة رطبة وإن مسح محل الفرض بيد واحدة أو ببعض يده أجزأه إذ كانت أقرب إليه من غيرها وإن يممه غيره جاز كما لو وضأه غيره وتعتبر النية في المتيمم دون الميمم لأنه الذي يتعلق الأجزاء والمنع به

فصل : تيمم جماعة من مكان واحد
فصل : ويجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد بغير خلاف كما يجوز أن يتوضأ جماعة من حوض واحد وأما ما تناثر من الوجه واليدين بعد مسحهما به ففيه وجهان أحدهما يجوز التيمم به لأنه لا يرفع الحدث وهذا قول أبي حنيفة والثاني لا يجوز لأنه مستعمل في طهارة أباحت الصلاة أشبه الماء المستعمل في الطهارة ول الشافعي وجهان كهذين

مسألة : لا يجوز التيمم بالتراب النجس وتراب المقبرة طاهر ما لم ينبش
مسألة : قال : وإن كان ما ضرب بيديه غير طاهر لم يجزه
ولا نعلم في هذا خلافا وبه قال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي إلا أن الأوزاعي قال : ان تيمم بتراب المقبرة وصلى مضت صلاته
ولنا : قول الله تعالى : { فتيمموا صعيدا طيبا } والنجس ليس بطيب ولأن التيمم طهارة فلم يجز بغير طاهر كالوضوء فاما المقبرة فإن كانت لم تنبش فترابها طاهر وأن كان نبشها والدفن فيها تكرر لا يجوز التيمم بترابها لاختلاطه بصديد الموتى ولحومهم وأن شك في تكرر الدفن فيها أو في نجاسة التراب الذي تيمم به جاز التيمم به لأن الأصل الطهارة فلا يزول بالشك كما لو شك في طهارة الماء

مسألة : التيمم للجنابة
مسألة : قال : وإذا كان به قرح أو مرض مخوف وأجنب فخشي على نفسه إن أصابه الماء غسل الصحيح من جسده وتيمم لما لم يصبه الماء
هذه المسألة دالة على أحكام منها إباحة التيمم للجنب وهو قول جمهور العلماء منهم علي وابن عباس وعمرو بن العاص وأبو موسى وعمار وبه قال الثوري و مالك و الشافعي و أبو ثور و إسحاق و ابن المنذر و أصحاب الراي وكان ابن مسعود لا يرى التيمم للجنب ونحوه عن عمر رضي الله عنهما وروى البخاري عن شقيق ابن سلمة ما يقول فقال : إنا لو رخصنا لهم في هذا لا وشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم قال الترمذي : ويروى ابن مسعود أنه رجع عن قوله ومما يدل على إباحة التيمم للجنب ما روى عمران ابن حصين [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال : يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم ؟ فقال : أصابتني جنابة ولا ماء قا ل : عليك بالصعيد فأنه يكفيك ] متفق عليه وحديث أبي ذر وعمرو بن العاص وحديث جابر في الذي أصابته الشجة ولأنه حدث فيجوز له التيمم كالحدث الأصغر ومنها أن الجريح والمريض إذا خاف على نفسه من استعمال الماء فله التيمم هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس و مجاهد و عكرمة و طاوس و قتادة و مالك و الشافعي ولم يرخص له عطاء في التيمم إلا عند عدم الماء لظاهر الآية ونحوه عن الحسن في المجدور الجنب قال : لا بد من الغسل ولنا قول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } وحديث عمرو بن العاص حين تيمم من خوف البرد وحديث ابن عباس وجابر في الذي أصابته الشجة ولأنه يباح له التيمم إذا خاف العطش أو خاف من سبع فكذلك ههنا فإن الخوف لا يختلف وإنما اختلفت جهاته

فصل : التيمم لمرض أو جرح
فصل : واختلف في الخوف المبيح للتيمم فروي عن أحمد لا يبيحه إلا خوف التلف وهذا أحد قولي الشافعي وظاهر أنه يباح له التيمم إذا خاف زيادة أو تبأطؤ البرء أو خاف شيئا فاحشا أو ألما محتمل وهذا مذهب أبي حنيفة والقول الثاني ل الشافعي وهو الصحيح لعموم قوله تعالى : { وإن كنتم مرضى أو على سفر } ولأنه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شيء من ماله أو ضررا في نفسه من لص أو سبع أو لم يجد الماء بزيادة على ثمن مثله كثيرة فلأن يجوز ههنا أولى ولأن ترك القيام في الصلاة وتأخير الصيام لا ينحصر في خوف التلف وكذلك ترك الاستقبال فكذا ههنا فأما المريض أو الجريح الذي لا يخاف الضرر باستعمال الماء مثل من به الصداع والحمى الحارة أو أمكنه استعمال الماء الحار ولا ضرر عليه فيه لزمه ذلك لأن إباحة التيمم لنفي الضرر ولا ضرر عليه ههنا وحكي عن مالك و داود إباحة التيمم للمريض مطلقا لظاهر الآية
ولنا أنه واجد للماء لا يستضر باستعماله فلم يجز له التيمم كالصحيح والآية اشتراط فيها عدم الماء فلم يتناول محل النزاع على أنه لا بد فيها من إضماء الضرورة والضرورة إنما تكون عند الضرر ومنها أن الجريح والمريض إذا أمكنه غسل بعض جسده دون بعض لزمه غسل ما أمكنه وتيمم للباقي وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك : إن كان أكثر بدنه صحيحا غسله ولا تيمم عليه وإن أكثره جريحا تيمم ولا غسل عليه لأن الجمع بين البدل والمبدل لا يجب كالصيام والاطعام
ولنا ما روى جابر قال : [ خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا شجة ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه و سلم أخبر بذلك فقال : قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ثم يغسل سائر جسده ] رواه أبو داود وعن ابن عباس مثله لأن كل جزء من الجسد يجب تطهيره بشيء إذا استوى الجسم كله في المرض أو الصحة فيجب ذلك فيه وإن خالفه غيره كما لو كان من جملة الأكثر فإن حكمه لا يسقط بمعنى في غيره وما ذكروه ينتقض بالمسح على الخفين مع غسل بقية أعضاء الوضوء ويفارق ما قاسوا عليه فأنه جمع بين البدل والمبدل في محل واحد بخلاف هذا فإن التيمم بدل عما لم يصبه الماء دون ما أصابه
فصل : ما لا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجريح حكمه حكم الجريح فإن لم يمكنه ضبطه وقدر أن يستنيب من يضبطه لزمه ذلك فإن عجز عن ذلك تيمم وصلى وأجزأه لأنه عجز عن غسله فأجزأه التيمم عنه كالجريح

فصل : مراعاة الترتيب حين الجمع بين الماء والتيمم
فصل : إذا كان الجريح جنبا فهو مخير إن شاء قدم التيمم على الغسل وإن شاء أخره بخلاف ما إذا كان التيمم لعدم ما يكفيه لجميع أعضائه فإنه يلزمه استعمال الماء أولا لأن التيمم للعدم ولا يتحقق مع وجود وههنا التيمم للعجز على استعماله في الجرح وهو متحقق على كل حال ولأن الجريح يعلم أن التيمم بدل عن غسل الجرح والعادم لما يكفي جميع أعضائه لا يعلم القدر الذي يتيمم له إلا بعد استعمال الماء وفراغه فلزمه تقديم استعماله وإن كان الجريح يتطهر للحدث الأصغر فذكر القاضي أنه يلزمه الترتيب فيجعل التيمم في مكان الغسل الذي يتيمم بدلا عنه فإن كان الجرح في وجهه بحيث لا يمكنه غسل شيء منه لزمه التيمم أولا ثم يتيمم الوضوء وإن كان في بعض وجهه خير بين غسل صحيح وجهه ثم تيمم وبين أن يتيمم ثم يغسل صحيح وجهه ويتمم وضوءه وإن كان الجرح في عضو آخر لزمه غسل ما قبله ثم كان فيه على ما ذكرنا في الوجه فإن كان في وجهه ويديه ورجليه احتاح في كل عضو إلى تيمم في محل غسله ليحصل الترتيب ولو غسل صحيح وجهه ثم تيمم له وليديه تيمما واحدا لم يجزه لأنه يؤدي إلى سقوط الفرض عن جزء من الوجه واليدين في حالة واحدة فإن قيل : يبطل هذا التيمم عن جملة الطهارة حيث يسقط الفرض عن جميع الأعضاء جملة واحدة ؟ قلنا : إذا كان عن جملة الطهارة فالحكم له دونها وإن كان عن بعضها ناب عن ذلك البعض فاعتبر فيه ما يعتبره فيما ينوب عنه من الترتيب ويحتمل أن لا يجب هذا الترتيب لأن التيمم طهارة مفردة فلا يجب الترتيب بينها وبين الطهارة الأخرى كما لو كان الجريح جنبا ولأنه تيمم عن الحدث الأصغر فلم يجب أن يتيمم عن كل عضو في موضع غسله كما لو تيمم عن جملة الوضوء ولأن في هذا حرجا وضررا فيندفع بقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وحكى الماوردي عن مذهب الشافعي مثل هذا وحكى ابن الصباغ عنه مثل القول الأول
فصل : وإن تيمم الجريح لجرح في بعض أعضائه ثم خرج الوقت بطل تيممه ولم تبطل طهارته بالماء إن كانت غسلا لجنابة أو نحوها لأن الترتيب والموالاة غير واجبين فيها وإن كانت وضوءا وكان الجرح في وجهه خرج بطلان الوضوء على الوجهين اللذين في الفصل الذي قبل فمن أوجب الترتيب أبطل الوضوء ههنا لأن طهارة العضو الذي ناب التيمم عنه بطلت فلو لم يبطل فيما بعده لتقدمت طهارة ما بعده عليه فيفوت الترتيب ومن لم يوجب الترتيب لم يبطل الوضوء وجوز له أن يتيمم لا غير وإن كان الجرح في إحدى رجليه أو فيهما فعلى قول من لا يوجب الترتيب بين الوضوء والتيمم لا تجب الموالاة بينهما أيضا وعليه التيمم وحده ومن أوجب الترتيب فقياس قوله أن يكون في الموالاة وجهان بناء على الموالاة في الوضوء وفيها روايتان : إحداهما تجب فتجب ههنا ويبطل الوضوء لفواتها والثانية لا تجب فيكفيه التيمم وحده ويحتمل أن لا تجب الموالاة بين الوضوء والتيمم وجها واحدا لأنهما طهارتان فلم تجب الموالاة بينهما كسائر الطهارات ولأن في إيجابها حرجا فينتفي بقوله سبحانه : { وما جعل عليكم في الدين من حرج }

فصل : التيمم للبرد الشديد
فصل : وإن خاف من شدة البرد وأمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوا عضوا كلما غسل شيئا ستره لزمه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر أهل العلم وقال عطاء و الحسن : يغتسل وإن مات لم يجعل الله له عذرا ومقتضى قول ابن مسعود أنه لا يتمم فإنه قال : لو رخصنا لهم في هذا لأوشك أحدهم إذا برد عليه الماء أن يتيمم ويدعه
ولنا قول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } وقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وروى أبو داود و أبو بكر الخلال بإسنادهما [ عن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله عز و جل يقول : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يقل شيئا ] وسكوت النبي صلى الله عليه و سلم يدل على الجواز لأنه لا يقر على الخطأ ولأنه خائف على نفسه فأبيح له التيمم كالجريح والمريض وكما لو خاف على نفسه عطشا أو لصا أو سبعا في طلب الماء وإذا تيمم وصلى فهل يلزمه الإعادة ؟ على روايتين إحداهما لا يلزمه وهو قول الثوري و مالك و أبي حنيفة و ابن المنذر لحديث عمرو فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمره بالإعادة ولو وجبت لأمره بها ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض ولأنه عذر نادر غير متصل فلم يمنع الإعادة كنسيان بالتيمم والثانية يلزمه الإعادة وهو قول أبي يوسف و محمد لأنه عذر نادر غير متصل فلم يمنع الإعادة كنسيان الطهارة والأول أصح ويفارق نسيان الطهارة لأنه لم يأت بما أمر به وإنما ظن أنه أتى به بخلاف مسألتنا وقال أبو الخطاب : لا إعادة عليه إن كان مسافرا وإن كان حاضرا فعلى روايتين وذلك لأن الحضر مظنة القدرة على تسخين الماء ودخول الحمامات بخلاف السفر وقال الشافعي : يعيد إن كان حاضرا وإن كان مسافرا فعلى قولين

مسألة : صلاة فرضين بتيمم واحد
مسألة : قال : وإذا تيمم صلى الصلاة التي حضر وقتها وصلى به فوائت إن كانت عليه والتطوع إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى
المذهب أن التيمم يبطل بخروج الوقت ودخوله ولعل الخرقي إنما علق بطلانه بدخول وقت صلاة أخرى تجوزا منه إذا كان خروج وقت الصلاة ملازما لدخول وقت الأخرى إلا في موضع واحد وهو وقت الفجر فإنه يخرج منفكا عن دخول وقت الظهر : ويبطل التيمم بكل واحد منهما فلا يجوز أن يصلي به صلاتين في وقتين روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم و الشعبي و النخعي و قتادة و يحيى الأنصاري و ربيعة و مالك و الشافعي و الليث و إسحاق و روى الميموني عن أحمد في المتيمم قال : إنه ليعجبني أن يتيمم لكل صلاة ولكن القياس أنه بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث لحديث النبي صلى الله عليه و سلم في الجنب يعني [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : أبا ذر الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك ] وهو مذهب سعيد بن المسيب و الحسن و الزهري و الثوري و أصحاب الرأي وروي عن ابن عباس وأبي جعفر لأنها طهارة تبيح الصلاة فلم تتقدر بالوقت كطهارة الماء
ولنا : ما روى الحارث عن علي رضي الله عنه أنه قال : التيمم لكل صلاة وابن عمر : تيمم لكل صلاة ولأنها طهارة ضرورة فتقيدت بالوقت كطهارة المستحاضة وطهارة الماء ليست للضرورة بخلاف مسألتنا والحديث أراد به أن يشبه الوضوء في إباحة الصلاة ولا يلزم التساوي في جميع الأحكام إذا ثبت هذا فإنه إذا نوى بتيممه مكتوبة فله أن يصلي به ما شاء من الصلاة فيصلي الحاضرة ويجمع بين الصلاتين ويقضي فوائت ويتطوع قبل الصلاة وبعدها هذا قول أبي ثور وقال مالك و الشافعي : لا يصلي به فرضين وقد روي عن أحمد أنه قال : لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى وهذا يحتمل أن يكون مثل قولهما لما روي عن ابن عباس أنه قال : من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى وهذا مقتضى سنة النبي صلى الله عليه و سلم ولأنها طهارة ضرورة فلا يجمع بها بين فريضتين كما لو كانا في وقتين
ولنا : أنه طهارة صحيحة أباحت فرضا فأباحت فرضين كطهارة الماء لأنه بعد الفرض الأول تيمم صحيح مبيح للتطوع نوى به المكتوبة فكان له أن يصلي به فرضا كحالة ابتدائه ولأن الطهارة في الأصول إنما تتقيد بالوقت دون الفعل كطهارة الماسح على الخف وهذه في النوافل وطهارة المستحاضة ولأن كل تيمم أباح صلاة أباح ما هو من نوعها بدليل صلاة النوافل وأما حديث ابن عباس فيرويه الحسن بن عمارة وهو ضعيف قم يحتمل أنه أراد أن يصلي به صلاتين في وقتين بدليل أنه يجوز أن يصلي به صلوات من التطوع ويجمع بين صلاتين فرض ونفل وإنما امتنع الجمع بين فرضي وقتين لبطلان التيمم بخروج وقت الأولى منهما - إذا ثبت هذا فإن الخرقي إنما ذكر قضاء الفوائت والتطوع ولم يذكر الجميع بين الصلاتين وكذا ذكر الإمام أحمد فيحتمل أن لا يجوز الجمع بين الصلاتين وهو مذهب أبو ثور والصحيح جواز الجمع لما ذكرنا من الأدلة ولأن ما أباح فرضين فائتين أباح فرضين في الجمع كسائر الطهارات وقال الماوردي : ليس للمتيمم أن يجمع بين صلاتين بحال لأن الصلاة الثانية تفتقر إلى تيمم والتيمم يفتقر إلى طلب والطلب يقطع الجمع ومن شرطه الموالاة يعني على مذهب الشافعي وهذا ينبغي أن يتقيد بالجمع في وقت الأولى فأما الجمع في وقت الثانية فلا تشترط له الموالاة في الصحيح فإن قيل : فكيف يمكن قضاء الفوائت والترتيب شرط فيجب تقديم الفائتة على الحاضرة فكيف تتأخر الفائتة عنها ؟ قلنا : يمكن ذلك لوجوه أحدها أن يقدم الفائتة على الحاضرة الثاني أن ينسى الفائتة ثم يذكرها بعد الحاضرة الثالث أن يخشى فوات وقت الحاضرة فيصليها ثم يصلي في بقية الوقت فوائت الرابع أنه إذا كثرت الفوائت بحيث لا يمكن قضاؤها قبل خروج وقت الحاضرة فله أن يصلي الحاضرة في جماعة في أول الوقت ويقدمها على الفوائت في إحدى الراويتين فإنه لا بد من تقديمها على بعض الفوائت فلا فائدة في تأخيرها ولأنه لو لزم تأخيرها إلى آخر للزم ترك الجماعة للحاضرة بالكلية

مسألة وفصل : : من معه ماء يحتاجه للشرب
مسألة : قال : وإذا خاف العطش حبس الماء وتيمم ولا إعادة عليه
قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء وخشي العطش أنه يبقي ماءه للشرب ويتيمم منهم علي وابن عباس و الحسن و عطاء و مجاهد و طاوس و قتادة و الضحاك و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي ولأنه خائف على نفسه من استعمال الماء فأبيح له التيمم كالمريض
فصل : وإن خاف على رفيقه أو رقيقه أو بهائمه فهو كما لو خاف على نفسه لأن حرمة رفيقه كحرمة نفسه والخائف على بهائمه خائف من ضياع مله فأشبه ما لو وجد ماء بينه وبينه لص أو سبع يخافه على بهيمته أو شيء من ماله وان وجد عطشان يخاف تلفه لزمه سقيه ويتيمم قيل ل أحمد : الرجل معه اداوة من ماء للوضوء فيرى قوما عطاشا أحب إليك أن يسقيهم أو يتوضأ ؟ قال : يسقيهم ثم ذكر عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يتيممون ويحسبون الماء لشفاههم وقال أبو بكر القاضي : لا يلزمه بذله لأنه محتاج إليه
ولنا : أن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة بدليل ما لو رأى حريقا أو غريقا في الصلاة عند ضيق وقتها لزمه ترك الصلاة والخروج لانقاذه فلأن يقدمها على الطهارة بالماء أولى وقد روي في الخبر أن بغيا أصابها العطش فنزلت بئرا فشربت منه فلما صعدت رأت كلبا يلحس الثرى من العطش فقالت : لقد أصاب هذا من العطش مثل ما أصابني فنزلت فسقته بموقها فغفر الله لها فإذا كان هذا الأجر في سقي الكلب فغيره أولى

فصل : حكم من معه ماء طهور وماء نجس ولا يكفيه الطهور للطهار ولشربه
فصل : وإذا وجد الخائف من العطش ماء طاهرا وماء نجسا يكفيه أحدهما لشربه فإنه يحبس الماء الطاهر لشربه ويريق النجس إن استغنى عن شربه وقال القاضي : يتوضأ بالطاهر ويحبس النجس لشربه لأنه وجد ماء طاهرا مستغنى عن شربه فأشبه ما لو كان ماء كثيرا طاهرا
ولنا : أنه لا يقدر على ما يجوز الوضوء به ولا على ما يجوز له شربه سوى هذا الطاهر فجاز له حبسه إذا خاف العطش كما لو لم يكن معه سواه وإن وجدهما وهو عطشان شرب الطاهر وأراق النجس إذا استغنى عنه سواء كان في الوقت أو قبله وقال بعض الشافعية : إن كان في الوقت شرب النجس لأن الطاهر مستحق الطهارة فهو كالمعدوم وليس بصحيح لأن شرب النجس حرام وإنما يصير الطاهر مستحقا للطهارة إذا استغنى عن شربه وهذا غير مستغن عن شربه ووجود النجس كعدمه لتحريم شربه

فصل : التيمم لخوف فوات الصلاة قبل تحصيل الماء باختلاف الحصر أو السفر ومن أجل صلاة جنازة أو صلاة العيد
فصل : وإذا كان الماء موجودا إلا أنه إذا اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت لم يبح له التيمم سواء كان حاضرا أو مسافرا في قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي وعن الأوزاعي و الثوري له التيمم رواه عنهما الوليد بن مسلم قال الوليد : فذكرت ذلك ل مالك و ابن أبي ذئب و سعيد بن عبد العزيز فقالوا : يغتسل وإن طلعت الشمس وذلك لقول الله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وحديث أبي ذر وهذا واجد للماء ولأنه قادر على الماء فلم يجز له التيمم كما لو لم يخف فوت الوقت ولأن الطهارة شرط فم يبح تركها خيفة فوت وقتها كسائر شرائطها وإن خاف فوت العيد لم يجز له التيمم وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي : له التيمم لأنه يخاف فوتها بالكلية فأشبه العادم
ولنا : الآية والخبر وما ذكرنا من المعنى وإن خاف فوت الجنازة فكذلك في إحدى الروايتين لما ذكرنا والأخرى يباح له التيمم ويصلي عليها وبه قال النخعي و الزهري و الحسن و يحيى الأنصاري و سعد بن إبراهيم و الليث و الأوزاعي و إسحاق وأصحاب الرأي لأنه لا يمكن استدراكها بالوضوء فأشبه العادم وقال الشعبي يصلي عليها من غير وضوء ولا تيمم لأنها لا ركوع فيها ولا سجود وإنما هي دعاء فأشبهت الدعاء في غير الصلاة
ولنا : [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : لا يقبل الله صلاة بغير طهور ] و قوله : [ لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ] وقول الله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } الآية ثم أباح ترك الغسل مشروطا بعدم الماء بقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } فما لم يوجد الشرط يبقى على قضية العموم

مسألة : التيمم عن احداث مجتمعة : من نسي الجنابة وتيمم للحدث
مسألة : قال : وإذا نسي الجنابة وتيمم للحدث لم يجزه
وبهذا قال مالك و أبو ثور وقال أبو حنيفة و الشافعي : يجزئه لأن طهارتهما واحدة فسقطت إحداهما بفعل الأخرى كالبول والغائط
ولنا : [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى ] وهذا لم لم ينو الجنابة فلم يجزه عنها ولأنهما سببان مختلفان فلم تجز نية أحدهما عن الآخر كالحج والعمرة ولأنهما طهارتان فلم تتأد إحداهما بنية الأخرى كطهارة الماء عند الشافعي وفارق ما قاسوا عليه فإن حكمها واحد وهو الحدث الأصغر ولهذا تجزىء نية أحدهما عن نية الآخر في طهارة الماء

فصل : وإن تيمم للجنابة لم يجزئه الحدث الأصغر
فصل : وإن تيمم للجنابة لم يجزه عن الحدث الأصغر لما ذكرنا والخلاف فيها كالتي قبلها فعلى هذا يحتاج إلى تعيين ما تيمم له من الحدث الأصغر والجنابة والحيض والنجاسة فإن نوى الجميع بتيمم واحدة أجزأه لأن فعله واحد فأشبه طهارة الماء وإن نوى بعضها أجزأه عن المنوي دون ما سواه وإن كان التيمم عن جرح في عضو من أعضائه نوى التيمم عن غسل ذلك العضو

فصل : ولو تيممت المرأة بعد طهرها ثم أجنبت لا يلزمها التيمم قبل كل وطىء
فصل : وإذا تيمم للجنابة دون الحدث أبيح له ما يباح للمحدث من قراءة القرآن واللبث في المسجد ولم تبح له الصلاة والطواف ومس المصحف وإن أحدث لم يؤثر ذلك في تيممه لأنه غائب عن الغسل فلم يؤثر الحدث فيه كالغسل وإن تيمم للجنابة والحدث بطل تيممه للحدث وبقي تيمم الجنابة بحاله ولو تيممت المرأة بعد طهرها من حيضها لحدث الحيض ثم أجنبت لم يحرم وطؤها لأن حكم تيمم الحيض باق ولم يبطل بالوطء لأن الوطء إنما يوجب حدث الجنابة قال ابن عقيل : وإن قلنا : كل صلاة تحتاج إلى تيمم احتاج كل وطء إلى تيمم يخصه والأول أصح

مسألة : بطلان التيمم بالقدرة على استعمال الماء إذا وجد المتيمم الماء وهو في الصلاة
مسألة : قال : وإذا وجد المتيمم الماء وهو في الصلاة خرج فتوضأ أو اغتسل إن كان جنبا واستقبل الصلاة
المشهور في المذهب أن المتيمم إذا قدر على استعمال الماء بطل تيممه سواء كان في الصلاة أو خارجا منها فإن كان في الصلاة بطلت لبطلان طهارته ويلزمه استعمال الماء فيتوضأ إن كان محدثا ويغتسل إن كان جنبا وبهذا قال الثوري و أبو حنيفة وقال مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر إن كان في الصلاة مضى فيها وقد روي ذلك عن أحمد إلا أ ه روي منه ما يدل على رجوعه عنه قال المروذي : قال أحمد : كنت أقول يمضي ثم تدبرت فإذ أكثر الأحاديث على أنه يخرج وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية واحتجوا بأنه وجد المبدل بعد التلبس بمقصود البدل فلم يلزمه الخروج كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام ولأنه غير قادر على استعمال الماء لأن قدرته تتوقف على ابطال الصلاة وهو منهي عن ابطالها بقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم }
ولنا : [ قوله عليه السلام : الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك ] أخرجه أبو داود و النسائي دل بمفهومه على أنه لا يكون طهورا عند وجود الماء وبمنطوقه على وجوب امساسه جلده ولأنه قدر على استعمال الماء فبطل تيممه كالخارج من الصلاة ولأن التيمم طهارة ضرورة فبطلت بزوال الضرورة كطهارة المستحاضة إذا انقطع دمها يحققه أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما أبيح للمتيمم أن يصلي مع كونه محدثا لضرورة العجز عن الماء فإذا وجد الماء زالت الضرورة فظهر حكم الحدث كالأصل ولا يصح قياسهم فإن الصوم هو البدل نفسه فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه ولا خلاف في بطلانه ثم الفرق بينهما أن مدة الصيام تطول فيشق الخروج منه لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين بخلاف مسألتنا وقولهم : إنه غير قادر صحيح فان الماء قريب وآلته صحيحة والموانع منتفية وقولهم : أنه منهي عن ابطال الصلاة قلنا : لا يحتاج إلى إبطال الصلاة بل هي تبطل بزوال الطهارة كما في نظائرها فإذا ثبت هذا فمتى خرج فتوضأ لزمه استئناف الصلاة وقيل فيه وجه آخر : إنه يبني على ما مضى منها كالذي سبقه الحدث والصحيح أنه لا يبني لأن الطهارة شرط وقد فاتت ببطلان التيمم فلا يجوز بقاء الصلاة مع فوات شرطها ولا يجوز بقاء ما مضى صحيحا مع خروجه منها قبل اتمامها وكذا نقول فيمن سبقه الحدث وإن سلمنا فالفرق بينهما أن ما مضى من الصلاة انبنى على طهارة ضعيفة ههنا فلم يكن له البناء عليه كطهارة المستحاضة بخلاف من سبقه الحدث

فصل ك وإذا كان في الصلاة ووجد ترابا أو ماء
فصل : والمصلي على حسب حاله بغير وضوء ولا تيمم إذا وجد ماء في الصلاة أو ترابا خرج منها بكل حال لأنها صلاة بغير طهارة ويحتمل أن يخرج فيها مثل ما في التيمم إذا وجد الماء إذا قلنا أنه لا تلزمه الإعادة ولأن الطهارة شرط سقط اعتباره فأشبهت السترة إذا عجز عنها فصلى عريانا ثم وجد السترة في أثناء الصلاة قريبا منه وكل صلاة يلزمه اعادتها فانه يلزمه الخروج منها إذا زال العذر ويلزنه استقبالها وإن قلنا لا يلزمه اعادتها فانها تشبه صلاة المتيمم إذا وجد الماء على ما مضى من القول فيها

فصل : و لو تيمم الميت ثم قدر على الماء في أثناء الصلاة
فصل : و يمم الميت ثم قدر على الماء أثناء الصلاة عليه لزمه الخروج لأن غسل الميت ممكن غير متوقف على إبطال المصلي صلاته بخلاف مسألتنا ويحتمل أن تكون كمسألتنا لأن الماء وجد بعد الدخول في الصلاة

فصل : وإذا لا يلزم المصلي الخروج لرؤية الماء فهل يجوز له الخروج ؟ !
فصل : وإذا قلنا لا يلزم المصلي الخروج لرؤية الماء فهل يجوز له الخروج ؟ فيه وجهان أحدهما له ذلك لأنه شرع في مقصود البدل فخير بين الرجوع إلى المبدل وبين اتمام ما شرع فيه كمن شرع في صوم الكفارة ثم أمكنته الرقبة والثاني لا يجوز له الخروج لأن ما يوجب الخروج من الصلاة لا يبيح الخروج كسائر الأشياء ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين

فصل : ثم رأى ماء في الصلاة
فصل : إذا رأى ماء في الصلاة ثم انقلب قبل استعماله فإن قلنا يلزمه الخروج من الصلاة فقد بطلت صلاته وتيممه برؤية الماء والقدرة عليه ويلزمه استئناف التيمم والصلاة وإن قلنا : لا تبطل صلاته واندفق وهو فيها فقال ابن عقيل : ليس له أن يصلي بذلك التيمم صلاة أخرى وهذا مذهب الشافعي لأن رؤية الماء حرمت عليه افتتاح صلاة أخرى ولو تلبس بنافلة ثم رأى ماء فان كان نوى عددا أتى به وإن لم يكن نوى عددا لم يكن له أن يزيد على ركعتين لأنه أقل الصلاة على ظاهر المذهب ويقوي عندي أننا إذا قلنا : لا تبطل الصلاة برؤية الماء فله افتتاح صلاة أخرىلأن رؤية الماء لم تبطل التيمم ولو بطل لبطلت الصلاة وما وجد بعدها لا يبطله فأشبه ما لو رآه وبينه سبع ثم اندفق قبل زوال المانع وله أن يصلي ما يشاء كما لو لم ير الماء

فصل : إذا تيمم ثم رأى ركبا يظن أن معه ماء ! ؟
فصل : إذا تيمم ثم رأى ركبا يظن أن معه ماء وقلنا بوجوب الطلب أو رأى خضرة أو شيئا يدل على الماء في موضع يلزمه الطلب فيه بطل تيممه وكذلك أن رأى سرابا ظنه ماء بطل تيممه وهذا مذهب الشافعي لأنه وجب الطلب بطل التيمم وسواء تبين له خلاف ظنه أو لم يتبين فأما أن رأى الركب أو الخضرة في الصلاة لم تبطل صلاته ولا تيممه لأنه دخل فيها بطهارة متيقنة فلا تزول بالشك ويحتمل أن لا يبطل تيممه أيضا إذا كان خارجا من الصلاة لأن الطهارة المتيقنة لا تبطل بالشك كطهارة الماء ووجوب الطلب ليس بمبطل للتيمم لأن كونه مبطلا إنما يثبت بدليل شرعي وليس في هذا نص ولا معنى نص فينتفي الدليل

فصل : خروج الوقت قبل الفراغ من الصلاة
فصل : وإن خرج وقت الصلاة وهو فيها تيممه وبطلت صلاته لأن طهارته انتهت بانتهاء وقتها فبطلت صلاته كما لو انقضت مدة المسح وهو في الصلاة

فصل : بطلان التيمم بنواقض الوضوء ونواقض التيمم
فصل : ويبطل التيمم عن الحدث بكل ما يبطل الوضوء ويزيد برؤية الماء المقدور على استعماله وخروج الوقت وزاد بعض أصحابنا ظن وجود الماء على ما ذكرنا وزاد بعضهم ما لو نزع عمامة أو خفا يجوز له المسح عليه فانه يبطل تيممه وذكر أن أحمد نص عليه لأنه مبطل للوضوء فأبطل التيمم كسائر مبطلاته والصحيح أن هذا ليس بمبطل للتيمم وهذا قول سائر الفقهاء لأن التيمم طهارة لم يمسح فيه عليه فلا يبطل بنزعه كطهارة الماء وكما لو كان الملبوس مما لا يجوز المسح عليه ولا يصح قولهم إنه مبطل للوضوء لأن مبطل الوضوء نزع ما هو ممسوح عليه فيه ولم يوجد ههنا ولأن اباحة المسح لا يصير بها ماسحا ولا بمنزلة الماسح كما لو لبس عمامة يجوز المسح عليها ومسح على رأسه من تحتها فإنه لا تبطل طهارته بنزعها فأما التيمم للجنابة فلا يبطله إلا رؤية الماء و خروج الوقت وموجبات الغسل وكذلك التيمم لحدث الحيض والنفاس لا يزول حكمه إلا بحدثهما أو بأحد الأمرين

فصل : التيمم لغير الصلاة مما يجب له الطهارة
فصل : يجوز التيمم لكل ما يتطهر له من نافلة أو مس مصحف أو قراءة قرآن أو سجود تلاوة أو شكر أو لبث في مسجد قال أحمد : يتيمم ويقرأ جزأه يعني الجنب وبذلك قال عطاء و مكحول و الزهري و ربيعة و يحيى الأنصاري و مالك و الشافعي و الثوري وأصحاب الرأي وقال أبو مخرمة : لا يتيمم إلا لمكتوبة وكره الأوزاعي أن يمس المتيمم المصحف
ولنا : [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ] و [ قوله عليه السلام : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] ولأنه يستباح بطهارة الماء فيستباح بالتيمم كالمكتوبة

فصل : التيمم عن النجاسة
وإن كانت على بدنه نجاسة وعجز عن غسلها لعدم الماء أو خوف الضرر باستعماله تيمم لها وصلى قال أحمد : هو بمنزلة يتمم وروي معنى ذلك عن الحسن وروي عن الأوزاعي و الثوري و أبي ثور يمسحها بالتراب ويصلي لأن طهارة النجاسة إنما تكون في محل النجاسة دون غيره وقال القاضي : يحتمل أن يكون معنى قول أحمد إنه بمنزلة الجنب الذي يتيمم أي أنه يصلي على حسب حاله كما يصلي الجنب الذي يتيمم وهذا قول الاكثرين من الفقهاء لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث وغسل النجاسة ليس في معناه لأنه إنما يؤتى به في محل النجاسة لا في غيره ولأن مقصود الغسل إزالة النجاسة ولا يحصل ذلك بالتيمم
ولنا [ قوله عليه السلام : الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ] و [ قوله : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] ولأنها طهارة في البدن تراد للصلاة فجاز لها التيمم عند عدم الماء أو خوف الضرر باستعماله كالحدث ويفارق الغسل التيمم فانه في طهارة الحدث يؤتى به في غير محله فيما إذا تيمم لجزح في رجله أو موضع من بدنه غير وجهه ويديه بخلاف الغسل وقولهم : لم يرد به الشرع قلنا : هو داخل في عموم الأخبار وفي معنى طهارة الحدث لما ذكرنا فإذا ثبت هذا فإنه إذا تيمم للنجاسة وصلى فهل يلزمه الإعادة ؟ على روايتين وقال أبو الخطاب : إن كان على جرحه نجاسة يستضر بإزالتها تيمم وصلى ولا إعادة عليه وإن تيمم للنجاسة عند عدم الماء وصلى لزمته الإعادة عندي وقال أصحابنا : لا تلزمه الإعادة لقوله عليه السلام : [ التراب كافيك ما لم تجد الماء ] ولأنها طهارة ناب عنها التيمم فلم تجب الإعادة فيها كطهارة الحدث وكما تيمم لنجاسة على جرحه يضره إزالتها ولأنه لو صلى من غير تيمم لم تلزمه الإعادة فمع التيمم أولى فأما إن كانت النجاسة على ثوبه أو غير بدنه فانه لا يتمم لها لأن التيمم طهارة في البدن فلا ينوب عن غير البدن كالغسل ولأن غير البدن لا ينوب فيه الجامد عند العجز بخلاف البدن

فصل : ما يصنع من معه ماء لا يكفي لرفع الحدث وإزالة النجاسة
فصل : فان اجتمع عليه نجاسة ومعه ما لا يكفي إلا أحدهما غسل النجاسة وتيمم للحدث نص هذا أحمد وقال الخلال : اتفق أبو عبد الله و سفيان على هذا ولا نعلم فيه خلافا وذلك لأن التيمم للحدث ثابت بالنص والإجماع ومختلف فيه للنجاسة وإن كانت النجاسة على ثوبه قدم غسلها وحكاه أبو حنيفة وروي عن أحمد أنه يتوضأ ويدع الثوب لأنه واجد للماء والوضوء أشد من غسل الثوب وحكاه أبو حنيفة عن حماد في الدم والأول أولى لما ذكرناه ولأنه إذا قدم غسل نجاسة البدن مع أن للتيمم فيها مدخلاص فتقديم طهارة الثوب أولى وإن اجتمع نجاسة على الثوب ونجاسة على البدن وليس معه إلا ما يكفي أحدهما غسل الثوب وتيمم لنجاسة البدن لأن للتيمم فيها مدخلا

فصل : من أحق بالتقديم من أصحاب الأحداث عند قلة الماء ؟ !
فصل : إذا اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض ومعهم ماء لا يكفي إلا أحدهم فان كان ملكا لأحدهم فهو أحق به لأنه يحتاج إليه لنفسه فلا يجوز له بذله لغيره سواء كان مالكه الميت أو أحد الحيين وإن كان الماء لغيرهم وأراد أن يجود به على أحدهم فعن أحمد رحمه الله روايتان إحداهما الميت أحق به لأن غسله خاتمة طهارته فيستحب أن تكون طهارة كاملة والحي يرجع إلى الماء فيغتسل ولأن القصد بغسل الميت تنظيفه ولا يحصل بالتيمم والحي يقصد بغسله إباحة الصلاة ويحصل ذلك بالتراب والثانية الحي أولى لأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء والميت قد سقط الفرض عنه بالموت اختار هذا الخلال وهل يقدم الجنب أو الحائض ؟ فيه وجهان أحدهما الحائض لأنها تقضي حق الله تعالى وحق زوجها في إباحة وطئها والثاني الجنب إذ كان رجلا لأن الرجل أحق بالكمال من المرأة ولأنه يصلح إماما لها وهي لا تصلح لامامته وإن كان على أحدهم نجاسة فهو أولى به وإن وجدوا الماء في مكان فهو للاحياء لأن الميت لا يجد شيئا وإن كان للميت ففضلت منه فضلة فهو لورثته فان لم يكن له وارث حاضر فللحي أخذه بقيمته لأن في تركه اتلافه وقال بعض أصحابنا : ليس له اخذه لأن مالكه لم يأذن له فيه إلا أن يحتاج إليه للعطش فيأخذه بشرط الضمان وإن اجتمع جنب ومحدث فالجنب أحق إن كان الماء يكفيه لأنه يستفيد به مالا يستفيده المحدث وإن كان وفق حاجة المحدث فهو أولى لأنه يستفيد به طهارة كاملة وإن كان يكفي واحدا منهما فالجنب أولى به لأنه يستفيد به تطهير بعض أعضائه وإن كان يكفي كل واحد منهما ويفضل منه فضلة لا تكفي الآخر فالمحدث أولى لأن فضلته يمكن الجنب استعمالها ويحتمل أن الجنب أولى لأنه يستفيد بغسله ما لا يستفيد المحدث وإذا تغلب من غيره أولى منه على الماء فاستعمله وأجزأه لأن الآخر لم يملكه وإنما رجح لشد حاجته

فصل : هل يجوز لفاقد الماء وطىء زوجته ! !
فصل : وهل يكره للعادم جماع زوجته إذا لم يخف العنت ؟ فيه ورايتان أحدهما يكره لأنه يفوت على نفسه طهارة ممكنا بقاؤها والثانية لا يكره وهو قول جابر بن زيد و الحسن و قتادة و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أصحاب الرأي و ابن المنذر وحكي عن الأوزاعي أنه إن كان بينه وبين أهله أربع ليال فليصب أهله وإن كان ثلاث فما دونها فلا يصبها والأولى جواز اصابتها من غير كراهة لأن [ أبا ذر قال للنبي صلى الله عليه و سلم : إني أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور فقال النبي صلى الله عليه و سلم الصعيد الطيب طهور ] رواه أبو داود و النسائي وأصاب ابن عباس من جاريةله رومية وهو عادم للماء وصلى باصحابه وفيه عمار فلم ينكروه قال إسحاق بن راهويه : هو سنة مسنونة عن النبي صلى الله عليه و سلم في أبي ذر وعمار وغيرهما فإذا فعلا ووجدا من الماء ما يغسلان به فرجيهما ثم تيمما وإن لم يجدا تيمما للجنابة والحدث الأصغر والنجاسة وصليا

مسألة وفصول : حكم المسح على العصابة والجبيرة
مسألة : قال : وإذا شد الكسير الجبائر وكان طاهرا ولم يعد بها موضع الكسر مسح عليها كلما أحدث إلى أن يحلها
الجبائر ما يعد لوضعه على الكسر لينجبر وقوله : ولم يعد بها موضع الكسر أراد لم يتجاوز إلا بما لا بد من وضع الجبيرة عليه فان الجبيرة إنما توضع على طرفي الصحيح ليرجع الكسر قال الخلال : كأن أبا عبدالله استحب أن يتوقى أن يبسط الشد على الجرح بما يجاوزه ثم سهل في مسألة الميموني و المروذي لأن هذا مما لا ينضبط وهو شديد جدا ولا بأس بالمسح على العصائب كيف شدها والصحيح ما ذكرناه إن شاء الله لأنه إذا شدها على مكان يستغنى عن شدها عليه كان تاركا لغسل ما يمكنه غسله من غير ضرر فلم يجز كما لو شدها على ما لا كسر فيه فإذا شدها على طهارة وخاف الضرر بنزعها فله أن يمسح عليها إلى أن يحلها وممن رأى المسح على العصائب ابن عمر وعبيد بن عمير وعطاء وأجاز المسح على الجبائر الحسن و النخعي و مالك و إسحاق و المزني و أبو ثور أصحاب الرأي وقال الشافعي : في أحد قوليه يعيد كل صلاة صلاها لأن الله تعالى أمر بالغسل ولم يأت أمر بالغسل ولم يأت به
ولنا : [ ما روى علي رضي الله عنه قال : انكسرت احدى زندي فأمرني النبي صلى الله عليه و سلم أن أمسح على الجبائر ] رواه ابن ماجة وحديث جابر في الذي أصابته الشجة ولأ ه قول ابن عمر ولم يعرف له في الصحابة مخالف ولأنه مسح على حائل أبيح له المسح عليه فلم تجب معه الإعادة كالمسح على الخف
فصل : ويفارق مسح الجبيرة مسح الخف من خمسة أوجه أحدها أنه لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرر بنزعها والخف بخلاف ذلك والثاني أنه يجب استيعابها بالمسح لأنه ضرر في تعميمها به بخلاف الخف فأنه يشق تعميم جميعه ويتلفه المسح وإن كان بعضها في محل الفرض وبعضها في غيره مسح ما حاذى محل الفرض نص عليه أحمد الثالث أنه يمسح على الجبيرة من غير توقيت بيوم وليلة ولا ثلاثة أيام لأن مسحها للضرورة فيقدر بقدرها والضرورة تدعو في مسحها إلى حلها فيقدر بذلك دون غيره الرابع أنه يمسح عليها في الطهارة الكبرى بخلاف غيرها لأن الضرر يلحق بنزعها فيها بخلاف الخف الخامس أنه لا يشترط تقدم الطهارة على شدها في إحدى الروايتين اختاره الخلال وقال : قد روى حرب و إسحاق و المروذي في ذلك سهولة عن أحمد واحتج بابن عمر وكأنه ترك قوله الأول وهو أشبه لأن هذا مما لا يضبط ويغلظ على الناس جدا فلا بأس به ويقوي هذا حديث جابر في الذي أصابته الشجة فإنه قال : إنما كان يجزئه أن يعصب على جرحه خرقه ويمسح عليها ولم يذكر الطهارة كذلك أمر عليا أن يمسح على الجبائر ولم يشترط طهارة ولا المسح عليها جاز دفعا لمشقة نزعها ونزعها يشق إذا لبسها على غير طهارة كمشقته إذا لبسها على طهارة والراوية الثانية لا يمسح عليها إلا أن يشدها على طهارة وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه حائل يمسح عليه فكان من شرط المسح عليه تقدم الطهارة كسائر الممسوحات فعلى هذا إذا لبسها علىغير طهارة ثم خاف من نزعها تيمم لها وكذا إذا تجاوز بالشد عليها موضع الحاجة وخاف من نزعها تيمم لها لأنه موضع يخاف الضرر باستعمال الماء فيه فيتيمم له كالجرح نفسه
فصل : ولا يحتاج مع مسحها إلى تيمم ويحتمل أن يتيمم مع مسحها فيما إذا تجاوز بها موضع الحاجة لأن ما على موضع الحاجة يقتضي المسح والزائد يقتضي التيمم وكذلك فيما إذا شدها على غير طهارة لأنها مختلف في إباحة المسح عليها فإذا قلنا لا يمسح عليها كان فرضها التيمم وعلى القول الآخر يكون فرضها المسح فإذا جمع بينهما خرج من الخلاف ومذهب الشافعي في الجمع بينهما قولان في الجملة لحديث جابر في الذي أصابته الشجة
ولنا : أنه محل واحد فلا يجمع فيه بين بدليلن كالخف ولأنه ممسوح في طهارةفلم يجب له التيمم كالخف وصاحب الشجة الظاهر أنه لبسها غير وضوء
فصل : ولا فرق بين كون الشد على كسر أو جرح قال أحمد : إذا توضأ وخاف على جرحه الماء مسح على الخرقة وحديث جابر في صاحب الشجة إنما هو في المسح على عصابة جرح لأن الشجة اسم لجرح الرأس خاصة ولأنه حائل موضع يخاف الضرر بغسله فأشبه الشد على الكسر وكذلك إن وضع على جرحه دواء وخاف من نزعه مسح عليه نص عليه أحمد قال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن الجرح يكون بالرجل يضع عليه الدواء فيخاف إن نزع الدواء إذا أراد الوضوء أن يؤذيه قال : ما أدري ما يؤذيه ؟ ولكن إذا خاف على نفسه أو خوف من ذلك مسح عليه وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه خرجت بابهامه قرحة فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها
ولو انقطع ظفر إنسان أو كان بأصبعه جرح خاف إن أصابه الماء أن يزرق الجرح جاز المسح عليه نص عليه أحمد وقال القاضي : في اللصوق على الجرح إن لم يكن في نزعه ضرر نزعه وغسل الصحيح ويتيمم للجرح ويمسح على موضع الجرح فإن كان في نزعه ضرر فحكمه حكم الجبيرة يمسح عليه

فصل : المسح على الجرح
فصل : فإن كان في رجله شق فجعل فيه قيرا فقال أحمد : ينزعه ولا يمسح عليه وقال هذا أهون أو شدة وتعليل أحمد في القير بسهولته يقتضي أنه متى كان على شيء يخاف منه جاز المسح عليه كما قلنا في الأصبع المجروحة إذا جعل عليها مرارة أو عصبها مسحها وقال مالك : في الظفر يسقط يكسوه مصطكا ويمسح عليه وهو قول أصحاب الرأي
فصل : وإذا لم يكن على الجرح عصاب فقد ذكرنا فيما تقدم أنه يغسل الصحيح ويتيمم للجرح وقد روى حنبل عن أحمد في المجروح والمجدور يخاف عليه يمسح موضع الجرح ويغسل ما حوله يعني يمسح إذا لم يكن عليه عصاب

باب المسح على الخفين
المسح على الخفين جائز عند عامة أهل العلم حكى ابن المنذر عن ابن المبارك قال : ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز وعن الحسن قال : [ حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مسح على الخفين ] وروى البخاري عن سعد بن مالك و المغيرة وعمرو بن أمية [ أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح على الخفين ] وروى أبو داود عن جرير بن عبد الله أنه توضأ ومسح على الخفين فقيل له ؟ : أتفعل هذا ؟ قال : ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح فقيل له : قبل نزول المائدة أو بعده ؟ فقال : ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة وفي رواية أنه قال : [ اني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه ] قال إبراهيم فكان يعجبهم هذا لأن اسلام جرير كان بعد نزول المائدة متفق عليه رواه حذيفة والمغيرة عن النبي صلى الله عليه و سلم متفق عليهما قال أحمد ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ما رفعوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم وما وقفوا

فصل : جواز المسح على الخفين
فصل : وروي عن أحمد أنه قال : المسح أفضل يعني من الغسل لأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه إنما طلبوا الفضل وهذا مذهب الشافعي و الحكم و إسحاق لأنه [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ان الله يحب أن يؤخذ برخصه ] وما خير رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ولأن فيه مخالفة أهل البدع وقد روي عن سفيان الثوري أنه قال ل شعيب بن حرب : لا ينفعك ما كتبت حتى ترى المسح على الخفين أفضل من الغسل وروى حنبل عن أحمد أنه قال : كله جائز المسح والغسل ما في قلبي من المسح شيء ولا من الغسل وهذا قول ابن المنذر وروي عن ابن عمر أنه أمرهم أن يمسحوا على خفافهم وخلع خفيه وتوضأ وقال : حبب إلي الوضوء وقال ابن عمر : إني لمولع لغسل قدمي فلا تقتدوا بي
وقيل : الغسل أفضل لأنه المفروض في كتاب الله تعالى والمسح رخصة وقد ذكرنا من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن الله يحب أن تقبل رخصه ]

مسألة : وجواز المسح مختص بالحدث
مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : ومن لبس خفيه وهو كامل الطهارة ثم أحدث مسح عليهما
لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح خلافا ووجهه ما [ روى المغيرة قال : كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال : دعهما فاني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما ] متفق عليه فأما إن غسل إحدى رجليه فأدخلهما الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف لم يجز امسح أيضا وهو قول الشافعي و إسحاق ونحوه عن مالك وحكي بعض أصحابنا رواية أخرى عن أحمد أنه يجوز المسح رواها أبو طالب عنه وهو قول يحيى بن آدم و أبي ثور و أصحاب الرأي لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس فجاز المسح كما لو نزغ الخف الأول ثم عاد فلبسه وقيل أيضا فيمن غسل رجليه ولبس خفيه ثم غسل بقية أعضائه يجوز له المسح وذلك مبني على أن الترتيب غير وجاب في الوضوء وقد سبق
ولنا : [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : دعهما فاني أدخلتهما طاهرتين ] وفي لفظ ل أبي دواد [ دع الخفين فاني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتين ] فجعل العلة وجود الطهارة فيهما جميعا وقت إدخالهما ولم توجد طهارتهما وقت لبس الأول ولأن ما اعتبرت له الطهارة اعتبر له كمالها كالصلاة ومس المصحف ولأن الأول خف ملبوس قبل رفع الحدث فلم يجز المسح عليه كما لو لبسه قبل غسل قدميه ودليل بقاء الحدث أنه لا يجوز له مس المصحف بالعضو المغسول فأما إذا نزع الخف الأول ثم لبسه بعد كمال الطهارة وقول الخرقي : ثم أحدث - يعني الحدث الأصغر - فان جواز المسح مختص به ولا يجزىء المسح في جنابة ولا غسل واحب ولا مستحب لا نعلم في هذا خلافا وقد روى صفوان بن عسال المرادي قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يامرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم ] رواه الترمذي وقال : حديث صحيح ولأن وجوب الغسل يندر فلا يشق إيجاب غسل القدم بخلاف الطهارة الصغرى ولذلك وجب غسل ما تحت الشعور الكثيفة وهكذا الحكم في العمامة وسائر الحوائل إلا الجبيرة وما في معناها

فصل : اشتراط الطهارة قبل لبس الخفين لجواز المسح عليهما
فصل : فإن تطهر ثم لبس الخف فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف لم يجز له المسح لأن الرجل حصلت في مقرها وهو محدث فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث

فصل : ولو تيمم ثم لبس الخف لم يكن له المسح وإن تطهرت المستحاضة ومن به سلس جاز المسح
فصل : فإن تيمم ثم لبس الخف لم يكن له المسح لأنه لبسه على طهارة غير كاملة ولأنها طهارة ضرورة بطلت من أصلها فصار كاللابس له على غير طهارة ولأن التيمم لا يرفع الحدث فقد لبسه وهو محدث وأن تطهرت المستحاضة ومن به سلس البول وشبههما ولبسوا خففافا فلهم المسح عليها نص عليه أحمد لأن طهارتهم كاملة في حقهم قال ابن عقيل : لأنها مضطرة إلى الترخص وأحق من ترخص المضطر فإن انقطع الدم وزالت الضرورة بطلت الطهارة من أصلها ولم يكن لها المسح كالمتيمم إذا وجد الماء

فصل : وإن لبس خفين ثم أحدث ثم لبس فوقهما خفين
فصل : إذا لبس خفين ثم أحدث ثم لبس فوقهما خفين أو جرموقين لم يجز المسح عليهما بغير خلاف لأنه لبسهما على حدث وإن مسح على الأولين ثم لبس الجرموقين لم يجز المسح عليهما أيضا ولأصحاب الشافعي وجه في تجويزه لأن المسح قائم مقام غسل القدم
ولنا : أن المسح على الخف لم يزل الحدث عن الرجل فكأنه لبس على حدث لأن الخف الممسوح عليه بدل والبدل لا يكون له بدل ولأنه لبسه على طهارة غير كاملة فأشبه المتيمم وأن لبس الفوقاني قبل أن يحدث جاز المسح بكل حال سواء كان الذي تحته صحيحا أو مخرقا وهو قول الحسن بن صالح و الثوري و الأوزاعي و أصحاب الرأي ومنع منه مالك في إحدى روايته و الشافعي في أحد قوليه لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه في الغالب فلا يتعلق به رخصة عامة كالجبيرة
ولنا : أنه خف سائر يمكن متابعة المشي فيه أشبه المفرد وكما لو كان الذي تحته مخرقا وقوله : الحاجة لا تدعو إليه ممنوع فإن البلاد الباردة لا يكفي فيها خف واحد غالبا ولو سلمنا ذلك ولكن الحاجة معتبرة بدليلها وهو الاقدام على اللبس لا بنفسها فهو كالخف الواحد
وإذا ثبت هذا فمتى نزع الفوقاني قبل مسحه لم يؤثر ذلك وكان لبسه كعدمه وإن نزعه بعد مسحه بطلت الطهارة ووجب نزع الخفين وغسل الرجلين لزوال محل المسح ونزع أحد الخفين كنزعهما لأن الرخصة تعلقت بهما فصار كانكشاف القدم ولو أدخل يده من تحت الفوقاني ومسح الذي تحته جاز لأن كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح على ما شاء منهما كما يجوز غسل قدمه في الخف مع أنه له المسح عليه ولو لبس أحد الجرموقين في إحدى الرجلين دون الأخرى جاز المسح عليه وعلى الخف الذي في الرجل الأخرى لأن الحكم تعلق به وبالخف في الرجل الأخرى فهو كما لو لم يكن تحته شيء

فصل : وإن لبس خفا ممزقا فوق الصحيح جاز المسح
فصل : فإن لبس خفا مخرقا فوق صحيح فعن أحمد جواز المسح قال في رواية حرب : الخف المخرق إذا كان في رجليه جورب مسح وإن كان الخف منخرقا وأما إن كان تحته لفائف أو خرق فلا يجوز المسح نص عليه أحمد في مواضع - ووجهه أن القدم مستور بما يجوز المسح عليه فجاز المسح كما لو كان السفلاني مكشوفا بخلاف ما إذا كان تحته لفافة وقال القاضي وأصحابه : لا يجوز المسح إلا على التحتاني لأن الفوقاني لا يجوز المسح عليه مفردا فلم يجز المسح عليه مع غيره كالذي تحته لفافة وإن لبس مخرقا على مخرق فاستتر القدم بهما احتمل أن يكون كالتي قبلها لأن القدم مستور بالخفين فأشبه المستور بالصحيحين أو صحيح ومخرق واحتمل أن لا يجوز لأن القدم لم يستتر بخف صحيح بخلاف التي قبلها

فصل : وإن لبس الخف على طهارة مس فيها على الجبيرة
فصل : وإن لبس الخف بعد طهارة مسح فيها على العمامة أو العمامة بعد طهور مسح فيها على الخف ففال بعض أصحابنا : ظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز المسح لأنه لبس على طهارة ممسوح فيها على بدل فلم يستبح المسح باللبس فيها كما لو لبس خفا على طهارة ومسح فيها على خف وقال القاضي : يحتمل جواز المسح لأنها طهارة كاملة وكل واحد منهما ليس ببدل عن الآخر بخلاف الملبوس على خف ممسوح عليه

فصل : وإن لبس الجبيرة عى طهارة
فصل : وإن لبس الجبيرة على طهارة مسح فيها على خف أو عمامة وقلنا ليس من شرطها الطهارة جاز المسح بكل حال وإن اشترطنا لها الطهارة احتمل أن يكون كالعمامة الملبوسة على طهارة مسح فيها على الخف واحتمل جواز المسح بكل حال لأن مسحها عزيمة وإن لبس الخف على طهارة مسح فيها على الجبيرة جاز المسح عليه لأنها عزيمة ولأنها كانت ناقصة فهو لنقص لم يزل فلم يمنع المسح كنقص طهارة المستحاضة قبل زوال عذرها وإن لبس الجبيرة على طهارة مسح فيها على الجبيرة جاز المسح لما ذكرناه

مسألة : مدة المسح على الخفين
مسألة : قال : يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر
قال أحمد : التوقيت ما أثبته في المسح على الخفين قيل له : نذهب إليه ؟ قال : نعم وهو من وجوه وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وأبو زيد و شريح و عطاء و الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال الليث : يمسح ما بدا له وكذلك قال مالك في المسافر كوله في المقيم روايتان إحداهما يمسح من غير توقيت والثانية لا يمسح لما [ روى أبي بن عمارة قال : قلت يا رسول الله : أتمسح على الخفين ؟ قال : نعم قلت : يوما ؟ قال : ويومين قلت : وثلاثة ؟ قال : وما شئت ] رواه أبو داود ولأنه مسح في طهارة فلم يتوقت كمسح الرأس والجبيرة
ولنا : ما [ روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل ثلاثة أيام وليالهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم ] رواه مسلم وحديث صفوان بن عسال وقد ذكرناه وعن عوف بن مالك الاشجعي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام لياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم ] رواه الإمام أحمد وقال : هو أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في عزوة تبوك وهي آخر عزاة عزاها النبي صلى الله عليه و سلم وهو آخر فعله وحديثهم ليس بالقوي قال أبو داود : وفي اسناده مجاهيل منهم عبد الرحمن بن رزين و أيوب بن قطن و محمد بن زيد ويحتمل أنه يمسح ما شائ إذا نزعهما عند انتهاء مدته ثم لبسهما ويحتمل أنه قال : وما شئت من اليوم واليومين والثلاثة ويحتمل أنه منسوخ بأحاديثنا لأنها متأخرة لكون حديث عون في غزوة تبوك وليس بينها وبين وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا شيء يسير وقياسهم ينتقض بالتيمم

فصل : انقضاء مدة المسح
فصل : إذا انقضت المدة بطل الوضوء وليس له المسح إلا أن ينزعهما ثم يلبسهما على طهارة كاملة وفيه رواية أخرى أنه يجزئه غسل قدميه كما لو خلعهما وسنذكر ذلك والخلاف فيه إن شاء الله وقال الحسن : لا يبطل الوضوء ويصلي حتى يحدث ثم لا يمسح بعد حتى ينزعهما وقال داود ينزع خفيه ولا يصلي فيهما فإذا نزعهما صلى حتى يحدث لأن الطهارة لا تبطل إلا بحدث ونزع الخف ليس بحدث وكذلك انقضاء المدة
ولنا : أن غسل الرجلين شرط للصلاة وإنما قام المسح مقامه في المدة فإذا انقضت لم يجز أن يقوم مقامه إلا بدليل ولأنها طهارة لا يجوز ابتداؤها فيمنع من استدامتها كالمتيمم عند رؤية الماء

مسألة : خلع الخفين قبل انقضاء المدة
مسألة : قال : فإن خلع قبل ذلك أعاد الوضوء
يعني قبل أنقضاء المدة إذا خلع خفيه بعد المسح عليهما بطل وضؤوه وبه قال النخعي و الزهري و مكحول و الأوزاعي و إسحاق وهو أحد قولي الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه يجزئه غسل قدميه وهو مذهب أبي حنيفة والقول الثاني ل الشافعي و لأن مسح الخفين ناب عن غسل الرجلين خاصة فطهورهما يبطل ما ناب عنه كالتيمم إذا بطل برؤية الماء وجب ما ناب عنه وهذا الاختلاف مبني على وجوب الموالاة في الوضوء فمن أجاز التفريق جوز غسل القدمين لأن سائر أعضائه مغسولة ولم يبق إلا غسل قدميه فإذا غسلهما كمل وضؤوه ومن منع التفريق أبطل وضؤوه لفوات الموالاة فعلى هذا لو خلع الخفين قبل جفاف الماء عن يديه أجزأه غسل قدميه وصار كأنه خلعهما قبل مسحه عليهما وقال الحسن و قتادة و سليمان بن حرب : لا يتوضأ ولا يغسل قدميه لأنه أزال الممسوح عليه بعد كمال الطهارة فأشبه ما لو حلق رأسه بعد المسح عليه أو قلم أظفاره بعد غسلها ولأن النزع ليس بحدث والطهارة لا تبطل إلا بالحدث
ولنا : أن الوضوء بطل في بعض الأعضاء فبطل في جميعها كما ولو أحدث وما ذكروه يبطل بنزع أحد الخفين فإنه يبطل الطهارة في القدمين جميعا وإنما ناب مسحه عن إحداهما وأما التيمم عن بعض الأعضاء إذا بطل فقد سبق القول فيه في موضعه وحكي عن مالك أنه إذا خلع خفيه غسل قدميه مكانه وصحت طهارته وان اخره استأنف الطهارة لأن الطهارة كانت صحيحة في جميع الأعضاء إلى حين نزع الخفين أو انقضاء المدة وإنما بطلت في القدمين خاصة فإذا غسلهما عقب النزع لم تفت الموالاة لقرب غسلهما من الطهارة الصحيحة في بقية الأعضاء بخلاف ما إذا تراخى غسلهما ولا يصح لأن المسح قد بطل حكمه وصار الآن نضيف الغسل إلى الغسل فلم يبق للمسح حكم ولأن الاعتبار في الموالاة إنما هو لقرب الغسل من الغسل لا من حكمه فإنه متى زال الغسل بطلت الطهارة ولم ينفع قرب الغسل شيئا لكون الحكم لا يعود زواله إلا بسبب جديد

فصل : وإن نزع العمامة بعد مسحها
فصل : وإن نزع العمامة بعد مسحها بطلت طهارته أيضا وعلى الرواية يلزمه مسح رأسه وغسل قدميه ليحصل الترتيب ولو نزع الجبيرة بعد مسحها فهو كنزع العمامة إلا انه إن كان مسح عليها في غسل يعم البدن لم يحتح إلى إعادة غسل ولا وضوء لأن الترتيب والموالاة ساقطان فيه

فصل : ونزع أحد الخفين كنزعهما
فصل : ونزع أحد الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم منهم مالك و الثوري و الأوزاعي و ابن المبارك و الشافعي وأصحاب الرأي ويلزمه نزع الآخر وقال الزهري : يغسل القدم الذي نزع الخف منه ويمسح الآخر لأنهما عضوان فأشبها الرأس والقدم
ولنا : أنهما في الحكم كعضو واحد ولهذا لا يجب ترتيب أحدهما على الآخر فيبطل مسح أحدهما بظهور الآخر كالرجل الواحدة وبهذا فارق الرأس القدم

فصل : و انكشاف بعض القدم من خراق كنزع الخف
فصل : وانكشاف بعض القدم من خرق كنزع الخف فإن انكشفت ظهارته وبقيت بطانته لم تضر لأن القدم مستورة بما يتبع الخف في البيع فأشبه ما لو لم ينكشط

فصل : وإن أخرج رجله إلى ساق الخف فهو كخلعه
فصل : وإن أخرج رجله إلى ساق الخف فهو كخلعه وبهذا قال إسحاق وأصحاب الرأي وقال الشافعي لا يبين لي أن عليه الوضوء لأن الرجل لم تظهر وحكى أبو الخطاب في رؤوس المسائل عن أحمد رواية أخرى كذلك
ولنا : أن استقرار الرجل في الخف شرط جواز المسح بدليل ما لو أدخل الخف فأحدث قبل استقرارها فيه لم يكن له المسح فإذا تغير الاستقرار زال شرط جواز المسح فيبطل المسح لزوال شرطه كزوال استتاره وإن كان إخراج القدم إلى ما دون ذلك لم يبطل المسح لأنها لم تزل عن مستقرها

فصل : كراهية لبس الخفين وقت مدافعة الأخبثين
فصل : كره أحمد لبس الخفين وهو يدافع الاخبثين أو أحدهما لأن الصلاة مكروهة بهذه الطهارة واللبس يراد ليمسح عليه للصلاة وكان إبراهيم النخعي إذا أراد أن يبول لبس خفيه ولا يرى الأمر في ذلك واسعا لأن الطهارة كاملة فأشبه ما لو لبسه إذا خاف غلبة النعاس وإنما كرهت وقت الصلاة لأن اشتغال قلبه بمدافعة الاخبثين يذهب بخشوع الصلاة ويمنع الاتيان بها على الكمال وربما حمله ذلك على العجلة فيها ولا يضر ذلك في اللبس

مسألة : تبدأ مدة المسح على الخفين من حين أحدث
مسألة : قال : ولو أحدث وهو مقيم فلم يمسح حتى سافر أتم على مسح مسافر منذ كان الحدث
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من لم يمسح سافر أنه يتم مسح المسافر وذلك لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن ] وهو حال ابتدائه بالمسح كان مسافرا وقوله منذ كان الحدث يعني ابتداء المدة من حين أحدث بعد لبس الخف وهذا ظاهر مذهب أحمد وهو مذهب الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي وروي عن أحمد رواية أخرى أن ابتداءها من حين مسح بعد أن أحدث ويروى ذلك عن عمر رضي الله عنه فروى الخلال عنه أنه قال : امسح إلى مثل ساعتك التي مسحت وفي لفظ قال : يمسح المسافر إلى الساعة التي توضأ فيها واحتج أحمد بظاهر الحديث قوله يمسح المسافر على خفيه ثلاثة أيام ولياليهن ولأن ما قبل المسح مدة لم تبج الصلاة بمسح فيها فلم تحسب من المدة قبل الحدث وقال الشعبي و أبو ثور و إسحاق : يمسح المقيم خمس صلوات لا يزيد عليها
ولنا : ما نقله القاسم بن زكريا المطرز في حديث صفوان من الحدث إلى الحدث ولأن ما بعد الحدث زمان يستباح فيه المسح فكان من وقته كبعد المسح والخبر أراد أنه يستبيح المسح دون فعله والله أعلم وأما تقديره بعدد الصلوات وهو أن يؤخر الصلاة ثم يمسح ويصليها وفي اليوم الثاني يعجلها فيصليها في أول وقتها قبل انقضاء مدة المسح وإن كان له عذر يبيح الجمع من سفر أو غيره أمكنه أن يصلي سبع صلوات

مسألة : من أحدث وهو مقيم ومسح خلال اقامته
مسألة : قال : ولو أحدث مقيما ثم مسح مقيما ثم سافر اتم على مسح مقيم ثم خلع
اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فروي عنه مثل ما ذكر الخرقي وهو قول الثوري و الشافعي و إسحاق وروي عنه أنه يمسح مسح المسافر سواء مسح في الحضر لصلاة أو أكثر منها بعد أن تنقضي مدة المسح وهو حاضر وهو مذهب أبي حنيفة لقوله عليه السلام [ يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن ] وهذا مسافر ولأن سافر قبل كمال مدة المسح فاشبه من سافر قبل المسح بعد الحدث وهذا اختيار الخلال وصاحبه أبي بكر و قال الخلال : رجع أحمد عن قوله الأول إلى هذا
وجه قول الخرقي أنها عبادة تختلف بالحضر والسفر وجد أحد طرفيها في الحضر فغلب فيها حكم الحضر كالصلاة والخبر يقتضي أن يمسح المسافر ثلاثا في سفره وهذا يتناول من ابتداء المسح في سفره وفي مسألتنا يحتسب بالمدة التي مضت في الحضر

فصل : فإن شك هل ابتدأ المسح في السفر أو الحضر ؟
فصل : فإن شك هل ابتدأ المسح في السفر أو الحضر بنى على مسح حاضر لأنه لا يجوز المسح مع الشك في إباحته فإن ذكر بعد أنه كان قد ابتدأ المسح في السفر جاز البناء على مسح المسافر وإن كان قد صلى بعد اليوم والليلة مع الشك ثم تيقن فعليه إعادة ما صلى مع الشك لأنه صلى بطهارة لم يكن له أن يصلي بها فهو كما لو صلى يعتقد أنه محدث ثم ذكر أنه كان على وضوء كانت طهارته صحيحة وعليه إعادة الصلاة وأن كان مسح مع الشك صح لأن الطهارة تصح مع الشك في سببها ألا ترى أنه لو شك في الحدث فتوضأ ينوي رفع الحدث ثم تيقن أنه كان محدثا أجزأه وعكسه ما لو شك في دخول الوقت فصلى ثم تيقن أنه كان قد دخل لم يجزه وكذلك إن شك الماسح في وقت الحدث بنى على الاحوط وهذا التفريع على الرواية الأولى فأما على الثانية فإنه يمسح مسح المسافر على كال حال

مسألة : ولو مسح أكثر من يوم وليلة
مسألة : قال : وإذا مسح مسافر أقل من يوم وليلة ثم أقام أو قدم أتم على مسح مقيم وخلع وإذا مسح مسافر يوما وليلة فصاعدا ثم أقام أو قدم خلع
وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولم أعلم فيه مخالفا لأنه صار مقيما لم يجز أن يمسح مسح المسافر كمحل الوفاق ولأن المسح عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر فإذا ابتدأها في السفر ثم حضر في أثنائها غلب حكم الحضر كالصلاة فعلى هذه لو مسح أكثر من يوم وليلة ثم دخل في الصلاة فنوى الإقامة في أثنائها بطلت صلاتع لأنه قد بطل المسح فبطلت طهارته فبطلت صلاته لبطلانها ولو تلبس بالصلاة في سفينة فدخلت البلد في أثنائها بطلت صلاته لذلك

مسألة : ويجوز المسح على ما يقوم مقام الخفين
مسألة : قال : ولا يمسح إلا على خفين أو ما يقوم مقامهما من مقطوع أو ما أشبهه مما يجاوز الكعبين
معناه والله أعلم يقوم مقام الخفين في ستر محل الفرض وامكان المشي فيه وثبوته بنفسه والمقطوع هو الخف القصير الساق وإنما يجوز المسح عليه إذا كان ساترا لمحل الفرض لا يرى منه الكعبان لكونه ضيقا أو مشدودا وبهذا قال الشافعي و أبو ثور : ولو كان مقطوعا من دون الكعبين لم يجز المسح عليه وهذا الصحيح عن مالك وحكي عنه وعن الأوزاعي جواز المسح لأنه خف يمكن متابعة المشي فيه فأشبه الساتر ولنا أنه لا يستر محل الفرض فأشبه اللالكة والنعلين

فصل : وإن كان للخف قدم وعرى
فصل : ولو كان للخف قدم وله شرج محاذ لمحل الفرض جاز المسح عليه إذا كان الشرج مشدود يستر القدم ولم يكن فيه خلل يبين منه محل الفرض وقال أبو الحسن الآمدي : لا يجوز
ولنا : أنه خف ساتر يمكن متابعة المشي فيه فأشبه غير ذي الشرج

فصل : المسح على الخف المحرم
فصل : فإن كان الخف محرما كالغصب والحرير لم يستبح المسح عليه في الصحيح من المذهب وإن مسح عليه وصلى أعاد الطهارة والصلاة لأنه عاص بلبسه فلم تستبح به الرخصة كما لا يستبيح المسافر رخص السفر لسفر المعصية ولو سافر لمعصية لم يستبح المسح أكثر من يوم وليلة لأن يوم وليلة غير مختصة بالسفر ولا هي من رخصة فأشبه الرخص بخلاف ما زاد على يوم وليلة فإنه من رخص السفر فلم يستبحه بسفر المعصية كالقصر والجمع

فصل : صفة الخف الذي يجوز المسح عليه
فصل : ويجوز المسح على كل خف ساتر يمكن متابعة المشي فيه سواء كان من جلود أو لبود وما أشبهها فان كان خشبا أو حديدا أو نحوهما فقال بعض أصحابنا : لا يجوز المسح عليها لأن الرخصة وردت في الخفاف المتعارف للحاجة ولا تدعو الحاجة إلى المسح على هذه في الغالب وقال القاضي : قياس المذهب جواز المسح عليها لأنه خف ساتر يمكن المشي فيه أشبه الجلود
مسألة : قال : وكذلك الجورب الصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه
إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذين ذكرناهما في الخف أحدهما أن يكون صفيقا لا يبدو منه شيء من القدم الثاني أن يمكن متابعة المشي فيه هذا ظاهر كلام الخرقي قال أحمد : في المسح على الجوربين بغير نعل إذا كان يمشي عليهما ويثبتان في رجليه فلا بأس وفي موضع قال : يمسح عليهما إذا ثبتا في العقب
وفي موضع قال : إن كان يمشي فيه فلا ينثني فلا بأس بالمسح عليه فإنه إذا انثنى ظهر موضع الوضوء ولا يعتبر أن يكونا مجلدين قال أحمد : يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال ابن المنذر : ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم علي وعمار وابن مسعود وأنس وابن عمر والبراء وبلال وابن أبي أوفى و سهل بن سعد وبه قال عطاء و الحسن و سعيد بن المسيب و النخعي و سعيد بن جبير و الاعمش و الثوري و الحسن بن صالح و ابن المبارك و إسحاق و يعقوب و محمد وقال أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي و مجاهد و عمرو بن دينار و الحسن بن مسلم و الشافعي : لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا لأنهما لا يمكن متابعة المشي فيهما فلم يجز المسح عليهما كالرقيقين
ولنا : ما [ روى المغير بن شعبة أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح على الجوربين والنعلين ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وهذا يدل على أن النعلين لم يكونا عليهما لأنهما لو كانا كذلك لم يذكر النعلين فإنه لا يقال مسحت على الخف ونعله ولأن الصحابة رضي الله عنهم مسحوا على الجوارب ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا ولأنه ساتر لمحل الفرض يثبت في القدم فجاز المسح عليه كالنعل وقولهم : لا يمكن متابعة المشي فيه قلنا : لا يجوز المسح عليه إلا أن يكون مما يثبت بنفسه ويمكن متابعة المشي فيه وأما الرقيق فليس بساتر

فصل ومسألة : المسح على الجورب والنعل وصفة كل منهما
فصل : وقد سئل أحمد عن جورب الخرق يمسح عليه فكره الخرق ولعل أحمد كرهها لأن الغالب عليها الخفة وأنها لا تثبت بأنفسها فأن كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة والثبوت فلا فرق وقد قال أحمد في موضع : لا يجزئه المسح على الجورب حتى يكون جوربا صفيقا يقوم قائما في رجله لا ينكسر مثل الخفين إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف يقوم مقام الخف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجيء
مسألة : قال : فان كان يثبت بالنعل مسح فإذا خلع النعل انتقضت الطهارة
يعني أن الجورب إذا لم يثبت بنفسه وثبت بلبس النعل أبيح المسح عليه وتنتقض الطهارة بخلع النعل لان ثبوت الجورب أحد شرطي جواز المسح وإنما حصل بلبس النعل فإذا خلعها زال الشرط فبطلت الطهارة كما لو ظهر القدم والأصل في هذا حديث المغيرة وقوله مسح على الجوربين والنعلين قال القاضي : ويمسح على الجورب والنعل كما جاء الحديث والظاهر أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم فأما أسفله وعقبه فلا يسن مسحه من الخف فكذلك من النعل مسألة : قال : وإذا كان في الخف خرق يبدو منه بعض القدم لم يجز المسح عليه
وجملته انه إنما يجوز المسح على الخف ونحوه إذا كان ساترا لمحل الفرض فإن ظهر من محل الفرض شيء لم يجز المسح وإن كان يسيرا من موضع الخرز أو من غيره إذا كان يرى منه القدم وإن كان فيه شق ينضم ولا يبدو منه القدم لم يمنع جواز المسح نص عليه وهو مذهب معمر و أحد قولي الشافعي وقال الثوري و يزيد بن هارون و إسحاق و ابن المنذر : يجوز المسح على كل خف وقال الأوزاعي : يمسح على الخف المخرق وعلى ما ظهر من رجله وقال أبو حنيفة : إن تخرق قد ثلاث أصابع لم يجز وإن كان أقل جاز ونحوه قال الحسن وقال مالك : إن كثر وتفاحش لم يجز إلا جاز وتعلقوا بعموم الحديث وبأنه خف يمكن متابعة المشي فيه فأشبه الصحيح ولأن الغالب على خفاف العرب كونها مخرقة وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بمسحها من غير تفصيل فينصرف إلى الخفاف الملبوسة عندهم غالبا
ولنا : أنه غير ساتر للقدم فلم يجز المسح عليه كما لو كثر وتفاحش او قياسا على غير الخف ولأن حكم ما ظهر الغسل وما استتر المسح فإذا اجتمعا غلب حكم الغسل كما لو انكشفت إحدى قدميه

فصل : المسح على اللفائف والخرق
فصل : ولا يجوز المسح على اللفائف والخرق نص عليه أحمد وقيل : إن أهل الجبل يلفون على أرجلهم لفائف إلى نصف الساق قال : لا يجزئه المسح على ذلك إلا أن يكون جوربا وذلك لأن اللفافة لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها ولا نعلم في هذا خلافا

مسألة وفصول : كيفية المسح على الخف
مسألة : قال : ويمسح على ظاهر القدم السنة مسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يده على موضع الأصابع ثم يجرها إلى ساقه خطا بأصابعه وأن مسح من ساقه إلى أصابعه جاز والأول المسنون ولا يسن مسح أسفله ولا عقبه بذلك قال عروة و عطاء و الحسن و النخعي و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أصحاب الرأي و ابن المنذر وروي عن سعد أنه كان يرى مسح ظاهره وباطنه وروي أيضا عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز و الزهري و مكحول و ابن المبارك و مالك و الشافعي لما [ روى المغيرة بن شعبة قال : وضأت رسول الله صلى الله عليه و سلم فمسح أعلى الخف وأسفله ] رواه ابن ماجة ولأنه يحاذي محل الفرض فأشبه ظاهره
ولنا : قول علي رضي الله عنه : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من ظاهره وقد [ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح ظاهر خفيه ] رواه أبو داود و [ عن المغيرة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح على الخفين على ظاهرهما ] رواه أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح و [ عن عمر قال : رأيت الني صلى الله عليه و سلم يأمر بالمسح على ظاهر الخفين إذا لبسهما وهما طاهرتان ] رواه الخلال باسناده ولأن باطنه ليس بمحل لفرض المسح فلم يكن محلا لمسنونه كساقه ولأن مسحه غير واجب ولا يكاد يسلم من مباشرة أذى فيه تنجيس يده به فكان تركه أولى وحديثهم معلوم قاله الترمذي وقال : وسألت أبا زرعة و محمدا عنه فقالا ليس بصحيح وقال أحمد : هذا من وجه ضعيف رواه رجاء بن حيوة عن وارد كاتب المغيرة ولم يلقه وأسفل الخف ليس بمجل لفرض المسح بخلاف أعلاه
فصل : والمجزىء في المسح أن يمسح أكثر مقدم ظاهره خطوطا بالأصابع وقال الشافعي يحزئه أقل ما يقع عليه اسم المسح لأنه أطلق لفظ المسح ولم ينقل فيه تقدير فوجب الرجوع إلى ما يتناوله الاسم وقال أبو حنيفة : يجزئه قد ثلاث أصابع لقول الحسن : سنة المسح خطط بالاصابع فينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه و سلم وأقل لفظ الجمع ثلاث
ولنا : أن لفظ المسح ورد مطلقا وفسره النبي صلى الله عليه و سلم بفعله فيجب الرجوع إلى تفسيره وقد روى الخلال باسناده عن المغيرة بن شعبة ف [ ذكر وضوء النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثم توضأ ومسح على الخفين فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين ] قال ابن عقيل : سنة المسح هكذا أن يمسح خفيه بيديه اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى وقال أحمد : كيفما فعله فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين وقول الحسن مع ما ذكرنا لا يتافيان
فصل : فإن مسح بخرقة أو خشبة احتمل الاجزاء لأنه مسح على خفيه واحتمل المنع [ لأن النبي صلى الله عليه و سلم مسح بيده ] وإن مسح باصبع أو اصبعين أجزأه إذا كرر المسح بها حتى يصير مثل المسح بأصابعه وقيل ل أحمد : يمسح بالراحتين أو بالأصابع ؟ قال : بالأصابع قيل له : أيجزئه باصبعين ؟ قال لم أسمع
فصل : وإن غسل الخف فتوقف أحمد وأجازه ابن حامد لأنه أبلغ من المسح قال القاضي : لا يجزئه لأنه أمر بالمسح ولم يفعله فلم يجزه كما لو طرح التراب على وجهه ويديه في التيمم لكن أن أمر يديه على الخفين في حال الغسل أو بعده أجزأه لأنه قد مسح
مسألة : قال : وإن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه
لا نعلم أحدا قال : يجزئه مسح أسفل الخف إلا أشهب من أصحاب مالك و بعض أصحاب الشافعي لأنه مسح بعض ما يحاذي محل الفرض فاجزأه كما لو مسح ظاهره والمنصوص عن الشافعي أنه لا يجزئه لأنه ليس محلا لفرض المسح فلم يجزئه مسحه كالساق وقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما مسح ظاهر الخف ولا خلاف في أنه يجزئ مسح ظاهره قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا يقول بالمسح على الخفين يقول : لا يجزيء المسح على أعلى الخف
فصل : والحكم في المسح على عقب الخف كالحكم في مسح أسفله لأنه ليس بمحل لفرض المسح فهو كأسفله

مسألة : والرجل والمرأة في ذلك سواء ويجوز المسح عليهما للمستحاضة ومن به سلس
مسألة : قال : والرجل والمرأة في ذلك سواء
يعني في المسح على الخفاف وسائر أحكامه وشروطه لعموم الخبر ولأنه مسح أقيم مقام الغسل فاستوى فيه الرجال والنساء كالتيمم ولا فرق بين المستحاضة ومن به سلس البول وغيرهما وقال بعض الشافعية ليس لهما أن يمسحا على الخف أكثر من وقت صلاة لأن الطهارة التي لبسا الخف عليها لا يستباح بها أكثر من ذلك
ولنا عموم [ قوله عليه السلام : يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ] ولأن المسح لا يبطل بمبطلات الطهارة فلا يبطل بخروج الوقت لكن إن زال عذرهما كملا في بابهما فلم يكن لهما المسح بتلك الطهارة كالمتيمم إذا أكمل بالقدرة على الماء لا يمسح بالخف الملبوس على التيمم

فصول : حكم المسح على العمامة
فصل : ويجوز المسح على العمامة قال ابن المنذر : وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق وبه قال عمر وأنس وأبو امامة وروي عن سعيد بن مالك وأبي الدرداء رضي الله عنهم وبه قال عمر بن عبد العزيز و الحسن و قتادة و مكحول و الأوزاعي و أبو ثور و ابن المنذر وقال عروة و النخعي و الشعبي و القاسم و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي : لا يمسح عليها لقول الله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } ولأنه لا تلحقه المشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكمين ولنا ما [ روى المغيرة بن شعبة قال : توضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم ومسح على الخفين والعمامة ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وفي مسلم [ أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح على الخفين والخمار ] قال أحمد : هو من خمسه وجوه عن النبي صلى الله عليه و سلم روى الخلال باسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال : من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله ولأنه حائل في محل ورد الشرع بمسحه فجاز المسح عليه كالخفين ولأن الرأس عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين والآية لا تنفي ما ذكرناه فان النبي صلى الله عليه و سلم مبين لكلام الله مفسر له و [ قد مسح النبي صلى الله عليه و سلم على العمامة وأمر بالمسح عليها ] وهذا يدل على أن المراد بالآية المسح على الرأس أو حائله ومما يبين ذلك أن المسح في الغالب لا يصيب الرأس وإنما يمسح على الشعر وهو سائل بين اليد وبينه فكذلك العمامة فانه يقال لمن لمس عمامته أو قبلها قبل رأسه ولمسه وكذلك أمر بمسح الرجلين واتفقنا على جواز مسح حائلهما
فصل : ومن شرط جواز المسح على العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس فانه يعفى عنه بخلاف الخرق اليسير في الخف فانه لا يعفى عنه لأن هذا الكشف جرت العادة به لمشقة التحرز عنه فان كان تحت العمامة قلنسوة يظهر بعضها فالظاهر جواز المسح عليهما لأنهما صارا كالعمامة الواحدة ومن شروط جواز المسح عليها أن تكون على صفة عمائم المسلمين بأن يكون تحت الحنك منها شيء لأن هذا عمائم العرب وهي أكثر سترا من غيرها ويشق نزعها فيجوز المسح عليها سواء كانت لها ذؤابة أو لم يكن قاله القاضي وسواء كانت صغيرة أو كبيرة وان لم يكن تحت الحنك منها شيء ولا لها ذؤابة لم يجز المسح عليها لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا يشق نزعها وقد [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط ] رواه أبو عبيد قال : والاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا ليس تحت حنكه من عمامته شيء فحكه بكور منها وقال : ما هذه الفاسقية ؟ فامتنع المسح عليها للنهي عنها وسهولة نزعها وان كانت ذات ذؤابة ولم تكن محنكة ففي المسح عليها وجهان أحدهما جوازه لأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة إذ ليس من عادتهم الذؤابة والثاني لا يجوز لأنها داخلة في عموم النهي ولا يشق نزعها
فصل : وإذا كان بعض الرأس مكشوفا مما جرت العادة بكشفه استحب أن يمسح عليه مع العمامة نص عليه أحمد لأن النبي صلى الله عليه و سلم مسح على عمامته وناصيته في حديث المغيرة بن شعبة وهو حديث صحيح قاله الترمذي وهل الجمع بينهما واجب ؟ وقد توقف أحمد عنه فيخرج فيها وجهان
أحدهما وجوبه للخبر ولأن العمامة نابت عما استتر فبقي الباقي على مقتضى الأصل كالجبيرة والثاني لا يجب لأن العمامة نابت عن الرأس فتعلق الحكم بها وانتقل الفرض إليها فلم يبق لما ظهر حكم ولأن وجوبهما معا يفضي إلى الجمع بين بدل ومبدل في عضو واحد فلم يجز من غير ضرورة كالخف وعلى هذا تخرج الجبيرة ولا خلاف في أن الاذنين لا يجب مسحهما لأنه لم ينقل ذلك وليسا من الرأس إلا على وجه التبع
فصل : وأن نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته نص عليه أحمد وكذلك أن انكشف رأسه إلا أن يكون يسيرا مثل أن حك رأسه أو رفعها لأجل الوضوء فلا بأس قال أحمد : إذا زالت العمامة عن هامته لا بأس ما لم ينقضها أو يفحش ذلك وذلك لأن هذا مما جرت العادة به فيشق التحرز عنه وإن انتقضت العمامة بعد مسحها بطلت طهارته لأن ذلك بمنزلة نزعها وأن انتقض بعضها ففيه روايتان ذكرهما ابن عقيل إحداهما لا تبطل طهارته لأنه زال بعض الممسوح عليه مع بقاء العضو مستورا فلم تبطل الطهارة ككشط الخف مع بقاء البطانة والثانة تبطل قال القاضي : لو انتقض منها كور واحد بطلت لأنه زال الممسوح عليه فأشبه نزع الخف
فصل : واختلف في وجوب استيعاب العمامة بالمسح فروي عن أحمد أنه قال : يمسح على العمامة كما يمسح على رأسه فيحتمل أنه أراد التشبيه في صفة المسح دون الاستيعاب وأنه يجزئ مسح بعضها لأنه ممسوح على وجه الرخصة فأجزأ مسح بعضه كالخف ويحتمل أنه أراد التشبيه في الاستيعاب فيخرج فيها من الخلاف ما في وجوب استيعاب الرأس وفيه روايتان أظهرهما وجوب استيعابه بالمسح فكذلك في العمامة لأن مسح العمامة بدل من الجنس فيقدر بقدر المبدل كقراءة غير الفاتحة من القرآن بدلا من الفاتحة يجب أن يكون بقدرها ولو كان البدل تسبيحا لم يتقدر بقدرها ومسح الخف بدل من غير الجنس لأنه بدل عن الغسل فلم يتقدر به كالتسبيح بدلا من القرآن وقال القاضي : يجزئ مسح بعضها كإجزاء المسح في الخف على بعضه ويختص ذلك بأكوارها وهي دوائرها دون وسطها وحده فأن مسح وسطها ففيه وجهان أحدهما يجزئه كما يجزئ مسح بعض دوائرها والثاني لا يجزئه كما لو مسح أسفل الخف
فصل : والتوقيت في مسح العمامة كالتوقيت في مسح الخف لما [ روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر يوم وليلة للمقيم ] رواه الخلال باسناده إلا أنه من رواية شهر بن حوشب ولأنه ممسوح على وجه الرخصة فنوقت بذلك كالخف
فصل : والعمامة المحرمة كعمامة الحرير والمغصوبة لا يجوز المسح عليها لما ذكرنا في الخف المغصوب وإن لبست المرأة عمامة لم يجز المسح عليها لما ذكرنا من التشبه بالرجال فكانت محرمة في حقها وإن كان لها عذر فهذا يندر فلم يرتبط الحكم به
فصل : ولا يجوز المسح على القلنسوة ( الطاقية ) نص عليه أحمد قال هرون الحمال : سئل أبو عبد الله عن المسح على الكلتة فلم يره وذلك لأنها لا تستر جميع الرأس في العادة ولا يدور عليه وأما القلانس المبطنات كدنيات القضاة والمنوميات فقال إسحاق بن إبراهيم قال أحمد : لا يمسح على القلنسوة وقال ابن المنذر : ولا نعلم أحدا قال بالمسح على القلنسوة إلا أن أنسا مسح على قلنسوته وذلك لأنها لا مشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكلتة ولأنها أدنى من العمامة غير المحنكة التي ليست لها ذؤابة وقال أبو بكر الخلال إن مسح إنسان على القلنسوة لم أر به بأسا لأن أحمد قال في رواية الميموني : أنا أتوقاه وإن ذهب إليه ذاهب لم يعنفه قال الخلال : وكيف يعنفه وقد روى عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بأسانيد صحاح ورجال ثقاة فروى الأثرم باسناده عن عمر أنه قال : إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسوته وعمامته وروى باسناده عن أبي موسى أنه خرج من الخلاء فمسح على القلنسوة ولأنه ملبوس معتاد يستر الرأس فأشبه العمامة المحنكة وفارق العمامة التي ليست محنكة ولا ذؤابة لها لأنها منهي عنها

فصل : وفي مسح المرأة على مقنعتها
فصل : وفي مسح المرأة على مقنعتها روايتان إحداهما يجوز لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها ذكره ابن المنذر وقد [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر بالمسح على الخفين والخمار ] ولأنه ملبوس للرأس معتاد يشق نزعه فأشبه العمامة والثانية لا يجوز المسح عليه فإن أحمد سئل كيف تمسح المرأة على رأسها ؟ قال : من تحت الخمار ولا تمسح على الخمار قال : وقد ذكروا أن أم سلمة كانت تمسح على خمارها وممن قال : لا تمسح على خمارها نافع و النخعي و حماد بن أبي سليمان و الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز لأنه ملبوس لرأس المرأة فلم يجز المسح عليه كالوقاية ولا يجزىء المسح على الوقاية رواية واحد ولا نعلم فيه خلافا لأنها لا يشق نزعها فهي كالطاقية للرجل والله أعلم

باب الحيض
الحيض دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة ثم يعتادها في أوقات معلومة لحكمة تربية الولد فإذا حملت انصرف ذلك الدم بإذن الله إلى تغذيته ولذلك لا تحيض الحامل فإذا وضعت الولد قلبه الله تعالى بحكمته لبنا يتغذى به الطفل ولذلك قلما تحيض المرضع فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي ذلك الدم لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد يزيد على ذلك ويقل ويطول شهر المرأة ويقصر على حسب ما ركبه الله تعالى في الطباع وسمي حيضا من قولهم حاض السيل قال عمارة بن عقيل :
( أجالت حصاهن الذراري وحيضت ... عليهن حيضات السيول الطواحم )
وقد علق الشرع على الحيض أحكاما فمنها : أنه يحرم وطء الحائض في الفرج لقول الله تعالى : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله } ومنها أنه يمنع فعل الصلاة والصوم بدليل [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي ؟ ] رواه البخاري و قالت حمنة للنبي صلى الله عليه و سلم : إني أستحاض حيضة شديدة منكرة قد منعتني الصوم والصلاة [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لفاطمة بنت أبي حبيش : إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ] ومنها : أنه يسقط وجوب الصلاة دون الصيام لما روي أن معاذة قالت : سألت عائشة فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت : أحرورية أنت ؟ فقلت : لست بحرورية ولكني أسأل فقالت : كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليه إنما قالت لها عائشة ذلك لأن الخوارج يرون على الحائض قضاء الصلاة ومنها : أنه يمنع قراءة القرآن لقوله عليه السلام : [ لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ] ومنها : أنه يمنع اللبث في المسجد والطواف بالبيت لأنه في معنى الجنابة ومنها : أنه يحرم الطلاق لقول الله تعالى : { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } و [ لما طلق أبن عمر امرأته وهي حائضة أمره النبي صلى الله عليه و سلم برجعتها وامساكها حتى تطهر ] ومنها : أنه يمنع صحة الطهارة لأن حدثها مقيم ومنها : أنه يوجب الغسل عند انقطاعه ل [ قوله عليه السلام : امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي ] متفق عليه وهو علم على البلوغ ل [ قوله عليه السلام : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] ولا تنقضي العدة في حق المطلقة وأشباهها إلا به لقوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وأكثر هذه الأحكام مجمع عليها بين علماء الأمة وإذا ثبت هذا فالحاجة داعية إلى معرفة الحيض ليعلم ما يتعلق به من الأحكام قال أحمد رحمه الله : الحيض يدور على ثلاثة أحاديث : حديث فاطمة وأم حبيبة وحمنة وفي رواية : حديث أم سلمة مكان حديث أم حبيبة وسنذكر هذه الأحاديث وغيرها في مواضعها إن شاء الله تعالى

مسألة وفصل : أقل مدة الحيض والطهر وأكثرها
مسألة : قال : وأقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما
هذا الصحيح من مذهب أبي عبد الله وقال الخلال : مذهب أبي عبد الله لا اختلاف فيه إن أقل الحيض يوم وأكثره خمسة عشر يوما وقيل عنه أكثره سبعة عشر يوما ول الشافعي قولان كالروايتين في أقله وأكثره وقال إسحاق بن راهويه : قال عطاء : الحيض يوم واحد وقال سعيد بن جبير : أكثره ثلاثة عشر يوما وقال الثوري و أبو حنيفة وصاحباه : أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة لما [ روى واثلة بن الاسقع أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة ] وقال أنس : قرء المرأة ثلاث أربع خمس ست سبع ثمان تسع عشرة ولا يقول أنس ذلك إلا توفيقا وقال مالك بن أنس : ليس لأقله حد يجوز أن يكون ساعة لأنه لو كان لأقله حد لكانت المرأة لا تدع الصلاة حتى يمضي ذلك الحد ولنا أنه ورد في الشرع مطلقا من غير تحديد ولا حد له في اللغة ولا في الشريعة فيجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة كما في القبض والإحراز والتفرق وأشباهها وقد وجد حيض معتاد يوما قال عطاء : رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر وقال أحمد : حدثني يحيى بن آدم قال : سمعت شريكا يقول : عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوما حيضا مستقيما وقال ابن المنذر : قال الأوزاعي : عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشيا يرون أنه حيض تدع له الصلاة وقال الشافعي : رأيت امرأة أثبت لي عنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وأثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام وذكر إسحاق بن راهويه عن بكر بن عبد الله المزني أنه قال : تحيض امرأتي يومين وقال إسحاق : قالت امرأة من أهلنا معروفة لم أفطر منذ عشرين سنة في شهر رمضان إلا يومين وقولهن يجب الرجوع إليه لقوله تعالى : { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } فلولا أن قولهن مقبول ما حرم عليهن الكتمان وجرى ذلك مجرى قوله : { ولا تكتموا الشهادة } ولم يوجد حيض أقل من ذلك عادة مستمرة في عصر من الأعصار فلا يكون حيضا بحال وحديث اوثلة يرويه محمد بن أحمد الشامي وهو ضعيف عن حماد بن المنهال وهو مجهول وحديث أنس يرويه الجلد بن أيوب وهو ضعيف قال ابن عيينة : وهو محدث لا أصل له وقال أحمد في حديث أنس : ليس هو شيئا هذا من قبل الجلد بن أيوب قيل : إن محمد بن إسحاق رواه وقال : ما أراه سمعه إلا من الحسن بن دينار وضعفه جدا قال : وقال يزيد بن زريع ذاك أبو حنيفة لم يحتج إلا ب الجلد بن أيوب وحديث الجلد قد روي عن علي رضي الله عنه ما يعارضه فإنه قال : مازاد على خمسه عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليلة
فصل : وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما لأن كلام أحمد لا يختلف أن العدة تصح أن تنقضي في شهر واحد إذا قامت به البينة وقال إسحاق : توقيت هؤلاء بالخمسة عشر باطل قال : أبو بكر أقل الطهر مبني على أكثر الحيض فإن قلنا أكثره خمسة عشر يوما فأقل الطهر خمسة عشر وإن قلنا أكثره سبعة عشر فأقل الطهر ثلاثة عشر وهذا كأنه بناه على أن شهر المرأة لا يزيد على ثلاثين يوما يجتمع لها فيه حيض وطهر وأما إذا زاد شهرها على ذلك تصور أن يكون حيضها سبعة عشر وطهرها خمسة عشر وأكثر وقال مالك و الثوري و الشافعي و أبو حنيفة : أقل الطهر خمسة عشر وذكر أبو ثور أن ذلك لا يختلفون فيه
ولنا : ما روي عن علي رضي الله عنه ان امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قرء وصلت فقال علي لشريح قل فيها ؟ فقال شريح : إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة فقال علي : قالون وهذا بالرومية ومعناه جيد وهذا لا يقوله إلا توقيفا ولأنه قول صحابي انتشر ولم نعلم خلافه رواه الإمام أحمد باسناده ولا يجيء إلا على قولنا أقله ثلاثة عشر وأقل الحيض يوم وليلة وهذا في الطهر بين الحيضتين فأما الطهر في أثناء الحيضة فلا توقيت فيه فإن ابن عباس قال : أما ما رأت الدم البحراني فانها لا تصلي وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل وروي أن الطهر إذا كان أقل من يوم لا يلتفت إليه لقول عائشة : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ولأن الدم يجري مرة وينقطع أخرى فلا يثبت الطهر بمجرد انقطاعه كما لو انقطع أقل من ساعة

مسألة : تعريف المستحاضة وأنواع الاستحاضة
مسألة : قال : فمن أطبق بها الدم فكانت ممن تميز اقباله بأنه أسود ثخين منتن وإدباره رقيق أحمر تركت الصلاة في اقباله فإذا أدبر اغتسلت وتوضأت لكل صلاة وصلت
قوله أطبق بها الدم يعني امتد وتجاوز أكثر الحيض فهذه مستحاضة قد اختلط حيضها باستحاضتها فتحتاج إلى معرفة الحيض من الاستحاضة لترتيب على كل واحد منهما حكمه ولا تخلو من أربعة أحوال مميزة لا عادة لها ومعتادة لا تمييز لها ومن لها عادة وتمييز ومن لا عادة لها ولا تمييز أما المميزة فهي التي ذكرها الخرقي في هذه المسألة وهي التي لدمها اقبال وادبار بعضه أسود ثخين منتن وبعضه أحمر مشرق أو أصفر أو لا رائحة له ويكون الدم الأسود أو الثخين لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فحكم هذه أن حيضها زمان الدم الأسود أو الثخين أو المنتن فان انقطع فهي مستحاضة تغتسل اللحيض وتتوضأ بعد ذلك لكل صلاة وتصلي وذكر أحمد المستحاضة فقال : لها : سنن وذكر المعتادة ثم قال : وسنة أخرى إذا جاءت فزعمت أنها تستحاض فلا تطهر قيل لها : أنت الآن ليس لك أيام معلومة فتجلسيها ولكن أنظري إلى اقبال الدم وادباره فإذا أقبلت الحيضة واقبالها أن ترى دما أسود يعرف فإذا تغير دمها وكان إلى الصفرة والرقة فذلك دم استحاضة فاغتسلي وصلي وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة لا اعتبار بالتمييز إنما الاعتبار بالعادة خاصة لما [ روت أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لتنظر عدة الأيام والليالي التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قد ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستفر بثوب ثم لتصل ] رواه أبو داود و ابن ماجة وهو أحد الأحاديث الثلاثة التي قال الإمام أحمد : إن الحيض يدور عليها
ولنا : ما [ روت عائشة قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله إني استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا اقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ] متفق عليه ول النسائي و أبي داود [ إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فامسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق ] وقال ابن عباس : أما ما رأت الدم البحراني فانها تدع الصلاة وقال : انها والله لن ترى الدم الذي هو الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم وحديث أم سلمة إنما يدل على اعتبار العادة ولا نزاع فيه وحديث فاطمة هو أحد الثلاثة التي يدور عليها الحيض

فصول : استحاضة المرأة المميزة لدم حيضها
فصل : ظاهر كلام الخرقي أن المميزة إذا عرفت التمييز جلسته من غير اعتبار تكرار وهو ظاهر كلام أحمد فيما روينا عنه وكذلك قال ابن عقيل : لأن معنى التمييز أن يتميز أحد الدمين عن الآخر في الصفة وهذا يوجد باول مرة وبهذا قال الشافعي : وقال القاضي و أبو الحسن الآمدي : إنما تجلس المميزة من التمييز ما تكرر مرتين أو ثلاثا بناء على الروايتين فيما تثبت به العادة
ولنا : [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ] أمرها بترك الصلاة إذا أقبلت الحيضة ن غير اعتبار أمر آخر ثم مده إلى حين ادباره ولأن التمييز امارة بمجرده فلم يحتج إلى ضم غيره إليه كالعادة وعند القاضي إنما تجلس من التمييز ما وافق العادة لأنه يعتبر التكرار ومتى تكرر صار عادة
فصل : فإن لم يكن الأسود مختلفا مثل أن ترى في كل شهر ثلاثة أسود ثم يصير أحمر ويعبر أكثر الحيض فالأسود وحده حيض ولو لم يعبر أكثر الحيض كان جميع الدم حيضا لأنه دم امكن أن يكون حيضا فكان حيضا كما لو كان كله أحمر وإن كان مختلفا مثل أن يرى في الشهر الأول خمسة أسود وفي الثاني أربعة وفي الثالث ثلاثة أو في الأول خمسة وفي الثاني ستة وفي الثالث سبعة أو في الأول خمسة وفي الثاني أربعة وفي الثالث ستة أو غير ذلك من الاختلاف فعلى قولنا الأسود حيض في كل حال وعلى قول القاضي الأسود حيض فيما وافق العادة فقط وهو ثلاث في الأولى وخمس في الثانية وأربع في الثالثة وما زاد عليه أن تكرر فهو حيض وأن لم يتكرر فليس بحيض وعلى قوله لا تجلس منه في الشهر الأول والثاني إلا اليقين الذي تجلسه من لا تمييز لها فإن كانت مبتدأة لم تجلس إلا يوما وليلة وهل تجلس الذي يتكرر في الشهر الثالث أو الرابع ؟ ينبني على الروايتين فيما تثبت به العادة ويكون حكمها حكم المبتدأة التي ترى دما لا يعبر أكثر الحيض الأحمر ههنا كالطهر هناك والأسود كالدم هناك فإن كانت ناسية وكان الأسود في أثناء الشهر وقلنا إنها تجلس من أول الشهر جلست ههنا من أول الشهر ما تجلسه الناسية وإن كان أحمر ولا تنتقل إلى الأسود حتى يتكرر فإذا تكرر انتقلت إليه وعلمنا أنه حيض فتقضي ما صامته من الفرض فيه
فصل : فإذا رأت أسود بين أحمرين أو أحمر بين أسودين وانقطع لدون أكثر الحيض فالجميع حيض إذا تكرر لأن الأحمر أشبه بالحيض من الطهر وإن عبر أكثر الحيض وكان الأسود بمفرده يصلح أن يكون حيضا فهو حيض والأحمر كله استحاضة لأن الأحمر الأول أشبه بالأحمر الثاني الذي حكمنا بأنه استحاضة وتلفق الأسود إلى الأسود فيكون حيضا ولا فرق بين كون الأسود قليلا أو كثيرا إذا كان بانضمامه إلى بقية الأسود يبلغ أقل من الحيض ولا يزيد على أكثره ولا يكون بين طرفيهما زمن يزيد على أكثر الحيض وكذلك لا فرق بين كون الأحمر قليلا أو كثيرا إذا كان زمنه يصلح أن يكون طهرا فأما أن كان زمنه لا يصلح أن يكون طهرا مثل الشيء اليسير أو ما دون اليوم على إحدى الروايتين فانه يلحق الدمين الذي هو بينهما لأنه لو كان الدم منقطعا لم يحكم بكونه طهرا فإذا كان الدم جاريا كان أولى فلو رأت يوما دم أسود ثم رأت الثاني دما أحمر ثم رأت الثالث أسود ثم صار أحمر وعبر لفقت الأسود إلى الأسود فصار حيضها يومين وباقي الدم استحاضة وإن رأت نصف يوم أسود ثم صار أحمر ثم رأت الثاني كذلك ثم رأت الثالث كله أسود ثم صار أحمر وعبر فان قلنا أن الطهر يكون أقل من يوم لفقت الأسود إلى الأسود وكان حيضها يومين وان قلنا لا يكون أقل من يوم فحيضها الأيام الثلاثة الأول والباقي استحاضة وان رأت نصف يوم أسود ثم صار أحمر وعبر إلى العاشر ثم رأته كله أسود ثم صار أحمر وعبر فالأسود حيض كله ونصف اليوم الأول ولو رأت بين الأسود وبين الأحمر نقاء يوما أو أكثر لم يتغير الحكم الذي ذكرناه لأن الأحمر محكوم بأنه استحاضة مع أتصاله بالأسود فمع انفصاله عنه أولى
فصل : إذا رأت في شهر خمسة أسود ثم صار أحمر واتصل وفي الثاني كذلك ثم صار الثالث كله أحمر ثم رأت في الرابع مثل الأول ثم رأت في الخامس خمسة أحمر ثم صار أسود واتصل فيحضها الأسود من الأول والثاني والرابع وأما الثالث والخامس فلا تمييز لها فيهما لأن حكم الأسود في الخامس سقط لعبوره فان قلنا العادة تثبت بمرتين جلست ذلك من الأشهر الثلاثة وهي الثالث والرابع والخامس وأن قلنا لا يتثبت إلا بثلاثة جلست ذلك من الخامس لأنها قد رأت ذلك في ثلاثة أشهر وقيل لا تثبت لها عادة وتجلس ما تجلسه من الخامس من الدم الأسود لأنه أشبه بدم الحيض
فصل : إذا رأت في كل شهر خمسة عشر يوما دما أسود وخمسة عشر أحمر فالأسود كله حيض لأنه يصلح أن يكون حيضا وقد رأت فيه امارة الحيض فيثبت كونه حيضا

مسألة وفصول : استحاضة المعتادة غير مميزة الدم
مسألة : قال : فان لم يكن دمها منفصلا وكانت لها أيام من الشهر تعرفها أمسكت عن الصلاة فيها واغتسلت إذا جاوزتها
هذا القسم وهي من لها عادة ولا تمييز لها لكون دمها غير منفصل أي على صفة لا تختلف ولا يتميز بعضه من بعض على ما ذكرنا في المميزة وكذلك إن كان منفصلا إلا أن الدم الذي يصلح للحيض دون أقل الحيض أو فوق أكثره فهذه لا تمييز لها فإذا كانت لها عادة قبل أن تستحاض جلست أيام عادتها واغتسلت عند انقضائها ثم تتوضأ بعد ذلك لوقت كل صلاة وتصلي وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك : لا اعتبار بالعادة إنما الاعتبار بالتمييز فان لم تكن مميزة استطهرت بعد زمان عادتها بثلاثة أيام أن لم تجاوز خمسة عشر يوما وهي بعد ذلك مستحاضة واحتج بحديث فاطمة الذي ذكرناه ولنا حديث أم سلمة وقد [ روي في حديث فاطمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغتسلي عنك الدم وصلي ] متفق عليه و [ روت أم حبيبة أنها سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن الدم فقال لها : امكثي قد ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي ] رواه مسلم و [ روى عدي بن ثابت عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في المستحاضة : تدع الصلاة أيام اقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضا عند كل صلاة ] أخرجه أبو داود و الترمذي ولا حجة له في الحديث على ترك العادة في حق من لا تمييز لها
فصل : ولا يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة وظاهر مذهب الشافعي أنها تثبت بمرة وقال بعضهم : تثبت بمرتين لأن المرأة التي استفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه و سلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة ولأن ذلك أقرب إليها فوجب ردها إليه
ولنا : أن العادة مأخوذة من المعاودة ولا تحصل المعاودة بمرة واحدة والحديث حجة لنا لأنه قال : [ لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ] وكان يخبر بها عن دوام الفعل وتكراره ولا يحصل ذلك بمرة ولا يقال لمن فعل شيئا مرة كان يفعل وفي الحديث الآخر : [ تدع الصلاة أيام اقرائها ] والاقراء جمع أقله ثلاثة وسائر الاحاديث الدالة على العادة تدل على هذا ولا نفهم من اسم العادة فعل مرة بحال واختلف الرواية هل تثبت بمرتين أو ثلاث فعنه أنها تثبت بمرتين لأنها مأخوذة من المعاودة وقد عاودتها في المرة الثانية وعنه لا تثبت إلا بثلاث لظاهر الاحاديث ولأن العادة لا تطلق إلا على ما كثر وأقله ثلاثة ولأن أكثر ما يعتبر له التكرار اعتبر ثلاثا كأيام الخيار في المصراة
فصل : وتثبت العادة بالتمييز فإذا رأت دما أسود خمسة أيام في ثلاثة أشهر أو شهرين على الرواية الأخرى ثم صار أحمر واتصل ثم صار في سائر الأشهر دما مبهما كانت عادتها زمن الدم الأسود
فصل : والعادة على ضربين متفقة ومختلفة فالمتفقة أن تكون أياما متساوية كأربعة في كل شهر فإذا استحيضت جلست الأربعة فقط وأما المختلفة فإن كانت على ترتيب مثل ان كانت ترى في شهر ثلاثة وفي الثانية أربعة وفي الثالث خمسة ثم تعود إلى ثلاثة ثم إلى أربعة على ما كانت فهذه إذا استحيضت في شهر فعرفت نوبته عملت عليه ثم على الذي بعده ثم على الذي بعده على العادة وإن نسيت نوبة حيضناها اليقين وهو ثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلي بقية الشهر وأن أيقنت أنه غير الأول وشكت هل هو الثاني أو الثالث جلست أربعة لأنها اليقين ثم تجلس من الشهرين الآخرين ثلاثة ثلاثة ثم تجلس في الرابع أربعة ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدا ويجزئها غسل واحد عند انقضاء المادة التي جلستها كالناسية إذا جلست أقل الحيض لأن ما زاد على اليقين مشكوك فيه فلا نوجب عليها الغسل بالشك ويحتمل وجوب الغسل عليها أيضا عند مضي أكثر عادتها لأن يقين الحيض ثابت وحصول الطهارة بالغسل مشكوك فيه فلا تزول عن اليقين بالشك ولأن هذه متيقنة وجوب الغسل عليها أحد الأيام الثلاثة في اليوم الخامس وقد اشتبه عليها وصحة صلاتها تقف على الغسل فيجب عليها لتخرج عن العهدة بيقين كمن نسي صلاة من يوم ولا يعلم عينها وهذا الوجه أصح لما ذكرنا وتفارق الناسية فانها لا تعلم لها حيضا رائدا على ما جلسته وهذه تتيقن لها حيضا زائدا على ما جلسته تقف صحة صلاتها على غسلها منه فوجب ذلك فعلى هذه يلزمها غسل ثان عقيب اليوم الخامس في كل شهر وإن جلست في رمضان ثلاثة أيام قضت خمسة أيام لأن الصوم كان في ذمتها ولا نعلم أن اليومين اللذين صامتهما أسقطا الفرض من ذمتها فيبقى على الأصل ويحتمل أن يلزمها في كل شهر ثلاثة أغسال غسل عقب اليوم الثالث وغسل عق الرابع وغسل عق الخامس لأن عليها عقيب الرابع غسلا في أحد الأشهر وكل شهر يحتمل أن يكون في الشهر الذي يجب الغسل فيه بعد الرابع فيلزمها ذلك كما قلنا في الخامس
وإن كان الاختلاف على غير ترتيب مثل أن تحيض من شهر ثلاثة ومن الثاني خمسة ومن الثالث أربعة وأشباه ذلك فان كان هذه يمكن ضبطه ويعتادها على وجه لا يختلف فالحكم فيه كالذي قبله وإن كان غير مضبوط جلست الاقل من كل شهر وهي الثالثة إن لم يكن لها أقل منها واغتسلت عقيبه وذكر ابن عقيل في هذا الفصل أن قياس المذهب أن فيه رواية ثانية وهي اجلاسها أكثر عادتها في كل شهر كالناسية للعدد تجلس أكثر الحيض وهذا لا يصح إذ فيه أمرها بترك الصلاة واسقاطها عنها مع يقين وجوبها عليها فاننا متى أمرناها بترك الصلاة خمسة أيام في كل شهر ونحن نعلم وجوبها في يومين منها في شهر وفي يوم في شهر آخر فقد أمرناها بترك الصلاة الواجبة يقينا فلا يحل ذلك ولا تسقط الصلاة الواجبة بالاشتباه كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها وفارق الناسية فانها لا نعلم عليها صلاة واجبة يقينا والأصل بقاء الحيض وسقوط الصلاة فتبقى عليه
فصل : ولا تكون المرأة معتادة حتى تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها وشهر المرأة عبارة عن المدة التي لها فيها وطهر وأقل ذلك أربعة عشر يوما تحيض يوما وتطهر ثلاثة عشر وإن قلنا أقل الطهر خمسة عشر يوما فأقصر ما يكون الشهر ستة عشر يوما وأكثره لا حد له لكون أكثر الطهر لا حد له والغالب أنه الشهر المعروف بين الناس فإذا عرفت أن شهرها ثلاثون يوما وأن حيضها منه خمسة أيام وطهرها خمسة وعشرون وعرفت أوله فهي معتادة وإن عرفت أيام حيضها وأيام طهرها فقد عرفت شهرها وإن عرفت أيام حيضها ولم تعرف أيام طهرها أو أيام طهرها ولم تعرف أيام حيضها فليست معتادة لكنها متى جهلت شهرها رددناها إلى الغالب فحيضناها من كل شهر حيضة كما رددناها في عدد أيام الحيض إلى ست أو إلى سبع لكونه الغالب

استحاضة المعتادة المميزة الدم
فصل : القسم الثالث من أقسام المستحاضة من لها عادة وتمييز وهي من كانت لها عادة فاستحيضت ودمها متميز بعضه أسود وبعضه أحمر فان كان الأسود في زمن العادة فقد اتفقت العادة والتمييز في الدلالة فيعمل بهما وإن كان أكثر من العادة أو أقل ويصلح أن يكون حيضا ففيه روايتان إحداهما يقدم التمييز فيعلم له وتدع العادة وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله : فكانت ممن تميز تركت الصلاة في اقباله ولم يفرق بين معتادة وغيرها واشترط في ردها إلى العادة أن لا يكون دمها متصلا وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن صفة الدم أمارة قائمة به والعادة زمان منقض ولأنه خارج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني وظاهر كلام أحمد اعتبار العادة وهو قول أكثر الأصحاب [ لأن النبي صلى الله عليه و سلم رد أم حبيبة والمرأة التي استفتت لها أم سلمة إلى العادة ولم يفرق ولم يستفصل بين كونها مميزة أو غيرها ] وحديث فاطمة قد روي فيه ردها إلى العادة وفي لفظ آخر ردها إلى التمييز فتعارضت روايتان وبقيت الاحاديث الباقية خالية عن معارض فيجب العمل بها على أن حديث فاطمة قضية عين وحكاية حال يحتمل أنها أخبرته أنها لا عادة لها أو علم ذلك من غيرها أو قرينة حالها وحديث عدي بن ثابت عام في كل مستحاضة فيكون أولى ولأن العادة أقوى لكونها لا تبطل دلالتها واللون إذا زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته فما تبطل أقوى وأولى
فصل : ومن كان حيضها خمسة أيام من أول كل شهر فاستحيضت وصارت ترى ثلاثة أيام دما أسود في أول كل شهر فمن قدم العادة قال : تجلس خمسة في كل شهر كما كات تجلس قبل الاستحاضة ومن قدم التمييز جعل حيضها الثلاثة التي ترى الدم الأسود فيها إلا أنها لا تترك الصلاة في الشهر الأول فيما زاد على الثلاثة لأنا لا نعلم أنها مستحاضة إلا بتجاوز الدم أكثر الحيض ولا نعلم ذلك في الشهر الأول فإذا عبر الدم أكثر الحيض في الشهر الأول علمنا أنه استحاضة فلا تجلس في الثاني ما زاد على الدم الأسود فان رأت في كل شهر عشرة دما أسود ثم صار أحمر واتصل فمن قال : إنها لا تلتفت إلى ما زاد على العادة حتى تتكرر لم يحيضها في الشهرين الأولين أو الثلاثة إلا خمسة قدر عادتها ومن قال : إنها إذا زادت على العادة جلسته بأول مرة أجلسها في الشهر الأول خمسة عشر يوما ثم تغتسل وتصلي وفي الثاني تجلس أيام العادة وهي الخمسة الاولى من الشهر عند من يقدم العادة على التمييز ومن قدم التمييز ولم يعتبر فيه التكرار أجلسها العشرة كلها فإذا تكرر ثلاثة أشهر على هذا الوصف فقال القاضي : تجلس العشرة في الشهر الرابع على الروايتين جميعا لأن الزيادة على العادة تثبت بتكرر الأسود ويحتمل أن لا تجلس زيادة على عادتها على قول من يقدم العادة على التمييز لأنها لو جعلنا الزائد على العادة من التمييز حيضا بتكرره لجعلنا الناقص عنها استحاضة بتكرره فكانت لا تجلس فيما إذا رأت ثلاثة أسود ثم صار أحمر أكثر من الثلاثة والأمر بخلاف ذلك
فصل : فإن كان حيضها خمسا من أول شهر فاستحيضت فصارت ترى خمسة أسود ثم يصير أحمر ويتصل فالأسود حيض بلا خلاف لموافقته زمن العادة والتمييز وإن رأت مكان الأسود أحمر ثم صار أسود وعبر سقط حكم الأسود لعبوره أكثر الحيض وكان حيضها الأحمر لموافقته زمن العادة وأن رأت مكان العادة أحمر ثم خمسة أسود ثم صار أحمر واتصل فمن قدم العادة حيضها أيام العادة وإذا تكرر الأسود فقال القاضي : يصير حيضا وأما من يقدم التمييز فانه يجعل الأسود وحده حيضا

مسألة وفصل : استحاضة الناسية لعادتها ثلاثة أحوال
مسألة : قال : فان كانت لها أيام نسيتها فانها تقعد ستا أو سبعا في كل شهر
هذه من القسم الرابع من أقسام المستحاضة وهي من لا عادة لها ولا تمييز وهذا القسم نوعان أحدهما الناسية ولها ثلاثة أحوال احدها ان تكون ناسية لوقتها وعددها وهذه يسميها الفقهاء المتحيرة والثانية أن تنسى عددها وتذكر وقتها والثالثة أن تذكر عددها وتنسى وقتها فالناسية لهما هي التي ذكر الخرقي حكمها وأنها تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة يكون ذلك حيضها ثم تغتسل وهي فيما بعد ذلك مستحاضة تصوم وتصلي وتطوف وعن أحمد أنها تجلس أقل من الحيض ثم أن كانت تعرف شهرها وهومخالف للشهر المعروف جلست ذلك من شهرها وأن لم تعرف شهرها جلست من الشهر المعروف لأنه الغالب وقال الشافعي في الناسية لهما : لا حيض لها بيقين وجميع زمنها مشكوك فيه تغتسل لكل صلاة وتصلي وتصوم ولا يأتيها زوجها وله قول آخر أنا تجلس اليقين وقال بعض أصحابه : الأول أصح لأن هذه لها أيام معروفة ولا يمكن ردها إلى غيرها فجميع زمانها مشكوك فيه وقد [ روت عائشه أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت النبي صلى الله عليه و سلم فأمرها أن تغتسل لكل صلاة ] متفق عليه
ولنا : ما [ روت حمنة بنت جحش قالت : كنت استحاض حيضة كبيرة شديدة فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم استفتيه فوجدته في بيت أختي زينت بنت جحش فقلت يا رسول الله : إني استحاض حيضة كبيرة شديدة فما تأمرني فيها ؟ قد منعتني الصيام والصلاة قال : انعت لك الكرسف فأنه يذهب الدم قلت : هو اكثر من ذلك إنما اثج ثجا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : سآمرك امرين ايهما صنعت اجزأ عنك فان قويت عليهما فأنت أعلم - فقال - إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي رابعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فان ذلك يحزئك وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن فان قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حتى تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين للصبح فافعلي وصومي أن قويت على ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو اعجب الأمرين إلي ] رواه أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح قال وسألت محمدا عنه فقال هو حديث حسن وحكي ذلك عن أحمد أيضا وهو بظاهره يثبت الحكم في حق الناسية لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يستفصلها هل هي مبتدأة أو ناسية ولو افترق الحال لاستفصل وسأل واحتمال أن تكون ناسية أكثر فان حمنة امرأة كبيرة كذلك قال أحمد : ولم يسألها النبي صلى الله عليه و سلم عن تمييزها لأنه قد جرى من كلامها من تكثير الدم وصفته ما أغنى عن السؤال عنه ولم يسألها هل لها عادة فيردها إليها لاستغنائه عن ذلك لعلمه إياه إذ كان مشتهرا وقد أمر به أختها أم حبيبة فلم يبق إلا أن تكون ناسية ولأن لها حيضا لا تعلم قدره فيرد إلى غالب عادات النساء كالمبتدأة ولأنها عادة لها ولا تمييز فأشبهت المتبدأة وقولهم : لها أيام معروفة قلنا : قد زالت المعرفة فصار وجودها كالعدم وأما أمره أم حبيبة بالغسل لكل صلاة فانما هو ندب كأمره لحمنة في هذا الخبر فان أم حبيبة كانت معتادة ردها إلى عادتها وهي التي استفتت لها أم سلمة على أن حديث أم حبيبة إنما روي عن الزهري وأنكره الليث بن سعد فقال : لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة ولكنه شيء فعلته هي
فصل : قوله ستا أو سبعا الظاهر أنه ردها إلى اجتهادها ورأيها فيما يغلب على ظنها أنه اقرب إلى عادتها أو عادة نسائها أو ما يكون أشبه بكونه حيضا ذكره القاضي في بعض المواضع وذكر في موضع آخر أنه خيرها بين ست وسبع لا على طريق الاجتهاد كما خير واطىء الحائض بين التكفير بدينار أو نصف دينار بدليل أن حرف أو للتخيير والأول أن شاء الله أصح لأنا لو جعلناها مخيرة افضى إلى تخييرها في اليوم السابع بين أن تكون الصلاة عليها واجبة وبين كونها محرمة وليس لها في ذلك خيرة بحال أما التكفير ففعل اختياري يمكن التخيير بين أخراج دينار أو نصف دينار والواجب نصف دينار في الحالين لأن الواجب لا يتخير بين فعله وتركه وقولهم : ان ( أو ) للتخيير قلنا : وقد يكون للاجتهاد كقوله تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } وإما كأو في وضعها وليس للامام في الأسرى إلا فعل ما يؤديه إليه اجتهاده انه الإصلاح

فصل : ناسية وقت حيضها وعدد أيامه
فصل : ولا تخلو الناسية من أن تكون جاهلة بشهرها أو عالمة به فإن كانت جاهلة بشهرها رددناها إلى الشهر الهلالي فيحضناها في كل شهر حيضة لحديث حمنة ولأنه الغالب فترد إليه كردها إلى الست والسبع وإن كانت عالمة بشهرها حيضناها في كل شهر من شهور حيضة لأن ذلك عادتها فترد إليها كما ترد المعتادة إلى عادتها في عدد الأيام إلا أنها متى كان شهرها أقل من عشرين يوما لم نحيضها منه أكثر من الفاضل عن ثلاثة عشر يوما أو خمسة عشر يوما لأنها لو حاضت أكثر من ذلك لنقص طهرها عن أقل الطهر ولا سبيل إليه وهل تجلس أيام حيضها من أول كل شهر أو بالتحري والاجتهاد ؟ فيه وجهان احدهما تجلسه من أو كل شهر إذا كان يحتمل [ لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لحمنة : تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي وصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها ] فقد حيضها على الطهر أمرها بالصلاة والصوم في بقيته ولأن المتبدأة تجلس من أول الشهر مع أنه لا عادة لها فكذلك الناسية ولأن دم الحيض دم جبلة والاستحاضة عارضة فإذا رأت الدم وجب تغليب دم الحيض والوجه الثاني أنها تجلس أيامها من الشهر بالتحري والاجتهاد وهذ قول أبي بكر و ابن أبي موسى لأن النبي صلى الله عليه و سلم ردها إلى اجتهادها في القدر بقوله : [ ستا أو سبعا ] فكذلك في الزمان ولأن التحري مدخلا في الحيض بدليل أن المميزة ترجع إلى صفة الدم فكذلك في زمنه فان تساوي عندها الزمان كله ولم يغلب على ظنها شيء تعين اجلاسها من أول الشهر لعدم الدليل فيما سواه
القسم الثاني : الناسية لعددها دون وقتها كالتي تعلم أن حيضها في العشر الأول من الشهر ولا تعلم عدده فهي في قدر ما تجلسه كالمتحيرة تجلس ستا أو سبعا في أصح الروايتين إلا أنها تجلس من العشر دون غيرها وهل تجلسها من أو العشر أو بالتحري ؟ على وجهين وإن قالت أعلم أنني كنت أول الشهر حائضا ولا أعلم آخره أو أنني كنت آخر الشهر حائضا ولا أعلم أوله أو لا أعلم هل كان ذلك أول حيضي أو آخره حيضناها اليوم الذي علمته وأتممت بقية حيضها مما بعده في الصورة الأولى ومما قبله في الثانية وبالتحري في الثالثة أو مما يلي أول الشهر على اختلاف الوجهين
القسم الثالث : الناسية لوقتها دون عددها وهذه تتنوع نوعين أحدهما أن لا تعلم لها وقتا أصلا مثل أن تعلم ان حيضها خمسة أيام فأنها تجلس خمسة من كل شهر إما من أوله أو بالتحري على أختلاف الوجهين والثاني أن تعلم لها وقتا مثل أن تعلم أنها كانت تحيض أياما معلومة من العشر الأول من كل شهر فأنها تجلس عدد ايامها من ذلك الوقت دون غيره ثم لا يخلو عدد أيامها إما أن يكون زائدا على نصف ذلك الوقت أو لا يزيد فان كان زائدا على نصفه مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول من كل شهر أضعفنا الزائد فجعلناه حيضا بيقين وتجلس بقية أيامها بالتحري في أحد الوجهين وفي الآخر من أول العشر ففي هذه المسألة الزائد يوم وهو السادس فنضعفه ويكون الخامس والسادس حيضا بيقين لأننا متى عددنا لها ستة أيام من أي موضع كان من العشر دخل فيه الخامس والسادس يبقى لها أربعة أيام فان اجلسناها من الأول كان حيضها من أول العشر إلى آخر السادس منها يومان حيض بيقين والأربعة حيض مشكوك فيه والأربعة الباقية طهر مشكوك فيه وإن أجلسناها بالتحري فأداها اجتهادها إلى أنها من أول الشهر فهي كالتي ذكرنا وإن جلست الأربعة من آخر الشهر كانت حيضا مشكوكا فيه والأربعة الأولى طهر مشكوك فيه وإن قالت حيضي سسبعة أيام من العشر الأول فقد زادت يومين على نصف الوقت فنضعفهما فيصير لها أربعة أيام حيضا بيقين وهي من أول الرابع إلى آخر السابع ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها من أول العشر أو بالتحري فيكون ذلك حيضا مشكوكا فيه ويبقى لها ثلاثة طهرا مشكوكا فيه وسائر الشهر طهر وحكم الحيض المشكوك فيه حكم الحيض المتيقن في ترك العبادات وإن كان حيضها نصف الوقت فما دون فليس لها حيض بيقين لأنها متى كانت تحيض خمسة أيام احتمل أن تكون الخمسة الأولى وأن تكون الثانية وأن تكون بعضها من الأولى وباقيها من الثانية فتجلس خمسة بالتحري أو من أول العشر على اختلاف الوجهين

فصل : ناسية تعدد أيام حيضها دون وقتها
فصل : ولا يعتبر التكرار في الناسية لأنها عرفت استحاضتها في الشهر الأول فلا معنى للتكرار

فصل : ناسية لوقتها دون عدد أيام حيضها
فصل : وإذا ذكرت الناسية عادتها بعد جلوسها في غيره رجعت إلى عادتها لأن تركها لعارض النسيان فإذا زال العارض عادت إلى الأصل وإن تبين أنها تركت الصلاة في غير عادتها لزمها اعادتها ويلزمها قضاء ما صامته من الفرض في عادتها فلو كانت عادتها ثلاثة من آخر العشر الأول فجلست السبعة التي قبلها مدة ثم ذكرت لزمها قضاء ما تركت من الصلاة والصيام المفروض في السبعة وقضاء ما صامت من الفرض في الثلاثة لأنها صامتة في زمن حيضها

مسألة وفصول : حيض المبتدأة
مسألة : قال : قال والمتبدأ بها الدم تحتاك فتجلس يوما وليلة وتغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي فان انقطع دمها في خمسة عشر يوما اغتسلت عند انقطاعه مثل ذلك ثانية وثالثه فان كان بمعنى واحد عملت عليه واعادت الصوم إن كانت صامت في هذه الثلاث مرار لفرض
هذا النوع الثاني من القسم الرابع وهي من لا عادة لها ولا تمييز وهي التي بدأ بها الحيض ولم تكن حاضت قبله والمشهور عن أحمد فيها أنها تجلس إذا رأت الدم وهي ممن يمكن أن تحيض وهي التي لها تسع سنين فصاعدا فتترك الصوم والصلاة فأن زاد الدم على يوم وليلة اغتسلت عقيب اليوم والليلة وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وتصوم فان انقطع لأكثر الحيض فما دون اغتسلت غسلا ثانيا عند انقطاعه وصنعت مثل ذلك في الشهر الثاني والثالث فان كانت أيام الدم في الأشهر الثلاثة متساوية صار ذلك عادة وعلمنا أنها كانت حيضا فيجب عليها قضاء ما صامت من الفرض لأنا تبينا أنها صامته في زمن الحيض قال القاضي : المذهب عندي في هذا رواية واحدة قال : وأصحابنا يجعلون في قدر ما تجلسه المبتدأة في الشهر الأول أربع روايات إحداهن أنها تجلس أقل الحيض والثانية غالبه والثالثة أكثره والرابعة عادة نسائها قال : وليس ههنا موضع الروايات وإنما موضع ذلك إذا اتصل الدم وحصلت مستحاضة في الشهر الرابع وقد نقل عن أحمد ما يدل على صحة قول الأصحاب فروى صالح قال : قال أبي : أو ما يبدأ الدم بالمرأة تقعد ستة أيام أو سبعة أيام وهو أكثر ما تجلسه النساء على حديث حمنة فظاهر هذه أنها تجلس ذلك في أول حيضها وقوله : أكثر ما تجلسه النساء يعني أن الغالب من النساء هكذا يحضن وروى حرب عنه قال : سألت أبا عبد الله قلت : امرأة أول ما حاضت استمر بها الدم كم يوما تجلس ؟ قال : إن كان مثلها من النساء من يحضن فان شاءت جلست ستا أو سبعا حتى يتبين لها حيض ووقت وإن أرادت الاحتياط جلست يوما واحدا أول مرة حتى يتبين وقتها وقال في موضع آخر : قالوا هذا وقالوا هذا فأيها أخذت فهو جائز وروى الخلال بإسناده عن عطاء في البكر تستحاض ولا تعلم لها قرءا قال : لتنظر قرء أمها أو أختها أو عمتها أو خالتها فلتترك الصلاة عند تلك الأيام وتغتسل وتصلي قال حنبل : قال أبو عبد الله : هذا حسن واستحسنه جدا وهذا يدل على أنه أخذ به وهذا قول عطاء و الثوري و الأوزاعي وروي عن أحمد أنها تجلس أكثر الحيض إلا أن المشهور في الرواية عنه مثل ما ذكر الخرقي وقال أبو حنيفة و الشافعي و مالك : تجلس جميع الأيام التي ترى الدم فيها إلى أكثر الحيض فان انقطع لأكثره فما دون فالجميع حيض لأنا حكمنا بأن ابتداء الدم حيض مع جواز أن يكون استحاضة فكذلك اثناؤه ولأننا حكمنا بكونه حيضا فلا ننقض ما حكمنا به بالتجويز كما في المعتادة ولأن دم الحيض دم جبلة والاستحاضة دم عارض لمرض عرض وعرق انقطع والأصل فيها الصحة والسلامة وأن دمها الجبلة دون العلة
ولنا : إن في اجلاسها أكثر من أقل الحيض حكما ببراءة ذمتها من عبادة واجبة عليها فلم يحكم به أول مرة كالمعتدة لا يحكم ببراءة ذمتها من العدة بأول حيضة ولا يلزم اليوم والليلة لأنها اليقين فلو لم نجلسها ذلك أدى إلى أن لا نجلسها أصلا ولأنها ممن لا عادة لها ولا تمييز فلم تجلس أكثر الحيص كالناسية
فصل : والمنصوص في المبتدأة اعتبار التكرار ثلاثا فعلى هذا لا تنتقل عن اليقين في الشهر الثالث وقد نص في المعتادة ترى الدم زيادة على عادتها على جلوسها الزائد بمرتين في إحدى الروايتين عنه فكذا ههنا وقد مضى توجيههما وعلى الروايات كلها إذا انقطع الدم لأكثر الحيض فما دون وكان في الأشهر الثلاثة على قدر واحد انتقلت إليه وعملت عليه وصار ذلك عادة لها وأعادت ما صامته من الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في حيضها
فصل : وأن انقطع في الأشهر الثلاثة مختلفا ففي شهر انقطع على سبع وفي شهر على ست وفي شهر على خمس نظرت إلى أقل ذلك وهو الخمس فجعلته حيضا وما زاد عليه لا يكون حيضا حتى يأتي عليه التكرار نص عليه وإن جاء في الشهر الرابع ستا أو أكثر صارت الستة حيضا لتكررها ثلاثا وكذلك الحكم في السابع إذا تكرر ثلاثا ومن قال باجلاسها ستا أو سبعا فانها تجلس ذلك من غير تكرار ولا تجلس ما زاد عليه حتى يتكرر ولذلك من أجلسها عادة نسائها فانه يجلسها ما وافق عادتهن من غير تكرار
فصل : ومتى أجلسناها يوما وليلة أو ستا أو سبعا أو عادة نسائها فرأت الدم أكثر من ذلك لم يحل لزوجها وطؤها فيه حتى ينقطع او يتجاوز أكثر الحيض لأنه يحتمل أن يكون حيضا احتمالا ظاهرا وإنما أمرناها بالصوم فيه والصلاة احتياطا لبراءة ذمتها فيجب ترك وطئها احتياطا أيضا وأن انقطع الدم واغتسلت حل وطؤها وهل يكره ؟ على روايتين إحداهما لا يكره لأنها رأت النقاء الخالص أشبه غير المبتدأة والثانية يكره لأننا لا نأمن معاودة الدم فكره وطؤها كالنفساء إذا انقطع دمها لأقل من أربعين يوما فان عاودها الدم في زمن العادة لم يطأها نص عليه لأنه زمن صادف زمن الحيض فلم يجز الوطء فيه كما لو لم ينقطع وعنه لا بأس بوطئها قال الخلال : الاحوط في قوله على ما اتفقوا عليه دون الأنفس الثلاثة أنه لا يطؤها

مسألة وفصول : استحاضة المبتدأة بالحيض
مسألة : قال : فأن استمر بها الدم ولم يتميز قعدت في كل شهر ستا أو سبعا لأن الغالب من النساء هكذا يحضن
قوله : استمر بها الدم يعني زاد على أكثر الحيض وقوله : لم يتميز يعني لم يكن دمها منفصلا على الوجه الذي ذكرناه فهذه حكمها أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد ذكر الخرقي علته وهو أن الغالب من النساء هكذا يحضن ( والظاهر أن يحضن ) والظاهر أن حيض هذه كحيض غالب النساء فيجب ردها إليه كردها إلى حيضة في كل شهر وهذا أحد قولي الشافعي وعن أحمد أنها تجلس يوما وليلة من كل شهر وهذا قول الثاني ل الشافعي لأن ذلك اليقين وما زاد عليه مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك وعنه رواية ثالثة أنها تجلس أكثر الحيض وهو مذهب أبي حنيفة لأنه زمان الحيض فإذا رأت الدم فيه جلسته كالمعتادة وعنه أنها تجلس عادة نسائها وهو قول عطاء و الثوري و الأوزاعي لأن الغالب أنا تشبههن في عادتهن والأول أولى لحديث حمنة فان النبي صلى الله عليه و سلم ردها إلى ست أو سبع ولم يردها إلى اليقين ولا عادة نسائها ولا أكثر الحيض ولأن هذه ترد إلى غالب عادات النساء في وقتها لكونها تجلس في كل شهر مرة فكذلك في عدد أيامها وبهذا يبطل ما ذكرناه لليقين ولعادة نسائها
فصل : وهل ترد إلى ذلك إذا استمر بها الدم في الشهر الرابع أو الثاني ؟ المنصوص أنها لا ترد إلى ست أو سبع إلا في الشهر الرابع لأنا لم نحيضها أكثر من ذلك إذا لم تكن مستحاضة فأولى أن نفعل ذلك إذا كانت مستحاضة قال : القاضي : ويحتمل أن تنتقل إليها في الشهر الثاني بغير تكرار لأنا قد علمنا استحاضتها فلا معنى للتكرار في حقها
فصل : وإن كانت التي استمر بها الدم مميزة على ما ذكرناه فيما مضى جلست بالتمييز فيما بعد الأشهر الثلاثة وتجلس في الثلاثة اليقين يوما وليلة إلا أن نقول العادة تثبت بمرتين فانها تعود إلى التمييز في الشهر الثالث ويعمل به وقال ابن عقيل : وعن أحمد أنها ترد إلى التمييز في الشهر الثاني ولا يعتبر التكرار فانه قال : إذا بدأ بها الحيض ولم ينقطع عنها الدم ولم تعرف أيامها قعدت اقبال الدم إذا أقبل سواده وغلظه وريحه فإذا أدبر وصفا وذهب ريحه صلت وصامت وذلك لأنها مستحاضة مميزة فترد إلى تمييزها كما في الشهر الرابع ولا يعتبر التكرار في التمييز بعد أن تعلم كونها مستحاضة على ما نصرناه وقال القاضي : لا تجلس منه إلا ما تكرر فعلى هذا إذا رأت في كل شهر خمسة أحمر ثم خمسة أسود ثم أحمر واتصل جلست زمان الأسود فكان حيضها والباقي استحاضة وهل تجلس زمان الأسود في الشهر الثاني أو الثالث أو الرابع ؟ يخرج ذلك على الروايات الثلاث ولو رأت عشرة أحمر ثم خمسة أسود ثم أحمر واتصل فالحكم فيها كالتي قبلها فان اتصل الأسود وعبر أكثر الحيض فليس لها تمييز ونحيضها من الأسود لأنه أشبه بدم الحيض ولو رأت أقل من يوم دما أسود فلا تمييز لها لأن الأسود لا يصلح أن يكون حيضا لقلته عن أقل الحيض وإن رأت في الشهر الأول أحمر وفي الثاني والثالث والرابع خمسة أسود ثم أحمر واتصل وفي الخامس كله أحمر فانها تجلس في الأشهر الثلاثة اليقين وفي الرابع أيام الدم الأسود وفي الخامس تجلس خمسة أيضا لأنها قد صارت معتادة وقال القاضي : لا تجلس من الرابع إلا اليقين أن نقول بثبوت العادة بمرتين وهذا فيه نظر فان أكثر ما يقدر فيها أنها لا عادة لها ولا تمييز ولو كانت كذلك لجلست ستا أو سبعا في أصح الروايات فكذا ههنا ومن لم يعتبر التكرار في التمييز فهذه مميزة ومن قال : أن المميزة تجلس بالتمييز في الشهر الثاني قال : أنها تجلس الدم الأسود في الشهر الثالث لأنها لا تعلم أنها مميزة قبله ولو رأت في شهر خمسة أسود ثم صار أحمر واتصل وفي الثاني كذلك وفي الثالث كله أحمر والرابع رأت خمسة أحمر ثم صار أسود واتصل جلست اليقين من الأشهر الثلاثة والرابع لا تمييز لها فيه فتصير فيه إلى ستة أيام أو سبعة في أشهر الروايات إلا أن نقول العادة تثبت بمرتين فتجلس من الثالث والرابع خمسة خمسة وقال القاضي : لا تجلس في الأشهر الأربعة الا اليقين وهذا بعيد لما ذكرناه ولو كانت رأت في الرابع خمسة أسود والباقي كله أحمر صار عادة بذلك

مسألة وفصل : الصفرة والكدرة أيام الحيض وغيرها
مسألة : قال : والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض
يعني إذا رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة فهو حيض وأن رأته بعد أيام حيضها لم يعتد به نص عليه أحمد وبه قال يحيى الأنصاري و ربيعة و مالك و الثوري و الأوزاعي و عبد الرحمن بن مهدي و الشافعي و إسحاق وقال أبو يوسف و أبو ثور : لا يكون حيضا إلا أن يتقدمه دم أسود لأن أم عطية كانت بايعت النبي صلى الله عليه و سلم قالت : كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة بعد الغسل شئيا رواه أبو داود وقال : بعد الطهر
ولنا : قوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } وهذا يتناول الصفرة والكدرة وروى الأثرم بإسناده عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تبعث إليها النساء بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة والكدرة فتقول : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة وحديث أم عطية إنما تناول ما بعد الطهر والاغتسال ونحن به وقد قالت عائشة : ما كنا نعد الكدرة والصفرة حيضا مع قولها المتقدم الذي ذكرناه
فصل : وحكم الصفرة والكدرة حكم الدم العبيط في أنها في أيام الحيض حيض وتجلس منها المبتدأة كما تجلس من غيرها وأن رأتها فيما بعد العادة كما لو رأت غيرها ما سأتي ذكره إن شاء الله وإن طهرت ثم رأت كدرة أو صفرة لم يلتفت إليها لخبر أم عطية وعائشة وقد روى النجاد باسناده عن محمد ابن إسحاق عن فاطمة عن أسماء قالت : كنا في ججرها مع بنات بنتها فكانت إحدانا تطهر ثم تصلي ثم تنكس بالصفرة اليسيرة فتسألها فتقول اعتزلن الصلاة حتى ترين إلا البياض خالصا والأول أولى لما ذكرنا وقول عائشة وأم عطية أولى من قول أسماء وقال القاضي : معنى هذه أنها لا تلتفت إليه قبل التكرار وقول أسماء فيما إذا تكرر فجمع بين الأخبار والله أعلم

مسألة وفصول : حكم وطىء الحائض
مسألة : قال : ويستمتع من الحائض بما دون الفرج
وجلمته أن الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والاجماع والوطء في الفرج محرم بهما واختلف في الاستمتاع بما بينهما فذهب أحمد رحمه الله إلى إباحته وروي ذلك عن عكرمة و عطاء و الشعبي و الثوري و إسحاق ونحوه قال الحكم فانه لا بأس أن تضع على فرجها ثوبا ما لم يدخله وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي : لا يباع لما [ روي عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض ] رواه البخاري و [ عن عمر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال : فوق الأزار ]
ولنا قول الله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } والمحيض اسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على اباحته فيما عداه فان قيل : بل المحيض مصدر حاضت المرأة حيضا بدليل قوله تعالى في أول الآية : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } والأذى هو الحيض المسؤول عنه وقال تعالى : { واللائي يئسن من المحيض } قلنا : اللفظ يحتمل المعنييين وارادة مكان الدم أرجع أرجع بدليل أمرين أحدهما أنه لو أراد الحيض لكان أمرا باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية والاجماع بخلافه والثاني أن سبب نزول الآية أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت : فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية ف [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : اصنعوا كل شيء غير النكاح ] رواه مسلم في صحيحه وهذا تفسير لمراد الله تعالى ولا تتحقق مخالفة اليهود بحملها على إرادة الحيض لأنه يكون موافقا لهم ومن السنة [ قوله عليه السلام : اصنعوا كل شيء غير النكاح ] و [ روي عنه عليه السلام أنه قال : اجتنب منها شعار الدم ] ولأنه منع الوطء لأجل الأذى فاختص مكانه كالدبر وما رووه عن عائشه دليل على حل ما فوق الأزار لا على تحريم غيره وقد يترك النبي صلى الله عليه و سلم بعض المباح تقديرا كتركه أكل الضب والأرنب وقد روى عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد من الحائض شئيا ألقى على فرجها ثوبا ثم ما ذكرناه منطوق وهو أولى من المفهوم
فصل : فان وطىء الحائض في الفرج أثم ويستغفر الله تعالى وفي الكفارة روايتان إحداهما يجب عليه كفارة لما روى أبو داود و النسائي باسنادهما [ عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض : يتصدق بدينار أو بنصف دينار ] والثانية لا كفارة عليه وبه قال مالك و أبو حنيفة : وأكثر اهل العلم ل [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : من أتى كاهنا فصدقه بما قال أو أتى امرأته في دبرها أو أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم ] رواه ابن ماجة ولم يذكر كفارة ولأنه نهي عنه لأجل الأذى فأشبه الوطء في الدبر ول الشافعي قولان كالروايتين وحديث الكفارة مداره على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وقد قيل ل أحمد : في نفسك منه شيء ؟ قال : نعن لأنه من حديث فلان أظنه قال عبد الحميد وقال : لو صح ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم كنا نرى عليه الكفارة وقال في موضع ليس به بأس قد روى الناس عنه فاختلاف الرواية في الكفارة مبني على اختلاف قول أحمد في الحديث وقد روي عن أحمد أنه قال : أن كانت له مقدرة تضدق بما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أبو عبد الله بن حامد : كفارة وطء الحائض تسقط بالعجز عنها أو عن بعضها ككفارة الوطء في رمضان
فصل : وفي قدر الكفارة روايتان إحداهما أنها دينار أو نصف دينار على سبيل التخيير أيهما أخرج أجزأه روي ذلك عن ابن عباس والثانية أن الدم أن كان أحمر فهي دينار وإن كان أصفر فنصف دينار وهو قول إسحاق وقال النخعي : إن كان في فور الدم فدينار وإن كان في آخره فنصف دينار لما [ روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار ] رواه الترمذي والأول أصح قال أبو دواد : الرواية الصحيحة يتصدق بدينار أو بنصف دينار ولأنه حكم تعلق بالحيض فلم يفرق بين أوله وآخره كسائر أحكامه فان قيل فكيف تخير بين شيء ونصفه ؟ قلنا : كما تخير المسافر بين قصر الصلاة وأتمامها فأيهما فعل كان واجبا كذا ههنا
فصل : وأن وطىء بعد طهرها وقبل غسلها فلا كفارة عليه وقال قتادة و الأوزاعي : عليه نصف دينار ولو وطىء في حال جريان الدم لزمه دينار لأنه حكم تعلق بالوطء في الحيض فثبت قبل الغسل كالتحريم
ولنا : أن وجوب الكفارة بالشرع وإنما ورد بها الخبر في الحائض وغيرها ولا يساويها لأن الأذى المانع من وطئها قد زال بانقطاع الدم وما ذكروه يبطل بما لو حلف لا يطأ حائضا فان الكفارة تجب بالوطء في الحيض ولا تجب في غيره
فصل : وهل تجب الكفارة على الجاهل والناسي ؟ على وجهين أحدهما تجب لعموم الخبر ولأنها كفارة تجب بالوطء أشبهت كفارة الوطء في الصوم والاحرام والثاني لا تجب ل [ قوله عليه السلام : عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ] ولأنها تجب لمحو المأثم فلا تجب مع النسيان ككفارة اليمين فعلى هذه لو وطىء طاهرا فحاضت في اثناء وطئه لا كفارة عليه وعلى الرواية الأولى عليه كفارة وهو قول ابن حامد قال : ولو وطىء الصبي لزمته الكفارة لعموم الخبر وقياسا على كفارة الاحرام ن ويحتمل أن لا يلزمه كفارة لأن أحكام التكليف لا تثبت في حقه وهذا من فروعها فلا تثبت
فصل : وهل تلزم المرأة كفارة ؟ المنصوص أن عليها الكفارة قال أحمد في امرأة غرت زوجها أن عليه الكفارة وعليها وذلك لأنه وطء يوجب الكفارة فأوجبها على المرأة المطاوعة ككفارة الوطء في الاحرام وقال القاضي : في وجوبها على المرأة وجهان أحدهما لا يجب لأن الشرع لم يرد بأيجابها عليها وإنما يتلقى الوجوب من الشرع وإن كانت مكرهة أو غير عالمة فلا كفارة عليها ل [ قوله عليه السلام : عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ]
فصل : والنفساء كالحائض في هذا لأنها تساويها في سائر أحكامها ويجزىء نصف دينار من أي ذهب كان إذا كان صافيا من الغش ويستوي تره ومضروبه لوقوع الاسم عليه وهل يجوز اخراج قيمته ؟ فيه وجهان أحدهما يجوز لأن المقصود يحصل باخراج هذه المقدار من المال على أي صفة كان من المال فجاز بأي مال كان كالخراج والجزية والثاني لا يجوز لأنه كفارة فاختص ببعض أنواع المال كسائر الكفارات فعلى هذا الوجه هل يجوز اخراج الدراهم مكان الدينار ؟ فيه وجهان بناء على اخراجها عنه في الزكاة والصحيح جوازه لما ذكرنا ولأنه حق يجزىء فيه أحد الثمنين فأجزأ فيه الآخر كسائر الحقوق ومصرف هذه الكفارة إلى مصرف سائر الكفارات لكونها كفارة ولأن المساكين مصرف حقوق الله تعالى وهذا منها

مسألة : وطىء الحائض قبل الغسل
مسألة : قال : فان انقطع دمها فلا توطأ حتى تغتسل
وجملته أن وطء الحائض قبل الغسل حرام وان انقطع دمها في قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر : هذا كالإجماع منهم وقال أحمد بن محمد المروذي : لا أعلم في هذا خلافا وقال أبو حنيفة : أن انقطع الدم لأكثر من الحيض حل وطؤها وان انقطع لدون ذلك لم يبح حتى تغتسل أو تتيمم أو يمضي عليها وقت صلاة لأن وجوب الغسل لا يمنع من الوطء بالجنابة
ولنا قول الله تعالى : { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله } يعني إذا اغتسل هكذا فسره ابن عباس ولأن الله تعالى قال في الآية : { ويحب المتطهرين } فأثنى عليهم فيدل على أنه فعل منهم أثنى عليهم به وفعلهم هو الاغتسال دون انقطاع الدم فشرط لأباحة الوطء شرطين انقطاع الدم والاغتسال فلا يباح إلا بهما كقوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } لما اشترط لدفع المال اليهم بلوغ النكاح والرشد لم يبح إلا بهما كذا ههنا ولأنها ممنوعة من الصلاة لحدث الحيض فلم يبح وطؤها كما لو انقطع لأقل الحيض وما ذكروه من المعنى منقوض بما إذا انقطع لأقل الحيض ولأن حدث الحيض آكد من حدث الجنابة فلا يصح قياسه عليه

مسألة : حكم وطىء المستحاضة
مسألة : قال : ولا توطأ مستحاضة إلا أن يخاف على نفسه
اختلف عن أحمد في وطء المستحاضة فروي ليس له وطؤها إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محظور وهو مذهب ابن سيرين و الشعبي و النخعي لما روى الخلال باسناده عن عائشة أنها قالت : المستحاضة لا يغشاها زوجها ولأن بها أذى فيحرم وطؤها كالحائض فان الله تعالى منع وطء الحائض معللا بالأذى بقوله : { قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } أمر باعتزالهن عقيب الأذى مذكورا بفاء التعقيب ولأن الحكم إذا ذكر مع وصف يقتضيه ويصلح له علل به كقوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } والأذى يصلح أن يكون علة فيعلل به وهو موجود في المستحاضة فيثبت التحريم في حقها فروي عن أحمد إباحة وطئها مطلقا من غير شرط وهو قول أكثر الفقهاء لما روى أبو داود عن عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها وقال : كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها ولأن حمنة كانت تحت طلحة وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف وقد سألتا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أحكام المستحاضة فلو كان حراما بينه لها وإن خاف على نفسه الوقوع في محظور أن ترك الوطء أبيح على الروايتين لأن حكمها أخف من حكم الحائض ولو وطئها من غير خوف فلا كفارة عليه لأن الوجوب من الشرع ولم يرد بإيجابها في حقها ولا هي في معنى الحائض لما بينهما من الاختلاف وإذا انقطع دمها أبيح وطؤها من غير غسل لأن الغسل ليس بواجب عليها أشبه سلس البول

مسألة وفصول : الوضوء لكل وقت للمستحاضة والمبتلي بسلس البول والمذي
مسألة : قال : والمبتلي بسلس البول وكثرة المذي فلا ينقطع كالمستحاضة يتوضأ لكل صلاة بعد أن يغسل فرجه
وجملته أن المستحاضة ومن به سلس البول أو المذي أو الجريح الذي لا يرقأ دمه وأشباههم ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث وشده والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه فالمستحاضة تغسل المحل ثم تحشوه بقطن أو ما أشبهه ليرد الدم ل [ قول النبي صلى الله عليه و سلم لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم : أنعت لك الكرسف فانه يذهب الدم فان لم يرتد الدم بالقطن استنفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنبيها ووسطها على الفرج ] وهو المذكور في حديث أم سلمة : [ لتستثفر بثوب ]
وقال لحمنة : [ تلجمي ] لما قالت : إنه أكثر من ذلك فإذا فعلت ذلك ثم خرج الجم فان كان لرخاوة الشد فعليها إعادة الشد والطهارة وإن كان لغلبة الخارج وقوته وكونه لا يمكن شده أكثر من ذلك لم تبطل الطهارة لأنه لا يمكن التحرز منه فتصلي ولو قطر الدم قالت عائشة : اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأن من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري وفي حديث [ صلي وأن قطر الدم على الحصير ] وكذلك من به سلس البول أو كثرة المذي يعصب رأس ذكره بخرقة ويحترس حسب ما يمكنه ويفعل ما ذكر وكذلك من به جرح يفور منه الدم أو به ريح أو نحو ذلك من الأحداث ممن لا يمكنه قطعه عن نفسه فان كان مما لا يمكن عصبه مثل من به جرح لا يمكن شده أو به باسور أو ناصور لا يتمكن من عصبه صلى على حسب حاله كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه حين طعن صلى وجرحه يثعب دما
فصل : ويلزم كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة إلا أن لا يخرج منه شيء وبهذا قال الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي وقال مالك : لا يجب الوضوء على المستحاضة وروي ذلك عن عكرمة و ربيعة واستحب مالك لمن به سلس البول أن يتوضا لكل صلاة إلا أن يؤذيه البرد فان آذاه قال : فأرجو أن لا يكون عليه ضيق في ترك الوضوء واحتجوا بأن حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش : فاغتسلي وصلي ] ولم يأمرها بالوضوء ولأنه ليس بمنصوص على الوضوء منه ولا في معنى المنصوص لأن المنصوص عليه الخارج المعتاد وليس هذا بمعتاد
ولنا : ما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده [ عن النبي صلى الله عليه و سلم في المستحاضة : تدع الصلاة أيام اقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة ] رواه أبو داود و الترمذي و عن عائشة قالت : [ جائت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت خبرها ثم قال : اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأنه خارج من السبيل فنقض الوضوء كالمذي إذا ثبت هذا فان طهارة هؤلاء مقيدة بالوقت ل [ قوله : تتوضأ عند كل صلاة ] و [ قوله : ثم توضئي لكل صلاة ] ولأنها طهارة عذر وضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم
فصل : فان توضأ أحد هؤلاء قبل الوقت وخرج منه شيء بطلت طهارته لأن دخوله يخرج به الوقت الذي توضأ فيه وخروج الوقت مبطل لهذه الطهارة كما قررناه ولأن الحديث مبطل للطهارة وإنما عفي عنه لعدم امكان التحرز عنه مع الحاجة إلى الطهارة وأن توضأ بعد الوقت صح وارتفع حدثه ولم يؤثر فيه ما يتجدد من الحدث الذي لا يمكن التحرز منه فإن دخل في الصلاة عقيب طهارته أو أخرها لامر يتعلق بمصلحة الصلاة كلبس الثياب وانتظار الجماعة أو لم يعلم أنه خرج منه شيء جاز وأن أخرها لغير ذلك ففيه وجهان : أحدهما الجواز لأنها طهارته أريدت للصلاة بعد دخول وقتها فأشبهت التيمم ولأنها طهارة ضرروة فتقيدت بالوقت كالتيمم والثاني : لا يجوز لأنه إنما أبيح له الصلاة بهذه الطهارة مع قيام الحدث للحاجة والضرورة ولا ضرورة ههنا وأن خرج الوقت بعد أن خرج منها شيء أو أحدثت حدثا سوى هذا الخارج بطلت الطهارة قال أحمد : في رواية أحمد بن القاسم إنما أمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والصلاة الفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى فتتوضأ أيضا وهذا يقتضي الحاقها بالتيمم في أنها باقية ببقاء الوقت يجوز لها أن تتطوع بها وتقضي بها الفوائت وتجمع بين الصلاتين ما لم تحدث حدثا آخر أو يخرج الوقت
فصل : ويجوز للمستحاضة الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد لـ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر حمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين بغسل واحد ] وأمر به سهلة بنت سهيل وغير المستحاضة من أهل الاعذار مقيس عليها وملحق بها

فصل : وضوء المستحاضة ثم انقطاع دمها
فصل : إذا توضأت المستحاضة ثم انقطع دمها فان تبين أنه انقطع لبرئها باتصال الانقطاع تبين أن وضوءها بطل بانقطاعه لأن الحدث الخارج مبطل للطهارة عفي عنه للعذر فإذا زال العذر زالت الضرورة وظهر حكم الحدث وأن عاد الدم فظاهر كلام أحمد أنه لا عبرة بهذا الانقطاع قال أحمد بن القاسم : سألت أبا عبد الله فقلت : إن هؤلاء يتكلمون بكلام كثير ويؤقتون بوقت يقولون إذا توضأت للصلاة وقد انقطع الدم ثم سال بعد ذلك قبل أن تدخل في الصلاة تعيد الوضوء ويقولون : إذا كان الدم سائلا فتوضأت ثم انقطع الدم قولا آخر قال : لست أنظهر في انقطاعه حين توضأت سال أم لم يسيل إنما آمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمرها بالوضوء لكل صلاة من غير تفصيل فالتفصيل يخالف مقتضى الخبر ولأن اعتبار هذا يشق والعادة في المستحاضة وأصحاب هذه الأعذار أن الخارج يجري وينقطع واعتبار مقدار الانقطاع فيما يمكن فعل العبادة فيه بشق وإيجاب الوضوء به حرج لم يرد الشرع به ولا سأل عنه النبي صلى الله عليه و سلم المستحاضة التي استفتته فيدل ذلك ظاهرا على عدم اعتباره مع قول الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أحد من الصحابة هذا التفصيل وقال القاضي و ابن عقيل : أن تطهرت الستحاضة حال جريان دمها ثم انقطع قبل دخولها في الصلاة ولم يكن لها عادة بانقطاعه لم يكن لها الدخول في الصلاة حتى تتوضأ لأنها طهارة عفي عن الحدث فيها لمكان الضرورة فإذا انقطع الدم زالت الضرورة فظهر حكم الحدث كالتيمم إذا وجد الماء فإن دخلت في الصلاة فاتصل الانقطاع زمنا يمكن الوضوء والصلاة فيه فهي باطلة لاننا تبينا بطلان طهارتها بانقطاعه وإن عاد قبل ذلك فطهارتها صحيحة لأننا تبينا عدم الطهر المبطل للطهارة فأشبه ما لو ظن أنه أحدث ثم تبين أنه لم يحدث وفي صحة الصلاة وجهان أحدهما يصح لأننا تبينا صحة طهارتها لبقاء استحاضتها والثاني لا يصح لأنها صلت بطهارة لم يكن لها أن تصلي بها ولم تصح كما لو تيقن الحدث وشك في الطهارة فصلى ثم تبين أنه كان متطهرا وإن عاودها الدم قبل دخولها في الصلاة لمدة تتسع للطهارة والصلاة بطلت الطهارة وإن كانت لا تتسع لم تبطل لأننا تبينا عدم الطهر المبطل للطهارة فأشبه ما لو ظن أنه أحدث فتبين أنه لم يحدث وإن كان انقطاعه في الصلاة ففي بطلا الصلاة به وجهان مبنيان على المتيمم يرى الماء في الصلاة ذكر ذلك ابن حامد وأن عاود الدم فالحكم فيه على ما مضى في انقطاعه في غير الصلاة وإن توضأت في زمن انقطاعه ثم عاودها الدم قبل الصلاة أو فيها أو كانت مدة انقطاعه تتسع للطهارة والصلاة - بطلت طهارتها بعود الدم لأنها بهذا الانقطاع صارت في حكم الطاهرات فصار عود الدم كسبق الحدث وأن كان انقطاعا لا يتسع لذلك لم يؤثر عوده لأنها مستحاضة ولا حكم لهذا الانقطاع وهذا مذهب الشافعي وقد ذكرنا من كلام أحمد ما يدل على أنه لا عبرة بهذا الانقطاع بل متى كانت مستحاضة أو بها عذر من هذه الاعذار فتحرزت وتطهرت فطهارتها صحيحة وصلاتها بها ماضية ما لم يزل عذرها وتبرأ من مرضها أو يخرج وقت الصلاة أو تحدث حدثا سوى حدثها
فصل : فإن كانت لها عادة بانقطاع الدم زمنا لا يتسع للطهارة والصلاة فتوضأت ثم انقطع دمها لم يحكم ببطلان طهارتها ولا صلاتها إن كانت فيها لأن هذا الانقطاع لا يفيد المقصود وإن اتصل الانقطاع وبرأت وكانت قد جرى منها دم بعد الوضوء بطلت طهارتها والصلاة لأننا تبينا أنها صارت في حكم الطاهرات بذلك الانقطاع وإن اتصل زمنا يتسع للطهارة والصلاة فالحكم فيها كالحكم في التي لم يجر لها عادة بانقطاعه على ما ذكر فيه وإن كانت لها عادة بانقطاعه زمنا يتسع للطهارة والصلاة لم تصل حال جريان الدم وتنتظهر امساكه إلا أن تخشى خروج الوقت فتتوضأ وتصلي فأن شرعت في الصلاة في آخر الوقت بهذه الطهارة فأمسك الدم عنها بطلت طهارتها لأنها أمكنتها الصلاة بطهارة غير ضرورية فلم تصح صلاتها بغير المستحاضة فأن كان زمن امساكه يختلف فتارة يتسع وتارة لا يتسع فهي كالتي قبلها إلا أن تعلم أن انقطاعه في الوقت لا يتسع ويحتمل أنها إذا شرعت في الصلاة ثم انقطع الدم لا تبطل صلاتها لأنها شرعت فيها بطهارة يقينية وانقطاع الدم يحتمل أن يكون متسعا فتبطل ويحتمل أن يكون ضيقا فلا تبطل ولا يزول اليقين بالشك فإن اتصل الانقطاع تبينا أنه كان مبطلا الطهارة والصلاة به

مسائل وفصول : أحكام النفاس - النفاس وأقله
مسألة : قال : وأكثر النفاس أربعون يوما
هذا قول أكثر أهل العلم قال أبو عيسى الترمذي : أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي وقال أبو عبيد وعلى هذا جماعة الناس وروي هذا عن عمر وابن عباس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو وأنس وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي وقال مالك و الشافعي : أكثره ستون يوما وحلى ابن عقيل عن أحمد رواية مثل قولهما لأنه روي عن الأوزاعي أنه قال : عندنا امرأه ترى النفاس شهرين وروي مثل ذلك عن عطاء أنه وجده والمرجع في ذلك إلى الوجود قال الشافعي : غالبه أربعون يوما
ولنا : ما روي أبو سهل كثير بن زياد عن مسة الأزدية عن أم سلمة قالت : كانت النفساء تجلس على عهد النبي صلى الله عليه و سلم أربعون يوما وأربعون ليلة رواه أبو داود و الترمذي وقال الحديث لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل وهو ثقة قال الخطابي أثنى محمد بن إسماعيل على هذا الحديث وروى الحكم بن عتيبة [ عن مسة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنها سألته كم تجلس المرأة إذا ولدت ؟ قال : ( اربعون يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ] رواه الدارقطني ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم فكان إجماعا وقد حكاه الترمذي إجماعا ونحوه حكى أبو عبيد وما حكوه عن الأوزاعي يحتمل أن الزيادة كانت حيضا أو استحاضة كما لو زاد دمها عن الستين أو كما لو زاد دم الحائض على خمسة عشر يوما
فصل : فأن زاد دم النفساء على اربعين يوما فصادف عادة الحيض فهو حيض وإن لم يصادف عادة فهو استحاضة قال أحمد : إذا استمر بها الدم فان كان في أيام حيضها الذي تقعده أمسكت عن الصلاة ولم يأتها زوجها وإن لم يكن لها أيام كانت بمنزلة المستحاضة يأتيها زوجها وتتوضأ لكل صلاة وتصوم وتصلي إن أدركها رمضان ولا تقضي وهذا يدل على مثل ما قلنا
مسألة : قال : وليس لأقله حد أي وقت رأت الطهر اغتسلت وهي طاهر ولا يقربها زوجها في الفرج حتى تتم الأربعين استحبابا
وبهذا قال الثوري و الشافعي وقال مالك و الأوزاعي و أبو عبيد : إذا تر دما تغتسل وتصلي وقال محمد بن الحسن و أبو ثور : أقله ساعة وقال أبو عبيد : أقله خمسة وعشرون يوما
ولنا : أنه لم يرد في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد قليلا وكثيرا وقد روي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم تر دما فسميت ذات الجفوف قال أبو داود : ذاكرت أبا عبد الله حديث حديث جرير كانت امرأة تسمى الطاهر تضع أول النهار وتطهر آخره فجعل يعدب منه وقال علي رضي الله عنه : لا يحل للنفساء إذا رأت الطهر إلا أن تصلي ولأن اليسير دم وجد عقيب سببه وهو الولادة فيكون نفاسا كالكثير وقد روي عن أحمد : انها إذا رأت النقاء لدون اليوم لا تثبت لها أحكام الطاهرات قال يعقوب : سألت أبا عبد الله عن المرأة ضربها المخاض فتكون أيامها عشرا فترى النقاء قبل ذلك فتغتسل ثم ترى الدم من يومها ؟ قال : هذا أقل من يوم ليس عليها شيء فعلى هذا لا تثبت لها أحكام الطاهرات حتى ترى الطهر يوما كاملا ووجه ذلك أن الدم يجري تارة وينقطع أخرى فلا يخرج عن حكم النفاس بمجرد انقطاعه لأن ذلك يفضي إلى أن لا تسقط الصلاة عنها في نفاسها إذ ما وقت صلاة إلا يوجد فيه طهر يجب عليها الصلاة به وهذا يخالف النص والإجماع وإذا لم يعتبر مجرد انقطاع الدم فلا بد من ضابط للانقطاع المعدود طهرا واليوم يصلح أن يكون ضابطا لذلك فتعلق الحكم به
فصل : وأن ولدت ولم تر فهي طاهر لا نفاس لها لأن النفاس هو الدم ولم يوجد وفي وجوب الغسل عليها وجهان أحدهما لا يجب لأن الوجب من الشرع وإنما ورد الشرع بأيجابه على النفساء وليست هذه نفساء ولا في معناها لأن النفساء قد خرج منها دم يقتضي خروجه وجوب الغسل ولم يوجد ذلك فيمن لم يخرج منها والثاني يجب لأن الولادة مظنة للنفاس فتعلق الإيجاب بها كتعلقه بالتقاء الختانين وإن لم يوجد الإنزال
فصل : وإذا طهرت لدون الأربعين اغتسلت وصلت وصامت ويستحب أن لا يقربها زوجها قبل الأربعين قال أحمد : ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال : لا تقربيني ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطء فيكون واطئا في نفاس وهذا على سبيل الاستحباب فانا حكمنا لها بأحكام الطاهرات ولهذا يلزمها أن تغتسل وتصلي وتصوم وإن عاد دمها في مدة الأربعين ففيه روايتان : احدهما أنه من نفاسها تدع له الصوم والصلاة نقل عنه أحمد بن القاسم أنه قال : فان عاودها الدم قبل الأربعين أمسكت عن الصلاة والصوم فان طهرت أيضا اغتسلت وصلت وصامت وهذا قول عطاء و الشعبي لأنه دم في زمن النفاس فكان نفاسا كالأول وكما لو اتصل والثانية أنه مشكوك فيه تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم احتياطا وهذه الرواية المشهورة عنه نقلها الأثرم وغيره ولا يأتيها زوجها وإنما ألزمها فعل العبادات في هذا الدم لأن سببها متيقن وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه فلا يزول اليقين بالشك وأمرها بالقضاء احتياطا لأن وجوب الصلاة والصوم تيقن وسقوط الصوم بفعله في هذا الدم مشكوك فيه فلا يزول بالشك والفرق بين هذا الدم وبين الزائد على الست والسبع في حق الناسية حيث لا يجب قضاء ما صامته فيه مع الشك أن الغالب مع عادات النساء ست أو سبع وما زاد عليه نادر بخلاف النفاس ولأن الحيض يتكرر فيشق ايجاب القضاء فيه والنفاس بخلافه وكذلك الدم الزائد عن العادة في الحيض وقال مالك : أن رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة فهو نفاس وأن تباعد ما بينهما فهو حيض ولأصحاب الشافعي وجهان فيما إذا رأت الدم يوما وليلة بعد بعد طهر خمسة عشر يوما فهو دم فساد تصلي وتصوم ولا تقضي وهذا قول أبي ثور وإن كان الدم الثاني يوما وليلة فالحكم فيه كما قلناه من أنه تصوم وتصلي وتقضي الصوم
ولنا : أنه دم صادف زمن النفاس فكان نفاسا كما لو استمر ولا فرق بين قليلة وكثيرة لما ذكرناه من جعله حيضا فإنما خالف في العبارة فأن حكم الحيض والنفاس واحد وأما ما صامته في زمن الطهر فلا إعادة عليها فيه
فصل : إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان فهو نفاس نص عليه وان رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة فليس بنفاس وإن كان الملقى بضعة لم يتبين فيها شيء من خلق الإنسان ففيها وجهان أحدهما هو نفاس لأنه بدء خلق آدمي فكان نفاسا كما لو تبين فيها خلق آدمي والثاني ليس بنفاس لأنه لم يتبين فيها خلق آدمي فأشبهت النطفة
فصل : إذا ولدت المرأة توأمين فذكر أصحابنا عن أحمد روايتين فيها إحداهما أن النفاس من الأول كله أوله وآخر قالوا : وهي الصحيحة وهذا وقول مالك و أبي حنيفة فعلى هذا متى انقضت مدة النفاس من حين وضعت الأول لم يكن ما بعده نفاسا لأن ما بعد ولادة الأول دم بعد الولادة فكان نفاسا كالمنفرد وآخره منه لأن أوله منه فكان آخره منه كالمنفرد اختلف أصحابنا في الرواية الثانية فقال الشريف أبو جعفر و أبو الخطاب في رؤوس المسائل هي : أن أوله من الأول وآخره من الثاني وهذا قول القاضي في كتاب الروايتين لأن الثاني ولد فلا تنتهي مدة النفاس قبل انتهائها منه كالمنفرد فعلى هذا تزيد مدة النفاس على الأربعين في حق من ولدت توأمين وقال القاضي أبو الحسين في مسائله و أبو الخطاب في الهداية الرواية الثانية أنه من الثاني فقط وهذا قول زفر لأن مدة النفاس مدة تتعلق بالولادة فكان ابتداؤها وانتهاؤها من الثاني أنه من الثاني كمدة العدة فعلى هذا ما تراه من الدم قبل ولادة الثاني لا يكون نفاسا ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه كالأقوال الثلاثة وذكر القاضي أنه منهما رواية واحدة وإنما الخلاف في الدم الذي بين الولادتين هل هو نفاس أو لا وهذا ظاهرة إنكار لرواية من روى أن آخر النفاس من الأول
فصل : وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها ويسقط عنها لا نعلم في هذا خلافا وكذلك تحريم وطئها وحل مباشرتها والاستمتاع بم دون الفرج منها والخلاف في الكفارة بوطئها وذلك لأن دم النفاس هو دم الحيض إنما امتنع خروجه مدة الحمل لكونه ينصرف إلى غذاء الحمل فإذا وضع الحمل وانقطع العرق الذي كان مجرى الدم خرج من الفرج فيثبت حكمه كما لو خرج من الحائض ويفارق النفاس الحيض في أن العدة لا تحصل به لأنها تنقضي بوضع الحمل قبله ولا يدل على البلوغ لحصوله بالحمل قبله

مسألة وفصل : انتقال العادة عند الحائض
مسألة : قال : ومن كانت لها أيام فزادت على ما كانت تعرف لم تلتفت إلى الزيادة إلا أن تراه ثلاث مرات فتعلم حينئذ أن حيضها قد انتقل فتصير إليه فتترك الأول وإن كانت صامت في هذه الثلاث مرار أعادته إذا كان صوما واجبا وإذا رأت الدم قبل أيامها التي كانت تعرف فلا تلتفت إليه حتى يعاودها ثلاث مرات
وجملة ذلك إن المرأة إذا كانت لها عادة مستقرة في الحيض فرأت الدم في غير عادتها لم تعتد بما خرج من العادة حيضا حتى يتكرر ثلاثا في أحدى الروايتينأو مرتين في الأخرى نقل حنبل عن أحمد في امرأة لها أيام معلومة فتقدمت الحيضة قبل أيامها لم تلتفت إليها تصوم وتصلي فإن عاودها في الثانية مثل ذلك فإنه دم حيض منتقل ونقل الفضل بن زياد لا تنتقل إليه إلا في الثالثة فلتمسك عن الصلاة والصوم وفي لفظ له قال : سألت أبا عبدالله عن المرأة أيام أقرأئها معلومة فربما زاد في الأشهر الكثيرة على أيامها أقرائها أتمسك عن الصلاة أو تصلي ؟ قال : بل تصلي ولا تلتفت إلى ما زاد على اقرائها إلا أن يكون دم حيض تنتقل إليه أو نحو هذا قلت أتصلي إلى أن يصيبها ثلاث مرار ثم تدع الصلاة بعد ثلاث ؟ قال : نعم بعد ثلاث ففي هذه الرواية تصريح بأنها لا تعد الزيادة من حيضها إلا في المرة الرابعة وأنها تصلي وتصوم في المرات الثلاث وفي روايته الأولى يحتمل أنها تحتسبه من حيضها في المراة الثالثة لقوله لا تنتقل إليه إلا في الثالثة ويحتمل أنه أراد بعد الثالثة وفي رواية حنبل أحدهما أنها تنتقل إليه في المرة الثانية وتحتسبه من حيضها والثاني أنها لا تنتقل إليه إلا في الثالثة وأكثر الروايات عنه اعتبار التكرار ثلاثا فيما خرج عن العادة سواء رأت الدم قبل عادتها أو بعدها مع بقاء العادة أو أنقطاع الدم فيه أو في بعضها فأنها لا تجلس في غير أيامها حتى تتكرر مرتين أو ثلاثا فإذا تكرر علمنا أنه حيض منتقل فتصير إليه أي تترك الصلاة والصوم فيه وتصير عادة لها وتترك الأول أي العادة الأولى لأنها قد انتقلت عنها وصارت العادة أكثر منها أو غيرها ثم يجب عليها قضاء ما صامته من الفرض في هذه المرات الثلاث التي أمرناها بالصيام فيها لأننا تبينا إنها صامته في حيض والصوم في الحيض غير صحيح فأما الصلاة فليس عليها قضاؤها لأن الحائض لا تقضي الصلاة قال أبو عبد الله : ولا يعجبني أن يأتيها زوجها في الأيام التي تصلي فيها لأننا لا نأمن كونها حيضا وإنما تصلي احتياطا للعبادة وترك الوطء احتياطا أيضا فيجب كما تجب الصلاة وإن تجاوزت الزيادة أكثر الحيض فهي استحاضة ولا تجلس غير أيام العادة بكل حال ومثال ذلك امرأة عادتها ثلاثة أيام في أول كل شهر فرأت خمسة في أول الشهر أو رأت يومين من آخر الشهر الذي قبله والثلاثة االمعتادة أو طهرت الثلاثة ورأت ثلاثة بعده أو أكثر منها أو أقل قبلها أو بعدها أو طهرت اليوم الأول ورأت ثلاثة بعده أو أكثر منها أو طهرت يومين ورأت يومين بعده أو أكثر منها أو رأت الدم يومين في آخر الشهر ويوما في أوله وما أشبه ذلك فانها لا تجلس في جميع هذه الصور ما عدا الأول من الشهر حتى تتكرر ل [ قول النبي صلى الله عليه و سلم اجلسي قدر ما كنت تحبسك حيضتك ] ولأ لها عادة فردت إليها كالمستحاضة وقال أبو حنيفة : ما رأته قبل العادة ليس بحيض حتى يتكرر مرتين وما تراه بعدها فهو حيض وقال الشافعي : جميعه حيض ما لم تتجاوز أكثر الحيض وهذا أقوى عندي لأن عائشة رضي الله عنها كانت يبعث إليها النساء بالدرجة فيها الصفرة والكدرة فتقول : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ومعناه لاتعجلن بالغسل حتى ينقطع الدم وتذهب الصفرة والكدرة ولا يبقى شيء يخرج من المحل بحيث إذا دخلت فيه قطنة خرجت بيضاء ولو لم تعد الزيادة حيضا للزمها الغسل عند انقضاء العادة وأن كان الدم جاريا ولأن الشارع علق على الحيض أحكاما ولم يحده فعلم أنه رد الناس فيه إلى عرفهم والعرف بين النساءء أن المرأة متى رأت دما يصلح أن يكون حيضا اعتقدته حيضا ولو كان عرفهن اعتبار العادة على الوجه المذكور لنقل ولم يجز التواطؤ على كتمانه مع دعاء الحاجة إليه ولذلك [ لما كان بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم معه في الخميلة فجاءها الدم فانسلت من الخميلة فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم : مالك أنفست ؟ قالت : نعن فأمرها أن تأتزر ] ولم يسألها النبي صلى الله عليه و سلم هل وافق العادة أو جاء قبلها ولا هي ذكرت ذلك ولا سألت عنه وإنما استدلت على الحيضه بخروج الدم فأقرها عليه النبي صلى الله عليه و سلم وكذلك حين حاضت عائشة في عمرتها في حجة الوداع إنما علمت الحيضة برؤية الدم لا غير ولم تذكر عادة ولا ذكرها لها النبي صلى الله عليه و سلم والظاهر أنه لم يأت في العادة لأن عائشة استكرهته واشتد عليها وبكت حين رأته وقالت : وددت أني لم أكن حججت العام ولو كانت تعلم لها عادة تعلم مجيئه فيها وقد جاء فيها ما أنكرته ولا صعب عليها ولو كانت العادة معتبرة على الوجه المذكور في المذهب لبينه النبي صلى الله عليه و سلم لامته ولما وسعه تأخير بيانه إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقته وأزواجه وغيرهن نم النساء يحتجن إلى بيان ذلك في كل وقت فلم يكن ليغفل بيانه وما جاء عنه عليه السلام ذكر العادة ولا بيانها إلا في حق المستحاضة لا غير وأما المرأة طاهر ترى الدم في وقت يمكن أن يكون حيضا ثم ينقطع عنها فلم يذكر في حقها عادة أصلا ولأننا لو اعتبرنا التكرار فيما خرج عن العادة أدى إلى خلو نساء عن الحيض بالكلية مع رؤيتهن الدم في زمن الحيض وصلاحية أن يكون حيضا بيانه أن المرأة إذا رأت الدم في غير أيام عادتها وطهرت أيام عادتها لم تمسك عن الصلاة عن الصلاة ثلاثة أشهر فإذا انتقلت في الشهر الرابع إلى أيام أخر لم نحيضها أيضا ثلاثة أشهر وكذلك أبدا فيفضي إلى أخلائها من الحيض بالكلية ولا سبيل إلى هذا فعلى هذا القول تجلس ما تراه من الدم عادتها وبعدها ما لم يزد على اكثر الحيض فأن زاد على أكثره علمنا أنه استحاضة فرددناها إلى عادتها ويلزمها قضاء ما تركته من الصلاة والصيام فيما زاد على عادتها لأننا تبينا أنه ليس بحيض وإنما هو استحاضة
فصل : فإن كانت لها عادة فرأت الدم اكثر منها وجاوز اكثر الحيض فهي مستحاضة وحيضها منه قدر العادة لا غير ولا تجلس بعد ذلك من الشهور المستقبلة إلا قدر العادة ولا أعلم في هذا خلافا عند من اعتبر العادة فأما أن كانت عادتها ثلاثة من كل شهر فرأت في شهر خمسة أيام ثم استحيضت في الشهر الآخر فإنها لا تجلس مما بعده من الشهور إلا ثلاثة ثلاثة وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : تجلس خمسة من كل شهر وهذا مبني على أن العادة لا تثبت به العادة وأن رأت الخمسة في ثلاثة أشهر ثم استحيضت انتقلت إليها وجلست من كل شهر خمسة بغير خلاف بينهم

مسألة وفصول : حكم الطهر بين الدمين
مسألة : قال : ومن كانت لها أيام فرأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر تغتسل وتصلي فان عاودها الدم لم تلتفت إليه حتى تجيء أيامها
الكلام في هذه المسألة في فصلين أحدهما في الطهر بين الدمين والثاني في حكم الدم العائد بعده
فصل : أما الأول فان المرأة متى رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتلزمها الصلاة والصيام سواء رأته في العادة أو بعد انقضائها ولم يفرق أصحابنا بين قليل الطهر وكثيره لقول ابن عباس أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل ويتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطهر بناء على الرواية التي حكيناها في النفاس أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم وهو الصحيح إن شاء الله لأن الدم يجري مرة وينقطع أخرى وفي ايجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد حرج ينتفي بقوله : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ولأننا لو جعلنا انقطاع الدم ساعة طهرا ولا تلتفت إلى ما بعده من الدم أفضى إلى أن يستقر لها حيض فعلى هذا لا يكون انقطاع الدم أقل من يوم طهرا إلا أن ترى ما يدل عليه مثل أن يكون انقطاعه في آخره عادتها أو ترى القصة البيضاء وهي القطنة التي تحشوها المرأة إذا خرجت بيضاء كما دخلت لا تغير عليها فهي القصة البيضاء بضم القاف حكي ذلك عن الزهري وروي عن إمامنا أيضا وقال أبو حنيفة ليس النقاء بين الدمين طهرا بل لو صامت فيه فرضا لم يصح ولزمها قضاؤهولا يجب عليها فيه صلاة ولا يأتيها زوجها فيكون الدمان وما بينهما حيضا وهو أحد قولي الشافعي لأن الدم يسيل تارة وينقطع أخرى ولأنه لو لم يكن من الحيض لم يحتسب من مدته
ولنا : قول الله تعالى : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } وصف الحيض بكونه أذى فإذا ذهب الأذى وجب أن يزول الحيض وقال ابن عباس : اما ما رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل وقالت عائشة : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ولأنها صامت وهي طاهر فلم يلزمها القضاء كما لو لم يعد الدم فأما قولهم : أن الدم يجري تارة وينقطع اخرى قلنا : لا عبرة بالانقطاع اليسير وإنما إذا وجد انقطاع كبير يمكن فيه الصلاة والصيام وتتأدى العبادة فيه وجبت عليها لعد المانع من جوبها
فصل : الفصل الثاني : إذا عاودها الدم فلا يخلو أما أن يعاودها في العادة أو بعدها فأن عادوها في العادة ففيه روايتان إحداهما : أنه من حيضها لأنه صادف زمن العادة فأشبه ما لو لم ينقطع وهذا مذهب الثوري و أصحاب الرأي و الشافعي والثانية ليس بحيض وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن أبي موسى و مذهب عطاء لأنه عاد طهر صحيح فأشبه ما لو عاد بعد العادة وعلى هذه الرواية يكون حكمه حكم ما لو عاد بعد العادة على ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله وقد روي عن أحمد رحمه الله إذا كانت أيامها فقعدت خمسا ثم رأت الطهر فانها تصلي فإذا كان اليوم التاسع أو الثامن فرأت الدم صلت وصامت وتقضي الصوم وهذا على سبيل الاحتياط لوجود التردد في هذا الدم فأشبه دم النفساء العائد في مدة النفاس فان رأته في العادة وتجاوز العادة لم يخل من أن يعبر أكثر الحيض أو لا يعبر فان عبر أكثر الحيض فليس بحيض لأن بعضه ليس بحيض فيكون كله استحاضة لأنه متصل به فكان أقرب إليه فإلحاقه بالاستحاضة أقرب من إلحاقه بالحيض لانفصاله عنه
وإن انقطع لأكثره فما دون قال : إن ما لم يعبر العادة ليس بحيض فهذا أولى أن لا يكون حيضا ومن قال : هو حيض ففي هذا على قوله ثلاثة أوجه أحدها : أن جميعه حيض بناء على الوجه الذي ذكرنا في أن الزائد على العادة حيض ما لم يعبر أكثر الحيض والثاني أن ما وافق العادة حيض لموافقته العادة وما زاد عليها فليس بحيض لخروجه عنها والثالث أن الجميع ليس بحيض لاختلاطه بما ليس بحيض فان تكرر فهو حيض على الروايتين جميعا فأما أن عاد بعد العادة لم يخل من حالين أحدهما أن لا يمكن كونه حيضا والثاني أن يمكن ذلك فإن لم يمكن كونه حيضا لعبوره أكثر الحيض وأنه ليس بينه وبين الدم أقل الطهر فهذا استحاضة كله سواء تكرر أو لم يتكرر لأنه لا يمكن جعل جميعه حيضا فكان جميعه استحاضة لأن الحاق بعضه ببعض أولى من الحاقه بغيره والثاني أن يمكن جعله حيضا وذلك يتصور في حالين أحدهما أن يكون بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما فإذا تكرر جعلناها حيضة واحدة ويلفق أحدهما إلى الآخر ويكون الطهر الذي بينهما طهرا في خلال الحيض والصورة الثانية أن يكون بينهما أقل الطهر اما ثلاثة عشر يوما أو خمسة عشر يوما ويكون كل واحد من الدمين يصلح أن يكون حيضا بمفرده بأن يكون يوما وليلة فصاعدا فهذا إذا تكرر كان الدمان حيضتين وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض فهو دم فساد إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده ومثال ذلك ما لو كانت عادتها عشرة من أول الشهر فرأت خمسة منها دما وطهرت خمسة ثم رأت خمسة دما وتكرر ذلك فالخمسة الأولى والثانية حيضة واحدة تلفق الدم الثاني إلى الأول وأن رأت الثاني ستة أو سبعة لم يمكن أن يكون حيضا لأن طرفيها أكثر من خمسة عشر يومن وليس بينهما أقل الطهر وأن رأت يوما دما وثلاثة عشر طهرا ثم رأت دما وتكرر هذا كانا حيضتين وصار شهرها أربعة عشر يوما وكذلك أن رأت يومين دما وثلاثة عشر طهرا ثم رأت يومين وثلاثة عشر طهرا ثم رأت يومين دما وتكرر شهرها خمسة عشر يوما ولا بينهما أقل الطهر وأن كان بينهما اثنا عشر يوما طهرا لم يكن كونهما جميعا حيضا لأنه لا يمكن كونهما حيضة واحدة لزيادتهما بما بينهما من الطهر على أكثر الحيض ولا يمكن جعلهما حيضتين لأنه ليس بينهما أقل الطهر فيكون حيضها منهما ما وافق العادة والآخر استحاضة وعلى هذا كل ما يتفرع من المسائل إلا أنها لا تلتفت إلى ما رأته بعد الطهر فيما خرج عن العادة حتى يتكرر مرتين أو ثلاثة فإن تكرر وأمكن جعله حيضا فهو حيض وإلا فلا وكل موضع رأت الدم ولم تترك العبادة فيه ثم تبين أنه كان حيضا فعليها قضاء الصوم المفروض فيه وكل موضع عدته حيضا وتركت فيه العبادة ثم تبين أنه طهر فعليها قضاء ما تركته من الواجبات فيه
فصل : واختلف أصحابنا في مراد الخرقي رحمه الله بقوله : فان عاودها الدم فلا تلتفت إليه فقال أبو الحسن التميمي و القاضي و ابن عقيل : أراد إذا عاودها بعد العادة وعبر أكثر الحيض بدليل أنه منعها أن تلتفت إليه مطلقا ولو أراد غير ذلك حتى يتكرر قال القاضي : ويحتمل أنه أراد إذا عاودها بعد العادة ولم يعبر فإنها لا تلتفت إليه قبل التكرار وقال أبو حفص العكبري : أراد معاودة الدم في كل حال سواء كان في العادة أو بعدها لأن لفظه مطلق يتناول باطلاقه الزمان كله وهذا أظهر إن شاء الله وما ذكروه من الترجيح معارض بمثله وهو أن قولهم يحتاج إلى اضمار عبور أكثر الحيض وليس هذا أولى من إضمار التكرار فيتساويان ويسلم الترجيح الذي ذكرناه

فصل : في التلفيق معنى التلفيق في الحيض وحكمه
فصل : ومعناه ضم الدم الذين بينهما طهر وقد ذكرنا إن الطهر في اثناء الحيضة طهر صحيح فإذا رأت يوما طهرا دما ولم يجاوز أكثر الحيض فإنها تضم الدم فيكون حيضا وما بينهما من النقاء طهر على ما قررناه ولا فرق بين أن يكون زمن الدم اكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه مثل أن ترى يومين دما ويوما طهرا أو يومين طهرا ويوما دما أو أقل أو أكثر فان جميع الدم حيض إذا تكرر ولم يجاوزلمدة أكثر الحيض فإن كان الدم اقل من يوم مثل أن ترى نصف يوم دما ونصفه طهرا أو ساعة وساعة فقال أصحابنا : هو كالأيام يضم الدم إلى الدم فيكون الدم حيضا إلا أن يتقدمه حيض صحيح متصل وهذا كله مذهب الشافعي وله قول في النقاء بين الدمين أنه حيض وقد ذكرنا أيضا وجها لنا في أن النقاء متى كان أقل من يوم لم يكن طهرا فعلى هذا متى نقص النقاء عن يوم كان الدم وما بينه حيضا كله فأن جاوز الدم اكثر الحيض بأن يكون بين طرفيه أكثر من خمسة عشر يوما مثل أن ترى يوما دما ويوما طهرا إلى ثمانية عشر يوما فهي مستحاضة لا تخلو من أن تكون معتادة أو مميزة أو لا عادة لها ولا تمييز أو يوجد في حقها الأمران فإن كانت معتادة مثل أن يكون حيضها خمسة أيام في أول كل شهر فهذه تجلس أول يوم ترى الدم فيه في العادة وتغتسل عند انقطاعه وما بعد ذلك مبني على الروايتين في الطهر في أثناء الحيضة هل يمنع ما يعده أن يكون حيضا أو لا ؟ فان قلنا : يمنع فحيضها اليوم خاصة وما بعده استحاضة وإن قلنا : لا يمنع فحيضها اليوم الأول والثالث والخامس فيحصل لها من عادتها أيام والباقي استحاضة وفي وجه آخر أنه يلفق لها الخمسة من أيام الدم جميعها فتجلس السابع والتاسع والصحيح الأول لأن هذين اليومين ليسا من عادتها فلا تجلسهما كغير الملفقة وإن كانت مميزة جلست زمان الدم الأسود من الأيام فكان حيضها وباقيه استحاضة وإن كانت مبتدأة جلست اليقين ي ثلاثة أشهر من أول دم تراه أو في شهرين ثم تنتقل بعد ذلك إلى ستة أيام أو سبعة وهل يلفق لها السبعة من خمسة عشر يوما أو تجلس أربعة أيام من سبعة أيام ؟ على وجهين كما قلنا فيمن عادتها سبعة أيام فإذا قلنا تجلس زمان الدم من سبعة جلست الأول والثالث والخامس والسابع وإن أجلسناها ستة أيام سقط السابع وإن قلنا تلفق لها زادت التاسع والحادي عشر إن قلنا تجلس ستة وإن جلست سبعة زادت الثالث عشر وهكذا الحكم في الناسية وهذا قولي الشافعي إلا أنه لا يلفق لها عدد أيامها في أحد الوجهين وقال القاضي : في المعتادة كما ذكرنا وفي غيرها ما عبر الخمسة عشر استحاضة وأيام الدم من الخمسة عشر حيض كلها إذا تكرر فإن كان يوما ويوما فلها ثمانية أيام حيض وسبعة طهر وأن كانت انصافا فلها سبعة أيام ونصف حيض ومثلها طهر وهذ قول ابن بنت الشافعي لأن الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وما بعده فانها فيما بعده في حكم الطاهرات نأمرها بالصلاة والصيام
ولنا : أن الطهر لو ميز بعد الخامس عشر لميز قبله كتميز اللون والحكم فيما إذا كان أنصافا أو مختلفا يوما دما وأياما طهرا أو يوما طهرا وأياما دما كالحكم في الأيام الصحاح المتساوية إلا أنه كان الجزء الذي ترى الدم فيه أولا أقل من أقل الحيض ففيه وجه أنه لا يكون حيضا حتى يسبقه دم متصل يصلح أن يكون حيضا وإن قلنا : الطهر يمنع ما بعده من كونه حيضا قبل التكرار وجاء في العادة فأنها تضم إلى الأول والثانية ثم تنتقل إلى ما تكرر في المرة الثالثة أو الرابعة على اختلاف الوجهين وإذا رأت أقل من أقل الحيض ثم طهرت ثلاثة عشر يوما ثم رأت دما مثل ذلك وقلنا أقل الطهر ثلاثة عشر يوما فهو دم فساد لأنه لا يصلح أن يكون حيضة واحدة لفصل أقل الطهر بينهما ولا حيضتين لنقصان كل واحد منهما عن أقل الحيض وإن قلنا أقل الطهر خمسة عشر ضممنا الأول إلى الثاني فكانا واحدة إذا بلغا بمجموعهما أقل الحيض وإن كان كل واحد من الدمين يبلغ أقل الحيض فهما حيضتان إن قلنا : أقل الطهر ثلاثة عشر وإن قلنا : أقله خمسة عشر ضممنا الثاني ألى الأول فكانا حيضا واحدا إذا لم يكن بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما فإن كان بين طرفيهما خسمة عشر يوما لم يكن جعلهما جميعا فيجعل أحدهما حيضا والآخر استحاضة وعلى هذا فقس

مسألة : حكم الدم الذي تراه الحامل
مسألة : قال : والحامل لا تحيض إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس
مذهب أبي عبد الله رحمه الله أن الحامل لا تحيض وما تراه من الدم فهو دم فساد وهو قول جمهور التابعين منهم سعيد بن المسيب و عطاء و الحسن و جابر بن زيد و عكرمة و محمد بن المنكدر و الشعبي و مكحول و حماد و الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة و ابن المنذر و أبو عبيد و أبو ثور وروي عن عائشة رضي الله عنها والصحيح عنها أنها إذا رأت الدم لا تصلي وقال مالك و الشافعي و الليث : ما تراه من الدم حيض إذا أمكن وروي ذلك عن الزهري و قتادة و إسحاق لأنه دم صادف عادة فكان حيضا كغير الحامل
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا توطأ حامل حتى توضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ] جعل وجود الحيض علما على براءة الرحم فدل ذلك على أنه لا يجتمع معه واحتج إمامنا بـ [ حديث سالم عن أبيه أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه و سلم فقال : مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ] فجعل الحمل علما على عدم الحيض كما جعل الطهر علما عليه ولأنه زمن لا يعتادها الحيض فيه غالبا فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالآيسة قال أحمد : إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم وقول عائشة : يحمل على الحبلى التي قاربت الوضع جميعا بين قوليها فان الحامل إذا رأت الدم قريبا من ولادتها فهو نفاس تدع له الصلاة كذلك قال إسحاق : وقال الحسن : إذا رأت الدم على الولد أمسكت عن الصلاة وقال يعقوب بن بختان : سألت أحمد عن المرأة إذا ضربها المخاض قبل الولادة بيوم أو يومين تعيد الصلاة ؟ قال : لا وقال إبراهيم النخعي : إذا ضربها المخاض فرأت الدم قال : هو حيض قول أهل المدينة و الشافعي وقال عطاء : تصلي ولا تعده حيضا ولا نفاسا
ولنا : أنه دم خرج بسبب الولادة فكان نفاسا كالخارج بعده وإنما يعلم خروجه بسبب الولادة إذا كان قريبا منها ويعلم ذلك برؤية اماراتها من المخاض ونحوه في وقته : فأما أن رأت الدم من غير علامة على قرب الوضع لم تترك له العبادة لأن الظاهر أنه دم فساد تبين كونه قريبا من الوضع كوضعه بعده بيوم أو بيومين أعادت الصوم المفروض إن صامته فيه وإن رأته عند علامة على الوضع تركت العبادة فان تبين بعده عنها أعادت ما تركته من العبادات الواجبة لأنها تركتها من غير حيض ولا نفاس

مسألة : حكم المرأة الكبيرة التي ترى الدم حكم المستحاضة
مسألة : قال : وإذا رأت الدم ولها خمسون سنة فلا تدع الصوم ولا الصلاة وتقضي الصوم احتياطا فان رأته بعد الستين فقد زال الأشكال وتيقن أنه ليس بحيض فتصوم وتصلي ولا تقضي
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة فالذي نقل الخرقي ههنا أنها لا تيأس من الحيض يقينا إلى ستين سنة وما تراه فيما بين الخمسين والستين مشكوك فيه لا تترك له الصلاة ولا الصوم لأن وجوبهما متيقن فلا يسقط بالشك وتقضي الصوم المفروض احتياطا لأن وجويه كان متيقنا وما صامته في زمن الدم مشكوك في صحته فلا يسقط به ما تيقن وجوبه وروي عنه ما يدل على أنها بعد الخمسين لا تحيض وكذلك قال إسحاق بن راهويه : ولا يكون حيضا بعد الخمسين ويكون حكمها فيما تراه من الدم حكم المستحاضة لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إذا بلغت خمسين سنة خرجت من حد الحيض وروي عنها أنها قالت : لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد الخمسين وروي عنه أن نساء الأعاجم ييأسن من المحيض في خمسين وسناء بني هاشم وغيرهم من العرب إلى ستين سنة وهو قول أهل المدينة لما روى الزبير بن بكار في كتاب النسب عن بعضهم أنه قال : لا تلد لخمسين سنة إلا العربية ولا تلد لستين إلا قرشية وقال : أن هندا بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالت ولها ستون سنة وقال أحمد في امرأة من العرب رأت الدم بعد الخمسين إن عاودها مرتين أو ثلاثا فهو حيض وذلك لأن المرجع في هذا إلى الوجود وقد وجد حيض من نساء ثقاة أخبرن به عن أنفسهن بعد الخمسين فوجب اعتقاد كونه حيضا كما قبل الخمسين ولأن الكلام فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها على وجه كانت تراه قبل ذلك فالوجود ههنا دليل الحيض كما كان قبل الخمسين دليلا فوجب جعله حيضا وأما إيجاب الصلاة والصوم فيه فللاحتياط لوقوع الخلاف فيه والصحيح أنه لا فرق بين نساء العرب وغيرهن لأنهن لا يختلفن في سائر أحكام الحيض فكذلك في هذا وما ذكر عن عائشة لا حجة فيه لأن وجود الحيض أمر حقيقي المرجع فيه إلى الوجود والوجود لا علم لها به ثم قد وجد بخلاف ما قالته فان موسى بن عبدالله بن حسن قد ولدته أمه بعد الخمسين ووجد الحيض فيما بعد الخمسين على وجهه فلا يمكن انكاره فأن قيل : هذا الدم ليس بحيض مع كونه على صفته وفي وقته وعادته بغير نص فهذا تحكم لا يقبل فأما بعد الستين فقد زال الاشكال وتيقن أنه ليس بحيض لأنه لم يوجد وقد علم أن للمرأة حالا تنتهي فيه إلى الاياس لقول الله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم } قال أحمد : في المرأة الكبيرة ترى الدم لا يكون حيضا هو بمنزلة الجرح وان اغتسلت فحسن وقال عطاء هي بمنزلة المستحاضة ومعنى القولين واحد وذلك لأن هذا الدم إذا لم يكن حيضا فهو دم فساد وحكمها حكم حكم المستحاضة ومن به سلس البول على ما مر حكمهما

فصل : أقل سن الحيض
فصل : وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين لأن الصغيرة لا تحيض بدليل قول الله تعالى : { واللائي لم يحضن } ولأن المرجع فيه إلى الوجود ولم يوجد من النساء من يحضن عادنة فيما دون هذا السن ولأن دم الحيض إنما خلقه الله لحكمة تربية الحمل به فمن لا تصلح للحمل لا توجد فيها حكمته فينتفي لانتفاء حكمته كالمني فانهما متقاربان في المعنى فان أحدهما يخلق منه الولد والآخر يربيه ويغذيه وكل واحد منهما لا يوجد من صغير ووجوده علم على البلوغ وأقل سن تبلغ له الجارية تسع سنين فكان ذلك أقل سن تحيض له وقد روي عن عائشة أنها قالت : [ إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ] وروي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم والمراد به حكمها حكم المرأة وهذا قول الشافعي وقد حكي عنه أنه قال : رأيت جدة بنت احدى وعشرين سنة وهذا يدل على أنها حملت لدون عشر سنين وحلمت ابنتها لمثل ذلك فعلى هذا إذا رأت بنت تسع سنين دما تركت الصلاة لأنها في زمن يصلح للحيض فان اتصل يوما وليلة فهو حيض يثبت به بلوغها وتثبت فيه أحكام الحيض كلها وإن انقطع لدون ذلك فهو دم فساد لا يثبت به شيء مما ذكرنا وإن رأت الدم لدون تسع سنين فهو دم فساد على كل حال لأنه لا يجوز أن يكون حيضا وقد روى الميموني عن أحمد بنت عشر رأت الدم : ليس بحيض فعلى هذا ليس التسع ولا العشر زمنا للحيض قال القاضي فيجب على هذا أن يقال أول زمن يصح في وجود الحيض ثنتا عشرة سنة لأنه الزمان الذي يصح فيه بلوغ الغلام والأول أصح

مسألة وفصل : طهارة المستحاضة
مسألة : قال : والمستحاضة أن اغتسلت لكل صلاة فهو أشد ما قيل فيها وأن توضأت لكل صلاة اجزأها
اختلف أهل العلم في المستحاضة فقال بعضهم : يجب عليها الغسل لكل صلاة روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وهو أحد قولي الشافعي في المتحيرة لأن عائشة روت [ أن أم حبيبة استحيضت فسألت النبي صلى الله عليه و سلم فأمرها أن تغتسل لكل صلاة ] متفق عليه وروى ابو داود أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرها بالغسل عند كل صلاة وقال بعضهم : تغتسل كل يوم غسلا وروي ذلك عن عائشة وعن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب فغنهم قالوا تغتسل من ظهر إلى ظهر قال مالك : إني أحسب حديث ابن المسيب إنما هو من طهر إلى طهر ولكن الوهم دخل فيه - يعني أن الطاء غير المعجمة أبدلت بالظاء المعجمة وقال بعضهم : تجمع بين كل صلاتي جمع بغسل واحد وتغتسل للصبح على ما في حديث حمنة وقد ذكرناه وكذلك أمر به سهلة بن سهيل وبه قال عطاء و النخعي وأكثر أهل العلم على أن الغسل عند انقضاء الحيض ثم عليها الوضوء لكل صلاة ويجزئها ذلك ويروى هذا عن عروة وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال عكرمة و ربيعة و مالك : إنما عليها الغسل عند إنقضاء حيضها وليس عليها للاستحاضة وضوء لأن ظاهر حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في [ حديث فاطمة بنت أبي حبيش الغسل فقط لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها : فاغتسلي وصلي ] ولم يذكر الوضوء لكل صلاة
ولنا : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لفاطة : إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي وتوضئي لكل صلاة ] وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وهذه زيادة يجب قبولها وفي حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده [ عن النبي صلى الله عليه و سلم في المستحاضة تدع الصلاة أيام اقرائها ثم تغتسل وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة ] ولأنه دم خارج من الفرج فأوجب الوضوء كدم الحيض وهذا يدل على أن الغسل المأمور به في سائر الأحاديث مستحب غير واجب والغسل لكل صلاة أفضل لما فيه من المخروج من الخلاف والأخذ بالثقة والاحتياط وهو أشد ما قيل ثم يليه في الفضل والمشقة الجمع بين كل صلاتين بغسل واحد والاغتسال للصبح ولذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم فيه [ وهو أعجب الأمرين إلي ] ثم يليه الغسل كل يوم مرة بعد الغسل عند انقضاء الحيض ثم تتوضأ لكل صلاة وهو أقل الأمور ويجزئها والله أعلم
فصل : وحكم طهارة المستحاضة حكم التيمم في أنها إذا توضأت في وقت الصلاة صلت بها الفريضة ثم قضت الفوائت وتطوعت حتى يخرج الوقت نص على هذا أحمد وعلى قياس ذلك لها الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد وقال الشافعي : لا تجمع بين فرضين بطهارة فلا تقضي به فوائت ولا تجمع بين صلاتين كقوله في التيمم ويحتمله قول الخرقي لقوله لكل صلاة وحجتهم [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : توضئي لكل صلاة ]
ولنا : أنه قد روي في بعض ألفاظ حديث فاطمة : [ توضئي لوقت كل صلاة ] ولأنه وضوء يبيح النفل فيبيح الفرض كوضوء غير المستحاضة وحديثهم محمول على الوقت كقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أينما أدركتك الصلاة فصل ] أي وقتها وحديث حمنة ظاهر في الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد لأنه لم يأمرها بالوضوء بينهما وهو مما يخفى ويحتاج إلى بيانه ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه

فصل : حكم شرب دواء لقطع الحيض
فصل : روي عن أحمد رحمه الله أنه قال : لا بأس أن تشرب المرأة دواء يقطع عنها الحيض إذا كان دواء معروفا

كتاب الصلاة
الصلاة في اللغة الدعاء قال الله تعالى : { وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } أي ادع لهم و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم إذا دعي أحدكم فليجب فان كان مفطرا فليطعم وأن كان صائما فليصل ] وقال الشاعر :
( تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الأوصال والوجعا )
( عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ... نوما فان لجنب المرء مضطجعا )
وهي في الشرع عبارة عن الافعال المعلومة فإذا ورد في الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق عليها انصرف بظاهرة إلى الصلاة الشرعية وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } وأما السنة فما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ] متفق عليه مع آي وأخبار كثيرة نذكر بعضها في غير هذا الموضع ان شاء الله تعالى وأما الإجماع فقد اجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة

فصل : الصلوات المفروضة ووجوبها بأول الوقت
فصل : والصلوات المكتوبات خمس في اليوم والليلة ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها ولا يجب غيرها إلا لعارض من نذر أو غيره هذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة : الوتر واجب لما [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر ] وهذا يقتضي وجوبه و [ قال عليه السلام : الوتر حق ] رواه ابن ماجة
ولنا : ما روى ابن شهاب عن أنس بن مالك قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فرض الله على أمتي خمسين صلاة فذكر الحديث إلى أن قال : فرجعت إلى ربي فقال هي خمس وهي خمسون لم يبدل القول لدي ] متفق عليه و [ عن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : خمس صلوات افترضهن الله على عباده فمن جاء بهن لم ينقص منهن شيئا استخفافا بهن فان الله جاعل له يوم القيامة عهدا أن يدخله الجنة ومن جاء بهن وقد نقص منهن شيئا لم يكن له عند الله عهد ان شاء عذبه وان شاء غفر له ] وروي عن طلحة بن عبيد الله [ أن أعرابيا أتى إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله : ماذا فرض الله علي من الصلاة قال : خمس صلوات قال : فهل غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع شيئا فقال الرجل : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفلح الرجل أن صدق ] متفق عليه وزياده الصلاة يجوز أن تكون في السنن فلا يتعين كونها فرضا ولأنها صلاة تصلى على الراحلة من غير ضرورة فكانت نافلة كالسنن الرواتب

باب المواقيت
اجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة وقد ورد في ذلك أحاديث صحاح جياد نذكر أكثرها في مواضعها ان شاء الله تعالى

مسألة وفصول : وقت صلاة الظهر معنى زوال الشمس وجوبها
مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : وإذا زالت الشمس وجبت صلاة الظهر
بدأ الخرقي بذكر صلاة الظهر لأن جبريل بدأ بها حين أم النبي صلى الله عليه و سلم في حديث ابن عباس وجابر وبدأ بها صلى الله عليه و سلم حين علم الصحابة مواقيت الصلاة في حديث بريدة وغيره وبدأ بها الصحابة حين سئلوا عن الأوقات في حديث أبي برزة وجابر وغيرهما تسمى الأولى والهجير والظهر وقال أبو برزة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الهجيرة التي يدعونها الأولى حين تدحض الشمس متفق عليه يعني حين تزول الشمس وأجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس قاله ابن المنذر و ابن عبد البر وقد تظاهرت الأخبار بذلك فمنها ما روى ابن عباس [ عن النبي صلى الله عليه و سلم : امني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم وصلى في المرة الثانية الظهر حين صار كل شيء مثله لوقت العصر بالامس ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله ثم صلى المغرب لوقت الأولى ثم صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض ثم التفت إلي جبريل وقال : يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين ] رواه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي وقال حديث حسن وروى جابر نحوه ولم يذكر فيه ( لوقت العصر بالأمس ) وقال البخاري : أصح حديث في المواقيت حديث جابر وروى بريدة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أن رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال : صل معنا هذين اليومين فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام الظهر ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية لم يخالطها صفرة ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني أمره فأبرد في الظهر - فأنعم أن يبرد بها - وصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة آخرها فوق الذي كان وصلى المغرب حين غاب الشفق وصلى العشاء حين غاب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال : أين السائل عن وقت الصلاة ؟ فقال الرجل أنا يا رسول الله فقال : وقت صلاتكم بين ما رأيتم ] رواه مسلم وغيره وروى أبو داود عن أبي موسى نحوه إلا أنه قال : بدأ فأقام الفجر حين انشق الفجر فصلى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه أو أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه فلما كان الغد صلى الفجر وانصرف فقلنا طلعت الشمس وفي الباب أحاديث كثيرة
فصل : ومعنى زوال الشمس ميلها عن كبد السماء ويعرف ذلك بطول ظل الشخص بعد تناهي قصره فمن أراد معرفة ذلك فليقدر ظل الشمس ثم يصبر قليلا ثم يقدره ثانيا فان كان دون الأول فلم تزل وإن زاد ولم ينقص فقد زالت وأما معرفة ذلك بالاقدام فتختلف باختلاف الشهود والبلدان فكلما طال النهار قصر الظل وإذا قصر الظل فكل يوم يزيد أو ينقص فنذكر ذلك في وسط كل شهر على ما حكى أبو العباس السنجي رحمه الله تقريبا قال : أن الشمس تزول في نصف حزيران على قدم وثلث وهو أقل ما تزول عليه الشمس وفي نصف تموز ونصف أيار على قدم ونصف وثلث وفي نصف آب ونيسان على ثلاثة أقدام وفي نصف آذار وايلول على أربعة أقدام ونصف وهو وقت استواء الليل والنهار وفي نصف تشرين الأول وشباط على ستة أقدام ونصف وفي نصف تشرين الثاني وكانون الثاني على تسعة أقدام وفي نصف كانون الأول على عشرة أقدام وسدس وهذا أنهى ما تزول عليه الشمس فهذا ما تزول عليه الشمس في أقاليم العراق والشام وما سامتهما من البلدان فإذا أردت معرفة ذلك فقف على مستو الأرض وعلم الموضع الذي انتهى إليه ظلك ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى والصف عقبك بابهامك فما بلغت مساحة هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو الوقت الذي زالت عليه الشمس ووجبت به صلاة الظهر
فصل : وتجب صلاة الظهر بزوال الشمس وكذلك جميع الصلوات تجب بدخول وقتها في حق من هو من أهل الوجوب فأما أهل الاعذار كالحائض والمجنون والصبي والكافر فتجب في حقه بأول جزء أدركه من وقتها بعد زوال عذره وبهذا قال الشافعي رحمه الله وقال أبو حنيفة رحمه الله : يجب تأخير وقتها إذا بقي منه مالا يتسع لأكثر منها لأنه في أول الوقت يتخير بين فعلها وتركها فلم تكن واجبة كالنافلة
ولنا : أنه مأمور بها في أول الوقت بقوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } والأمر يقتضي الوجوب على الفوز ولأن دخول الوقت سبب للوجوب فيترتب عليه حكمه حين وجوده ولأنها يشترط لها نية الفريضة ولو لم تجب لصحت بدون نية الواجب كالنافلة وتفارق النافلة فانها لا يشترط لها ذلك ويجوز تركها غير عازم على فعلها وهذه إنما يجوز تأخيرها مع العزم على فعلها كما تؤخر صلاة المغرب ليلة مزدلفة عن وقتها وكما تؤخر سائر الصلوات عن وقتها إذا كان مشتغلا بتحصيل شرطها
فصل : ويستقر وجوبها بما وجبت به فلو أدرك جزءا من أول وقتها ثم جن أو حاضت المرأة لزمهما القضاء إذا أمكنهما وقال الشافعي و إسحاق : لا يستقر إلا بمضي زمن يمكن فعلها فيه ولا يجب القضاء بما دون ذلك واختاره أبو عبد الله بن بطة لأنه لم يدرك من الوقت ما يمكنه أن يصلي فيه فلم يجب القضاء كما لو طرأ العذر قبل ذلك الوقت
ولنا : أنها صلاة وجبت عليه فوجب قضاؤها إذا فاتته كالتي أمكن اداؤها وفارقت التي طرأ العذر قبل دخول وقتها فانها لم تجب وقياس الواجب على غيره غير صحيح

مسألة : وإذا صار كل شيء مثله فهو آخر وقتها
مسألة : قال : وإذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقتها
يعني أن الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس قدر ظل طول الشخص فذلك آخر وقت الظهر قال الأثرم : قيل لـ أبي عبد الله : وأي شيء آخر وقت الظهر ؟ قال : أن يصير الظل مثله قيل له فمتى يكون الظل مثله ؟ قال : إذا زالت الشمس فكان الظل بعد الزوال مثله فهو ذاك ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس ثم تنظر الزيادة عليه فان كانت قد بلغت قدر الشخص فقد انتهى وقت الظهر ومثل شخص الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه أو يزيد قليلا فإذا أردت اعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وبهذا قال مالك و الثوري و الشافعي و الأوزاعي ونحوه قال أبو يوسف و محمد و أبو ثور و داود وقال عطاء : لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس صفرة وقال طاوس : وقت الظهر والعصر إلى الليل وحكي عن مالك وقت الاختيار إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ووقت الاداء إلى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدي فيه العصر لـ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم جمع بين الظهر والعصر في الحضر ] وقال أبو حنيفة : وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ل [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ك إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر اجيرا فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم فغضب اليهود والنصارى وقالوا : ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء : قال : هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا : لأ ؟ قال : فذلك فضلي أوتيه ن أشاء ] أخرجه البخاري وهذا يدل على أن من الظهر إلى العصر أكثر من العصر إلى المغرب
ولنا : أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه و سلم حين كان الفيء مثل الشراك في اليوم الأول وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله ثم قال : الوقت بين هذين وحديث مالك محمول على العذر بمطر أو مرض وما احتج به أبو حنيفة لا حجة له فيه لأنه قال : إلى صلاة العصر وفعلها يكون بعد دخول الوقت وتكامل الشروط على أن أحاديثنا قصد بها بيان الوقت وخبرهم قصد به ضرب المثل فالأخذ بأحاديثنا أولى قال ابن عبد البر : خالف أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس وخالفه أصحابه

مسألة : وإذا زاد شيئا وجبت صلاة العصر
مسألة : قال : وإذا زاد شيئا وجبت العصر
وجملته أن وقت العصر من حين الزيادة على المثل أدنى زيادة متصل بوقت الظهر لا فصل بينهما وغير الخرقي قال : إذا صار ظل الشيء مثله فهو آخر وقت الظهر وأول العصر وهو قريب مما قال الخرقي : وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إذا زاد على المثلين لما تقدم من الحديث ولقوله تعالى : { أقم الصلاة طرفي النهار } ولو كان على ما ذكرتموه لكان وسط النهار وحكي عن ربيعة أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس وقال إسحاق : آخر وقت الظهر أول وقت العصر يشتركان في قدر الصلاة فلو أن رجلين يصليان معا أحدهما يصلي الظهر والآخر العصر حين صار ظل كل شيء مثله كان كل واحد منهما مصليا لها في وقتها وحكي ذلك عن ابن المبارك ل [ قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث ابن عباس صلى بي الظهر لوقت العصر بالأمس ]
ولنا : ما تقدم في حديث جبريل عليه السلام وقوله تعالى : { أقم الصلاة طرفي النهار } لا ينفي ما قلنا فإن الطرف ما تراخى عن الوسط وهو موجود في مسألتنا وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لوقت العصر بالأمس ] أراد مقاربة الوقت يعني أن ابتداء صلاته اليوم العصر متصل بوقت انتهاء صلاة الظهر في اليوم الثاني أو مقارب له لأنه قصد به بيان المواقيت وإنما تبين أول الوقت بابتداء فعل الصلاة وتبين آخره بالفراغ منها وقد بينه قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عبد الله بن عمرو : [ وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر ] رواه مسلم و أبو داود وقي حديث أبو هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن للصلاة أولا وآخرا وأن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر ] أخرجه الترمذي

مسألة وفصل : وإذا صار كل شيء مثله خرج وقت الاختيار ولا يجوز تأخير العصر
مسألة : قال : وإذا صار كل شيء مثليه خرج وقت الاختيار
اختلفت الرواية عن أحمد رضي الله عنه في آخر وقت الاختيار فروي حين يصير ظل كل شيء مثليه وهو قول مالك و الثوري و الشافعي لقوله في حديث ابن عباس وجابر : الوقت ما بين هذين وروي عن أحمد رحمه الله أن آخره ما لم تصفر الشمس وهي أصح عنه حكاه عند جماعة منهم الأثرم قال : سمعته يسأل عن آخر وقت العصر فقال : هو تغير الشمس قيل : ولا تقول بالمثل والمثلين ؟ قال لا هذا عندي أكثر وهذا قول أبي ثور و أبي يوسف و محمد ونحوه عن الأوزاعي لحديث عبد الله بن عمرو [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : وقت العصر ما لم تصفر الشمس ] رواه مسلم وفي حديث أبي هريرة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم : وأن آخر وقتها حين تصفر الشمس ] وفي حديث بريدة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى العصر في اليوم الثاني والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة ] قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن من صلى العصر والشمس بيضاء نقية فقد صلاها في وقتها وفي هذا دليل على أن مراعاة المثلين عندهم استحباب ولعلهما متقاربان يوجد أحدهما قريبا من الآخر
فصل : ولا يجوز تأخير العصر عن وقت الاختيار لغير عذر لما تقدم من الأخبار وروى مسلم و أبو داود بإسنادهما عن [ أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان - أو على قرني شيطان - قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ] ولو أبيح تأخيرها لما ذمه عليه وجعله علامة النفاق

مسألة وفصل : حكم من أدرك ركعة من الصلاة في الوقت
مسألة : قال : ومن أدرك منها ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها مع الضرورة
وجملة ذلك أن من أخر الصلاة ثم أدرك منها ركعة قبل غروب الشمس فهو مدرك لها ومؤد لها في وقتها سواء أخرها لعذر أو لغير عذر إلا أنه يباح تأخيرها لعذر وضرورة كحائض تطهر أو كافر يسلم أو صبي يبلغ أو مجنون يفيق أو نائم يستيقظ أو مريض يبرأ وهذا معنى قوله مع الضرورة فأما إدراكها بإدراك ركعة منها فيستوي فيه المعذور وغيره وكذلك سائر الصلوات يدركها بإدراك ركعة منها في وقتها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ] متفق عليه وفي رواية : [ من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ] متفق عليه ولا أعلم في هذا خلافا
فصل : وهل يدرك الصلاة بإدراك ما دون ركعة فيه روايتان : إحداهما لا يدركها بأقل من ذلك وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك لظاهر الخبر الذي رويناه فإن تخصيصه الإدراك بركعة يدل على أن الإدراك لا يحصل بأقل منها ولأنه إدراك للصلاة فلا يحصل بأقل من ركعة كإدراك الجمعة والثانية يدركها بإدراك جزء منها أي جزء كان قال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه يكون مدركا لها بإدراكه وقال أبو الخطاب : من أدرك من الصلاة مقدار تكبيرة الإحرام قبل أن يخرج فقد أدركها وهذا مذهب أبي حنيفة ول الشافعي قولان كالمذهبين ولأن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ] متفق عليه ول النسائي فقد أدركها ولأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها كإدراك الجماعة وإدارك المسافر صلاة المقيم ولفظ الحديث الأول يدل بمفهومه والمنطوق أولى منه والقياس يبطل بإدراك ركعة دون تشهدها

فصل : صلاة العصر هي الصلاة الوسطى
فصل : وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى في قول أكثر أهل العلم من اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم منهم علي بن أبي طالب وأبو هريرة و أبو أيوب و أبو سعيد و عبيدة السلماني و الحسن و الضحاك و أبو حنيفة وأصحابه وروي عن زيد بن ثابت وعائشة أنها صلاة الظهر وبه وقال عبد الله بن شداد لما روي عن زيد بن ثابت قا ل : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منها ] فنزلت : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } رواه أبو داود وروت عائشة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قرأ : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث صحيح وقال طاووس و عطاء و عكرمة و مجاهد و الشافعي : هي الصبح لقول الله تعالى : { والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } والقنوت طول القيام وهو مختص بالصبح ولأنها من أثقل الصلاة على المنافقين ولهذا اختصت بالوصية وبالمحافظة عليها وقال الله تعالى : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } يعني صلاة الفجر والعصر و [ روى جرير بن عبد الله قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ] متفق عليه ل البخاري [ فافعلوا ] ثم قرأ جرير : فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهو يصلون ] وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ من صلى البردين دخل الجنة ] يريد هاتين الصلاتين وقال : [ لو يعلمون ما في صلاة العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ] متفق على هذه الأحاديث وقيل هي المغرب لأن الأولى هي الظهر فتكون المغرب الثالثة والثالثة من كل خمس هي الوسطى ولأنها وسطى في عدد الركعات ووسطى في الأوقات لأن عدد ركعاتها ثلاث فهي وسطى بين الأربع والأثنين ووقتها في آخر النهار وأول الليل وخصت من بين الصلاة بأنها وتر والله وتر يحب الوتر بأنها تصلى في أول وقتها في جميع الأمصار والأعصار ويكره تأخيرها عنه وكذلك صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه و سلم في اليومين لوقت واحد ولذلك ذهب بعض الائمة إلى أنها ليس لها إلا وقت واحد لذلك وقال النبي صلى الله عليه و سلم [ لا تزال أمتي - أوقال - هذه الأمة بخير - أو قال - على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم ] رواه أبو داود وقيل : هي العشاء لما [ روى ابن عمر قال : مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه و سلم لصلاة العشاء الآخر فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده وقال : إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن أشق على أمتى لصليت بهم هذه الساعة : وقال : إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الغداء والعشاء الآخر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ] متفق عليهما
ولنا : ما روي عن علي رضي الله عنه قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب : شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ] متفق عليه وعن ابن مسعود قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صلاة الوسطى صلاة العصر ] وعن سمرة مثله قال الترمذي في كل واحد منهما : هذا حديث حسن صحيح وهذا نص لا يجوز التعريج معه على شيء يخالفه و لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الذي يفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ] متفق عليه وقال [ من فاتته صلاة العصر حبط عمله ] رواه البخاري و ابن ماجة وقال : [ إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ولا صلاة بعدها حتى يطلع شاهد ] - يعني النجم - رواه البخاري وما ذكر في صلاة الصبح فقد شاركته صلاة العصر في أكثره ورواية عائشة وصلاة العصر فالواو زائدة كالواو في قوله تعالى : { وليكون من الموقنين } وفي قوله : { وخاتم النبيين } وقوله : { وقوموا لله قانتين } فالقنوت قيل هو الطاعة أي قوموا لله مطيعين وقيل : القنوت السكوت قال زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ثم ما روينا نص صريح فكيف يترك بمثل هذا الوهم أو يعارض به

مسألة وفصل : وقت صلاة المغرب
مسألة : قال : وإذا غابت الشمس وجبت المغرب ولا يستحب تأخيرها إلى أن يغيب الشفق
أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل العلم لا نعلم بينهم خلافا فيه والأحاديث دالة عليه وآخره مغيب الشفق وبهذا قال الثوري و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وبعض أصحاب الشافعي وقال مالك و الأوزاعي و الشافعي : ليس لها إلا وقت واحد عند مغيب الشمس لأن جبريل عليه السلام صلاها بالنبي صلى الله عليه و سلم في اليومين لوقت واحد في بيان مواقيت الصلاة وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن يشتبك النجم ] ولأن المسلمين مجمعون على فعلها في وقت واحد في أول الوقت وعن طاوس لا تفوت المغرب والعشاء حتى الفجر ونحوه عن عطاء لما ذكرناه في الظهر والعصر
ولنا : حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق وفي لفظ رواه الترمذي فأخر المغرب إلى أن يغيب الشفق وروى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه و سلم أخر المغرب في اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق رواه مسلم و أبو داود وفي حديث عبد الله بن عمرو [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : وقت المغرب ما لم يغب الشفق ] رواه مسلم وفي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ان للصلاة أولا وآخرا وإن وقت المغرب حين تغرب الشمس وأن آخر وقتها حين يغيب الأفق ] رواه الترمذي وهذه نصوص صحيحة لا يجوز مخالفتها بشيء محتمل ولأنها إحدى الصلوات فكان لها وقت متسع كسائر الصلوات ولأنها إحدى صلاتي جمع فكان وقتها متصلا بوقت التي تجمع إليها كالظهر والعصر ولأ ما قبل مغيب الشفق وقت لاستدامتها فكان وقتا لابتدائها كأول وقتها وأحاديثهم محمولة على الاستحباب والاختيار وكراهة التأخير ولذلك قال الخرقي : ولا يستحب تأخيرها فإن الأحاديث فيها تأكيد لفعلها في أول وقتها وأقل أحوالها تأكيد الاستحباب وأن قدر أن الأحاديث متعارضة وجب حمل أحاديثهم على أنها منسوخة لأنها في أول فرض الصلاة بمكة وأحاديثنا بالمدينة متأخرة فتكون ناسخة لما قبلها مما يخالفها والله أعلم
مسألة : قال : فإذا غاب الشفق وهو الحمرة في السفر وفي الحضر البياض لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران فيظن أنها قد غاب البياض فقد تيقن ووجبت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل
لا خلاف في دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق وإنما اختلفوا في الشفق ما هو ؟ فمذهب إمامنا أن الشفق الذي يخرج به وقت المغرب يدخل به وقت العشاء هو الحمرة وهذا قول ابن عمر وابن عباس و عطاء و مجاهد و سعيد بن جبير و الزهري و الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و إسحاق و صاحبي أبي حنيفة وعن أنس وأبي هريرة الشفق البياض وروي ذلك عن عمر بن عبدالعريز وبه قال الأوزاعي و أبو حنيفة و ابن المنذر لـ أن النعمان بن بشير قال : [ أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصليها لسقوط القمر الثالثة ] رواه أبو داود و [ روي عن ابن مسعود قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق ]
ولنا : ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : [ أعتم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعشاء حتى ناداه عمر بالصلاة نام النساء والصبيان فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما ينتظرها أحد غيركم ] قال : ولا يصلى إلا بالمدينة وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق الأول إلى ثلث الليل رواه البخاري والشفق الأول هو الحمرة وقال النبي صلى الله عليه و سلم [ وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق ] رواه أبو داود وروى ثور الشفق و فور الشفق فورانه وسطوعه وثوره ثوران حمرته وإنما يتناول هذا الحمرة وآخر وقت المغرب وقت العشاء وروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت العشاء ] رواه الدارقطني وما رواه لا حجة لهم فيه فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يؤخر الصلاة عن أول الوقت قليلا وهو الأفضل ولاولى ولهذا [ روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال لبلال اجعل بين أذانك واقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والمتوضىء من وضوئه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ] إذا ثبت هذا فإنه إن كان في مكان يظهر له الأفق ويبين له مغيب الشفق فمتى ذهبت الحمرة وغابت دخل وقت العشاء وأن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجدران والجبال استظهر حتى يغيب البياض ليستدل بغيبته على مغيب الحمرة فيعتبر غيبة البياض لدلالته على مغيب الحمرة لا لنفسه

مسألة وفصل : وقت صلاة العشاء
مسألة قال : فإذا ذهب ثلث الليل ذهب الاختيار ووقت الضرورة مبقى إلى أن يطلع الفجر الثاني وهو البياض الذي يرى من قبل المشرق فينتشر ولا ظلمة بعده
اخلتفت الرواية في آخر وقت الاختيار فروي عن أحمد أنه ثلث الليل نص عليه أحمد في رواية الجماعة وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز و مالك لأن في [ حديث جبريل أنه صلى بالنبي صلى الله عليه و سلم في المرة الثانية ثلث الليل وقال : الوقت ما بين هذين ] وفي حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم صلاها في اليوم الثاني ثلث الليل وعن عائشة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : صلوا فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل ] وفي حديثها الآخر وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق الأول إلى ثلث الليل ولأن ثلث الليل يجمع الروايات والزيادة تعارضت الأخبار فيها فكان ثلث الليل أولى الرواية الثانية أن آخره نصف الليل وهو قول الثوري و ابن المبارك و أبي ثور و أصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي لما روي عن أنس بن مالك قال : أخر رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العشاء إلى نصف الليل رواه البخاري وعن أبي سعيد الخدري قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأمرت بهذه الصلاة أن تؤخر إلى شطر الليل ] رواه أبو داود و النسائي وفي حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ وقت العشاء إلى نصف الليل ] رواه أبو داود و الأولى - ان شاء الله تعالى - أن لا يؤخرها عن ثلث الليل وأن أخرها إلى نصف الليل جاز وما بعد النصف وقت ضرورة الحكم فيه حكم وقت الضرورة في صلاة العصر على ما مضى شرحه وبيانه ثم لا يزال الوقت ممتدا حتى يطلع الفجر الثاني
فصل : وتسمى هذه الصلاة العشاء ولا يستحب تسميتها العتمة وكان ابن عمر إذا سمع رجلا يقول العتمة صاح وغضب وقال : إنما هو العشاء وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها العشاء وأنهم يعتمون الإبل ] وعن ابي هريرة مثله رواهما ابن ماجة وإن سماها العتمة جاز فقد روى أبو داود باسناده عن معاذ أنه قال : أبقينا يعني انتظرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في صلاة العتمة ولأن هذا نسبة لها إلى الوقت الذي تجب فيه فأشبهت صلاة الصبح والظهر وسائر الصلوات

مسألة : وقت صلاة الصبح
مسألة : قال : وإذا طلع الفجر الثاني وجبت صلاة الصبح والوقت مبقى إلى ما قبل أن تطلع الشمس ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع فقد أدركها وهذا مع الضرورة
وجملته أن وقت الصبح يدخله بطلوع الفجر الثاني إجماعا وقد دلت عليه أخبار المواقيت وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق ويسمى الفجر الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك والصبح ما جمع بياضا وحمرة ومنه سمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة أصبح فأما الفجر الأول فهو الأول فهو البياض المستدق صعدا من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم ويسمى الفجر الكاذب ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار لما تقدم في حديث جبريل وبريدة وما بعد ذلك وقت عذر وضرورة حتى تطلع الشمس لقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عبد الله بن عمر [ ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع الشمس كان مدركا لها ] وفي إدراكها بما دون ذلك اختلاف قد ذكرناه وقال أصحاب الرأي : فيمن طلعت الشمس وقد صلى ركعة تفسد صلاته لأنه صار في وقت نهي عن الصلاة فيه وهذا لا يصح لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ] متفق عليه وفي رواية [ من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ] متفق عليه ولأنه أدرك ركعة من الصلاة في وقتها فكان مدركا لها في وقتها كبقية الصلوات وإنما نهي عن النافلة فأما الفرائض فتصلى في كل وقت بدليل أن قبل طلوع الشمس وقت نهي أيضا ولا يمنع من فعل الفجر فيه =

2.

مجلد2. المغني - ابن قدامة المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

  أبو محمد  

  فصول : الاجتهاد والتقليد في وقت دخول الصلاة
فصل : إذا شك في دخول الوقت لم يصل حتى يتيقن دخوله أو يغلب على ظنه ذلك مثل من هو ذو صنعة جرت عادته بعمل شيء مقدر إلى وقت الصلاة أو قاريء جرت عادته بقراءة جزء فقرأه وأشباه هذا فمتى فعل ذلك وغلب على ظنه دخول الوقت أبيحت له الصلاة ويستحب تأخيرها قليلا احيتاطا لتزداد غلبة ظنه إلا أن يخشى خروج الوقت أن تكون صلاة العصر في وقت الغيم فانه يستحب التبكير بها لما [ روى بريدة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : بكروا بصلاة العصر في الغيم فأنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله ] رواه البخاري و ابن ماجة ومعناه والله أعلم التبكير بها إذا دخل وقت فعلها ليقين أو غلبة ظن وذلك لأن وقتها المختار في زمن الشتاء يضيق فيخشى خروجه
فصل : ومن أخبره ثقة عن علم عمل به لأنه خبر ديني فقيل فيه قول الواحد كالرواية وإن أخبره عن اجتهاده لم يقلده واجتهد لنفسه حتى يغلب على ظنه لأنه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه فلم يصل باجتهاد غيره كحالة اشتباه القبلة والبصير والأعمى والمطمور القادر على التوصل إلى الاستدلال سواء لاستوائهم في إمكان التقدير بمرور الزمان كما بينا فمتى صل في هذه المواضع فبان أنه وافق الوقت أو بعده أجزأه لأنه أدى ما فرض عليه وخوطب بأدائه وإن بان أنه صلى قبل الوقت لم يجزه لأن المخاطبة بالصلاة وسبب الوجوب وجد بعد فعله فلم يسقط حكمه بما وجد قبله وأن صلى من غير دليل مع الشك لم تجزه صلاته سواء أصاب أو أخطأ لأنه صلى مع الشك في شرط الصلاة من غير دليل فلم يصح كما لو اشتبهت عليه القبلة فصلى من غير اجتهاد
فصل : وإذا سمع الأذان من ثقة عالم بالوقت فله تقليده لأن الظاهر أنه لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت فجرى مجرى خبره وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ المؤذن مؤتمن ] رواه أبو داود ولولا أنه يقلد ويرجع إليه ما كان مؤتمنا وجاء عنه عليه السلام أنه قال : [ خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين : صلاتهم وصيامهم ] رواه ابن ماجة ولأن الأذان مشروع للإعلام بالوقت فلو لم يجز تقليد المؤذن لم تحصل الحكم التي شرع الأذان من أجلها ولم يزل الناس يجتمعون في مساجدهم وجوامعهم في أوقات الصلاة فإذا سمعوا الأذان قاموا إلى الصلاة وبنوا على أذان المؤذن من غير اجتهاد ولا مشاهدة ما يعرفونه من غير نكير فكان إجماعا

مسألة : ما يستحب تعجيله أو تأخيره من الصلوات
مسألة : قال : والصلاة في أول الوقت أفضل إلا عشاء الآخرة وفي شدة الحر الظهر
وجملته إن الأوقات ثلاثة أضرب وقت فضيلة وجواز وضرورة فأما وقت الجواز والضرورة فقد ذكرناهما وأما وقت الفضيلة فهذا الذي ذكره الخرقي قال أحمد : أول الوقت أعجب إلي إلا في صلاتين صلاة العشاء وصلاة الظهر يبرد بها في الحر رواه الأثرم وهكذا كان يصلي النبي صلى الله عليه و سلم قال سياء بن سلامة دخلت أنا وأبي على أبي برزة الاسلمي فسأله أبي كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي المكتوبة ؟ قال : كان يصلي الهجير التي يدعونها الأولى حين تدحض الشمس ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصر المدينة والشمس حية ونسيت ما قال في المغرب وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل حليسه ويقرأ بالستين إلى المائة وقال جابر : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت العشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطؤا أخر الصبح كان النبي صلى الله عليه و سلم يصليها بغلس متفق عليهما وقد روى الأموي في المغازي حديثا أسنده إلى عبد الرحمن بن غنم قال : [ حدثنا معاذ بن جبل قال : لما بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن قال : اظهر كبير الإسلام وصغيره وليكن من أكبرها الصلاة فانها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين إذا كان الشتاء فصل صلاة الفجر في أول الفجر ثم أطل القراءة على قدر ما تطيق ولا تملهم وتكره إليهم أمر الله ثم عجل الصلاة الأولى بعد أن تميل الشمس وصل العصر والمغرب في الشتاء والصيف على ميقات واحد العصر والشمس بيضاء مرتفعة والمغرب حين تغيب الشمس وتوارى بالحجاب وصل العشاء فأعتم بها فأن الليل طويل فإذا كان الصيف فاسفر بالصبح فأن الليل قصير وأن الناس ينامون فامهلهم حتى يدركوها وصل الظهر بعد أن ينقص الظل وتتحرك الريح فان الناس يقيلون فامهلهم حتى يدركوها وصل العتمة فلا تعتم بها ولا تصلها حتى يغيب الشفق ] وري أيضا في كتابه عن عمر أنه قال : والصلاة لها وقت شرطه الله لا تصح إلا به : وقت صلاة الفجر حين يزايل الرجل أهيله ويحرم على الصائم الطعام والشراب فاعطوها نصيبها من القراءة ووقت صلاة الظهر إذا كان القيظ واشتد الحر حين يكون ظلك مثلك وذلك حين يهجر المهجر وذلك لئلا يرقد عن الصلاة فإذا كان في الشتاء فحين تزيغ عن الفلك حتى تكون على حاجبك الأيمن والعصر والشمس بيضاء نقية قبل أن تصفر والمغرب حين يفطر الصائم والعشاء حين يغسق الليل وتذهب حمرة الأفق إلى أن يذهب ثلث الليل الأول من نام عنها بعد ذلك فلا أرقد الله عينه هذه مواقيت الصلاة : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا }

فصل : يستحب تعجيل الظهر وصلاة الجمعة
( فصل : ولا نعلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر والغيم خلافا قال الترمذي : وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم وذلك لما ثبت من حديث أبي برزة وجابر وغيرهما عن النبي صلى الله عليه و سلم وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت اشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا من أبي بكر ولا من عمر قال الترمذي : هذا حديث حسن وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقت الأخير عفو الله تعالى ] قال الترمذي : هذا حديث غريب وأما في شدة الحر فكلام الخرقي يقتضي استحباب الأبراد بها على كل حال وهو ظاهر كلام أحمد قال الأثرم : وعلى هذا مذهب أبي عبد الله يستحب تعجيلها في الشتاء والأبراد بها في الحر وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي و ابن المنذر والظاهر قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة فان شدة الحر من فيح جهنم ] رواه الجماعة عن أبي هريرة وهذا عام وقال القاضي : إنما يستحب الأبراد بثلاثة شروط شدة الحر وأن يكون في البلدان الحارة ومساجد الجماعات فأما من صلاها في بيته أو في مسجد بفناء بيته فالأفضل تعجيلها وهذا مذهب الشافعي لأن التأخير إنما يستحب لينكسر الحر ويتسع في الحيطان ويكثر السعي إلى الجماعات ومن لا يصلي في جماعة لا حاجة به إلى التأخير وقال القاضي في الجامع : لا فرق بين البلدان الحارة وغيرها ولا بين كون المسجد ينتابه الناس أولا فإن أحمد رحمه الله كان يؤخرها في مسجده ولم يكن يهذه الصفة والأخذ بظاهر الخبر أولى ومعنى الأبراد بها تأخيرها حتى ينكسر الحر ويتسع في الحيطان وفي حديث أبي ذر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أبرد حتى رأينا فيء التلول ] وهذا إنما يكون مع كثرة تأخيرها ولا يؤخرها إلى آخر وقتها بل يصليها في وقت إذا فرغ يكون بينه وبين آخر الوقت فضل وقد روى ابن مسعود قال : كان قدر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الصيف ثلاثة أقدام وفي الشتاء خمسة أقدام إلى تسعة أقدام رواه أبو داود و النسائي فأما الجمعة فيسن تعجيلها في كل وقت بعد الزوال من غير إبراد لأن سلمة بن الأكوع قال : كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا زالت الشمس متفق عليه ولم يبلغنا أنه أخرها بل كان يعجلها حتى قال سهل بن سعد : ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة أخرجه البخاري ولأن السنة التبكير بالسعي إليها ويجتمع الناس لها فلو أخرها لتأذى الناس بتأخير الجمعة

فصل : ويستحب في أيام الغيم تأخير الظهر وتعجيل العصر وتأخير المغرب وتعجيل العشاء
فصل : ذكر القاضي أنه يستحب تأخير الظهر والمغرب في الغيم وتعجيل العصر والعشاء فيه قال : ونص عليه أحمد رحمه الله في رواية الجماعة منهم المروذي فقال : يؤخر الظهر في يوم الغيم ويعجل العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء وعلل القاضي ذلك بأنه وقت يخاف منه العوارض والموانع من المطر والريح والبرد فتلحق المشقة في الخروج لكل صلاة وفي تأخير الصلاة الأولى من صلاتي الجمع وتعجيل الثانية دفع لهذه المشقة لكونه يخرج إليهما خروجا واحدا فيحصل به الرفق كما يحصل يجمع الصلاتين في وقت إحداهما وبهذا قال أبو حنيفة و الأوزاعي وروى عن عمر رضي الله عنه مثل ذلك في الظهر والعصر وعن ابن مسعود يعجل الظهر والعصر ويؤخر المغرب وقال الحسن : يؤخر الظهر وظاهر كلام الخرقي أنه يستحب تعجيل الظهر في غير الحر والمغرب في كل حال وهو مذهب الشافعي قال : متى غلب على ظنه دخول الوقت باجتهاده استحب له التعجيل ويحتمل أن أحمد رحمه الله إنما أراد بتأخير الظهر والمغرب ليتيقن دخول وقتهما ولا يصلي مع الشك وقد نقل أبو طالت كلام يدل على هذا قال : يوم الغيم يؤخر الظهر حتى لا يشك أنها قد حانت ويعجل العصر والمغرب يؤخرها حتى يعلم أنه سواد الليل ويعجل العشاء

فصل : يستحب تعجيل العصر ولا خلاف في تقديم المغرب
فصل : وأما العصر فتعجيلها مستحب بكل حال وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة وأنس وابن المبارك وأهل المديية و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و روي عن أبي قلابة و ابن شبرمة أنهما قالا : إنما سميت العصر لتعصر - يعنيان أن تأخيرها أفضل وقال أصحاب الرأي : الأفضل فعلها في آخر وقتها المختار لما روى نافع بن خديج [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأمر بتأخير العصر ] وعن علي بن شيبان قال : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يؤخر العصر ما دامت بيضاء نقية رواه أبو داود ولانها آخر صلاتي جمع فاستحب تأخيرها كصلاة العشاء
ولنا : ما ذكرناه من حديث أبي برزة وقال رافع بن خديج : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العصر ثم ينحر الجزور فيقسم عشرة أجزاء ثم يطبخ فيؤكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس متفق عليه وعن أبي امامة قال : صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلنا يا أبا عمارة ما هذه الصلاة التي صليت ؟ قال : العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم التي كنا نصليها معه رواه البخاري و مسلم وعن أبي المليح قال : كنا مع أبي بريدة في غزوة في يوم ذي غيم فقال : بكروا الصلاة للعصر فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من فاتته صلاة العصر حبط عمله ] رواه البخاري وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله ] يرويه عبد الله بن عمر العمري قال أبو عيسى هذا حديث غريب وأما حديث رافع الذي احتجوا به فلا يصح قاله الترمذي وقال الدارقطني : يرويه عبد الواحد بن نافع وليس بالقوي ولا يصح عن رافع ولا عن غيره من الصحابة والصحيح عنهم تعجيل صلاة العصر والتبكير بها
فصل : وأما المغرب فلا خلاف في استحباب تقديمها في غير حال العذر وهو قول أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم قاله الترمذي وقد ذكرنا في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصليها إذا وجبت وقال رافع بن خديج : كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه و سلم فينصرف أحدنا وأنه ليبصر مواقع نبله متفق عليه وعن أنس مثله رواه أبو داود وعن سلمة من الأكوع قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا لفظ أبي داود وفعل جبريل لها في اليومين في وقت واحد دليل على تأكيد استحباب تقديمها

فصل : استحباب تأخير صلاة العشاء
فصل : وأما صلاة العشاء فيستحب تأخيرها إلى آخر وقتها إن لم يشق وهو اختيار أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين قاله الترمذي وحكي عن الشافعي أن الأفضل تقديمها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الوقت الأول رضوان الله والوقت الآخر عفو الله ] وروى القاسم بن غنام عن بعض أمهاته [ عن أم فروة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن أحب الأعمال إلى الله عز و جل الصلاة لأول وقتها ] ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يؤخرها وإنما أخرها ليلة واحدة ولا يفعل إلا الأفضل
ولنا : قول أبي برزة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي يدعونها العتمة و [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ] وهو حديث حسن صحيح وأحاديثهم ضعيفة أما خبر [ الوقت الأول رضوان الله ] فيرويه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف وحديث أم فروة رواته مجاهيل قال أحمد رحمه الله : لا أعلم شيئا ثبت في أوقات الصلاة أولها كذا وأوسطها كذا وآخرها كذا يعني مغفرة ورضوانا وقال ليس ذا ثابتا ولو ثبت فالأخذ بأحاديثنا الخاصة أولى من الأخذ بالعموم مع صحة أخبارنا وضعف أخبارهم
فصل : وإنما يستحب تأخيرها للمنفرد والجماعة راضين بالتأخير فأما مع المشقة على المأمومين أو بعضهم فلا يستحب بل يكره نص عليه أحمد رحمه الله قال الأثرم : قلت ل أبي عبد الله : كم قدر تأخير العشاء ؟ فقال : ما قدر يؤخرها بعد أن لا يشق على المأمومين وقد ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم تأخير العشاء والأمر بتأخيرها كراهية المشقة على أمته و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : من شق على أمتي شق الله عليه ] وإنما نقل التأخير عنه مرة أو مرتين ولعله كان لشغل أو اتيان آخر الوقت وأما في سائر أوقاته فأنه كان يصليها على ما رواه جابر أحيانا وأحيانا - إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطؤوا أخر وعلى ما رواه النعمان بن بشير أنه كان يصلي العشاء لسقوط القمر الثانية فيستحب للإمام الاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم في إحدى هاتين الحالتين ولا يؤخرها تأخيرا يشق على المأمومين فـ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأمر بالتخفيف رفقا بالمأمومين وقال : إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخففها كراهية أن أشق على أمة ] متفق عليه

فصل : ما يستحب من تعجيل صلاة الصبح
فصل : وأما صلاة الصبح فالتغليس بها أفضل وبهذا قال مالك و الشافعي و إسحاق وروي عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وأبي موسى وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ما يدل على ذلك قال ابن عبد البر : صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون ومحال أن يتركوا الأفضل ويأتوا الدون وهم النهاية في إتيان الفضائل وروي عن أحمد رحمه الله أن الاعتبار بحال المأمومين فان أسفروا فالأفضل الأسفار لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك في العشاء كما ذكر جابر فكذلك في الفجر وقال الثوري و أصحاب الرأي : الأفضل الأسفار لما [ روى رافع بن خديج : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقول : أسفروا بالفجر فانه أعظم للأجر ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح
ولنا : ما تقدم من حديث جابر وأبي برزة وقول عائشة رضي الله تها : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليه وعن أبي مسعود الأنصاري [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غلس بالصبح ثم أسفر مرة ثم لم يعد إلى الأسفار حتى قبضه الله ] رواه أبو داود قال الخطابي وهو صحيح الأسناد وقالت عائشة رضي الله عنها : ما صلى النبي صلى الله عليه و سلم صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله وهذا حديث غريب وليس اسناده بمتصل فأما الأسفار المذكورة في حديثهم فالمراد به تأخيرها حتى يتبين طلوع الفجر وينكشف يقينا من قولهم أسفرت المرأة إذا كشفت وجهها

فصل : متى يأثم من أخر الصلاة عن أول وقتها
فصل : ولا يأثم بتعجيل الصلاة التي يستحب تأخيرها ولا بتأخير ما يستحب تعجيله إذا أخره عازما على فعله ما لم يخرج الوقت أو يضيق عن فعل العبادة جميعها لأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه و سلم في أول الوقت وآخره وصلاها النبي صلى الله عليه و سلم في أول الوقت وآخره وقالا : الوقت ما بين هذين ولأن الوجوب موسع فهو كالتكفير يجب موسعا بين الاعيان فإن أخر غير عازم على الفعل أثم بذلك التأخير المقترن بالعزم فأن أخرها بحيث لم يبق من الوقت ما يتسع لجميع الصلاة أثم أيضا لأن الركعة الأخيرة من جملة الصلاة فلا يجوز تأخيرها عن الوقت كالأولى

فصل : حكم من مات في الوقت قبل أن يصلي
فصل : فإن أخر الصلاة عن أول وقتها بنية فعلها فمات قبل فعلها لم يكن عاصيا لأنه فعل ما يجوز له فعله والموت ليس من فعله فلا يأثم به

فصل : ومن صلى قبل الوقت لم تجز صلاته
فصل : ومن صلى قبل الوقت لم يجز صلاته في قول أكثر أهل العلم سواء فعله عمدا أو خطأ كل الصلاة أو بعضها وبه قال الزهري و الأوزاعي و الشافعي و أصحاب الرأي وروي عن ابن عمر وأبي موسى أنهما أعادا الفجر لأنهما صلياها قبل الوقت وروي عن ابن عباس في مسافر صلى الظهر قبل الزوال يجزئه ونحوه قال الحسن و الشعبي وعن مالك قولنا وعنه فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلا أو ناسيا يعيد ما كانت في الوقت فان ذهب الوقت قبل علمه أو ذكر فلا شيء عليه
ولنا : أن الخطاب بالصلاة يتوجه إلى المكلف عند دخول وقتها وما وجد بعد ذلك ما يزيله ويبريء الذمة منه فيبقى بحاله

مسألة وفصلان : وجوب كل من صلاتي الجمع بإدراك وقت الأخرى
مسألة : قال : وإذا تطهرت الحائض وأسلم الكافر وبلغ الصبي قبل أن تغرب الشمس صلوا الظهر فالعصر وأن بلغ الصبي وأسلم الكافر وطهرت الحائض قبل أن يطلع الفجر صلوا المغرب وعشاء الآخرة
وروي هذا القول في الحائض تطهر عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس و طاوس و مجاهد و النخعي و الزهري و ربيعة و مالك و الليث و الشافعي و إسحاق و أبي ثور قال الإمام أحمد : عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده قال لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئا وحكي عن مالك أنه إذا أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية وجبت الأولى لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر وجبت بادراكه كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار بخلاف ما لو أدرك دون ذلك
ولنا : ما روى الأثرم و ابن المنذر وغيرهما باسنادهم عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلي المغرب والعشاء فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر جميعا ولأن وقت الثانية وقت الأولى حال العذر فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمه فرض الثانية
فصل : والقدر الذي يتعلق به الوجوب قدر تكبيرة الاحرام وقال الشافعي : قدر ركعة لأن ذلك هو الذي روي عن عبد الرحمن وابن عباس ولأنه أدراك تعلق به أدراك الصلاة فلم يكن باقل من ركعة كأدراك الجمعة وقال مالك : خمس ركعات
ولنا : أن ما دون الركعة تجب به الثانية فوجبت به الأولى كالركعة والخمس عند مالك ولأنه إدراك فاستوى فيه القليل والكثير كإدراك المسافر المقيم فأما الجمعة فإنما اعتبرت الركعة بكمالها لكون الجماعة شرطا فيها فاعتبر إدراك ركعة كي لا يفوته شرطها في معظمها بخلاف مسألتنا
فصل : وأن أدرك الملكف من وقت الأولى من صلاتي الجمع قدرا تجب به ثم جن أو كانت امرأة فحاضت أو نفست ثم زال العذر بعد وقتها لم تجب الثانية في إحدى الروايتين ولا يجب قضاؤها وهذا اختيار ابن حامد والاخرى يجب ويلزم قضاؤها لأنها احدى صلاتي الجمع فوجبت بإدراك جزء من وقت الأخرى كالأولى ووجه الأولى أنه لم يدرك جزءا من وقتها تبعها فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الأولى شيئا وفارق مدرك وقت الثانية فأنه أدرك وقت تبع الأولى فأن الأولى تفعل في وقت الثانية متبوعة مقصودة يجب تقديمها والبداية بها بخلاف الثانية مع الأولى ن ولأن من لا يجوز الجمع إلا في وقت الثانية ليس وقت الأولى عنده وقتا للثانية بحال فلا يكون مدركا لشيء من وقتها ووقت الثانية وقت لهما جميعا لجواز فعل الأولى في وقت الثانية ومن جوز الجمع في وقت الأولى فأنه يجوز تقديم الثانية رخصة تحتاج إلى نية التقديم وترك التفريق ومتى أخر الأولى إلى الثانية كانت مفعولة واجبة لا يجوز تركها ولا يجب نية جمعها ولا يشترط ترك التفريق بينهما فلا يصح قياس الثانية على الأولى والأصل أن لا تجب صلاة إلا بإدراك وقتها

فصول : من لا تجب عليه الصلاة
فصل : وهذه المسألة تدل على أن الصلاة لا تجب على صبي ولا كافر ولا حائض إذا لو كانت الصلاة واجبة عليهم لم يكن لتخصيص القضاء بهذه الحال معنى وهذا الصحيح في المذهب فأما الحائض فقد ذكرنا حكمها في بابها وأما الكافر فان كان أصليا لم يلزمه قضاء ما تركه من العبادات في حال كفره بغير خلاف نعلمه وقد قال الله تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وأسلم في عصر النبي صلى الله عليه و سلم خلق كثير وبعده فلم يؤمر أحد منهم بقضاء ولأن في إيجاب القضاء عليه تنفيرا عن الإسلام فعفي عنه واختلف أهل العلم في خطابه بفروع الإسلام في حال كفره مع إجماعهم على أنه لا يلزمه قضاؤها بعد إسلامه وحكي عن أحمد في هذا روايتان فأما المرتد فذكر أبو إسحاق بن شاقلا عن أحمد في وجوب القضاء عليه روايتين إحداهما لا يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي في هذه المسألة فعلى هذا لا يلزمه قضاء ما ترك في حال كفره ولا في حال إسلامه قبل ردته ولو كان قد حج لزمه استئنافه لأن عمله قد حبط بكفره بدليل قوله : { لئن أشركت ليحبطن عملك } فصار كالكافر الأصلي في جميع أحكامه والثانية يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في حال ردته وإسلامه قبل ردته ولا يجب عليه إعادة الحج لأن العمل إنما يحبط بالأشراك مع الموت لقوله تعالى { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } فشرط الأمرين لحبوط العمل وهذا مذهب الشافعي ولأن المرتد أقر بوجوب العبادات عليه واعتقد ذلك وقدر على التسبب إلى ادائها فلزمه ذلك كالمحدث ولو حاضت المرأة المرتدة لم يلزمها قضاء الصلاة في زمن حيضها لأن الصلاة غير واجبة عليها في تلك الحال وذكر القاضي رواية ثالثة أنه لا قضاء عليه لما ترك في حال ردته لأنه تركه في حال لم يكن مخاطبا بها لكفره وعليه قضاء ما ترك في إسلامه قبل الردة ولأنه كان واجبا عليه ومخاطبا به قبل الردة فيبقى الوجوب عليه بحاله قال : وهذا المذهب وهو قول أبي عبد الله بن حامد وعلى هذا لا يلزمه استئناف الحج أن كان قد حج لأن ذمته برئت منه بفعله قبل الردة فلا يشتغل به بعد ذلك كالصلاة التي صلاها في اسلامه ولأن الردة لو أسقطت حجه وأبطلته لأبطلت سائر عبادته المفعولة قبل ردته
فصل : فأما الصبي العاقل فلانه تجب عليه في أصح الروايتين وعنه أنها تجب على ما بلغ عشرا وسنذكر ذلك أن شاء الله تعالى فعلى قولنا : أنها لا تجب عليه متى صلى في الوقت ثم بلغ فيه بعد فراغه منها وفي اثنائها فعليه اعادتها وبهذا قال أبو حنيفة و قال الشافعي : يجزئه ولا يلزمه اعادتها في الموضعين لأنه أدى وظيفة الوقت فلم يلزمه اعادتها كالبالغ
ولنا : أنه صلى قبل وجوبها فلم تجزه عما وجد سبب وجوبها عليه كما لو صلى قبل الوقت ولأنه صلى نافلة فلم تجزه عن الواجب كما لو نوى نفلا ولأنه بلغ في وقت العبادة وبعد فعلها فلزمته اعادتها كالحج ووظيفة الوقت في حق البالغ ظهرا واجبة ولم يأت بها
فصل : والمجنون غير مكلف ولا يلزمه قضاء ما ترك في حال جنونه إلا أن يفيق في وقت الصلاة فيصير كالصبي يبلغ ولا نعلم في ذلك خلافا وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل ] اخرجه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي وقال : حديث حسن ولأن مدته تطول غالبا فوجدت القضاء عليه يشق فعفي عنه

مسألة : تكليف المغمى عليه ونحوه بالصلاة
مسألة : قال : والمغمى عليه يقضي جميع الصلوات التي كانت في حال اغمائه
وجملة ذلك أن المغمى عليه حكمه حكم النائم لا يسقط عنه قضاء شيء من الواجبات التي يجب قضاؤها على النائم كالصلاة والصيام وقال مالك و الشافعي : لا يلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء من وقتها لأن عائشة [ سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها ] وقال أبو حنيفة : ان اغمي عليه خمس صلوات قضاها وأن زادت سقط فرض القضاء في الكل لأن ذلك يدخل في التكرار فأسقط القضاء كالجنون
ولنا : ما روي أن عمارا غشي عليه أياما لا يصلي ثم استفاق بعد ثلاث فقال : هل صليت ؟ فقيل ما صليت منذ ثلاث فقال : أعطوني وضوءا فتوضأ ثم صلى تلك الليلة وروى أبو مجلز أن سمرة بن جندب قال : المغمى عليه يترك الصلاة أو فيترك الصلاة يصلي مع كل صلاة صلاة مثلها قال : قال عمران : زعم ولكن ليصليهن جميعا وروى الأثرم هذين الحديثين في سننه وهذا فعل الصحابة وقولهم ولا يعرف لهم مخالفا فكان إجماعا ولأن الاغماء لا يسقط فرض الصيام ولا يؤثر في استحقاق الولاية على المغمى عليه فأشبه النوم فأما حديثهم فباطل يرويه الحاكم بن سعد وقد نهى أحمد رحمه الله عن حديثه وضعفه ابن المبارك وقال البخاري : تركوه وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف أيضا ولا يصح قياسه على المجنون لأن المجنون تتطاول مدته غالبا وقد رفع القلم عنه ولا يلزمه صيام ولا شيء من أحكام التكليف وتثبت الولاية عليه ولا يجوز على الأنبياء عليهم السلام والأغماء بخلافه وما لا يؤثر في اسقاط الخمس لا يؤثر في اسقاط الزائد عليها كالنوم

فصل : ولا يؤثر في اسقاط التكليف سكر أو شرب دواء يحرم شربه وشرب الأدوية السامة
فصل : ومن شرب دواء فزال عقله به نظرت فان كان زوالا لا يدوم كثيرا فهو كالأغماء وإن كان يتطاول فهو كالمجنون وأما السكر ومن شرب محرما يزيل عقله وقتا دون وقت فلا يؤثر في اسقاط التكليف وعليه قضاء ما فاته في حال زوال عقله لا نعلم فيه خلافا ولأنه إذا وجب عليه القضاء بالنوم المباح فبالسكر المحرم أولى
فصل : وما فيه السموم من الأدوية إن كان الغالب من شربه واستعماله الهلاك به أو الجنون لم يبيح شربه وإن كان الغالب منه السلامة ويرجى منه المنفعة فالأولى إباحة شربه لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية ويحتمل أن لا يباح لأنه يعرض نفسه للهلاك فلم يبح كما لو لم يرد به التداوي والأول أصح لأن كثيرا من الأدوية يخاف منه وقد أبيح لدفع ما هو أضر منه فإذا قلنا يحرم شربه فهو كالمحرمات من الخمر ونحوه وإن قلنا يباح فهو كسائر الأدوية المباحة والله أعلم

باب الآذان
الآذان إعلام بوقت الصلاة والأصل في الآذان الإعلام قال الله عز و جل : { وأذان من الله ورسوله } أي إعلام و { آذنتكم على سواء } أعلمتكم فاستوينا في العلم وقال الحارث بن حلزة :
( آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاويمل منه الثواء )
أي أعلمتنا - والآذان الشرعي في اللفظ المعلوم المشروع في أوقات الصلوات للاعلام بوقتها وفيه فضل كثير وأجر عظيم بدليل ما روى أبو هريرة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه ] وقال أبو سعيد الخدري : إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فانه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجهما البخاري و [ عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ] أخرجه مسلم وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ثلاثة على كثبان المسك - أراه قال يوم القيامة - يغبطهم الأولون والآخرون رجل نادى بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة ورجل يؤم قوماص وهم به راضوان وعبد أدى حق الله وحق مواليه ] أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب

فصل : تعريف الآذان ومشروعيته وأفضليته
فصل : وأختلفت الرواية هل الآذان أفضل من الإمامة أو لا ؟ فروي أن الإمامة أفضل لأن النبي صلى الله عليه و سلم تولاها بنفسه وكذلك خلفاؤه ولم يتولوا الآذان ولا يختارون إلا الأفضل ولأن الإمامة يختار لها من هو أكمل حالا وأفضل واعتبار فضيلته دليل على فضيلة منزلته والثانية الآذان أفضل وهو مذهب الشافعي لما روينا من الأخبار في فضيلته ولما روى أبو هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين ] أخرجه أبو داود و النسائي والامانة أعلى من الضمان والمغفرة أعلى من الارشاد ولم يتوله النبي صلى الله عليه و سلم ولا خلفاؤه لضييق وقتهم عنه ولهذا قال عمر رضي الله عنه : لولا الخلافة لأذنت وهذا اختيار القاضي و ابن أبي موسى وجماعة من أصحابنا والله أعلم
فصل : والأصل في الآذان ما روى محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي عن محمد بن زيد بن عبد ربه قال [ حدثني أبي عبد الله بن زيد قال : لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله : أتبيع الناقوس ؟ فقال : وما تصنع به ؟ قلت ندعو به إلى الصلاة : قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت له بلى فقال : تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال : ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال : تقول إذا أقمت الصلاة : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاج قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بما رأيت فقال : أنها رؤيا حق أن شاء الله فقم مع بلال فالق عليه ما رأيت فليؤذن به فانه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداء فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلله الحمد ] رواه الأثرم و أبو داود وذكر الترمذي آخره بهذا الاسناد وقال : هو حديث حسن صحيح وأجمعت الأمة على أن الآذان مشروع للصلوات الخمس

مسألة : صيغة الآذان
مسألة : قال : ويذهب أبو عبد الله رحمه الله إلى الآذان إلى أذان بلال رضي الله عنه وهو : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر لا إله إلا الله
وجملة ذلك أن اختيار أحمد رحمه الله من الآذان أذان بلال رضي الله عنه وهو كما وصف الخرقي وجاء في خبر عبد الله بن زيد وهو خمس عشر كلمة لا ترجيع فيه وبهذا قال الثوري و أصحاب الرأي و إسحاق وقال مالك و الشافعي : ومن تبعهما من أهل الحجاز : الآذان المسنون أذان أبي محذورة وهو مثل ما وصفنا إلا أنه يسن الترجيع وهو أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يخفض بذلك صوته ثم يعيدهما رافعا بهما صوته إلا أن مالكا قال : التكبير مرتان حسب فيكون الآذان عنده سبع عسرة كلمة وعند الشافعي تسع عشرة كملة واحتجوا بما [ روى أبو محذورة أن النبي صلى الله عليه و سلم لقنه الآذان وألقاه عليه فقال له : تقول : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ] أخرجه مسلم ثم ذكر سائر الآذان وهو حديث متفق عليه واحتج مالك بان ابن محيريز قال : كان الآذان الذي يؤذن به أبو محذورة : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله متفق عليه
ولنا : حديث عبد الله زيد والأخذ به أولى لأن بلابا كان يؤذن به مع رسول الله صلى الله عليه و سلم دائما سفرا وحضرا وأقره النبي صلى الله عليه و سلم على أذانه بعد أذان أبي محذورة قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسألى إلى أي الآذان يذهب ؟ قال : إلى أذان بلال رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد ثم وصفه قيل ل أبي عبد الله : أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة ؟ فقال : أليس قد رجع النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فأقر بلالا على أذان عبد الله بن زيد ؟ وهذا من الأختلاف المباح فان رجع فلا بأس نص عليه أحمد وكذلك قال إسحاق فأن الأمرين كلاهما قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم ويحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أمر محذورة بذكر الشهادتين سرا ليحصل له الإخلاص بهما فان الإخلاص في الاسرار بهما أبلغ من قولهما اعلانا للإعلام وخص أبا محذورة بذلك لأنه لم يكن مقرا بهما حينئذ فان الخبر أنه كان مستهزئا يحكي أذان مؤذن النبي صلى الله عليه و سلم فسمع النبي صلى الله عليه و سلم صوته فدعاه فأمره بالآذان قال ولا شيء عندي أبغض من النبي صلى الله عليه و سلم ولا مما يأمرني به فقصد النبي صلى الله عليه و سلم نطقه بالشهادتين سرا ليسلم بذلك ولا يوجد هذا في غيره ودليل هذا الاحتمال كون النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر به بلالا ولا غيره ممن كان مسلما ثابت الإسلام والله أعلم

مسألة : صيغة الاقامة للصلاة
مسألة : قال : والاقامة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
وبهذا قال الشافعي : وقال أبو حنيفة : الاقامة مثل الآذان ويزيد الاقامة مرتين لحديث عبد الله بن زيد أن الذي علمه الآذان أمهل هنيهه ثم قام فقال مثلها رواه أبو داود وروى ابن محيريز عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه و سلم علمه الإقامة سبع عشرة كلمة قال الترمذي : هذا حديث صحيح وقال مالك : الأقامة عشر كلمات تقول قد قامت الصلاة مرة واحدة لما روى أنس قال أمر بلال أن يشفع الآذان وبوتر الاقامة متفق عليه
ولنا : ما روى عبد الله بن عمر أنه قال : إنما كان الآذن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم مرتين مرتين والاقامة مرة مرة إلا أنه قال قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة أخرجه النسائي وفي حديث عبد الله بن زيد أنه وصف الاقامة كما ذكرنا رواه الإمام أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق بالاسناد الذي ذكرناه وما احتجوا به من قوله فقام فقال فقد قال الترمذي : الصحيح مثل ما رويناه وقال ابن خزيمة الصحيح ما رواه محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه ثم استأخر غير كثير ثم قال : مثل ما قال وجعلها وترا إلا أنه قال : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وهذه زيادة بيان يجب الاخذ بها وتقديم العمل بهذه الرواية المشروحة وأما خبر أبي محذورة في تثنية الاقامة فان ثبت كان الاخذ بخبر عبد الله بن زيد أولى لأنه أذان بلال وقد بينا وجوب تقديمه في الآذان وكذا في الاقامة وخبر أبي محذورة متروك بالإجماع في الترجيع في الاقامة ولذلك عملنا نحن و أبو حنيفة بخبره في الآذان وأخذ بأذانه مالك و الشافعي وهما يريان إفراد الاقامة

مسألة وفصل : ويستحب في الآذان الترسل
مسألة : قال : ويترسل في الآذان ويحدر الاقامة
الترسل التمهل والتأني من قولهم جاء فلان على رسله والحدر ضد ذلك وهو الاسراع وقطع التطويل وهذا من آداب الآذان ومستحباته ل [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر ] رواه أبو داود و الترمذي وقال هو حديث غريب وروى أبو عبيد باسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمؤذن بيت المقدس : إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم قال الأصمعي : وأصل الحذم في المشي إنما هو الاسراع وأن يكون مع هذا كأنه يهوي بيديه إلى خلفه ولأن هذا معنى يحصل به الفرق بين الآذان والأقامة فاستحب كالافراد ولأن الآذان إعلام الغائبين والتثبيت فيه أبلغ في الإعلام والأقامة إعلام الحاضرين فلا حاجة إلى التثبت فيها
فصل : ذكر أبو عبد الله بن بطة أنه حال ترسله ودرجه لا يصل الكلام بعضه ببعض معربا بل جزما وحكاه عن ابن الانباري عن أهل اللغة قال وروي عن إبراهيم النخعي قال شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما الآذان والاقامة قال وهذه إشارة إلى جماعتهم

مسألة وفصلان : ويقول في آذان الصبح الصلاة خير من النوم ويكره التثويب في غير الفجر ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الآذان
مسألة : قال : ويقول في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين
وجملته أنه يسن أن يقول في أذان الصبح : الصلاة خير من النوم - مرتين - بعد قوله حي على الفلاح ويسمى التثويب وبذلك قال ابن عمر و الحسن البصري و ابن سيرين و الزهري و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أبو ثور و الشافعي في الصحيح عنه وقال أبو حنيفة : التثويب بين الآذان والاقامة في الفجر أن يقول : حي على الصلاة - مرتين حي على الفلاح - مرتين
ولنا : ما روى النسائي باسناده [ عن أبي محذورة قال : قلت يا رسول الله : علمني سنة الآذان فذكر إلى أن قال بعد قوله حي على الفلاح : فان كان في صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم - مرتين - الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ] وما ذكروه فقال إسحاق : هذا شيء أحدثه الناس وقال أبو عيسى : هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم وهو الذي خرج منه ابن عمر من المسجد لما سمعه
فصل : ويكره التثويب في غير الفجر سواء ثوب في الآذان أو بعد لما روي [ عن بلال أنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء ] رواه ابن ماجة ودخل ابن عمر مسجدا يصلي فيه فسمع رجلا يثوب في أذان الظهر فخرج فقيل له أين ؟ فقال : أخرجتني البدعة ولأن صلاة الفجر وقت ينام فيه عامة الناس ويقومون إلى الصلاة عن نوم فاختصت بالتثويب لاختصاصها بالحاجة إليه
فصل : ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الآذان إلا لعذر قال الترمذي : وعلى هذا العمل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الآذان إلا من عذر قال أبو الشعثاء : كنا قعودا مع أبي هريرة في المسجد فأذن المؤذن فقال رجل من المسجد يمشي فاتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أدركه الآذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق ] رواه ابن ماجة فأما الخروج لعذر فمباح بدليل أن ابن عمر خرج من أجل التثويب في غير حينه وكذلك من نوى الرجعة لحديث عثمان رضي الله عنه

مسألة وفصول : وقت الآذان للصلاة
مسألة : قال : ومن أذن لغير الفجر قبل دخول الوقت أعاد إذا دخل الوقت
فصل : الكلام في هذه المسألة في فصلين أحدهما : في أن الآذان قبل الوقت في غير الفجر لا يجزئ وهذا لا نعلم فيه خلافا قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلوات بعد دخول وقتها إلا الفجر ولأن الآذان شرع للإعلام بالوقت فلا يشرع قبل الوقت لئلا يذهب مقصوده
فصل : الفصل الثاني : أنه يشرع الآذان للفجر قبل وقتها وهو قول مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق ومنعه الثوري و أبو حنيفة و محمد بن الحسن لما روى ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يرجع فينادي : ألا إن العبد نام إلا إن العبد نام و [ عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يديه عرضا ] رواهما أبو داود وقال طائفة من أهل الحديث : إذا كان له مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس لأن الآذان قبل الفجر يفوت المقصود من الاعلام بالوقت فلم يجز كبقية الصلوات إلا أن يكون له مؤذنان يحصل إعلام الوقت بأحدهما كما كان النبي صلى الله عليه و سلم
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن ام مكتوم ] متفق عليه وهذا يدل على دوام ذلك منه والنبي صلى الله عليه و سلم أقره عليه ولم ينهه عنه فثبت جوازه و [ روى زياد بن الحارث الصدائي قال : لما كان أول أذان الصبح أمرني النبي صلى الله عليه و سلم فأذنت فجعلت أقول : أقيم أقيم يا رسول الله ؟ فجعل ينظر إلى ناحية الشرق ويقول لا حتى إذا طلع الفجر نزل فبرز ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه فتوضأ فأراد بلال أن يقيم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم قال : فأقمت ] رواه أبو داود و الترمذي وهذا قد أمره النبي صلى الله عليه و سلم بالآذان قبل طلوع الفجر وهو حجة على من قال : إنما يجوز إذا كان له مؤذنان فان زيادا أذن وحده وحديث ابن عمر الذي احتجوا به قال أبو داود : لم يروه إلا حماد بن سلمة و رواه حماد بن زيد و الدراوردي فخالفاه وقالا مؤذن لعمر وهذا أصح : وقال علي بن المديني : أخطأ فيه يعني حمادا وقال الترمذي : هو غير محفوظ وحديثهم الآخر قال ابن عبد البر : لا يقوم به ولا بمثله حجة لضعفه وانقطاعه وإنما اختص الفجر بذلك لأنه وقت النوم لينتبه الناس ويتأهبوا للخروج إلى الصلاة وليس ذلك في غيرها وقد روينا في حديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ ان بلالا ليؤذن بليل لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم ] رواه أبو داود ولا ينبغي أن يتقدم ذلك على الوقت كثيرا إذ كان المعنى فيه ما ذكرناه فيفوت المقصود منه وقد روي أن بلالا كان بين أذانه وأذان ابن ام مكتوم أن ينزل هذا ويصعد هذا
ويستحب أيضا أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كفعل بلال وابن أم مكتوم اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الاعلام بالوقت المقصود بالآذان فإذا كانا مؤذنين حصل الاعلام بالوقت بالثاني وبقربه بالمؤذن الأول
فصل : وينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها ليعلم الناس ذلك من عادته فيعرفوا الوقت باذانه ولا يؤذن في الوقت تارة وقبله أخرى فيلتبس على الناس ويغتروا بأذانه فربما صلى بعض من سمعه الصبح بناء على أذانه قبل وقتها وربما امتنع المتسحر من سحوره والمتنفل من صلاته بناء على أذانه ومن علم حاله لا يستفيد بأذانه فائدة لتردده بين الاحتمالين ولا يقدم الآذان كثيرا تارة ويؤخره أخرى فلا يعلم الوقت بأذانه فتقل فائدته
فصل : قال بعض أصحابنا : ويجوز الآذان للفجر بعد نصف الليل وهذا مذهب الشافعي لأن بذلك يخرج وقت العشاء المختار ويدخل وقت الدفع من مزدلفة ووقت رمي الجمرة وطواف الزيارة وقد روى الأثرم عن جابر قال : كان مؤذن مسجد دمشق يؤذن لصلاة الصبح في السحر بقدر ما يسير الراكب ستة أميال فلا ينكر ذلك مكحول ولا يقول فيه شيئا
فصل : ويكره الآذان قبل الفجر في شهر رمضان نص عليه أحمد في رواية الجماعة لئلا يغتر الناس به فيتركوا سحورهم ويحتمل أن لا يكره في حق من عرف عادته بالآذان في الليل لأن بلالا كان يفعل ذلك بدليل قوله عليه السلام : [ ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ] وقال عليه السلام : [ لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال فانه يؤذن بليل لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم ]
فصل : ويستحب أن يؤذن في أول الوقت ليعلم الناس فيأخذوا أهبتهم للصلاة وروى جابر بن سمرة قال : كان بلال لا يؤخر الآذان عن الوقت وربما أخر الاقامة شيئا رواه ابن ماجة وفي رواية قال كان بلال يؤذن إذا مالت الشمس لا يؤخر ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه و سلم فإذا خرج أقام حين يراه رواه أحمد في المسند ويستحب أن يفصل بين الآذان والاقامة بقدر الوضوء وصلاة ركعتين يتهيؤون فيها وفي المغرب يفصل بجلسة خفيفة وحكلي عن أبي حنيفة و الشافعي أنه لا يسن في المغرب
ولنا : ما روى الإمام أحمد في مسنده باسناده عن أبي بن كعب قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا بلال اجعل بين أذانك واقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي حاجته في مهل ] وعن جابر بن عبد الله [ ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لبلال : اجعل بين أذانك واقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ] رواه أبو داود و الترمذي وروى تمام في فوائده باسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ جلوس المؤذن بين الآذان والإقامة في المغرب سنة ] قال إسحاق بن منصور : رأيت أحمد خرج عند المغرب فحين انتهى إلى موضع الصف أخذ المؤذن في الإقامة فجلس وروى الخلال باسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النبي صلى الله عليه و سلم جاء وبلال في الإقامة فقعد وقال أحمد : يقعد الرجل مقدار ركعتين إذا أذن المغرب قيل : من أين ؟ قال : من حديث أنس وغيره كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري وصلوا ركعتين ولأن الآذان مشرع للإعلام فيسن الانتظار ليدرك الناس الصلاة ويتهيؤوا لها دليله سائر الصلوات

مسألة وفصول : ما يستحب في المؤذن وفيما يعمله
مسألة : قال : ولا يستحب أبو عبد الله أن يؤذن إلا طاهرا فأن أذن جنبا عاد
المستحب للمؤذن أن يكون متطهرا من الحدث الأصغر والجنابة جميعا لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يؤذن إلا متوضىء ] وروي موقوفا على أبي هريرة وهو أصح من المرفوع فان أذن محدثا جاز لأنه لا يزيد على قراءة القرآن والطهارة غير مشروطة له وأن أذن جنبا فعلى روايتين إحداهما لا يعتد به وهو قول إسحاق والأخرى يعتد به قال أبو الحسن الآمدي وهو المنصوص عن أحمد وقول أكثر أهل العلم لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالآخر
ووجه الأول ما روي عن وائل بن حجر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر ] ولأنه ذكر مشروع للصلاة فأشبه القرآن والخطبة
فصل : ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل ذكر فأما الكافر والمجنون فلا يصح منهما لانهما ليسا من أهل العبادات ولا يعتد بأذان المرأة لأنها ليست ممن يشرع له الاذان فأشبهت المجنون ولا الخنثى لأنه لا يعلم كونه رجلا وهذا كله مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا وهل يشترط العدالة والبلوغ للاعتقاد به ؟ على روايتين في الصبي ووجهين في الفاسق إحداهما يشترط ذلك ولا يعتد بأذان صبي ولا فاسق لأنه مشروع للإعلام ولا يحصل الاعلام بقولهما لأنهما ممن لا يقبل خبره ولا روايته ولأنه قد روي : ليؤذن لكم خياركم والثانية يعتد بأذانه وهو قول عطاء و الشعبي و ابن أبي ليلى و الشافعي وروى ابن المنذر باسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال : كان عمومتي يأمرونني أن أوذن لهم وأنا غلام ولم احتلم وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك وهذا مما يظهر ولا يخفى ولم ينكر فيكون إجماعا ولأنه ذكر تصح صلاته فاعتد بأذانه كالعدل البالغ ولا خلاف في الاعتداد بأذان من هو مستور الحال وإنما الخلاف فيمن هو ظاهر الفسق ويستحب أن يكون المؤذن عدلا أمينا بالغا لأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة والصيام فلا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك ولأنه على موضع عال فلا يؤمن منه النظر إلى العورات وفي الاذان الملحن وجهان أحدهما يصح لأن المقصود يحصل منه فهو كغير الملحن والآخر لا يصح لما روى الدارقطني باسناده عن ابن عباس قال : [ كان للنبي صلى الله عليه و سلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الاذان سهل سمح فان كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن ]
فصل : ويستحب أن يكون المؤذن بصيرا لأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط فان أذن الأعمى صح أذانه فان ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي صلى الله عليه و سلم قال ابن عمرو : كان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت رواه البخاري ويستحب أن يكون معه بصير يعرفه الوقت أو يؤذن بعد مؤذن بصير كما كان ابن أم مكتوم يؤذن بعد أذان بلال ويستحب أن يكون عالما بالأوقات ليتحراها فيؤذن في أولها وإذا لم يكن عالما فربما غلظ وأخطأ فأن أذن الجاهل صح أذانه فانه إذا صح أذان الأعمى فالجاهل أولى ويتسحب أن يكون صيتا يسمع الناس واختار النبي صلى الله عليه و سلم أبا محذورة للأذان لكونه صيتا وفي حديث عبد الله بن زيد [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : ألقه على بلال فانه أندى صوتا منك ] ويستحب أن يكون حسن الصوت لأنه أرق لسامعه

فصل : الأجرة على الآذان
فصل : ولا يجوز أخذ الأجرة على الآذان في ظاهر المذهب وكرهه القاسم بن عبد الرحمن و الأوزاعي و أصحاب الرأي و ابن المنذر لـ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعثمان بن أبي وقاص : واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ] رواه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي وقال : حديث حسن ولأنه قربة لفاعله لا يصح إلا من مسلم فلم يستأجره عليه كالإمامة وحكي عن أحمد رواية أخرى أنه يجوز أخذ الأجرة عليه ورخص فيه مالك و بعض الشافعية لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر الأعمال ولا نعلم خلافا في جواز أخذ الرزق عليه وهذا قول الأوزاعي و الشافعي لأن بالمسلمين حاجة إليه وقد لا يوجد متطوع به وإذا لم يدفع الرزق فيه يعطل ويرزقه الإمام من الفيء لأنه المعد للمصالح فهو كارزاق القضاة والغزاة وأن وجد متطوع به لم يرزق غيره لعدم الحاجة إليه

فصول : آداب من يتولى الإقامة
فصل : وينبغي أن يتولى الإقامة من تولى الآذان وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك : لا فرق بينه وبين غيره لما روى أبو داود في حديث [ عبد الله بن زيد أنه رأى الآذان في المنام فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال : ألقه على بلال فألقاه عليه فأذن بلال فقال عبد الله : أنا رأيته وأنا كنت أريده قال : أقم أنت ] ولأنه يحصل المقصود منه فأشبه ما لو تولاهما معا
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث الحارث الصدائي : [ ان أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم ] ولأنهما فعلان من الذكر يتقدمان الصلاة فيسن أن يتولاهما كالخطبتين وما ذكروه يدل على الجواز وهذا على الاستحاب فان سبق المؤذن بالاذان فأراد المؤذن أن يقيم فقال أحمد : لو أعاد الآذان كما صنع أو محذورة كما روى عبد العزيز بن رفيع قال : رأيت رجلا أذن قبل أبي محذورة قال : فجاء فأذن ثم أقام أخرجه الأثرم فان اقام من غير إعادة فلا بأس وبذلك قال مالك و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي لما ذكروه من حديث عبد الله بن زيد
فصل : ويستحب أن يقيم في موضع أذانه قال أحمد : أحب إلي أن يقيم في مكانه ولم يبلغني فيه شيء إلا حديث بلال : لا تسبقني بآمين يعني لو كان يقيم في موضع صلاته لما خاف أن يسبقه بالتأمين لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما كان يكبر بعد فراغه من الإقامة ولأن الإقامة شرعت للإعلام فشرعت في موضعه ليكون أبلغ في الإعلام وقد دل على هذا حديث عبد الله بن عمر قال : كنا غذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة إلا أن يؤذن في المنارة أو مكان بعيد من المسجد فيقيم في غير موضعه لئلا يفوته بعض الصلاة
فصل : ولا يقيم حتى يأذن له الإمام فان بلالا كان يستأذن النبي صلى الله عليه و سلم وفي حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه قال فجعلت أقول للنبي صلى الله عليه و سلم أقيم أقيم ؟ وروى أبو حفص باسناده عن علي قال : المؤذن أملك بالآذان والإمام أملك بالإقامة

مسألة وفصول : حكم الآذان
مسألة : قال : ومن صلى بلا أذان ولا إقامة كرهنا له ذلك ولا يعيد
يكره ترك الآذان للصلوات الخمس لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان صلواته بأذان وإقامة والأئمة بعده وأمر به [ قال مالك بن الحويرث : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم أنا ورجل نودعه فقال : إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما ] متفق عليه وظاهر كلام الخرقي أن الآذان سنة مؤكدة وليس بوادب - لأنه جعل تركه مكروها وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي لأنه دعاء إلى الصلاة فأشبه قوله : الصلاة جامعة وقال أبو بكر بن عبد العزيز : هو من فروض الكفايات وهذا قول أكثر أصحابنا وقول بعض أصحاب مالك وقال عطاء و مجاهد و الأوزاعي : هو فرض لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر به مالكا وصاحبه وداوم عليه هو وخلفاؤه وأصحابه والأمر يقتضي الوجوب ومداومته على فعله دليل على وجوبه ولأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فكان فرضا كالجهاد على قول أصحابنا إذا قام به من تحصل به الكفاية سقط عن الباقين لأن بلال كان يؤذن للنبي صلى الله عليه و سلم فيكتفي به وإن صلى مصلى بغير أذان ولا إقامة فالصلاة صحيحة على القولين لما روي عن علقمة والاسود أنهما قالا : دخلنا على عبد الله فصلى بنا بلا أذان ولا إقامة رواه الأثرم ولا أعلم أحدا خالف في ذلك إلا عطاء قال : ومن نسي الإقامة يعيد و الأوزاعي قال : مرة يعيد ما دام في الوقت فان مضى الوقت فلا إعادة عليه وهذا شذوذ والصحيح قول الجمهور لما ذكرنا ولأن الإقامة أحد الآذانين فلم تفسد الصلاة بتركها كالآخر
فصل : ومن أوجب الاذان من أصحابنا فانما أوجبه على أهل المصر كذلك قال القاضي : لا يجب على أهل غير المصر من المسافرين وقال مالك : إنما يجب النداء في مساجد الجماعة التي يجمع فيها للصلاة وذلك لأن الآذان إنما شرع في الأصل للإعلام بالوقت ليجتمع الناس إلى الصلاة ويدركوا الجماعة ويكفي في المصر أذان واحد إذا كان بحيث يسمعهم وقال ابن عقيل : يكفي أذان واحد في المحلة ويجترىء بقيتهم بالإقامة وقال أحمد في الذي يصلي في بيته يجزئه أذان المصر وهو قول الأسود وأبي مجلز و مجاهد و الشعبي و النخعي و عكرمة وأصحاب الرأي وقال ميمون بن مهران و الأوزاعي و مالك : تكفيه الإقامه وقال الحسن و ابن سيرين : إن شاء أقام ووجه ذلك [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للذي علمه الصلاة : إذا أردت الصلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ] ولم يأمره بالاذان وفي لفظ رواه النسائي [ فأقم ثم كبر ] وحديث ابن مسعود والأفضل لكل مصل أن يؤذن ويقيم إلا أنه إن كان يصلي قضاء أو في غير وقت الأذان لم يجهر به وإن كان في الوقت في بادية أو نحوها استحب له الجهر بالاذان لقول أبي سعيد [ إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ] قال أبو سعيد : سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن أنس [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يغير إذا طلع الفجر وكان إذا سمع إذانا أمسك وإلا أغار فسمع رجلا يقول : الله أكبر الله الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم على : على الفطرة فقال : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : خرجت من النار فنظروا فإذا صاحب معز ] أخرجه مسلم
فصل : ومن فاتته صلوات استحب له أن يؤذن للأولىثم يقيم لكل صلاة إقامة وإن لم يؤذن فلا بأس قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل يقضي صلاة كيف يصنع في الأذان ؟ فذكر حديث هشيم بن الزبير عن نافع بن جبير عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه و سلم عن ربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله قال : فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى الظهر ثم أمره فأقام فصلى العصر ثم أمره فأقام فصلى المغرب ثم أمره فأقام فصلى العشاء قال أبو عبد الله وهشام الدستوائي لم يقل كما قال هشيم جعلها إقامة قلت : فكأنك تختار حديث هشيم ؟ قال : نعم هو زيادة أي شيء يضره وهذا في الجماعة فان كان يقضي وحده كان استحباب ذلك أدنى في حقه لأن الأذان والإقامة للإعلام ولا حاجة إلى الإعلام ههنا وقد روي عن أحمد في رجل فاتته صلوات فقضاها ليؤذن ويقيم مرة واحدة يصليها كلها فسهل في ذلك ورأه حسنا وقال الشافعي : نحو ذلك وله قولان آخران أحدهما أنه يقيم ولا يؤذن وهذا قول مالك لما روى أبو سعيد قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب يهوي من الليل قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها ثم أمره فأقام العصر فصلاها ولأن الأذان للإعلام بالوقت وقد فات والقول الثالث إن رجي اجتماع الناس أذن وإلا فلا لأن الأذان مشروع للإعلام فلا يشرع إلا مع الحاجة وقال أبو حنيفة : يؤذن لكل صلاة ويقيم لأن ماسن للصلاة في أدائها سن في قضائها كسائر المسنونات
ولنا : حديث ابن مسعود رواه الأثرم و النسائي وغيرهما وهو متضمن للزيادة من الثقة مقبولة و [ عن أبي قتادة أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم فناموا حتى طلعت الشمس فقال النبي صلى الله عليه و سلم يا بلال : قم فأذن الناس بالصلاة ] متفق عليه ورواه عمران بن حصين أيضا قال فأمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين ثم أمره فأقام فصلينا متفق عليه
ولنا : على أبي حنيفة حديث ابن مسعود وأبي سعيد ولأن الثانية من الفوائت صلاة وقد أذن لما قبلها فأشبهت الثانية من المجموعتين وقياسهم منتقض بهذا
فصل : فان جمع بين صلاتين في وقت أولاهما استحب أن يؤذن للأولى ويقيم ثم يقيم للثانية وإن جمع بينهما في وقت الثانية فهما كالفائتتين لا يتأكد الآذان لهما لأن الأولى منهما تصلى في غير وقتها والثانية مسبوقة بصلاة قبلها وإن جمع بينهما بإقامة واحدة فلا بأس وقال أبو حنيفة في المجموعتين : لا يقيم الثانية لـ [ أن ابن عمر روى أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم المغرب والعشاء بمزدلفة بإقامة واحدة صحيح ] وقال ومالك : يؤذن للأولى والثانية ويقيم لأن الثانية منهما صلاة يشرع لها الأذان وهي مفعولة في وقتها فيؤذن لها كالأولى
ولنا : على الجمع في وقت الأولى ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة باذان وإقامتين رواه مسلم ولأن الأولى منهما في وقتها فيشرع لها الأذان كما لو لم يجمعهما وأما إذا كان الجمع في وقت الثانية فقد روى ابن عمر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم جمع بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما باقامة ] رواه البخاري وأن جمع بينهما بإقامة فلا بأس لحديث آخر ولأن الأولى مفعولة في غير وقتها فأشبهت الفائتة والثانية منهما مسبوقة بصلاة فلا يشرع لها الاذان كالثانية من الفوائت وما دهبت إليه مالك يخالف الخبر الصحيح وقد رواه في موطئه وذهب إلى ما سواه
فصل : ويشرع الأذان في السفر للراعي وأشباهه في قول أكثر أهل العلم وكان ابن عمر يقيم لكل صلاة إقامة إلا الصبح فإنه يؤذن لها ويقيم وكان يقول : إنما الأذان على الأمير والإقامة على الذي يجمع الناس وعنه أنه كان لا يقيم في أرض تقام فيها الصلاة وعن علي أنه قال إن شاء أذن وأقام وإن شاء أقام وبه قال عروة و الثوري وقال الحسن و ابن سيرين : تجزئه الإقامة وقال إبراهيم في المسافرين إذا كانوا رفاقا أذنوا وأقاموا وإذا كان وحده أقام للصلاة
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يؤذن له في الحضر والسفر وقد ذكرنا ذلك في حديث أبي قتادة وعمران زياد ابن الحارص وأمر به مالك بن الحويرث وصاحبه وما نقل عن السلف في هذا فالظاهر أنهم أرادوا الواحد وحده وقد بينه إبراهيم النخعي في كلامه والأذان مع ذلك أفضل لما ذكرنا من حديث أبي سعيد وحديث أنس وروى [ عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يعجب ربك من راعي غنم في رأس الشظية للجبل يؤذن للصلاة ويصلي فيقول الله عز و جل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة ] رواه النسائي وقال سلمان الفارسي إذا كان الرجل بأرض قي فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان فإن أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه وكذلك قال سعيد بن المسيب إلا أنه قال : صلى خلفه من الملائكة أمثال الجبال
فصل : ومن دخل مسجدا قد صلي فيه فإن شاء أذن وأقام نص عليه أحمد لما روى الأثرم و سعيد بن منصور عن أنس أنه دخل مسجدا قد صلوا فيه فأمر رجلا وأقام فصلى بهم في جماعة وإن شاء صلى من غير أذان ولا إقامة فإن عروة قال : إذا انتهيت إلى مسجد قد صلى فيه ناس أذنوا وأقاموا فإن أذانهم وإقامتهم تجزىء عمن جاء بعدهم وهذا قول الحسن و الشعبي و النخعي إلا أن الحسن قال : كان أحب إليهم أن يقيم وإذا أذن فالمستحب أن يخفي ذلك ولا يجهر به ليغر الناس بالأذان في غير محله

فصل : ليس على النساء آذان ولا إقامة
فصل : وليس على النساء أذان ولا إقامة وكذلك قال ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب و الحسن و ابن سيرين و النخعي و الثوري و مالك و أبو ثور و أصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا وهل يسن لهن ذلك ؟ فقد روي عن أحمد قال : إن فعلن فلا بأس وإن لم يفعلن فجائز وقال القاضي : هل يستحب لها الإقامة ؟ على روايتين وعن جابر أنها تقيم وبه قال عطاء و مجاهد و الأوزاعي وقال الشافعي : إن أذن وأقمن فلا بأس وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وبه قال إسحاق وقد [ روي عن أم ورقة أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن لها أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساء أهل دارها ] وقيل إن هذا الحديث يرويه الوليد بن جميع وهو ضعيف وروى النجاد بإسناده عن [ أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ليس على النساء أذان ولا إقامة ] ولأن الأذان في الأصل للإعلام ولا يشرع لها ذلك والأذان يشرع له رفع الصوت ولا يشرع لها رفع الصوت ومن لا يشرع في حقه الأذان لا يشرع في حقه كغير المصلي وكمن أدرك بعض الجماعة

مسائل وفصول : ما يستحب في المؤذن عمله
مسألة : قال : ويجعل أصابعه مضمومة على أذنيه
المشهور عن أحمد أنه يجعل اصبعه في أذنيه وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يجعل المؤذن اصبعه في أذنيه قال الترمذي لما روى أبو جحيفة أن بلالا أذن ووضع اصبعيه في أذنيه متفق عليه وعن سعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه قال : أنه أرفع لصوتك ] وروى أبو طالب عن أحمد أنه قال أحب إلي أن يجعل يديه على أذنيه على حديث أبي محذورة وضم أصابعه الأربع ووضعها على أذنيه وحكى أبو حفص عن ابن بطة قال : سألت أبا القاسم الخرقي عن صفة ذلك فأرانيه بيديه جميعا فضم أصابعه على راحتيه ووضعهما على أذنيه وأحتج لذلك القاضي بما روى أبو حفص بإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا بعث مؤذنا يقول له أضمم أصابعك مع كفيك واجعلها مضمومة على أذنيك وبما روى الإمام أحمد عن أبي محذورة أنه كان يضم أصابعه والأول أصح لصحة الحديث وشهرته وعمل أهل العلم به وأيهما فعل فحسن وإن ترك الكل فلا بأس
فصل : ويستحب رفع الصوت بالأذان ليكون أبلغ في إعلامه وأعظم لثوابه كما ذكر في خبر أبي سعيد ولا يجهد نفسه في رفع صوته زيادة على طاقته لئلا يضر بنفسه وينقطع صوته فإن أذن لعامة الناس جهر بجميع الأذان ولا يجهر ببعض يخافت ببعض لئلا يفوت مقصود الأذان وهو الإعلام وإن أذن لنفسه أو لجماعة خاصة حاضرين جاز أن يخافت ويجهر وأن يخافت ببعض ويجهر ببعض إلا أن يكون في وقت الأذان فلا يجهر بشيء منه لئلا يغر الناس بأذانه
فصل : وينبغي أن يؤذن قائما قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ من أهل العلم أن السنة أن يؤذن قائما وفي حديث أبي قتادة الذي رويناه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لبلال قم فأذن ] وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤذنون قياما وإن كان له عذر فلا بأس أن يؤذن قاعدا قال الحسن العبدي رأيت أبا زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت رجله أصيبت في سبيل الله يؤذن قاعدا رواه الأثرم فإن أذن قاعدا لغير عذر فقد كرهه أهل العلم ويصح فإنه ليس بآكد من الخطبة وتصح من القاعد قال الأثرم وسمعت أبا عبد الله يسأل عن الأذان على الراحلة فسهل فيه وقال أمر الأذان عندي سهل وروي عن ابن عمر أنه كان يؤذن على الراحلة ثم ينزل فيقيم وإذا أبيح التنفل على الراحلة فالأذان أولى
فصل : ويستحب أن يؤذن على شيء مرتفع ليكون أبلغ لتأدية صوته وقد روى أبو داود عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت : كان بيتي من أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال : اللهم إني استعينك وأستعديك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن وفي حديث بدء الأذان فقال رجل من الأنصار يا رسول الله رأيت رجلا كان عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول قد قامت الصلاة
فصل : ولا يستحب أن يتكلم في أثناء الأذان وكرهه طائفة من أهل العلم قال الأوزاعي : لم نعلم أحدا يقتدي به فعل ذلك ورخص فيه الحسن و عطاء و قتادة و سليمان بن صرد فإن تكلم بكلام يسير جاز وإن طال الكلام بطل لأنه يقطع الموالاة المشروطة في الأذان فلا يعلم أنه أذان وكذلك لو سكت سكوتا طويلا أو نام نوما طويلا أو أغمي عليه أو أصابه جنون يقطع الموالاة بطل أذانه وإن كان الكلام يسيرا محرما كالسب ونحوه فقال بعض أصحابنا فيه وجهان أحدهما لا يقطعه لأنه لا يخل بالمقصود فأشبه المباح والثاني بقطعه لأنه محرم فيه وأما الإقامة فلا ينبغي أن يتكلم فيها لأنها يستحب حدوها وأن لا يفرق بينها قال أبو داود قلت ل أحمد الرجل يتكلم في أذانه ؟ فقال نعم فقلت له يتكلم في الإقامة فقال لا
فصل : وليس للرجل أن يبني على أذان غيره ولأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين كالصلاة والردة تبطل الأذان إن وجدت في أثنائه وإن وجدت بعده فقال القاضي قياس قوله في الطهارة أن تبطل أيضا الصحيح أنها لا تبطل لأنها وجدت بعد فراغه وانقضاء حكمه بحيث لا يبطله شيء من مبطلاته فأشبه سائر العبادات إذا وجدت بعد فراغه منها بخلاف الطهارة فإنها تبطل بمبطلاتها فالأذان أشبه بالصلاة في هذا الحكم منه بالطهارة والله تعالى أعلم
فصل : ولا يصح الأذان إلا مرتبا لأن المقصود منه يختل بعدم الترتيب وهو الإعلام فإنه إذا لم يكن مرتبا لم يعلم أنه أذان ولأنه شرع في الأصل مرتبا وعلمه النبي صلى الله عليه و سلم أبا محذورة مرتبا
مسألة : قال : ويدبر وجهه على يمينه إذا قال : حي على الصلاة وعلى يساره إذا قال : حي على الفلاح ولا يزيل قدميه
المستحب أن يؤذن مستقبل القبلة لا نعلم فيه خلافا فإن مؤذني النبي كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة ويستحب أن يدير وجهه على يمينه إذا قال حي على الصلاة وعلى يساره إذا قال حي على الفلاح ولا يزيل قدميه عن القبلة في التفاته لما روى أبوجحيفة قال : رأيت بلالا يؤذن وأتبع فاه ههنا وأصبعاه في أذنيه متفق عليه وفي لفظ قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في قبة حمراء من أدم فخرج بلال فأذن فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح التفت يمينا وشمالا ولم يستدر رواه أبو داود وظاهر كلام الخرقي أنه لا يستدير سواء كان على الأرض أو فوق المنارة وهو قول الشافعي وذكر أصحابنا عن أحمد فيمن أذن في المنارة روايتين إحداهما لا يدور للخبر ولأنه يستدير القبلة فكره كما لو كان على وجه الأرض والثانية يدور في مجالها لأنه لا يحصل الإعلام بدونه وتحصيل المقصود بالإخلال بأدب أولى من العكس ولو أخل باستقبال القبلة أو مشي في أذانه لم يبطل فإن الخطبة آكد من الآذان ولا تبطل بهذا وسئل أحمد عن الرجل يؤذن وهو يمشي فقال نعلم أمر الأذان عندي سهل وسئل عن المؤذن يمشي وهو يقيم قال يعجبني أن يفرغ ثم يمشي وقال في رواية حرب وفي المسافر أحب إلي أن يؤذن ووجهه إلى القبلة وأرجو أن يجزىء

مسألة : الإجابة عند سماع الآذان
مسألة : قال : ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول
لا أعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب ذلك والأصل فيه ما روى أبو سعيد [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ] متفق عليه ورواه جماعة عن النبي صلى الله عليه و سلم منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص وابنه وأم حبيبة وقال غير الخرقي من أصحابنا يستحب أن يقول عند الحيعلة لا حول ولا قوة إلا بالله نص عليه أحمد لما روى الأثرم بإسناده عن أبي رافع [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا سمع الأذان قال مثل ما يقول المؤذن فإذا بلغ حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ] روى حفص عن عاصم بن عمر ابن الخطاب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله - من قلبه دخل الجنة ] رواه مسلم و أبو داود قال : أبو بكر الأثرم هذا من الأحاديث الجياد يعني هذا الحديث وهذا أخص من حديث أبي سعيد فيقدم عليه أو يجمع بينهما
فصل : ويستحب أن يقول في الإقامة مثل ما يقول ويقول عند كلمة الإقامة : أقامها الله وأدامها لما روى أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم [ أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال : قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه و سلم : أقامها الله وأدامها ] وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان
فصل : وروى [ سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من قال حين يسمع النداء : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه و سلم غفر له ذنبه ] رواه مسلم وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعودته - حلت له شفاعتي يوم القيامة ] رواه البخاري و [ عن أم سلمة قالت علمني النبي صلى الله عليه و سلم أن أقول عند أذان المغرب : اللهم هذا إقبال ليلك وادبار نهارك وأصوات دعائك فاغفر لي ] رواه أبو داود وروى أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة ] رواه أبو داود أيضا
فصل : وإذا سمع الأذان وهو في قراءة قطعها ليقول مثل ما يقول لأنه يفوت والقراءة لا تفوت وإن سمعه في الصلاة لم يقل مثل قوله لئلا يشتغل عن الصلاة بما ليس منها وقد روي : [ إن في الصلاة لشغلا ] وإن قاله ما عدا الحيطة لم تبطل الصلاة لأنه ذكر وإن قال الدعاء إلى الصلاة فيها بطلت لأنه خطاب آدمي
فصل : روي عن أحمد أنه كان إذا أذن فقال كلمة من الأذان قال : مثلها سرا فظاهر هذا أنه رأى ذلك مستحبا ليكون ما يظهره أذانا ودعاء إلى الصلاة وما يسره ذكرا لله تعالى فيكون بمنزلة من سمع الأذان
فصل : قال الأثرم وسمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يقوم حين يسمع المؤذن مبادرا يركع فقال يستحب أن يكون ركوعه بعد ما يفرغ المؤذن أو يقرب من الفراغ لأنه يقال أن الشيطان ينفر حين يسمع الأذان فلا ينبغي أن يبادر بالقيام وإن دخل المسجد فسمع المؤذن استحب له انتظاره ليفرغ ويقول مثل ما يقول جمعا بين الفضيلتين وإن لم يقل كقوله وافتتح الصلاة فلا بأس نص عليه أحمد

فصول : الزيادة على مؤذن واحد
فصل : ولا يستحب الزيادة على مؤذنين لأن الذي حفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان له مؤذنان بلال وابن أم مكتوم إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز فقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه كان له أربعين مؤذنين وإن دعت الحاجة إلى أكثر منه كان مشروعا وإذا كان أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد لأن مؤذني النبي صلى الله عليه و سلم كان أحدهما يؤذن بعد الآخر وإن كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب ما يحتاج إليه إما أن يؤذن كل واحد في منارة أو ناحية أو دفعة واحدة في موضع واحد قال أحمد إن أذن عدة في منارة فلا بأس وإن خافوا من تأذين واحد بعد الآخر فوات أول الوقت أذنوا جميعا دفعة واحدة
فصل : ولا يؤذن قبل المؤذن الراتب إلا أن يختلف ويخاف فوات وقت التأذين فيؤذن غيره كما روي عن زياد بن الحارث الصدائي أنه أذن للنبي صلى الله عليه و سلم حين غاب بلال وقد ذكرنا حديثه وأذن رجل حين غاب أو محذورة قبله فأما مع حضوره فلا يسبق فإن مؤذني النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن غيرهم يسبقهم بالأذان
فصل : وإذا تشاح نفسان في الأذان قدم أحدهما في الخصال المعتبرة في التأذين فيقدم من كان أعلى صوتا لـ [ قول النبي صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن زيد : ألفه على بلال فإنه أندى صوتا منك ] وقدم أبا محذورة لصوته وكذلك يقدم من كان أبلغ في معرفة الوقت وأشد محافظة عليه ومن يرتضيه الجيران لأنهم أعلم ممن يبلغهم صوته ومن هو أعف عن النظر فإن تساويا من جميع الجهات أقرع بينهما لأ النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ] متفق عليه ولما تشاح الناس في الأذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد

فصل : ويكره اللحن في الآذان والخروج من المسجد بعده
فصل : ويكره اللحن في الأذان فإنه ربما غير المعنى فإن قال : أشهد أن محمدا رسول الله ونصب لام رسول أخرجه عن كونه خبرا ولا يمد لفظة أكبر لأنه يجعل فيها ألفا فيصير جمع كبر وهو الطبل ولا تسقط الهاء من اسم الله تعالى واسم الصلاة ولا الحاء من الفلاح لما روى أبو هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يؤذن لكم من يدغم الهاء قلنا وكيف قال يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ] أخرجه الدراقطني في الأفراد فأما إن كان ألثغ لثغة لا تتفاحش جاز أذانه فقد روي أن بلال كان يقول أسهد يجعل الشين سينا وإن سلم من ذلك كان أكمل وأحسن
فصل : وإن أذن في الوقت كره له أن يخرج من المسجد إلا أن يكون لحاجة ثم يعود لأنه ربما أحتيج إلى إقامة الصلاة فلا يوجد وإن أذن قبل للفجر فلا بأس بذهابه لأنه لا يحتاج إلى حضوره قال أحمد في الرجل يؤذن في الليل وهو على غير وضوء فيدخل المنزل ويدع المسجد أرجو أن يكون موسعا عليه ولكن إذا أذن وهو متوضىء في وقت الصلاة فلا أرى له أن يخرج من المسجد حتى يصلي إلا أن تكون له الحاجة

فصل : آذان مؤذن المسجد في بيته
فصل : فإن أذن المؤذن في بيته وكان قريبا من المسجد فلا بأس وإن كان بعيدا فلا لأن القريب أذانه من عند المسجد فيأتيه السامعون للأذان والبعيد ربما سمعه من لا يعرف المسجد فيغتر به ويقصده فيضيع عن المسجد وقد روي في الذي يؤذن في بيته وبينه وبين المسجد طريق يسمع الناس : أرجو أن لا يكون به بأس وقال في رواية إبراهيم الحربي فيمن يؤذن في بيته على سطح : معاذ الله ما سمعنا أن أحدا يفعل هذا فالأول المراد به القريب ولهذا كان بلال يؤذن على سطح امرأة من قريش لما كان قريبا من المسجد عاليا والثاني محمول على البعيد لما ذكرناه

فصل : ولا يستحب لسائر الناس أن يؤذن كل لنفسه
فصل : إذا أذن المؤذن وأقام لم يستحب لسائر الناس أن يؤذن كل إنسان منهم في نفسه ويقيم بعد فراغ المؤذن ولكن يقول مثل ما يقول المؤذن لأن السنة إنما وردت بهذا والله أعلم

باب استقبال القبلة
استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة إلا في الحالتين اللتين ذكرهما الخرقي رحمه الله والأصل في ذلك قول الله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } يعني نحوه كما أنشدوا :
( ألا من مبلغ عنا رسولا ... وما تغني الرسالة شطر عمرو )
أي نحو عمرو وتقول العرب هؤلاء القوم يشاطروننا إذا كانت بيوتهم تقابل بيوتهم وقال علي رضي الله عنه شطره قبله وروي عن البراء قال : [ قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى نحو بيت المقدس ستة عشرة شهرا ثم إنه وجه إلى الكعبة فمر رجل وكان يصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم على قوم من الأنصار فقال أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد وجه إلى الكعبة فانحرفوا إلى الكعبة ] أخرجه النسائي

مسألتان : حكم استقبال القبلة في صلاة شدة الخوف
مسألة : قال : إذا اشتد الخوف وهو مطلوب ابتدأ الصلاة إلى القبلة وصلى إلى غيرها راجلا وراكبا يومىء إيماء على قدر الطاقة ويجعل سجوده أخفض من ركوعه
وجملة ذلك أنه إذا اشتد الخوف بحيث لا يتمكن من الصلاة إلى القبلة أو أحتاج إلى المشي أو عجز عن بعض أركان الصلاة إما لهرب مباح من عدو أو سيل أو حريق أو نحو ذلك مما لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب أو المسابقة أو التحام الحرب والحاجة إلى الكر والفر والطعن والضرب والمطاردة فله أن يصلي على حسب حاله راجلا وراكبا إلى القبلة إن أمكن أو إلى غيرها إن لم يمكن وإذا عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما وينحني إلى السجود أكثر من الركوع على قدر طاقته وإن عجز عن الإيماء سقط وإن عجز عن القيام أو القعود أو غيرهما سقط وأن احتاج إلى الطعن والضرب والكر والفر فعل ذلك ولا يؤخر الصلاة عن وقتها لقول الله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } وروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال : فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبله وغير مستقبليها قال نافع : لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإذا أمكن افتتاح الصلاة إلى القبلة فهل يجيب ذلك ؟ قال أبو بكر : فيه روايتان إحداهما لا يجب لأنه جزء من أجزاء الصلاة فلم يجب الاستقبال فيه كبقية أجزائها قال : وبه أقول والثانية يجب لما روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كان في السفر فأراد أن يصلي على راحلته إستقبل القبلة ثم كبر ثم صلى حيث توجهت به رواه الدارقطني ولأنه أمكنه ابتداء الصلاة مستقبلا فلم يجز بدونه كما لو أمكنه ذلك في ركعة كاملة وتمام شرح هذه الصلاة نذكره في باب صلاة الخوف إن شاء الله
مسألة : قال : وسواء كان مطلوبا أو طالبا يخشى فوات العدو وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه أن كان طالبا فلا يجزئه أن يصلي إلا صلاة آمن
إختلفت الرواية عن أبي عبد الله رحمه الله في طالب العدو الذي يخاف فواته فروي أنه يصلي على حسب حاله كالمطلوب سواء روي ذلك عن شرحبيل بن حسنة وهو قول الأوزاعي وعن أحمد أنه لا يصلي إلا صلاة آمن وهو قول أكثر أهل العلم لأن الله تعالى قال : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } فشرط الخوف وهذا غير خائف ولأنه آمن فلزمته صلاة الآمن كما لو لم يخش فوتهم وهذا الخلاف فيمن يأمن رجوعهم عليه أن تشاغل بالصلاة ويأمن على أصحابه فأما الخائف من ذلك فحكمه حكم المطلوب ولنا ما روى أبو داود في سننه [ عن عبد الله بن أنيس قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرفة أو عرفات قال ك اذهب فاقتله فرأيته وحضرت صلاة العصر ففلت اني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماء نحوه فلما دنوت منه قال لي من أنت ؟ قلت رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك لذلك قال أني لعلى ذلك فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد وظاهر حاله أنه أخبر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم أو كان قد علم جواز ذلك من قبله فأنه لا يظن به أنه يفعل مثل ذلك مخطئا وهو رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لا يخبره به ولا يسأله عن حكمه ] وروى الأوزاعي عن سابق البريدي عن كتاب الحسن أن الطالب ينزل فيصلي بالأرض فقال الأوزاعي : وجدنا الأمر على غير ذلك قال شرحبيل بن حسنة : لا تصلوا الصبح إلا على ظهر فنزل الاشتر فصلى على الأرض فمر به شرحبيل فقال : مخالف خالف الله به قال : فخرج الأشتر في الفتنة وكان الأوزاعي يأخذ بهذا في طلب العدو ولأنها إحدى حالتي الحرب أشبه حالة الحرب والآية لا دلالة فيها على محل النزاع لأن مدلولها إباحة القصر وقد أبيح القصر حالة الأمن بغير خلاف وهو أيضا غير محل النزاع ثم وأن دلت على محل النزاع فقد أبيحت صلاة الخوف من غير خوف فتنة الكفار للخوف من سبع أو سيل أو حريق لوجود معنى المنطوق فيها وهذا في معناه لأن فوات الكفار ضرر عظيم فأبيحت صلاة الخوف عند فوته كالحالة الأخرى

مسألة : التطوع على المركب في السفر
مسألة : قال : وله أن يتطوع في السفر على الراحلة على ما وصفنا من صلاة الخوف
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة التطوع على الراحلة في السفر الطويل قال الترمذي : هذا عند عامة أهل العلم وقال ابن عبد البر : اجمعوا على أنه جائز لكل من سافر سفرا يقصر فيه الصلاة أن يتطوع على دابته حيثما توجهت يومىء بالركوع والسجود أخفض من الركوع وأما السفر القصير وهو ما لا يباح فيه القصر فأنه تباح فيه الصلاة على الراحلة عند إمامنا و الليث و الحسن بن حيي و الأوزاعي و الشافعي و أصحاب الرأي وقال مالك : لا يباح إلا في سفر طويل لأنه رخصة سفر فاختص بالطويل كالقصر
ولنا : قول الله تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } قال ابن عمر : نزلت هذه الآية في التطوع خاصة بحيث توجه بك بعيرك وهذا مطلق يتناول باطلاقه محل النزاع وعن ابن عمر [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يوتر على بعيره ] وفي رواية كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومىء برأسه وكان ابن عمر يفعله متفق عليهما ول البخاري إلا الفرائض ول مسلم و أبي داود : غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ولم يفرق بين قصير السفر وطويله ولأن إباحة الصلاة على الراحلة تخفيف في التطوع كيلا يؤدي إلى قطعها وتقليلها وهذا يستوي فيه الطويل والقصير والقصر يراعي فيه المشقة وإنما توجد غالبا قال القاضي : الأحكام التي يستوي فيها الطويل من السفر والقصر ثلاثة التيمم وأكل الميتة في المخمصة والتطوع على الراحلة وبقية الرخص تختص الطويل - الفطر والجمع والمسح ثلاثا

فصل : كيفية الركوع والسجود للمصلي على الراحلة
فصل : وحكم الصلاة على الراحلة حكم الصلاة في الخوف في أنه يومىء بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض من الركوع [ قال جابر يعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع ] رواه أبو داود ويجوز أن يصلي على البعير والحمار وغيرهما [ قال ابن عمر : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر ] رواه أبو داود و النسائي لكن إن صلى على حيوان نجس فلا بد أن بينهما سترة طاهرة

فصل : الصلاة على مركب واسع
فصل : فإن كان على الراحلة في مكان واسع كالمنفرد في العمارية يدور فيها كيف شاء ويتمكن من الصلاة إلى القبلة والركوع والسجود فعليه استقبال القبلة في صلاته ويسجد على ما هو عليه أن أمكنه ذلك لأنه كراكب السفينة وأن قدر على الاستقبال دون الركوع والسجود استقبل القبلة وأومأ بهما نص عليه وقال أبو الحسن الآمدي : يحتمل أن لا يلزمه شيء من ذلك كغيره لأن الرخصة العامة تعم ما وجدت فيه المشقة وغيره كالقصر والجمع وأن عجز عن ذلك سقط بغير خلاف وإن كان يعجز عن استقبال القبلة في ابتداء صلاته كراكب راحلة لا تطيعه أو كان في قطار فليس عليه استقبال القبلة في شيء من الصلاة وإن أمكنه أفتتاحها إلى القبلة كراكب راحلة منفردة تطيعه فهل يلزمه افتتاحها إلى القبلة ؟ يخرج فيه روايتان إحداهما يلزمه لما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث كان وجهة ركابه رواه الإمام أحمد في مسنده و أبو داود ولأنه أمكنه استقبال القبلة في ابتداء الصلاة فلزمه ذلك كالصلاة كلها والثانية لا يلزمه لأنه جزء من أجزاء الصلاة أشبه سائر أجزائها ولأن ذلك لا يخلو من مشقة فسقط وخبر النبي صلى الله عليه و سلم يحمل على الفضيلة والندب

فصل : الفرائض لا تصلى على الراحلة
فصل : وقبلة هذا المصلي حيث كانت وجهته فان عدل عنها نظرت كان عدوله إلى جهة الكعبة جاز لأنها الأصل وإنما جاز تركها للعذر فإذا عدل إليها أتى بالأصل كما لو ركع فسجد في مكان الإيماء وإن عدل إلى غيرها عمدا فسدت صلاته لأنه ترك قبلته عمدا وإن فعل ذلك مغلوبا أو نائما أو ظنا منه أنها جهة سفره فهو على صلاته ويرجع إلى جهة سفره عند زوال عذره لأنه مغلوب على ذلك فأشبه العاجز عن الاستقبال فأن تمادى به ذلك بعد زوال عذره فسدت صلاته لأنه ترك الاستقبال عمدا ولا فرق بين جميع التطوعات في هذا فيستوي فيه النوافل المطلقة والسنن الرواتب والمعنية والوتر وسجود التلاوة وقد [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يوتر على بعيره وكان يسبح على بعيره إلا الفرائض ] متفق عليهما

فصل : تطوع المسافر بالصلاة وهو يمشي
فصل : فأما الماشي في السفر فظاهر كلام الخرقي أنه لا تباح له الصلاة في حال مشيه لقوله ولا يصلي في غير هاتين الحالتين فرضا ولا نافلة إلا متوجها إلى الكعبة وهو إحدى الروايتين عن أحمد فأنه قال : ما أعلم أحدا قال في الماشي يصلي إلا عطاء ولا يعجبني أن يصلي الماشي وهذا مذهب أبي حنيفة والرواية الثانية له أن يصلي ماشيا نقلها مثنى بن جامع وذكرها القاضي وغيره وعليه أن يستقبل القبلة لافتتاح الصلاة ثم ينحرف إلى جهة سيره ويقرأ وهوماش ويركع ثم يسجد على الأرض وهذا مذهب عطاء و الشافعي وقال الآمدي : يومىء بالركوع والسجود كالراكب لأنها حالة أبيح فيها ترك الاستقبال فلم يجب عليه الركوع والسجود كالراكب وعلى قول القاضي : الركوع والسجود ممكن من غير انقطاعه عن جهة سيره فلزمه كالوقف واحتجوا بأن الصلاة أبيحت للراكب لئلا ينقطع عن القافلة في السفر وهذا المعنى موجود في الماشي ولأنه إحدى حالتي سير المسافر فأبيحت الصلاة فيها كالأخرى
ولنا : أنه لم ينقل ولا هو في معنى المنقول لأنه يحتاج إلى عمل كثير ومشي متتابع يقطع الصلاة ويقتضي بطلانها وهذا غير موجود في الراكب فلم يصح إلحاقه به ولأن قوله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } عام ترك في موضع الاجماع بشروط غير موجودة ههنا فيبقى وجوب الاستقبال فيما عداه على مقتضى العموم

فصل : إتمام النافلة على الراحلة لمن ابتدأها
فصل : وإذا دخل المصلي بلدا ناويا للإقامة فيه لم يصل بعد دخوله إلا صلاة المقيم وإن دخله مجتازا به غير ناو للإقامة فيه ولا نازل به أو نازلا به ثم يرتحل من غير نية إقامة مدة يلزمه بها إتمام الصلاة استدام الصلاة ما دام سائرا فإذا نزل فيه صلى إلى القبلة وبنى على ما مضى من صلاته كقولنا في الخائف إذا أمن في أثناء صلاته ولو أبتدأها وهو نازل إلى القبلة ثم أراد الركوب أتم صلاته ثم ركب وقيل يركب في الصلاة ويتمها إلى جهة سيره كالآمن إذا خاف في أثناء صلاته والفرق بينهما أن حالة الخوف حالة ضرورة أبيح فيها ما يحتاج إليه من العمل وهذه رخصة ورد الشرع بها من غير ضرورة إليها فلا يباح فيها من غير ما نقل فيها ولم يرد بإباحة الركوب الذي يحتاج فيه إلى عمل وتوجه إلى غير جهة القبلة ولا جهة سيره فيبقى على الأصل والله أعلم

مسألة : حكم استقبال القبلة في الصلاة
مسألة : قال : ولا يصلي في غير هاتين الحالتين فرضا ولا نافلة إلا متوجها إلى الكعبة فإن كان يعاينها فبالصواب وإن كان غائبا عنها فبالاجتهاد بالصواب إلى جهتها
قد ذكرنا أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ولا فرق بين الفريضة والنافلة لأنه شرط للصلاة فاستوى فيه الفرض والنفل كالطهارة والستارة ولأن قوله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } عام فيهما جميعا ثم إن كان معاينا للكعبة ففرضه الصلاة إلى عينها لا نعلم فيه خلافا قال ابن عقيل إن خرج بعضه مسامتة الكعبة لم تصح صلاته وقال بعض أصحابنا : الناس في استقبالها على أربعة أضرب : منهم من يلزمه اليقين وهو من كان معاينا للكعبة أو كان بمكة من أهلها أو ناشئا بها من وراء حائل محدث كالحيطان ففرضه التوجه إلى عين الكعبة يقينا وهكذا إن كان بمسجد النبي صلى الله عليه و سلم لأنه متيقن صحة قبلته فإن النبي صلى الله عليه و سلم لا يقر على الخطأ وقد [ روى أسامة أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى ركعتين قبل القبلة وقال : هذه القبلة ] الثانية من فرضه الخبر وهو من كن بمكة غائبا عن الكعبة من غير أهلها ووجد مخبرا يخبره عن يقين أو مشاهدة مثل أن يكون من وراء حائل وعلى الحائل من يخبره أو كان غريبا نزل بمكة فأخبره أهل الدار وكذلك لو كان في مصر أو قرية ففرضه التوجه إلى محاريبهم وقبلتهم المنصوبة لأن هذه القبل ينصبها أهل الخبرة والمعرفة فجرى ذلك مجرى الخبر فأغنى عن الاجتهاد وأن أخبره من أهل المعرفة بالقبلة أما من أهل البلد أو من غيره صار إلى خبره وليس له الاجتهاد كما يقبل الحاكم النص من الثقة ولا يجتهد الثالث من فرضه الاجتهاد وهو من عدم هاتين الحالتين وهو عالم بالأدلة والرابع من فرضه التقليد وهو الأعمى ومن لا اجتهاد له وعد الحالين ففرضه تقليد المجتهدين والواجب على هذين وسائر من بعد من مكة طلب جهة الكعبة دون إصابة العين قال أحمد : ما بين المشرق والمغرب قبلة فإن انحرف عن القبلة لم يعد ولكن يتحرى الوسط وبهذا قال أبو حنيفة و قال الشافعي في أحد قوليه كقولنا والآخر الفرض إصابة العين لقول الله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } ولأنه يجب عليه التوجه إلى الكعبة فلزمه التوجه إلى عينها كالمعاين
ولنا : [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : ما بين المشرق قبلة ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة ولأنه لو كان الفرض إصابة العين لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة فإنه لا يجوز أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف إلا بقدرها فإن قيل مع البعد المحاذي قلنا إنما يتسع مع تقوس الصف أما مع استوائه فلا - وشطر البيت نحوه وقبله

فصل : الاستدلال بالمحاريب المنصوبة
فصل : فأما محاريب الكفار فلا يجوز أن يستدل بها لأن قولهم لا يستدل به فمحاربيهم أولى لا أن يعلم قبلتهم كالنصارى يعلم أن قبلتهم المشرق فإذا رأى محاربيهم في كنائسهم على أنها مستقبلة المشرق وأن وجد محرابا لا يعلم هل هو للمسلمين أو لغيرهم اجتهد ولم يلتفت إليه لأن الاستدلال إنما يجوز بمحاريب المسلمين ولا يعلم وجود ذلك ولو رأى على المحراب آثار الإسلام لم يصل إليه لاحتمال أن يكون الباني له مشركا مستهزئا يغر به المسلمين إلا أن يكون ذلك مما لا يتطرق إليه الاحتمال ويحصل له العلم أنه من محاريب المسلمين فيستقبله

فصل : العلو والانخفاض عن الكعبة
فصل : ولو صلى على جبل عال يخرج عن مسامته الكعبة صحت صلاته وكذلك لو صلى في مكان ينزل عن مسامتتها لأن الواجب استقبالها وما يسامتها من فوقها وتحتها بدليل ما لو زالت الكعبة والعياذ بالله صحت الصلاة إلى موضع جدارها

فصل : تحديد القبلة بمعرفة مواقع النجوم
فصل : والمجتهد في القبلة هو العالم بأدائها وإن كان جاهلا بأحكام الشرع فإن كل من علم أدلة شيء كان من المجتهدين فيه وإن جهل غيره ولأنه يتمكن من استقبالها بدليله فكان مجتهدا فيها كالفقيه ولو جهل الفقيه أدلتها أو كان أعمى فهو مقلد وإن علم غيرها وأوثق أدلتها النجوم قال الله تعالى : { وبالنجم هم يهتدون } وقال تعالى : { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } وآكدها القطب الشمالي وهو نجم خفي حوله أنجم دائرة كفراشة الرحى في أحد طرفيها الفرقدان وفي الآخر الجدي وبين ذلك أنجم صغار منقوشة الفراشة ثلاثة من فوق وثلاثة من أسف تدور هذه الفراشة حول القطب دوران فراشة الرحى حول سفودها في كل يوم وليلة دورة في الليل نصفها وفي النهار نصفها فيكون الجدي عند طلوع الشمس في مكان الفرقدين عند غروبها ويمكن الاستدلال بها على ساعات الليل وأوقاته والأزمنة لمن عرفها وعلم كيفية دورانها وحولها بنات نعش مما يلي الفرقدين تدور حولها والقطب لا يبرح مكانه في جميع الأزمان ولا يتغير كما لا يتغير سفود الرحى بدورانها وقيل أنه يتغير تغيرا يسيرا لا يتبين ولا يؤثر وهو نجم خفي يراه حديد النظر إذا لم يكن القمر طالعا فإذا قوي نور القمر خفي فإذا استدبرته في الأرض الشامية كنت مستقبلا الكعبة وقيل أنه ينحرف في دمشق وما قاربها إلى المشرق قليلا وكلما قرب إلى المغرب كان انحرافه أكثر وإن كان بحران وما يقاربها اعتدل وجعل القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف وقيل أعدل القبل قبلة حران وإن كان بالعراق جعل القطب حذو ظهره أذنه اليمنى على علوها فيكون مستقبلا باب الكعبة إلى المقام ومتى استدبر الفرقدين أو الجدي في حال علو أحدهما ونزول الآخر على الاعتدال كان ذلك كاستدبار القطب وان استدبره في غير هذه الحال كان مستقبلا للجهة فإذا استدبر الشرقي منها كان منحرفا إلى الغرب قليلا وإذا استدبر الغربي كان منحرفا إلى الشرق وإن استدبر بنات نعش كان مستقبلا للجهة أيضا إلا أن انحرافه أكثر
فصل : ومنازل الشمس والقمر وهي ثمانية وعشرون منزلا وهي : الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والزبرة والصرفة والعواء والسماك والغفر والزبانا و الإكليل والقلب والشولة والنعايم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلغ وسعد السعود وسعد الأخبية والفرع المقدم والفرع المؤخر وبطن الحوت ومنها أربعة عشر شامية تطلع من وسط المشرق أو مائلة عنه إلى الشمال قليلا أو لها الشرطان وآخرها السماك ومنها أربعة عشر يمانية تطلع من المشرق أو ما يليه إلى التيامن أولها الغفر وآخرها بطن الحوت ولكل نجم من الشامية رقيب من اليمانية إذا طلع أحدهما غاب وقيبه وينزل القمر كل ليلة بمنزلة منها قريبا منه ثم ينتقل في الليلة الثانية إلى المنزل الذي يليه قال الله تعالى : { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم } والشمس تنزل بكل منزل منها ثلاثة أيام فيكون عودها إلى المنزل الذي نزلت به عند تمام حول كامل من أحوال السنة الشامية وهذه المنازل يكون منها فيما بين غروب الشمس وطلوعها أربعة عشر منزلا ومن طلوعها إلى غروبها مثل ذلك ووقت الفجر منها منزلان ووقت المغرب منزل وهو نصف سدس سواد الليل وسواد الليل اثنا عشر منزلا وكلها تطلع من المشرق وتغرب في المغرب إلا أن أوائل الشامية وأواخر اليمانية تطلع من وسط المشرق بحيث إذا طلع جعل الطالع منها محاذيا لكتفه الأيسر كان مستقبلا للكعبة وكذلك آخر الشامية وأول اليمانية يكون مقاربا لذلك والمتوسط من الشامية وهو الذراع وما يليه من جانبيه يميل مطلعه إلى ناحية الشمال والمتوسط من اليمانية نحو العقرب والنعايم والبلدة والسعود تميل مطالعها إلى اليمين فاليماني منها يجعله من أمام كتفه اليسرى والشامي يجعله خلف كتفه قريبا منها والغارب منها يجعله عند كتفه الأيمن - كذلك وإن عرف المتوسط منها بأن يرى بينه وبين أفق السماء سبعة من ههنا وسبعة من ههنا استقبله ولكل نجم من هذه المنازل نجوم تقاربه وتسير بسيره من عن يمينه وشماله يكثر عددها حكمها حكمه ويستدل بها عليه وعلى ما تدل عليه كالنسرين والشعريين والنظم المقارن للهقعة والسماك الرامح والفكة وغيرها وكلها تطلع من المشرق وتغرب في المغرب وسهيل نجم كبير مضيء يطلع من نحو مهب الجنوب ثم يسير حتى يصير في قبلة المصلي ثم يتجاوزها ثم يغرب قريبا من مهب الدبور والناقة أنجم على صورة الناقة تطلع في المجرة من مهب الصبا ثم تغيب في مهب الشمال

فصل : الاستدلال على القبلة بالشمس والقمر ومطالعهما ومغاربهما
فصل : والشمس تطلع من المشرق وتغرب في المغرب وتختلف مطالعها ومغاربها على حسب اختلاف منازلها وتكون في الشتاء في حال توسطها في قبلة المصلي وفي الصيف محاذية لقبلته
فصل : والقمر يبدو أول ليلة من الشهر هلالا في المغرب عن يمين المصلي ثم يتأخر كل ليلة نحو المشرق منزلا حتى يكون السابع وقت المغرب في قبلة المصلي أو مائلا عنها قليلا ثم يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا تاما وليلة إحدى وعشرين يكون في قبلة المصلي أو قريبا منها وقت الفجر وليلة ثمان وعشرين عند الفجر كالهلال من المشرق وتختلف مطالعه باختلاف منازله

فصل : معرفة القبلة بدلالة الرياح
فصل : والرياح كثيرة يستدل منها بأربع تهب من زوايا السماء الجنوب تهب من الزاوية التي بين القبلة والمشرق مستقبلة بطن كتف المصلي الأيسر مما يلي وجهه إلى يمينه والشمال مقابلتها تهب من الزاوية التي بين المغرب والشمال مارة إلى مهب الجنوب والدبور تهب من الزاوية التي بين المغرب واليمن مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن مارة إلى الزاوية المقابلة لها ولاصبا مقابلتها تهب من ظهر المصلي وربما هبت الرياح بين الحيطان والجبال فتدور فلا اعتبار بها وبين كل ريحين تسمى النكباء لتنكبها طريق الرياح المعروفة وتعرف الرياح بصفاتها وخصائصها فهذا أصح ما يستدل به على القبلة وذكر أصحابنا الاستدلال بالمياه وقالوا الأنهار الكبار تجري عن يمنة المصلي إلى يسرته على انحراف قليل وذلك مثل دجلة والفرات والنهروان ولا اعتبار بالأنهار المحدثة لأنها تحدث بحسب الحاجات إلى الجهات المختلفة ولا بالسواقي والأنهار الصغار لأنها لا ضابط لها ولا بنهرين يجريان من يسرة المصلي إلى يمينه أحدهما العاصي بالشام والثاني سيحون بالمشرق وهذا الذي ذكروه لا ينضبط بضابظ فإن كثيرا من أنهار الشام تجري على غير السمت الذي ذكروه فالأردن يجري نحو القبلة وكثير منها يجري نحو البحر حيث كان منها حتى يصب فيه وأن اختصت الدلالة بما ذكروه فليس شيء منها في الشام سوى العاصي والفرات حد الشام من ناحية المشرق فمن علم هذه الأدلة فهو مجتهد وقد يستدل أهل كل بدلة بأدلة تختص ببلدتهم من جبالها وأنهارها وغير ذلك مثل من يعلم أن جبلا بعينه يكون في قبلتهم أو على أيمانهم وغير ذلك من الجهات وكذلك أن علم مجرى نهر بعينه فمن كان من أهل الاجتهاد إذا خفيت عليه القبلة في السفر ولم يجد مخبرا ففرضه الصلاة إلى جهة يؤديه اجتهاده إليها فإن خفيت عليه الأدلة لغيم أو ظلمة تحرى فصلى والصلاة صحيحة لما نذكره من الأحاديث ولأنه بذل وسعه في معرفة الحق مع علمه بأدلته فاشبه الحاكم والعالم إذا خفيت عليه النصوص

تغير اجتهاد المجتهد في القبلة
فصل : إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم أراد صلاة أخرى لزمه إعادة الاجتهاد كالحاكم إذا اجتهد في حادثة ثم حدث مثلها لزمه إعادة الاجتهاد وهذا مذهب الشافعي فإن تغير اجتهاده عمل بالثاني ولم يعد ما صلى بالأول كما لو تغير اجتهاد الحاكم عمل بالثاني في الحادثة الثانية ولم ينقض حكمه الأول وهذا لا نعلم فيه خلافا فإن تغير اجتهاده في الصلاة استدار إلى الجهة الثانية وبنى على ما مضى من صلاته نص عليه أحمد في رواية الجماعة وقال أبن أبي موسى و الآمدي لا ينتقل ويمضي على اجتهاده الأول لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد
ولنا : أنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة فلم يجز له الصلاة إلى غيرها كما لو أراد صلاة أخرى ولأنه أداه اجتهاده إلى غير هذه الجهة فلم يجز له الصلاة إليها كسائر محال الوفاق وليس هذا نقضا للاجتهاد وإنما يعمل به في المستقبل كما في الصلاة الأخرى وإنما يكون نقضا للاجتهاد أن لو ألزمناه إعادة ما مضى من صلاته ولم نعتد له به فإن لم يبق اجتهاده وظنه إلى الجهة الأول ولم يؤده اجتهاده إلى الجهة الأخرى فإنه يبني على ما مضى من صلاته لأنه لم يظهر له جهة أخرى يتوجه إليها فإن بان له يقين الخطأ في الصلاة بمشاهدة أو خبر عن يقين استدار إلى جهة الصواب وبنى كاهل قباء لما أخبروا بتحويل القبلة استداروا إليها وبنوا وإن شك في اجتهاده لم يزل عن جهته لأن الاجتهاد ظاهر فلا يزول عنه بالشك وإن بان له الخطأ ولم يعرف جهة القبلة كرجل كان يصلي إلى جهة فرأى بعض منازل القمر في قبلته ولم يدر أهو في المشرق أو المغرب واحتاج إلى الاجتهاد بطلت صلاته لأنه لا يمكنه استدامتها إلى غير القبلة وليست له جهة يتوجه إليها فبطلت لتعذر إتمامها

مسألة : وإذا اختلف اجتهاد رجلين فلا يتبع أحدهما صاحبه
مسألة : قال : وإذا اختلف اجتهاد رجلين ولم يتبع احدهما صاحبه
وجملة أن المجتهدين إذا اختلفا ففرض كل واحد منهما الصلاة إلى الجهة التي يؤديه اجتهاده إليها أنها القبلة لا يسعه تركها ولا تقليد صاحبه سواء كان أعلم منه أو لم يكن كالعالمين يختلفان في الحادثة ولو أن أحدهما اجتهد فأراد الآخر تقليده من غير اجتهاد لم يجز له ذلك ولا يسعه الصلاة حتى يجتهد سواء اتسع الوقت أو كان ضيقا يخشى خروج وقت الصلاة كالحاكم لا يسوغ له الحكم في حادثة بتقليد غيره وقال القاضي : ظاهر كلام أحمد في المجتهد الذي يضيق الوقت عن اجتهاده أن له تقليد غيره وأشار إلى قول أحمد فيمن هو في مدينة فتحرى فصلى لغير القبلة في بيت يعيد لأنه عليه أن يسأل قال : فقد جعل فرض المحبوس السؤال وهذا غير صحيح وكلام أحمد إنما دل على أنه ليس لمن في المصر الاجتهاد لأنه يمكنه التوصل إلى القبلة بطريق الخبر والاستدلال بالمحاريب بخلاف المسافر وليس فيه دليل على أنه يجوز له تقليد المجتهدين في محل الاجتهاد عند ضيق الوقت ألا ترى أن أبا عبد الله لم يفرق بين ضيق الوقت وسعته مع اتفاقنا على أنه لا يجوز له للتقليد مع سعة الوقت ولأن الاجتهاد في حقه شرط لصحة الصلاة فلم يسقط بضيق الوقت مع إمكانه كسائر الشروط

فصل : انقسام المصلي بمن خالف اجتهاده في القبلة
فصل : وإذا اختلف اجتهاد رجلين فصلى كل واحد منهما إلى جهة فليس لأحدهما الائتمام بصاحبه وهذا مذهب الشافعي لأن كل واحد يعتقد خطأ صاحبه فلم يجز أن يأتم به كما لو خرجت من أحدهما ريح واعتقد كل واحد منهما أنها من صاحبه فإن لكل واحد منهما أن يصلي وليس له أن يأتم بصاحبه وقياس المذهب جواز ذلك وهو مذهب أبي ثور لأن كل واحد منهما يعتقد صحة صلاة الآخر فإن فرضه التوجه إلى ما توجه إليه فلم يمنع اقتداءه به اختلاف كالمصلين حول الكعبة مستديرين حولها وكالمصلين حال شدة الخوف وقد نص أحمد على صحة الصلاة خلف المصلي في جلود الثعالب إذا كان يتأول قوله عليه السلام : [ أيما إهاب دبغ فقد طهر ] مع كون أحمد لا يرى طهارتها وفارق ما إذا اعتقد كل واحد منهما حدث صاحبه لأنه يعتقد بطلان صلاته بحيث لو بان له يقينا حدث نفسه لزمته إعادة الصلاة وههنا صلاته صحيحة ظاهرا و باطنا بحيث لو بان له يقين الخطأ لم يلزمه الإعادة فافترقا فأما إن كان أحدهما يميل يمينا ويميل الآخر شمالا مع اتفاقهما في الجهة فلا يختلف المذهب في أن لأحدهما الائتمام بصاحبه لأن الواجب استقبال الجهة وقد اتفقا فيها

فصول : التقليد في معرفة القبلة
مسألة : قال : ويتبع الأعمى أوثقهما في نفسه
يعني إذا اختلف مجتهدان في القبلة ومعهما أعمى قلد أوثقهما في نفسه وهو أعلمهما عنده وأصدقهما قولا وأشدهما تحريا لأن الصواب إليه أقرب وكذلك الحكم في البصير الذي لا يعلم الأدلة ولا يقدر على تعلمها قبل خروج الوقت فرضه أيضا التقليد ويقلد أوثقهما في نفسه فإن قلد المفضول فظاهر قول الخرقي أنه لا تصح صلاته لأنه ترك ما يغلب على ظنه أن الصواب فيه فلم يسغ له ذلك كالمجتهد إذا ترك جهة اجتهاده والأولى صحتها وهو مذهب الشافعي لأنه أخذ بدليل له الأخذ به لو انفرد فكذلك إذا كان معه غيره كما لو استويا ولا عبرة بظنه فإنه لو غلب على ظنه أن المفضول مصيب لم يمنع ذلك من تقليد الأفضل فأما أن استويا عنده فله تقليد من شاء منهما كالعامي مع العلماء في بقية الأحكام
فصل : والمقلد من لا يمكنه الصلاة باجتهاد نفسه إما لعدم بصره وإما لعدم بصيرته وهو العامي الذي لا يمكنه التعلم والصلاة باجتهاده قبل خروج وقت الصلاة فأما من يمكنه فإنه يلزمه التعلم فإن صلى قبل ذلك لم تصح صلاته لأنه قدر على الصلاة باجتهاده فلم يصح بالتقليد كالمجتهد ولا يلزم على هذا العامي حيث لا يلزمه تعلم الفقه لوجهين أحدهما أن الفقه ليس بشرط في صحة الصلاة والثاني أن مدته تطول فهو كالذي لا يقدر على تعلم الأدلة في مسألتنا وأن أخر هذه التعلم والصلاة إلى حال يضيق وقتها عن التعلم والاجتهاد أو عن أحدهما صحت صلاته بالتقليد كالذي يقدر على تعلم الفاتحة فيضيق الوقت عن تعلمها
فصل : فإن كان المجتهد به رمد أو عارض يمنعه رؤية الأدلة فهو كالأعمى في جواز التقليد لأنه عاجز عن الاجتهاد وكذلك لو كان محبوسا في مكان لا يرى فيه الأدلة ولا يجد مخبرا إلا مجتهدا آخر في مكان يرى العلامات فيه فله تقليده لأنه كالأعمى

فصول : حكم من قلد في القبلة ثم أخبر بخطئه وهو في الصلاة
فصل : وإذا شرع في الصلاة بتقليد مجتهد فقال له قائل : قد أخطأت القبلة وإنما القبلة هكذا وكان يخبر عن يقين مثل من يقول قد رأيت الشمس أو الكواكب وتيقنت أنك مخطىء فانه يرجع إلى قوله ويستدير إلى الجهة التي أخبره أنها جهة الكعبة لأنه لو أخبر بذلك المجتهد الذي قلده الأعمى لزمه قبول خبره فالأعمى أولى وأن أخبره عن اجتهاده أو لم يبين له عن أي شيء أخبره ولم يكن في نفسه أوثق من الأول مضى على ما هو عليه لأنه شرع في الصلاة بدليل يقينا فلا يزول عنه بالشك وإن كان الثاني أوثق في نفسه من الأول وقلنا لا يتعين عليه تقليد الأفضل فكذلك وأن قلنا عليه تقليده خاصة رجع إلى قوله كالبصير إذا تغير اجتهاده في أثناء صلاته
فصل : ولو شرع مجتهد في الصلاة باجتهاده فعمي فيها بنى على ما مضى من صلاته لأنه إنما يمكنه البناء على اجتهاد غيره فاجتهاده أولى فان استدار عن تلك الجهة بطلت صلاته وأن أخبره مخبر بخطئه عن يقين رجع إليه وأن أخبره عن اجتهاد لم يرجع إليه لما ذكرنا وأن شرع فيها وهو أعمى فأبصر في أثنائها فشاهد ما يستدل به على صواب نفسه مثل أن يرى الشمس في قبلته في صلاة الظهر ونحو ذلك مضى عليه لأن الأجتهادين قد اتفقا وإن بان له خطؤه استدار إلى الجهة التي أداه إليها وبنى على ما مضى من صلاته فأن لم يبن له صوابه ولا خطؤه بطلت صلاته واجتهد لأن فرضه الاجتهاد فلم يجز له أداء فرضه بالتقليد كما لو كان بصيرا في ابتدائها وإن كان مقلدا مضى في صلاته لأنه ليس في وسعه إلا الدليل الذي بدأ به فيها

مسألة وفصل : حكم من صلى مجتهدا في القبلة فأخطأ
مسألة : قال : وإذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم علم أنه قد أخطأ القبلة لم يكن عليه إعادة
وجملته أن المجتهد إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم بان له أنه صلى إلى غير جهة الكعبة يقينا لم يلزمه الإعادة وكذلك المقلد الذي صلى بتقليده وبهذا قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر يلزمه الإعادة لأنه بان له الخطأ في شرطه من شروط الصلاة فلزمته الإعادة كما لو بان له أنه صلى قبل الوقت أو بغير طهارة أو ستارة
ولنا : ما روى عامر بن ربيعة عن أبيه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل حياله فلما أصبحنا ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فنزل : { فأينما تولوا فثم وجه الله } رواه ابن ماجة و الترمذي وقال : حديث حسن إلا أنه من حديث أشعث السمان وفيه ضعف وعن عطاء [ عن جابر : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسير فأصابنا غيم فتحيرنا فاختلفنا في القبلة فصلى كل رجل منا على حدة وجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فلم يأمرنا بالإعادة وقال : وقد أجزأتكم صلاتكم ] رواه الدارقطني وقال : رواه محمد بن سالم عن عطاء ويروى أيضا عن محمد بن عبد الله العمري عن عطاء وكلاهما ضعيف وقال العقيلي : لا يروى متن هذا الحديث من وجه يثبت وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت : { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام } فمر رجل ببني سلمة وهو ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى : ألا أن القبلة قد حولت فمالوا كلهم نحو القبلة ومثل هذا لا يخفي على النبي صلى الله عليه و سلم ولا يترك إنكاره إلا وهو جائز وقد كان ما مضى من صلاتهم بعد تحويل القبلة إلى الكعبة وهو صحيح ولأنه أتى بما أمر فخرج عن العهدة كالمصيب ولأنه صلى إلى غير الكعبة للعذر فلم تجب عليه الإعادة كالخائف يصلي إلى غيرها ولأنه شرط عجز عنه فأشبه سائر الشروط وأما المصلي قبل الوقت فأنه لم يؤمر بالصلاة وإنما أمر بعد دخول الوقت ولم يأت بما أمر بخلاف مسألتنا فأنه مأمور بالصلاة بغير شك ولم يؤمر إلا بهذه الصلاة وسائر الشروط إذا عجز عنها سقطت كذا ههنا وأما إذا ظن وجودها فأخطأ فليست في محل الاجتهاد فنظيره إذا اجتهد في مسألتنا في الحضر فأخطأ
فصل : لا فرق بين أن تكون الأدلة ظاهرة مكشوفة واشتبهت عليه أو مستورة بغيم أو شيء يسترها عنه بدليل الأحاديث التي رويناها فان الأدلة اشتريت عنهم بالغيم فلم يعيدوا ولأنه أتى بما أمر به في الحالين وعجز عن استقبال القبلة في الموضعين فاستويا في عدم الإعادة

فصل : حكم من تبين خطؤه في القبلة وهو في الصلاة
فصل : وإن بان له يقين الخطأ وهو في الصلاة استدار إلى جهة الكعبة وبنى على ما مضى من الصلاة لأن ما مضى منها كان صحيحا فجاز البناء عليه كما لو لم يبن له الخطأ وإن كانوا جماعة قد أداهم اجتهادهم إلى جهة فقدموا أحدهم ثم بان لهم الخطأ في حال واحدة استداروا إلى الجهة التي بان لهم الصواب فيها كبني سلمة لما بان لهم تحول الكعبة وإن بان للإمام وحده أو للمأمورين دونه لبعضهم استدار من بان له الصواب وحده وبنوي بعضهم مفارقة بعض إلا على الوجه الذي قلنا أن لبعضهم أن يقتدي بمن خالفه في الاجتهاد وإن كان فيهم مقلد تبع من قلده وانحرف بانحرافه وإن قلد الجميع لم ينحرف إلا بانحراف الجميع لأنه شرع بدليل يقيني فلا ينحرف بالشك إلا من يلزمه تقليد أوثقهم فانه ينحرف بانحرافه

مسألة : حكم من صلى في السفر دون اجتهاد ولا تقليد
مسألة : قال : وإذا صلى البصير في حضر وأخطأ أو الاعمى بلا دليل أعادا
أما البصير إذا صلى إلى غير الكعبة في الحضر ثم بان له الخطأ فعليه الإعادة سواء إذا صلى بدليل أو غيره لأن الحضر ليس بمحل الاجتهاد لأن من فيه يقدر على المحاريب والقبل المنصوبة ويجد من يخبره عن يقين غالبا فلا يكون له الاجتهاد كالقادر على النص في سائر الاحكام فان صلى من غير دليل فأخطأ لزمته الإعادة لتفريطه وأن أخبره مخبر فأخطأه غره وتبين أن خبره ليس بدليل فان كان محبوسا لا يجد من يخبره فقال أبو الحسن التميمي : هو كالمسافر يتحرى في محبسه ويصلي من غير إعادة لأنه عاجز عن الاستدلال بالخبر والمحاريب فهو كالمسافر وأما الاعمى فان كان في حضر فهو كالبصير لأنه يقدر على الاستدلال بالخبر والمحاريب فان الاعمى إذا لمس المحراب وعلم أنه محراب وأنه متوجه إليه فهو كالبصير وكذلك إذا علم أن باب المسجد إلى الشمال أو غيرها من الجهات جاز له الاستدلال به ومتى أخطأ فعليه الإعادة وحكم المقلد حكم الأعمى في هذا وإن كان الأعمى أو المقلد مسافرا ولم يجد من يخبره ولا مجتهدا يقلده فظاهره كلام الخرقي أنه يعيد سواء أصاب أو أخطأ لأنه صلى من غير دليل فلزمته الإعادة وأن أصاب كان المجتهد إذا صلى من غير اجتهاد وقال أبو بكر : يصلي على حسب حاله وفي الإعادة روايتان سواء أصاب أو أخطأ إحداهما يعيد لما ذكرنا والثانية لا إعادة عليه لأنه أتى بما أمر فأشبه المجتهد ولأنه عاجز عن غير ما أتى به فسقط عنه كسائر العاجزين عن الاستقبال ولأنه عادم للدليل فأشبد المجتهد في الغيم والحبس وقال ابن حامد : أن أخطأ أعاد وان أصاب فعلى وجهين وحكم المقلد لعدم بصيرته كعام بصره فأما أن وجد من يقلده أو من يخبره فلم يستخبره ولم يقلد أو خالف المخبر والمجتهد فصلى فصلاته باطلة بكل حال وكذلك المجتهد إذا صلى من غير اجتهاد فأصاب أو أداه اجتهاده إلى جهة فصلى إلى غيرها فان صلاته باطلة بكل حال سواء أخطأ أو أصاب لأنه لم يأت بما أمر به فأشه من ترك التوجه إلى الكعبة مع علمه بها

مسألة : الخبر المقبول في تعيين القبلة
مسألة : قال : ولا يتبع دلالة مشرك بحال وذلك لأن الكافر لا يقبل خبره ولا روايته ولا شهادته لأنه ليس بموضع أمانه
ولذلك قال عمر رضي الله عنه : لا تأتمنوهم بعد إذ خونهم الله تعالى ولا يقبل خبر الفاسف لقلة دينه وتطرق التهمة إليه ولأنه أيضا لا تقبل روايته ولا شهادته ولا يقبل خبر الصبي لذلك ولأنه لا يلحقه مأثم بكذبه فتحرزه من الكذب غير موثوق به وقال التميمي : يقبل خبر الصبي المميز وإذا لم يعرف حال المخبر فان شك في إسلامه وكفره لم يقبل خبره كما لو وجد محاريب لم يعلم هل هي للمسلمين أو أهل الذمة وأن لم يعلم عدالته وفسقه قبل خبره لأن حال المسلم يبنى على العدالة ما لم يظهر خلافها ويقبل خبر سائر الناس من المسلمين بالبالغين العقلاء سواء كانوا رجالا أو نساء ولأنه خبر من أخبار الدين فأشبه الرواية ويقبل من الواحد كذلك والله أعلم

آداب المشي إلى الصلاة
ويستحب للرجل إذا أقبل إلى الصلاة أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع وعليه السكينة والوقار وإن سمع الإقامة لم يسع إليها لما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ] و [ عن أبي قتادة قال : بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة قال : فلا تفعلوا إذا أتيتم إلى الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ] متفق عليهما وفي رواية فاقضوا قال الإمام أحمد : ولا بأس إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئا ما لم يكن عجلة تقبح جاء الحديث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهم كانوا إذا خافوا فوات التكبيرة الأولى ويستحب أن يقارب بين خطوه لتكثر حسناته فإن كل خطوة يكتب له بها حسنة وقد روى عبد بن حميد في مسنده بإسناده [ عن زيد بن ثابت قال : قال : أقيمت الصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي وأنا معه فقارب في الخطى ثم قال : أتدري لم فعلت هذا ؟ لتكثر خطانا في طلب الصلاة ] ويكره أن يشبك بين أصابعه لما روى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة ] رواه أبو داود

فصل : ويستحب أن يدعو بالأدعية المأثورة
فصل : ويستحب أن يقول ما روى ابن عباس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج إلى الصلاة وهو يقول : اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا واجعل في سمعي نورا واجعل في بصري نورا واجعل من خلفي نورا ومن أمامي نورا واجعل من فوقي نورا ومن تحتي نورا وأعطني نورا ] أخرجه مسلم وروى الإمام أحمد في المسند و ابن ماجة بإسنادهما عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت - أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك ] ويقول : { بسم الله } { الذي خلقني فهو يهدين } - إلى قوله - { إلا من أتى الله بقلب سليم }

فصل : آداب دخول المسجد والجلوس فيه
فصل : فإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى وقال : ما رواه مسلم عن أبي حميد أن أبي أسيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك ] وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال : رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وقال : رب اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك ] رواه الترمذي ولا يجلس حتى يركع ركعتين لما روى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ] متفق عليه ثم يجلس مستقبل القبلة ويشتغل بذكر الله تعالى أو قراءة القرآن أو يسكت ولا يخوض في حديث الدنيا ولا يشبك أصابعه لما روى أبو سعيد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فغن التشبيك من الشيطان وأن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه ] رواه أحمد في المسند

فصل : التنفل بعد الإقامة
فصل : وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بنافلة سواء خشي فوات الركعة الأولى أو لم يخشى وبهذا قال أبو هريرة وابن عمر وعروة و ابن سيرين و سعيد بن جبير و الشافعي و إسحاق و ابو ثور وروي عن ابن مسعود أنه دخل والإمام في صلاة الصبح فركع ركعتي الفجر وهذا مذهب الحسن و مكحول و مجاهد و حماد ابن أبي سليمان وقال مالك : إن لم يخف فوات الركعة ركعهما خارج المسجد وقال الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز و أبو حنيفة : يركعهما إلا أن يخاف فوات الركعة الأخيرة
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ] رواه مسلم ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به فلم يشتغل به كما لو خاف فوات الركعة قال ابن عبد البر في هذه المسألة : الحجة عند التنازع السنة فمن أدلى بها فقد فلج ومن استعملها فقد نجا قال : روت عائشة رضي الله عنها [ أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج حين أقيمت الصلاة فرأى ناسا يصلون فقال : أصلاتان معا ] وروي نحو ذلك أنس وعبد الله بن سرجين وابن بحينة وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ورواهن كلهن ابن عبد البر في كتاب التمهيد قال : وكل هذا إنكار منه لهذا الفعل فأما إن أقيمت الصلاة وهو في النافلة ولم يخشى فوات الجماعة أتمها ولم يقطعها لقول الله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } وإن خشي فوات الجماعة فعلى روايتين إحداهما يتمها لذلك والثانية يقطعها لأن ما يدركه من الجماعة أعظم أجرا وأكثر ثوابا مما يفوته بقطع النافلة لأن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الرجل وحده سبعا وعشرين درجه

فصل : الدعاء قبل تكبيرة الاحرام
فصل : قيل ل أحمد قبل التكبير يقول شيئا ؟ قال : لا يعني ليس قبله دعاء مسنون إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أصحابه ولأن الدعاء يكون بعد العبادة لقول الله تعالى : { فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب }

باب صفة الصلاة
روى محمد بن عمر و ابن عطاء قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم أبو قتادة فقال أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : فاعرض قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل فلا يصوب رأسه ولا يقنعه ثم يرفع رأسه ويقول سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلا ثم يقول : الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ويسجد ثم يقول الله أكبر ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك ثم إذا قام من الركعة كبر فرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة ثم يفعل ذلك في بقية صلاته حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر قالوا : صدقت هكذا كان يصلي صلى الله عليه و سلم رواه مالك في الموطأ و أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وفي لفظ رواه البخاري قال : فإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى قائما حتى يعود كل فقار مكانه وإذا سجد سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وجلس متوركا على شقه الأيسر وقعد على مقعدته

فصل : ويستحب أن يقوم إلى الصلاة عند قول المؤذن قد قامت
فصل : ويستحب أن يقوم إلى الصلاة عند قول المؤذن قد قامت الصلاة وبهذا قال مالك : قال ابن المنذر : على هذا أهل الحرمين وقال الشافعي : يقوم إذا فرغ المؤذن من الإقامة وكان عمر بن عبد العزيز و محمد بن كعب و سالم و أبو قلابة و الزهري و عطاء يقومون في أول بدوة من الإقامة وقال أبو حنيفة : يقوم إذا قال حي على الصلاة فإذا قال قد قامت الصلاة كبر وكان أصحاب عبد الله يكبرون إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة وبه قال سويد بن غفلة و النخعي واحتجوا بقول بلال : لا تسبقني بآمين فدل على أنه يكبر قبل فراغه ولا يستحب عندنا أن يكبر إلا بعد فراغه من الإقامة وهو قول الحسن و يحيى بن وثاب و إسحاق و أبو يوسف و الشافعي و عليه جل الأئمة في الأمصار وإنما قلنا إنه يقوم عند قوله : قد قامت الصلاة لأن هذا خبر بمعنى الأمر ومقصوده الأعلام ليقوموا فيستحب المبادرة إلى القيام امتثالا للأمر وتحصيلا للمقصود ولا يكبر حتى يفرغ المؤذن لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما كان يكبر بعد فراغه دل على ذلك ما روى عه أنه كان يعدل الصفوف بعد إقامة الصلاة ويقول في الإقامة مثل قول المؤذن فـ [ روى أنس قال : أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بوجهه فقال : أقيموا صفوفكم وتراصوا فاني أراكم من وراء ظهري ] رواه البخاري وعنه قال [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة قال هكذا هكذا عن يمينه وشماله استووا وتعادلوا ] و [ فيما رواه أبو داود عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه و سلم : أقامها الله وأدامها ] وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الآذان فأما حديثهم قال بلالا كان يقيم في موضع أذانه وإلا فليس بين لفظ الإقامة والفراغ منها ما يفوت بلالا آمين مع رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا ثبت هذا فانما يقوم المأمومون إذا كان الإمام في المسجد أو قريبا منه وإن لم يكن في مقامه قال أحمد في رواية الأثرم : أذهب إلى حديث أبي هريرة : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أقمنا الصفوف اسناد جيد : الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقال في رواية أبي داود سمعت أحمد يقول : ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام فلا يحتاج أن يقف عن أبي هريرة قال كانت الصلاة تقام لرسول الله صلى الله عليه و سلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه و سلم مقامه رواه مسلم فأن اقيمت والإمام في غير المسجد ولم يعلموا قربه لم يقوموا لما روى أبو قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ] متفق عليه ول البخاري قد خرجت وخرج علي رضي الله عنه والناس ينتظرنه قياما للصلاة فقال ما لي أراكم سامدين

فصل : تسوية الإمام صفوف الجماعة
فصل : ويستحب للإمام تسوية الصفوف يلتفت عن يمينه فيقول استووا رحمكم الله وعن يساره كذلك لما ذكرنا من الحديث وعن محمد بن مسلم قال : صليت إلى جنب أنس بن مالك يوما فقال : هل تدري لم صنع هذا العود قلت : لا والله فقال : لـ [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه فقال : اعتدلوا وسووا صفوفكم ثم أخذه بيساره وقال : اعتدلوا وسووا صفوفكم ] وعنه قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سووا صفوفكم فان تسوية الصف من تمام الصلاة ] متفع عليه

مسألة وفصول : تكبيرة افتتاح الصلاة
مسألة : قالو أبو القاسم : إذا قام إلى الصلاة فقال الله أكبر
وجملته أن الصلاة لا تنعقد إلا بقول الله أكبر عند إمامنا و مالك وكان ابن مسعود و طاوس و أيوب و مالك و الثوري و الشافعي يقولون : افتاح الصلاة التكبير وعلى هذا عوام أهل العلم في القديم والحديث إلا أن الشافعي قال : تنعقد بقوله الله الاكبر لأن الألف واللام لم تغيره عن بنيته ومعناه وإنما أفادت التعريف وقال أبو حنيفة : تنعقد بكل اسم لله تعالى على وجه التعظيم كقوله الله عظيم أو كبير أو جليل وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ونحوه قال الحاكم : لأنه ذكر الله تعالى على وجه التعظيم أشبه قوله الله أكبر وأعتبر ذلك بالخطبة حيث لم يتعين لفظها
ولنا : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تحريمها التكبير ] رواه أبو داود وقال للمسيء في صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر متفق عليه وفي حديث رفاعة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يقبل الله صلاة امرىء حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة فيقول الله أكبر ] و [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يفتتح الصلاة بقوله : الله أكبر ] لم ينقل عنه عدول عن ذلك حتى فارق الدنيا وهذا يدل على أنه لا يجوز العدول عنه وما قاله أبو حنيفة يخالف دلالة الاخبار فلا يصار إليه ثم يبطل بقوله : اللهم اغفر لي ولا يصح القياس على الخطبة لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه و سلم فيها لفظ بعينه في جميع خطبه ولا أمر به ولا يمنع من الكلام فيها والتلفظ بما شاء من الكلام المباح والصلاة بخلافه وما قاله الشافعي عدول عن المنصوص فاشبه ما لو قال : الله العظيم وقولهم لم تغير بنيته ولا معناه لا يصح لأنه نقله عن التنكير إلى التعريف وكان متضمنا لاضمار أو تقدير فزال فان قوله الله أكبر التقدير من كل شيء ولم يرد في كلام الله تعالى ولا في كلام رسوله عليه السلام ولا في المتعارف في كلام الفصحاء إلا هكذا فاطلاق لفظ التكبير ينصرف إليها دون غيرها كما أن اطلاق لفظ التسمية ينصرف إلى قول بسم الله دون غيره وهذا يدل على أن غيرها ليس مثلا لها
فصل : والتكبير ركن في الصلاة لا تنعقد الصلاة إلا به سواء تركه عمدا أو سهوا وهذا قول ربيعة و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي ثور و ابن المنذر وقال سعيد بن المسيب و الحسن و الزهري و قتادة و الحكم و الاوزاعي من نسي تكبيرة الافتتاح أجزأته تكبيرة الركوع
ولنا : [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : تحريمها التكبير ] يدل على أنه لا يدخل في الصلاة بدونه
فصل : ولا يصح التكبير إلا مرتبا فان نكسه لم يصح لأنه لا يكون تكبيرا ويجب على المصلي أن يسمعه نفسه إماما أو غيره إلا أن يكون به عارض من طرش أو ما يمنعه السماع فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمعه لأنه ذكر محله اللسان ولا يكون كلاما بدون الصوت والصوت ما يتأتى سماعه وأقرب السامعين إليه نفسه فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكرناه

فصل : استحباب جهر الإمام بالتكبير
فصل : ويستحب للإمام أن يجهر بالتكبير بحيث يسمع المأمومون ليكبروا فانهم لا يجوز لهم التكبير إلا بعد تكبيره فان لم يمكنه اسماعهم جهر بعض المأمومين ليسمعهم أو ليسمع من لا يسمع الإمام لما روى جابر قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه و سلم كبر أبو بكر ليسمعنا متفق عليه

فصل : ضبط لفظ التكبير
فصل : ويبين التكبير ولا يمد في غير موضع المد فان فعل بحيث تغير المعنى مثل أن يمد الهمزة الأولى فيقول الله فيجعلها استفهاما أو يمد أكبر فيزيد ألفا فيصير جمع كبر وهو الطبل لم يجز لأن المعنى يتغير به وإن قال الله أكبر وأعظم وأجل ونحوه لم يستحب نص عليه وانعقدت الصلاة بالتكبيرة الأولى

فصل : التكبير بغير العربية
فصل : ولا يجزئه التكبير بغير العربية مع قدرته عليها وبهذا قال الشافعي و أبو يوسف و محمد و قال : أبو حنيفة : يجزئه لقول الله تعالى : { وذكر اسم ربه فصلى } وهذا قد ذكر اسم ربه
ولنا ك ما تقدم من النصوص وأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعدل عنها وهذا يخص ما ذكروا فان لم يحسن العربية لزمه تعلم التكبير بها فان خشي فوات الوقت كبر بلغته ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي و قال القاضي في الجامع : لا يكبر بغير العربية ويكون حكمه حكم الاخرس كمن عجز عن القراءة بالعربية لا يعبر عنها بغيرها والأول أصح لأن التكبير ذكر الله وذكر الله تعالى يحصل بكل لسان وأما القرآن فانه عربي فإذا عبر عنه بغير العربية لم يكن قرآنا والذكر لا يخرج بذلك عن كونه ذكرا

ما يصنعه من عجز عن التكبير
فصل : فان كان أخرس أو عاجزا عن التكبير بكل لسان سقط عنه وقال القاضي : عليه تحريك لسانه لأن الصحيح يلزمه النطق بتحريك لسانه فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر ولا يصح هذا لأنه قول عجز عنه فلم يلزمه تحريك لسانه في موضعه كالقراءة وإنما لزمه تحريك لسانه بالتكبير مع القدرة عليه ضرورة بوقف التكبير عليها فإذا سقط التكبير سقط ما هو من ضرورته كمن سقط عنه القيام سقط عنه النهوض إليه وإن قدر عليه ولأن تحريك اللسان من غير نطق عبث لم يرد الشرع به فلا يجوز في الصلاة كالعبث بسائر جوارحه

فصل : حكم من كبر للاحرام وهو منحنى
فصل : وعليه أن يأتي بالتكبير قائما فان انحنى إلى الركوع بحيث يصير راكعا قبل إنهاء التكبير لم تنعقد صلاته إلا أن تكون نافلة لسقوط القيام فيها ويحتمل أن لا تنعقد أيضا لأن صفة الركوع غير صفة القعود ولم يأت بالتكبير قائما ولا قاعدا ولو كان ممن تصح صلاته قاعدا كان عليه الاتيان بالتكبير قبل وجود الركوع منه وقال القاضي : إن كبر في الفريضة في حال انحنائه إلى الركوع انعقدت نفلا لأنها امتنع وقوعها فرضا وأمكن جعلها نفلا فأشبه من أحرم بفريضة فبان أنه لم يدخل وقتها

فصل : متابعة المأموم في تكبيرة الاحرام
فصل : ولا يكبر المأموم حتى يفرغ إمامه من التكبير وقال أبو حنيفة : يكبر معه كما يركع معه
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ] متفق عليه والركوع مثل ذلك فإنه إنما يركع بعده إلا أنه لا تفسد صلاته بالركوع معه لأنه قد دخل في الصلاة وههنا بخلافه فإن كبر قبل إمامه لم ينعقد تكبيره وعليه استئناف التكبير بعد تكبير الإمام

فصل : تكبيرة الاحرام جزء من الصلاة
فصل : والتكبير من الصلاة وقال أصحاب أبي حنيفة : ليس هو منها بدليل إضافته إليها بقوله : [ تحريمها التكبير ] ولا يضاف الشيء إلى نفسه
ولنا : [ قول النبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة : إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ] رواه مسلم و أبو داود وما ذكروه غلط فإن أجزاء الشيء تضاف إليه كيد الإنسان ورأسه وأطرافه

مسألة : نية تعيين الصلاة والصلاة الفائتة
مسألة : قال : وينوي بها المكتوبة يعني بالتكبيرة ولا نعلم خلافا بين الأمة في وجوب النية للصلاة وأن الصلاة لا تنعقد إلا بها والأصل فيه قول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }
والإخلاص عمل القلب وهو النية وإرادة الله وحده دون غيره وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى ] ومعنى النية القصد ومحلها القلب وإن لفظ بما نواه كان تأكيدا فإن كانت الصلاة مكتوبة لزمته نية الصلاة بعينها ظهرا أو عصرا أو غيرهما فيحتاج إلى نية شيئين الفعل والتعيين واختلف أصحابنا في نية الفرضية فقال : بعضهم لا يحتاج إليها لأن التعيين يغني عنها لكون الظهر مثلاص لا يكون إلا فرضا من المكلف وقال ابن حامد : لا بد من نية الفرضية لأن المعينة قد تكون نفلا كظهر الصبي والمعادة فيفتقر إلى ثلاثة أشياء الفعل والتعيين والفرضية ويحتمل هذا كلام الخرقي لقوله : ينوي بها المكتوبة أي الواجبة المعينة والألف واللام هنا للمعهود أي أنها المكتوبة الحاضرة وقال القاضي : ظاهر كلام الخرقي أنه لا يفتقر إلى التعيين لأنه إذا نوى المفروضة انصرفت النية إلى الحاضرة والصحيح أنه لا بد من التعيين والألف واللام هنا للمعهود كما ذكرنا والحضور لا يكفي عن النية بدليل أنه لم يغن عن نية المكتوبة وقد يكون عليه صلوات فلا تتعين إحداهن بدون الثعيين فأما الفائتة فإن عينها بقلبه أنها ظهر اليوم لم يحتج إلى نية القضاء ولا الأداء بل لو نواها أداء فبان أن وقتها قد خرج وقعت قضاء من غير نية ولو ظن أن الوقت قد خرج فنواها قضاء فبان أنها في وقتها أداء من غير نية كالأسير إذا تحرى وصام شهرا يريد به شهر رمضان فوافقه أو ما بعده أجزأه وأن ظن أن عليه ظهرا فائتة فقضاها في وقت ظهر اليوم ثم تبين أنه لا قضاء عليه فهل يجزئه عن ظهر اليوم ؟ يحتمل وجهين أحدهما يجزئه لأن الصلاة معينة وإنما أخطأ في نية الوقت فلم يؤثر كما إذا اعتقد أن الوقت قد خرج فبان أنه لم يخرج أو كما لو نوى ظهر أمس وعليه ظهر يوم قبله والثاني لا يجزئه لأنه لم ينو عين الصلاة فأشبه ما لو نوى قضاء عصر لم يجزه عن الظهر ولو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة لم يجزه عنها ويتخرج فيها كالتي قبلها فأما إن كانت عليه فوائت فنوى صلاة غير معينة لم يجزه عن واحدة منها لعدم التعيين ولو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه خمس صلوات ليعلم أنه أدى الفائتة ولو نسي صلاة لا يدري أظهر هي ام عصر لزمه صلاتان فإن صلى واحدة ينوي أنها فائتة لم يجزه لعدم التعيين

فصل : نية التعيين في صلاة النافلة
فصل : فأما النافلة فتنقسم إلى معينة كصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح والوتر والسنن الرواتب فيفتقر إلى التعيين أيضا وإلى مطلقة كصلاة الليل فيجزئه نية الصلاة لا غير لعدم التعيين فيها

فصل : التردد في النية ونية قطع الصلاة
فصل : وإذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها لم تصح لأن النية عزم جازم ومع التردد لا يحصل الجزم وان تلبس بها بنية صحيحة ثم نوى قطعها والخروج منها بطلت وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا تبطل بذلك لأنها عبادة صح دخوله فيها فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج
ولنا : أنه قطع حكم النية قبل إتمام صلاته ففسدت كما لو سلم ينوي الخروج منها ولأن النية شرط في جميع الصلاة وقد قطعها بما حدث ففسدت لذهاب شرطها وفارقت الحج فإنه لا يخرج منه بمحظوراته ولا بمفسداته بخلاف الصلاة فأما أن تردد في قطعها فقال : ابن حامد : لا تبطل لأنه دخل فيها بنية متيقنة فلا تزول بالشك والتردد كسائر العبادات وقال القاضي : يحتمل أن تبطل وهو مذهب الشافعي لأن استدامة النية شرط مع التردد لا يكون مستديما لها فأشبه ما لو نوى قطعها

فصل : وجوب استصحاب وقت النية في الصلاة
فصل : والواجب استصحاب حكم النية دون حقيقتها بمعنى أنه لا ينوي قطعها ولو ذهل عنها وعزبت عنه في أثناء الصلاة لم يؤثر ذلك في صحتها لأن التحرز من هذا غير ممكن ولأن النية لا تعتبر حقيقتها في أثناء العبادة بدليل الصوم وغيره وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أذا أقيمت الصلاة أدبر الشيطان وله حصاص فإذا قضي التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه يقول : اذكر كذا اذكر كذا حتى يظل أحدكم أن يدري كم صلى ] متفق عليه ورواه مالك في الموطأ وروي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى صلاة فلم يقرأ فيها فقيل له إنك لم تقرأ فقال : إني جهرت جيشا للمسلمين حتى بلغت به وادي القرى

فصل : الشك في النية
فصل : فإن شك في أثناء الصلاة هل نوى أو لا أو شك في تكبيرة الاحرام استأنفها لأن الأصل عدم ما شك فيه فإن ذكر أنه كان قد نوى أو كبر قبل قطعها أو أخذ في عمل فله البناء لأنه لم يوجد مبطل لها وأن عمل فيها عملا مع الشك فقال القاضي : تبطل وهذا مذهب الشافعي لأن هذا العمل عري عن النية وحكمها فإن استصحاب حكمها مع الشك لا يوجد وقال ابن حامد لا تبطل ويبني أيضا لأن الشك لا يزيل حكم النية بدليل ما لو لم يحدث عملا فإنه يبني ولو زال حكم النية لبطلت الصلاة كما لو نوى قطعها وإن شك هل نوى فرضا أو نفلا إلا أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملا وإن ذكر ذلك بعد أحداث عمل خرج فيه الوجهان المذكوران في التي قبلها فإن شك هل أحرم بظهر أو عصر فحكمه حكم ما لو شك في النية لأن التعيين شرط وقد زال بالشك ويحتمل أن يتمها نفلا كما لو أحرم بفرض فبان أنه قبل وقته

فصل : نقل النية
فصل : وإذا أحرم بفريضة ثم نوى نقلها إلى فريضة أخرى بطلت الأولى لأنه قطع نيتها ولم تصح الثانية لأنه لم ينوها من أولها فإن نقلها لغير غرض فقال القاضي : لا يصح رواية واحدة لما ذكرناه وقال في الجامع يخرج على روايتين : وقال أبو الخطاب : يكره ويصح لأن النفل يدخل في نية الفرض بدليل ما لو أحرم بفرض فبأن أنه لم يدخل وقته وصحة نقلها إذا كان الفرض ل الشافعي قولان كالوجهين فأما أن نقلها لغرض صحيح مثل من أحرم بها منفردا فحضرت جماعة فجعلها نفلا ليصلي فرضه في جماعة فقال أبو الخطاب تصح من غير كراهة وقال القاضي : فيه روايتان إحداهما لا يصح لأنه لم ينو النفل من أولها والثانية يصح لأنه لفائدة وهيو تأدية فرضه في الجماعة مضاعفة للثواب بخلاف من نقلها لغير غرض فإنه أبطل عمله لغير سبب ولا فائدة

مسألة : وقت النية
مسألة : قال : وإن تقدمت النية قبل التكبير وبعد دخول الوقت ما لم يفسخها أجزأه
قال أصحابنا : يجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير وإن طال الفصل أو فسخ نيته بذلك لم يجزه وحمل القاضي كلام الخرقي على هذا وفسره به وهذا مذهب أبي حنيفة وقال الشافعي و ابن المنذر يشترط مقارنة النية للتكبير لقوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } فقوله مخلصين حال لهم في وقت العبادة فإن الحال : وصف هيئة الفاعل وقت الفعل والإخلاص هو النية وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الأعمال بالنيات ] ولأن النية شرط فلم يجز أن تخلو العبادة عنها كسائر شروطها
ولنا : أنها عبادة فجاز تقديم نيتها عليها كالصوم وتقديم النية على الفعل لا يخرجه عن كونه منويا ولا يخرج الفاعل عن كونه مخلصا بدليل الصوم والزكاة إذا دفعها إلى وكيله وكسائر الأفعال في أثناء العبادة

مسألة وفصول : كيفية رفع اليدين في تكبيرة الاحرام للإمام والمأموم والمنفرد
مسألة : قال : ويرفع يديه إلى فروع أذنيه أو إلى حذو منكبيه
لا نعلم خلافا في استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة وقال ابن المنذر لا يختلف أهل العلم في أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وقد ذكرنا حديث أبي حميد و [ روى ابن عمر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه وإذا أرد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين ] متفق عليه وهو مخير في رفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه ومعناه أن يبلغ بأطراف أصابعه ذلك الموضع وإنما خير لأن كلا الأمرين مروي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فالرفع إلى حذو المنكبين في حديث أبي حميد وابن عمر وأيو هريرة وهو قول الشافعي و إسحاق والرفع إلى حذو الأذنين رواه واثلة بن حجر و مالك بن الحويرث رواه مسلم وقال به ناس من أهل العلم وميل أحمد إلى الأول أكثر قال الأثرم قلت ل أبي عبد الله إلى أين يبلغ بالرفع ؟ قال : أما أنا فأذهب إلى المنكبين لحديث ابن عمر ومن ذهب إلى أن يرفع يديه إلى حذو أذنيه فحسن وذلك لأن رواة الأول أكثر وأقرب إلى النبي صلى الله عليه و سلم وجوز الآخر لأن صحة روايته تدل على أنه كان يفعل هذا مرة وهذا مرة
فصل : ويستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع ويضم بعضها إلى بعض لما روى أبو هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا ] وقال الشافعي السنة أن يفرق أصابعه لما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ينشر أصابعه للتكبير
ولنا : ما ذكرناه وحديثهم قال الترمذي هذا خطأ والصحيح ما رويناه ثم لو صح كان معناه مد أصابعه قال أحمد : أهل العربية قالوا : هذا الضم - وضم أصابعه - وهذا النشر - ومد أصابعه - وهذا التفريق - وفرق أصابعه ولأن النشر لا يقتضي التفريق كنشر الثوب ولهذا يستعمل في الشيء الواحد ولا تفريق فيه
فصل : ويبتدىء رفع يديه مع ابتداء التكبير ويكون انتهاؤه مع إنقضاء تكبيرة ولا يسبق احدهما صاحبه فإذا انقضى التكبير حط يديه فإن نسي رفع اليدين حتى فرغ من التكبير لم يرفعهما لأنه سنة فات محلها وإن ذكره في أثناء التكبير رفع لأن محله باق لم يمكنه رفع يديه إلى المنكبين رفعهما قدر ما يمكنه وإن أمكنه رفع إحداهما دون الأخرى رفعها لـ [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما إستطعتم ] وإن لم يمكنه رفعهما إلا بالزيادة على المسنون رفعهما لأنه يأتي بالسنة وزيادة مغلوب عليها وقول الشافعي كقولنا في هذا الفصل جميعه
فصل : وإن كانت يداه في ثوبه رفعهما بحيث يمكن لما روى وائل بن حجر قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم في الشتاء فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة وفي رواية قال ثم جئت في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب تتحرك أيديهم تحت الثياب رواهما أبو داود وفي رواية فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم
فصل : والإمام والمأموم والمنفرد في هذا سواء وكذلك الفريضة والنافلة لأن الأخبار لا تفريق فيها فأما المرأة فذكر القاضي فيها روايتين عن أحمد إحداهما ترفع لما روى الخلال بإسناده عن أم الدرداء وحفصة بنت سيرين أنهما كانتا ترفعان أيديهما وهو قول طاوس ولأن من شرع في حقه التكبير شرع في حقه الرفع كالرجل فعلى هذا ترفع قليلا قال أحمد رفع دون الرفع والثانية لا يشرع لأنه في معنى التجافي ولا يشرع ذلك لها بل تجع نفسها في الركوع والسجود وسائر صلاتها

مسألة : موضع اليدين للقائم في الصلاة
مسألة : قال : ثم يضع يده اليمنى على كوعه اليسرى
أما وضع اليمين على اليسرى في الصلاة فمن سنتها في قول كثير من أهل العلم يروى ذلك عن علي وأبي هريرة و النخعي و أبي مجلز و سعيد بن جبير و الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي وحكاه ابن المنذر و مالك و ظاهر مذهبه الذي عليه أصحابه ارسال اليدين وروي ذلك عن ابن الزبير والحسن
ولنا : ما [ روى قبيصة بن هلب عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤمنا شماله بيمينه ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين ومن بعدهم وعن أبي حازم عن سهل عن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنىعلى ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم : لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه البخاري و [ عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم مر به وهو واضع شماله على يمينه فأخذ يمينه فوضعها على شماله ] رواه أبو داود ورواهما الأثرم وفي المسند عن غطيف قال : ما نسيت من الأشياء فلم أنيس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة ويستحب أن يضعها على كوعه وما يقاربه لما روى وائل بن حجر أنه وصف صلاة النبي صلى الله عليه و سلم وقال في وصفه ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد
مسألة : قال : ويجعلهما تحت سرته
اختلفت الرواية في موضع وضعهما فروي عن أحمد أنه يضعهما تحت سرته وروي ذلك عن علي وأبي هريرة و أبي مجلز و النخعي و الثوري و إسحاق لما روي عن علي أنه قال : من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة رواه الإمام أحمد و أبو داود وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه و سلم ولأنه قول من ذكرنا من الصحابة وعن أحمد أنه يضعهما فوق السرة وهو قول سعيد بن جبير و الشافعي لما روى وائل بن حجر قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يصلي فوضع يديه على صدره إحداهما على الأخرىوعنه أنه مخير في ذلك لأن الجميع مروي والأمر في ذلك واسع

مسألة وفصل : دعاء لاستفتاح الصلاة
مسألة : قال : ويقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك
وجملته أن الاستفتاح من سنن الصلاة في قول أكثر أهل العلم وكان مالك لا يراه بل يكبر ويقرأ لما روى أنس قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين متفق عليه
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يستفتح بما سنذكره وعمل به الصحابة رضي الله عنهم وكان عمر يستفتح به في صلاته يجهر به ليسمعه الناس وعبدالله بن مسعود وحديث أنس أراد به القراءة كما جاء في حديث أبي هريرة : [ ان الله تعالى قال : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ] وفسر ذلك بالفاتحة وهذا مثل قول عائشة كان النبي صلى الله عليه و سلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ويتعين حمله على هذا لأنه قد ثبت عن الذين روى عنهم أنس الاستفتاح بما ذكرناه إذا ثبت هذا فان أحمد ذهب إلى الاستفتاح بهذا الذي ذكره الخرقي وقال : لو أن رجلا استفتح ببعض ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من الاستفتاح كان حسنا أو قال جائزا وكذا قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن الخطاب وابن مسعود و الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي قال الترمذي : وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين وغيرهم وذهب الشافعي و ابن المنذر إلى الاستفتاح بما قد روي عن علي قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين أنت الملك لا إله إلا أنت أنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الاخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت ربنا وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ] رواه مسلم و أبو داود و النسائي وروي أبو هريرة قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كبر في الصلاة أسكت إسكاتة - حسبته قال هنيهة - بين التكبير والقراءة فقلت يا رسول الله أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراء ما تقول ؟ قال : أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ] متفق عليه
ولنا : ما روت عائشة قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ] رواه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله رواه النسائي و الترمذي و رواه أنس واسناد حديثه كلهم ثقاة رواه الدارقطني وعمل به السلف فكان عمر رضي الله عنه يستفتح به بين يدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فروى الاسود أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر فقال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك فلذلك اختاره أحمد وجوز الاستفتاح بغيره لكونه قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا أنه قال : في حديث علي بعضهم يقول في صلاة الليل ولأن العمل به متروك فانا لا نعلم أحدا يستفتح به كله وإنما يستفتحون بأوله
فصل : قال أحمد ولا يجهر الإمام بالافتتاح وعليه عامة أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجهر به وإنما جهر به عمر ليعلم الناس وإذا نسي الاستفتاح أو تركه عمدا حتى شرع في الاستعاذة لم يعد إليه لأنه سنة فات محلها وكذلك أن نسي التعوذ حتى شرع في القراءة لم يعد إليه لذلك

مسألة : الاستعاذة قبل القراءة
مسألة : قال : ثم يستعيذ
وجملة ذلك أن الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة سنة وبذلك قال الحسن و ابن سيرين و عطاء و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أصحاب الراي وقال مالك : لا يستعيذ لحديث أنس
ولنا : أنه قول الهل تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وعن أبي سعيد [ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ] قال الترمذي : هذا أشهر حديث في الباب وقال ابن المنذر : جاء [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول قبل القراءة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ] وحديث أنس قد مضى جوابه وصفة الاستعاذة أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي لقول الله تعالى : { فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وعن أحمد أنه يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم لخبر أبي سعيد ولقول الله تعالى : { فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } وهذا متضمن للزيادة ونقل حنبل عنه أنه يزيد بعد ذلك أن الله هو السميع العليم وهذا كله واسع وكيفما استعاذ فهو حسن ويسر الاستعاذة ولا يجهر بها لا أعلم فيه خلافا

مسألة : حكم قراءة الفاتحة في الصلاة
مسألة : قال : ثم يقرأ الحمد لله رب العالمين
وجملة ذلك أن قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة وركن من أركانها لا تصح إلا بها في المشهور عن أحمد نقله عنه الجماعة وهو قول مالك و الثوري و الشافعي وروي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاص وخوات بن جبير أنهم قالوا لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وروي عن أحمد رواية أخرى أنها لا تتعين وتجزىء قراءة آية من القرآن من أي موضع كان وهذا قول أبي حنيفة لـ [ قول النبي صلى الله عليه و سلم للمسيء في صلاته : ثم اقرأ ما تيسير معك من القرآن ] وقول الله تعالى : { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } وقوله : { فاقرؤوا ما تيسر منه } ولأن الفاتحة وسائر القرآن سواء في سائر الاحكام فكذا في الصلاة ولنا : ما روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ] متفق عليه ولأن القراءة ركن في الصلاة فكانت معينة كالركوع والسجود وأما خبرهم فقد روى الشافعي باسناده عن رفاعة بن رافع [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للأعرابي : ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن تقرأ ] ثم نحمله على الفاتحة وما تيسر معها مما زاد عليها ويحتمل أنه لم يكن يحسن الفاتحة أما الآية فتحتمل أنه أريد الفاتحة وما تيسر معها ويحتمل أنها نزلت قبل نزول الفاتحة لأنها نزلت بمكة والنبي صلى الله عليه و سلم مأمور بقيام الليل فنسخه الله تعالى عنه بها والمعنى الذي ذكروه أجمعنا على خلافه فان من ترك الفاتحة كان مسيئا بخلاف بقية السور

مسألتان وفصل : مشروعية البسملة
مسألة : قال : ويبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم
وجملة ذلك أن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم مشروعة في الصلاة في أول الفاتحة وأول كل سورة في قول أكثر أهل العلم وقال مالك و الأوزاعي لا يقرأها في أول الفاتحة لحديث أنس وعن ابن عبد الله بن المغفل قال : سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال : أي بني محدث ؟ إياك والحدث قال : ولم أر واحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أبغض إليه الحدث في الأسلام - يعني منه - فاني صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها إذا صليت فقل الحمد لله رب العالمين أخرجه الترمذي و قال حديث حسن
ولنا : ماروي عن نعيم المجمر أنه قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن وقال والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجه النسائي وروى ابن المنذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحين وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية والحمد لله رب العالمين اثنين فأما حديث انس فقد سبق جوابه ثم نحمله على أن الذي كان يسمع منهم الحمد لله رب العالمين وقد جاء مصرحا به روى شعبة وشيبان عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك قال صليت خلف النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وفي لفظ وكلهم يخفي بسم الله الرحمن الرحيم وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسر بسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر رواه ابن شاهين وحديث ابن عبد الله بن المغفل محمول على هذا أيضا جمعا بين الاخبار ولأن بسم الله الرحمن الرحيم يستفتح بها سائر السور فاستفتاح الفاتحة بها أولى لأنها أول القرآن وفاتحته وقد سلم مالك هذا فإنه قال في قيام رمضان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة ويستفتح بها بقية السور
مسألة : قال : ولا يجهر بها
يعني بسم الله الرحمن الرحيم ولا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون قال الترمذي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم من التابعين منهم أبو بكر و عمر وعثمان وعلي وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وعمار وبه يقول الحكم و حماد و الأوزاعي و الثوري و ابن المبارك و أصحاب الرأي ويروى عن عطاء و طاوس و مجاهد و سعيد بن جبير - الجهر بها وهومذهب الشافعي لحديث أبي هريرة أنه قرأها في الصلاة وقد صح أنه قال ما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أسمعناكم وما أخفى علينا أخفيناه عليكم - متفق عليه وعن أنس أنه صلى وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وقال أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ولما تقدم من حديث أم سلمة وغيره ولأنها آية من الفاتحة فيجهر بها الإمام في صلاة الجهر كسائر آياتها
ولنا : حديث أنس وعبد بن المغفل وعن عائشة رضي الله عنها [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ] متفق عليه و [ روى أبو هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي ] وذكر الخبر أخرجه مسلم وهذا يدل على أنه لم يذكر بسم الله الرحمن الرحين ولم يجهر بها وحديث أبي هريرة الذي احتجوا به ليس فيه أنه جهر بها ولا يمتنع أن يسمع منه حال الاسرار كما سمع الاستفتاح والاستعاذة من النبي صلى الله عليه و سلم مع إسراره بهما وقد روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الظهر متفق عليه وحديث أم سلمة ليس فيه أنه جهر بها وسائر أخبار الجهر ضعيفة فإن رواتها هم رواة الإخفاء واسناد الإخفاء صحيح ثابت بغير خلاف فيه فدل على ضعف رواية الجهر وقد بلغنا أن الدارقطني قال لم يصح في الجهر حديث
( فصل : واختلفت الرواية عن أحمد هل هي آية من الفاتحة يجب قراءتها في الصلاة أولا ؟ فعنه أنها من الفاتحة وذهب إليها أبو عبد الله بن بطة و أبو حفص وهو قول ابن المبارك و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد قال ابن المبارك من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشر آية وكذلك قال الشافعي : هي آية من كل سورة لحديث أم سلمة وروى أبو هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم الكتاب وأنها السبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ] ولأن الصحابة رضي الله عنهم أثبتوها في المصاحف بخطها ولم يثبتوا بين الدفتين سوى القرآن وروي عن أحمد أنها ليست من الفاتحة ولا آية من غيرها ولا يجب قراءتها في الصلاة وهو المنصورة عند أصحابه وقول أبي حنيفة و مالك و الأوزاعي و عبد الله من معبد الرماني واختلف عن أحمد فيها فقيل عنه هي آية مفردة كانت تنزل بين سورتين فصلا بين السور وعنه إنما هي بعض آية من سورة النمل كذلك قال عبد الله بن معبد و الأوزاعي ما أنزل الله بسم الله الرحمن الرحيم إلا في سورة : { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما [ روى أبو هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : الحمد الله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي فإذا قال : مالك يوم الدين قال الله مجدني عبدي فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين قال الله هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ] أخرجه مسلم فلو كانت بسم الله الرحمن الرحيم آية لعدها وبدأ بها ولم يتحقق التنصيف لأن آيات الثناء تكون أربعا ونصفا وآيات الدعاء اثنتين ونصفا وعلى ما ذكرنا يتحقق التنصيف فإن قيل فقد روى عبد الله بن زياد بن سمعان يقول عبدي إذا افتتح الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي قلنا ابن سمعان متروك الحديث لا يحتج به قاله الدارقطني واتفاق الرواة على خلاف روايته أولى بالصواب وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ سورة هي ثلاثون آية شفعت لقارئها ألا وهي تبارك الذي بدون بسم الله الرحمن الرحيم ] ولو كانت منها لكانت أربعا ولأن مواضع الآي تجري مجرى الآي أنفسها في أنها لا تثبت إلا بالتواتر ولم ينقل في ذلك تواتر فأما قول أم سلمة فمن رأيها ولا ينكر الاختلاف في ذلك على أننا نقول هي آية مفردة للفصل بين السور وحديث أبي هريرة موقوف عليه فإنه من رواية أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال قال : أبو بكر راجعت فيه نوحا فوقفه وهذا يدل على أن رفعه كان وهما من عبد الحميد وأما إثباتها في السور في المصحف فللفصل بينها ولذلك أفردت سطرا على حدتها

فصل : ضبط التلاوة في الصلاة
فصل : يلزمه أن يأتي بقراءة الفاتحة مرتبة مشددة غير ملحون فيها لحنا يحيل المعنى فإن ترك ترتيبها أو شدة منها أو لحن لحنا يحيل المعنى مثل أن يكسر كاف إياك أو يضم تاء أنعمت أو يفتح ألف الوصل في أهدنا لم يعتد بقراءته إلا أن يكون عاجزا عن غير هذا ذكر القاضي نحو هذا في المجرد وهو مذهب الشافعي وقال القاضي في الجامع : لا تبطل بترك شدة لأنها غير ثابتة في خط المصحف هي صفة للحرف ويسمى تاركها قارئا والصحيح الأول لأن الحرف المشدد أقيم مقام حرفين بدليل أن شدة راء الرحمن أقيمت مقالم اللام وشدة ذال الذين أقيمت مقام اللام أيضا فإذا أخل بها أخل بالحرف وما يقوم مقامه وغير المعنى إلا أن يريد أنه أظهر المدغم مثل من يقول الرحمن مظهرا للام فهذا تصح صلاته لأنه إنما ترك الإدغام وهو معدود لحنا لا يغير المعنى قال : ولا يختلف المذهب أنه إذا لينها ولم يحققها على الكمال أنه لا يعيد الصلاة لأن ذلك لا يحيل المعنى ويختلف باختلاف الناس ولعله إنما أراد في الجامع هذا المعنى فيكون قوله متفقا ولا يستحب المبالغة في التشديد بحيث يزيد على قدر حرف ساكن لأنها في كل موضع أقيمت مقام حرف ساكن فإذا زادها على ذلك زادها عما أقيمت مقامه فيكون مكروها وفي بسم الله الرحمن الرحيم ثلاث شدات وفيما عداها إحدى عشرة تشديدة بغير اختلاف
فصل : وأقل ما يجزىء فيها قراءة مسموعة يسمعها نفسه أو يكون بحيث يسمعها لو كان سميعا كما قلنا في التكبير فإن ما دون ذلك ليس بقراءة والمستحب أن يأتي بها مرتلة معربة يقف فيها عند كل آية ويمكن حروف المد واللين ما لم يخرجه ذلك إلى التمطيط لقول الله تعالى : { ورتل القرآن ترتيلا } و [ روي عن أم سلمة أنها سألت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : كان يقطع قراءته آية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ] رواه الإمام أحمد في مسنده وعن أنس قال : [ كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحين يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد الرحيم ] أخرجه البخاري فإن انتهى ذلك إلى التمطيط والتلحين كان مكروها لأنه ربما جعل الحركات حروفا قال أحمد : يعجبني من قراءة القرآن السهلة وقال قوله زينوا القرآن بأصواتكم قال يحسنه بصوته من غير تكلف وقد روي في خبر آخره أحسن الناس قراءة من إذا سمعت قراءته رأيت أنه يخشى الله وروي : [ إن هذا القرآن نزل بحزن فاقرأوه بحزن ]

فصل : وجوب الفاتحة في جميع الركعات وحكم السكون أثناء قراءتها
فصل : فإن قطع قراءة الفاتحة بذكر من يسير أو فرغ الإمام من دعاء أو قراءة أو سكوت الفاتحة في أثناء قراءة المأموم قال آمين ولا تنقطع قراءته لقول أحمد إذا مرت به آية رحمة سأل وإذا مرت به آية عذاب استعاذ وإن كثر ذلك استأنف قراءتها إلا أن يكون السكوت مأمورا به كالمأموم يشرع في قراءة الفاتحة ثم يسمع قراءة الإمام فينصت له فإذا سكت الإمام أتم قراءتها وأجزأه أومأ إليه أحمد وكذلك إن كان السكوت نسيانا أو نوما أو لانتقاله إلى غيرها غلطا لم يبطل فمتى ذكرت أتى بما بقي منها فإن تمادى فيما هو فيه بعد ذكره أبطلها ولزمه استئنافها كما لو ابتدأ بذلك فإن نوى قطع قراءتها من غير أن يقطعها لم تنقطع لأن فعله مخالف لنيته والاعتبار بالفعل لا بالنية وكذا إن سكت مع النية سكوتا يسيرا لما ذكرناه من أنه من عبرة بالنية فوجودها كعدمها وذكر القاضي في الجامع أنه متى سكت مع النية أبطلها ومتى عدل إلى قراءة غير الفاتحة عمدا أو دعاء غير مأمور بطلت قراءته ولم يفرق بين قليل أو كثير وإن قدم آية منها في غير موضعها عمدا أبطلها وأن كان غلطا رجع إلى موضع الغلط فأتمها والأولى إن شاء الله ما ذكرناه لأن المعتبر في القراءة وجودها لا نيتها فمتى قرأها متواصلة تواصلا قريبا صحت كما لو كان ذلك عن غلظ
فصل : ويجب قراءة الفاتحة في كل ركعة في الصحيح من المذهب وهذا مذهب مالك و الأوزاعي و الشافعي وعن أحمد أنها لا تجب إلا في ركعتين من الصلاة ونحوه عن النخعي و الثوري و أبي حنيفة لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : اقرأ في الاوليين وسبح في الاخريين ولأن القراءة لو وجبت في بقية الركعات لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالاوليين وعن الحسن أنه أن قرأ في ركعة واحدة أجزأه لقول الله تعالى : { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } وعن مالك أنه أن قرأ في ثلاث أجزأه لأنها معظم الصلاة
ولنا : ما روى أبو قتادة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الظهر في الاوليين بأم الكتاب وسورتين ويطول الاولى ويقصر الثانية ويسمع الآية أحيانا وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ] متفق عليه : وقال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] متفق عليه وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب [ وعنه وعن عبادة قالا أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة ] رواهما إسماعيل بن سعيد الشالنجي و لـ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم علم المسيء في صلاته كيف يصلي الركعة الأولى ثم قال : وافعل ذلك في صلاتك كلها ] فيتناول الأمر بالقراءة وعن جابر قال : من صلى ركعة فلم يقرأ فيها فلم يصل إلا خلف الإمام رواه مالك في الموطأ وحديث علي يرويه الحارث الأعور قال الشعبي : كان كذابا ثم هو من قول علي وقد خالفه عمر وجابر والاسرار لا ينفي الوجوب بدليل الأوليين من الظهر والعصر

فصل : لا تجزىء قراءة الفاتحة بغير العربية
فصل : ولا تجزئه القراءة بغير العربية ولا إبدال لفظها بلفظ عربي سواء أحسن قراءتها بالعربية أول لم يحسن وبه قال الشافعي و أبو يوسف و محمد وقال أبو حنيفة : يجوز ذلك وقال بعض أصحابه إنما يجوز لمن لم يحسن العربية واحتج بقوله تعالى : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } ولا ينذر كل قوم إلا بلسانهم
ولنا : قول الله تعالى : { قرآنا عربيا } وقوله تعالى : { بلسان عربي مبين } ولأن القرآن معجزة لفظه ومعناه فإذا غير خرج عن نظمه فلم يكن قرآنا ولا مثله وإنما يكون تفسيرا له ولو كان تفسيره مثله لما عجزوا عنه لما تحداهم بالاتيان بسورة مثله أما الانذار فانه إذا فسره لهم كان الانذار بالمفسر دون التفسير
فصل : فأن لم يحسن القراءة بالعربية لزمه التعلم فان لم يفعل مع القدرة عليه لم تصح صلاته فان لم يقدر أو خشي فوات الوقت وعرف من الفاتحة آية كررها سبعا قال القاضي : لا يجزئه غير ذلك لأن الآية منها أقرب إليها من غيرها وكذلك إن أحسن منها أكثر من ذلك كرره بقدره ويحتمل أن يأتي ببقية الآي من غيرها لأن هذه الآية يسقط فرضها بقراءتها فيعدل عن تكرارها إلى غيرها كمن وجد بعض الماء فانه يغسل به ويعدل إلى التيمم وذكر القاضي هذا الاحتمال في الجامع ولأصحاب الشافعي وجهان كما ذكرنا فأما أن عرف بعض آية لم يلزمه تكرارها وعدل إلى غيرها لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الذي لا يحسن القرآن أن يقول : الحمد لله وغيرها وهي بعض آية لم يأمره بتكرارها وأن لم يحسن شيئا وكان يحفظ غيرها من القرآن قرأ منه بقدرها أن قدر لا يجزئه غيره لما روى أبو داود عن رفاعة بن رافع [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره ] ولأنه من جنسها فكان أولى ويجب أن يقرأ بعدد آياتها وهل يعتبر أن يكون بعدد حروفها ؟ فيه وجهان أحدهما لا يعتبر لأن الآيات هي المعتبرة بدليل أنه لا يكفي عدد الحروف دونها فأشبه من فاته صوم يوم طويل فلا يعتبر أن يكون القضاء في يوم على قدر ساعات الاداء والثاني يلزمه ذلك لأن الحرف مقصود بدليل تقدير الحسنات به ويخالف الصوم إذ لا يمكن اعتبار المقدار في الساعات إلا بمشقة فأن لم يحسن إلا آية كررها سبعا فان لم يحسن شيئا من القرآن ولا أمكنه التعلم قبل خروج الوقت لزمه أن يقول : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله لما روى أبو دواد قال : [ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني فقال : قل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله قال هذا لله فما لي ؟ قال : تقول : اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني ] ولا يلزمه الزيادة على الخمس الأول لأن النبي صلى الله عليه و سلم اقتصر عليها وإنما زاده عليها حين طلب الزيادة وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه يزيد على هذه الخمس كلمتين حتى تكون مقام سبع آيات ولا يصح لأن النبي صلى الله عليه و سلم علمه ذلك جوابا لقوله علمني ما يجزيني والسؤال كالمعتاد في الجواب فكانه قال : يجزئك هذا وتفارق القراءة من غير الفاتحة لأنه بدل من غير الجنس فأشبه التيمم فأن لم يحسن هذه الكلمات كلها قال : ما يحسن منها وينبغي أن يلزمه تكرار ما يحسن منها بقدرها كمن يحسن بعض الفاتحة ويحتمل أن يجزئه التحميد والتهليل والتكبير لـ [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : فان كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره ] رواه أبو داود

فصول : آمين والجهر بها وعدم تشديدها
مسألة : قال : فإذا قال ولا الضآلين قال آمين
وجملته أن التأمين عند فراغ الفاتحة سنة للإمام والمأموم وروي ذلك عن ابن عمر وابن الزبير وبه قال الثوري و عطاء و الشافعي و يحيى بن يحيى و إسحاق و إبو خيشمة و ابن أبي شيبة و سليمان بن داود وأصحاب الرأي وقال أصحاب مالك لا يحسن التأمين للإمام لما روى مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن سول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قال الإمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا آمين فانه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ] وهذا دليل على أنه لا يقولها
ولنا : ما روى أبو هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أمن الإمام فأمنوا فانه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ] متفق عليه وروى وائل بن حجر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا قال : ولا الظآلين قال : آمين ورفع بها صوته ] رواه أبو داود ورواه الترمذي وقال : ومد بها صوته وقال هو حديث حسن وقد قال بلال للنبي صلى الله عليه و سلم لا تسبقني بآمين وحديثهم لا حجة لهم فيه وإنما قصد به تعريفهم موضع تأمينهم وهو عقيب قول الإمام ولا الضآلين لأنه موضع تأمين الإمام ليكون تأمين الإمام والمأمومين في وقت واحد موافقا لتأمين الملائكة وقد جاء هذا مصرحا به كما قلنا وهو ما روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قال الإمام ولا الضآلين فقولوا آمين فان الملائكة تقول آمين والإمام يقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ] وقول النبي صلى الله عليه و سلم في اللفظ الآخر : [ إذا أمن الإمام ] يعني إذا شرع في التأمين
فصل : ويسن أن يجهر به الإمام والمأموم فيما يجهر فيه القراءة وإخفاؤها فيما يخفي فيه وقال أبو حنيفة و مالك في إحدى الروايتين عنه يسن إخفاؤها لأنه دعاء فاستحب اخفاؤه كالتشهد ولنا [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : آمين ورفع بها صوته ] أمر بالتأمين عند تأمين الإمام فلو لم يجهر به لم يعلق عليه كحالة الاخفاء وما ذكروه يبطل بآخر الفاتحة فانه دعاء ويجهر به ودعاء التشهد تابع له فيتبعه في الاخفاء وهذا تابع للقراءة فيتبعها في الجهر
فصل : فان نسي الإمام التأمين أمن المأموم ورفع صوته ليذكر الإمام فيأتي به لأنه سنة قولية إذا تركها الإمام أتى بها المأموم كالاستعاذة وأن أخفاها الإمام جهر بها المأموم لما ذكرناه وأن ترك التأمين نسيانا أو عمدا حتى شرع في قراءة السورة لم يأت به لأنه سنة فات محلها
فصل : في : آمين لغتان : قصر الالف ومدها مع التخفيف فيهما قال الشاعر :
( تباعد مني فطحل إذ دعوته ... أمين فزاد الله ما بيننا بعدا )
وأنشدوا في الممدود
( يا رب لا تسلبني حبها أبدا ... ويرحم الله عبدا قال آمينا )
ومعنى آمين اللهم استجب لي قاله الحسن وقيل هو اسم من أسماء الله عز و جل ولا يجوز التشديد فيها لأنه يخيل معناها فيجعله بمعنى قاصدين كما قال الله تعالى : { ولا آمين البيت الحرام }

فصل : سكتة الإمام بعد الفاتحة
فصل : يستحب أن يسكت الإمام عقب قراءة الفاتحة سكتة يستريح فيها ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة كيلا ينازعوه فيها وهذا مذهب الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وكرهه مالك و أصحاب الرأي
ولنا : ما روى أبو داود و ابن ماجة أن سمرة حدث أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فأنكر عليه عمران فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب فكان في كتابه إليهما أن سمرة قد حفظ قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا دخل في الصلاة وإذا قال ولا الضآلين وقال عروة بن الزبير : أما أنا فاغتنم من الإمام اثنتين إذا قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فاقرأ عندها وحين يختم السورة فاقرأ قبل أن يركع وهذا يدل على اشتهار ذلك فيما رواه الأثرم

مسالة وفصلان : القراءة بعد الفاتحة والقراءات الجائرة والمكروهة
مسألة : قال : ثم يقرأ سورة في ابتدائها بسم الله الرحمن الرحيم
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أنه يسن قراءة سورة الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة ويجهر بها فيما يجهر فيه بالفاتحة ويسر فيما يسر بها فيه والأصل في هذا فعل النبي صلى الله عليه و سلم فإن أبا قتادة روى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية يمسع الآية أحيانا وكان يقرأ في الركعتين الأوليين من العصر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية وفي رواية في الظهر كان يقرأ في الركعتين الأخريين بأم الكتاب متفق عليه وروى أبو برزة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الصبح من الستين إلى المائة وقد [ اشتهرت قراءة النبي صلى الله عليه و سلم للسورة مع الفاتحة في صلاة الجهر ونقل نقلا متواترا وأمر به معاذا فقال : أقرأ بالشمس وضحاها وبسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى ] متفق عليه ويسن أن يفتتح السورة بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم ووافق مالك على هذا فإنه قال في قيام رمضان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة ويستفتح بها في بقية السور ويسر بها في السورة كما يسر بها في أول الفاتحة والخلاف ههنا كالخلاف ثم وقد سبق القول فيه
فصل : ويقرأ بما في مصحف عثمان ونقل عن أحمد أنه كان يختار قراءة نافع من طري4ق إسماعيل بن جعفر قال فإن لم يكن فقراءة عاصم من طريق أبي بكر بن عياش وأثنى على قراءة أبي عمرو ابن العلاء ولم يكره قراءة أحد من العشرة إلا قراءة حمزة و الكسائي لما فيها من الكسر والإدغام والتكلف وزيادة المد وروي عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : نزل القرآن بالتفخيم وعن ابن عباس قال أنزل القرآن بالتفخيم والتثقيل نحو الجمعة وأشباه ذلك ونقل عنه التسهيل في ذلك وان قراءتها جائزة قال الأثرم : قلت ل أبي عبد الله إمام كان يصلي بقراءة حمزة أصلي خلفه ؟ قال لا يبلغ به هذا كله ولكنها لا تعجبني قراءة حمزة
فصل : فأما ما يخرج عن مصحف عثمان كقراءة ابن مسعود وغيرها فلا ينبغي أن يقرأ بها في الصلاة لأن القرآن ثبت بطريق التواتر وهذه لم يثبت التواتر بها فلا يثبت كونها قرآنا فإن قرأ بشيء منها مما صحت به الرواية واتصل إسنادها ففيه روايتان إحداهما لا تصح صلاته لذلك والثانية تصح لأن الصحابة كانوا يصلون بقراءتهم في عصر النبي صلى الله عليه و سلم وبعده وكان صلاتهم صحيحة بغير شك وقد صح [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ] وقد [ أمر النبي صلى الله عليه و سلم عمر وهشام بن حكيم حين اختلفا في قراءة القرآن فقال : اقرأوا كما علمتم ] وكان الصحابة رضي الله عنهم قبل جمع عثمان المصحف يقرأون بقراءات لم يثبتها في المصحف ويصلون بها لا يرى أحد منهم تحريم ذلك ولا بطلان صلاتهم به

فصل : القراءة بأواخر السور وأوسطها وأوائلها
فصل : ولا تكره قراءة أواخر السور وأوساطها في إحدى الروايتين نقلها عن أحمد جماعة لأن أبا سعيد قال : أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر و [ عن أبي هريرة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : أخرج فناد في المدينة أنه لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب ] أخرجهما أبو داود وهذا يدل على أنه لا يتعين الزيادة وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان رواه الخلال بإسناده وعن إبراهيم النخعي قال : كان أصحابنا يقرأون في الفريضة من السورة بعضها ثم يركع ثم يقوم فيقرأ في سورة أخرى وقول أبي برزة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في الصبح من الستين إلى المائة دليل على أنه لم يكن يقتصر على قراءة سورة والرواية الثانية يكره ذلك نقل المروذي عن أحمد أنه كان يكره أن يقرأ في صلاة الفرض بآخر سورة وقال : سورة أعجب إلي فقال المروذي : كان ل أبي عبد الله قرابة يصلي به فكان يقرأ في الثانية من الفجر بآخر السورة فلما أكثر قال أبو عبد الله : تقدم أنت فصل فقلت له هذا يصلي بك منذ كم قال : دعا منه يجيء بآخر السور وكرهه ولعل أحمد إنما أحب اتباع النبي صلى الله عليه و سلم فيما نقل عنه وكره المداومة على خلاف ذلك والمنقول عن النبي صلى الله عليه و سلم قراءة السورة أو بعض سورة من أولها فأعجبه موافقة النبي صلى الله عليه و سلم ولم يعجبه مخالفته ونقل عنه في الرجل يقرأ من أوسط السور وآخرها فقال : أما آخر السور فأرجو وأما أوسطها فلا ولعله ذهب في آخر السورة إلى ما روي فيه عن عبد الله وأصحابه ولم ينقل مثل ذلك في أوسطها وقد نقل عنه الأثرم قال : قلت ل أبي عبد الله الرجل يقرأ آخر السورة في الركعة فقال : أليس قد روي في هذا رخصة عن عبد الرحمن بن زيد وغيره وأما قراءة بعض السورة من أولها فلا خلاف في أنه غير مكروه فـ [ إن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ سورة المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون ثم أخذته سعلة فركع وقرأ سورة الاعراف في صلاة المغرب فرفقها مرتين ] رواه النسائي

فصل : جمع أكثر من سورة في ركعة واحدة
فصل : ولا بأس بالجمع بين السور في صلاة النافلة فإن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ ركعة سورة البقرة وآل عمران والنساء وقال ابن مسعود : لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في ركعة متفق عليه وكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن في ركعة وروي ذلك عن جماعة من التابعين وأما الفريضة فالمستحب أن يقتصر على سورة مع الفاتحة من غير زيادة عليها لأن النبي صلى الله عليه و سلم هكذا كان يصلي أكثر صلاته وأمر معاذا أن يقرأ في صلاته كذلك وإن جمع سورتين في ركعة ففيه روايتان إحداهما يكره لذلك والثانية لا يكره لأن حديث عبد الله بن مسعود مطلق في الصلاة فيحتمل أنه أرد الفرض وقد روى الخلال بإسناده عن ابن عمر أنه كان يقرأ في المكتوبة بالسورتين في ركعة وإن قرأ في ركعة سورة ثم أعادها في الثانية فلا بأس لما روى أبو داود بإسناده عن رجل من جهينة أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في صلاة الصبح إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما

فصل : تنكيس السور في الركعتين
فصل : والمستحب أن يقرأ في الركعة الثانية بسورة بعد السورة التي قرأها في الركعة الأولى في النظم لأن ذلك هو المنقول عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد روي عن ابن مسعود أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسا قال : ذلك منكوس القلب وفسره أبو عبيدة بأن يقرأ سورة ثم يقرأ بعدها أخرى هي قبلها في النظم فإن قرأ بخلاف ذلك فلا بأس به قال أحمد لما سئل عن هذه المسألة لا بأس به أليس يعلم الصبي على هذا ؟ وقال في رواية مهنا أعجب إلي أن يقرأ من البقرة إلى أسفل وقد روى أن الأحنف قرأ بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بهما استشهد به البخاري

فصل : السكتة قبل الركوع
فصل : إذا فرغ من القراءة قال أحمد رحمه الله يثبت قائما ويسكت حتى يرجع إليه نفسه قبل أن يركع ولا يصل قراءته بتكبيرة الركوع جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان له سكتتان سكتة عند افتتاح الصلاة وسكته إذا فرغ من القراءة وهذا هو حديث سمرة كذلك رواه أبو داود وغيره

مسألة وفصل : الركوع والتكبير والجهر به للإمام
مسألة : قال : فإذا فرغ كبر للركوع
أما الركوع فواجب بالنص والإجماع قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } وأجمعت الأمة على وجوبه في الصلاة على القادر عليه وأكثر أهل العلم يرون أن يبتدىء الركوع بالتكبير وأن يكبر في كل خفض ورفع منهم ابن مسعود وابن عمر وجابر وأبو هريرة وقيس بن عباد و مالك و الأوزاعي و ابن جابر و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي وعوام العلماء من الأمصار وروي عن عمر بن عبد العزيز و سالم و القاسم و سعيد بن جبير أنهم كانوا لا يتمون التكبير ولعلهم يحتجون بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلمه المسيء في صلاته ولو كان منها لعلمه إياه ولم تبلغهم السنة عن النبي صلى الله عليه و سلم
ولنا : ما روى أبو هريرة قال : [ كان سول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول : سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس ] وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ] متفق عليه وكان أبو هريرة يكبر في كل خفض روفع ويقول أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم رواه البخاري وعن ابن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم : يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود وأبو بكر وعمر قال الترمذي : هذه حديث حسن صحيح وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : صلوا كما رأيتموني أصلي ] ولأنه شروع في ركن فشرع فيه التكبير كحالة ابتداء الصلاة ولأنه انتقال من ركن إلى ركن فشرع فيه ذكر ليعلم به المأموم انتقاله به كحالة الرفع من الركوع
فصل : ويسن الجهر به للإمام ليسمع المأموم فيقتدي به في حال الجهر والاسرار جميعا كقولنا في تكبيرة الاحرام فإن لم يجهر الإمام بحيث يسمع الجميع استحب لبعض المأمومين رفع صوته ليسمعهم كفعل أبي بكر رضي الله عنه حين صلى النبي صلى الله عليه و سلم بهم في مرضه قاعدا وأبو بكر إلى جنبه يقتدي به والناس يقتدون بأبي بكر

مسألة : رفع اليدين مع الركوع
مسألة : قال : ويرفع يديه كرفعه الأول
يعني يرفعهما إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه كفعله عند تكبيرة الإحرام ويكون ابتداء رفعه عند ابتداء تكبيره وانتهاؤه وبهذا قال ابن عمر وابن عباس وجابر وأبو هريرة وابن الزبير وأنس و الحسن و عطاء و عطاء و طاوس و مجاهد و سالم و سعيد بن جبير وغيرهم من التابعين وهو مذهب ابن المبارك و الشافعي و إسحاق و مالك في أحدى الروايتين عنه وقال الثوري و أبو حنيفة : لا يرفع يديه إلا في افتتاح وهو قول إبراهيم النخعي لما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة قال الترمذي : حديث ابن مسعود حسن وروى يزيد بن زياد عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان فقيها ملازما لرسول الله صلى الله عليه و سلم عالما بأحواله وباطن أمره وظاهره فتقدم روايته على رواية من لم يكن حاله قال إبراهيم النخعي لرجل روى حديث وائل بن حجر لعل وائلا لم يصل مع النبي صلى الله عليه و سلم إلا تلك الصلاة فترى أن نترك رواية عبد الله لعله لم يفته مع النبي صلى الله عليه و سلم ونأخذ برواية هذا أو كما قال
ولنا : ما روى الزهري عن سالم عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ولا يفعل ذلك في السجود قال البخاري : قال علي بن المديني وكان أهل زمانه : حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث وحديث أبي حميد الذي ذكرنا في أول الباب وقد رواه في عشرة من الصحابة منهم أبو قتادة فصدقوه وقالوا هكذا كان يصلي رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه سوى هذين عمر وعلي ووائل بن حجر و مالك بن الحويرث و أنس و أبو هريرة و أبو أسيد وسهل بن سعد و محمد بن مسلمة وأبو موسى وجابر بن عمر الليثي فصار كالمتواتر الذي لا يتطرق إليه شك مع كثرة رواته وصحة سنده وعمل به الصحابة والتابعون وأنكروا على من لم يعمل به قال الحسن : رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يرفعون أيديهم إذا كبروا وإذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم كأنها المراوح قال أحمد : وقد سئل عن الرفع : أي لعمري ومن يشك في هذا ؟ كان ابن عمر إذا رأى من لا يرفع حصبه وأمره أن يرفع فأما حديثاهم فضعيفان فأما حديث ان مسعود فقال ابن المبارك لم يثبت وحديث البراء قال ابن عيينة : حدثنا يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى ولم يقل ثم لا يعود فلما قدمت الكوفة سمعته يحدث به فيقول لا يعود فظننت أنهم لقنوه وقال الحميدي وغيره يزيد بن أبي زياد ساء حفظه في آخر عمره وخلط ثم لو صحا كان الترجيح لأحاديثنا أولى لخمسة أوجه أحدها لأنها أصح إسنادا وأعدل رواة فالحق إلى قولهم أقرب الثاني أنها اكثر رواة فظن الصدق في قولهم أقوى والغلط منهم أبعد الثالث أنهم مثبتون والمثبت يخبر عن شيء شاهده ورواه فقوله يجب تقديمه لزيادة علمه والنافي لم ير شيئا فلا يؤخذ بقوله ولذلك قدمنا قول الجارح على المعدل والرابع انهم فصلوا في روايتهم ونصوا على الرفع في الحالتين المختلف فيهما والمخالف لهم عمم بروايته المختلف فيه وغيره فيجب تقديم أحاديثنا لنصها وخصوصها على أحاديثهم العامة التي لا نص فيها كما يقدم الخاص على العام والنص على الظاهر المحتمل الخامس ان احاديثنا عمل بها السلف من الصحابة والتابعين فيدل ذلك على قوتها وقولهم إن ابن مسعود إمام قلنا لا ننكر فضله لكن بحيث يقدم على أميري المؤمنين عمر وعلي وسائر من معهم ! ! كلا ولا يساوي واحد منهم فكيف يرجح على جميعهم ؟ مع أن ابن مسعود قد ترك قوله في الصلاة في اشياء منها أنه كان يطبق في الركوع يضع يديه بين ركبتيه فلم يؤخذ بفعله وأخذ برواية غيره في وصع اليدين على الركبتين وتركت قراءته وأخذ بقراءة زيد ابن ثابت وكان لا يرى التيمم للجنب فترك ذلك برواية من هو أقل من رواة احاديثنا وأدنى منهم فضلا فههنا أولى

مسألة وفصل : هيئة الاعضاء في الركوع
مسألة : قال : ثم يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه ويمد ظهره ولا يرفع رأسه ولا يخفضه
وجملته أنه يستحب للراكع أن يضع يديه على ركبتيه ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وفعله عمر وعلي وسعد وابن عمر وجماعة من التابعين وبه يقول الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي وذهب قوم من السلف إلى التطبيق وهو أن يجعل المصلي احدى كفيه على الأخرى ثم يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ قال مصعب بن سعد : ركعت فجعلت يدي بين ركبتي فنهاني أبي وقال : أنا كنا نفعل هذا فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الراكب متفق عليه وذكر أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيته إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره - يعني عصره حتى يعتدل ولا يبقى محدودبا وفي لفظ ثم اعتدل فلم يصوب ولم يقنع ووضع يديه على ركبتيه وقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك متفق عليه قال أحمد : ينبغي له إذا ركع أن يلقم راحتيه ركبتيه ويفرق بين أصابعه ويعتمد على ضبعيه وساعديه ويسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا ينكسه وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا ركع لو كان قدح ماء على ظهره ما تحرك وذلك لاستواء ظهره والواجب من ذلك الانحناء بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه لأنه لا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا به ولا يلزمه وضعهما وإنما ذلك مستحب فان كانتا عليلتين لا يمكنه وضعهما انحنى ولم يضعهما وإن كانت إحداهما علية وضع الأخرى
فصل : ويستحب أن يجافي عضديه عن جنبيه فان أبا حميد ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه حديث صحيح

فصل : الاطمئنان في الركوع والشك فيه
فصل : ويجب أن يطمئن في ركوعه ومعناه أن يمكث إذا بلغ حد الركوع قليلا وبهذا قال الشافعي : وقال أبو حنيفة : الطمأنينة غير واجبة لقوله تعالى : { اركعوا واسجدوا } ولم يذكر الطمأنينة والأمر بالشيء يقتضي حصول الاجزاء به
ولنا : [ قول النبي صلى الله عليه و سلم للمسيء في صلاته : ثم راكع حتى تطمئن راكعا ] متفق عليه وروى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ اسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قيل وكيف يسرق من صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها ] وقال : [ لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع والسجود ] رواه البخاري والآية حجة لنا لأن النبي صلى الله عليه و سلم فسر الركوع بفعله وقوله فالمراد بالركوع ما بينه النبي صلى الله عليه و سلم
فصل : وإذا رفع رأسه وشك هل ركع أو لا أو هل أتى بقدر الاجزاء أو لا ؟ لم يعتد به وعليه أن يعود فيركع حتى يطمئن راكعا لأن الأصل عدم ما شك فيه إلا أن يكون ذلك وسواسا فلا يلتفت إليه وهكذا الحكم في سائر الاركان

مسألة وفصول : والتسبيح في الركوع والوقت المسموح به للإمام
مسألة : قال : ويقول سبحان ربي العظيم ثلاثا وهو أدنى الكمال وإن قال مرة أجزأه
وجملة ذلك أنه يشرع أن يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك : ليس عندنا في الركوع والسجود شيء محدود وقد سمعت أن التسبيح في الركوع والسجود
ولنا : ما [ روى عقبة بن عامر قال لما نزلت : { فسبح باسم ربك العظيم } قال النبي صلى الله عليه و سلم : اجعلوها في ركوعكم ] وعن ابن مسعود [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وذلك أدناه ] أخرجهما أبو داود و ابن ماجة و [ روى حذيفة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا ركع : سبحان ربي العظيم ثلاث مرات ] رواه الأثرم ورواه أبو داود ولم يقل ثلاث مرات ويجزىء تسبيحة واحدة لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالتسبيح في حديث عقبة ولم يذكر عددا فدل على أنه يجزىء أدناه و [ أدنى الكمال ثلاث لقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث ابن مسعود : وذلك أدناه ] قال : أحمد : في رسالته جاء الحديث عن الحسن البصري أنه قال : التسبيح التام سبع والوسط خمس وأدناه ثلاث وقال القاضي الكامل في التسبيح إن كان منفردا ما لا يخرجه إلى السهو وفي حق الإمام ما لا يشق على المأمومين ويحتمل أن يكن الكمال عشر تسبيحات لأن أنسا روى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي كصلاة عمر بن عبد العزير فحزوا ذلك بعشر تسبيحات وقال بعض أصحابنا الكمال أن يسبح مثل قيامه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قد روى عنه البراء قال : قد رمقت محمدا صلى الله عليه و سلم وهو يصلي فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته ما بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء متفق عليه إلا أن البخاري قال : ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء
فصل : وأن قال سبحان ربي العظيم وبحمده فلا بأس فأن أحمد بن نصر روى عن أحمد أنه سئل عن تسبيح الركوع والسجود سبحان ربي العظيم أعجب إليك أو سبحان ربي العظيم وبحمده ؟ فقال : قد جاء هذا وجاء هذا وما أدفع منه شيئا : وقال أيضا أن قال وبحمده في الركوع والسجود أرجوا أن لا يكون به بأس وذلك لأن حذيفة روى في بعض طرق حديثه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده وفي سجوده : سبحان ربي الأعلى وبحمده ] وهذه زيادة يتعين الاخذ بها وروي عن أحمد أنه قال : أما أنا فلا أقول وبحمده وحكى ذلك ابن المنذر عن الشافعي و أصحاب الرأي ووجه ذلك أن الرواية بدون هذه الزيادة أشهر وأكثر وهذه الزيادة قال أبو داود : نخاف أن لا تكون محفوظة وقيل هذه الزيادة من رواية ابن أبي ليلى ويحتمل أن أحمد تركها لضعف ابن أبي ليلى عنده
فصل : والمشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع وتسبيح الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وقول ربي اغفر لي بين السجدتين والتشهد الأول - واجب وهو قول إسحاق و داود وعن أحمد أنه غير واجب وهو قول أكثر الفقهاء لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلمه المسيء في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولأنه لو كان واجبا لم يسقط بالسهو كالاركان
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر به وأمره للوجوب وفعله وقال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] وقد روى أبو داود عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ إلى قوله ثم يكبر ثم يركع حتى تطمئن مفاصله ثم يقول سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائما ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى يطمئن مفاصله ثم يرفع رأسه فيكبر فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته ] وهذا نص في وجوب التكبير ولأن مواضع هذه الاذكار اركان الصلاة فكان فيها ذكر واجب كالقيام وأما حديث المسيء في صلاته فقد ذكر في الحديث الذي رويناه تعليمه ذلك وهي زيادة قبولها على أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلمه كل الواجبات بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام ويحتمل أنه اقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه ولا يلزم من التساوي في الوجوب التساوي في الاحكام بدليل واجبات الحج
فصل : وإذا كان إماما لم يستحب له التطويل ولا الزيادة في التسبيح قال القاضي لا يستحب له التطويل ولا الزيادة على ثلاث كيلا يشق على المأمومين وهذا إذا لم يرضوا بالتطويل فإن كانت الجماعة يسيرة ورضوا بذلك استحب له التسبيح الكامل على ما ذكرناه وكذلك إن كان وحده

فصل : قراءة القرآن في الركوع والسجود
فصل : ويكره أن يقرأ في الركوع والسجود لما روي عن علي رضي الله عنه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : إني نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا فأما الركوع فعظموا الرب فيه وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ] رواه أبو داود وقوله قمن معناه جدير وحري

فصول : ادراك المسبوق الإمام في الركوع وتكبرات الانتقال وللمسبوق متابعة الانتقال
فصل : ومن أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركوع لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة ] رواه أبو داود ولأنه لم يفته من الأركان إلا القيام وهو يأتي به مع تكبيرة الاحرام ثم يدرك مع الإمام بقية الركعة وهذا إذا أدرك الإمام في طمأنينة الركوع أو انتهى إلى قدر الاجزاء من الركوع قبل أن يزول الإمام عن قدر الاجزاء فهذا يعتد له بالركعة ويكون مدركا لها فاما إن كان المأموم يركع والإمام يرفع لم يجزه وعليه أن يأتي بالتكبيرة منتصبا فإن أتى بها بعد أن انتهى في الانحناء إلى قدر الركوع أو ببعضها لم يجزه لأنه أتى بها في غير محلها إلى في النافلة ولأنه يفوته القيام وهو من أركان الصلاة ثم يأتي بتكبيرة أخرى للركوع في حال انحطاطه إليه فألاولى ركن لا تسقط بحال والثانية تكبيرة الركوع والمنصوص عن أحمد أنها تسقط ههنا ويجزئه تكبيرة واحدة نقلها أبو داود و صالح ووري ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر و سعيد بن المسيب و عطاء و الحسن و ميمون بن مهران و النخعي و الحكم و الثوري و الشافعي و مالك وأصحاب الرأي وعن عمر بن عبد العزيز عليه تكبيرتان هو قول حماد بن أبي سليمان والظاهر أنهما أرادا أن الأولى له أن يكبر تكبيرتين فلا يكون قولهما مخالفا لقول الجماعة فإن عمر بن عبد العزيز قد نقل عنه أنه كان ممن لا يتم التكبير ولأنه قد نقلت تكبيرة واحدة عن زيد بن ثابت وابن عمر ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف فيكون ذلك إجماعا ولأنه اجتمع واجبان من جنس في محل واحد وأحدهما ركن فسقط به الآخر كما لو طاف الحاج طواف الزيارة عند خروجه من مكة اجزأه عن طواف الوداع وقال القاضي إن نوى بالتكبير الإحرام وحده أجزأه وإن نوى به الإحرام والركوع فظاهر كلام أحمد أنه لا يجزئه لأنه شرك بين الواجب وغيره في النية ما لو عطس عند رفع رأسه من الركوع فقال ربنا ولك الحمد ينويهما وقال نص أحمد في هذا أنه لا يجزئه وهذا القول يخالف نصوص أحمد فلا يعول عليه وقد قال في رواية ابنه صالح فيمن جاء والإمام راكع كبر تكبيرة واحدة قيل له ينوي بها الافتتاح ؟ قال نوى أو لم ينو أليس قد جاء وهو يريد الصلاة ؟ ولأن نية الركوع لا تنافي نية الافتتاح ولهذا حكمنا بدخوله في الصلاة بهذه النية فلم تؤثر نية الركوع في فسادها ولأنه واجب يجزىء عنه وعن غيره إذ نواه فلم يمنع صحة نية الواجبين كما لو نوى بطواف الزيارة له وللوداع ولا يجوز ترك نص الإمام ومخالفته بقياس ما نصه في موضع آخر كما لا يترك نص كتاب الله تعالى ورسوله بقياس والمستحب تكبيرة نص عليه أحمد قال أبو داود قلت ل أحمد يكبر مرتين أحب إليك ؟ قال : أن تكبر تكبيرتين ليس في اختلاف
فصل : وإن أدرك الإمام في ركن غير الركوع لم يكبر إلا تكبيرة الافتتاح وينحط بغير تكبير لأنه لا يعد له به وقد فاته محل التكبير وإن أدركه في السجود أو التشهد الأول كبر في حال قيامه مع الإمام إلى الثالثة لأنه مأموم له فيتابعه في التكبير كمن أدرك معه الركعة من أولها وإن سلم الإمام قام إلى القضاء بتكبير بهذا قال مالك و الثوري و إسحاق و قال الشافعي : يقوم بغير تكبير لأنه قد كبر في ابتداء الركعة ولا إمام له يتابعه في التكبير
ولنا : أنه قام في الصلاة إلى ركن معتد له به فيكبر كالقائم من التشهد الأول وكما لو قام مع الإمام ولا يسلم أنه كبر في ابتداء الركعة فإن ما كبر فيه لم يكن من الركعة إذ ليس في أول الركعة سجود ولا تشهد وإنما ابتداء الركعة قيامه فينبغي أن يكبر فيه
فصل : ويستحب لمن أدرك الإمام في حال متابعته فيه وإن لم يعتد له به لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة ] رواه أبو داود وروى الترمذي عن معاذ قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام ] والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد ولا تجزئه تلك الركعة قال بعضهم : لعله أن لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له

مسألة وفصل : الرفع من الركوع والاعتدال ورفع اليدين
مسألة : قال : ثم يقول : سمع الله لمن حمده ويرفع يديه كرفعه الأول
وجملة ذلك أنه إذا فرغ من الركوع رفع رأسه واعتدل قائما حتى يرجع كل عضو إلى موضعه ويطمئن ويبتدىء الرفع قائلا سمع الله لمن حمده ويكون انتهاؤه عند انتهاء رفعه ويرفع يديه لما روينا من الأخبار وفي موضع الرفع روايتان إحداهما بعد اعتداله قائما قال أحمد بن الحسين : رأيت أبا عبد الله إذا رفع رأسه من الركوع لا يرفع يديه حتى يستتم قائما ووجهه أن في بعض ألفاظ [ حديث ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه وإذا ركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ] ولأنه رفع فلا يشرع في غير حالة القيام كرفع الركوع والإحرام والثانية يبتدئه حين يبتدىء رفع رأسه لأن أبا حميد قال ك في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال : سمع الله لمن حمده ورفع يديه وفي حديث ابن عمر المتفق عليه [ كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ويقول سمع الله لمن حمده ] وظاهره أنه رفع يديه حين أخذ في رفع رأسه كقوله إذا كبر أبي أخذ في التكبير ولأنه حين الانتقال فشرع الرفع منه كحال الركوع ولأنه محل رفع المأموم فكان محلا لرفع الإمام كالركوع ولا تختلف الرواية في أن المأموم يبتدىء الرفع عند رفع رأسه لأنه ليس في حقه ذكر بعد الاعتدال والرفع إنما جعل هيئة للذكر بخلاف الإمام ثم ينتصب قائما ويعتدل قال أبو حميد في صفة صلاة رسول الله عليه وسلم وإذا رفع رأسه إستوى قائما حتى يعود كل فقار إلى مكانه متفق عليه وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم : فكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما رواه مسلم و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم للمسيء في صلاته : ثم ارفع حتى تعتدل قائما ] متفق عليه
فصل : وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وبعض أصحاب مالك لا يجب لأن الله تعالى لم يأمر به وإنما أمر بالركوع والسجود والقيام فلا يجب غيره ولأنه لو كان واجبا لتضمن ذكرا واجبا كالقيام الأول ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر به المسيء في صلاته وداوم على فعله فيدخل في عموم قوله : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] وقولهم لم يأمر الله به قلنا قد أمر بالقيام وهذا قيام ثم أمر النبي صلى الله عليه و سلم يجب امتثاله وقد أمر به وقولهم لا يتضمن ذكرا واجبا ممنوع ثم هو باطل بالركوع والسجود فإنهما ركنان ولا ذكر فيهما واجب على قولهم

فصول : قول سمع الله لمن حمده و ربنا لك الحمد
فصل : ويسن الجهر بالتسميع للإمام كما يسن الجهر بالتكبير لأنه ذكر مشروع عند الانتقال من ركن فيشرع الجهر به للإمام كالتكبير
مسألة : قال : ثم يقول : ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد
وجملته أن يشرع قول ربنا ولك الحمد في حق لك مصل في المشهور عن أحمد وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة وبه قال الشعبي و ابن سيرين و أبو بردة و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وعن أحمد رواية أخرى لا يقوله المنفرد فإنه قال في رواية إسحاق في الرجل يصلي وحده فإذا قال : سمع الهل لمن حمده قال ربنا ولك الحمد فقال : إنما هذا للإمام جمعهما وليس هذا لأحد سوى الإمام وجهه أن الخبر لم يرد في حقه فلم يشرع له كقول سمع الله لمن حمده في حق المأموم وقال مالك و أبو حنيفة لا يشرع قول هذا في حق الإمام ولا المنفرد لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ] متفق عليه
ولنا : أن أبا هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد وعن أبي سعيد وابن أبي أوفى [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا رفع راسه قال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ] متفق عليه ولأنه حال من أحوال الصلاة فيشرع فيه ذكر كالركوع والسجود وما ذكروه لا حجة لهم فيه فإنه إن ترك ذكره في حديثهم فقد ذكره في أحاديثنا وراويه أبو هريرة قد صرح بذكره في روايته الأخرى فحديثهم لو انفرد لم يكن فيه حجة فكيف تترك به الأحاديث الصحيحة الصريحة والصحيح أن المنفرد يقول كما يقول الإمام ل [ أن النبي صلى الله عليه و سلم : روي عنه أنه قال لبريدة : يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ] رواه الدارقطني وهذا عام في جميع أحواله وقد صح أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول ذلك رواه أبو هريرة وأبو سعيد وابن أبي أوفى وعلي ابن أبي طالب وغيرهم وكلها أحاديث صحاح ولم تفرق الرواية بين كونه إماما ومنفردا ولأن ما شرع من القراءة والذكر في حق الإمام شرع في حق المنفرد كسائر الأذكار
فصل : والسنة أن يقول : [ ربنا ولك الحمد ] بواو نص عليه أحمد في رواية الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو وقال : روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث عن أنس وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه وفي حديث علي الطويل وهذا قول مالك ونقل ابن منصور عن أحمد إذا رفع رأسه من الركوع قال : اللهم ربنا لك الحمد فإنه لا يجعل فيها الواو ومن قال ربنا قال ولك الحمد وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم نقل عنه أنه قال : [ ربنا ولك الحمد ] كما نقل الإمام وفي حديث ابن أبي أوفى [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ] وكذلك في حديث بريدة فاستحب الاقتداء به في القولين وقال الشافعي السنة أن يقول ربنا لك الحمد لأن الواو للعطف ههنا شيء يعطف عليه
ولنا : أن السنة الاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم ولأن إثبات الواو أكثر حورفا ويتضمن الحمد مقدرا ومظهرا فإن التقدير ربنا حمدناك ولك الحمد فإن الواو لما كانت للعطف ولا شيء ههنا تعطف عليه ظاهرا دلت على أن في الكلام مقدرا كقوله : سبحانك اللهم وبحمدك أي وبحمدك سبحانم وكيفما قال جاز وكان حسنا لأن كلا قد وردت السنة به
مسألة قال : فإن كان مأموما لم يزد على قول ربنا ولك الحمد
لا أعلم في المذهب خلافا أنه لا يشرع للمأموم قول سمع الله لمن حمده وهذا قول ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة و الشعبي و مالك و أصحاب الرأي وقال ابن سيرين و أبو بردة و أبو يوسف و محمد و الشافعي و إسحاق يقول ذلك كالإمام لحديث بريدة ولأنه ذكر شرع للإمام فيشرع للمأموم كسائر الأذكار
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد ] وهذا يقتضي أن يكون قولهم : ربنا ولك الحمد عقيب قوله سمع الله لمن حمده بغير فصل لأن الفاء للتعقيب وهذا ظاهر يجب تقديمه على القياس وعلى حديث بريدة لأن هذا صحيح مختص بالمأموم وحديث بريدة في إسناده جابر الجعفي وهو عام وتقديم الصحيح الخاص أولى فأما قول : ملء السماء وما بعده فظاهر المذهب أنه لا يسن للمأموم نص عليه أحمد في رواية أبي داود وغيره وهو قول أكثر الأصحاب لأن النبي صلى الله عليه و سلم اقتصر على أمرهم بقول : ربنا ولك الحمد فدل على أنه لا يشرع في حقهم سواه ونقل الأثرم عن أحمد كلاما يدل على أنه مسنون قال وليس يسقط خلف الإمام عنه غير سمع الله لمن حمده وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب الشافعي لأنه ذكر مشروع في الصلاة أشبه سائر الأذكار
فصل : وموضع قول ربنا ولك الحمد في حق الإمام والمنفرد بعد الاعتدال من الركوع لأنه في حال رفعه يشرع في حقه قول سمع الله لمن حمده فأما المأموم ففي حال رفعه لأن النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ] يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم والمأموم يأخذ في الرفع عقيب قول الإمام سمع الله لمن حمده فيكون قوله ربنا ولك الحمد حيئنذ والله أعلم
فصل : إذا زاد على قول ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت بعد فقد نقل أبو الحارث عن أحمد أنه إن شاء قال أهل الثناء والمجد قال أبو عبد الله وأنا أقول ذلك فظاهر هذا أنه يستحب ذلك وهو اختيار أبي حفص وهو الصحيح لأن أبا سعيد روى [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول : ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد : لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ] رواه أبو داود و الأثرم وعن ابن أبي أوفى [ أن النبي صلى الله عليه و سلم زاد اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البرد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ] رواه مسلم وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يطيل القيام بين الركوع والسجود قال أنس [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قال : سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم ] رواه مسلم وليست حالة سكوت فيعلم أنه عليه السلام قد كان يزيد على هذه الكلمات لكونها لا تستغرق هذا القيام كله وروي عن أحمد أنه قيل له أفلا يزيد على هذا فيقول : أهل الثناء والمجد فقال قد روي ذلك وأما أنا فأقول هذا إلى ما شئت من شيء بعد فظاهر هذا أنه لا يستحب ذلك في الفريضة اتباعا لأكثر الأحاديث الصحيحة
فصل : إذا قال مكان سمع الله لمن حمده : من حمد الله سمع له لم يجزه وقال أصحاب الشافعي يجزئه لأنه أتى باللفظ والمعنى
ولنا : أنه عكس اللفظ المشروع فلم يجزه كما لو قال في التكبير الاكبر الله ولا نسلم أنه أتى بالمعنى فإن قوله سمع الله لمن حمده صيغة خبر تصلح دعاء واللفظ الآخر صيغة شرط وجزاء لا تصلح لذلك فهما متغايران
فصل : إذا رفع رأسه من الركوع فعطس فقال ربنا : ولك الحمد ينوي بذلك لما عطس وللرفع فروي عن أحمد أنه لا يجزئه لأنه لم يخلصه للرفع من الركوع والصحيح أن هذا يجزئه لأن هذا ذكر لا تعتبر له النية وقد أتى به فأجزأ كما لو قال ذاهلا وقلبه غير حاضر وقول أحمد يحمل على الاستحباب لا على نفي الاجزاء حقيقة

إذا أتى بقدر الإجزاء من الركوع فاعترضته علة
فصل : إذا أتى بقدر الإجزاء من الركوع فاعترضته علية منعته القيام سقط عنه الرفع لتعذره ويسجد عن الركوع فإن زالت العلة قبل سجوده فعليه القيام لإمكانه فإن زالت بعد سجوده إلى الأرض سقط القيام لأن السجود قد صح وأجزأ فسقط ما قبله فإن قام من سجوده عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته وإن فعله جهلا أو نسيانا لم تبطل ويعود إلى جلسة الفصل ويسجد للسهو

فصل : وإن اراد الركوع فوقع إلى الأرض
فصل : وإن أراد الركوع فوقع إلى الأرض فإنه يقوم فيركع وكذلك إن ركع وسقط قبل طمأنينته لزمته إعادة الركوع لأنه لم يأت بما يسقط فرضه وإن ركع فاطمأن ثم سقط فإنه يقوم منتصبا ولا يحتاج إلى إعادة الركوع لأن فرضه قد سقط والاعتدال عنه قد سقط بقيامه

نسيان تسبيح الركوع
فصل : إذا ركع ثم رفع رأسه فذكر أنه لم يسبح في ركوعه لم يعد إلى الركوع سواء ذكره قبل اعتداله قائما أو بعده لأن التسبيح قد سقط برفعه والركوع قد وقع صحيحا مجزئا فلو عاد إليه زاد ركوعا في الصلاة غير مشروع فإن فعله عمدا أبطل الصلاة كما لو زاده لغير عذر وإن فعله جاهلا أو ناسيا لم تبطل الصلاة كما لو ظن أنه لم يركع ويسجد للسهو فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع لم يدرك الركعة لأنه ليس بمشروع في حقه ولأنه لم يدرك ركوع الركعة فأشبه ما لو لم يدركه راكعا

مسألتان وفصلان : كيفية السجود وهيئة أعضاء السجود
مسألة : قال : ثم يكبر للسجود ولا يرفع يديه
أما السجود فواجب بالنص والإجماع لما ذكرنا في الركوع والطمأنينة فيه ركن لـ [ قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث المسيء في صلاته : ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ] والخلاف فيه كالخلاف فيه كالخلاف في طمأنينة الركوع وينحط إلى السجود مكبرا لما ذكرنا من الأخبار ولأن الهوي إلى السجود ركن فلا يخلو ذكر كسائر الأركان ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء انحطاطه وانتهاؤه مع انتهائه والكلام في التكبير ووجوبه قد مضى ولا يستحب رفع يديه فيه في المشهور من المذهب ونقل عنه الميموني أنه يرفع يديه وسئل عن رفع اليدين في الصلاة فقال : في كل خفظ ورفع وقال : فيه عن ابن عمر وأبي حميد أحاديث صحاح والصحيح الأول لأن ابن عمر قال : ولا يفعل ذلك في السجود في حديثه الصحيح ولما وصف أيو حميد صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يذكر رفع اليدين في السجود والأحاديث العامة مفسرة بالأحاديث المفصلة التي رويناها فلا يبقى فيها اختلاف
مسألة : قال : ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه
هذا المستحب في مشهور المذهب وقد روي ذلك عن عمر رضي الله عنه وبه قال مسلم بن يسار و النخعي و أبو حنيفة و الثوري و الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه يضع يديه قبل ركبتيه وإليه ذهب مالك لما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك بروك البعير ] رواه النسائي
ولنا : ما [ روى وائل بن حجر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ] أخرجه أبو داود و النسائي و الترمذي قال الخطابي : هذا أصح من حديث أبي هريرة وروي عن أبي سعيد قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا وضع الركبتين قبل اليدين وهذا يدل على نسخ ما تقدمه وقد روى الأثرم حديث أبي هريرة : [ إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل ]
فصل : والسجود على جميع هذه الأعضاء واجب إلا الأنف فإن فيه خلافا سنذكره إن شاء الله وبهذا قال طاوس و الشافعي في أحد قوليه و إسحاق وقال مالك و أبو حنيفة و الشافعي في القول الآخر لا يجب والسجود على الجبهة لـ [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : سجد وجهي ] وهذا يدل على أن السجود على الوجه ولأن الساجد على الوجه يسمى ساجدا ووضع غيره على الأض لا يسمى به ساجدا والأمر بالسجود ينصرف إلى ما يسمى به ساجدا دون غيره ولأنه لو وجب السجود على هذه الأعضاء لوجب كشفها كالجبهة وذكر الآمدي هذه رواية عن أحمد قال القاضي في الجامع : هو ظاهر كلام أحمد فإن قد نص في المريض يرفع شيئا عليه إنه يجزئه ومعلوم أنه قد أخل بالسجود على يديه
ولنا : روى عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أمرت بالسجود على سبعة أعظم : اليدين والركبتين والقدمين والجبهة ] متفق عليه وروي عن ابن عمر رفعه : [ أن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه وإذا رفعه فليرفعهما ] رواه الإمام أحمد و أبو داود و النسائي وسجود الوجه لا ينفي سجود ما عداه وسقوط الكشف لا يمنع وجود السجود فإن نقول كذلك في الجبهة على رواية وعلى الرواية الأخرى فإن الجبهة هي الأصل وهي مكشوفة عادة بخلاف غيرها فإن أخل بالسجود بعضو من هذه الأعضاء لم تصح صلاته عند من أوجبه وإن عجز عن السجود على بعض هذه الأعضاء سجد على بقيتها وقرب العضو المريض من الأرض غاية ما يمكنه ولم يجب عليه أن يرفع إليه شيئا لأن السجود هو الهبوط ولا يحصل ذلك برفع المسجود عليه وأن سقط السجود على الجبهة لعارض من مرض أو غيره سقط عنه السجود على غيره لأنه الأصل وغيره تبع له فإذا سقط الأصل سقط التبع ولهذا قال أحمد في المريض يرفع إلى جبهته شيئا يسجد عليه أنه يجزئه
فصل : في الأنف رويتان إحداهما يجب السجود عليه وهذا قول سعيد بن جبير وإسحاق و أبي خيثمة وابن أبي شيبة لما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين ] متفق عليه وإشارته إلى أنفه تدل على أنه أراده وفي لفظ رواه النسائي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين ] وروى عكرمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا صلاة لمن يلا يصيب أنفه من الأرض ما تصيب الجبهة ] رواه الأثرم والأمام أحمد و رواه أبو بكر بن عبد العزيز و الدارقطني في الإفراد متصلا عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم والصحيح أنه مرسل
والرواية الثانية : لا يجب السجود عليه وهو قول عطاء و طاوس و عكرمة و الحسن و ابن سيرين و الشافعي و أبي ثور وصاحبي أبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ] ولم يذكر الأنف فيها تلد وروي أن جابرا قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر رواه تمام في فوائده وغيره وإذا سجد بأعلى الجبهة لم يسجد على الأنف وروي عن أبي حنيفة أنه أن سجد على أنفه دون جبهته أجزأه قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول ولعله ذهب إلى أن الجبهة والأنف عضو واحد لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما ذكر الجبهة أشار إلى أنفه والعضو الواحد يجزئه السجود على بعضه وهذا قول يخالف الحديث الصحيح والإجماع الذي قبله فلا يصح

فصل : مباشرة أعضاء السجود للمصلي
ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء قال القاضي : إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله فالصلاة صحيحة رواية واحدة وهذا مذهب مالك و أبي حنيفة وممن رخص في السجود على الثوب في الحر والبرد عطاء و طاوس و النخعي و الشعبي و الأوزاعي و مالك و إسحاق و أصحاب الرأي ورخص في السجود على كور العمامة الحسن و مكحول و عبد الرحمن بن يزيد وسجد شريح على برنسه وقال أبو الخطاب : لا يجب مباشرة المصلي بشيء من أعضاء السجود إلا الجبهة فإنها على روايتين وقد روى الأثرم قال : سألت أبا عبد الله عن السجود على كور العمامة فقال : لا يسجد على كورها ولكن يحسر العمامة وهذا يحتمل المنع وهو مذهب الشافعي لما روي عن خباب قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا رواه مسلم ولأنه سجد على ما هو حامل له أشبه ما إذا سجد على يديه
ولنا : ما روى أنس قال : كنا نصلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود رواه البخاري و مسلم وعن ثابت بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عبد الأشهل وعليه كساء ملتف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصا وفي رواية فرأيته واضعا يديه على قرنه إذا سجد رواه ابن ماجة وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سجد على كور العمامة وهو ضعيف وقال الحسن : كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويده في كمه ولأنه عضو من أعضاء السجود فجاز السجود على حائله كالقدمين فأما حديث حباب فالظاهر أنهم طلبوا منه تأخير الصلاة أو تسقيف المسجد أو نحو ذلك مما يزيل عنهم ضرر الرمضاء في جباهم وأكفهم وأما الرخصة في السجود على كور العمامة فالظاهر أنهم لم يطلبوه لأن ذلك إنما طلبه الفقراء ولم يكن لهم عمائم ولا أكمام طوال يتقون بها الرمضاء فكيف يطلبون منه الرخصة فيها ؟ ولو احتمل ذلك لكنه لا يتعين فلم يحمل عليه دون غيره ولذلك لم يعملوا به في الأكف قال أبو إسحاق المنصوص عن الشافعي أنه لا يجب كشفهما قال : وقد قيل فيه قول آخر أنه يجب وإن سجد على يديه لم يصح رواية واحدة لأنه سجد على عضو من أعضاء السجود فالسجود يؤدي إلى تداخل السجود بخلاف مسألتنا وقال القاضي في الجامع : لم أجد عن أحمد نصا في هذه المسألة ويجب أن تكون مبنية على السجود على غير الجبهة هل هو واجب ؟ على روايتين إن قلنا لا يجب جاز كما لو سجد على العمامة وإن قلنا يجب لم يجز لئلا يتداخل محل السجود بعضه في بعض والمستحب مباشرة المصلي بالجبهة واليدين ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة قال أحمد : لا يعجبني إلا في الحر والبرد وكذلك قال إسحاق : وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة وكان عبادة بن الصامت يحسر عمامته إذا قام إلى الصلاة وقال النخعي : أسجد على جبيني أحب إلي

مسألة : النهي عن افتراش الذراعين في السجود
مسألة : قال : ويكون في سجوده معتدلا
قال الترمذي : أهل العلم يختارون الاعتدال في السجود وروي عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب ] وقال هو حديث حسن صحيح وعن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه رواه أبو داود وفي لفظ عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ اعتدلوا في السجود ولا يسجد أحدكم وهو باسط ذراعيه كالكلب ] وهذا هو الافتراش المنهي عنه في الحديث وهو أن يضع ذراعيه على الأرض كما تفعل السباع وقد كرهه أهل العلم وفي حديث أبي حميد : [ وإذا سجد سجد غير مفترش ولا قابضهما ]

مسألة : ويجافي عضديه عن جبينه
مسألة : قال : ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويكون على أطراف أصابعه
وجملته أن من السنة أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه إذا سجد لأن النبي صلى الله عليه و سلم يفعل ذلك في سجوده قال أبو عبد الله في سالته جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا سجد لو مرت بهيمة لنفدت وذلك لشدة مبالغته في رفع مرفقيه وعضديه ورواه أيضا أبو داود في حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه ول أبي داود ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن حنبيه ووصع يديه حذو منكبيه وقال أبو إسحاق الشعبي : وصف لنا البراء السجود فوضع يديه بالأرض ورفع عجيزته وقال هكذا رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يفعل وقال كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا سجد جخ - والجخ الخاوي رواهما أبو داود و النسائي ويستحب أن يكون على أطراف أصابع رجليه ويثنيهما إلى القبلة قال أحمد ويفتح أصابع رجليه ليكون أصابعهما إلى القبلة ويسجد على صدور قدميه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ] ذكر منها أطراف القدمين وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة من رواية البخاري ومن رواية الترمذي وفتح أصابع رجليه وهذا معناه ومن رواية أبي دواد سجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد

فصل : هيئة المرفقين والراحتين والأصابع
فصل : ويستحب أن يضع راحتيه على الأرض مبسوطتين مضمومتي الأصابع بعضها إلى بعض مستقبلا بهما القبلة ويضعهما حذو منكبيه ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لقول أبي حميد أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع كفيه حذو منكبيه وروى الأثرم قال رأيت أبا عبد الله سجد ويداه بحذاء أذنيه وروي ذلك عن ابن عمر و سعيد بن جبير لما روى وائل بن حجر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه رواه الأثرم و أبو داود ولفظه ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه والجميع حسن
فصل : والكمال في السجود على الأرض أن يضع جميع بطن كفيه وأصابعه على الأرض ويرفع مرفقيه فإن اقتصر على بعض باطنها أجزأه قال أحمد أن وضع من اليدين بقدر الجبهة أجزأه وإن جعل ظهور كفيه إلى الأض وسجد عليهما أو سجد على أطراف أصابع يده فظاهر الخبر أنه يجزئه لأنه أمر بالسجود على اليدين وقد سجد عليهما وكذلك لو سجد على ظهور قدميه فإنه قد سجد على القدمين ولا يخلو من إصابة بعض أطراف قدميه الأرض فيكون ساجدا على أطراف قدميه ولكنه يكون تاركا للأفضل الأحسن لما ذكرنا من الأحاديث في ذلك

فصل : تقرير الساجد بين ركبته وتفريقه بين رجليه
فصل : ويستحب أن يفرق بين ركبتيه ورجليه لما روى أبو حميد قال : إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه

فصل : وإذا أراد السجود فسقط على وجهه
فصل : وإذا أراد السجود فسقط على وجهه فماست جبهته الأرض أجزأه ذلك وإن لم ينو إلا أن يقطع نية السجود فلا يجزئه وإن انقلب على جنبه فماست جبهته الأرض لم يجزه ذلك إلا أن ينوي السجود والفرق بين المسألتين أن ههنا خرج عن سنن الصلاة وهيئاتها ثم كان انقلابه الثاني عائدا إلى الصلاة فافتقر إلى تجديد النية وفي التي قبلها هو على هيئة الصلاة وسنتها باستدامة النية

مسألة وفصل : أذكار السجود
مسألة : قال : ثم يقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا وإن قال مرة أجزأه
الحكم في هذا التسبيح كالحكم في تسبيح الركوع على ما شرحناه والأصل فيه حديث عقبة بن عامر قال : لما نزل : { سبح اسم ربك الأعلى } قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ اجعلوها في سجودكم ] وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا سجد أحدكم فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه ] وعن حذيفة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سجد قال : [ سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات ] رواهن ابن ماجة و أبو داود ولم يقل ثلاث مرات والحكم في عدده وتطويل السجود على ما ذكرنا في الركوع
فصل : وإن زاد دعاء مأثورا أو ذكرا مثل ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : [ سبحانك اللهم وبحمدك اللهم أغفر لي يتأول القرآن ] متفق عليه وعن أبي سعيد [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يا معاذ إذا وضعت وجهك ساجدا فقل اللهم أعني على شكرك وحسن عبادتك ] وقال علي رضي الله عنه : أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد وهو ساجد : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي رواهما سعيد في سننه و [ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول في سجوده اللهم أغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وسره وعلانيته ] رواه مسلم - فحسن لأن النبي صلى الله عليه و سلم قاله وقد قال : [ وإما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ] حديث صحيح وقال القاضي لا تستحب الزيادة على سبحان ربي الأعلى في الفرض وفي التطوع روايتان لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم فيه سوى الأمر بالتسبيح وقد ذكرنا هذه الأخبار الصحيحة وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحق أن تتبع والأمر بالتسبيح لا ينفي الأمر بغيره كما أن أمره بالتشهد في الصلاة لم ينف كون الدعاء مشروعا ولو ساغ كون الأمر بالشيء نافيا لغيره لكان الأمر بالدعاء نافيا للتسبيح لصحة الأمر به وفعل النبي صلى الله عليه و سلم له فيه

مسألة : حكم الأعتدال بين السجدتين
مسألة : قال : ثم يرفع رأسه مكبرا
يعني إذا قضى سجوده رفع رأسه مكبرا وجلس واعتدل ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفعه وانتهاؤه مع انتهائه وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب وبهذا قال الشافعي وقال مالك و أبو حنيفة ليس بواجب بل يكفي عند أبي حنيفة أن يرفع رأسه مثل حد السيف لأن هذه جلسة فصل بين متشاكلين فلم تكن واجبة كجلسة التشهد الأول
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم في صلاته : [ ثم اجلس حتى نطمئن جالسا ] متفق عليه ولأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعله ولم ينقل أنه أخل به قالت عائشة : وكان - تعني النبي صلى الله عليه و سلم - إذا رفع من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعدا متفق عليه ولأنه رفع واجب فكان الاعتدال عنه واجبا كالرفع من السجدة الأخيرة ولا يسلم لهم أن جلسة التشهد غير واجبة

مسألة وفصل : صفة الجلوس بين السجدتين
مسألة : قال : فإذا جلس واعتدل يكون جلوسه على رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى
السنة أن يجلس بين السجدتين مفترشا وهو أن يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة قال أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها حتى رجع كل عظم في موضعه ثم هوى ساجدا وفي حديث النبي صلى الله عليه و سلم روته عائشة وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى متفق عليه ويستحب أن يفتح أصابع رجله اليمنى فيستقبل بها القبلة وروى بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنا نعلم إذا جلسنا في الصلاة أن يفترش الرجل منا قدمه اليسرى وينصب قدمه اليمنى على صدر قدمه فإن كانت إبهام أحدنا لتنثني فيدخل يده حتى يعدلها وعن ابن عمر قال من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة رواه النسائي وقال نافع كان ابن عمر إذا صلى استقبل القبلة بكل شيء حتى بنعليه رواه الأثرم
فصل : ويكره الأقعاء وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه بهذا وصفه أحمد قال أبو عبيد هذا قول أهل الحديث والاقعاء عند العرب جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل أقعاء الكلب والسبع ولا أعلم أحدا قال باستحباب الاقعاء على هذه الصفة فأما الأول فكرهه علي وأبو هريرة وقتادة و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم وفعله ابن عمر وقال لا تقتدوا بي فإني قد كبرت وقد نقل مهنا عن أحمد أنه قال : لا أفعله ولا أعيب من فعله وقال : العبادلة كانوا يفعلونه وقال طاوس : رأيت العبادلة يفعلونه ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعن ابن عباس أنه قال من السنة أن تمس اليتيك قدميك وقال طاوس قلنا لابن عباس في الاقعاء على القدمين في السجود فقال هي السنة قال : قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل فقال هي سنة نبيك رواه مسلم و أبو داود
ولنا : ما روى الحارث عن علي قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقع بين السجدتين ] و [ عن أنس قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب ] رواهما ابن ماجة وفي صفة جلوس رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث أبي حميد ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى وينهى عن عقبة الشيطان وهذه الأحاديث أكثر وأصح فتكون أولى : وأما ابن عمر فإنه كان يفعل ذلك لكبره ويقول لا تقتدوا بي

مسألتان : ما يقوله في الجلوس بين السجدتين والسجدة الثانية
مسألة : قال : ويقول رب اغفر لي رب اغفر لي
المستحب عند أبي عبد الله أن يقول بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفر لي يكرر ذلك مرارا والواجب منه مرة وأدنى الكمال ثلاث والكمال منه مثل الكمال في تسبيح الركوع والسجود على ما مصى من اختلاف الروايتين واختلاف أهل العلم مثل ما ذكرنا في تسبيح الركوع والسجود والأصل في هذا ما روى حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فكان يقول بين السجدتين [ رب اغفر لي رب اغفر لي ] احتج به أحمد وراه النسائي و ابن ماجة و روي عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بين السجدتين : [ اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني ] رواه أبو داود و ابن ماجة إلا أنه قال في صلاة الليل وإن قال رب اغفر لنا أو اللهم اغفر لنا مكان رب اغفر لي جاز
مسألة : قال : ثم يكبر ويخر ساجدا
وجملته أنه إذا فرغ من الجلسة بين السجدتين سجد سجدة أخرى على صفة الأولى سواء وهي واجبة إجماعا وكان النبي صلى الله عليه و سلم يسجد سجدتين لم يختلف عنه في ذلك

فصل : متابعة المأمومين للإمام في أفعال الصلاة
فصل : والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة من الرفع والوضع بعد فراغ الإمام منه ويكره فعله معه في قول أكثر أهل العلم واستحب مالك أن تكون أفعاله مع أفعال الإمام
ولنا : ما روى البراء قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قال : سمع الله لمن حمده لم نزل قياما حتى نراه قد وضع جبهته في الأرض ثم نتبعه متفق عليه ول البخاري لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه و سلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده وعن أبي موسى قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال : [ إذا صليتم فأقيموا صفوفكم وليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا - إلى قوله - فإذا ركع فاركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فتلك بتلك ] رواه مسلم وفي لفظ [ فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت ] وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون ] متفق عليه وقوله : [ فإذا ركع فاركعوا ] يقتضي أن يكون ركوعهم بعد ركوعه فركع وسجد معه أساء وصحت صلاته

فصل : سبق المأموم لإمامه في أفعال الصلاة
فصل : ولا يجوز أن يسبق إمامه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالإنصراف ] رواه مسلم وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله صورته صورة حمار ] متفق عليه ولما روينا من الأخبار في الفصل الذي قبله ولأنه تابع له فلا ينبغي أن يسبقه كما في تكبيرة الإحرام فإن سبق إمامه فعليه أن يرفع ليأتي بذلك مؤتما بإمامه وقد روي عن عمر أنه قال إذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد وإذا رفع الإمام برأسه فليمكث قدر ما رفع فإن لم يفعل حتى لحقه الإمام سهوا أو جهلا فلا شيء عليه لأن هذا سبق يسير وإن سبق إمامه عمدا عالما بتحريمه فقال أحمد : في رسالته ليس لمن سبق الإمام صلاة لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار ] ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب وعن مسعود أنه نظر إلى من سبق الإمام : فقال لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت وعن ابن عمر نحو من ذلك قال وأمره بالإعادة لأنه لم يأت بالركن : مؤتما بإمامه فاشبه ما لو سبقه بتكبيرة الإحرام أو السلام وقال ابن حامد في ذلك وجهان قال القاضي عندي أنه تصح صلاته لأنه اجتمع معه في الركن فصحت صلاته كما لو ركع معه ابتداء
فصل : فإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه فقال أبو الخطاب إن فعله عمدا فهل تبكل صلاته ؟ على وجهين لأنه سبقه بركن واحد فاشبه ما لو ركع قبله حسب وإن فعله سهوا فصلاته صحيحة وهل يعتد بتلك الركعة ؟ فيه رويتان فأما أن سبقه بركعتين فركع قبله فلما أراد أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد عمدا بطلت صلاته لأن لم يقتد بإمامه في أكثر الركعة وإن فعله سهوا لم تبطل صلاته لأنه معذور ولم يعتد بتلك الركعة لعدم اقتدائه بإمامه فيها

فصل : تأخر المأموم عن إمامه بركن أو أكثر
فصل : فإن سبق الإمام المأموم بركن كامل مثل أن ركع ورفع قبل ركوع المأموم لعذر من نعاس أو زحام أو عجلة الإمام فإنه يفعل ما سبق به ويدرك إمامه ولا شيء عليه نص عليه أحمد قال المروذي : قلت ل أبي عبد الله الإمام إذا سجد فرفع رأسه قبل أن يسجد قال : إن كانت سجدة واحدة فاتبعه إذا رفع رأسه وهذا لا أعلم فيه خلافا وإن سبقه بركعة كاملة أو أكثر فإنه يتبع إمامه ويقضي ما سبقه الإمام به قال أحمد : في رجل نعس خلف الإمام حتى صلى ركعتين قال : كانه أدرك ركعتين فإذا سلم الإمام صلى ركعتين وإن سبقه بأكثر من ركن وأقل من ركعة ثم زال عذره فالمنصوص عن أحمد إنه يتبع إمامه ولا يعتد بتلك الركعة فإنه قال في رجل ركع إمامه وسجد وهو قائم لا يشعر ولم يركع حتى سجد الإمام فقال : يسجد معه ويأتي بركعة مكانها وقال المروذي قلت ل أبي عبد الله إذا سجد ورفع رأسه قبل أن سجد قال : إن كانت سجدة واحدة فاتبعه إذا رفع رأسه وإن كانت سجدتان فلا يعتد بتلك الركعة وظاهر هذا إنه متى سبقه بركعتين بطلت تلك الركعة وإن سبقه بأقل من ذلك فعله وأدرك إمامه وقال أصحابنا فيمن زحم عن السجود يوم الجمعة ينتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الإمام ما لم يخف فوات الركوع في الثانية مع الإمام وهذا يقتضي أنه يفعل ما فاته وإن كانت أكثر من ركن واحد وهذا قول الشافعي لأن النبي صلى الله عليه و سلم فعله بأصحابه في صلاة عسفان حين أقامهم خلفه صفين فسجد بالصف الأول والصف الثاني قائم حتى قام النبي صلى الله عليه و سلم إلى الثانية فسجد الصف الثاني ثم تبعه وكان ذلك جائزا للعذر فهذا مثله وقال مالك : إن أدركهم المسبوق في أول سبجودهم سجد معهم وأعتد بها وإن علم أنه لا يقدر على الركوع وأدركهم في السجود حتى يستووا قياما فليتبعهم فيما بقي من صلاتهم ثم يقضي ركعة ثم يسجد للسهو ونحوه قال الأوزاعي : ولم يجعل عليه سجدتي السهو والأولى في هذا والله أعلم ما كان على قياس فعل النبي صلى الله عليه و سلم في صلاة الخوف فإن ما لا نصف فيه يرد إلى أقرب الأشياء به من المنصوص عليه وإن فعل ذلك لغير عذر بطلت صلاته لأنه ترك الإئتمام بإمامه عمدا والله أعلم

مسألتان : جلسة الاستراحة وصفة النهوض إلى الركعة الثانية وما بعدها
مسألة : قال : ثم يرفع رأسه مكبرا ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه
وجملته أنه إذا قضى سجدته الثانية نهض للقيام مكبرا والقيام ركن والتكبير واجب في إحدى الروايتين واختلفت الرواية عن أحمد هل يجلس للإستراحة فروي لا يجلس وهو اختيار الخرقي وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وبه يقول مالك و الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي وقال أحمد : أكثر الأحاديث على هذا وذكر عن عمر وعلي وعبد الله وقال النعمان بن أبي عياش : أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يفعل ذلك أي لا يجلس قال الترمذي : وعليه العمل عند أهل العلم وقال أبو الزناد : تلك السنة والرواية الثانية : أنه يجلس أختارها الخلال وهو أحد قولي الشافعي قال الخلال : رجع أبو عبد الله إلى هذا يعني ترك قوله بترك الجلوس لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض متفق عليه وذكره أيضا أبو حميد في صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو حديث حسن صحيح فيتعين العمل به والمصير إليه وقيل أن كان المصلي ضعيفا جلس للإستراحة لحاجته إلى الجلوس وإن كان قويا لم يجلس لغناه عنه وحمل جلوس النبي صلى الله عليه و سلم على أنه كان في آخر عمره عند كبره وضعفه وهذا فيه جمع بين الأخبار وتوسط بين القولين فإذا قلنا يجلس فيحتمل أنه يجلس مفترشا على صفة الجلوس بين السجدتين وهو مذهب الشافعي لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عضو في موضعه ثم نهض وهذا صريح في كيفية جلسة الاستراحة فيتعين المصير إليه وقال الخلال : روي عن أحمد من لا أحصيه كثرة أنه يجلس على أليتيه قال القاضي : يجلس على قدميه وأليتيه مفضيا بهما إلى الأرض لأن لو جلس متفرشا لم يأمن السهو فيشك هل جلس عن السجدة الأولى أو الثانية ؟ وبهذا يأمن ذلك وقال أبو الحسن الآمدي لا يختلف أصحابنا أنه لا يلصق أليتيه بالأرض في جلسة الأستراحة بل يجلس معلقا عن الأرض وعلى كلتا الروايتين ينهض إلى القيام على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه ولا يعتمد على يديه قال القاضي : لا يختلف قوله أنه لا يعتمد على الأرض سواء قلنا يجلس للإستراحة أو لا يجلس وقال مالك و الشافعي : السنة أن يعتمد على يديه في النهوض لأن مالك بن الحويرث قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعدا ثم اعتمد على الأرض رواه النسائي ولأن ذلك أعون للمصلي
ولنا : ما روى وائل بن حجر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه رواه النسائي و الأثرم وفي لفظ وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه وعن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة رواهما أبو داود وقال علي كرم الله وجهه إن من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع رواه الأثرم وقال أحمد بذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في الصلاة ينهض على صدور قدميه رواه الترمذي وقال يرويه خالد بن الياس قال أحمد ترك الناس حديثه ولأنه أشق فكان أفضل كالتجافي والافتراش وحديث مالك محمول على أنه كان من النبي صلى الله عليه و سلم لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره فإنه [ قال عليه السلام : أني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ]
مسألة : قال : إلا أن يشق ذلك عليه فيعتمد بالأرض
يعني إذا شق عليه النهوض على الصفة التي ذكرناها فلا بأس بإعتماده على الأرض بيديه لا نعلم أحدا خالف في هذا وقد دل عليه حديث مالك بن الحويرث وقول عليه رضي الله عنه إلا إن يكون شيخا كبيرا ومشقه ذلك تكون لكبر أو ضعف أو مرض أو سمن ونحوه

مسألة : موافقة التكبير لحركة الانتقال
فصل : يستحب أن يكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفع رأسه من السجود وانتهاؤه عند اعتداله قائما ليكون مستوعبا بالتكبير جميع الركن المشروع فيه وعلى هذا بقية التكبيرات إلا من جلس جلسة الاستراحة فإنه ينتهي تكبيره عند انتهاء جلوسه ثم ينهض للقيام بغير تكبير وقال أبو الخطاب : ينهض مكبرا وليس بصحيح فإنه يفضي إلى أن يوالي بين تكبيرتين في ركن واحد لم يرد الشرع بجمعهما فيه

مسألة وفصل : ما يصنع المصلي في الركعة الثانية والمسبوق إذا أدرك الإمام
مسألة : قال : ويفعل في الثانية مثل ما فعل في الأولى
يعني يصنع في الركعة الثانية من الصلاة مثل ما صنع في الركعة الأولى على ما وصف لـ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم وصف بالركعة الأولى للمسيء في صلاته ثم قال : افعل ذلك في صلاتك كلها ] وهذا لا خلاف فيه نعلمه إلا أن الثانية تنقص النية وتكبيرة الإحرام والاستفتاح لأن ذلك يراد لأفتتاح الصلاة وقد روى مسلم [ عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت ] وهذا يدل على أنه لم يكن يستفتح ولا يستعيذ ولا نعلم في ترك هذه الأمور الثلاثة خلافا فيما عدا الركعة الثالثة فأما الاستعاذة فاختلفت الرواية عن أحمد في كل ركعة فعنه أنه تختص بالركعة الأولى وهو قول عطاء و الحسن و النخعي و الثوري لحديث أبي هريرة هذا ولأن الصلاة جملة واحدة فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة ولذلك اعتبرنا الترتيب في القراءة في الركعتين فأشبه ما لو سجد للتلاوة في أثناء قراءته فإذا أتى بالاستعاذة في أولها كفى ذلك كالاستفتاح فعلى هذه الرواية إذا ترك الاستعاذة في الأولى لنسيان أو غيره أتى بها في الثانية والاستفتاح بخلاف ذلك نص عليه لأن الاستفتاح لأفتتاح الصلاة فإذا فات في أولها فات محله والاستعاذة للقراءة وهو يستفتحها في الثانية وإن شرع في القراءة قبل الاستعاذة لم يأت بها في تلك الركعة لأنها سنة فات محلها والرواية الثانية يستعيذ في كل ركعة وهو قول ابن سيرين و الشافعي لقوله : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } فيقتضي ذلك تكرير الاستعاذة عند تكرير القراءة لأنها مشروعة للقراءة فتكررها كما لو كانت في صلاتين
فصل : المسبوق إذا أدرك الإمام فيما بعد الركعة الأولى لم يستفتح وأما الاستعاذة فإن قلنا تختص بالركعة الأولى لم يستعد لأن ما يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته فإذا قام للقضاء استفتح واستعاذ نص على هذا أحمد وإن قلنا يستعيذ في كل ركعة استعاذ لأن الاستعاذة في أول قراءة كل ركعة فإذا أراد المأموم القراءة استعاذ لقول الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }

مسألة : الجلوس للتشهد الأول
مسألة : قال : فإذا جلس فيها للتشهد يكون كجلوسه بين السجدتين
وجملته أنه إذا صلى ركعتين جلس للتشهد وهذا الجلوس والتشهد فيه مشروعان بلا خلاف وقد نقله الخلف عن السلف عن النبي صلى الله عليه و سلم نقلا متواترا والأمة تفعله في صلاتها فإن كانت الصلاة مغربا أو رباعية فهما واجبان فيها على إحدى الروايتين وهو مذهب الليث و إسحاق والأخرى ليسا بواجبين وهو قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي لأنهما يسقطان بالسهو فأشبها السنن
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم فعله وداوم على فعله وأمر به في حديث ابن عباس فقال : قولوا : [ التحيات لله ] وسجد للسهو حين نسيه وقد قال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] وإنما سقط بالسهو إلى بدل فأشبه جبرانات الحج تجبر بالدم بخلاف السنن ولأنه أحد التشهدين فكان واجبا كالآخر وصفة الجلوس لهذا التشهد كصفة الجلوس بين السجدتين يكون مفترشا كما وصفنا وسواء كان آخر صلاته أو لم يكن وبهذا قال الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي قال مالك يكون متوركا على كل حال لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجلس في وسط الصلاة وآخرها متوركا وقال الشافعي إن كان متوسطا كقولنا وإن كان آخر صلاته كقول مالك
ولنا : حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه و سلم جلس يعني للتشهد فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته وقال وائل بن حجر قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما جلس يعني للتشهد افترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ونصب رجله اليمنى وهذا حديثان صحيحان حسنان يتعين الأخذ بهما وتقديمها على حديث ابن مسعود لصحتهما وكثرة رواتهما فإن أبا حميد ذكر حديثه في عشرة من الصحابة فصدقوه وهما متأخران عن ابن مسعود وإنما يؤخذ بالآخرة من أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد بين أبو حميد في حديثه الفرق بين التشهدين فتكون زيادة والأخذ بالزيادة واجب

مسألة : هيئة الكفين والأصابع عند التشهد
مسألة : قال : ثم يبسط كفه اليسرى على فخذه اليسرى ويده اليمنى على فخذه اليمنى ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة
وجملته أن يستحب للمصلي إذا جلس للتشهد وضع اليد اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة مضمومة الأصابع مستقبلا بجميع أطراف أصابعها القبلة ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة وهي الأصبع التي تلي الإبهام لما روى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم عقد من أصابعه الخنصر والتي تليها وحلق حلقة بأصبعه الوسطى والإبهام ورفع السبابة مشيرا بها قال أبو الحسن الآمدي وقد روي عن أبي عبد الله أنه يجمع أصابعه الثلاث ويعقد الإبهام كعقد الخمسين لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم وقال الآمدي وروي أن يبسط الخنصر والبنصر ليكون مستقبلا بهما القبلة والأولى أولى اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم برفعها عند ذكر الله تعالى في تشهده لما رويناه ولا يحركها لما روى عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يشير بأصبعه ولا يحركها رواه أبو داود وفي لفظ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه

مسألة : هيئة الكفين والأصابع عند التشهد
مسألة : قال : ثم يبسط كفه اليسرى على فخذه اليسرى ويده اليمنى على فخذه اليمنى ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة
وجملته أن يستحب للمصلي إذا جلس للتشهد وضع اليد اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة مضمومة الأصابع مستقبلا بجميع أطراف أصابعها القبلة ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة وهي الأصبع التي تلي الإبهام لما روى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم عقد من أصابعه الخنصر والتي تليها وحلق حلقة بأصبعه الوسطى والإبهام ورفع السبابة مشيرا بها قال أبو الحسن الآمدي وقد روي عن أبي عبد الله أنه يجمع أصابعه الثلاث ويعقد الإبهام كعقد الخمسين لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم وقال الآمدي وروي أن يبسط الخنصر والبنصر ليكون مستقبلا بهما القبلة والأولى أولى اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم برفعها عند ذكر الله تعالى في تشهده لما رويناه ولا يحركها لما روى عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يشير بأصبعه ولا يحركها رواه أبو داود وفي لفظ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه

مسألة وفصل : التشهد والروايات فيه
مسألة : قال : ويتشهد فيقول : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وهو التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه
هذا التشهد هو المختار عند إمامنا وعليه أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم من التابعين قاله الترمذي وبه يقول الثوري و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وكثير من أهل المشرق وقال مالك : أفضل التشهد تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه التحيات لله الزاكيات لله الصلوات لله وسائره كتشهد ابن مسعود لأن عمر قاله على المنبر بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكروه فكان إجماعا وقال الشافعي : أفضل التشهد ما [ روى ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فيقول قولوا : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ] أخرجه مسلم و الترمذي وقال حديث حسن صحيح إلا أن في رواية مسلم : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
ولنا : ما [ روى عبد الله بن مسعود قال : علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم التشهد - كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن : التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ] وفي لفظ [ إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله - وفيه - فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد الله صالح في السماء وفي الأرض ] وفيه [ فليتخير من المسألة ما شاء ] متفق عليه قال الترمذي حديث ابن مسعود قد روي من غير وجه وهو أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في التشهد وقد رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم معه ابن عمر وجابر وأبو موسى وعائشة وعليه أكثر أهل العلم فتعين الأخذ به وتقديمه فأما حديث عمر فلم يروه عن النبي صلى الله عليه و سلم إنما هو من قوله وأكثر أهل العلم على خلافه فكيف يكون إجماعا ؟ على أنه ليس الخلاف في أجزائه في الصلاة إنما الخلاف في الأولى والأحسن والأحسن تشهد النبي صلى الله عليه و سلم الذي علمه أصحابه وأخذوا به وأما حديث ابن عباس فانفرد به واختلف عنه في بعض ألفاظه ففي رواية مسلم أنه قال وأشهد أن محمدا عبده ورسوله كرواية ابن مسعود ثم رواية ابن مسعود إسنادا وأكثر وقد اتفق على روايته جماعة من الصحابة فيكون أولى ثم هو متضمن للزيادة وفيه العطف بواو العطف وهو أشهر في كلام العرب وفيه السلام بالألف واللام وهما الاستغراق وقال عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال حدثنا عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم علمه التشهد في الصلاة قال وكنا نتحفظه عن عبد الله كما نتحفظ حروف القرآن الواو والألف وهذا يدل على ضبطه فكان أولى
فصل : وبأي تشهد تشهد مما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم جاز نص عليه أحمد فقال : تشهد عبد الله أعجب إلي وإن تشهد بغيره فهو جائز لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما علمه الصحابة مختلفا دل على جواز الجميع كالقراءات المختلفة التي اشتمل عليها المصحف قال القاضي : وهذا يدل على أنه إذا أسقط لفظة هي ساقطة في بعض التشهدات المروية صح تشهده فعلى هذا يجوز أن يقال أقل ما يجزئ من التشهد : التحيات لله السلام عليه أيها النبي ورحمة الله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أو أن محمدا رسول الله وقد قال أحمد : في رواية أبي دواد إذا قال وأن محمدا عبده ورسوله ولم يذكر أشهد أرجو أن يجزئه وقال ابن حامد : رأيت بعض أصحابنا يقول : لو ترك واوا أو حرفا أعاد الصلاة لقول الأسود فكنا نتحفظه عن عبد الله كما نتحفظ حروف القرآن والأول أصح لما ذكرنا وقال الأسود يدل على أن الأولى والأحسن الإتيان بلفظه وحروفه وهو الذي ذكرنا أنه المختار وعلى أن عبد الله كان يرخص في إبدال لفظات من القرآن فالتشهد أولى فقد عنه أن إنسانا كان يقرأ عليه : { إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم } فيقول طعام اليتيم فقال له عبد الله : قل طعام الفاجر فأما ما اجتمعت عليه التشهدات كلها فيتعين الإتيان به وهذا مذهب الشافعي

فصل : الزيادة في التشهد والنقص منه
فصل : ولا تستحب الزيادة على هذا التشهد ولا تطويله وبهذا قال النخعي و الثوري و إسحاق و عن الشعبي أنه لم ير بأسا أن يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم فيه وكذلك قال الشافعي وعن عمر أنه كان إذا تشهد قال : بسم الله خير الأسماء وعن ابن عمر أنه كان يسمي في أوله وقال زدت فيه وحده لا شريك له تلد وأباح الدعاء فيه بما بدا له وقال أيوب و يحيى بن سعيد و هشام يقول عمر في التسمية وقد [ روى جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن : بسم الله التحيات لله وذكر التشهد كتشهد ابن مسعود : أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار ] رواه النسائي و ابن ماجة وقال مالك : ذلك واسع وسمع ابن عباس رجلا يقول بسم الله فانتهره وبه قال مالك وأهل المدينة و ابن المنذر و الشافعي وهو الصحيح لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف حتى يقوم رواه أبو دواد والرضف هي الحجارة المحماة يعني لما يخففه وهذا يدل على أنه لم يطوله ولم يرد على التشهد شيئا وروي عن مسروق قال : كنا إذا جلسنا مع أبي بكر كأنه على الرضف حتى يقوم رواه الإمام أحمد وقال حنبل : رأيت أبا عبد الله يصلي فإذا جلس بعد الركعتين أخف بالجلوس ثم يقوم كأنه على الرضف وإنما قصد الإقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم وصاحبه ولأن الصحيح من التشهدات ليس فيه تسمية ولا شيء من هذه الزيادات فيقتصر عليها ولم تصح التسمية عند أصحاب الحديث ولا غيرها مما وقع الخلاف فيه وإن فعله جاز لأنه ذكر

فصل : ما يقول المسبوق إذا جلس الإمام للتشهد الأخير
فصل : وإذا أدرك بعض الصلاة مع الإمام فجلس الإمام في آخر صلاته لم يزد المأمول على التشهد الأول بل يكرره نص عليه أحمد فيمن أدرك مع الإمام ركعة قال : يكرر التشهد ولا يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم ولا يدعو بشيء مما يدعي به في التشهد الأخير لأن ذلك إنما يكون في التشهد الذي يسلم عقيبه وليس هذا كذلك

مسألة : النهوض إلى الركعة الثالثة
مسألة : قال : ثم ينهض مكبرا كنهوضه من السجود
يعني إذا فرغ من التشهد الأول نهض قائما على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه على ما ذكرناه في نهوضه من السجود في الركعة الأولى ولا يقدم إحدى رجليه عند النهوض كذلك قال ابن عباس وكرهه إسحاق وروى عن ابن عباس أن ذلك يقطع الصلاة ورخص فيه مجاهد و إسحاق للشيخ
ولنا : لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد كرهه ابن عباس ويمكن الشيخ أن يعتمد على يديه فيستغني عنه ولا تبطل الصلاة به لأنه ليس بعمل كثير ولا وجد فيه ما يقتضي البطلان

فصل : القراءة في الركعتين الثالثة والرابعة
ثم يصلي الثالثة والرابعة كالثانية إلا أنه لا يقرأ فيهما شيئا بعد الفاتحة ولا يجهر فيهما في صلاة الجهر وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى

مسألة : صفة الجلوس للتشهد الثاني
مسألة : قال : فإذا جلس للتشهد الأخير تورك فنصب رجله اليمنى وجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى ويجعل أليتيه على الأرض
السنة عند إمامنا رحمه الله التورك في التشهد الثاني وإليه ذهب مالك و الشافعي وقال الثوري وأصحاب الرأي يجلس مفترشا كجلوسه في الأول لما ذكرنا من حديث وائل بن حجر وأبي حميد في صفة جلوس النبي صلى الله عليه و سلم
ولنا قول أبي حميد : حتى إذا كانت الركعة التي يقضي فيها صلاته أخر رجله اليسرى وجلس متوركا على شقه الأيسر وهذا بيان الفرق بين التشهدين وزيادة يجب الأخذ بها والمصير إليها والذي احتجوا به في التشهد الأول ولا نزاع بيننا فيه وأبو حميد راوي حديثهم بين في حديثه أن افتراشه كان في التشهد الأول وأنه تورك في الثاني فيجب المصير إلى قوله وبيانه فأما صفة التورك فقال الخرقي : ينصب رجله اليمنى ويجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى ويجعل أليتيه على الأرض وذكر القاضي مثل ذلك لما روي عن عبد الله بن الزبير قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى رواه مسلم و أبو داود وفي بعض ألفاظ حديث أبي حميد قال جلس النبي صلى الله عليه و سلم على أليتيه وجعل بطن قدمه عند مأبض اليمنى ونصب قدمه اليمنى وروى الأثرم في صفته قال : رأيت أبا عبد الله يتورك في الرابعة في التشهد فيدخل رجله اليسرى يخرجها من تحت ساقه الأيمن ولا يقعد على شيء منها وينصب اليمنى ويفتح أصابعه وينحي عجزه كله ويستقبل بأصابعه اليمنى القبله وركبته اليمنى على الأرض ملزقة وهكذا ذكر أبو الخطاب و أصحاب الشافعي وأن أبا حميد قال : في صفة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدمه من ناحية واحدة رواه أبو داود و أيهما فعل فحسن

التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم
فصل : وهذا التشهد والجلوس له من أركان الصلاة وممن قال بوجوبه عمر وابنه و أبو مسعود البدري و الحسن و الشافعي ولم يوجبه مالك ولا أبو حنيفة إلا أن أبا حنيفة أوجب الجلوس قدر التشهد وتعلقا بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلمه الاعرابي فدل على أنه غير واجب
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر به فقال : [ قولوا التحيات لله ] وأمره يقتضي الوجوب وفعله وداوم عليه وقد [ روي عن ابن مسعود أنه قال : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد : السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل السلام على ميكائيل فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تقولوا السلام على الله ولكن قولوا التحيات لله ] إلى آخره وهذا يدل على أنه فرض بعد أن لم يكن مفروضا وحديث الأعرابي يحتمل أنه كان قبل أن يفرض التشهد ويحتمل أنه ترك تعليمه لأنه لم يره أساء في تركه

مسألة وفصل : مواضع التورك في الصلاة
مسألة : قال : ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما
وجملته أن جميع جلسات الصلاة لا يتورك فيها إلا في تشهدتان وقال الشافعي : يسن التورك في كل تشهد يسلم فيه وإن لم يكن ثانيا كتشهد الصبح والجمعة وصلاة التطوع لأنه تشهد يسن تطويله فسن فيه التورك كالثاني
ولنا : حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى ولم يفرق بين ما يسلم فيه وما لا يسلم وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى رواه مسلم وهذان يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج منه لحديث أبي حميد في التشهد الثاني فيبقى فيما عداه على قضية الأصل ولان هذا ليس بتشهد ثان فلا يتورك فيه كالأول وهذا لأن التشهد الثاني إنما تورك فيه للفرق بين التشهدين وما ليس فيه إلا تشهد واحد لا اشتباه فيه فلا حاجة إلى الفرق وما ذكروه من المعنى إن صح فيضم إليه هذا المعنى الذي ذكرناه ونعلل الحكم بهما والحكم إذا علل بعلتين لم يجز تعديه لتعدي أحدهما دون الآخر والله أعلم
فصل : قيل ل أبي عبد الله فما تقول في تشهد سجود السهو فقال يتورك فيه أيضا هو من بقية الصلاة يعني إذا كان من السجود في صلاة رباعية لأن تشهدها يتورك فيه وهذا تابع له وقال القاضي يتورك في كل تشهد لسجود السهو بعد السلام سواء كانت الصلاة رباعية أو ركعتين لأنه تشهد ثان في الصلاة ويحتاج إلى الفرق بينه وبين تشهد صلب الصلاة وقال الأثرم قلت ل أبي عبد الله الرجل يجيء فيدرك مع الإمام ركعة فيجلس الإمام في الرابعة أيتورك معه الرجل الذي جاء في هذه الجلسة ؟ فقال إن شاء تورك قلت فإذا قام يقضي يجلس في الرابعة هو فينبغي له أن يتورك ؟ فقال نعم يتورك هذا لأنه هي الرابعة له نعم يتورك ويطيل الجلوس في التشهد الأخير قال القاضي قوله إن شاء تورك على سبيل الجواز لأنه مسنون وقد صرح في رواية مهنا فيما أدرك من صلاة الظهر ركعتين لا يتورك إلا في الأخيرتين ويحتمل أن يكون هذا روايتين

مسألة : ويتشهد بالتشهد الأول ويصلي
مسألة : قال : ويتشهد بالتشهد الأول ويصلي على النبي صلى الله عليه و سلم فيقول : اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
وجملته أنه إذا جلس في آخر صلاته فإنه يتشهد بالتشهد الذي ذكرناه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم كما ذكر الخرقي وهي واجبة في صحيح المذهب وهو قول الشافعي و إسحاق وعن أحمد أنها غير واجبة قال المروذي : قيل ل أبي عبد الله إن ابن راهوية يقول : لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في التشهد بطلت صلاته قال ما أجترئ أن أقول هذا وقال في موضع هذا شذوذ وهذا يدل على أنه لم يوجبها وهذا قول مالك و الثوري و أصحاب الرأي وأكثر أهل العلم قال ابن المنذر : هو قول جل أهل العلم إلا الشافعي وكان إسحاق يقول لا يجزئه إذا ترك ذلك عمدا قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول لأنني لا أجد الدلالة موجودة في إيجاب الإعادة عليه واحتجوا بـ [ حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم علمه التشهد ثم قال : إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد تمت صلاتك ] وفي لفظ : [ وقد قضيت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد ] رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع ] رواه مسلم أمرنا بالإستعاذة عقيب التشهد من غير فضل ولأن الصحابة كانوا يقولون في التشهد قولا فنقلهم عنه النبي صلى الله عليه و سلم إلى التشهد وحده فدل على أنه لا يجب غيره ولأن الوجوب من الشرع ولم يرد بإيجابه وظاهر مذهب أحمد وجوبه فإن أبا زرعة الدمشقي نقل عن أحمد انه قال : كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول إلى هذا لما [ روى كعب بن عجرة قال : إن النبي صلى الله عليه و سلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم فكيف نصلي عليك قال : قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] متفق عليه وروى الأثرم عن فضالة بن عبيد : [ سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد ربه ولم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم عجل هذا ثم دعاه النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه و سلم ثم ليدع بعد بما شاء ] ولأن الصلاة عبادة شرط فيها ذكر الله تعالى بالشهادة فشرط ذكر النبي صلى الله عليه و سلم كالأذان فأما حديث ابن مسعود فقال الدارقطني : الزيادة فيه من كلام ابن مسعود

فصول : صفة الصلاة على النبي والتشهد
فصل : وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم كما ذكر الخرقي لما روينا من حديث كعب بن عجرة وقد رواه النسائي كذلك إلا أنه قال : [ كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وكما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ] وفي رواية [ كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وكما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد ] قال الترمذي : هو حديث حسن صحيح وفي رواية ابن مسعود : [ كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ] رواه مسلم وعن أبي حميد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ قولوا اللهم صلى على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] رواه البخاري والأولى أن يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم على الصفة التي ذكر الخرقي لأن ذلك حديث كعب بن عجرة وهو أصح حديث روي فيها وعلى أي صفة أتى بالصلاة عليه مما ورد في الأخبار جاز كقولنا في التشهد وظاهره أنه إذا أخل بلفظ ساقط في بعض الأخبار جاز لأنه لو كان واجبا لما أغفله النبي صلى الله عليه و سلم قال القاضي أبو يعلى ظاهر كلام أحمد أن الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه و سلم حسب لقوله في خبر أبي زرعة الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم أمر من تركها أعاد الصلاة ولم يذكر الصلاة على آله وهذا مذهب الشافعي ولهم في وجوب الصلاة على آله وجهان وقال بعض أصحابنا : تجب الصلاة على الوجه الذي في خبر كعب لأنه أمر به والأمر يقتضي الوجوب والأول أولى والنبي صلى الله عليه و سلم إنما أمرهم بهذا حين سألوه تعليمهم ولم يبتدئهم به
فصل : آل النبي صلى الله عليه و سلم أتباعه على دينه كما قال الله تعالى : { أدخلوا آل فرعون } يعني أتباعه من أهل دينه وقد جاء [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل من آل محمد ؟ فقال : كل تقي ] أخرجه تمام في فوائده وقيل آله أهله الهاء منقلبة عن الهمزة كما يقال : أرقت الماء وهرقته فلو قال وعلى أهل محمد مكان آل محمد أجزأه عند القاضي وقال معناهما واحد ولذلك لو صغر قيل أهيل قال ومعناهما جميعا أهل دينه وقال ابن حامد و أبو حفص لا يجزئ لما فيه من مخالفة لفظ الأثر وتغيير المعنى فإن الأهل إنما يعبر به عن القرابة والآل يعبر به عن الأتباع في الدين
فصل : وأما تفسير التحيات فروي عن ابن عباس قال : التحية العظمة والصلوات الصلوات الخمس والطيبات الأعمال الصالحة وقال أبو عمرة : التحيات الملك وأنشد :
( ولكل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحية )
وقال بعض أهل اللغة : التحية البقاء واستشهد بهذا البيت وقال ابن الأنباري : التحيات السلام والصلوات الرحمة والطيبات من الكلام

فصلان : إخفاء التشهد والتشهد بغير العربية
فصل : والسنة إخفاء التشهد لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يجهر به إذ لو جهر به لنقل كما نقلت القراءة وقال عبد الله بن مسعود : من السنة إخفاء التشهد رواه أبو داود ولأنه ذكر غير القراءة لا ينتقل به من ركن إلى ركن فاستحب إخفاؤه كالتسبيح ولا نعلم في هذا خلافا
فصل : ولا يجوز لمن قدر على العربية التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم بغيرها لما ذكرنا في التكبير فإن عجز عن العربية تشهد بلسانه كقولنا في التكبير ويجيء على قول القاضي أن لا يتشهد وحكمه حكم الأخرس ومن قدر على تعلم التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم لزمه ذلك لأنه من فروض الأعيان فلزمه كالقراءة فإن صلى قبل تعلمه مع إمكانه لم تصح صلاته وإن خاف فوات الوقت أو عجز عن تعلمه أتى بما يمكنه منه وأجزأه للضرورة وإن لم يحسن شيئا بالكلية سقط كله

فصل : ترتيب التشهد والصلاة على النبي
فصل : والسنة ترتيب التشهد وتقديمه على الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فإن لم يفعل وأتى به منكسا من غير تغيير شيء من معانيه ولا إخلال بشيء من الواجب فيه ففيه وجهان أحدهما يجزئه ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن المقصود المعنى وقد حصل فصح كما لو رتبه والثاني لا يصح لأنه أخل بالترتيب في ذكر ورد الشرع به مرتبا فلم يصح كالأذان

مسألة : الدعاء المأثور بعد التشهد الأخير
مسألة : قال : ويستحب أن يتعوذ من أربع فيقول : أعوذ بالله من عذاب جهنم أعوذ بالله من عذاب القبر أعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال أعوذ بالله من فتنة المحيا والممات
وذلك لما روى أبو هريرة قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ] متفق عليه ول مسلم إذا تشهد أحدكم فليستعذ من أربع وذكره

مسألة : الدعاء في الصلاة
مسألة : قال : وإن دعا في تشهده بما ذكر في الأخبار فلا بأس
وجملته أن الدعاء في الصلاة بما وردت به الأخبار جائز قال الأثرم : قلت ل أبي عبد الله أن هؤلاء يقولون لا يدعو في المكتوبة إلا بما في القرآن فنفض يده كالمغضب فقال ك من يقف على هذا وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بخلاف ما قالوا ؟ قلت ل أبي عبد الله إذا جلس في الرابعة يدعو بعد التشهد بما شاء ؟ قال بما شاء لا أدري ولكن يدعو بما يعرف وبما جاء فقلت على حديث عمرو بن سعد قال سمعت عبد الله يقول إذا جلس أحدكم في صلاته ذكر التشهد ثم ليقل : اللهم إني أسألك من خير من سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر من عاذ منه عبادك الصالحون ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد رواه الأثرم وعن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن قال وعلمنا أن نقول : اللهم أصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أبصارنا وأسماعنا وقلوبنا وأزواجنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين عليك بها قابليها وأتمها علينا رواه أبو دواد و [ عن أبي بكر الصديق أنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال : قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ] متفق عليه وعن أبي هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل : ما تقول في الصلاة ؟ قال أتشهد ثم اسأل الله الجنة وأعوذ به من النار أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال : حولها ندندن ] رواه أبو داود وفي [ حديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم علمهم التشهد فقال في آخره اسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار ] وقول الخرقي بما ذكر في الأخبار يعني أخبار النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه والسلف رحمة الله عليهم فإن أحمد ذهب إلى حديث ابن مسعود في الدعاء وهو موقوف عليه وقال يدعو بما جاء وبما يعرف ولم يقيده بما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول في سجوده : اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن المسألة لغيرك وقال كان عبد الرحمن يقوله في سجوده وقال سمعت الثوري يقوله في سجوده

فصول
فصل : ولا يجوز أن يدعو في صلاته بما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها بما يشبه كلام الآدميين وأمانيهم مثل اللهم ارزقني جارية حسناء دارا قوراء وطعاما طيبا وبستانا أنيقا وقال الشافعي : يدعو بما أحب لقوله عليه السلام في حديث ابن مسعود في التشهد [ ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ] متفق عليه ول مسلم : [ ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء أو ما أحب ] وفي حديث أبي هريرة : [ إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع ثم يدعو لنفسه ما بدا له ]
ولنا : قوله عليه السلام : [ إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ] أخرجه مسلم وهذا من كلام الآدميين ولأنه كلام يخاطب بمثله أشبه تشميت العاطس ورد السلام والخبر محمول على أنه يتخير من الدعاء المأثور وما أشبهه
فصل : فأما الدعاء بما يتقرب به إلى الله عز و جل مما ليس بمأثور ولا يقصد به ملاذ الدنيا فظاهر كلام الخرقي وجماعة من أصحابنا أنه لا يجوز ويحتمله كلام أحمد لقوله يدعو بما جاء وبما يعرف وحكى عنه ابن المنذر أنه قال : لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه من حوائج دنياه وآخرته وهذا هو الصحيح إن شاء الله لظواهر الأحاديث فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ثم ليتخير من الدعاء ] وقوله ثم يدعو لنفسه بما بدا له وقوله ثم يدعو بعد بما شاء وروي عن أنس قال [ جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال : احمدي الله عشرا وسبحي الله عشرا ثم سلي ما شئت يقول : نعم نعم نعم ] رواه الأثرم ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كانوا يدعون في صلاتهم بما لم يتعلموه فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه و سلم ولهذا لما [ قال النبي صلى الله عليه و سلم للرجل : ما تقول في صلاتك ؟ قال أتشهد ثم اسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فصوبه النبي صلى الله عليه و سلم في دعائه ذلك من غير أن يكون علمه إياه ] ولما [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : أما السجود فاكثروا فيه من الدعاء ] لم يعين لهم ما يدعون به فدل على أنه أباح لهم كل الدعاء إلا ما خرج منه بالدليل في الفصل الذي قبل هذا وقد روي عن عائشة أنها كانت إذا قرأت : { فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم } قالت : من علينا وقنا عذاب السموم وعن جبير بن نفير أنه سمع أبا الدرداء وهو يقول في آخر صلاته وقد فرغ من التشهد أعوذ بالله من النفاق ولأنه دعاء يتقرب به إلى الله تعالى فأشبه الدعاء المأثور

فصل
فصل : وهل يجوز أن يدعو لإنسان بعينة في صلاته على روايتين إحداهما يجوز قال الميموني : سمعت أبا عبد الله يقول ل ابن الشافعي : أنا أدعو منذ سنين في صلاتي أبوك أحدهم وقد روي ذلك عن علي وأبي الدرداء واختاره ابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه و سلم في قنوته : [ اللهم أنج الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين ] ولأنه دعاء لبعض المؤمنين فأشبه ما لو قال : [ رب اغفر لي ولوالدي ] والأخرى لا يجوز وكرهه عطاء و النخعي لشبهة بكلام الآدميين ولأنه دعاء لمعين فلم يجز كتشميت العاطس وقد دل على المنع من تشميت العاطس حديث معاوية بن الحكم السلمي

فصل : حكم الدعاء في أثناء القراءة
فصل : ويستحب للمصلي نافلة إذا مرت به آية رحمة أن يسألها أو آية عذاب أن يستعيذ منها لما [ روى حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فكان يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم وفي سجوده : سبحان ربي الأعلى وما مر بآية إلا وقف عندها وسأل ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ ] رواه أبو داود و [ عن عوف بن مالك قال قمت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ قال : ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ] رواه أبو داود ولا يستحب ذلك في الفريضة لأنه لم يقل عن النبي صلى الله عليه و سلم في فريضة مع كثرة من وصف قراءته فيها

فصل : مشروعية تخفيف الإمام الصلاة مع تمهله فيها
ويستحب للإمام أن يرتل القراءة والتسبيح والتشهد بقدر ما يرى أن من خلفه ممن يثقل لسانه قد أتى عليه وأن يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يرى أن الكبير والصغير والثقيل قد أتى عليه فإن خالف وأتى بقدر ما عليه كره وأجزأه ولا يستحب له التطويل كثيرا فيشق على من خلفه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من أم الناس فليخفف ] وأما المنفرد فله الإطالة في ذلك كله ما لم يخرجه إلى حال يخاف السهو فتكره الزيادة عليه فقد روي عمار أنه صلى أوجز فيها فقيل له في ذلك فقال : أنا أبادر الوسواس ويستحب للإمام إذا عرض في الصلاة عارض لبعض المأمومين يقتضي خروجه أن يخفف فقد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه ] رواه أبو داود

مسألة وفصلان : التسليم من الصلاة
مسألة : قال : ثم يسلم عن يمينه فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك
وجملته أنه إذا فرغ من صلاته وأراد الخروج منها سلم عن يمينه وعن يساره وهذا التسليم واجب لا يقوم غيره مقامه وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يتعين السلام للخروج من الصلاة بل إذا خرج بما ينافي الصلاة من عمل أو حديث أو غير ذلك جاز إلا أن السلام مسنون وليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلمه المسيء في صلاته ولو وجب لأمره به لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولأن إحدى التسليمتين غير واجبة فكذلك الأخرى
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ] ولأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسلم من صلاته ويديم ذلك ولا يخل به وقد قال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] ولأن الحدث ينافي الصلاة فلا يجب فيها وحديث الأعرابي أجبنا عنه فيما مضى
فصل : ويشرع أن يسلم تسليمتين عن يمينه ويساره روي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي وعمار وابن مسعود رضي الله عنهم وبه قال نافع بن عبد الحارث و علقمة و أبو عبد الرحمن السلمي و عطاء و الشعبي و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وأصحاب الرأي وقال ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز و مالك و الأوزاعي يسلم تسليمة واحدة وقال عمار بن أبي عمار كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين وكان مسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة ولما روت عائشة قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسلم تسلمية واحدة تلقاء وجهه وعن سلمة بن الأكوع قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى فسلم تسليمة واحدة رواهما ابن ماجة ولأن التسليمة الأولى قد خرج بها من الصلاة فلم يشرع ما بعدها كالثانية
ولنا : ما روى ابن مسعود قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه ويساره وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إنما يكفي أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله ] رواهما مسلم وفي لفظ لحديث ابن مسعود [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله ] قال الترمذي : حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح وحديث عائشة يرويه زهير بن محمد وقال البخاري يروي مناكير وقال أبو حاتم الرازي هذا حديث منكر وسأل الأثرم أحمد عن هذا الحديث فقال : كان يقول هشام كان يسلم تسليمة يسمعنا قيل له أنهم مختلفون فيه عن هشام بعضهم يقول تسليما وبعضهم يقول تسليمة قال : هذا أجود فقد بين أحمد أن معنى الحديث يرجع إلى أنه يسمعهم التسليمة الواحدة ومن روى تسليما فلا حجة فيه فإنه يقع على الواحدة والثنتين وعلى أن أحاديثنا تتضمن زيادة على أحاديثهم والزيادة من الثقة مقبولة ويجوز أن النبي صلى الله عليه و سلم فعل الأمرين ليبين الجائز المسنون ولأن الصلاة عبادة ذات إحرام وإحلال فجاز أن يكون لها تحللان كالحج
فصل : والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة وقال القاضي : في رواية أخرى أن الثانية واجبة وقال هي أصح لحديث جابر بن سمرة ولأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعلها ويداوم عليها ولأنها عبادة لها تحللان فكانا واجبين كتحللي الحج ولأنها إحدى التسليمتين فكانت واجبة كالأولى والصحيح ما ذكرناه وليس نص أحمد بصريح بوجوب التسليمتين إنما قال : التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث ابن مسعود وغيره أذهب إليه ويجوز أن يذهب إليه في المشروعية والاستحباب دون الإيجاب كما ذهب إلى ذلك غيره وقد دل عليه قوله في رواية مهنا أعجب إلي التسليمتان ولا عائشة وسلمة بن الأكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسلم تسليمة واحدة وكان المهاجرون يسلمون تسلمية واحدة ففيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة رضي الله عنهم في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين والواجب واحدة وقد دل على صحة هذا الإجماع الذي حكاه ابن المنذر فلا معدل عنه وفعل النبي صلى الله عليه و سلم يحمل على المشروطية والسنة فإن أكثر أفعال النبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة مسنونة غير واجبة فلا يمتنع حمل فعله لهذه التسليمة على السنة عند قيام الدليل عليها والله أعلم ولأن التسليمة الواحدة يخرج بها من الصلاة فلم يجب عليه شيء آخر فيها ولأن هذه صلاة فتجزئه فيها تسليمة واحدة ولأن هذه واحدة كصلاة الجنازة والنافلة وأما قوله في حديث جابر : [ إنما يكفي أحدكم ] فإنه يعني في إصابة السنة بدليل أنه قال أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وشماله وكل هذا غير واجب وهذا الخلاف الذي ذكرناه في الصلاة المفروضة أما صلاة الجنازة والنافلة وسجود التلاوة فلا خلاف في أنه يخرج منها بتسليمة واحدة قال القاضي : هذا رواية واحدة نص عليه أحمد في صلاة الجنازة وسجود التلاوة ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم لم يسلموا في صلاة الجنازة إلا تسليمة واحدة والله أعلم

فصول : ألفاظ التسليم من الصلاة
فصل : والسنة أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسلم كذلك في رواية ابن مسعود وجابر بن سمرة وغيرهما وقد [ روى وائل بن حجر قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وعن شماله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ] رواه أبو داود وإن قال ذلك فحسن والأول أحسن لأن رواته أكثر وطرقه أصح فإن قال السلام عليكم ولم يزد فظاهر كلام أحمد أنه يجزئه نص عليه أحمد في صلاة الجنازة وهو مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تحليلها التسليم والتحليل يحصل بهذا القول وقد [ روي عن سعد قال : كنت أرى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسلم عن يمينه وشماله حتى أرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله ] رواه أبو داود وروى عبد الله بن زيد نحوه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن علي رضي الله عنه أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم السلام عليكم رواهما سعيد ولأن ذكر الرحمة تكرير للثناء فلم يجب كقوله وبركاته وقال ابن عقيل : الأصح أنه لا يجزئه لأن الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول : [ السلام عليكم ورحمة الله ] ولأنه سلام في الصلاة ورد مقرونا بالرحمة فلم يجز بدونها كالتسليم على النبي صلى الله عليه و سلم في التشهد
فصل : فإن نكس السلام فقال عليكم السلام لم يجزه قال القاضي : فيه وجه آخر أنه يجزئ وهو قول الشافعي لأن المقصود يحصل وليس هو بقرآن يعتبر فيه النظم
ولنا : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال مرتبا وأمر به كذلك قال لأبي تيمة : لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى ] رواه أحمد في المسند ولأ ه ذكر يؤتى به أحمد طرفي الصلاة فلم يجز منكسا كالتكبير
فصل : فإن قال سلام عليكم بالتنوين فهل يجزئه ؟ فيه وجهان أحدهما يجزئه وهو مذهب الشافعي لأن التنوين قام مقام الألف واللام ولأن أكثر ما ورد في القرآن من السلام بغير ألف ولام كقوله تعالى : { سلام عليكم بما صبرتم } وقوله : { يقولون سلام عليكم } وقوله : { وقال لهم خزنتها سلام عليكم } ولأنا أجزنا التشهد بتشهد ابن عباس وأبي موسى وفيهما سلام عليك بغير ألف ولام والتسليمتان واحد والآخر لا يجزئ لأنه يغير صيغته ويخل بالألف واللام المقتضية للاستغراق فلا يقوم التنوين مقامها كما في التكبير قال أبو الحسن الآمدي : لا فرق بين التنوين وعدمه لأن حذف التنوين لا يخل بالمعنى بدليل ما لو وقف عليه

فصل : الألتفات للسلام
فصل : ويسن أن يلتفت عن يمينه في التسليمة الأولى وعن يساره في الثانية كما جاءت السنة قال ابن مسعود : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه وعن يساره ويكون التفاته في الثانية أوفي لما روى يحيى بن محمد بن صاعد بإسناده عن عمار [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر ] ورواه أبو بكر بإسناده عن ابن مسعود وقال عبد الله بن أحمد قال أبي : ثبت عندنا من غير وجه عن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خديه قال ابن عقيل : يبتدئء بقوله السلام عليكم إلى القبلة ثم يلتفت قائلا ورحمة الله عن يمينه ويساره لقول عائشة كان النبي صلى الله عليه و سلم يسلم تلقاء وجهه معناه ابتداء السلام ورحمة الله يكون في حال التفاته

فصلان : حذف السلام والجهر به
فصل : وقد روي عن أحمد رحمه الله أنه يجهر بالتسليمة الأولى وتكون الثانية أخفى من الأولى يعني بذلك في حق الإمام قال صالح بن علي : سئل أحمد أي التسليمتين أرفع ؟ قال : الأولى وفي لفظ قال : قال أبو عبد الله : التسليمة الأولى أرفع من الأخرى قال القاضي أبو الحسين واختار هذه الرواية أبو بكر الخلال و أبو حفص العكبري وحمل أحمد حديث عائشة أنه كان يسلم تسليمة واحدة على أنه كان يجهر بواحدة فتسمه منه والمعنى في ذلك أن الجهر في غير القراءة إنما شرع للإعلام بالإنتقال من ركن إلى ركن وقد حصل العلم بالجهر بالتسليمة الأولى فلا يشرع الجهر بغيرها وكان ابن حامد يخفي الأولى ويجهر بالثانية لئلا يسبقه المأمومون بالسلام
فصل : وقد روي أبو داود و الترمذي بإسنادهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : حذف السلام سنة قال ابن المبارك : معناه أن لا يمده مدا قال أحمد : هذا حديث حسن صحيح وهذا الذي يستحبه أهل العلم قال إبراهيم النخعي التكبير جزم السلام جزم وقد روي أن معنى هذا الحديث إخفاء التسليمة الثانية والصحيح الأول لأن الحذف إسقاط بعض الشيء والجزم قطع له فيتفق معناهما والإخفاء بخلافه ويختض ببعض السلام دون جملته قال أحمد بن أثرم : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : حف السلام سنة هو أن لا يطول بها صوته وطول أبو عبد الله صوته

فصل : هل ينوي بسلامه السلام على غيره أو الخروج من الصلاة ؟
فصل : وينوي بسلامه الخروج من الصلاة فإن لم ينو فقال ابن حامد تبطل صلاته وهو ظاهر نص الشافعي لأنه نطق في أحد طرفي الصلاة فاعتبرت له النية كالتكبير والمنصوص عن أحمد رحمه الله أنه لا تبطل صلاته وهو الصحيح لأن نية الصلاة قد شملت جميع الصلاة والسلام من جملتها ولأنه لو وجبت النية في السلام لوجب تعيينها كتكبيرة الإحرام ولأنها عبادة فلم تجب النية للخروج منها كسائر العبادات وقياس الطرف الأخير على الطرف الأول غير صحيح فإن النية اعتبرت في الطرف الأول لينسحب حكمها على بقية الأجزاء بخلاف الأخير ولذلك أفرق الطرفان في سائر العبادات قال : بعض أصحابنا ينوي بالتسليمتين معا الخروج من الصلاة فإن نوى مع ذلك الرد على الملكين وعلى من خلفه إن كان إماما أو على الإمام ومن معه إن كان مأموما فلا بأس نص عليه أحمد فقال : يسلم في الصلاة وينوي في سلامة الرد على الإمام لما روى مسلم [ عن جابر بن سمرة قال : كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فكنا إذا سلمنا السلام عليكم السلام عليكم فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده ] وفي لفظ [ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله ] وروى أبو داود قال : [ أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم أن نرد على الإمام وأن يسلم بعضنا على بعض ] وهذا يدل على أنه يسن أن ينوي بسلامه على من معه من المصلين وهو مذهب الشافعي و أبي حنيفة وقال أبو حفص بن المسلم من أصحابنا ينوي بالأولى الخروج من الصلاة وينوي بالثانية السلام على الحفظة والمأمومين إن كان إماما والرد على الإمام والحفظة إن كان مأموما وقال ابن حامد أن نوى ذلك في السلام مع نية الخروج من الصلاة فهل تبطل صلاته ؟ على وجهين والصحيح ما ذكرناه فإن أحمد رحمه الله قال في رواية يعقوب يسلم للصلاة وينوي في سلامه الرد على الإمام رواها أبو بكر الخلال في كتابه وقال في رواية إسحاق بن هاني إذا نوى بتسليمه الرد على الحفظة أجزأه وقال : أيضا ينوي بسلامه الخروج من الصلاة قيل له فإن نوى الملكين من خلفه ؟ قال : لا بأس والخروج من الصلاة نختار وقد ذكرنا من الحديث ما يدل على مشروعية ذلك والله أعلم

فصل : الدعاء والذكر عقيب الصلاة
فصل : ويستحب ذكر الله والدعاء عقيب سلامه ويستحب من ذلك ما ورد به الأثر مثل ما روى المغيرة قال : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ] متفقه عليه وقال ثوبان [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ] وقال الأوزاعي : يقول استغفر الله استغفر الله رواه مسلم وقال أبو هريرة : [ جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي يصومون كما نصوم ولهم فضل أموالهم يحجون بها ويعتمرون ويتصدقون فقال : ألا أحدثكم بحديث أن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم غلا من عمل مثله ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين فاختلفنا بيننا فقال بعضنا : نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين فرجعت إليه فقال : يقول سبحان الله والحمد والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثين ] قال في رواية أبي داود يقول هكذا ولا يقطعه سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإن عدل إلى غيره جاز لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم غيره رواه البخاري وروى مسلم و النسائي عن عبد الله بن الزبير أنه حدث على المنبر قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة والفضل والثناء الحسن الجميل لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ] وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يهلل بهن في دبر الصلاة و [ عن سعد أنه كان يعلم بنية هؤلاء الكلمات ويقول إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتعوذ بها دبر كل صلاة : اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من البخل وأعوذ بك من أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر ] من الصحاح قال ابن عباس : أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته رواه البخاري و مسلم

فصل : المكث بين التسليم والأنصراف بعد الصلاة
فصل : إذا كان مع الإمام رجال ونساء فالمستحب أن يثبت هو والرجال بقدر ما يرى أنهن قد انصرفن ويقمن هن عقيب تسليمه قالت أم سلمة أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم كن إذا سلم من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن صلى من الرجال ما شاء فإذا قام رسول الله صلى الله عليه و سلم قام الرجال قال الزهري فنرى والله أعلم يبعد من ينصرف من النساء رواه البخاري ولأن الخلال بذلك من أحدهما يفضي إلى أختلاط الرجال بالنساء فإن لم يكن معه نساء فلا يستحب له إطالة الجلوس لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ] رواه ابن ماجة وعن البراء قال : رمقت رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فجلسته بين التسليم للإنصراف قريبا من السواء فإن لم يقم فالمستحب أن ينحرف عن قبلته ولا يلبث مستقبل القبلة لأنه ربما أفضى به إلى الشك هل فرغ من صلاته أو لا وقد روى البخاري بإسناده عن سمرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى صلاة أقبل علينا وجهه وعن يزيد بن الأسود قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الفجر فلما سلم إنحرف وعن علي أنه صلى بقوم العصر ثم أسند ظهره إلى القبلة فاستقبل القوم وقال سعيد بن المسيب لأن يجلس الرجل على رضفة خير له من أن يجلس مستقبل القبلة حين يسلم ولا ينحرف وقال إبراهيم : إذا سلم الإمام ثم استقبل القبلة فاحصبوه قال الأثرم : رأيت أبا عبد الله إذا سلم يلتفت ويتركع وقال أبو داود : ورأيته إذا كان إماما فسلم انحرف عن يمينه وروى مسلم و أبو داود في السنن عن جابر بن سمرة قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا صلى الفجر يركع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء ولفظ مسلم مصلاه وسئل أحمد عن تفسير حديث النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يجلس بعد التسليم إلا قدر ما يقول : اللهم أنت السلام يعني في مقعده حتى ينحرف قال : لا أدري وروى الأثرم هذه الأحاديث التي ذكرناها
ويستحب للمأمومين أن لا يثبوا قبل الإمام لئلا يذكر سهوا فيسجد وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إني إمامكم فلا تبادروني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالإنصراف ] رواه مسلم و النسائي ولفظ مسلم فلا تسبقوني فإن خالف الإمام السنة في إطالة الجلوس مستقبل القبلة أو انحرف فلا بأس أن يقوم المأموم ويدعه
فصل : وينصرف حيث شاء عن يمين وشمال لقول ابن مسعود : لا يجعل أحدكم للشيطان حظا من صلاته يرى حقا عليه ألا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم كثيرا ما يصرف عن شماله رواه مسلم وعن قبيصة بن هلب عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فكان ينصرف عن شقيه رواهما أبو داود و ابن ماجة

فصل : انتقال الإمام من مكانه إذا أراد التطوع
فصل : قال أحمد : لا يتطوع الإمام في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة كذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أحمد : ومن صلى وراء الإمام فلا بأس أن يتطوع مكانه فعل ذلك أن عمر وبهذا قال إسحاق وروى أبو بكر حديث علي بإسناده وبإسناده عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يتطوع الإمام في مقامه الذي يصلي فيه الناس ]

مسألة : فروق صلاة المرأة
مسألة : قال : والرجل والمرأة في ذلك سواء إلا أن المرأة تجمع نفسها في الركوع والسجود وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها
الأصل أن يثبت في حق المرأة من أحكام الصلاة ما ثبت للرجال لأن الخطاب يشملها غير أنها خالفته في ترك التجافي لأنها عورة فاستحب لها جمع نفسها ليكون أستر لها فإنه لا يؤمن أن يبدو منها شيء حال التجافي وذلك في الافتراش قال أحمد : والسدل أعجب إلي واختاره الخلال قال علي كرم الله وجهه : إذا صلت المرأة فلتحتفز فخذيها وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة

مسألة : والمأموم إذا سمع قراءة الإمام
مسألة : قال : والمأموم إذا سمع قراءة الإمام فلا يقرأ بالحمد ولا بغيرها لقوله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } ولما روى أبو هريرة عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما لي أنازع القرآن ] قال : فانتهى الناس أن يقرأوا فيما جهر فيها النبي صلى الله عليه و سلم
وجملة ذلك أن المأموم إذا كان يسمع قراءة الإمام لم تجب عليه القراءة ولا تستحب عند إمامنا و الزهري و الثوري و مالك و ابن عيينة و ابن المبارك و إسحاق و أحد قولي الشافعي ونحوه عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير وجماعة من السلف والقول الآخر ل الشافعي يقرأ فيما جهر فيه الإمام ونحوه عن الليث و الأوزاعي و ابن عون و مكحول و أبي ثور لعموم قوله عليه السلام : [ لا صلاة لمن لم يقرأ الفاتحة ] متفق عليه و [ عن عبادة بن الصامت قال : كنا خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم في صلاة الفجر فقرأ فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال : لعلكم تقرأون خلف إمامكم ؟ قلنا نعم يا رسول الله قال : لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ] رواه الأثرم و أبو داود وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من صلى لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج غير تمام ] قال فقلت يا أبا هريرة أني أكون أحيانا وراء الإمام قال : فغمز ذراعي وقال قرأ بها في نفسك يا فارسي رواه مسلم و أبو داود ولأنه ركن في الصلاة فلم يسقط عن المأموم كالركوع ولأن من لزمه القيام لزمته القراءة مع القدرة كالإمام والمنفرد
ولنا : قول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } قال أحمد فالناس على أن هذا في الصلاة وعن سعيد بن المسيب و الحسن و إبراهيم و محمد بن كعب و الزهري أنها نزلت في شأن الصلاة وقال زيد بن أسلم و أبو العالية كانوا يقرأون خلف الإمام فنزلت : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } وقال أحمد في رواية أبي داود : أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة ولأنه عام فيتناول بعمومه الصلاة وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا ] رواه مسلم والحديث الذي رواه الخرقي رواه مالك عن ابن شهاب عن زاكية الليثي [ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم انصرف من صلاة فقال : هل قرأ معي أحد منكم ؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله قال : ما لي أنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما جهر فيها من الصلوات حين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ] أخرجه مالك في الموطأ و أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن ورواه الدارقطني بلفظ آخر قال : [ صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة فلما قضاها قال : هل قرأ أحد منكم بشيء من القرآن فقال رجل من القوم : أنا يا رسول الله فقال : ما لي أقول ما لي أنازع القرآن إذا أسررت بقراءتي فاقرأوا وإذا جهرت بقراءتي معي أحد ] وأيضا فإنه إجماع قال أحمد ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ وقال هذا النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه والتابعون وهذا مالك في أهل الحجاز وهذا الثوري في اهل العراق وهذا الأوزاعي في أهل الشام وهذا الليث في أهل مصر ما قولوا لرجل صلى وقرأ إمامه ولم يقرأ هو صلاته باطلة ولأنها قراءة لا تجب على المسبوق فلم تجب على غيره كالسورة فأما حديث عبادة الصحيح فهو محمول على غير المأموم وكذلك حديث أبي هريرة وقد جاء مصرحا به رواه الخلال بإسناده عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج إلا أن تكون وراء الإمام ] وقد روي أيضا موقوفا عن جابر وقول أبي هريرة اقرأ بها في نفسك من كلامه وقد خالفه جابر وابن الزبير وغيرهما ثم يحتمل أنه أراد اقرأ بها في سكتات الإمام أو في حال إسراره فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قرأ الإمام فانصتوا ] والحديث الآخر وحديث عبادة الآخر فلم يروه غير ابن إسحاق كذلك قاله الإمام أحمد وقد رواه أبو داود عن مكحول عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري وهو أدنى حالا من ابن إسحاق فإنه غير معروف من أهل الحديث وقياسهم يبطل بالمسبوق

فصل : إعادة قراءة السورة تبدأ في الركعة الثانية
فصل : قال أبو داود ل أحمد رحمه الله فإنه يعني المأموم قرأ بفاتحة الكتاب ثم سمع قراءة الإمام قال : يقطع إذا سمع قراءة الإمام وينصت للقراءة وإنما قال ذلك إتباعا لقول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ وإذا قرأ فأنصتوا ]

فصل : الأستفتاح الإستعاذة في حق المأموم
فصل : وهل بيستفتح المأموم ويستعيذ ؟ ينظر إن كان في حقه قراءة مسنونة وهو في الصلوات التي يسر فيها الإمام أو التي له فيها سكتات يمكن فيها القراءة استفتح المأموم واستعاذ وإن لم يسكت أصلا فلا يستفتح ولا يستعيذ وإن سكت قدرا يتسع للإفتتاح فحسب استفتح ولم يستعذ قال ابن منصور قلت ل أحمد سئل سفيان أيستعيذ الإنسان خلف الإمام ؟ قال إنما يستعيذ من يقرأ قال أحمد صدق وقال أحمد أيضا : إن كان ممن يقرأ خلف الإمام قال الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وذكر بعض أصحابنا أنه فيها رواية أخرى أنه يستفتح ويستعيذ في حال جهر الإمام لأن سماعه لقراءة الإمام قام قراءته بخلاف الاستفتاح والإستعاذة والصحيح ما ذكرناه
مسألة : قال : الأستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه
هذا قول أكثر أهل العلم كان ابن مسعود وابن عمر وهشام بن عامر يقرأون وراء الإمام فيما أسر به وقال ابن الزبير إذا جهر فلا تقرأ وإذا خافت فاقرأ وروي معنى ذلك عن سعيد ين المسيب وسعيد بن جبير والحسن و القاسم بن محمد و نافع بن جبير و الحكم و الزهري وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا دخل في الصلاة وإذا قال ولا الضالين وقال عروة بن الزبير أما أنا فأغتنم من الإمام اثنتين إذا قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فاقرأ وحين يختم السورة فاقرأ قبل أن يركع وقال الثوري و ابن عيينة و أبو حنيفة لا يقرأ المأموم بحال لما ذكرنا في المسألة التي قبل هذه
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإذا أسررت بقراءتي فاقرأوا ] رواه الترمذي و الدارقطني و لأن عموم الأخبار يقتضي القراءة في حق كل مصل فخصصناها بما ذكرناها من الأدلة وهي مختصة بحالة الجهر وفيما عداه يبقى على العموم وتخصيص حالة الجهر بإمتناع الناس من القراءة فيها تدل على أنها كانوا يقرأون في غيرها قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الإمام يقرأ وهو لا يسمع : يقرأ قيل له أليس قد قال الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } فقال هذا إلى أي شيء يستمع ؟ ويسن له قراءة السورة مع الفاتحة في مواضعها

مسألة وفصلان : القراءة خلف الإمام
مسألة : قال : فإن لم يفعل فصلاته تامة لأن من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة
وجملة ذلك أن القراءة غير واجبة على المأموم فيما جهر به الإمام ولا فيما أسر به نص عليه أحمد في رواية الجماعة وبذلك قال الزهري و الثوري و ابن عيينة و مالك و أبو حنيفة و إسحاق وقال الشافعي و داود يجب لعموم قوله عليه السلام : [ لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب ] غير أنه خص في حال الجهر بالأمر بالإنصات ففيما عداه يبقى على العموم
ولنا : ما روى الإمام أحمد عن وكيع عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة ] ورواه الخلال بإسناده عن شعبة عن موسى مطولا وأخبرنا أبو الفتح بن البطي في حديث ابن البحتري بإسناده عن منصور عن موسى عن عبد الله بن شداد قال كان رجل يقرأ خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل رجل يومئ إليه أن لا يقرأ فأبىإلا أن يقرأ فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له الرجل ما لك تقرأ خلف الإمام ؟ فقال ما لك تنهاني أن أقرأ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا كان لك إمام يقرأ فإن قراءته لك قراءة ] وقد ذكرنا حديث جابر [ إلا وراء الإمام ] وروى الخلال و الدارقطني عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ يكفيك قراءة الإمام خافت أو جهر ] ولأن القراءة لو كانت واجبة عليه لم تسقط كبقية أركانها
فصل : إذا قرأ بعض الفاتحة في سكتة الإمام ثم قرأ الإمام فأنصت له ثم قرأ بقية الفاتحة في السكتة الثانية فظاهر كلام أحمد أن ذلك حسن ولا تنقطع القراءة بسكوته لأن سكوت مأمور به فلا يكون مبطلا كقراءته ولأنه لو أبطلها لم يستفد فائدة فإنه لا يقرأ في الثانية زيادة على ما قرأه في الأولى
فصل : فإن لم يسمعه لبعد قرأ نص عليه قال الأثرم : قيل ل أبي عبد الله رحمه الله فيوم الجمعة قال إذا لم يسمع قراءة الإمام ونغمته قرأ فإذا سمع فلينصت قيل له فالأطرش قال : لا أدري فيحتمل أن يشرع في حقه القراءة لأنه لا يسمع فلا يجب عليه الإنصات كالبعيد ويحتمل أن لا يقرأ كيلا يخلط على الإمام فإن سمع همهمته ولم يفهم فقال في رواية الجماعة لا يقرأ ونقل عنه أ ه يقرأ إذا سمع الحرف بعد الحرف

مسألة وفصلان : الجهر والأسرار في القراءة في الظهر والعصر والمغرب والعشاء للإمام والمأموم
مسألة : قال : ويسر القراءة في الظهر والعصر ويجهر بها في الأولين من المغرب والعشاء وفي الصبح كلها
الجهر في مواضع الجهر والإسرار في مواضع الإسرار لا خلاف في استحبابه والأصل فيه فعل النبي صلى الله عليه و سلم وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف فإن جهر في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر ترك السنة وصحت صلاته إلا أنه أن نسي فجهر في موضع الإسرار ثم ذكر في أثناء القراءة بنى على قراءته وإن أسر في موضع الجهر ففيه روايتان إحدهما يمضي في قراءته والثانية يعود في قراءته على طريق الاختيار لا على طريق الوجوب إنما لم يعد إذا جهر لأنه أتى بزيادة وإن خافت في موضع الجهر أعاد لأنه أخل بصفة مستحبة في القراءة يمكنه أن يأتي بها وفوت على المأمومين سماع القراءة
فصل : وهذا الجهر مشروع للإمام ولا يشرع للمأموم بغير اختلاف وذلك لأن المأموم مأمور بالإنصات للإمام والاستماع له بل قد منع من القراءة لأجل ذلك وأما المنفرد فظاهر كلام أحمد أنه يخير وكذلك من فاته بعض الصلاة فقام ليقضيه قال الأثرم قلت ل أبي عبد الله : رجل فاتته ركعة مع الإمام من المغرب أو العشاء فقال ليقضي أيجهر أو يخافت ؟ قال أن شاء جهر وإن شاء خافت ثم قال إنما الجهر للجماعة وكذلك قال طاوس فيمن فاتته بعض الصلاة وهو قول الأوزاعي ولا فرق بين القضاء والأداء وقال الشافعي يسن للمنفرد الجهر لأنه غير مأمور بالإنصات إلى أحد أشبه الإمام ولنا أنه لا يحتمل القراءة عن غيره فأشبه المأموم في سكتات الإمام ويفارق الإمام فإنه يقصد إسماع المأمومين ويتحمل القراءة عنهم وإلى هذا أشار أحمد في قوله إنما الجهر للجماعة
فصل : فأما إن قضى الصلاة في جماعة فإن كانت صلاة نهار فقضاها بليل أسر لأنها صلاة نهار فسن فيها الإسرار كما لو قضاها بنهار ولا أعلم في هذا خلافا فإن كانت الفائتة صلاة جهر فقضاها في ليل جهر فغي ظاهر كلام أحمد وإن قضاها في نهار فقال أحمد إن شاء لم يجهر فيحتمل الإسرار وهو مذهب الأوزاعي و الشافعي لأن صلاة النهاء عجماء وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر ] رواه أبو حفص بإسناده وهذه قد صارت صلاة نهار ولأنها صلاة مفعولة بالنهار فأشبه الأداء فيها ويحتمل أن يجهر فيها ليكون القضاء على وفق الأداء وهو قول أبي حنيفة و أبي ثور و ابن المنذر ولا فرق عند هؤلاء بين المنفرد والإمام

مسألتان وفصلان : مقدار القراءة بعد الفاتحة
مسألة : قال : ويقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي الظهر في الركعة الأولى بنحو الثلاثين آية وفي الثانية بأيسر من ذلك وفي العصر على النصف من ذلك وفي المغرب بسور آخر المفصل وفي العشاء الآخرة بو الشمس وضحاها وما أشبهها
وجملة ذلك إن قراءة السورة بعد الفاتحة مسنون ويستحب أن يكون على الصفة التي بين الخرقي اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم وإتباعا لسنته ففي حديث أبي برزة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المائة متفق عليه وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد ونحوها فكانت صلاته بعد إلى التخفيف وقال قطعة بن مالك سمعت رسو الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في الفجر { والنخل باسقات } رواهما مسلم وروى النسائي أنه قرأ فيها الروم وروى ابن ماجة عن عبد الله بن السائب قال : قرا النبي صلى الله عليه و سلم في صلاة الصبح بالمؤمنين فلما أتى على عيسى أصابته شرقة فركع وروى أبو داود و ابن ماجة عن عمرو بن حريث قال : كأني أسمع صوت النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في صلاة الغداة { فلا أقسم بالخنس * الجوار } فأما صلاة الظهر فروى مسلم و أبو داود و ابن ماجة عن أبي سعيد - يعني الخدري - رضي الله عنه قال : اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا تعالى حتى نقيس قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما لم يجهر فيه من الصلاة فما اختلف منهم رجلان فقاسوا قراءته في الركعة الأولى من الظهر بقدر ثلاثين آية وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك وقاسوا ذلك في العصر على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر هذا لفظ ابن ماجة ولفظ أبي داود حزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية قدر { الم * تنزيل } السجدة وحزرنا قيامه في الأخريين على النصف من ذلك وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر وحزرنا قيامه في الأخريين من العصر على النصف من ذلك ولفظ مسلم كذلك ولم يقل قدر { الم * تنزيل } وقال والآخرتين من العصر على قدر ذلك وعن جابر بن سمرة قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح أطول من ذلك وفي حديث كان يقرأ في الظهر بـ { سبح اسم ربك الأعلى } وفي الصبح أطول من ذلك أخرجهما مسلم وروى أبو داود عن جابر بن سمرة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في الظهر والعصر { والسماء ذات البروج } { والسماء والطارق } و شبههما فأما المغرب والعشاء فروى ابن ماجة عن ابن عمر قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } و [ عن البراء أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون في السفر ] متفق عليه روى مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أفتان أنت يا معاذ ؟ يكفيك أن تقرأ بالشمس وضحاها والضحى والليل إذا سجى وسبح إسم ربك الأعلى ] وكتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل واقرأ في الظهر بأواسط المفصل واقرأ في المغرب بقصار المفصل رواه أبو حفص بإسناده
مسألة : قال : ومهما قرأ به بعد أم الكتاب في ذلك كله أجزأه
قد ذكرنا أن قراءة السورة غير واجبة فالتقدير أولى أن لا يجب والأمر في هذا واسع قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه أنهم قرأوا بأقل من ذلك وأكثر فقلت أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في المغرب بالمرسلات وقرأ فيها بالتين والزيتون وعن جبير بن مطعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب بالطور متفق عليه وقرأ فيها بالأعراف رواه زيد بن ثابت وأخرجه أبو داود وعن رجل من جهينة أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في الصبح { إذا زلزلت } في الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه و سلم أم قرا ذلك عمدا رواه أبو داود وعنه أنه قرأ في الصبح بالمعوذتين وكان عليه السلام يطيل تارة ويقصر أخرى بحسب الأحوال وقد روينا أنه قال عليه السلام : [ إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأخفف مخافة أن أشق على أمه ]
فصل : ويستحب أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة ليلحقه القاصد للصلاة وقال الشافعي يكون الأوليان متساويين لحديث أبي سعيد حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه و سلم في الركعتين الأوليين من الظهر قدر الثلاثين آية ولأن الأخريين يتساويان فكذلك الأوليان ووافقنا أبو حنيفة في الصبح ووافق الشافعي في بقية الصلوات
ولنا : [ ما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانا وكان يقرأ في العصر في الركعتين بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية ] متفق عليه وروى أبو داود هذ الحديث وفيه قال فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى وعن عبد الله بن أبي أوفي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدمه وحديث أبي سعيد قد رواه ابن ماجة وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك وهذا أولى لأنه يوافق الأحاديث الصحيحة ثم لو قدرنا التعارض كان تقديم حديث أبي قتادة أولى لأنه أصح ويتضمن زيادة وهي ضبط التفريق بين الركعتين قال أحمد رحمه الله في الإمام يطول في الثانية يعني أكثر من الأولى يقال له في هذا تعلم وقال أيضا في الإمام يقصر في الأولى ويطول في الآخرة لا ينبغي هذا يقال له ويؤمر
فصل : قال في رواية أبي طالب و إسحاق بن إبراهيم لا بأس بالسورة في ركعتين وذلك لما روى زيد ين ثابت أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في المغرب في الركعتين بالأعراف وروى الخلال بإسناده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقسم البقرة في الركعتين وبإسناده عن الزهري قال أخبرني أنس قال : صلى بنا أبو بكر رضي الله عنه صلاة الفجر فافتتح سورة البقرة فقرأ بها في ركعتين فلما سلم قام إليه عمر فقال ما كدت تفرغ حتى تطلع الشمس قال لو طلعت لألفتنا غير غافلين وقد قرأ النبي صلى الله عليه و سلم بسورة المؤمنين فلما أتى على ذكر عيسى أخذته شرقة فركع ولا بأس أيضا بقراءة بعض السورة في الركعة لما روينا من الأحاديث وهي تتضمن ذلك وقد نص عليه أحمد واحتج بما رواه بإسناده عن ابن أبزي قال صليت خلف عمر فقرأ سورة يوسف حتى إذا بلغ { وابيضت عيناه من الحزن } وقع عله البكاء فركع ثم قرأ سورة النجم فسجد فيها ثم قام فقرأ { إذا زلزلت } ولأنه إذا جاز أن يقتصر على قراءة آية من السورة فهي بعض السورة

فصل : إعادة قراءة السورة نفسها في الركعة الثانية
فصل : وسئل أحمد عن الرجل يقرأ في الركعة بسورة ثم يقوم فيقرأ بها في الركعة الأخرى فقال وما بأس بذلك وقد روى النجاد بإسناده عن أبي الحويرث أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بالمغرب فقرأ بأم الكتاب وقرأ معها { إذا زلزلت } ثم قام فقرأ في الثانية بأم القرآن وقرأ { إذا زلزلت } أيضا ورواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد رويتا من حديث البخاري أن رجلا كان يقرأ في كل ركعة { قل هو الله أحد } فرفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأقره عليه

فصل : القراءة على التأليف حسب ترتيب المصحف
فصل : قال حرب قلت ل أحمد فالرجل يقرأ على التأليف اليوم سورة وغدا التي تليها ونحوه قال ليس في هذا شيء إلا أنه روي عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحده وقد روي عن أنس قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم يقرأون القرآن من أوله إلى آخره في الفرائض إلا أن أحمد قال هذا حديث منكر وقال مهنا سألت أحمد عن الرجل يقرأ في الصلاة حيث ينتهي جزؤه قال لا بأس به في الفرائض

فصل : القراءة في الصلاة وهو ينظر في المصحف في التطوع
فصل : قال أحمد لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف قيل له في الفريضة قال : لا لم أسمع فيه شيئا وقال القاضي يكره في الفرض ولا بأس به في التطوع إذا لم يحفظ فإن كان حافظا كره أيضا قال وقد سئل أحمد عن الأمامة في المصحف في رمضان فقال : إذا اضطروا إلى ذلك نقله علي بن سعيد و صالح و ابن منصور وحكي عن ابن حامد أن النفل والفرض في الجواز سواء وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة به إذا لم يكن حافظا لأنه عمل طويل وقد روى أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف بإسناده عن ابن عباس قال : نهانا أمير المؤمنين أن نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا إلا محتلم وروي عن ابن المسيب و الحسن و مجاهد و إبراهيم و سليمان بن حنظلة و الربيع كراهة ذلك وعن سعيد و الحسن قالا تردد ما معك من القرآن ولا تقرأ في المصحف والدليل على جوازه ما روى أبو بكر الأثرم و ابن أبي داود بإسنادهما عن عائشة أنها كانت يؤمها عبد لها في المصحف وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال : كان خيارنا يقرأون في المصاحف وروي ذلك عن عطاء و يحيى الأنصاري وعن الحسن و محمد في التطوع ولأن ما جاز قراءته ظاهرا جاز نظيرا كالحافظ ولا نسلم أن ذلك يحتاج إلى عمل طويل وإن كان كثيرا فهو متصل واختصت الكراهة بمن يحفظ لأنه يشتغل بذلك عن الخشوع في الصلاة والنظر إلى موضع السجود لغير حاجة وكره في الفرض على الإطلاق لأن العادة أنه لا يحتاج إلى ذلك فيها وابيحت في غير هذين الموضعين لموضع الحاجة إلى سماع القرآن والقيام به والله أعلم

مسألة : القراءة في الركعتين الثالثة والرابعة
مسألة : قال : ولا يزيد على قراءة أم الكتاب في الأخريين من الظهر والعصر وعشاء الآخرة والركعة الأخيرة من المغرب
وجملة ذلك أنه لا تسن زيادة القراءة على أم الكتاب في الركعتين غير الأوليين قال ابن سيرين لا أعلمهم يختلفون أنه يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب وروي ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء وجابر وأبي هريرة وعائشة رواه إسماعيل بن سعيد الشالنجي عنهم بإسناده إلا حديث جابر رواه أحمد وهو قول مالك و أبي حنيفة واختلف قول الشافعي فمرة قال كذلك ومرة قال : يقرأ بسورة مع الفاتحة في كل ركعة وروي ذلك عن ابن عمر لما روى الصنابحي قال : صليت خلف أبي بكر الصديق المغرب فدنوت منه حتى إن ثيابي تكاد تلمس ثيابه فقرأ في الركعة الأخيرة بأم الكتاب وهذه الآية { ربنا لا تزغ قلوبنا }
ولنا : حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الظهر في الركعتين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية وكتب عمر إلى شريح أن اقرأ في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورة وفي الأخريين بأم الكتاب وما فعله الصديق رحمه الله إنما قصد به الدعاء لا القراءة ليكون موافقا لفعل النبي صلى الله عليه و سلم وبقية أصحابه ولو قدر أنه قصد بذلك القراءة فليس بموجب ترك حديث النبي صلى الله عليه و سلم وفعله ثم قد ذكرنا مذهب عمر وغيره من الصحابة بخلاف هذا فأما أن دعا إنسان في الركعة الآخرة بآية من القرآن مثل ما فعل الصديق فقد روي عن أحمد أنه سئل ذلك فقال : إن شاء قاله ولا ندري أكان ذلك قراءة من أبي بكر أو دعاء فهذا يدل على أنه لا بأس بذلك لأنه دعاء في الصلاة فلم يكره كالدعاء في التشهد

مسألة وفصول : ستر العورة في الصلاة وحد عوره الرجل
مسألة : قال : ومن كان من الرجال وعليه ما يستر ما بين سرته وركبتيه اجزأه ذلك
وجملة ذلك أن ستر العورة عن النظر بما لا يصف البشرة واجب وشرط لصحة الصلاة وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب مالك سترها واجب وليس بشرط لصحة الصلاة وقال بعضهم هي شرط مع الذكر دون السهو احتجوا على أنها ليست شرطا بأن وجوبها لا يختص بالصلاة فلم يكن شرطا كإجتناب الصلاة في الدار المغصوبة
ولنا : ما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن و [ قال سلمة بن الأكوع : قلت يا رسول الله أني أكون في الصيف فأصلي في القميص الواحد قال : نعم وأزرره ولو بشوكة ] حديث حسن وما ذكروه ينتقض بالإيمان والطهارة فإنها تجب لمس المصحف والمسألة ممنوعة قال ابن عبد البر احتج من قال : الستر من فرائض الصلاة بالإجماع على إفساد من ترك وهو قادر على الأستتار به وصلى عريانا قال وهذا أجمعوا عليه كلهم إذا ثبت هذا فالكلام في حد العورة والصالح في المذهب أنها من الرجل ما بين السرة والركبة نص عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول مالك و الشافعي و أبي حنيفة و أكثر الفقهاء وفيه رواية أخرى أنها الفرجان قال مهنا سألت أحمد ما العورة ؟ قال الفرج والدبر وهذا قول ابن أبي ذئب و داود لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم : يوم خيبر حسر الأزار عن فخذه حتى أني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه و سلم رواه البخاري وقال حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط وروت عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته كاشفا عن فخذه فاستأذن ابو بكر فأذن له وهو على ذلك ثم استأذن عمر فأذن له وهو على ذلك وهذا يدل على أنه ليس بعورة ولأنه ليس بمخرج للحدث فلم يكن عورة كالساق ووجه الرواية الأولى ما روى الخلال بإسناده والإمام أحمد في مسنده [ عن جرهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رآه وقد كشف عن فخذه فقال غط فخذك فإن الفخذ من العورة ] وروى الدارقطني [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي كرم الله وجهه لا تكشف فخذك ولا تنظر فخذ حي ولا ميت ] وهذا صريح في الدلالة فكان أولى وروى أبو بكر بإسناده عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة ] وروى الدارقطني بإسناده عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجبره فلا ينظر إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة ] وفي لفظ [ ما بين سرته وركبته من عورته ] وهذا نص والحر والعبد في هذا سواء لتناول النص لهما جميعا
فصل : وليست سرته وركبتاه من عورته نص عليه أحمد في مواضع وهذا قال به مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة الركبة من العورة لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الركبة من العورة ]
ولنا : ما تقدم من حديث أبي أيوب وعمرو بن شعيب ولأن الركبة حد فلم تكن من العورة كالسرة وحديثهم يرويه أبو الجنوب لا يثبته أهل النقل وقد قبل أبو هريرة سرة الحسن ولو كانت عورة لم يفعلا ذلك
فصل : والواجب الستر بما يستر لون البشرة فإن كان خفيفا يبين لون الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه لأن الستر لا يحصل بذلك وأن كان يستر لونها ويصف الخلقة جازت الصلاة لأن هذا لا يمكن التحرز منه وإن كان الساتر صفيقا
فصل : فإن انكشف من العورة يسير لم تبطل صلاته نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي تبطل لأنه حكم تعلق بالعورة فاستوى قليله وكثيره كالنظرة
ولنا : ما روى أبو داود بإسناده عن أيوب [ عن عمرو بن سلمة قال انطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في نفر من قومه فعلمهم الصلاة وقال : يؤمكم اقرؤكم فكنت اقرأهم فقدموني فكنت اؤمهم وعلي بردة لي صفراء صغيرة وكنت إذا سجدت انكشفت عني فقالت امرأة من النساء واروا عنا عورة قارئكم فاشتروا لي قيمصا عمانيا فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به ] رواه أبو داود و النسائي أيضا عن عاصم الأحول عن عمرو بن سلمة قال فكنت اؤمهم في بردة موصولة فيها فتق فكنت إذا سجدت فيها جرجت أستي وهذا ينتشر ولم ينكر ولا بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم أنكره ولأن ما صحت الصلاة مع كثيره حال العذر فرق بين قليله وكثيره في غير حال العذر كالمشي ولأن الاحتراز من اليسير يشق فعفي عنه كيسير الدم إذا ثبت هذا فإن حد الكثير ما فحش في النظر ولا فرق في ذلك بين الفرجين وغيرهما واليسير ما لا يفحش والمرجع في ذلك إلى العادة وقال أبو حنيفة إن انكشف من المغلظة قدر الدرهم أو من المخففة أقل من ربعها لم تبطل وإن كان أكثر بطلت
ولنا : أن هذا شيء لم يرد الشرع بتقديره فرجع فيه إلى العرف كالكثير من العمل في الصلاة والتفرق والأحتراز والتقدير بالتحكم من غير دليل لا يسوغ

مسألة وفصول : ستر المنكبين في الصلاة
فصل : فإن انكشفت عورته عن غير عمد فسترها في الحال من غير تطاول الزمان لم تبطل لأنه يسير من الزمان أشبه اليسير في القدر وقال التميمي إن بدت عورته وقتا واستترت وقتا فلا إعادة عليه لحديث عمر بن سلمة ولم يشترط اليسير ولا بد من اشتراطه لأن الكثير بفحش إنكشاف العورة فيه ويمكن التحرز منه فلم يعف عنه كالكثير من القدر
مسألة : قال : إذا كان على عاتقه شيء من اللباس
وجملة ذلك أنه يجب أن يضع المصلي على عاتقه شيئا من اللباس إن كان قادرا على ذلك وهو قول ابن المنذر وحكي عن أبي جعفر أن الصلاة لا تجزئ من لم يخمر منكبيه وقال أكثر الفقهاء لا يجب ذلك ولا يشترط لصحة الصلاة وبه قال مالك و الشافعي وأصاحب الرأي لأنهما ليسا بعورة فأشبها بقية البدن
ولنا ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ] رواه البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة وغيرهم وهذا نهي يقتضي التحريم ويقدم على القياس وروى أبو دواد عن بريدة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصلي في لحاف ولا يتوشح به ويشترط ذلك لصحة الصلاة في ظاهر المذهب قال القاضي وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه ليس بشرط وأخذه من رواية مثنى عن أحمد فيمن صلى وعليه سراويل وثوبه على إحدى عاتقية والأخرى مكشوفة : يكره قيل له يؤمر أن يعيد ؟ فلم ير عليه إعادة وهذا يحتمل أنه لم ير عليه الإعادة لستره بعض المنكبين فاحتزئ بستر إحدى العاتقين عن ستر الآخر لإمتثاله للفظ الخبر - ووجه اشتراط ذلك أنه منهي عن الصلاة مع كشف المنكبين والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ولأنها سترة واجبة في الصلاة فالإخلال بها يفسدها كسترة العورة
فصل : ولا يجب ستر المنكبين جميعهما بل يجزئ ستر بعضهما ويجزئ سترهما بثوب خفيف يصف لون البشرة لأن وجوب سترهما بالحديث ولفظه [ لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ] وهذا يقع على ما يعم المنكبين وما لا يعمهما وقد ذكرنا نص أحمد فيمن إحدى منكبيه مكشوفة فلم يوجب عليه الإعادة فإن طرح على كتفه حبلا أو نحوه فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجزئه لقوله شيئا من اللباس وهذا لا يسمى لباسا وهو قول القاضي وقال بعض أصحابنا يجزئه لأن هذا شيئ فيكون الحديث متناولا له وقد روي عن جابر أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به كأني أنظر إليه كان على عاتقه ذنب فأرة وعنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا لم يجد أحدهم ثوبا ألقى على عاتقه عقالا وصلى والصحيح أنه لا يجزئه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه على عاتقه ] من الصحاح ورواه أبو داود لأن الأمر بوضعه على العاتقين للستر ولا يحصل ذلك بوضع خيط ولا يسمى سترة وما روي عن جابر لا يعلم صحته وما روي عن الصحابة إن صح عنهم فلعدم ما سواه والله أعلم
فصل : ولم يفرق الخرقي بين الفرض والنفل لأن الحديث عام في كل مصل ولأن ما اشترط للفرض اشترط للنفل كالطهارة ونص أحمد أنه يجزئه في التطوع فإنه قال في رواية حنبل يجزئه أن يأتزر بالثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء في التطوع لأن النافلة مبناها على التخفيف ولذلك يسامح فيها بهذا المقدار واستدل أبو بكر على ذلك بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا كان الثوب ضيقا فاشدده على حقوك ] قال هذا في التطوع وحديث أبي هريرة في الفرض

مسألة وفصلان : الصلاة في ثوب واحد
مسألة : قال : ومن كان عليه ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك
وجملة ذلك أن الكلام في اللباس في أربعة فصول الفصل الأول فيما يجزئ والثاني في الفضيلة والثالث فيما يكره والرابع فيما يحرم
فصل : أما الأول : فإن يجزئ ثوب واحد يستر عورته وبعضه أو غيره على عاتقه لما روى عمرو بن سلمة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه على عاتقه متفق عليه وعن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإذا كان ضيقا فائتزر به ] رواه البخاري وغيره وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الصلاة في ثوب واحد فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أولكلكم ثوبان ؟ ] رواه مسلم و مالك في موطئه وصلى جابر في قميص ليس عليه رداء فلما انصرف قال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي في قميص رواهما أبو داود
الفصل الثاني في الفضيلة : وهو أن يصلي في ثوبين أو أكثر فإنه إذا أبلغ في الستر يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال إذا أوسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار وبرد أو في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل ورداء في سراويل وقميص في سراويل وقباء في تبان وقميص وروى أبو داود عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أوقال : قال عمر : إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود قال التميمي الثوب الواحد يجزئ والثوبان أحسن والأربع أكمل : قميص وسراويل وعمامة وإزار وروى ابن عبد البر عن عمر أنه رأى نافعا يصلي في ثوب واحد قال ألم تكتس ثوبين ؟ قلت بلى قال : فلو أرسلت في الدار أكنت تذهب في ثوب واحد ؟ قلت لا قال : فالله أحق أن يزين له أو الناس ؟ قلت بل الله وقال القاضي ذلك في الإمام آكد منه في غيره لأه بين يدي المأمومين وتتعلق صلاتهم بصلاته فإن لم يكن إلا ثوب واحد فالقميص لأنه أعم في الستر فإنه يستر جميع الجسد إلا الرأس والرجلين ثم الرداء لأنه يليه في الستر ثم المئزر ثم السراويل ولا يجزئ من ذلك كله إلا ما ستر العورة عن غيره وعن نفسه فلو صلى في قميص واسع الجيب بحيث لو ركع أو سجد رأى عورته أو كانت بحيث يراها لم تصح صلاته ودل على ذلك [ حديث سلمة بن الأكوع أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم أصلي في القميص الواحد ؟ قال : نعم وازرره ولو بشوكة ] قال الأثرم سئل أحمد عن الرجل يصلي في القميص الواحد غير مزرور عليه قال ينبغي أن يزره قيل له فإن كانت لحيته تغطية ولم يكن متسع الجيب ؟ قال إن كان يسيرا فجائز فعلى هذا متى ظهرت عورته له أو لغيره فسدت صلاته فإن لم تظهر لكون جيب القميص ضيقا أو شد وسطه بمئزر أو حبل فوق الثوب أو كان ذا لحية تسد الجيب فتمنع الرؤية أو شد إزاره أو ألقى على جيبه رداء أو خرقه فاستترت عورته به أجزأه ذلك وهذا مذهب الشافعي

فصول : ما يكره من هيئات الملابس في الصلاة
الفصل الثالث فيما يكره : يكره اشتمال الصماء لما روى البخاري عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن لبستين اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شيء واختلف في تفسير اشتمال الصماء فقال بعض أصحابنا هو أن يضطبع بالثوب ليس عليه غيره ومعنى الاضطباع أن يضع وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على منكبه الأيسر ويبقى منكبه الأمين مكشوفا وروي حنبل عن أحمد في اشتمال الصماء أن يضطبع الرجل بالثوب ولا إزار عليه فيبد شقه وعورته أما إن كان إزار فتلك لبسة المحرم فلو كان لا يجزئه لم يفعله النبي صلى الله عليه و سلم وروى أبو بكر عن ابن مسعود قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يلبس الرجل ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه على منكبه فيدعى تلك الصماء وقال بعض أصحاب الشافعي هو أن يلتحف بالثوب ثم يخرج يديه من قبل صدره وقال أبو عبيد اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه يجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبا يخرج منه يده كأنه يذهب به إلى أنه لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه فلا يقدر عليه وتفسير الفقهاء أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه والفقهاء أعلم بالتأويل فعلى هذا التفسير يكون النهي للتحريم وتفسد الصلاة معه - ويكره السدل وهو أن يلقي طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى ولا يضم الطرفين بيديه وكره السدل ابن مسعود و النخعي و الثوري و الشافعي و مجاهد و عطاء وعن جابر وابن عمر الرخصة فيه وعن مكحول و الزهري و عبيد الله بن الحسن بن الحسين أنهم فعلوه وعن الحسن و ابن سيرين أنهما كانا يسدلان فوق قميصهما قال ابن المنذر لا أعلم فيه حديثا يثبت وقد روي [ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه ] رواه أبو داود من طريق عطاء ثم روي عن ابن جريج أنه قال أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلا - ويكره اسبال القمص والأزر والسراويلات على وجه الخيلاء لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ] متفق عليه وروى أبو داود [ عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله جل ذكره في حل ولا حرام ] - ويكره أن يغطي الرجل وجهه أو فمه لما ذكرنا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يغطي الرجل فاه وهل يكره التلثم على الأنف ؟ على روايتين إحداهما يكره لأن ابن عمر كرهه والأخرى لا يكره لأن تخصيص الفم بالنهي عن تغطيته تدل على إباحة تغطية غيره
وتكره الصلاة في الثوب المزعفر للرجل وكذلك المعصفر لأن البخاري و مسلما رويا أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى الرجال عن التزعفر وروى مسلم عن علي رضي الله عنه قال : نهاني النبي صلى الله عليه و سلم عن لباس المعصفر و [ قال عبد الله بن عمر رأى النبي صلى الله عليه و سلم علي ثوبين معصفرين فقال : إن هذا من ثياب الكفار فلا تلبسهما ] وروى أبو بكر بإسناده عن عمران بن الحصين أن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر ] فأما شد الوسط في الصلاة فإن كان بمنطقة أو مئزر أو ثوب أو شد قباء فلا يكره رواية واحدة قال أبو طالب سألت أحمد عن الرجل يصلي وعليه قميص يأتزر بالمنديل قال نعم وقد نقل ذلك ابن عمر وإن كان بخيط أو حبل مع سرته وفوقها فهل يكره ؟ على روايتين إحداهما يكره لما فيه من التشبه بأهل الكتاب وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن التشبه بهم وقال : [ لا تشتملوا اشتمال اليهود ] رواه أبو داود والرواية الأخرى قال لا بأس أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم ] وقال ابن سعيد سألت أحمد عن حديث النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم ] قال كأنه من شد الوسط وروى الخلال بإسناده عن الشعبي قال : كان يقال شد حقوك في الصلاة ولو بعقال وعن يزيد بن الأصم مثله
وأما الصلاة في الثوب الأحمر فقال أصحابنا : يكره للرجال لبسه والصلاة فيه وقد اشترى عمر ثوبا فرأى فيه خيطا أحمر فرده وقد روى أبو جحيفة قال : خرج النبي صلى الله عليه و سلم في حلة حمراء ثم ركزت له عنزة فتقدم وصلى الظهر وقال البراء ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم متفق عليهما وروى أبو داود عن هلال بن عامر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب على بغلة وعليه برد أحمر وعلي أمامه يعبر عنه ووجه كراهة ذلك ما روى أبو داود بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال : دخل على النبي صلى الله عليه و سلم رجل عليه بردان أحمران فسلم فلم يرد النبي صلى الله عليه و سلم وبإسناده [ عن رافع بن خديج قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفر فرأى رسول الله صلى الله عليه و سلم على رواحلنا أكسية فيها خيوط عهن أحمر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم فقمنا سراعا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نفر بعض إبلنا فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها ] والأحاديث الأول أثبت وأبين في الحكم فإن ترك النبي صلى الله عليه و سلم لرد السلام عليه يحتمل أن يكون لمعنى غير الحمرة ويحتمل أنها كانت معصفرة وهو مكروه وحديث رافع يرويه عنه رجل مجهول ولأن الحمرة لون فهي كسائر الألوان
فصل : وقد روى أبو داود عن أبي دمنة قال انطلقت مع أبي نحو النبي صلىالله عليه وسلم فرأيت عليه بردين أخضرين وبإسناده عن قتادة قال : قلنا لأنس أي اللباس كان أحب إلى النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قال الحبرة متفق عليه وبإسناده عن ابن عميرة أنه قيل له لم تصبغ بالصفرة ؟ فقال أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبغ بها ولم يكن يعني أحب إليه منها وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته وبإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ألبسوا من ثبابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ]

فصول : فيما يحرم لبسه والصلاة فيه ما يرخص فيه من الحرير والذهب
الفصل الرابع فيما يرحم لبسه والصلاة فيه : وهو قسمان تحريمه عام في الرجال والنساء وقسم يختص تحريمه بالرجال القسم الأول ما يعم تحريمه وهو نوعان أحدهما النجس لا تصح الصلاة فيه ولا عليه لأن الطهارة من النجاسة شرط وقد فاتت والثاني المغصوب وهو تصح الصلاة فيها ؟ على روايتين إحداهما لا تصح والثانية تصح وهو قول أبي حنيفة و الشافعي لأن التحريم لا يختص الصلاة ولا النهي يعود إليها فلم يمنع الصحة كما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب وكما لو صلى وعليه عمامة مغصوبة - ووجه الرواية الأولى أنه استعمل في شرط العبادة ما يحرم عليه استعماله فلم تصح كما لو صلى في ثوب نجس ولأن الصلاة قربة وطاعة وهو منهي عنها على هذا الوجه فكيف يتقرب بما هو عاص به أو يؤمر بما هو منهي عنه ؟ وأما إذا صلى في عمامة مغصوبة أو في يده خاتم من ذهب فإن الصلاة تصح لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة إذ العمامة ليست شرطا فيها وإن صلى في دار مغصوبة فالخلاف فيها كالخلاف في الثوب المغصوب إلا أن أحمد قال في الجمعة يصلي في المواضع الغصب لأنها تخص بموضع معين فالمنع من الصلاة فيه إذا كان غصبا يفضي إلى تعطيلها فلذلك أجاز فعلها فيها كما أجاز صلاة الجمعة خلف الخوارج وأهل البدع والفجور كيلا يفضي إلى تعطيلها
والقسم الثاني ما يختص تحريمه بالرجال دون النساء وهو الحرير والمنسوج بالذهب والمموه به فهو حرام لبسه وافتراشه في الصلاة وغيرها لما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ] متفق عليه ولا نعلم في تحريم لبس ذلك على الرجال اختلافا إلا لعارض أو عذر تلد قال ابن عبد البر هذا إجماع فإن صلى فيه فالحكم فيه كالصلاة في الثوب المغصوب على ما بيناه من الخلاف والروايتين والافتراش كاللبس في التحريم لما روى البخاري عن حذيفة قال : نهانا النبي صلى الله عليه و سلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وأن نلبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه
فصل : يباح العلم الحرير إذا كان أربع أصابع فما جون لما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع رواه أبو دواد و الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي التنبيه يباح وإن كان مذهبا وكذلك القول في الرقاع ولبنة الجيب وسجف الفراء وغيرها لأنه داخل فيما تناوله الحديث
فإن لبس الحرير للقمل أو الحكمة أو مرض ينفعه لبس الحرير جاز في إحدى الروايتين لأن أنسا روى أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا القمل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فرخص لهما في قميص الحرير في غداة لهما وفي رواية شكيا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فرخص لهما في قمص الحرير وأريته عليهما متفق عليهما وما ثبت في حق صحابي ثبت في حق غيره ما لم يقم دليل التخصيص وغير القمل الذي ينتفع فيه بلبس الحرير في معناه فيقاس عليه والرواية الأخرى لا يباح لبسه للمرض لاحتمال أن تكون الرخصة خاصة لهما وهو قول مالك والأول أصح إن شاء الله تعالى والتخصيص على خلاف الأصل تلد فأما لبسه للحرب فإن كان به حاجة إليه كأن كان بطانة لبيضة أو درع ونحوه أبيح قال بعض أصحابنا : يجوز مثل ذلك من الذهب كدرع مموه بالذهب وهو لا يستغني عن لبسه وهو محتاج إليه وإن لم يكن به حاجة إليه فعى وجهين أحدهما يباح لأن المنع من لبسه للخيلاء وكسر قلوب الفقراء والخيلاء في وقت الحرب غير مذموم والثاني يحرم لعموم الخبر وظاهر كلام أحمد رحمه الله إباحته مطلقا وهو قول عطاء قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن لبس الحرير في الحرب فقال : أرجو أن لا يكون به بأس وروى الأثرم بإسناده عن عروة أنه كان له يلمق من ديباج بطانته سندس محشو قزا كان يلبسه في الحرب
فصل : فأما المنسوج من الحرير وغيره كثوب منسوج من قطن وابريسم أو قطن وكتان فالحكم للأغلب منهما لأن الأول مستهلك فيه فهو كالبيضة من الفضة والعلم من الحرير وقد روي عن ابن عباس قال : إنما نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الثوب المصمت من الحرير وأما العلم وسدى الثوب فليس به بأس رواه الأثرم بإسناده و أبو داود قال ابن عبد البر : مذهب ابن عباس وجماعة من أهل العلم أن المحرم الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره فإن كان الأقل الحرير فهو مباح وإن كان القطن فهو محرم فإن استويا ففي تحريمه وإباحته وجهان وهذا مذهب الشافعي قال ابن عقيل الأشبه التحريم لأن النصف كثير فأما الجباب المحشوة من إبريسم فقال القاضي لا يحرم وهو مذهب الشافعي لعدم الخيلاء فيه ويحتمل التحريم لعموم الخبر وهكذا الفرش المحشوة بالحرير
فصل : فأما الثياب التي عليها تصاوير الحيوانات فقال ابن عقيل : يكره لبسها وليس بمحرم وقال أبو الخطاب : هو محرم لأن أبا طلحة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا تدخل الملائمة بيتا فيه كلب ولا صورة ] متفق عليه وحجة من لم يره محرما أن زيد بن خالد رواه عن أبي طلحة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال في آخره : إلا رقما في ثوب ] متفق عليه

فصول : الثياب المصورة والخز
فصل : ويكره الصليب في ثوب لأن عمران بن حطان روى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قصبه رواه أبو دواد
فصل : قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن لبس الخز فلم ير به بأسا وروى الأثرم بإسناده عن عمران بن حصين وأنس بن مالك والحسن بن علي وأبي هريرة وقيس و محمد بن الحنفية وغيلان بن جرير وسليل بن عوف أنهم لبسوا مطارف الخز وبإسناده عن قتادة أن أنس بن مالك وعائذ بن عمرو وعمران بن حصين وأبا هريرة وابن عباس وأبا قتادة كانوا يلبسون الخز وبإسناده عن عبد الرحمن بن عوف والحسين بن علي وعبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة والقاسم بن محمد أنهم لبسوا جباب الخز وبإسناده عن أنس بن مالك وشريح أنهم لبسوا برانس الخز وبإسناده عن عمار بن أبي عمار قال : أتت مروان مطارف من خز فكساها أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فكسا أبا هريرة مطرفا من خز أغبر فكان يلبسه اثنان بسعته وهذا اشتهر فلم يظهر بخلافه فكان إجماعا وروى أبو بكر بإسناده عن أحمد بن عبد الرحمن الرازي حدثنا أبي قال : أخبرني أبي عبد الله بن سعيد عن أبيه سعيد قال : رأيت رجلا يتجارى على بغلة بيضاء عليه عمامة خز سوداء فقال كسانيها رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى مالك في موطئه أن عائشة كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه
فصل : وهو يجوز لولي الصبي أن يلبسه الحرير ؟ فيه وجهان أشبههما بالصواب تحريمه لعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ حرم لباس الحرير على ذكور أمتي وأحل لإناثهم ] وروى أبو داود بإسناده عن جابر قال : كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري وقدم حذيفة من سفر وعلى صبيانه قمص من حرير فمزقها على الصبيان وتركها على الجواري أخرجه الأثرم وروي أيضا عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنت رابع أربعة أو خامس خمسة مع عبد الله فجاء ابن له صغير قمص من حرير فدعاه فقال له : من كساك هذا ؟ قال أمي فأخذه عبد الله فشقه والوجه الآخر ذكره أصحابنا أنه يباح لأنهم غير مكلفين فلا يتعلق التحريم بلبسهم كما لو ألبسه دابة ولأنه محل الزينة فهم كالنساء والأول أصح لظاهر الحديث وفعل الصحابة ويتعلق التحريم بتمكينهم من المحرمات كتمكينهم من شرب الخمر وأكل الربا وغيرهما وكونهم محل الزينة مع تحريم الاستمتاع بهم يقتضي التحريم لا الإباحة بخلاف النساء والله أعلم

مسألة وفصلان : صلاة فاقد الثياب
مسألة : قال : ومن لم يقدر على ستر العورة صلى جالسا يومئ إيماء
وجملة ذلك أن العادم للسترة الأولى له أن يصلى قاعدا روي ذلك عن ابن عمر وقال به عطاء و عكرمة و قتادة و الأوزاعي وأصحاب الرأي ويومئ بالركوع وهذا مذهب أبي حنيفة وقال مجاهد و مالك و الشافعي و ابن المنذر يصلي قائما بركوع وسجود لقوله عليه السلام : [ صل قائما فإن لم تستطع فجالسا ] رواه البخاري ولأنه مستطيع للقيام من غير ضرر فلم يجز تركه له كالقادر على الستر
ولنا : ما روى الخلال بإسناده عن ابن عمر في قوم انكسرت مراكبهم فخرجوا عراة قال : يصلون جلوسا يومئون إيماء برؤوسهم ولم ينقل خلافه ولأن الستر آكد من القيام بدليل أمرين أحدهما أنه لا يسقط مع القدرة بحال والقيام يسقط في النافلة والثاني أن القيام يختص الصلاة والستر يجب فيها وفي غيرها فإذا لم يكن بد من ترك أحدهما فترك أخفهما أولى من ترك آكدهما ولأنه إذا استتر فإن قيل فالستر لا يحصل إنما يحصل بعضه فلا يفي بترك القيام قلنا : إذا قلنا العورة الفرجان فقد حصل الستر وإن قلنا العورة ما بين السرة والركبة فقد حصل ستر آكدهما وجوبا في الستر وأفحشها في النظر فكان ستره أولى وإذا ثبت هذا فليس على من صلى في هذه الحال إعادة لأنه شرط من شرائط الصلاة عجز عنه فسقط كما لو عجز عن استقبال القبلة فصلى إلى غيرها وأن صلى العريان قائما صحت صلاته في ظاهر كلام أحمد رحمه الله وهو قول أصحاب الرأي وقال ابن جريج يتخيرون بين الصلاة قياما وقعودا وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله ما يدل على أنهم يصلون قياما وقعودا فإنه قد قال في العراة يقوم إمامهم في وسطهم وروى عنه الأثرم أن توراى بعضهم ببعض فصلوا قياما فهذا لا بأس به قيل له فيومئون أو يسجدون ؟ قال سبحان الله السجود لا بد منه فهذا يدل على أنه لا يومئ بالسجود في حال وإن الأفضل في الخلوة القيام إلا أن الخلال قال هذا توهم من الأثرم قال ومعنى قول أحمد يقوم وسطهم أي يكون وسطهم لم يرد به حقيقة القيام وعلى كل حال فينبغي لمن صلى عريانا أن يضم بعضه إلى بعض ويستر ما أمكن ستره قيل ل أبي عبد الله : يتربعون أو يتضامون ؟ قال : لا بل يتضامون وإذا قلنا يسجدون بالأرض فإنهم يتضامون أيضا وعن أحمد أنه يتربع موضع القيام والأول أولى
فصل : إذا وجد العريان جلدا طاهرا خصفه عليه أو حشيشا يمكنه أن يربطه عليه فيستر به لزمه ذلك لأنه قادر على ستر عورته بطاهر فلزمه كما لو قدر على سترها بثوب وقد ستر النبي صلى الله عليه و سلم رجلي مصعب بن عمير بالأذخر لما لم يجد سترة فإن وجد طيبا يطلي به جسده فظاهر كلام أحمد أنه لا يلزمه ذلك وذلك لأنه يجف ويتناثر عند الركوع والسجود ولأن فيه مشقة شديدة ولم تجر به العادة واختار ابن عقيل أنه يلزمه ذلك فما تناثر سقط حكمه ويستتر بما بقي وهو قول بعض الشافعية والأولى أنه لا يلزمه ذلك لأن عليه فيه مشقة ويلحقه به ضرر ولا يحصل له كمال الستر فإن وجد ماء لم يلزمه النزول فيه وإن كان كدرا لأن للماء سكانا ولا يتمكن فيه من السجود وكذلك لو وجد حفرة لم يلزمه النزول فيها لأنها لا تلصق بجلده فهي كالجدار وإن وجد سترة تضر بجسمه كبارية القصب ونحوها مما يدخل في جسمه لم يلزمه الاستتار بها لما فيها من الضرر والمنع من إكمال الركوع والسجود
فصل : وإذا بذل له سترة لزمه قبلوها إذا كانت عارية لأنه قدر على ستر العورة بما لا منة فيه وإن وهب له لم يلزمه قبوله لأن عليه فيه منة وإن وجد من يبيعه ثوبا بثمن مثله أو يؤجره بأجرة مثلة أو زيادة يتغابن الناس بمثلها وقدر على ذلك العوض لزمه قبوله وإن كانت كثيرة لا يتغابن الناس بمثلها لم يلزمه كما قلنا في شراء الماء للوضوء

فصول : صلاة العراة جماعة ستر العورة
فصل : فإن لم يجد إلا ثوبا نجسا قال أحمد : يصلي فيه ولا يصلي عريانا وهو قول مالك و المزني وقال الشافعي و أبو ثور : يصلي عريانا لا يعيد لأنها سترة نجسة فلم تجز له الصلاة فيها كما لو قدر على غيرها وقال أبو حنيفة : إن كان جميعه نجسا فهو مخير في الفعلين لأنه لا بدر من ترك واجب في كلا الفعلين
ولنا أن التسر آكد من إزالة النجاسة على ما قررناه في الصلاة جالسا فكان أولى ولـ [ إن النبي صلى الله عليه و سلم قال : غط فخذك ] وهذا عام ولأن السترة متفق على اشتراطها والطهارة من النجاسة مختلف فيها فكان المتفق عليه أولى وما ذكره الشافعي معارض بمثله وهو أنه قدر على ستر عورته فلزمه كما لو وجد ثوبا طاهرا إذا انفرد أنه يصلي فيه فالمنصوص عن أحمد أنه لا يعيد لأن الطهارة من النجاسة شرط وقد فاتت وقد نص فيمن صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه أنه لا يعيد فكذا ههنا وهو مذهب مالك و الأوزاعي وهو الصحيح لأنه شرط للصلاة عجز عنه فسقط كالسترة والاستقبال بل أولى فإن السترة آكد بدليل تقديمها على هذا الشرط ثم قد صحت الصلاة وأجزأت عند عدمها فههنا أولى فإن لم يجد إلا ثوب حرير صلى فيه ولا يعيد وإن لم يجد إلا ثوبا مغصوبا صلى عريانا لما في ذلك من حق الآدمي فأشبه ما لو لم يجد ماء يتوضا به إلا أن يغصبه فإنه يتيمم كذا ههنا والله أعلم
فصل : فإن لم يجد إلا ما يستر عورته أو منكبيه ستر عورته لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به ] وهذا الثوب ضيق وفي المسند عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أو عن عمر قال : [ لا يشتمل أحدكم اشتمال اليهود ليتوشح من كان له ثوبان فليأتزر وليرتد ومن لم يكن له ثوبان فليتزر ثم ليصل ] ولأن الستر للعورة واجب متفق على وجوبه متأكد وستر المنكبين فيه من الخلاف والتخفيف ما فيه فلا يجوز تقديمه وقد روي عن أحمد في الرجل يكون عليه الثوب اللطيف لا يبلغ أن يعقده يرى أن يتزر به ويصلي قال لا أرى مجزئا عنه وإن كان الثوب لطيفا صلى قاعدا وعقد من ورائه وظاهر هذا أنه قدم ستر المنكبين على القيام وستر ما عدا الفرجين ولأنه ذهب إلى أن الحديث في ستر المنكبين أصح منه في ستر الفرجين وأن القيام له بدل وستر المنكبين لا بدل له والصحيح ما ذكرناه أولا لما قدمنا من تأكد ستر العورة والقيام وما روينا من الحديث وهو صريح في هذه المسألة وفيه قصة رواها أبو داود [ عن جابر قال : سرت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلي بردة ذهبت أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لي وكانت لها دنادب فنكستها ثم خالفت بين طرفيها ثم تواقصت عليها حتى لا تسقط ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا بيده جميعا حتى أقامنا خلفه قال وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يرمقني وأنا لا أشعر ثم فطنت به فأشار إلي أن أتزر بها فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يا جابر قلت لبيك يا رسول الله قال : إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه وإن كان ضيقا فاشدده على حقوك ]
فصل : فإن لم يجد إلا ما يستر بعض العورة ستر الفرجين لأنهما أفحش وسترهما آكد فإن كان لا يكفي إلا أحدهما ستر أيهما شاء واختلف في أولاهما بالستر فقيل الدبر لأنه أفحش لا سيما في الركوع والسجود وقيل القبل لأنه مستقبل به القبلة وليس له ما يستره والدبر بالأليتين

مسألة وفصلان : صلاة العراة جماعة رجالا ونساء
مسألة : قال : فإن صلى جماعة عراة كان الإمام معهم في الصف وسطا يومئون إيماء ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم
وجملة ذلك أن الجماعة للعراة وبه قال قتادة وقال مالك و الأوزاعي وأصحاب الرأي يصلون فرادى ويتباعد بعضهم من بعض وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة ويتقدمهم إمامهم وقال الشافعي في القديم كقولهم وقال في موضع آخر الجماعة والإنفراد سواء لأن الجماعة الإخلال بسنة الموقف وفي الإنفراد الإخلال بفضيلة الجماعة فيستويان ووافقنا على مشروعية الجماعة في النساء العراة وفي الرجال إذا كان معهم مكتس يصلح أن يؤمهم
ولنا : أنه يمكنهم الجماعة من غير ضرر فلزمهم كالمستترين وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ صلاة الرجل في الجميع تفضل على صلاته وحده بسبع وعشرين درجة ] عام في كل مصل ولا تسقط الجماعة لتعذر سببها في الموقف كما لو كانوا في مكان ضيق لا يمكن أن يتقدمهم إمامهم وإذا شرعت الجماعة لعراة النساء مع أن الستر في حقهن آكد والجماعة في حقهن أخف فللرجال أولى وأحرى وغض البصر يحصل بكونهم صفا واحدا يستر بعضهم بعضا إذا ثبت هذا فإنهم يصلون صفا واحدا ويكون في وسطهم ليكون أستر لهم وأغض لأبصارهم عنه وكذلك سن لإمامة النساء القيام وسطهن في كل حال لأنهن عورات فإن كان مع الرجال نساء عراة تنحين عنهم لئلا يرى بعضهم بعضا ويصلين جماعة أيضا كالرجال إلا أن الجماعة في حقهن أدنى منها في حق الرجال كما لو كانوا غير عراة فإن كان الجميع في مجلس أو في مكان ضيق صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال لئلا يرى بعضهم عورات بعض فإن كان الرجال لا يسعهم صف واحد والنساء وقفوا صفوفا وغضوا أبصارهم عمن بين أيديهم لأنه موضع ضرورة
مسألة : قال : وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنهم يسجدون بالأرض
أختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في العراة إذا صلوا قعودا فروي أنهم يومئون بالركوع والسجود لأن القيام سقط عنهم لحفظ عوراتهم وظهورها بالسجود أكثر وأفحش فوجب أن يسقط وروي أنهم يسجدون بالأرض لأن السجود آكد من القيام لكونه مقصودا في نفسه ولا يسقط فيما يسقط فيه القيام وهو صلاة النافلة فلهذا لم يسقط
فصل : فإن كان مع العراة واحد له ثوب لزمته الصلاة فيه لأنه قادر على السترة فإن أعارة وصلى عريانا لم تصح صلاته لتركه الواجب عليه ويستحب أن يعيره بعد صلاته فيه لغيره ليصلي فيه لقول الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } ولا يجب عليه ذلك بخلاف ما لو كان معه طعام فاضل عن حاجته ووجد من به ضرورة لزمه اعطاؤه إياه لأنها حال ضرورة فإذا بذله لهم صلى فيه واحد بعد واحد ولم تجز لهم الصلاة عراة لأنهم قادرون على الستر إلا أن يخافوا ضيق الوقت فيصلي فيه واحد والباقون عراة وقال الشافعي لا يصلي أحد عريانا وينتظر الثوب وإن خرج الوقت ولا يصح فإن الوقت آكد من القيام بدليل ما لو كانوا في سفينة أو في موضع ضيق لا يمكن جميعهم الصلاة فيه قياما صلى واحد بعد واحد إلا أن يخافوا فوات الوقت فيصلون قعودا نص الشافعي على هذا والقيام آكد من السترة عنده وعلى روايةلنا فأولى أن يكون الوقت مقدما على الستر فإن امتنع صاحب الثوب من إعارتهم أو ضاق الوقت عن أكثر من صلاة فالمستحب أن يؤمهم صاحب الثوب ويقف بين أيديهم فإن كان أميا وهم قراء صلى الباقون جماعة على ما أسلفنا قال القاضي يصلي هو منفردا وإذا أراد صاحب الثوب إعارة ثوبه ومعهم نساء استحب أن يبدأ بهن لأنهن آكد في الستر وإذا صلين فيه أخذه فإذا تضايق الوقت وفيهم قارئ فالمستحب أن يبدأ به ليكون إمامهم وإن أعاره لغير القارئ صار حكمه كحكم صاحب الثوب فإن استووا ولم يكن الثوب لواحد منهم أقرع بينهم فمن خرجت له القرعة فهو أحق وإن لم يستووا فالأولى به من تستحب البداية بإعارته على ما ذكرنا

مسألة : السجود بالأرض لعذر الماء والطين والمرض
مسألة : قال : ومن كان في ماء وطين أومأ إيماء
وجملة ذلك أنه إذا كان في الطين والمطر ولم يمكنه السجود على الأرض إلا بالتلوث بالطين والبلل بالماء فله الصلاة على دابته يومئ بالركوع والسجود وإن كان راجلا أومأ بالسجود أيضا ولم يلزمه السجود على الأرض قال الترمذي : روي عن أنس بن مالك أنه صلى على دابته في ماء وطين والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد و إسحاق وفعله جابر بن زيد وأمر به طاوس و عمارة بن عربة قال ابن عقيل وقد روي عن أحمد أنه يسجد على متن الماء والاول أولى لما روى يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على راحلته وأصحابه على ظهورا دوابهم يومئون إيماء يجعلون السجود أخفض من الركوع رواه الأثرم و الترمذي وقال تفرد به عن عمر بن الرماح البلخي وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم قال القاضي أبو يعلى : سألت أبا عبد الله الدامغاني فقال مذهب أبي حنيفة أن يصلي على الراحلة في المطر والمرض وقال أصحاب الشافعي لا يجوز أن يصلي الفرض على الراحلة لأجل المطر والمرض وعن مالك كالمذهبين واحتج من منع ذلك بحديث أبي سعيد الخدري فابصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه و سلم انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين وهذا حديث صحيح
ولنا : ما رويناه من الحديث وفعل أنس قال أحمد رحمه الله قد صلى أنس وهو متوجه إلى سرابيط في يوم مطر المكتوبة على الدابة ورواه الأثرم بإسناده ولم ينقل عن غيره خلافه فيكون إجماعا ولأن المطر عذر يبيح الجمع فأثر في أفعال الصلاة كالسفر يؤثر في القصر وأما حديث أبي سعيد فيحتمل أن الطين كان يسيرا لا يؤثر في تلويث الثياب

فصول : صلاة الفريضة على الراحلة
فصل : فأما الصلاة على الراحلة لأجل المرض ففيه روايتان إحداهما أختارها أبو بكر لأن المشقة بالنزول في المرض أشد منها بالنزول في المطر فإذا أثر المطر في إباحة الصلاة على الراحلة فالمرض أولى والثانية لا يجوز ذلك واحتج لها أحمد بأن ابن عمر كان ينزل مرضاه ولأنه قادر على الصلاة أو على السجود فلم يجز تركه كغير المرض والفرق بينه وبين المطر أن النزول في المطر يبلل ثيابه ويلوثها ولا يتمكن من الصلاة بالمشقة ونزول المريض يؤثر في حصوله على الأرض وهو أسكن له وأمكن من كونه على الظهر وقد اختلفت جهة المشقة فالمشقة على المريض في نفس جهة النزول لا في الصلاة على الأرض والمشقة على الممطور في الصلاة على الأرض لا في النزول ومع هذا الاختلاف لا يصح الإلحاق فإن خاف المريض من النزول ضررا غير محتمل كالإنقطاع عن الرفقة أو العجز عن الركوب أو زيادة المرض ونحو هذا صلى على الراحلة كما ذكرنا في صلاة الخوف
فصل : ومتى صلى على الراحلة لمرض أو مطر فليس له ترك الاستقبال وهو ظاهر كلام الخرقي حيث قال : ولا يصلي في غير هاتين الحالتين فرضا ولا نافلة إلا متوجها إلى الكعبة ولأن قوله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } عام خرج منه حال الخوف في صلاة الفرض محافظة على بقاء النفس ففيما عداه يبقى الاستقبال لعموم الآية

مسألة وفصول : عورة المرأة في الصلاة الحرة
مسألة : قال : وإذا انكشف من المرأة الحرة شيء سوى وجهها أعادت الصلاة
لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها وفي الكفين روايتان واختلف أهل العلم فأجمع أكثرهم على أن لها أن تصلي مكشوفة الوجه وأجمع أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تخمر رأسها إذا صلت وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة وقال أبو حنيفة القدمان ليسا من العورة لأنهما يظهران غالبا فهما كالوجه وإن انكشف من المرأة أقل من ربع شعرها أو ربع فخذها أو ربع بطنها لم تبطل صلاتها وقال مالك و الأوزاعي و الشافعي جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة لأن ابن عباس قال في قوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال الوجه والكفين ولأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء وقال بعض أصحابنا المرأة كلها عورة لأنه قد روي في حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ المراة عورة ] رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح لكن رخص لها في كشف وجهها وكفيها لما في تغطيته من المشقة وأبيح النظر لأجل الخطبة لأنه مجمع المحاسن وهذا قول أبي بكر بن الحارث بن هشام قال : المرأة كلها عورة حتى ظفرها والدليل على وجوب تغطية القدمين ما [ روت أم سلمة قالت : قلت يا رسول الله أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ؟ قال : نعم إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها ] رواه أبو داود وقال وقفه جماعة على أم سلمة ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء فقالت أم سلمة فكيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال : يرخن شبرا فقالت إذا تنكشف أقدامهن ؟ قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه ] رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا يدل على وجوب تغطية القدمين ولأنه محل لا يجب كشفه في الإحرام فلم يجز كشفه في الصلاة كالساقين وما ذكروه من تقدير البطلان بزيادة على ربع العضو فتحكم لا دليل عليه والتقدير لا يصار إليه بمجرد الرأي وقد ثبت وجوب تغطية الرأس بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] أخرجه الترمذي وقال حديث حسن وبالإجماع على ما قدمناه فأما الكفان فقد ذكرنا فيهما روايتين إحداهما لا يجب سترهما لما ذكرنا والثانية يجب لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ المرأة عورة ] وهذا عام إلا ما خصه الدليل وقول ابن عباس الوجه والكفان قد روى أبو حفص عن عبد الله بن مسعود خلافه قال : { لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال الثياب ولا يجب كشف الكفين في الإحرام إنما يحرم أن تلبس فيهما شيئا مصنوعا على قدرهما كما يحرم على الرجل لبس السراويل والذي يستر به عورته
فصل : والمستحب أن تصلي المرأة في درع - قال الدرع يشبه القميص لكنه سابغ يغطي قدميها - وخمار يغطي رأسها وعنقها وجلباب تلتحف به من فوق الدرع روي ذلك عن عمر وابنه وعائشة وعبيدة السلماني و عطاء وهو قول الشافعي قال قد اتفق عامتهم على الدرع وما زاد فهو خير وأستر ولأنه إذا كان عليها جلباب فإنها تجافيه راكعة وساجدة لئلا تصفها ثيابها فتبين عجيزتها ومواضع عوراتها
فصل : ويجزئها من اللباس ما سترها الستر الواجب على ما بينا بـ [ حديث أم سلمة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ؟ قال : إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها ] وقد روي عن ميمونة وأم سلمة أنهما كانتا تصليان في درع وخمار ليس عليهما إزار رواه مالك في الموطأ وقال أحمد قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار ولأنها سترت ما يجب عليها ستره فأجزأتها صلاتها كالرجل
فصل : فإن انكشف من المرأة شيء يسير من غير الوجه والكفين فلا أعلم فيها قولا صحيحا صريحا وظاهر قول الخرقي : إذا انكشف من المرأة شيء سوى وجهها وكفيها أعادت - يقتضي بطلان الصلاة بإنكشاف اليسير لأنه شيء يمكن حمل ذلك على الكثير لما قررناه في عورة الرجل أنه يعفى فيها عن اليسير فكذا ههنا ولأنه يشق التحرز من اليسير فعفي عنه قياسا على يسير عورة الرجل
فصل : ويكره أن تتنقب المرأة وهي تصلي لأنه يخل بمباشرة المصلي بجبهتها وأنفها ويجري مجرى تغطية الفم للرجل وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عنه قال ابن عبد البر وقد أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام

فصل : عورة الأمة في الصلاة
فصل : قال وصلاة الأمة مكشوفة الرأس جائزة لا نعلم أحدا خالف في هذا إلا الحسن فإنه من بين أهل العلم أوجب عليها الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه واستحب لها عطاء أن تتقنع إذا صلت
ولنا : أن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة وقال : اكشفي رأسك ولا تشبهي بالحوائر وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا بين الصحابة لا ينكر عمر مخالفته وقال أبو قلابة أن عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تقنع في خلافته وقال : إنما القناع للحوائر
فصل : لم يذكر الخرقي رحمه الله عنه سوى كشف الرأس وهو المنصوص عن أحمد رحمه الله في رواية عبد الله وأن صلت الأمة مكشوفة الرأس فلا بأس واختلف أصحابنا فيما عدا ذلك فقال ابن حامد عورتها كعورة الرجل وقد لوح إليه أحمد رحمه الله وقال القاضي : في المجرد أن انكشف منها في الصلاة ما بين السرة والركبة فالصلاة باطلة وأن انكشف ما عدا ذلك فالصلاة صحيحة وقال في الجامع عورة الأمة ما عدا الرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الركبتين واحتج عليه بقول أحمد لا بأس أن يقلب الرجل الجارية إذا أراد الشراء من فوق الثوب ويكشف الذراعين والساقين ولأن هذا يظهر عادة عند الخدمة والتقليب للشراء فلم يكن عورة وما سواه لا يظهر عادة ولا تدعو الحاجة إلى كشفه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وإلا ظهر عنهم مثل قول ابن حامد لما روي عن أبي موسى أنه قال على المنبر : ألا لا أعرف أحدا أراد أن يشتري جارية فينظر إلى ما فوق الركبة أو دون السرة لا يفعل ذلك أحد إلا عاقبته وقد ذكرنا حديث الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته ] فإن ما تحت السرة إلى ركبته من العورة يريد الأمة فإن الأجير والعبد لا ينظر إلى ذلك منه مزوجا وغير مزوج ولأن من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل

فصل : عورة المكاتبة والمدبرة والمعلق عتقها
فصل : والمكاتبة والمدبرة والمعلق عتقها بصفة الأمة القن فيما ذكرناه لأنهن إماء يجوز بيعهن وعتقهن وأما المعتق بعضها فيحتمل وجهين أحدهما هي كالحرة للعبادة والثاني كالأمة لعدم الحرية الكاملة ولذلك ضمنت بالقيمة

فصل : عورة الخنثى المشكل كعورة الرجل
فصل : والخنثى المشكل كالرجل لأن ستر ما زاد على عورة الرجل محتمل فلا نوجب عليه حكما بأمر محتمل متردد وعلى قولنا العورة الفرجان اللذان في قبله لأن أحدهما فرج حقيقي وليس يمكنه تغطيته يقينا إلا بتغطيتهما فوجب عليه ذلك كما يجب ستر ما قرب من الفرجين ضرورة سترهما

وإن وجب العريان وهو في الصلاة ما يستره
فصل : إذا تلبست الأمة بالصلاة مكشوفة الرأس فعتقت في أثنائها فهي كالعريان يجد السترة في صلاته إن أمكنها أو أمكنه السترة من غير زمن طويل ولا عمل كثير ستر وبني على ما مضى من الصلاة كأهل قباء لما علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وبنوا وإن لم يكن الستر إلا بعمل كثير أو زمن طويل بطلت الصلاة إذ لا يمكن المضي فيها لكون السترة شرطا مع القدرة ووجدت القدرة ولا يمكن العمل في الصلاة كثيرا لأنه ينافيها فيبطها والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف من غير تقدير بالخطوة والخطوتين وذكر القاضي فيمن وجدت من يناولها السترة فانتظرت احتمالين أحدهما تبطل صلاتها والثاني لا تبطل لأن الجميع انتظار واحد والأول أولى لأن الفصل طال عليها وهي بادية العورة بعد القدرة على الستر فلم تصح صلاتها كما لو لم تكن منتظرة فإن لم تعلم بالعتق حتى أتمت صلاتها لم تصح لأنها صلت عارية جهلا بوجوب الستر فلم تصح كما لو علمت العتق وجهلت الحكم وإن عتقت ولم تجد ما تستتر به صحت صلاتها لأنها لا تزيد على الحرة الأصلية العاجزة عن الاستتار

مسألة : وعورة أم الولد كعورة الأمة
مسألة : قال : ويستحب لأم الولد أن تغطي رأسها في الصلاة
وجملة ذلك أن أم الولد كالأمة في صلاتها وسترتها صرح بها الخرقي في عتق أمهات الأولاد فقال : وإن صلت مكشوفة الرأس كره لها ذلك وأجزأها وممن لم يوجب عليها تغطية رأسها النخعي و مالك و الشافعي و أبو ثور وقد نقل الأثرم عن أحمد أنه سأله كيف تصلي أم الولد ؟ قال تغطي شعرها وقدمها لأنها لا تباع وهي تصلي كما تصلي الحرة فهذا يحتمل أن يكون على الاستحباب فيكون كما ذكر الخرقي ويحتمل أن يجري على ظاهره في الوجوب لأنها لا تباع ولا ينقل الملك فيها فأشبهت الحرة وقد انعقد سبب حريتها بحيث لا يمكن إبطاله فغلب فيها حكم الحرية في العبادة والأول أولى لأنها أمة حكمها حكم الإماء إلا في أنها لا ينقل الملك فيها فهي كالموقوفة وانعقاد السبب للحرية لا يوجب الستر كالكتابة والتدبير ولكن يستحب لها الستر ويكره لها كشف الرأس لما فيها من الشبه بالحرائر

مسألة : ترتيب الصلوات المقضية
مسألة : قال : ومن ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى أتمها وقضى المذكورة وأعاد التي كان فيها إذا كان الوقت مبقي
وجملة ذلك أن الترتيب واجب في قضاء الفوائت نص عليه في مواضع قال في رواية أبي داود فيمن ترك صلاة سنة يصليها ويعيد كل صلاة صلاها وهو ذاكر لما ترك من الصلاة وقد روي عن ابن عمر رض الله عنه ما يدل على وجوب الترتيب ونحو عن النخعي و الزهري و ربيعة و يحيى الأنصاري و مالك و الليث و أبي حنيفة و إسحاق وقال الشافعي لا يجب
ولنا : ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم فاته يوم الخندق أربع صلوات فقضاهن مرتبات وقال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] وروى الإمام أحمد بإسناده عن جمعة حبيب بن سباع وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم عام الأحزاب صلى المغرب فما فرغ قال : هل علم أحد منكم أني صليت العصر ؟ فقالوا : يا رسول الله ما صليتها فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب ] وهذا يدل على وجوب الترتيب وروى أبو حفص بإسناده عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام ] وروي موقوفا عن ابن عمر ولأنهما صلاتان مؤقتتان فوجب الترتيب فيهما كالمجموعتين إذا ثبت هذا فإنه يجب الترتيب فيها وإن كثرت وقد نص عليه أحمد وقال مالك و أبو حنيفة : لا يجب الترتيب في أكثر من صلاة يوم وليلة ولأن اعتباره فيما زاد على ذلك يشق ويفضي إلى الدخول في التكرار فسقط كالترتيب في قضاء صيام رمضان
ولنا : أنها صلوات واجبات تفعل في وقت يتسع لها فوجب فيها الترتيب كالخمس وافضاؤه إلى التكرار لا يمنع وجوب الترتيب كترتيب الركوع على السجود وهذا الترتيب شرط في الصلاة فلو أخل به لم تصح صلاته بدليل ما ذكرنا من حديث أبي جمعة وحديث ابن عمر ولأنه ترتيب واجب في الصلاة فكان شرطا لصحتها كترتيب المجموعتين إذا ثبت هذا عدنا إلى مسألة الكتاب وهو إذا أحرم بالحاضرة ثم ذكر في أثنائها أن عليه فائتة والوقت متسع فإنه يتمها ويقضي الفائتة ثم يعيد الصلاة التي كان فيها سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا هذا ظاهر كلام الخرقي و أبو بكر وهو قول ابن عمر و مالك و الليث و إسحاق في المأموم وهو الذي نقله الجماعة عن أحمد في المأموم ونقل عنه جماعة في المنفرد أنه يقطع الصلاة ويقضي الفائتة وهو قول النخعي و الزهري و ربيعة و يحيى الأنصاري في المنفرد وغيره وروى حرب عن أحمد في الإمام ينصرف ويستأنف المأمومون قال أبو بكر لا ينقلها غير حرب وقد نقل عنه في المأموم أنه يقطع وفي المنفرد أنه يتم الصلاة وكذلك حكم الإمام يجب أن يكون مثله فيكون في الجميع أداء روايتان إحداهما يقطعها والأخرى يتمها وقال طاوس و الحسن و الشافعي و أبو ثور يتم صلاته ويقضي الفائتة لا غير تلد ولنا على وجوب الإعادة حديث ابن عمر وحديث أبي جمعة ولأنه ترتيب واجب فوجب اشتراطه لصحة الصلاة كترتيب المجموعتين
ولنا : على أنه يتم الصلاة قوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } وحديث ابن عمر وحديث أبي جمعة أيضا قال : يتعين حمله على أنه ذكرها وهو في الصلاة فإنه لو نسيها حتى يفرغ من الصلاة لم يجب قضاؤها ولأنها صلاة ذكر فيها فائتة فلم تفسد كما لو كان مأموما فإن ظاهر المذهب أنه يمضي فيها قال أبو بكر : لا يختلف كلام أحمد - إذا كان وراء الإمام - أنه يمضي مع الإمام ويعيدهما جميعا واختلف قوله إذا كان وحده قال : والذي أقول أنه يمضي لأنه يشنع أن يقطع ما دخل فيه قبل أن يتمه فإن مضى الإمام في صلاته بعد ذكره انبنت صلاة المأمومين على ائتمام المفترض بالمتنفل والأولى أن ذلك يصح لما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى وإذا قلنا يمضي في صلاته فليس ذلك بواجب فإن الصلاة تصير نفلا فلا يلزم ائتمامه قال مهنا : قلت ل أحمد أني كنت في صلاة العتمة فذكرت أني لم أكن صليت المغرب فصليت العتمة ثم أعدت المغرب والعتمة قال : أصبت فقلت : أليس كان ينبغي أن أخرج حين ذكرتها ؟ قال بلى قلت : فكيف أصبت ؟ قال : كل جائز

فصل : قضا الفوائت حكم من صلى الحاضر ناسيا إن عليه فائتة
فصل : وقول الخرقي : ومن ذكر صلاة وهو في أخرى يدل على أنه متى صلى ناسيا للفائتة أن صلاته صحيحة وقد نص أحمد على هذا في رواية الجماعة قال : متى ذكر الفائتة وقد سلم أجزأته ويقضي الفائتة وقال مالك : يجب الترتيب مع النسيان ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بحديث أبي جمعة وبالقياس على المجموعتين
ولنا : عموم قوله عليه السلام : [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ] ولأن المنسية ليست عليها أمارة فجاز أن يؤثر فيها النسيان كالصيام وأما حديث أبي جمعة من رواية ابن لهيعة وفيه ضعف ويحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكرها وهو في الصلاة وأما المجموعتان فإنما لم يعذر بالنسيان لأن عليهما أمارة وهو إجتماع الجماعة بخلاف مسألتنا ولا فرق بين أن لا يكون قد سبق منه ذكر الفائتة أو لم يسبق منه لها ذكر نص عليه أحمد لعموم ما ذكرناه من الدليل والله أعلم

مسألة : سقوط الترتيب بين الحاضرة والفائتة بتضايق الوقت
مسألة : قال : ومن خشي خروج الوقت اعتقد وهو فيها أن لا يعيدها وقد أجزأته
يعني إذا خشي فوات الوقت قبل قضاء الفائتة وإعادة التي هو فيها سقط الترتيب حينئذ ويتم صلاته ويقضي الفائتة فحسب وقوله اعتقد أن لا يعيدها يعني لا يغير نيته عن الفرضية ولا يعتقد أنه يعيدها هذا هو الصحيح من المذهب وهكذا لو لم يكن دخل فيها لكن لم يبق من وقتها قدر يصليهما جميعا فيه فإنه يسقط الترتيب ويقدم الحاضرة وهو قول سعيد بن المسيب والحسن و الأوزاعي و الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أن الترتيب واجب مع سعة الوقت وضيقه اختارها الخلال وهو مذهب عطاء و الزهري و الليث و مالك ولا فرق بين أن تكون الحاضرة جمعة أو غيرها قال أبو حفص : هذه الرواية تخالف ما نقله الجماعة فإما أن يكون غلطا في النقل وإما مأن يكون قولا قديما ل أبي عبد الله وقال القاضي : وعندي أن المسألة رواية واحدة أن الترتيب يسقط لأنه قال في رواية مهنا في رجل نسي صلاة وهو في المسجد يوم الجمعة عند حضور الجمعة يبدأ بالجمعة هذه يخاف فوتها فقيل له كنت أحفظ عنك أنه إذا صلى وهو ذاكر لصلاة فائتة أنه يعيد هذه وهذه ؟ فقال : كنت أقول هذا فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول وفي رواية ثالثة إن كان وقت الحاضرة يتسع لقضاء الفوائت وجب الترتيب وإن كان لا يتسع سقط الترتيب في أول وقتها نقل ابن منصور فيمن يقضي صلوات فوائت فتحضر صلاة أيؤخرها إلى آخر الوقت فإذا صلاها يعيدها ؟ فقال : لا بل يصليها في الجماعة إذا حضرت إذا كان لا يطمع أن يقضي الفوائت كلها إلى آخر وقت هذه الصلاة التي حضرت فإن طمع في ذلك قضى الفوائت ما لم يخش فوت هذه الصلاة ولا قضاء عليه إذا صلى مرة وهذه الرواية اختيار أبي حفص العكبري وعلل القاضي هذه الرواية بأن الوقت لا يتسع لقضاء ما في الذمة وفعل الحاضرة فسقط الترتيب وإن كان يمكنه القضاء والشروع في أداء الحاضرة كذا ههنا ويمكن أن تحمل هذه الرواية على أنه قدم الجماعة على الترتيب مشروطا لضيق الوقت عن قضاء الفوائت جميعها وقد ذكر بعض أصحابنا أن في تقدم الجماعة على الترتيب روايتين ولعله أشار إلى هذه الرواية فأما من ذهب إلى تقديم الترتيب بكل حال فحجته قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها ] وهذا عام في حال ضيق الوقت وسعته ولأنه ترتيب مستحق مع سعة الوقت فيستحق مع ضيقه كترتيب الركوع والسجود والطهارة
ولنا : أنها صلاة ضاق وقتها عن أكثر منها فلم يجز له تأخيرها كما لو لم يكن عليه فائتة ولأن الحاضرة آكد من الفائتة بدليل أنه يقتل بتركها ويكفر على رواية ولا يحل له تأخيرها عن وقتها والفائتة بخلاف ذلك وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نام عن صلاة الفجر أخرها شيئا وأمرهم فاقتادوا رواحلهم ولأنه ركن من أركان الإسلام مؤقت فلم يجز تقديم فائتة على حاضرة يخاف فواتها كالصيام وقوله عليه السلام : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها ] مخصوص بما إذا ذكر فوائت فإنه لا يلزمه في الحال إلا الأولى فنقيس عليه ما إذا اجتمعت حاضرة يخاف فوتها وفائتة لتأكد الحاضرة بما بيناه فإن قيل قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا صلاة لمن عليه صلاة ] قلنا هذا الحديث لا أصل له قال إبراهيم الحربي قيل ل أحمد حديث النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا صلاة لمن عليه صلاة ] فقال لا أعرف هذا اللفظ قال إبراهيم : ولا سمعت بهذا عن النبي صلى الله عليه و سلم فعلى هذه الرواية يبدأ فيقضي الفوائت على الترتيب حتى إذا خاف فوت الحاضرة صلاها ثم عاد إلى قضاء الفوائت نصل أحمد على هذا فإن حضرت جماعة في صلاة الحاضرة فقال أحمد في رواية أبي داود : فيمن عليه صلوات فائتة فأدركته الظهر ولم يفرغ من الصلوات يصلي مع الإمام الظهر ويحسبها من الفوائت ويصلي الظهر في آخر الوقت فإن كان عليه عصر وأقيمت صلاة الظهر فقد ذكر بعض أصحابنا فيمن عليه فائتة وخشي فوات الجماعة روايتين إحداهما يسقط الترتيب لأنه اجتمع واجبان : الترتيب والجماعة ولا بد من تفويت أحدهما فكان مخيرا فيهما والثانية لا يسقط الترتيب لأنه آكد من الجماعة بدليل اشتراطه لصحة الصلاة بخلاف الجماعة وهذا ظاهر المذهب فإن أراد أن يصلي العصر الفائتة خلف من يؤدي الظهر ابتنى ذلك على جواز ائتمام من يصلي العصر خلف من يصلي الظهر وفيه روايتان سنذكرهما إن شاء الله تعالى قال أحمد فيمن ترك صلاة سنين يعيدها فإذا جاء وقت صلاة مكتوبة صلاها ويجعلها من الفوائت التي يعيدها ويصلي الظهر في آخر الوقت وقال : ولا يصلي مكتوبة إلا في آخر وقتها حتى يقضي التي عليها من الصلوات

فصلان : حكم من عليه فوائت ونسي كيف ترتيبها أو جهل
فصل : إذا ترك ظهرا وعصرا من يومين لا يدري أيهما أولا ففي ذلك روايتان نقل الأثرم أنه يعمل على أكثر ذلك في نفسه ثم يقضي يعني أنه يتحرى أيهما نسي أو لا يقضيها ثم يقضي الأخرى وهذا قول أبي يوسف و محمد لأن الترتيب مما تبيح الضرورة تركه بدليل ما إذا تضايق الوقت أو نسي الفائتة فيدخله التحري كالقبلة والرواية الثانية أنه يصلي الظهر ثم العصر بغير تحر نقلها مهنا لأن التحري فيما فيها أمارة وهذا لا أمارة فيه فرجع فيه إلى ترتيب الشرع ويحتمل أن يلزمه صلاة الظهر ثم العصر أو العصر ثم الظهر ثم العصر لأنه أمكنع أداء فرضه بيقين فلزمه كما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها وقد نقل أبو داود عن أحمد في رجل فرط في صلاة يوم العصر ويوم الظهر صلوات لا يعرفها ؟ قال يعيد حتى لا يكون في قلبه شيء وظاهر هذا أنه يقضي حتى يتيقن براءة ذمته وهذا مذهب أبي حنيفة
فصل : ولا يعذر في ترك الترتيب بالجهل بوجوبه وقال زفر يعذر بذلك
ولنا : أنه ترتيب واجب في الصلاة فلم يسقط بالجهل كالترتيب في المجموعتين ولأن الجهل بأحكام الشرع مع التمكن من العلم لا يسقط أحكامها كالجهل بتحريم الأكل في الصوم

فصل : قضاء الفوائت الكثيرة
فصل : إذا كثرت الفوائت عليه يتشاغل بالقضاء ما لم يلحقه مشقة في بدنه أو ماله أما بدنه فأن يضعف أو يخاف المرض وأما في المال فأن ينقطع عن التصرف في ماله بحيث ينقطع عن معاشه أو يستضر بذلك وقد نص أحمد على معنى هذا فإن لم يعلم قدر ما عليه فإنه يعيد حتى يتيقن براءة ذمته قال أحمد في رواية صالح في الرجل يضيع الصلاة : يعيد حتى لا يشك أنه قد جاء بما قد ضيع فإن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها أعاد صلاة يوم وليلة نص عليه وهو قول أكثر أهل العلم وذلك لأن التعيين شرط في صحة الصلاة المكتوبة ولا يتوصل إلى ذلك ههنا إلا بإعادة الصلوات الخمس فلزمه

فصل : قضاء الصلاة في غير المكان الذي نام فيه عنها
إذا نام في منزل في السفر فاستيقظ بعد خروج وقت الصلاة فالمستحب له أن ينتقل عن ذلك المنزل فيصلي في غيره نص عليه أحمد لما [ روى أبو هريرة قال : عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فإن هذا منزل حضر فيه الشيطان قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة ] وروى نحوه أبو قتادة وعمران بن حصين متفق عليها ويستحب أن يقضي ركعتي الفجر قبل الفريضة لما تقدم من الحديث فإن أراد التطوع بصلاة أخرى كره له ذلك وكذلك حكم الصوم لا يتطوع به وعليه فريضة فإن فعل صح تطوع بدليل حديث ابن عمر في الذي ينسى فريضة فلا يذكرها إلا وراء الإمام فإنه يتممها فحكم له بصحتها فأما السنن الرواتب فلا يكره قضاؤها قبل الفرائض كما ذكرنا في ركعتي الفجر

فصل : أداء الفرض قبل السنة القبلية عند ضيق الوقت
فصل : فإن أخر الصلاة لنوم أو غيره حتى خاف خروج الوقت أن تشاغل بركعتي الفجر فإنه يبدأ بالفرض ويؤخر الركعتين نص عليه أحمد في رواية جماعة منهم أبو الحارث نقل عنه إذا انتبه قبل طلوع الشمس وخاف أن تطلع الشمس بدأ بالفريضة فإنه إذا قدمت الحاضرة على الفائتة مع الإخلال بالترتيب الواجب مراعاة لوقت الحاضرة فتقديمها على السنة أولى وهكذا أن استيقظ لا يدري أطلعت الشمس أو لا بدأ بالفريضة أيضا نص عليه أحمد لأن الأصل بقاء الوقت وإمكان الإتيان بالفريضة فيه

فصل : لإبقاء الفائتة لوقتها من اليوم التالي إذا قضيت
فصل : ويستحب قضاء الفوائت في جماعة فإن النبي صلى الله عليه و سلم يوم الخندق فاته أربع صلوات فقضاهن في جماعة وحديث أبي قتادة وغيره حين قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الخندق عن صلاة الفجر هو أصحابه فصلى بهم جماعة ولا يلزمه القضاء أكثر من مرة عند استيقاظه أو ذكره لها لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينقل عنه أن قضى غير مرة وقال عليه السلام : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ] لم يزد على ذلك وقد [ روى عمران بن حصين قال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فعرس بنا من السحر فما استيقظنا إلا بحر الشمس قال فقام القوم دهشين مسرعين لما فاتهم من صلاتهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : اركبوا فركبنا فسرنا حتى طلعت الشمس ثم نزل ونزلنا وقضى القوم من حوائجهم وتوضأ فأمر بلال فأذن وصلى ركعتي الفجر وصلينا ثم أمره فأقام فصلى بنا فقلنا يا رسول الله ألا نصلي هذه الصلاة لوقتها ؟ قال : لا لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم ] رواه الأثرم واحتج به أحمد

فصل : القضاء على من ترك الصلاة جاهلا بوجوبها
فصل : ومن أسلم في دار الحرب فترك صلوات أو صياما لا يعلم وجوبه لزمه قضاؤه وبذلك قال الشافعي وعند أبي حنيفة لا يلزمه
ولنا : أنها عبادة مع العلم بها فلزمته مع الجهل كما في دار الإسلام

مسألة وفصل : حكم الصلاة في حق الصغير والصغيرة
مسألة : قال : ويؤدب الغلام على الطهارة والصلاة إذا تمت له عشر سنين
معنى التأديب الضرب والوعيد والتعنيف قال القاضي : يجب على ولي الصبي أن يعلمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين ويأمره بها ويلزمه أن يؤدبه عليها إذا بلغ عشر سنين والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ علموا الصبي الصلاة ابن سبع واضربوه عليها ابن عشر ] رواه الأثرم و أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن وهذا لفظ رواية الترمذي ولفظ حديث غيره : [ مروا الصبي بالصلاة لسبع سنين واضربوه عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ] وهذا التأديب المشروع في حق الصبي لتموينه على الصلاة كي يألفها ويعتادها ولا يتركها عند البلوغ وليست واجبة عليه في ظاهر المذهب ومن أصحابنا من قاله تجب عليه لهذا الحديث فإن العقوبة لا تشرع إلا لترك واجب ولأن أحمد قد نقل عنه في ابن أربع عشرة إذا ترك الصلاة : يعيد ولعل أحمد رحمه الله أمر بذلك على طريق الاحتياط فإن الحديث قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ ] ولأنه صبي فلم يجب عليه كالصغير وهذا التأديب للتمرين والتعويد كالضرب على تعلم الخط والقرآن والصناعة وأشباهها ولا خلاف في أنها تصح من الصبي العاقل ولا فرق بين الذكر والأنثى فيما ذكرناه
فصل : ويعتبر لصلاة الصبي من الشروط ما يعتبر في صلاة البالغ إلا أن قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] يدل على صحة صلاة غير الحائض بغير خمار

مسألة وفصول : مواضع سجود التلاوة من القرآن
مسألة : قال : وسجود القرآن أربع عشرة سجدة
المشهور في المذهب أن عزائم سجود القرآن أربع عشرة سجدة وهو قول أبي حنيفة في إحدى الروايتين و الشافعي في أحد القولين وممن روي عنه أن في المفصل ثلاث سجدات أبو بكر وعلي وابن مسعود وعمار وأبو هريرة وابن عمر و عمر بن عبد العزيز وجماعة من التابعين وبه قال الثوري و الشافعي و أبو حنيفة و إسحاق وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى أنها خمس عشرة سجدة منها سجدة ( ص ) وروي ذلك عن عقبة بن عامر وهو قول إسحاق لما روى ابن ماجة و أبو داود عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقرأه خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل وفي سورة الحج سجدتان وقال مالك في رواية الشافعي في قول عزائم السجود إحدى عشرة قال ابن عبد البر هذا قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وابن جبير والحسن وعكرمة و مجاهد و عطاء و طاوس و مالك وطائفة من أهل المدينة لأن أبا الدرداء قال قد سجدت مع النبي صلى الله عليه و سلم إحدى عشرة ليس فيها من المفصل شيء رواه ابن ماجة وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة رواه أبو داود
ولنا : ما روى أبو رافع قال صليت خلف أبي هريرة العتمة فقرأ : { إذا السماء انشقت } فسجد فقلت ما هذه السجدة ؟ قال سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه و سلم فلا أزال أسجد فيها حتى القاه رواه البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة و الأثرم وروى مسلم و أبو داود و ابن ماجة عن أبي هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في : { إذا السماء انشقت } و { اقرأ باسم ربك } وروى عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ سورة النجم فسجد بها وما بقي أحد من القوم إلا سجد رواه البخاري و مسلم و أبو داود وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة وهو أولى من حديث ابن عباس لأنه إثبات ثم أن ترك السجود يدل على أنه ليس بواجب والسجود يدل على أنه مسنون ولا تعارض بينهما وحديث أبي الدرداء قال أبو داود إسناده واه ثم لا دلالة فيه إذ يجوز أن يكون سجود غير المفصل إحدى عشرة فيكون مع سجدات المفصل أربع عشرة
فصل : فعلى الرواية الأولى ليست صلى الله عليه و سلم من عزائم السجود وهو قول علقمة و الشافعي و روى ذلك عن ابن عباس وابن مسعود والرواية الثانية هي من العزائم وهو قول الحسن و مالك و الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي لحديث عمرو بن العاص وروي عن عمر وابنه وعثمان أنهم كانوا يسجدون فيها وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد فيها وحديث أبي الدرداء يدل على أنه سجد فيها
ولنا : ما روى أبو داود [ عن أبي سعيد قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على المنبر صلى الله عليه و سلم فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزى الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزيتم للسجود فنزل وسجد وسجدوا ] وروى النسائي عن ابن عباس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد في ( ص ) وقال : سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا ] وروى أبو داود عن ابن عباس قال : ليس ( ص ) من عزائم السجود والحديث الذي ذكرناه للرواية الأخرى يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد فيها فيكون سجوده للشكر كما بينه في حديث ابن عباس
مسألة : قال : في الحج منها سجدتان
وبهذا قال الشافعي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر و ممن كان يسجد في الحج سجدتين عمر وعلي وعبد الله بن عمر وأبو الدرداء و أبو موسى و أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية وزر وقال ابن عباس : فضلت سورة الحج بسجدتين وقال الحسن و سعيد بن جبير و جابر بن زيد و النخعي و مالك و أبو حنيفة ليست الأخيرة سجدة لأنه جمع فيها بين الركوع والسجود فقال : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } فلم تكن سجدة كقوله : { يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين }
ولنا : حديث عمرو بن العاص الذي ذكرناه وروى أبو داود و الأثرم [ عن عقبة بن عامر قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه و سلم في الحج سجدتان ؟ قال : نعم من لم يسجدها فلا يقرأهما ] وأيضا فإنه قوله من سمينا من الصحابة لم نعرف لهم مخالفا في عصرهم فيكون إجماعا وقد قال أبو إسحاق أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين وقال ابن عمر لو كنت إحداهما تركت الأولى وذلك لأن الأولى إخبار والثانية أمر وإتباع الأمر أولى وذكر الركوع لا يقتضي ترك السجود كما ذكر البكاء في قوله : { خروا سجدا وبكيا } وقوله : { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا }
فصل : وموضع السجود آخر الأعراف { وله يسجدون } وفي الرعد { وظلالهم بالغدو والآصال } وفي النحل { ويفعلون ما يؤمرون } وفي بني إسرائيل { ويزيدهم خشوعا } وفي مريم { خروا سجدا وبكيا } وفي الحج { إن الله يفعل ما يشاء } وقوله : { وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } وفي الفرقان { ويزيدهم خشوعا } وفي النمل { رب العرش العظيم } وفي { الم * تنزيل } { وهم لا يستكبرون } وفي حم السجدة { وهم لا يسأمون } وآخر النجم { فاسجدوا لله واعبدوا } وفي الإنشقاق { وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } وآخر { اقرأ باسم ربك } وقال مالك : السجود في حم عند { إن كنتم إياه تعبدون } لأن الأمر بالسجود هناك فيها
ولنا : أن تمام الكلام في الثانية فكان السجود بعدها كما في سورة النحل عند قوله : { ويفعلون ما يؤمرون } وذكر السجود في التي قبلها كذا ههنا

مسألة وفصل : ما يشترط السجود التلاوة
مسألة : قال : ولا يسجد إلا وهو طاهر
وجملة ذلك أنه يشترط للسجود ما يشترط لصلاة النافلة من الطهارتين من الحدث والنجس وستر العورة واستقبال القبلة والنية ولا نعلم فيه خلافا إلا ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه في الحائض تسمع السجدة تومئ برأسها وبه قال سعيد بن المسيب قال ويقول : اللهم لك سجدت عن الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يقبل الله صلاة بغير طهور ] فيدخل في عمومه السجود ولأنه صلاة فيشترط له ذلك كذات الركوع
فصل : إذا سمع السجدة غير متطهر لم يلزمه الوضوء لم يلزمه الوضوء ولا التيمم وقال النخعي : يتيمم ويسجد وعنه يتوضأ ويسجد وبه قال الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي
ولنا : أنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد فإنه لا يسجد بعدها

مسائل وفصول : صفة سجود التلاوة
مسألة : قال : ويكبر إذا سجد
وجملة ذلك أنه إذا سجد للتلاوة فعليه التكبير للسجود والرفع منه سواء كان في صلاة أو في غيرها وبه قال ابن سيرين و الحسن و أبو قلابة و النخعي و مسلم بن يسار و أبو عبد الرحمن السلمي و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك : إذا كان في صلاة واختلف عنه إذا كان في غير صلاة
ولنا : ما روى ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ عليا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه قال عبد الرزاق : كان الثوري يعجبه هذا الحديث قال أبو داود : يعجبه لأنه كبر ولأنه سجود منفرد فشرع له التكبير في ابتدائه والرفع منه كسجود السهو بعد السلام وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كبر فيه للسجود والرفع ولم يذكر الخرقي التكبير للرفع وقد ذكره غيره من أصحابنا وهو القياس كما ذكرنا ولا يشرع في ابتداء السجود أكثر من تكبيرة قال يكبر للإفتتاح واحدة وللسجود أخرى
فصل : ويرفع يديه مع تكبيرة السجود إن سجد غير صلاة وهو قول الشافعي لأنها تكبيرة إفتتاح وإن كان السجود في الصلاة فنص أحمد أنه رفع يديه لأنه يسن له الرفع لو كان منفردا فكذلك مع غيره قال القاضي : وقياس المذهب لا يرفع لأن محل الرفع في ثلاثة مواضع ليس هذا منها ولأن في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يفعل في السجود يعني رفع يديه وهو حديث متفق عليه واحتج أحمد بما روى وائل بن حجر قال : قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يكبر إذا خفض ويرفع يديه في التكبير قال أحمد : هذا يدخل في هذا كله وهو قول مسلم بن يسار و محمد بن سيرين
فصل : ويقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة قال أحمد : أما فأقول سبحان ربي الأعلى وقد روت عائشة رضي الله عنه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول في سجود القرآن بالليل : سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته ] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى الترمذي و ابن ماجة [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إني رأيتني الليلة أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول : اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود فقر النبي صلى الله عليه و سلم سجدة ثم سجد فقال ابن عباس : فسمعته يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة ] قال الترمذي : وهذا حديث غريب ومهما قال ذلك فحسن
مسألة : قال : ويسلم إذا رفع
اختلفت الرواية عن أحمد في التسليم في سجوده التلاوة فرأى أنه واجب وبه قال أبو قلابة و أبو عبد الرحمن وروي أنه غير واجب وقال ابن المنذر : قال أحمد أما التسليم فلا أدري ما هو قال النخعي و الحسن و سعيد بن جبير و يحيى بن وثاب ليس فيه تسليم وروي ذلك عن أبي حنيفة واختلف قول الشافعي فيه ووجه الرواية التي أختارها الخرقي قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ] ولأنها صلاة ذات أحرام فافتقرت إلى سلام كسائر الصلوات ولا تفتقر إلى تشهد نص عليه أحمد في رواية الأثرم لأنه لم ينقل ولأنه لا ركوع فيه فلم يكن له تشهد كصلاة الجنازة ويجزئه تسليمة واحدة نص نص عليه أحمد في رواية حرب و عبد الله قال : يسلم تسليمة واحدة قال القاضي : يجزئه رواية واحدة قال إسحاق : يسلم عن يمينه فقط السلام عليكم وقال في المجرد عن أبي بكر أن فيه رواية أخرى لا يجزئه إلا اثنان
مسألة : قال : ولا يسجد في الأوقات التي لا يجوز أن يصلي فيها تطوعا
قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عمن قرأ سجود القرآن بعد الفجر وبعد العصر أيسجد ؟ قال : لا وبهذا قال أبو ثور : وروي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وإسحاق وكره مالك قراءة السجدة وقت النهي وعن أحمد رواية أخرى أنه يسجد وبه قال الشافعي : وروي ذلك عن الحسن و الشعبي سالم و القاسم و عطاء و عكرمة ورخص فيه أصحاب الرأي قبل تغير الشمس
ولنا : عموم قوله عليه السلام : [ لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ] وروى أبو داود عن أبي تيمة الهجيمي قال : كنت أقص بعد صلاة الصبح فأسجد فنهاني ابن عمر فلم أنته ثلاث مرات ثم عاد فقال : أني صليت خلف النبي صلى الله عليه و سلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس وروى الأثرم عن عبد الله بن مقسم أن قاصا كان يقرأ السجدة بعد العصر فيسجد فنهاه ابن عمر وقال أنهم لا يعقلون

فصول : حكم سجود التلاوة
مسألة : قال : ومن سجد فحسن ومن ترك فلا شيء عليه
وجملة ذلك أن سجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب عند إمامنا و مالك و الأوزاعي و الليث و الشافعي وهو مذهب عمر وابنه عبد الله وأوجبه أبو حنيفة وأصحابه لقول الله عز و جل : { فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } ولا يذم إلا على ترك واجب ولأنه سجود يفعل في الصلاة فكان واجبا كسجود الصلاة
ولنا : ما روى زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي صلى الله عليه و سلم النجم فلم يسجد منا أحد متفق عليه ولأنه إجماع الصحابة وروى البخاري و الأثرم عن عمر أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال : يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يسجد عمر وفي لفظ : إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء وفي رواية الأثرم فقال : على رسلكم أن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء فقرأها ولم يسجد ومنعهم أن يسجدوا وهذا بحضرة الجمع الكثير فلم ينكره أحد ولا نقل خلافه فأما الآية فإنه ذمهم لترك السجود غير معتقدين فضله ولا مشروعيته وقياسهم ينتقض بسجود السهو فإنه عندهم غير واجب
فصل : ويسن السجود التالي والمستمع لا نعلم في هذا خلافا وقد دلت عليه الأحاديث التي رويناها وقد روى البخاري و مسلم و أبو داود وعن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته فأما الساع غير القاصد للسماع فلا يستحب له روي ذلك عن عثمان وابن عباس وعمران وبه قال مالك وقال أصحاب الرأي : عليه السجود وروي نحو ذلك عن ابن عمر و النخعي و سعيد بن جبير و نافع و إسحاق لأنه سامع للسجدة فكان عليه السجود كالمستمع وقال الشافعي لا أوكد عليه السجود وإن سجد فحسن
ولنا : ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه مر بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد وقال : إنما السجدة على من استمع وقال ابن مسعود وعمران : ما جلسنا لها وقال سلمان : ما عدونا لها ونحوه عن ابنعباس ولا مخالف لهم في عصرهم نعلمه إلا قول ابن عمر : إنما السجدة على من سمعها فيحتمل أنه أراد من سمع عن قصد فيحمل عليه كلامه جمعا بين أقوالهم ولا يصح قياس السامع على المستمع لافترقهما في الأجر
فصل : ويشترط لسجود المستمع أن يكون التالي ممن يصلح أن يكون له إماما فإن كان صبيا أو امرأة فلا يسجد السامع رواية واحدة إلا أن يكون ممن يصح له أن يأثم به وممن قال لا يسجد إذا سمع المرأة قتادة و مالك و الشافعي و إسحاق وقال النخعي : هي أمامك وقد روي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنك كنت إمامنا ولو سجدت سجدنا ] رواه الشافعي وفي مسنده و الجوزجاني في المترجم عن عطاء عن النبي صلى الله عليه و سلم وإذا لم يسجد التالي لم يسجد المستمع وقال الشافعي يسجد
ولنا : الحديث الذي رويناه ولأنه إمام له فلم يسجد بدون إمامه كما لو كانا في صلاة وإن قرأ الأمي سجدة فعلى القارئ المستمع السجود معه لأن القراءة ليست بركن في السجود فإن كان التالي في صلاة والمستمع في غير صلاة سجد معه وإن كان المستمع في صلاة أخرى لم يسجد معه إن كانت فرضا رواية واحدة وإن كانت نفلا فعلى روايتين الصحيح أنه لا يسجد ولا ينبغي له أن يستمع بل يشتغل بصلاته كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن في الصلاة لشغلا ] متفق عليه ولا يسجد إذا فرغ من الصلاة وقال أبو حنيفة يسجد عند فراغه وليس بصحيح فإنه لو ترك السجود لتلاوته في الصلاة لم يسجد إذا فرغ فلأن لا يسجد بحكم سماعه أولى وهكذا الحكم إن كان التالي في غير صلاته والمستمع في الصلاة

فصول : لا يقوم الركوع مقام السجود
فصل : ولا يقوم الركوع مقام السجود وقال أبو حنيفة يقوم مقامه استحبابا لقوله تعالى : { وخر راكعا وأناب } ولنا أنه سجود مشروع فلا ينوب عنه الركوع كسجود الصلاة والآية المراد بها السجود لأنه قال : وخر ولا يقال للراكع خر وإنما روي عن داود عليه السلام السجود لا الركوع إلا أنه عبر عنه بالركوع على أن سجدة ( ص ) ليست من عزائم السجود
فصل : وإن قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة فإن شاء ركع وإن شاء سجد ثم قام فركع نص عليه قال ابن مسعود : إن شئت ركعت وإن شئت سجدت وبه قال الربيع بن خيثم وإسحاق وأصحاب الرأي ونحوه عن علقمة وعمرو بن شرحبيل ومسروق قال مسروق قال عبد الله : إذا قرأ أحدكم سورة آخرها سجدة فليركع إن شاء وإن شاء فليسجد فإن الركعة مع السجدة وإن سجد فليقرأ إذا قام سورة ثم ليركع وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى
فصل : وإذا كان على الراحلة في السفر جاز أن يومئ بالسجود حيث كان وجهه كصلاة النافلة فعل ذلك عي وسعيد بن زيد وابن عمر وابن الزبير والنخعي وعطاء وقال به مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وقد روى أبو داود عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كهلم منهم الراكب والساجد في الأرض حتى أن الراكب ليسجد على يده ولأنها لا تزيد على صلاة التطوع وهي تفعل على الراحلة وإن كان ماشيا سجد على الأرض وبه قال أبو العالية و أبو زرعة وابن عمر وابن جرير وأصحاب الرأي لما ذكرنا من الحديث والقياس وقال الأسود بن يزيد و عطاء و مجاهد يومئ وفعله علقمة و أبو عبد الرحمن وعلى ما حكاه أبو الحسن الآمدي في صلاة الماشي في التطوع أنه يومئ فيها ولا يلزمه السجود بالأرض يكون ههنا مثله
فصل : يكره اختصار السجود وهو أن ينتزع الآيات التي فيها السجود فيقرأها ويسجد فيها وكرهه الشعبي و النخعي و الحسن و إسحاق ورخص فيه النعمان و صاحبه محمد و أبو ثور ولنا أنه ليس بمروي عن السلف فعله بل كراهته ولا نظير له يقاس عليه
فصل : قال بعض أصحابنا يكره للإمام قراءة السجدة في صلاة لا يجهر فيها وإن قرأ لم يسجد وهو قول أبي حنيفة ولم يكرهه الشافعي لأن ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سجد في الظهر ثم قام فركع فرأى أصحابه أنه قرأ سورة السجدة رواه أبو داود واحتج أصحابنا بأن فيه إبهاما على المأموم وإتباع النبي صلى الله عليه و سلم أولى وإذا سجد الإمام سجد المأموم وقال بعض أصحابنا هو مخير بين إتباعه وتركه والأولى إتباعه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا ] ولأنه لو كان بعيدا لا يسمع أو أطروشا في صلاة الجهر لسجد بسجود إمامه كذا ههنا

فصل : ويستحب سجود الشكر
فصل : ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم وبه قال الشافعي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر وقال النخعي و مالك و أبو حنيفة يكره لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان في أيامه الفتوح واستسقى فسقي ولم ينقل أنه سجد ولو كان مستحبا لم يخل به
ولنا : ما روى ابن المنذر بإسناده عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجدا ورواه أبو داود ولفظه قال : كان إذا أتاه أمر يسر به أو بشر به خر ساجدا شكرا لله وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب وسجد الصديث حين فتح اليمامة وعلي حين وجد ذا الثدية وروي عن جماة من الصحابة فثبت ظهوره وانشاره فبطل ما قولوه وتركه تارة لا يدل على أنه ليس بمستحب فإن المستحب يفعل تارة ويترك أخرى ويشترط لسجود الشكر ما يشترط لسجود التلاوة والله أعلم

فصل : ولا يسجد للشكر وهو في الصلاة
فصل : ولا يسجد للشكر وهو في الصلاة لأن سبب السجدة ليس منها فإن فعل بطلت صلاته إلا أن يكون ناسيا أو جاهلا بتحريم فأما سجدة ( ص ) إذا سجدها في الصلاة وقلنا ليست من العزائم فيحتمل أن تبطل بها الصلاة لأنها سجدة شكر ويحتمل أن لا تبطل لأن سببها من الصلاة وتتعلق بالتلاوة فهي كسجود التلاوة والله أعلم

مسألة : الصلاة بحضرة الطعام
مسألة : قال : وإذا حضرت الصلاة والعشاء بدأ بالعشاء
وجملة ذلك أنه إذا حضر العشاء في وقت الصلاة فالمستحب أن يبدأ بالعشاء قبل الصلاة ليكون أفرغ لقلبه وأحضر لباله ولا يستحب أن يعجل عن عشائه أو غدائه فإن أنسا روى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدأوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم ] وقالت عائشة إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الاخبثان ] رواهما مسلم وغيره ولا فرق بين أن يحضر صلاة الجماعة ويخاف فوتها في الجماعة أو لا يخاف ذلك فإن في بعض ألفاظ حديث أنس : [ إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء ] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا قرب عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء ولا يعجلن حتى يفرغ منه ] رواهما مسلم وقوله وأقيمت الصلاة يعني الجماعة وتعشى ابن عمر وهو يسمع قراءة الإمام قال أصحابنا إنما يقدم العشاء على الجماعة إذا كانت نفسه تتوق إلى الطعام كثيرا ونحوه قال الشافعي وقال مالك يبدأون بالصلاة إلا أن يكون طعاما خفيفا وقال بظاهر الحديث عمر وابنه و إسحاق و ابن المنذر وقال ابن عباس لا تقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شيء قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته أن صلاته تجزئه كذلك إذا صلى حاقنا وقال الشافعي و أبو حنيفة و العنبري يكره أن يصلي وهو حاقن وصلاته جائزة مع ذلك إن لم يترك شيئا من فروضها وقال مالك أحب أن يعيد إذا شغله ذلك قال الطحاوي لا يختلفون أنه لو شغل قلبه بشيء من الدنيا أنه لا يستحب له الإعادة كذلك إذا شغله البول

مسألة : وإذا حضرت الصلاة وهو يحتاج إلى الخلاء بدأ بالخلاء
مسألة : قال : وإذا حضرت الصلاة وهو يحتاج إلى الخلاء بدأ بالخلاء
يعني إذا كان حاقنا كرهت له الصلاة حتى يقضي حاجته سواء خاف فوت الجماعة أو لم يخف لما ذكرنا من حديث عائشة وروى ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امريء حى يستأذن ولا يقوم إلى الصلاة وهو حاقن ] قال الترمذي هذا حديث حسن والمعنى في ذلك أن يقوم إلى الصلاة وبه ما يشغله عن خشوعها وحضور قلبه فيها فإن خالف وفعل صحت صلاته في هذه المسألة وفي التي قبلها وقال ابن أبي موسى إن كان به من مدافعة الأخبثين ما يزعجه ويشغله عن الصلاة أعاد في الظاهر من قوله لظاهر الحديثين اللذين رويناهما وقد ذكرنا ذلك فيما مضى وقال ابن عبد البر في حديث ثوبان لا يقوم به حجة عند أهل العلم بالحديث فهذان من الأعذار التي يعذر بها في ترك الجماعة والجمعة لعموم اللفظ فإن قوله : [ وأقيمت الصلاة ] عام في صلاة وقوله [ لا صلاة ] عام أيضا

فصل : ويعذر في تركها المريض
فصل : ويعذر في تركهما المريض في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر - قالوا وما العذر يا رسول الله ؟ قال - خوف أو مرض لم يقبل منه الصلاة التي صلى ] رواه أبو داود وقد [ كان بلال يؤذن بالصلاة ثم يأتي النبي صلى الله عليه و سلم وهو مريض فيقول : مروا أبا بكر فليصل بالناس ]

فصل : ويعذر في تركها الخائف
فصل : ويعذر في تركهما الخائف لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ العذر خوف أو مرض ] والخوف ثلاثة أنواع : خوف على النفس وخوف على المال وخوف على الأهل فالأول أن يخاف على نفسه سلطانا يأخذه أو عدوا أو لصا أو سبعا أو دابة أو سيلا أو نحو ذلك بما يؤذيه في نفسه وفي معنى ذلك أن يخاف غريما له يلازمه ولا شيء معه يوفيه فإن حبسه بدين هو معسر به ظلم له فإن كان قادرا على أداء الدين لم يكن عذرا له وكذلك إن وجب عليه حد لله تعالى أو حد قذف فخاف أن يؤخذ به لم يكن عذرا له لأنه يجب إيفاؤه وهكذا إن تأخر عليه قصاص لم يكن له عذر في التخلف من أجله وقال القاضي : إن كان يرجو الصلح على مال فله التخلف حتى يصالح بخلاف الحدود فإنه لا تدخلها المصالحة ولا العفو وحد القذف أن يرجى العفو عنه فليس يعذر في التخلف لأنه يرجو إسقاطه بغير بدل ويعذر في تركهما بالمطر الذي يبل الثياب والوحل الذي يتأذى به في نفسه وثيابه قال عبد الله بن الحارث : قال عبد الله بن عباس لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وقل صلوا في بيوتكم قال : فكأن الناس استنكروا ذلك قال ابن عباس : أتعجبون من ذلك قد فعل ذلك من هو خير مني أن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض متفق عليه ويعذر في ترك الجماعة بالريح الشديدة في الليلة المظلمة البادرة : [ صلوا في رحالكم ] وإسناده صحيح ورواه أبو داود ونحوه واتفق عليه البخاري و مسلم إلا أن فيه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر وروى أبو المليح أنه شهد النبي صلى الله عليه و سلم زمن الحديبية يوم جمعة وأصابهم مطر لم يبل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم رواه أبو داود ويعذر أيضا من يريد سفرا ويخاف الرفقة النوع الثاني الخوف على ماله بخروجه مما ذكرناه من السلطان واللصوص واشباههما أو يخاف أن يسرق منزله أو يحرق أو شيء منه أو يكون له خبز في تنور أو طبيخ على نار يخاف حريقة باشتغاله عنه أو يكون له غريم أن ترك ملازمته ذهب بماله أو يكون له بضاعة أو وديعة عند رجل إلن لم يدركه ذهب فهذا وأشباهه عذر في التخلف عن الجمعة والجماعات النوع الثالث الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا أو يكون ولده ضائعا فيرجو وجوده في تلك الحال أو يكون له قريب يخاف أن تشاغل بهما مات فلم يشهده قال ابن المنذر ثبت أن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد بعد ارتفاع الضحى فأتاه بالعقيق وترك الجمعة وهذا مذهب عطاء و الحسن و الأوزاعي و الشافعي
فصل : ويعذر في تركهما من يخاف عليه النعاس حتى يفوتاه فيصلي وحده وينصرف

باب ما يبطل الصلاة إذا تركه عامدا أو ساهيا
[ روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني قال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم أسجد ثم ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ] متفق عليه زاد مسلم : [ إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ]

مسألة وفصلان : أركان الصلاة وحكم تركها المبطلات
مسألة : قال : ومن ترك تكبيرة الإحرام أو قراءة الفاتحة وهو إمام أو منفرد أو الركوع أو الاعتدال بعد الركوع أو السجود أو الاعتدال بعد السجود أو التشهد الأخير أو السلام بطلت صلاته عامدا كان أو ساهيا
وجملة ذلك أن المشروع في الصلاة ينقسم قسمين : واجب ومسنون فالواجب نوعان أحدهما لا يسقط في العمد ولا في السهو وهو الذي ذكر الخرقي في هذه المسألة وهو عشرة أشياء تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة للإمام والمنفرد والقيام والركوع حتى يطمئن والاعتدال عنه حتى يطئمن والسجود حتى يطمئن والاعتدال عنه بين السجدتين حتى يطمئن والتشهد في آخر الصلاة والجلوس له والسلام وترتيب الصلاة على ما ذكرناه فهذه تسمى أركانا للصلاة لا تسقط في عمد ولا سهو وفي وجوب بعض ذلك اختلاف ذكرناه فيما مضى وقد دل على وجوبها حديث أبي هريرة عن المسيء في صلاته فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال له لم تصل وأمره بإعادة الصلاة فلما سأله أن يعلمه هذه الأفعال فدل على أنه لا يكون مصليا بدونها ودل الحديث على أنها لا تسقط بالسهو فإنها لو سقطت بالسهو لسقطت عن الاعرابي لكونه جاهلا بها والجاهل كالناسي فإما بطلان الصلاة بتركها ففيه تفصيل وذلك أنه لا يخلو إما أن يتركها عمدا أو سهوا فإن تركها عمدا بطلت الصلاة في الحال وإن ترك شيئا منها سهوا ثم ذكره في الصلاة أتى به على ما سنبينه فيما بعد إن شاء الله وإن لم يذكره حتى فرغ من الصلاة فإن طال الفصل ابتدأ الصلاة وإن لم يطل بنى عليها نص أحمد على هذه في رواية جماعة وبهذا قال الشافعي ونحوه قال مالك ويرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة والعرف واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم كقولنا وقال بعضهم الفصل الطويل قدر ركعة وهو المنصوص عن الشافعي وقال بعضهم قدر الصلاة التي نسي فيها والذي قلنا أصح لأنه لا حد له في الشرع فيرجع إلى العرف فيه ولا يجوز التقدير بالتحكم وقال جماعة من أصحابنا متى ترك ركنا فلم يدركه حتى سلم بطلت صلاته قال النخعي و الحسن من نسي سجدة من صلاة ثم ذكرها في الصلاة سجدها متى ذكرها فإذا قضى صلاته سجد سجدتي السهو وعن مكحول و محمد بن أسلم الطوسي في المصلي ينسى سجدة أو ركعة يصليها متى ما ذكرها ويسجد سجدتي السهو وعن الأوزاعي في رجل نسي سجدة من صلاة الظهر فذكرها في صلاة العصر : يمضي في صلاته فإذا فرغ سجدها
ولنا : أن الصلاة لا تبطل مع قرب الفصل أنه لو ترك ركعة أو أكثر فذكر قبل ان يطول الفصل أتى بما ترك ولم تبطل صلاته إجماعا : وقد دل عليه حديث ذي اليدين فإذا ترك ركنا واحدا فأولى أن لا تبطل الصلاة فإنه لا يزيد على ترك ركعة والدليل على أن الصلاة تبطل بتطاول الفصل أنه أخل بالموالاة فلم تصح صلاته كما لو ذكر في يوم ثان
فصل : ويلزمه أن يأتي بركعة إلا أن يكون المنسي التشهد والسلام فإنه يأتي به ويسلم ثم يسجد للسهو وقال الشافعي يأتي بالركن وما بعده لا غير ويأتي الكلام على هذا في باب سجود السهو قال أحمد رحمه الله في رواية الأثرم فيمن نسي سجدة من الركعة الرابعة ثم سلم وتكلم : إذا كان الكلام الذي تكلم به من شأن الصلاة قضى ركعة لا يعتد بالركعة الأخيرة لأنها لا تتم إلا بسجدتيها فلما لم يسجد مع الركعة سجدتيها وأخذ في عمل بعد السجدة الواحدة قضى ركعة ثم تشهد وسلم وسجد سجدتي السهو وإن تكلم بشيء من غير شأن الصلاة ابتدأ الصلاة قال أبو عبد الله وبهذا كان يقول مالك زعموا ولعل أحمد رحمه الله ذهب إلى حديث ذي اليدين وأن النبي صلى الله عليه و سلم تكلم وسأل أبا بكر وعمر [ أحق ما يقول ذو اليدين ؟ ] وثم بنى على ما مضى من صلاته وفي الجملة الحكم في ترك ركن من ركعة كالحكم في ترك الركعة بكمالها والله أعلم
فصل : وتختص تكبيرة الإحرام من بين الإركان بأن الصلاة لا تنعقد بتركها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ تحريمها التكبير ] ولا يدخل في الصلاة بدونها ويختص القيام بسقوطه في النوافل لأن يطول فيشق فسقط في النافلة مبالغة في تكثيرها كما سقط التوجه فيها في السفر على الراحلة مبالغة في تكثيرها وتختص القراءة بسقوطها عن المأموم لأن قراءة إمامه له قراءة ويختص السلام بأنه إذا تركه أتى به خاصة

مسألة وفصل : واجبات الصلاة غير الأركان وحكم تركها
مسألة : قال : ومن ترك شيئا من التكبير غير تكبيرة الإحرام أو التسبيح في الركوع أو السجود أو قول سمع الله لمن حمده أو قول ربنا ولك الحمد أو رب اغفر لي أو التشهد الأول أو الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في التشهد الأخير عامدا بطلت صلاته ومن ترك شيئا منه ساهيا أتى بسجدتي السهو
هذا النوع الثاني من الواجبات وهي ثمانية وفي وجوبها روايتان إحداهما أنها واجبة هو قول إسحاق والأخرى ليست واجبة وهو قول أكثر أهل العلم إلا أن الشافعي أوجب منها الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وضمه إلى الأركان وعن أحمد رواية أخرى كذلك وقد ذكرنا الدليل على وجوبها فيما مضى وذكرنا حديث يحيى بن خلاء عن عمه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تتم الصلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ ويضع الوضوء - يعني مواضعه - ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ بما شاء من القرآن ثم يقول الله أكبر ثم يركع حتى تطمئن مفاصله ثم يقول سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائما ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يرفع رأسه فيكبر فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته ] وفي رواية [ لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك ] رواه أبو داود وحكم هذه الواجبات إذا قلنا بوجوبها أنه تركها عمدا بطلت صلاته وإن تركها سهوا وجب عليه السجود للسهو والأصل فيه حديث النبي صلى الله عليه و سلم حين قام إلى ثالثة وترك التشهد الأول فسبحوا به فلم يرجع حتى إذا جلس للتسليم سجد سجدتين وهو جالس ولولا أن التشهد سقط بالسهو لرجع إليه ولولا أنه واجب لما سجد جبرا لنسيانه وغير التشهد من الواجبات مقيس عليه ومشبه به ولا يمتنع أن يكون للعبادة واجبات يتخير إذا تركها وأركان لا تصح العبادة بدونها كالحج في واجباته وأركانه
فصل : وضم بعض أصحابنا إلى ذلك نية الخروج من الصلاة والتسليمة الثانية وقد دللنا علىأنهما ليستا بواجبتين وهو اختيار الخرقي لكونه لم يذكرهما في عدد الواجبات ويختض ربنا ولك الحمد بالمأموم والمنفرد وفي المنفرد رواية أخرى أنه لا يجب ويختص سمع الله لمن حمده بالإمام والمنفرد
القسم الثاني : من المشروع في الصلاة المسنون وهو ما عدا ما ذكرناه وهو اثنان وثلاثون : رفع اليدين عند الإحرام والركوع والرفع منه ووضع اليمنى على اليسرى وحطها تحت السرة والنظر إلى موضع سجوده والاستفتاح والتعوذ وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم وقول آمين وقراءة السورة بعد الفاتحة والجهر والأسرار في مواضعهما ووضع اليدين على الركبتين في الركوع ومد الظهر والانحناء في الركوع والسجود وما زاد على التسبيحة الواحدة فيهما وعلى المرة في سؤال المغفرة وقول ملء السماء بعد التحميد والبداية بوضع الركبتين قبل اليدين في السجود ورفعهما في القيام والتفريق بين ركبتيه في السجود ووضع يديه حذو منكبيه أو حذو أذنيه وفتح أصابع رجليه فيه وفي الجلوس والافتراش في التشهد الأول والجلوس بين السجدتين والتورك في الثاني ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة محلقة والإشارة بالسبابة ووضع اليد الأخرى على الفخذ الأخرى مبسوطه والالتفات على اليمين والشمال في التسليمتين والسجود على أنفه وجلسة الإستراحة والتسليمة الثانية ونية الخروج من الصلاة في سلامه على إحدى الروايتين فيهن وحكم هذه السنن جميعها أن الصلاة لا تبطل بتركها عمدا ولا سهوا وفي السجود لها عند السهو عنها تفصيل نذكره في موضعه إن شاء الله

فصل : شرائط الصلاة وحكم الإخلال بها مستحباتها ومكروهاتها
فصل : ويشترط للصلاة ستة أشياء : الطهارة من الحدث والنجاسة والتسر والموضع واستقبال القبلة ودخول الوقت والنية فمتى أخل بشيء من هذه الشروط لم تنعقد صلاته وتختص النية بأنها لا تصح الصلاة مع عدمها بحال لا في حق معذور ولا غيره ويختص الوقت ببعض الصلوات وكل ما اعتبر له وقت فلا يصح قبل وقته إلا الثانيةمن المجموعتين تفعل في وقت الأولى حال العذر إذا جمع بينهما وبقية الشروط تسقط بالعذر على تفصيل ذكر في مواضعه فيما مضى

فصل : اتجاه النظر في الصلاة
فصل : يستحب للمصلي أن يجعل نظره إلى موضع سجوده قال أحمد في رواية حنبل : الخشوع في الصلاة أن يجعل نظره إلى موضع سجوده وروي ذلك عن مسلمة بن يسار وقتاده وحكي عن شريك أنه قال : ينظر في حال قيامه إلى موضع سجوده في ركوعه إلى قدميه وفي حال سجوده إلى أنفه وفي حال التشهد إلى حجره وقد [ روى أبو طالب العشاري في الأفراد قال : قلت يا رسول الله أين أجعل بصري في الصلاة ؟ قال : موضع سجودك قال : قلت يا رسول الله إن ذلك لشديد إن ذلك لا أستطيع ؟ قال : ففي المكتوبة ] إذا ويستحب أن يفرج بين قدميه ويراوح بينهما يعتمد على هذه مرة وعلى هذه مرة ولا يكثر ذلك لما روى الأثرم عن أبي عبيدة قال : رأى عبد الله رجلا يصلي صافا بين قدميه فقال : لو زاوج هذا بين قدميه كان أفضل ورواه النسائي ولفظه فقال : أخطأ السنة لو راوح بينهما كان أعجب إلي قال الأثرم رأيت أبا عبد الله يفرج بين قدمية ورأيته يراوج بينهما وروي نحو هذا عن ابن ميمون و الحسن ويحتمل أن يكون هذا عند طول القيام كما قال عطاء قال : إني لأحب أن يقل فيه التحريك وأن يعندل قائما على قدميه إلا أن يكون إنسانا كبيرا لا يستطيع ذلك وأما التطوع فإنه يطول على الإنسان فلا بد من التوكؤ على هذه مرة وعلى هذه مرة

فصل : ما يكره من حركة البصر في الصلاة
فصل : يكره أن يترك شيئا من سنن الصلاة ويكره أن يلتفت في الصلاة لغير حاجة لما [ روت عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن التفات الرجل فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ] من الصحاح رواه سعيد بن منصور وفي المسند عن أبي ذر قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه ] رواهما أبو داود ولأنه يشغل عن الصلاة فكان تركه أولى فإن كان لحاجة لم يكره لما روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال ثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب قال أبو داود أرسل فارسا إلى الشعب يحرس وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلتفت يمنيا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره ولا تبطل الصلاة بالإلتفات إلا أن يستدير بجملته عن القبلة أو يستدير القبلة لأن النبي صلى الله عليه و سلم فعله وبهذا قال أبو ثور قال ابن عبد البر وجمهور الفقهاء على أن الألتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرا
ويكره رفع البصر لما روى البخاري إن أنسا قال : [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم - فاشتد قوله في ذلك حتى قال - لينتهن أو لتخطفن أبصارهم ] ويكره أن ينظر إلى ما يلهيه أو ينظر في كتاب لما [ روت عائشة رضي الله عنها قالت صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في خميصة لها أعلام فقال : شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بانبجانيته ] رواه البخاري و مسلم و أبو داود و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة : أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا يزال تصاويره تعرض لي في صلاتي ] رواه البخاري
ويكره أن يصلي ويده على خاصرته لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى الرجل مختصرا رواه البخاري و مسلم وعن زناد بن صبيح الحنفي قال صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي فلما صلى قال هذا الصلب في الصلاة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عنه رواهما أبو داود ويكره أن يصلي وهو معقوص أو مكتوف لما روى مسلم عن [ ابن عباس أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام فجعل يحله فلما انصرف أقبل ابن عباس فقال ما لك ورأسي ؟ فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف ]
ويكره أن يكف شعره وثبابه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ولا أكف شعرا ولا ثوبا ] متفق عليه ويكره التشبك في الصلاة لما روى ابن ماجة عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصابعه وقال ابن عمر في الذي يصلي وهو مشبك يديه : تلك صلاة المغضوب عليهم ويكره فرقعة الأصابع لما روى ابن ماجة عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة ] ويكره أن يعتمد على يده في الجلوس في الصلاة لما روي عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده ويكره مسح الحصا لما روى أحمد في المسند عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصا ] وعن معيقيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسح الحصا في الصلاة : [ إن كنت فاعلا فمرة واحدة ] رواه مسلم ورواهما ابن ماجة و أبو داود
ويكره العبث كله وما يشغله عن الصلاة ويذهب بخشوعها وقد [ روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يعبث في الصلاة فقال : لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ] ولا نعلم بين أهل العلم في كراهة هذا كله اختلافا ومن كرهه الشافعي ونقل كراهة بعضه عن ابن عباس وعائشة و مجاهد و النخعي و أبي مجلز و مالك و الأوزاعي و إسحاق و أصحاب الرأي ويكره أن يلصق إحدى قدميه بالأخرى في حال قيامه لما روى الأثرم عن عيينة بن عبد الرحمن قال : كنت مع أبي في المسجد فرأى رجلا يصلي وقد صف بين قدميه وألزق إحداهما بالأخرى فقال أبي لقد أدركت في هذا المسجد ثمانية عشرة رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ما رأيت أحدا منهم فعل هذا قط وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما بالأخرى ولكن بين ذلك لا يقارب ولا يباعد ويكره أن يغمض عينيه في الصلاة نص عليه أحمد وقال : هو فعل اليهود وكذلك قال سفيان وروي عن مجاهد و الثوري و الأوزاعي وعن الحسن جوازه من غير كراهة وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه ] رواه الطبراني في معجمه و عبد الرحمن بن أبي حاتم وقال هذا حديث منكر
ويكره أن يكثر الرجل مسح جبهته في الصلاة لما روى ابن المنذر عن ابن مسعود قال : من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة وروي أيضا مرفوعا وكرهه الأوزاعي وقال سعيد بن جبير : هو من الجفاء وروى الأثرم عن ابن عباس قال : لا تمسح جبهتك ولا تنفخ ولا تحرك الحصا ورخص فيه مالك و أصحاب الرأي وكره أحمد التروح في الصلاة إلا من الغم الشديد وبذلك قال إسحاق و كرهه عطاء و أبو عبد الرحمن و مسلم بن يسار و مالك ورخص فيه ابن سيرين و مجاهد و الحسن و عائشة بنت سعد وكره التميل في الصلاة لما روى النجاد بإسناده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قام أحدكم في صلاته فليسكن أطرافه ولا يتميل مثل اليهود ] ولا يبطل الصلاة جميع ذلك إلا ما كان منها فعلا كالعبث وفرقعة الأصابع إذا كثر متواليا فإنه يبطل الصلاة

فصل : العمل الجائز في الصلاة
فصل : ولا بأس بعد الآي في الصلاة وتوقف أحمد عن عد التسبيح قال أبو بكر : لا بأس به لأنه في معنى عند الآي وهو قول ابن أبي مليكة و طاوس و ابن سيرين و الشعبي و المغيرة بن حكيم و إسحاق وكرهه أبو حنيفة و الشافعي لأنه يشغل عن خشوع الصلاة المأمور به
ولنا : أنه إجماع رواه الأثرم بإسناده عن يحيى بن وثاب و طاوس و الحسن و محمد بن سيرين و إبراهيم النخعي و المغيرة بن حكيم و مجاهد و سعيد بن جبير ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف مع أن الظاهر أن ذلك ينتشر ولا يخفي فيكون إجماعا وإنما توقف أحمد عن عد التسبيح لأن المنقول عمن ذكرناهم عد الآي قال أحمد : أما عد الآي فقد سمعنا وأما عد التسبيح فما سمعنا وكان الحسن لا يرى بعد الآي في الصلاة بأسا وكره أن يحسب في الصلاة شيئا سواه ولا بأس بالإشارة في الصلاة باليد والعين لأن معمرا روى عن الزهري عن أنس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يشير في الصلاة رواه الديري عن عبد الرزاق عن معمر ولا بأس بقتل الحية والعقرب وبه قال الحسن و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وكرهه النخعي ولا معنى لقوله فإن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة - الحية والعقرب رواه أبو داود ورأى ابن عمر ريشة حسبها عقربا فضربها بنعله فأما القمل فقال القاضي : الأولى التغافل عنه فإن قتلها فلا بأس لأن أنسا كان يقتل القمل والبراغيث في الصلاة وكان الحسن يقتل القمل وقال الأوزاعي : تركه أحب إلي وكان ابن عمر يقتل القمل في الصلاة رواه سعيد وإذا تثاءب في الصلاة استحب أن يكظم ما استطاع فإن لم يقدر استحب له أن يضع يده على فيه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل ] من الصحاح وفي رواية قال : [ إذا تثاءب أحدكم فليضع يده علىفيه فإن الشيطان يدخل ] رواه سعيد في سننه قال الترمذي : هو حديث حسن وإذا بدره البصاق هو في المسجد يبصق في ثوبه ويحك بعضه ببعض وإن كان في غير المسجد يبصق عن يساره أو تحت قدمه
ولنا : ما روى مسلم [ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى نخامة في قبلة فأقبل على الناس فقال : ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه ؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعصه على بعض ] : وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ] رواه مسلم أيضا ولا بأس بالعمل اليسير في الصلاة للحاجة لما روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي والباب عليه مغلق فجئت فاستفتحت فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه و [ عن جابر رضي الله عنه أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثني بحاجة فأدركته وهو يشير فسلمت عليه فأشار إلي فلما فرغ دعاني فقال : إنك سلمت علي آنفا وأنا أصلي ] ولا تبطل الصلاة بجميع ذلك إلا أن يتوالى ويكثر كالذي قبله والله أعلم

باب سجدتي السهو باب سجود السهو
قال الإمام أحمد : يحفظ عن النيبي صلى الله عليه و سلم خمسة أشياء سلم من اثنتين فسجد سلم من ثلاث فسجد وفي الزيادة والنقصان وقام اثنتين ولم يتشهد : وقال الخطابي : المعتمد عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة يعني حديثي ابن مسعود وأبي سعيد وأبي هريرة وابن بحينة

مسألة وفصلان : حكم من سلم من صلاته عن نقص
مسألة : قال : ومن سلم وقد بقي عليه شيء من صلاته أتى بما بقي عليه من صلاته وسلم ثم سجد سجدتي السهو ثم تشهد وسلم كما روى أبو هريرة وعمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه فعل ذلك
وجملة ذلك أن من سلم قبل إتمام الصلاة ساهيا ثم علم قبل طول الفصل ونقض وضوءه فعليه أن يأتي بما بقي ثم يتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتين ويتشهد ويسلم وإن لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي عن جلوس فإن هذا القيام واجب للصلاة ولم يأت به قاصدا لها فكان عليه الإتيان به مع القصد ولا نعلم في جواز إتمام الصلاة في حق من نسي الركعة فما زاد إختلافا والأصل في ذلك ما روى ابن سيرين عن أبي هريرة قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين سماها أبو هريرة ولكن أنا نسيت فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان فشبك أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من المسجد فقالوا : أقصرت الصلاة ؟ وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ قال : لم أنس ولم تقصر - فقال - أكما يقول ذي اليدين ؟ قالوا : نعم قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر قال فربما سألوه ثم سلم قال ثبت أن عمران بن حصين قال ثم سلم متفق عليه ورواه أبو داود وزاد قال : قلت فالتشهد ؟ قال لم أسمع في التشهد وأحب إلى أن يشهد وروى مسلم بإسناده عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين قال : سلم رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قال فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول الله ؟ فخرج مغضبا فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم وروى ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وذو اليدين مثل حديث أبي هريرة
فصل : فإن طال الفصل أو انتقض وضوءه استأنف الصلاة وكذلك قال الشافعي إن ذكر قريبا مثل فعل النبي صلى الله عليه و سلم يوم ذي اليدين ونحوه قال مالك : وقال يحيى الأنصاري و الليث و الأوزاعي يبني ما لم ينقض وضوءه
ولنا : أنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل كما لو انتقض وضؤه ويرجع في طول الفصل إلى العادة من غير تقدير بمدة وهو مذهب الشافعي في أحد الوجوه وعنه يعتبر قدر ركعة وقال بعضهم يعتبر بقدر مضي الصلاة التي نسي فيها والصحيح لا حد له لأنه لم يرد الشرع بتحديده فيرجع فيه إلى العادة والمقاربة لمثل حال النبي صلى الله عليه و سلم في حديث ذي اليدين
فصل : فإن لم يذكر حتى شرع في صلاة أخرى نظرت فإن كان ما عمل في الثانية قليلا ولم يطل الفصل عاد إلى الأولى فأتمها وإن طال بطلت الأولى وهذا مذهب الشافعي وقال الشيخ أبو الفرج في المبهج ما شرع فيه من الصلاة الثانية تماما للأولى فيبني إحداهما على الأخرى ويكون وجود السلام كعدمه لأنه سهو معذور فيه سواء كان ما شرع فيه نفلا أو فرضا وقال الحسن و حماد بن أبي سليمان فيمن سلم قبل إتمام المكتوبة وشرع في تطوع يبطل المكتوبة قال مالك : أحب إلي أن يبتدئها ونص عليه أحمد فقال في رواية أبي الحارث : إذا صلى ركعتين من المغرب وسلم ثم دخل في التطوع أنه يمنزلة الكلام يستأنف الصلاة
ولنا : أنه عمل عملا من جنس الصلاة سهوا فلم تبطل كما لو زاد خامسة وأما بناء الثانية على الأولى فلا يصح لأنه قد خرج من الأولى ولم ينوها بعد ذلك ونية غيرها لا تجزئ عن نيتها كحالة الإبتداء

مسألة وفصل : الفرق بين شك الإمام وشك المنفرد
مسألة : قال : ومن كان إماما فشك فلم يدركم صلى تحرى فبنى على أكثر وهمه ثم سجد بعد السلام كما روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم
قوله على أكثر وهمه أي ما يغلب على ظنه أنه صلاة وهذا في الإمام خاصة وروي عن أحمد رحمه الله رواية أخرى أنه يبني على اليقين ويسجد قبل السلام كالمنفرد سواء اختارها أبو بكر وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو و شريح و الشعبي و عطاء و سعيد بن جبير وهو قول سالم بن عبد الله بن ربيعة ومالك بن عبد العزيز بن أبي سلمة و الثوري و الشافعي و إسحاق و الأوزاعي لما روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى أثلاثا أم أربعا ؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان ] أخرجه مسلم و أبو داود و ابن ماجة وعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أو نقص فإن كان شك في الواحدة والاثنتين فليجعلهما واحدة حتى يكون الوهم في الزيادة ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم ] رواه الأثرم و ابن ماجة ولأن الأصل عذر الإتيان بما شك فيه فلزمه الإتيان به كما لو شك هل صلى أو لا وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد عن أحمد رواية أخرى في المنفرد أنه يبني على غالب ظنه كالإمام وهو ظاهر كلام أحمد رحمه الله في رواية من قال بين التحري واليقين فرق أما حديث عبد الرحمن بن عوف فيقول إذا لم يدر ثلاثا أو اثنتين جعلها اثنتين قال فهذا عمل على اليقين فبنى عليه والذي يتحرى يكون قد صلى ثلاثا فيدخل قلبه شك أنه إنما صلى اثنتين إلا أن يكون أكثر ما في نفسه أنه قد صلى ثلاثا وقد دخل قلبه شيء فهذا يتحرى أصوب ذلك ويسجد بعد السلام قال فبينهما فرق فظاهر هذا أنه إنما يبني على اليقين إذا لم يكن له ظن ومتى كان له غالب ظن عمل عليه لا فرق بين الإمام والمنفرد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وبنحوه قال النخعي : وقاله أصحاب الرأي إن تكرر ذلك عليه وإن كان أول ما أصابه أعاد الصلاة لقوله عليه السلام [ لا غرار في الصلاة ] ووجه هذه الرواية ما روى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم ثم ليسجد سجدتين ] متفق عليه ول البخاري بعد التسليم وفي لفظ فلينظر أحرى ذلك للصواب وفي لفظ فلتحر أقرب ذلك للصواب وفي لفظ فليتحر الذي يرى أنه الصواب رواه كله مسلم وفي لفظ رواه أبو داود قال : إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع وأكثر ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس فعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد على من استوى عنده الأمران فلم يكن له ظن وحديث ابن مسعود على من له رأي وظن يعمل بظنه جمعا بين الحديثين وعملا بهما فيكون أولى ولأن الظن دليل في الشرع فوجب اتباعه كما لو اشتبهت عليه القبلة واختار الخرقي التفريق بين الإمام والمنفرد فجعل الإمام يبني على الظن والمنفرد يبني على اليقين وهو الظاهر في المذهب نقله عن أحمد الأثرم وغيره والمشهور عن أحمد البناء على اليقين في حق المنفرد لأن الإمام له من ينبهه ويذكره إذا أخطأ الصواب فليعمل بالأظهر عنده فإن أصاب أقره المامومون فيتأكد عنده صواب نفسه وإن أخطأ سبحوا به فرجع إليهم فيجعل له الصواب على كلتا الحالتين وليس كذلك المنفرد إذ ليس له من يذكره فيبني على اليقين ليحصل له إتمام صلاته ولا يكون مغرورا بها وهو معنى عليه الصلاة و السلام : [ لا غرار في الصلاة ] وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد وعبد الرحمن بن عوف على المنفرد وحديث ابن مسعود على الإمام جمعا بين الأخبار وتوفيقا بينها فإن استوى الأمران عند الإمام بني على اليقين أيضا وعلى الرواية الثانية يحمل حديث الرأي فيخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إن أحدكم إذا قام فصلى جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ] متفق عليه ولأنه شك في الصلاة فلم يبطلها كما لو تكرر ذلك منه وقوله عليه الصلاة و السلام : [ لا غرار ] يعني لا ينقص من صلاته ويحتمل أنه أراد لا يخرج منها وهو في شك من تمامها ومن بنى على اليقين لم يبق في شك من تمامها وكذلك من بنى على غالب ظنه فوافقه المأمومون أو ردوا عليه غلطه فلا شك عنده
فصل : ومتى استوى عنده الأمران بنى على اليقين إماما كان أو منفردا وأتى بما بقي من صلاته وسجد للسهو قبل السلام لأن الأصل البناء على اليقين وإنما جاز تركه في حق الإمام لمعارضته الظن الغالب فإذالم يوجد وجب الرجوع إلى الأصل

فصل : تنبيه الإمام إذا أسسها وكيفته ذلك
فصل : وإذا سها الإمام فأتى بفعل غير موضعه لزم المأمومين تنبيهه فإن كانوا رجالا سبحوا به وإن كانوا نساء صفقن ببطون أكفهن على ظهور الأخرى وبهذا قال الشافعي وقال مالك : التسبيح للرجال والنساء ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله ] متفق عليه وحكي عن أبي حنيفة أن تنبيه الآدمي بالتسبيح أو القرآن أو الإشارة يبطل الصلاة لأن ذلك خطاب آدمي وقد روى أبو غطفان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من أشار بيده في الصلاة إشارة تفقه أو تفهم فقد قطع الصلاة ]
ولنا : ما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ] وعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا نابكم في صلاتكم شيء فليسبح الرجال وليصفق النساء ] متفق عليهما وروى عبد الله بن عمر قال : قلت لبلال : كيف كان النبي صلى الله عليه و سلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في الصلاة ؟ قال : كان يشير بيده وعن صهيب قال : مررت برسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي إشارة وقال : لا اعلم إلا أنه قال إشارة بأصبعه قال الترمذي : كلا الحديثين صحيح وقد ذكرنا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يشير في الصلاة فأما حديث مالك ففي حق الرجال فإن حديثنا يفسره لأن فيه تفصيلا وزيادة بيان يتعين الأخذ بها وأما حديث أبي حنيفة فضعيف يرويه أبو غطفان وهو مجهول فلا يعارض به الأحاديث الصحيحة

فصلان : استجابة الإمام لتنبيه المأمومين ومتابعتهم
فصل : إذا سبح به اثنان يثق بقولهما لزمه قبوله والرجوع إليه سواء غلب على ظنه صوابهما أو خلافه وقال الشافعي إن غلب ظنه خطأهما لم يعمل بقولهما لأن من شك في فعل نفسه لم يعمل بقول غيره كالحاكم إذا نسي حكما حكم به فشهده به شاهدان وهو لا يذكره ز
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم رجع إلى قوله أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في حديث ذي اليدين لما سالهما : [ أحق ما يقول ذو اليدين ؟ ] فقالا نعم مع أنه كان شاكا بدليل أنه أنكر ما قاله ذو اليدين وسألهما عن صحة قوله وهذا دليل على شكه ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أمرهم بالتسبيح ليذكروا الإمام ويعمل بقولهم وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى فزاد ونقص إلى قوله : إنما أنا بشر أنسى فإذا نسيت فذكروني يعني بالتسبيح كما روي عنه في الحديث الآخر وكذا نقول في الحاكم أنه يرجع إلى قول الشاهدين وإن كان الإمام على يقين من صوابه وخطأ المأمومين لم يجز له متابعتهم وقال أبو الخطاب يلزمه الرجوع إلى قولهم كالحاكم يحكم بالشاهدين ويترك يقين نفسه وليس بصحيح فإنه يعلم خطأهم فلا يتبهم في الخطأ وكذا نقول في الشاهدين متى علم الحاكم كذبهما لم يجز له الحكم بقولهما لأنه يعلم أنهما شاهدا زور فلا يحل له الحكم بقول الزور وإنما اعتبرت العدالة في الشهادة ليغلب على الظن صدق الشهود وردت شهادة غيرهم لأنه لا يعلم صدقهم فمع يقين العلم بالكذب أولى أن لا يقبل وإذا ثبت هذا فإنه إذا سبح به المأمومون فلم يرجع في موضع يلزمهم الرجوع بطلت صلاته نص عليه أحمد وليس للمأمومين اتباعه فإن اتبعوه لم يخل من أن يكونوا عالمين بتحريم ذلك أو جاهلين به فإن كانوا عالمين بطلت صلاتهم لأنهم تركوا الواجب عمدا وقال القاضي في هذا ثلاث روايات إحداهما أنه لا يجوز لهم متابعته ولا يلزمهم انتظاره إن كان نسيانه في زيادة يأتي بها وإن فارقوه وسلموا صحت صلاتهم وهذا اختيار الخلال والثانية يتابعونه في القيام اسحسانا والثالثة لا يتابعونه ولا يسلمون قبله لكن ينتظرونه ليسلم بهم وهو اختيار ابن حامد والأول أولى لأن الإمام مخطئ في ترك متابعتهم فلا يجوز إتباعه على الخطأ الحال الثاني أن تابعوه جهلا بتحريم ذلك فإن صلاتهم صحيحة لأن أصحبا النبي صلى الله عليه و سلم تابعوه في التسليم في حديث ذي اليدين وفي الخامسة في حديث ابن مسعود فلم تبطل صلاتهم وروى الأثرم بإسناده عن الزبير أنه صلى صلاة العصر فلما سلم قال له رجل من القوم : يا أبا عبد الله إنك صليت ركعات ثلاثا قال : أكذاك قالوا نعم فرجع فصلى ركعة ثم سجد سجدتين : وعن إبراهيم قال : صلى بنا علقمة الظهر خمسا فلما سلم قال القوم : يا أبا شبل قد صليت خمسا قال : كلا ما فعلت قالوا : بلى قال وكنت في ناحية القوم وأنا غلام فقلت بلى قد صليت خمسا قال لي يا أعور وأنت تقول ذلك أيضا قلت نعم فسجد سجدتين فلم يأمروا من وراءهم بالإعادة فإن سجوده قبل السلام لما فعله من الزيادة في الصلاة سهوا قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل جلس في الركعة الأولى من الفجر فسبحوا به فقام متى يسجد للسهو ؟ فقال قبل السلام
فصل : فإن سبح بالإمام واحد لم يرجع إلى قوله إلا أن يغلب على ظنه صدقه فيعمل بغالب ظنه لا يستبيحه لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يقبل قول ذي اليدين وحده فإن سبح فساق لم يرجع إلى قولهم لأن قولهم غير مقبول في أحكام الشرع وإن افترق المأمومون طائفتين وافقه قوم وخالفه آخرون سقط قولهم لتعارضهم كالبينتين إذا تعارضتا ومتى لم يرجع وكان المأموم على يقين من خطأ الإمام لم يتابعه في أفعال الصلاة وليس هذا منها وينبغي أن ينتظره ههنا لأن صلاة الإمام صحيحة لم تفسد بزيادة فينتظره كما ينتظر الإمام المأمومين في صلاة الخوف

مسألة وفصل : سجود السهو قبل السلام وبعده وحكم من ترك ركنا من ركعة
مسألة : قال : وما عدا هذا من السهو فسجوده قبل السلام مثل المنفرد إذا شك في صلاته فلم يدركم صلى فبنى على اليقين أو قام في موضع جلوس أو جلس في موضع قيام أو جهر في موضع تخافت أو خافت في موضع جهر أو صلى خمسا أو ما عدا ذلك من السهو فكل ذلك يسجد له قبل السلام
وجملة ذلك أن السجود كله عند أحمد قبل السلام إلا في موضعين اللذين ورد النص بسجودهما بعد السلام وهما إذا سلم من نقص في صلاته أو تحرى الإمام فبنى على غالب ظنه وما عداهما يسجد له قبل السلام نص على هذا في رواية الأثرم قال أنا أقول كل سهو جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه يسجد فيه بعد السلام وسائر السجود يسجد فيه قبل السلام هو أصح في لمعنى وذلك أنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل أن يسلم ثم قال سجد النبي صلى الله عليه و سلم في ثلاثة مواضع بعد السلام وفي غيرها قبل السلام قلت اشرح الثالثة مواضع التي بعد السلام قال سلم من ركعتين فسجد بعد السلام هذا حديث ذي اليدين وسلم من ثلاث فسجد بعد السلام هذا حديث عمران بن حصين وحديق ابن مسعود في موضع التحري سجد بعد السلام قال القاضي : لا يختلف قول أحمد في هذين الموضعين أنه يسجد لهما بعد السلام واختلف فيمن سها فصلى خمسا هل يسجد قبل السلام أو بعده على روايتين وما عدا هذه المواضع يسجد لها قبل السلام رواية واحدة وبهذا قال سليمان بن داود و أبو خيثمة و ابن المنذر وحكى أبو الخطاب عن أحمد روايتين أخريين إحداهما أن السجود كله قبل السلام روي ذلك عن أبي هريرة و مكحول و الزهري و يحيى الأنصاري و ربيعة و الليث و الأوزاعي وهو مذهب الشافعي لحديث ابن بحينة وأبي سعيد وقال الزهري كان آخر الأمرين السجود قبل السلام ولأنه تمام الصلاة وجبر لنقصها فكان قبل سلامها كسائر أفعالها والثانية أن ما كان من نقص سجد له قبل السلام لحديث ابن بحينة وما كان من زيادة سجد له بعد السلام لحديث ذي اليدين وحديث ابن مسعود حين صلى النبي صلى الله عليه و سلم خمسا وهذا مذهب مالك و أبي ثور
وروي عن ابن مسعود أنه قال : كل شيء شككت فيه من صلاتك من نقصان من ركوع أو سجود أو غير ذلك فاستقبل أكثر ظنه واجعل سجدتي السهو من هذا النحو قبل التسليم فأما غير ذلك من السهو فاجعله بعد التسليم وراه سعيد وقال أصحاب الرأي : سجود السهو كله بعد السلام وله فعلهما قبل السلام يروى نحو ذلك عن علي وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعمار وابن عباس وابن الزبير وأنس و الحسن و النخعي و ابن أبي ليلى لحديث ذي اليدين وحديث ابن مسعود في التحري : وروى ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لكل سهو سجدتين بعد التسليم ] رواه سعيد وعن عبد الله بن جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم ] رواهما أبو داود
ولنا : أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم السجود قبل السلام وبعده في أحاديث صحيحة متفق عليها ففيما ذكرناه عمل بالأحاديث كلها وجمع بينها من غير ترك شيء منها وذلك واجب مهما أمكن فإن خبر النبي صلى الله عليه و سلم حجة يجب المصير إليه والعمل به ولا يترك إلا لعارض مثله أو أقوى منه وليس في سجوده بعد السلام أو قبله في صورة ما ينفي سجوده في صورة أخرى في غير ذلك الموضع وذكر نسح حديث ذي اليدين لا وجه له فإن رواييه أبا هريرة وعمران بن حصين هجرتهما متأخرة وقول الزهري مرسل لا يقتضي نسخا فإنه لا يجوز أن يكون آخر الأمرين سجوده قبل السلام لوقوع السهو في آخر الأمر فيما سجوده قبل السلام وحديث ثوبان راويه إسماعيل بن عياش وفي روايته عن أهل الحجاز ضعف وحديث ابن جعفر فيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف وقال الأثرم : لا يثبت واحد منهما
فصل : في تفصيل المسائل التي ذكرها الخرقي في هذه المسألة قوله : مثل المنفرد إذا شك في صلاته فلم يدركم صلى فبنى على اليقين قد ذكرنا أن ظاهر المذهب أن المنفرد يبني على اليقين ومعناه أنه ينظر ما تيقن أنه صلاة من الركعات فيتم عليه ويلغي ما شك فيه كما قال النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عبد الرحمن بن عوف [ إذا شك أحدكم في الثنتين والواحدة فليجعلها واحدة وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها اثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ] رواه ابن ماجة هكذا وسواء غلب على ظنه خلاف ذلك أم لم يغلب على ظنه إلا أن يكون هذا الوهم مثل الوسواس فقد قال ابن أبي موسى إذا كثر السهو حتى يصير مثل الوسواس لها عنه وذكرنا أن في المنفرد رواية أخرى أنه يبني على ما يغلب على ظنه والصحيح في المذهب ما ذكر الخراقي رحمه الله والحكم في الإمام إذا بنى على اليقين أنه يسجد قبل السلام كالمنفرد وإذا تحرى المنفرد وإذا تحرى المنفرد على الرواية الأخرى سجد بعد السلام

مواضع السجود للسهو من تكلم في الصلاة ساهيا أو جاهلا
فصل : قوله : أو قام في موضع جلوس أو جلس في موضع قيام أكثر أهل العلم يرون أن هذا يسجد له وممن قال ذلك ابن مسعود وقتادة و الثوري و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي وكان علقمة والأسود يقعدان في الشيء يقام فيه ويقومان في الشيء يقعد فيه فلا يسجدان
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ] وقال : [ إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين ] رواهما مسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم وقوله عليه الصلاة و السلام : [ لكل سهو سجدتان بعد السلام ] رواه أبو داود ولأنه سهو فسجد له كغيره مع ما نذكره في تفصيل المسائل فأما القيام في موضع الجلوس ففي ثلاث صور إحداهما أن يترك التشهد الأول ويقوم فيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : ذكره قبل اعتداله قائما فيلزمه الرجوع إلى التشهد وممن قال يجلس علقمة و الضحاك و قتادة و الأوزاعي و الشافعي و ابن المنذر وقال مالك : إن فارقت أليتاه الأرض مضى وقال حسان بن عطية إذا تجافت ركبتاه عن الأرض مضى
ولنا : ما روى المغير بن شعبة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس فإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو ] رواه أبو داود و ابن ماجة ولأنه أخل بواجب ذكره قبل الشروع في ركن مقصود فلزمه الإتيان به كما لو لم تفارق اليتاه الأرض
المسألة الثانية : ذكره بعد اعتداله قائما وقبل شروعه في القراءة فالأولى له أن لا يجلس وإن جلس جاز نص عليه قال : النخعي يرجع ما لم يستفتح القراءة وقال حماد بن أبي سفيان إن ذكر ساعة يقوم جلس
ولنا : حديث المغيرة وما نذكره فيما بعد ولأنه بعد الشروع في ركن فلم يلزمه الرجوع كما لو ذكره بعد الشروع في القراءة ويحتمل أنه لا يجوز له الرجوع لحديث المغيرة ولأنه شرع في ركن فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في القراءة
المسألة الثالثة : ذكره بعد الشروع في القراءة فلا يجوز له الرجوع ويمضي في صلاته في قول أكثر أهل العلم وممن روي عنه أنه لا يرجع عمر وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود والمغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وابن الزبير و الضحاك بن قيس و عقبة بن عامر هو قول أكثر الفقهاء وقال الحسن يرجع ما لم يركع وليس بصحيح لحديث المغيرة تلد وروى أبو بكر الآجري بإسناده عن معاوية أنه صلى بهم فقام في الركعتين وعليه الجلوس فسبح به فأبى أن يجلس حتى إذا جلس يسلم سجد سجدتين وهو جالس ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل هذا ولأنه شرع في ركن مقصود فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في الركوع إذا ثبت هذا فإنه يسجد قبل السلام في جميع هذه المسائل لحديث معاوية ولما روى عبد الله بن مالك بن بحينة أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس فقام الناس معه فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم متفق عليه

فصل : من نسي التشهد في الصلاة
فصل : إذا علم المأمومون بتركه التشهد الأول قبل قيامهم وبعد قيام إمامهم تابعوه في القيام ولم يجلسوا للتشهد لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما سها عن التشهد الأول وقام قام الناس معه وفعله جماعة من الصحابة ممن صلى بالناس نهضوا في الثانية عن الجلوس فسبحوا بهم فلم يلتفتوا إلى من سبح بهم وبعضهم أومأ إليهم بالقيام فقاموا قالوا ومما احتج به أحمد من فعل الصحابة أنهم كانوا يقومون معه قال : حدثنا يزيد ين هارون أخبرنا المسعودي عن هلال بن علاثة قال : صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتين وسلم ثم قال : هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : وحدثنا وكيع قال : أخبرنا عمران بن حدير عن مضر بن عاصم الليثي قال : أمرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القعدة فسبحوا به فقال سبحان الله هكذا أي قوموا وروي بإسناده مثل ذلك عن سعد و رواه الآجري عن ابن مسعود عن عقبة بن عامر وقال أني سمعتكم تقولون سبحان الله لكيما أجلس فليست تلك السنة إنما السنة التي صنعت وقد ذكرنا حديث ابن بحينة فأما إن سبحوا به قبل قيامه ولم يرجع تشهدوا لأنفسهم ولم يتبعوه في تركه لأنه ترك واجبا تعين فعله عليه فلم يكن لهم متابعته في تركه ولو رجع إلى التشهد بعد شروعه في القراءة لم يكن لهم متابعته في ذلك لأنه أخطأ فأما الإمام فمتى فعل ذلك عالما بتحريمه بطلت صلاته لأنه زاد في الصلاة من جنسها عمدا أو ترك واجبا عمدا وإن كان جاهلا بالتحريم أو ناسيا لم تبطل لأنه زاد في الصلاة سهوا ومتى علم بتحريم ذلك وهو في التشهد نهض ولم يتم الجلوس ولو ذكر الإمام التشهد قبل انتصابه وبعد قيام المأمومين وشروعهم في القراءة فرجع لزمهم الرجوع لأن الإمام رجع إلى واجب فلزمهم متابعته ولا اعتبار بقيامهم قبله

فصل : من ترك ركنا من الصلاة ومن تكلم فيها
فصل : وإن نسي التشهد دون الجلوس له فحكمه في الرجوع إليه حكم ما لو نسيه مع الجلوس لأن التشهد هو المقصود فأما أن نسي شيئا من الأذكار الواجبة : تسبيح الركوع والسجود وقول رب اغفر لي بين السجدتين وقول ربنا ولك الحمد فإنه لا يرجع إليه بعد الخروج من محله لأن محل الذكر ركن قد وقع مجزئا صحيحا فلو رجع إليه لكان زيادة في الصلاة وتكرارا لركن ثم يأتي بالذكر في ركوع أو سجود زائد غير مشروع بخلاف التشهد ولكنه يمضي ويسجد للسهو لتركه قياسا على ترك التشهد الصورة الثانية قام من السجدة الأولى لولم يجلس للفصل بين السجدتين فهذا قد ترك ركنين جلسة الفصل والسجدة الثانية فلا يخلو من حالين أحدهما أن يذكر قبل الشروع في القراءة فيلزمه الرجوع وهذا قول مالك و الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا فإذا رفع فإنه يجلس جلسة الفصل ثم يسجد السجدة الثانية ثم يقوم إلى الركعة الأخرى وقال بعض أصحاب الشافعي لا يحتاج إلى الجلوس لأن الفصل قد حصل بالقيام وليس بصحيح لأن الجلسة واجبة ولا ينوب عنها القيام كما لو عمد ذلك فأما إن كان جلس للفصل ثم قام ولم يسجد فإنه يسجد ولا يلزمه الجلوس وقيل يلزمه ليأتي بالسجدة عن جلوس ولا يصح لأنه أتى بالجلسة فلم تبطل بسهو بعدها كالسجدة الأولى ويصير كأنه سجد عقيب الجلوس فإن كان يظن أنه سجد سجدتين وجلس جلسة الأستراحة لم يجزه عن جلسة الفصل لأنها هيئة فلا تنوب عن الواجب كما لو ترك سجدة من ركعة ثم سجد للتلاوة وهكذا الحكم في ترك ركن غير السجود مثل الركوع أو الأعتدال عنه فإنه يرجع إليه متى ذكره قبل الشروع في قراءة الركعة الأخرى فيأتي به ثم بما بعده لأن ما أتى به بعده غير معتد به لفوات الترتيب الحال الثاني ترك ركنا أما سجدة أو ركوعا ساهيا ثم ذكره بعد الشروع في قراءة الركعة التي يليها بطلت الركعة التي ترك الركن منها وصارت التي شرع في قراءتها مكانها نص على هذا أحمد في رواية الجماعة قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن رجل صلى ركعة ثم قام ليصلي أخرى فذكر أنه سجد للركعة الأولى سجدة واحدة فقال إن كان أول ما قام قبل أن يحدث عمله للأخرى فإنه ينحط ويسجد ويعتد بها وإن كان أحدث عمله للأخرى ألغى الأولى وجعل هذه الأولى قلت يستفتح أو يجزئ الأستفتاح الأول ؟ قال لا يستفتح ويجزئه الأول قلت فنسي سجدتين من ركعتين قال لا يعتد بتينك الركعتين والاستفتاح ثابت وهذا قول إسحاق وقال الشافعي إذا ذكر الركن المتروك قبل السجود في الثانية فإن يعود إلى السجدة الأولى وإن ذكره بعد سجوده في الثانية وقعتا عن الأولى لأن الركعة الأولى قد صح فعلها وما فعله في الثانية سهوا لا يبطل الأولى كما لو ذكر قبل القراءة وقد ذكر أحمد هذا القول عن الشافعي وقربه وقال هو أشبه يعني من قول أصحاب أبي حنيفة إلا أنه اختار القول الذي حكاه عنه الأثرم وقال مالك إن ترك سجدة فذكرها قبل رفع رأسه من ركوع الثانية ألغى الأولى وقال الحسن و النخعي و الأوزاعي من نسي سجدة ثم ذكرها سجدها في الصلاة متى ما ذكرها وقال الأوزاعي يرجع إلى حيث كان من الصلاة وقت ذكرها فيمضي فيها وقال أصحاب الرأي فيمن نسي أربع سجدات من أربع ركعات ثم ذكرها في التشهد سجد في الحال أربع سجدات وتمت صلاته
ولنا : أن المرحوم في الجمعة إذا زال الزحام والإمام راكع في الثانية فإنه يتبعه ويسجد معه ويكون السجود من الثانية دون الأولى كذا ههنا

فصل : من ترك واجبا عمدا قام عن التشهد الأخير
فصل : فإن مضى في موضع يلزمه الرجوع أو رجع في موضع يلزمه المضي عالما بتحريم ذلك فسدت صلاته لأنه ترك واجبا في الصلاة عمدا وإن فعل ذلك معتقدا جوازه لم تبطل لأنه تركه من غير تعمد أشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك لكن إذا مضى في موضع يلزمه الرجوع فسدت الركعة التي ترك ركنها كما لو لم يذكره إلا بعد مشروعه في قراءة غيرها فلم يعد إلى الصحة بحال الصورة الثالثة قام عن التشهد الأخير إلى زائد فإنه يرجع إليه متى ما ذكره لأنه قام إلى زيادة غير معتد له بها فلزمه الرجوع كما لو ذكر قبل السجود ويأتي تفصيل هذه الصورة فيما إذا صلى خمسا وفي هذه الصور الثلاث يلزمه السجود قبل السلام

فصل : أو جلس في موضع قيام
فصل : قوله أو جلس في موضع قيام فهذا يتصور بأن يجلس عقيب الأولى أو الثالثة يظن أنه موضع التشهد أو جلسة الفصل فمتى ما ذكر قام وإن لم يذكر حتى قام أتم صلاته وسجد للسهو لأنه زاد في الصلاة من جنسها ما لو فعله عمدا أبطلها فلزمه السجود إذا كان سهوا كزيادة ركعة

حكم الزيادة في الصلاة زيادة أفعال أو زيادة أقوال
فصل : والزيادات على ضربين زيادة أفعال وزيادة أقوال فزيادات الأفعال قسمان : أحدهما زيادة من جنس الصلاة مثل أن يقوم في موضع جلوس أو يجلس في موضع قيام أو يزيد ركعة أو ركنا فهذا تبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه قليلا كان أو كثيرا لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين ] رواه مسلم والثاني من غير جنس الصلاة كالمشي والحك والتروح فهذا تبطل الصلاة بكثره ويعفى عن يسيره ولا يسجد له ولا فرق بين عمده وسهوه الضرب الثاني زيادات الأقوال وهي قسمان أيضا أحدهما ما يبطل عمده الصلاة كالسلام وكلام الآدميين فإذا أتى به سهوا فسلم في غير موضعه سجد على ما ذكرناه في حديث ذي اليدين وإن تكلم في الصلاة سهوا فهل تبطل الصلاة به أو يسجد للسهو ؟ على روايتين القسم الثاني ما لا يبطل عمده الصلاة وهو نوعان أحدهما أن يأتي بذكر مشروع في الصلاة في غير محله كالقراءة في الركوع والسجود والتشهد في القيام والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في التشهد الأول وقراءة السورة في الأخريين من الرباعية أو الأخيرة من المغرب وما أشبه ذلك إذا فعله سهوا فهل يشرع له سجود السهو ؟ على روايتين إحداهما لا يشرع له سجود لأن الصلاة لا تبطل بعمده فلم يشرع السجود لسهوه كترك سنن الأفعال والثانية يشرع له السجود لقوله عليه الصلاة و السلام : [ إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ] رواه مسلم فإذا قلنا يشرع له السجود فذلك مستحب غير واجب لأنه جبر لغير واجب فلم يكن واجبا كجبر سائر السنن قال أحمد : إنما السهو الذي يجب فيه السجود ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم ولأن الأصل عدم وجوب السجود النوع الثاني أن يأتي فيها بذكر أو دعاء لم يرد الشرع به فيها كقوله آمين رب العالمين : وقوله في التكبير الله أكبر كبيرا - ونحو ذلك فهذا لا يشرع له في السجود لأنه روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سمع رجلا يقول في الصلاة : الحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى فلم يأمره بالسجود
فصل : وإذا جلس في غسر موضع التشهد قدر جلسة الإستراحة فقال القاضي يلزمه السجود سواء قلنا جلسة الإستراحة مسنونة أو لم نقل ذلك لأنه لم يردها بجلوسه إنما أراد غيرها وكان سهوا ويحتمل أن لا يلزمه لأنه فعل لو تعمده لم تبطل صلاته فلا يسجد لسهوه كالعمل اليسير من غير جنس الصلاة
فصل : قوله أو جهر في موضع تخافت أو خافت في موضع جهر وجملة ذلك أن الجهر والإخفات في موضعهما من سنن الصلاة لا تبطل الصلاة بتركه عمدا وإن تركه سهوا فهل يشرع له السجود من أجله ؟ فيه عن أحمد روايتان إحداهما لا يشرع قال الحسن و عطاء و سالم و مجاهد و القاسم و الشعبي و الحاكم لا سهو عليه وجهر أنس في الظهر والعصر ولم يسجد وكذلك علقمة والأسود وهذا مذهب الأوزاعي و الشافعي لأنه سنة فلا يشرع السجود لتركه كرفع اليدين والثانية يشرع وهو مذهب مالك و أبي حنيفة في الإمام لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ] ولأنه أخل بسنة قولية فشرع السجود لها كترك القنوت وما ذكروه يبطل بالقنوت وبالتشهد الأول فإنه عند الشافعي سنة ويسجد تاركه فإذا قلنا بهذا كان السجود مستحبا غير واجب نص عليه أحمد قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل سها فجهر فيما يخافت فيه فهل عليه سجدتا السهو ؟ قال أما عليه فلا أقول عليه ولكن إن شاء سجد وذكر أبو عبد الله الحديث عن عمر أو غيره أنه كان يسمع منع نغمة في صلاة الظهر قال وأنس جهر فلم يسجد وقال إنما السهو الذي يجب فيه السجود ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال صالح : قال أبي أن سجد فلا بأس وإن لم يسجد فليس عليه ولأنه جبر لما ليس بواجب فلم يكن واجباص كسائر السنن
فصل : قوله أو صلى خمسا يعني في صلاة رباعية فإنه متى قام إلى الخامسة في الرباعية أو إلى الرابعة في المغرب أو إلى الثالثة في الصبح لزمه الرجوع متى ما ذكر فيجلس فإن كان قد تشهد عقيب الركعة التي تمت بها صلاته سجد للسهو ثم يسلم وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه و سلم صلى عليه ثم سجد للسهو وسلم وإن لم يكن تشهد وسجد للسهو ثم سلم فإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة سجد سجدتين عقيب ذكره وتشهد وصلاته صحيحة وبهذا قال علقمة و الحسن و عطاء و الزهري و النخعي و مالك و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وقال أبو حنيفة إن ذكر قبل أن يسجد جلس للتشهد وإن ذكر بعد السجود وكان جلس عقيب الرابعة قد التشهد صحت صلاته ويضيف إلى الزيادة أخرى لتكون نافلة فإن لم يكن جلس في الرابعة بطل فرضه وصارت صلاته نافلة ولزمه إعادة الصلاة ونحوه قال حماد بن أبي سليمان وقال قتادة و الأوزاعي فيمن صلى المغرب أربعا يضيف إليها أخرى فتكون الركعتان تطوعا لقول النبي صلى الله عليه و سلم : في حديث أبي سعيد فيمن سجد سجدتين : [ فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة ] رواه أبو داود و ابن ماجة وفي رواية [ فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته ] رواه مسلم
ولنا : ما [ روى عبد الله بن مسعود قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسا فلما انفتل توشوش القوم بينهم فقال : ما شأنكم ؟ قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة ؟ قال : لا قالوا فإنك قد صليت خمسا فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم ثم قال : إنما انا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ] وفي رواية قال : [ إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ] ثم سجد سجدتي السهو وفي رواية فقال : [ فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين ] وراه كله مسلم والظاهر أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجلس عقيب الرابعة لأنه لم ينقل ولأنه قام إلى الخامسة معتقدا أنه قام عن ثالثة ولم تبطل صلاته بهذا ولم يضف إلى الخامسة أخرى وحديث أبي سعيد حجة عليهم أيضا فإنه جعل الزائدة نافلة من غير أن يفصل بينها وبين التي قبلها بجلوس وجعل السجدتين يشفعانها ولم يضم إليها ركعة وهذا خلاف لما قالوه فقد خالفوا الخبرين جميعا وقولنا يوافق الخبرين جميعا والحمد لله رب العالمين
og fأخأأخ

مسألة وفصول : حكم نسيان سجود السهو ثم تذكره
مسألة : قال : فإن نسي أن عليه سجود سهو وسلم كبر وسجد سجدتي السهو وتشهد وسلم ما كان في المسجد وإن تكلم لأن النبي صلى الله عليه و سلم سجد بعد السلام والكلام
الكلام في هذه المسألة في ثلاثة فصول
الفصل الأول : أنه إذا نسي سجود السهو ثم ذكره قبل طول الفصل في المسجد فإنه يسجد سواء تكلم أو لم يتكلم وبهذا قال مالك و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و كان الحسن و ابن سيرين يقولان إذا صرف وجهه عن القبلة لم يبن ولم يسجد وقال أبو حنيفة إن تكلم بعد الصلاة سقط عنه سجود السهو ولأنه أتى بما ينافيها فأشبه ما لو أحدث
ولنا : ما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد بعد السلام والكلام رواه مسلم وأيضا الحديث الذي ذكرناه في المسألة التي قبل هذه فإنه عليه الصلاة و السلام تكلم وتكلم المأمومون ثم سجد وسجدوا معه وهذا حجة على الحسن و ابن سيرين لقوله فلما انفتل توشوش القوم بينهم ثم سجد بعد انصرافه عن القبلة ولأنه إذا جاز إتمام ركعتين من الصلاة بعد الكلام والأنصراف كما في حديث ذي اليدين فالسجود أولى
الفصل الثاني : أنه لا يسجد بعد طول المدة واختلف في ضبط المدة التي يسجد فيها ففي قول الخرقي يسجد ما كان في المسجد وإن خرج لم يسجد نص عليه أحمد وهو قول الحكم و ابن شبرمة وقال القاضي : يرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة وهذا قول الشافعي لأن النبي صلى الله عليه و سلم رجع إلى المسجد بعد خروجه منه في حديث عمران بن حصين فالسجود أولى وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أنه يسجد وإن خرج وتباعد وهو قول ل الشافعي لأنه جبران يأتي به بعد طول الزمان كجبران الحج وهذا قول مالك إن كان لزيادة وإن كان لنقص أتى به ما لم يطل الفصل لأنه لتكميل الصلاة
ولنا : أنه لتكميل الصلاة فلا يأتي به بعد طول الفصل كركن من أركانها وكما لو كان من نقص وإنما ضبطناه بالمسجد لأنه محل الصلاة وموضعها فاعتبرت فيه المدة كخيار المجلس
الفصل الثالث : أنه متى سجد للسهو فإنه يكبر للسجود والرفع منه سواء كان قبل السلام أو بعده فإن كان قبل السلام سلم عقبه وإن كان بعده تشهد وسلم سواء كان محله بعد السلام أو كان قبل السلام فنسيه إلى ما بعده وبهذا قال ابن مسعود و النخعي و قتادة و الحكم و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي في التشهد والسلام وقال أنس و الحسن و عطاء ليس فيهما تشهد ولا تسليم وقال ابن سيرين و ابن المنذر فيهما تسليم بغير تشهد قال ابن المنذر : التسليم فيهما ثابت من غير وجه وفي ثبوت التشهد نظر وعن عطاء إن شاء تشهد وسلم وإن شاء لم يفعل
ولنا : على التكبير قول ابن بحينة فلما قضى الصلاة سجد سجدتين كبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدهما الناس معه وهو حديث صحيح وقول أبي هريرة ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ولأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يكبر في كل رفع وخفض وأما التسليم فقد ذكره عمران بن حصين في حديث الذي رواه مسلم قال فيه سجد سجدتي السهو ثم سلم وفي حديث ابن مسعود ثم سجد سجدتين ثم سلم وأما التشهد فقد روى أبو داود في حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد كسجود صلب الصلاة ويحتمل أن لا يجب التشهد لأن ظاهر الحديثين الأولين أنه سلم من غير تشهد وهما أصح من هذه الرواية ولأنه سجود مفرد فلم يجب له تشهد كسجود التلاوة
فصل : وإذا نسي سجود السهو حتى طال الفصل لم تبطل الصلاة وبذلك قال الشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أنه إن خرج من المسجد أعاد الصلاة وهو قول الحكم و ابن شبرمة وقول مالك و أبي ثور في السجود الذي قبل السلام
ولنا : أنه جابر للعبادة بعدها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج ولأنه مشروع للصلاة خارج منها فلم تفسد بتركه كالأذان
فصل : ويقول في سجوده ما يقول في سجود صلب الصلاة ولأنه سجود مشروع في الصلاة أشبه سجود صلب الصلاة
فصل : وإن نسي السجود حتى شرع في صلاة أخرى سجد بعد فراغه مها في ظاهر كلام الخرقي لأنه في المسجد وعلى قول غيره إن طال الفصل لم يسجد وإلا سجد

فصل : سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة
فصل : وسجود السهو لم يبطل عمده الصلاة واجب وعن أحمد غير واجب ولعل مبناها على أن الواجبات التي شرع السجود لجبرها غير واجبة فيكون جبرها غير واجب وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ كانت الركعة والسجدتان نافلة له ]
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر به في حديث ابن مسعود وأبي سعيد وفعله وقال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] وقوله نافلة يعني أن له ثوابا فيه كما أنه سمي الركعة أيضا نافلة وهي واجبة على الساهي بلا خلاف فأما المشروع لما لا يبطل عمده الصلاة فغير واجب قال أحمد : إنما يجب السجود فيما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم يعني وما كان في معناه فنقيس على زيادة خامسة سائر زيادات الأفعال من جنس الصلاة وعلى ترك التشهد ترك غيره من الواجبات وعلى التسليم من نقصان زيادات الأقوال المبطلة عمدا

فصل : ترك السجود السهو الواجب
فصل : فإن ترك الواجب عمدا فإن كان قبل السلام بطلت صلاته لأنه أخل بواجب في الصلاة عمدا وإن ترك الواجب بعد السلام لم تبطل صلاته لأنه جبر للعبادة خارج منها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج وسواء كان محله بعد السلام أو قبله فنسيه فصار بعد السلام وقد نقل عن أحمد ما يدل على بطلان الصلاة ونقل عنه التوقف فنقل عنه الأثرم فيمن نسي سجود السهو فقال إن كان في سهو خفيف فأرجو أن لا يكون عليه تلد قلت فإن كان فيما سها فيه النبي صلى الله عليه و سلم فقال : هاه ولم يجب فبلغني عنه أنه يستحب أن يعيد فإن كان هذا في السهو ففي العمد أولى

مسألة : إن نسي أربع سجدات من أربع ركعات
مسألة : قال : وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة تصح له ركعة ويأتي بثلاث ركعات ويسجد للسهو في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله رحمه الله والرواية الأخرى قال : كان هذا يلعب يبتدئ الصلاة من أولها
هذه المسألة مبنية على من ترك ركنا من ركعة فلم يذكره إلا في التي بعدها وقد ذكرنا أنه إذا لم يذكره حتى شرع في قراءة التي بعدها بطلت فلما شرع في قراءة الثانية ههنا قبل ذكر سجدة الأولى بطلت الأولى ولما شرع في قراءة الثالثة قبل ذكر سجدة الثانية بطلت الثانية وكذلك الثالثة تبطل بالشروع في قراءة الرابعة فلم يبق إلا الرابعة ولم يسجد فيها إلا سجدة فيسجد الثانية حين ذكر ويتم له ركعة ويأتي بثلاث ركعان وهذا قول مالك و الليث لأن كل ركعة بطلت بشروعه في الثانية قبل إتمام الأولى وفيه رواية أخرى عن أحمد أن صلاته تبطل ويبتدئها لأن هذا يؤدي إلى أن يكون متلاعبا بصلاته ثم يحتاج إلى إلغاء عمل كثير في الصلاة فإن بين التحريمة والركعة المعتد بها ثلاث ركعات لاغية وهذا قول إسحاق و أبي بكر الآجري وقال الشافعي يصح له ركعتان لأنه لما قام إلى الثانية سهوا قبل إتمام الأولى كان عمله فيها لاغيا فلما سجد فيها انضمت سجدتها إلى سجدة الأولى فكملت له ركعة وهكذا الثالثة والرابعة يحصل له منها ركعة وحكى أبو عبد الله هذ القول عن الشافعي ثم قال : هو أشبه مما يقول هؤلاء - يعني أصحاب الرأي قال الأثرم : فقلت له فإنه إذا فعل لا يستقيم لأنه إنما نوى بهذه السجدة عن الثانية لا عن الأولى قال فكذلك أقول أنه يحتاج أن يسجد لكل ركعة سجدتين ويحتلم أن يكون هذا القول المحكي عن الشافعي هو الصحيح وأن يكون مذهبا ل أحمد لأنه قد حسنه وإنما اعتذر عن المصير إليه لكونه إنما نوى بالسجدة الثانية عن الركعة الثانية وهذا لا يمنع جعلها عن الأولى كما لو سجد في الركعة الأولى يحسب أنه في الثانية أو سجد في الثانية يحسب أنه في الأولى والله أعلم وقال الثوري وأصحاب الرأي يسجد في الحال أربع سجدات وقال الحسن بن صالح فيمن نسي من كل ركعة سجدتيها يسجد في الحال ثماني سجدات وهذا فاسد لأن ترتيب الصلاة شرط فيها فلا يسقط بالنسيان كما لو قدم السجود على الركوع ناسيا وإن لم يذكر حتى سلم ابتدأ الصلاة فإنه لم يبق له غير ركعة تنقص سجدة فإذا سلم بطلت أيضا نص أحمد على بطلانها في رواية الأثرم فحينئذ يستأنف الصلاة

فصل : ومن ترك سجدة من الأولى فذكرها في التشهد الأخير
فصل : وإذا ترك ركنا ثم ذكره ولم يعلم موضعه بنى الأمر على أسوأ الأحوال مثل أن يترك سجدة لا يعلم أمن الركعة الرابعة أم من الركعة التي قبلها ؟ جعلها من التي قبلها لأنه يلزمه حينئذ ركعة كاملةولو حسبها من الركعة الرابعة أجزأته سجدة واحدة فإن ترك سجدتين لا يعلم أمن الركعتين جعلهما من ركعتين ليلزمه ركعتان وإن علم أنه ترك ركنا من ركعة هو فيها لا يعلم أركوع هو أم سجود جعله ركوعا ليلزمه الإتيان به وبما بعده وعلى قياس هذا يأتي بما تيقن به إتمام الصلاة لئلا يخرج منها وهو شاك فيها فيكون مغررا بها وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا غرار في صلاة ولا تسليم ] رواه أبو داود قال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن تفسير هذا الحديث قال : أما أنا فأرى أن لا يخرج منها إلا على يقين لا يخرج منها على غرر حتى يتيقن أنها قد تمت ولو ترك سجدة من الأولى فذكرها في التشهد أتى بركعة وأجزأته وقد روى الأثرم بإسناده عن الحسن في رجل صلى العصر أو غيرها فنسي أن يركع في الثانية حتى ذكر ذلك في الرابعة قال : يمضي في صلاته ويتمها أربع ركعات ولا يحتسب بالتي لم يركع فيها ثم يسجد للوهم

فصل : السجود للشك في الصلاة
فصل : وإن شك في ترك ركن من أركان الصلاة وهو فيها هل أخل به أو لا ؟ فحكمه حكم من لم يأت به إماما كان أو منفردا لأن الأصل عدمه وإن شك في زيادة توجب السجود فلا سجود عليه لأن الأصل عدمها فلا يجب السجود بالشك فيها وإن شك في ترك واجب تركه سجود السهو فقال ابن حامد : لا سجود عليه لأنه شك في سببه فلم يلزمه بالشك كما لو شك في الزيادة وقال القاضي : يحتمل أن يلزمه السجود لأن الأصل عدمه ولو شك في عدد الركعات أو في ركن في الصلاة لم يسجد لأن السجود لزيادة أو نقص أو احتمال ذلك ولم يوجد

فصل : حصول سهوين أو أكثر في الصلاة
فصل : إذا سها سهوين أو أكثر من جنس كفاه سجدتان للجميع لا نعلم أحدا خالف فيه وإن كان السهو من جنسين فكذلك حكاه ابن المنذر قولا ل أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم النخعي و الثوري و مالك و الليث و الشافعي و أصحاب الرأي وذكر أبو بكر فيه وجهين أحدهما ما ذكرنا والثاني يسجد سجودين وقال الأوزاعي و ابن أبي حازم و عبد العزيز بن أبي سلمة إذا كان عليه سجودان أحدهما قبل السلام والآخر بعده سجدهما في محليهما لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لكل سهو سجدتان ] رواه أبو داود و ابن ماجة وهذان سهوان فلكل واحد منهما سجدتان ولأن كل سهو يقتضي سجودا وإنما تداخلا في الجنس الواحد لإتفاقهما وهذان مختلفان
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ] وهذا يتناول السهو في موضعين ولأن النبي صلى الله عليه و سلم سها فسلم وتكلم بعد صلاته فسجد لها سجودا واحدا ولأن السجود أخر إلى آخر الصلاة ليجمع السهو كله وإلا فعله عقيب سببه ولأنه شرع للجبر فجبر نقص الصلاة وإن كثر بدليل السهو مرات من جنس واحد وإذا انجبرت لم تحتج إلى جابر آخر فنقول سهوان فأجزأ عنهما سجود واحد كما لو كانا من جنس وقوله : [ لكل سهو سجدتان ] في إسناده مقال ثم إن المراد به لكل سهو في صلاة والسهو وإن كثر فهو داخل في لفظ السهو لأنه اسم جنس فيكون التقدير لكل صلاة فيها سهو سجدتان ولذلك قال : [ لكل سهو سجدتان ] بعد السلام هكذا في رواية أبي داود ولا يلزمه بعد السلام سجودان إذا ثبت هذا فإن معنى الجنسين أن يكون أحدهما قبل السلام والآخر بعده لأن محليهما مختلفان وكذلك سبباهما وأحكامهما وقال بعض أصحابنا : الجنسان أن يكون أحدهما من نقص والآخر من زيادة والأولى ما قلناه إن شاء الله تعالى فعلى هذا إذا اجتمعا سجد لهما قبل السلام لأنه أسبق وآكد ولأن الذي قبل السلام قد وجب لوجوب سببه ولم يوجد قبله ما يمنع وجوبه ولا يقوم مقامه فلزمه الإتيان به كما لو لم يكن عليه سهو آخر وإذا سجد له سقط الثاني لإغناء الأول عنه وقيامه مقامه

فصل : إتباع المأموم للإمام في سجود السهو
فصل : ولو أحرم منفردا فصلى ركعة ثم نوى متابعة الإمام وقلنا بجواز ذلك فسها فيها انفرد فيه وسها إمامه فيما تابعه فيه فإن صلاته قبل صلاة إمامه فعلى قولنا هما من جنس واحد إن كان محلهما واحدا وعلى قول من فسر الجنسين بالزيادة والنقص يحتمل كونهما من جنسين وهكذا لو صلى من الرباعية ركعة ودخل مع مسافر فنوى متابعته فلما سلم إمامه قام ليتم ماعليه فقد حصل مأموما في وسط صلاته منفردا في طرفيها فإذا سها في الوسط والطرفين جميعا فعلى قولنا إن كان محل سجودهما واحدا فهي جنس واحد وإن اختلف محل السجود فهي جنسان وقال بعض أصحابنا : هي جنسان هل يجزئه لها سجدتان أو أربع سجدات على وجهين ولأصحاب الشافعي فيها وجهان كهذين ووجه ثالث أنه يحتاج أن يسجد ست سجدات لكل سهو سجدتان

مسألة وفصلان : سجود المأموم للسهو
مسألة : قال : وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه
وجملته أن المأموم إذا سها دون إمامه فلاسجود عليه في قول عامة أهل العلم وحكي عن مكحول أنه قام عن قعود إمامه فسجد ولنا أن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبي صلى الله عليه و سلم فلم يأمره بسجود وروى الدارقطني في سننه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ليس على من خلف الإمام سهو فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه ] ولأن المأموم تابع للإمام وحكمه إذا سها وكذلك إذا لم يسه وإذا سها الإمام فعلى المأموم متابعته في السجود سواء سها معه أو انفرد الإمام بالسهو وقال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك وذكر إسحاق أنه إجماع أهل العلم سواء كان السجود قبل السلام أو بعده لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فأسجدوا ] ولحديث ابن عمر الذي رويناه وإذا كان المأموم مسبوقا فسها الإمام فيما لم يدركه فيه فعليه متابعته في السجود سواء كان قبل السلام أو بعده روي هذا عن عطاء و الحسن و النخعي و الشعبي و أبي ثور وأصحاب الرأي وقال ابن سيرين و إسحاق يقضي ثم يسجد وقال مالك و الأوزاعي و الليث و الشافعي في السجود قبل السلام كقولنا وبعده كقول ابن سيرين وروي ذلك عن أحمد ذكره أبو بكر في زاد المسافر لأنه فعل خارج من الصلاة فلم يتبع الإمام فيه كصلاة أخرى
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإذا سجد فاسجدوا ] وقوله في حديث ابن عمر [ فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه ] ولأن السجود من تمام الصلاة فيتابعه فيه كالذي قبل السلام وكغير المسبوق وفارق صلاة أخرى فإنه غير مؤتم به فيها إذا ثبت هذا فمتى قضى ففي إعادة السجود روايتان إحداهما يعيده لأنه قد لزمه حكم السهو وما فعله من السجود مع الإمام كان متابعا له فلا يسقط به ما لزمه كالتشهد الأخير والثانية لا يلزمه السجود لأن سجود إمامه قد كملت به الصلاة في حقه وحصل به الجبران فلم يحتج إلى سجود ثان كالمأموم إذا سها وحده ول الشافعي قولان كالروايتين فإن نسي الإمام السجود سجد المسبوق في آخر صلاته رواية واحدة لأنه لم يوجد من الإمام ما يكمل به صلاة المأموم وإذا سها المأموم فيما تفرد فيه بالقضاء سجد رواية واحدة لأنه قد صار منفردا فلم يتحمل عنه الإمام وهكذا لوسها فسلم مع إمامه قام فأتم صلاته ثم سجد بعد السلام كالمنفرد سواء
فصل : فأما غير المسبوق إذا سها إمامه فلم يسجد المأموم ؟ فيه روايتان إحداهما يسجد وهو قول ابن سيرين و الحكم و حماد و قتادة و مالك و الليث و الشافعي و أبي ثور قال ابن عقيل وهي أصح لأن صلاة المأموم نقصت بسهو الإمام ولم تنجبر بسجوده فيلزم المأموم جبرها والثانية لا يسجد روي ذلك عن عطاء و الحسن و النخعي و القاسم و حماد بن أبي سليمان و الثوري و أصحاب الرأي لأن المأموم إنما يسجد تبعا فإذا لم يسجد الإمام لم يوجد المقتضى لسجود المأموم وهذا إذا تركه الإمام لعذر فإن تركه قبل القيام عمدا وكان الإمام ممن لا يرى أن السجود واجب فهو كتاركه سهوا وإن كان يعتقد وجوبه بطلت صلاته وهل تبطل صلاة المأموم ؟ فيه وجهان أحدهما تبطل لأنه ترك واجبا في الصلاة عمدا فبطلت صلاة المأموم كترك التشهد الأول والثاني لا تبطل لأنه لم يبق من الصلاة إلا السلام
فصل : إذا قام المأموم لقضاء ما فاته فسجد إمامه بعد السلام فحكمه حكم القائم عن التشهد الأول إن سجد إمامه قبل انتصابه قائما لزمه الرجوع وإن انتصب قائما ولم يشرع في القراءة لم يرجع وإن رجع جاز وإن شرع في القراءة لم يكن له الرجوع نص عليه أحمد قال الأثرم : قيل ل أبي عبد الله رجل أدرك بعض الصلاة فلما قام ليقضي إذا على الإمام سجود سهو فقال : إن كان عمل في قيامه وابتدأ في القراءة مضى ثم سجد قلت فإن لم يستتم قائما قال : يرجع ما لم يعمل قيل له قد استتم قائما فقال : إذا استتم قائما وأخذ في عمل القضاء سجد بعد ما يقضي وذلك لأنه قام عن واجب إلى ركن أشبه القيام عن التشهد الأول وذكر ابن عقيل أن فيه روايات ثلاث وهذا أولى وهو منصوص عليه بما قد رويناه

فصل : سجود السهو لسبب السبق في الصلاة
فصل : وليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود لذلك في قول أكثر أهل العلم ويروى عن ابن عمر و ابن الزبير وأبي سعيد و عطاء و طاوس و مجاهد و إسحاق فيمن أدرك وترا من صلاة إمامه سجد للسهو لأنه يجلس للتشهد في غير موضع التشهد
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ وما فاتكم فأتموا ] وفي رواية فاقضوا ولم يأمر بسجود ولا نقل ذلك وقد فات النبي صلى الله عليه و سلم بعض الصلاة مع عبد الرحمن بن عوف فقضاها ولم يكن لذلك سجود والحديث متفق عليه وقد جلس في غير موضع تشهده ولأن السجود يشرع للسهو ههنا ولأن متابعة الإمام واجبة فلم يسجد لفعلها كسائر الواجبات

فصل : اختصاص سجود السهو بالسهو دون العمد
فصل : ولا يشرع لشيء فعله أو تركه عامدا وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : يسجد لترك التشهد والقنوت عمدا لأن ما تعلق الجبر بسهوه تعلق بعمده كجبرانات الحج
ولنا : أن السجود يضاف إلى السهو فيدل على اختصاصه به والشرع إنما ورد به في السهو فقال : [ إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ] ولا يلزم من إنجبار السهو به انجبار العمد لأنه معذور في السهو غير معذور في العمد وما ذكروه يبطل بزيادة ركن أو ركعة أو قيام في موضع جلوس أو جلوس في موضع قيام ولا يشرع لحديث النفس لأن الشرع لم يرد به فيه ولأن هذا لا يمكن التحرز منه ولا تكاد صلاة تخلو منه ولأنه معفو عنه

فصل : النافلة والفرض سواء في سجود السهو
فصل : وحكم النافلة حكم الفرض في سجود السهو في قول عامة أهل العلم لا نعلم فيه مخالفا إلا ابن سيرين : لا يشرع في النافلة وهذا يخالف عموم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ] وقال : [ إذا نسي أحدكم فزاد أو نقص فليسجد سجدتين ] ولم يفرق ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود فيسجد لسهوها كالفريضة ولو قام في صلاة الليل فحكمه حكم القيام إلى ثالثة في الفجر نص عليه أحمد وقال مالك يتمها أربعا ويسجد للسهو ليلا كان أو نهارا وقال الشافعي بالعراق كقوله وقال الأوزاعي في صلاة النهار كقوله وفي صلاة الليل إن ذكر قبل ركوعه في الثالثة جلس وسجد للسهو وإن ذكر بعد ركوعه أتمها أربعا
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ صلاة الليل مثنى ] ولأنها صلاة شرعت ركعتين فكان حكمها ما ذكرنا في صلاة الفجر وأما صلاة النهار فيتمها أربعا

فصل : و لا يشرع السجود للسهو في صلاة جنازة ولا تلاوة
فصل : ولا يشرع السجود للسهو في صلاة الجنازة لأنها لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى ولا في سجود تلاوة لأنه لو شرع لكان الجبر زائدا على الأصل ولا في سجود سهو نص عليه أحمد وقال إسحاق هو إجماع لأن ذلك يفضي إلى التسلسل ولو سها بعد سجود السهو لم يسجد لذلك والله تعالى أعلم

مسألة وفصل : بطلان الصلاة بالكلام
مسألة : قال : ومن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلاته
أما الكلام عمدا وهو أن يتكلم عالما أنه في الصلاة مع علمه بتحريم ذلك لغير مصلحة الصلاة ولا لأمر يوجب الكلام فتبطل الصلاة إجماعا قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدا وهو يريد صلاح صلاته إن صلاته فاسدة وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ] رواه مسلم وعن زيد بن أرقم قال : كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه وهو إلى جنبه حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت متفق عليه ولمسلم ونهينا عن الكلام وعن ابن مسعود قال كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله كنا نسلم في الصلاة فترد علينا قال : [ إن في الصلاة لشغلا ] متفق عليه ورواهما أبو داود ولفظه في حديث ابن مسعود فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة قال : [ إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ] فأما الكلام غير ذلك فيقسم خمسة أقسام أحدها أن يتكلم جاهلا بتحريم الكلام في الصلاة فقال القاضي : في الجامع لا أعرف عن أحمد نصا في ذلك ويحتمل أن لا تبطل صلاته لأن الكلام كان مباحا في الصلاة بدليل حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم ولا يثبت حكم النسخ في حق من لم يعلمه بدليل أن أهل قباء لم يثبت في حقهم حكم نسخ القبلة قبل علمهم فبنوا على صلاتهم بخلاف الناسي فإن الحكم قد ثبت في حقه وبخلاف الأكل في الصوم جاهلا بتحريمه فإنه لم يكن مباحا وقد دل على صحة هذا [ حديث معاوية بن الحكم السلمي قال : بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقل واثكل أبينا ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فما رأيتهم يصموني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ثم قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ] أو كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلم يأمره بالإعادة فدل على صحتها وهذا مذهب الشافعي والأولى أن يخرج هذا على الروايتين في كلام الناسي لأنه معذور مثله القسم الثاني أن يتكلم ناسيا وذلك نوعان أحدهما أن ينسى أنه في صلاة ففيه روايتان إحداهما لا تبطل الصلاة وهو قول مالك و الشافعي لأن النبي صلى الله عليه و سلم تكلم في حديث ذي اليدين ولم يأمر معاوية بن الحكم بالإعادة إذ تكلم جاهلا وما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان والثانية تفسد صلاته وهو قول النخعي و قتادة و حماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي لعموم أحاديث المنع من الكلام ولأنه ليس من جنسه ما هو مشروع في الصلاة فلم يسامح فيه النسيان كالعمل الكثير من غير جنس الصلاة النوع الثاني أن يظن أن صلاته تمت فيتكلم فهذا إن كان سلاما لم تبطل الصلاة رواية واحدة لأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه فعلوه وبنوا على صلاتهم ولأن جنسه مشروع في الصلاة فأشبه الزيادة فيها من جنسها وإن لم يكن سلاما فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة من أصحابه أنه إذا تكلم بشيء مما تكمل به الصلاة أو شيء من شأن الصلاة مثل كلام النبي صلى الله عليه و سلم ذا اليدين لم تفسد صلاته وإن تكلم بشيء من غير أمر الصلاة كقوله يا غلام اسقني ماء فصلاته باطلة وقال في رواية يوسف من موسى : من تكلم ناسيا في صلاته يظن أن صلاته قد تمت إن كان كلامه فيما تتم به الصلاة بنى على صلاته كما كلم النبي صلى الله عليه و سلم ذا اليدين وإذا قال : يا غلام اسقني ماء أو شبهها أعاد وممن تكلم بعد أن سلم وأتم صلاته الزبير وابناه عبد الله وعروة وصوبه ابن عباس ولا نعلم من غيرهم في عصرهم خلافه وفيه رواية ثانية أن الصلاة تفسد بكل حال قال في رواية حرب : أما من تكلم اليوم أعاد الصلاة وهذه الرواية اختيار الخلال وقال : استقرت الروايات عن أبي عبد الله بعد توقفه وهذا مذهب أصحاب الرأي لعموم الأخبار في منع الكلام وفيه رواية ثالثة أن الصلاة لا تفسد بالكلام في تلك الحال بحال سواء كان من شأن الصلاة أو لم يكن إماما كان أو مأموما وهذا مذهب مالك و الشافعي لأنه نوع من النسيان فأشبه المتكلم جاهلا ولذلك تكلم النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه وبنوا على صلاتهم وفيه رواية رابعة وهو أن المتكلم إن كان إماما تكلم لمصلحة الصلاة لم تفسد صلاته وإن تكلم غير فسدت صلاته ويأتي الكلام على الفرق بينهما فيما بعد أن شاء الله تعالى القسم الثالث أن يتكلم مغلوبا على الكلام وهو ثلاثة أنواع أحدها أن تخرج الحروف من فيه بغير اختياره مثل أن يتثاءب فيقول هاه أو يتنفس فيقول آه أو يسعل فينطق في السعلة بحرفين وما أشبه هذا أو يغلط في القراءة فيعدل إلى كلمة من غير القرآن أو يجيئه البكاء فيبكي ولا يقدر على رده فهذا لا تفسد صلاته نص عليه أحمد في الرجل يكون في الصلاة فيجيئه البكاء فيبكي فقال : إذا كان لا يقدر على رده يعني لا تفسد صلاته وقال قد كان عمر يبكي حتى يسمع له نشيج وقال مهنا : صليت إلى جانب أحمد فتثاءب خمس مرات وسمعت لتثاؤبه هاه هاه وهذا لأن الكلام ههنا لا ينسب إليه ولا يتعلق به حكم من أحكام الكلام وقال القاضي فيمن تثاءب فقال آه آه تفسد صلاته وهذا محمول على من فعل ذلك غير مغلوب عليه لما ذكرنا من فعل أحمد خلافه النوع الثاني أن ينام فيتكلم فقد توقف أحمد عن الجواب فيه وينبغي أن لا تبطل صلاته لأن القلم مرفوع عنه ولا حكم لكلامه فإن لو طلق أو أقر أو أعتق لم يلزمه حكم ذلك النوع الثالث أن يكره على الكلام فيحتمل أن يخرج على كلام الناسي لأن النبي صلى الله عليه و سلم جمع بينها في العفو بقوله عليه الصلاة و السلام : [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] وقال القاضي : هذا أولى بالعفو وصحة الصلاة لأن الفعل غير منسوب إليه ولهذا لو أكره على إتلاف مال لم يضمنه ولو أتلفه ناسيا ضمنه والصحيح إن شاء الله أن هذا تفسد صلاته لأنه أتى بما يفسد الصلاة عمدا فأشبه ما لو أكره على صلاة الفجر أربعا أو على أن يركع في كل ركعة ركوعين ولا يصح قياسه على الناسي لوجهين أحدهما أن النسيان يكثر ولا يمكن التحرز منه بخلاف الإكراه والثاني أنه لو نسي فزاد في الصلاة أو نسي في كل ركعة سجدة لم تفسد صلاته ولم يثبت مثل هذا في الإكراه القسم الرابع أن يتكلم بكلام واجب مثل أن يخشى على صبي أو ضرير الوقوع في هلكة أو يرى حية ونحوها تقصد غافلا أو نائما أو يرى نارا يخاف أن تشتعل في شيء ونحو هذا ولا يمكن التنبيه بالتسبيح فقال أصحابنا تبطل الصلاة بهذا وهو قول بعض أصحاب الشافعي لما ذكرنا في كلام المكره ويحتمل أن لا تبطل الصلاة به وهو ظاهر قول أحمد رحمه الله فإنه قال في قصة ذي اليدين إنما كلم القوم النبي صلى الله عليه و سلم حين كلمهم لأنه كان عليهم أن يجيبوه فعلل صحة صلاتهم بوجوب الإجابة عليهم وهذا متحقق ههنا وهذا ظاهر مذهب الشافعي والصحيح عند أصحابه أن الصلاة لا تبطل بالكلام في جميع هذه الأقسام ووجه صحة الصلاة ههنا أنه تكلم بكلام واجب عليه أشبه كلام المجيب للنبي صلى الله عليه و سلم القسم الخامس أن يتكلم لإصلاح الصلاة ونذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى
فصل : وكل كلام حكما بأنه لا يفسد الصلاة فإنما هو في السير منه فإن كثر وطال أفسد الصلاة وهذا منصوص الشافعي وقال القاضي في المجرد كلام الناسي إذا طال يعيد رواية واحدة وقال في الجامع لا فرق بين القليل والكثير في ظاهر كلام أحمد لأن ما عفي عنه بالنسيان استوى قليله وكثيرة كالأكل في الصيام وهذا قول بعض الشافعية
ولنا : أن دلالة أحاديث المنع من الكلام عامة تركت في اليسير بما ورد فيه من الأخبار فتبقى فيما عداه على مقتضى العموم ولا يصح قياس الكثير على اليسير لأنه لا يمكن التحرز منه وقد عفي عنه في العمل من غير جنس الصلاة بخلاف الكثير

مسألة : الإمام لا تبطل صلاته إذا تكلم لمصلحة الصلاة
مسألة : قال : إلا الإمام خاصة فإنه إذا تكلم لمصلحة الصلاة لم تبطل صلاته ومن ذكر وهو في التشهد أنه قد ترك سجدة من ركعة فليأت بركعة بسجدتيها ويسجد للسهو
وجملته أن من سلم عن نقص من صلاته يظن أنها قد تمت ثم تكلم ففيه ثلاث روايات إحداهن أن الصلاة لا تفسد إذا كان الكلام في شأن الصلاة مثل الكلام في بيان الصلان مثل كلام النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه في حديث ذي اليدين لأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه تكلموا ثم بنوا على صلاتهم ولنا في رسول الله أسوة حسنة والرواية الثانية تفسد صلاتهم وهو قول الخلال وصاحبه ومذهب أصحاب الرأي لعموم أحاديث النهي والثالثة أن صلاة الإمام لا تفسد لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان إماما فتكلم وبنى على صلاته وصلاة المأمومين الذين تكلموا تفسد فإنه لا يصح اقتداؤهم بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما لأنهما مجبين للنبي صلى الله عليه و سلم وإجابته واجبة عليهما ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلا عن نقص الصلاة في وقت يمكن ذلك فيها وليس بموجود في زماننا وهذه الرواية اختيار الخرقي واختص هذا بالكلام في شأن الصلاة لأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه إنما تكلموا في شأنها فاختصت إباحة الكلام بورود النص لأن الحاجة تدعو إلى ذلك دون غيره فيمتنع قياس غيره عليه فأما من تكلم في صلب الصلاة من غير سلام ولا ظن التمام فإن صلاته تفسد إماما كان أو غيره لمصلحة الصلاة أو غيرها وذكر القاضي في ذلك الروايات الثلاث ويحتمله كلام الخرقي لعموم لفظه وهو مذهب الأوزاعي فإنه قال : لو أن رجلا قال للإمام وقد جهر بالقراءة في العصر إنها العصر لم تفسد صلاته ولأن الإمام قد تطرقه حال يحتاج إلى الكلام فيها وهو ما لو نسي القراءة في ركعة فذكرها في الثانية فقد فسدت عليه ركعة فيحتاج أن يبدلها بركعة هي في ظن المأمومين خامسة ليس لهم موافقته فيها ولا سبيل إلى إعلامهم بغير الكلام وقد شك في صلاته فيحتاج إلى السؤال فلذلك أبيح له الكلام ولم أعلم عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن الصحابة ولا عن الإمام نصا في الكلام في غير الحال التي سلم فيها معتقدا تمام الصلاة ثم تكلم بعد السلام وقياس الكلام في صلب الصلاة عالما بها على هذه الحالة ممتنع لأن هذه حال نسيان غير ممكن التحرز من الكلام فيها وهي أيضا حال يتطرق الجهل إلى صاحبها بتحريم الكلام فيها فلا يصح قياس ما يفارقها في هذين الأمرين عليها ولا نص فيها وإذا عدم النص والقياس والإجماع امتنع ثبوت الحكم لأن إثباته يكون ابتداء حكم بغير دليل ولا سبيل إليه

فصل : مقدار الكلام الذي تبطل الصلاة فيه
فصل : والكلام المبطل ما انتظم حرفين هذا قول أصحابنا وأصحاب الشافعي لأن بالحرفين تكون كلمة كقوله : أب وأخ ودم وكذلك الأفعال والحروف ولا تنتظم كلمة من أقل من حرفين ولو قال لا - فسدت صلاته لأنه حرفان لام وألف وإن ضحك فبان حرفان فسدت صلاته وكذلك أن قهقة ولم يكن حرفان وبهذا قال جابر بن عبد الله و عطاء و مجاهد و الحسن و قتادة و النخعي و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا قال ابن المنذر : أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها وقد روى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء ] رواه الدارقطني في سننه

فصول : الضحك والبكاء والتأوه والأنين
فصل : فأما النفخ في الصلاة فإن انتظم حرفين أفسد صلاته لأنه كلام وإلا فلا يفسدها وقد قال أحمد النفخ عندي بمنزلة الكلام وقال أيضا : قد فسدت صلاته لحديث ابن عباس من نفخ في الصلاة فقد تكلم وروي عن أبي هريرة أيضا وسعيد بن جبير وقال ابن المنذر لا يثبت عن ابن عباس ولا أبي هريرة رضي الله عنهما وروي عن أحمد أنه قال أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة ليس هو كلاما وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس و ابن سيرين و النخعي و يحيى بن أبي كثير و إسحاق قال القاضي الموضع الذي قال أحمد يقطع الصلاة إذا انتظم حرفين لأنه جعله كلاما ولا يكون كلاما بأقل من حرفين والموضع الذي قال لا يقطع الصلاة إذا لم ينتظم منه حرفان وقال أبو حنيفة إن سمع فهو بمنزلة الكلام وإلا فلا يضر والصحيح أنه لا يقطع الصلاة ما لم ينتظم منه حرفان لما [ روى عبد الله بن عمر قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث إلى أن قال : ثم نفخ في سجوده فقال أف أف ] رواه أبو داود وأما قول أبو حنيفة فإن أراد ما لا يسمعه الإنسان من نفسه فليس ذلك بنفخ وإن أراد ما لا يسمعه غيره فلا يصح لأن ما أبطل الصلاة إظهاره أبطلها إسراره وما لا فلا كالكلام
فصل : فأما النحنحة فقال أصحابنا أن بان منها حرفان بطلت الصلاة بها كالنفخ ونقل المروذي قال كنت آني أبا عبد الله فيتنحنح في صلاته لأعلم أنه يصلي وقال مهنا رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة قال أصحابنا هذا محمول على أنه لم ينتظم حرفين وظاهر حال أحمد أنه لم يعتبر ذلك لأن النحنحة لا تسمى كلاما وتدعو الحاجة إليها في الصلاة وقد روي عن علي رضي الله عنه قال : كانت لي ساعة في السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن كان في صلاة تنحنح فكان ذلك إذني وإن لم يكن في صلاة أذن لي رواه الخلال بإسناده واختلفت الرواية عن أحمد في كراهة تنبيه المصلي بالنحنحة في صلاته فقال في موضع لا تنحنح في الصلاة قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء ] وروى عنه المروذي أنه كان يتنحنح ليعلمه أنه في صلاة وحديث علي يدل عليه وهو خاص فيقدم على العام
فصل : فأما البكاء والتأوه والأنين الذي ينتظم منه حرفان فما كان مغلوبا عليه لم يؤثر على ما ذكرنا من قبل وما كان من غير غلبة فإن كان لغير خوف الله أفسد الصلاة وإن كان من خشية الله فقال أبو عبد الله بن بطة في الرجل يتأوه في الصلاة أن تأوه من النار فلا بأس وقال أبو الخطاب إذا تأوه أو أن أو بكى لخوف الله لم تبطل صلاته قال القاضي : التأوه ذكر مدح الله تعالى به إبراهيم عليه الصلاة و السلام فقال : { إن إبراهيم لأواه حليم } والذكر لا يفسد الصلاة ومدح الباكين بقوله تعالى : { خروا سجدا وبكيا } وقال : { ويخرون للأذقان يبكون } وروي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء رواه الخلال وقال عبد الله بن شداد سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف ولم أر عن أحمد في التأوه شيئا ولا في الأنين والأشبه بأصولنا أنه متى فعله مختارا أفسد صلاته فإنه قال في رواية مهنا في البكاء الذي لا يفسد الصلاة أنه ما كان عن غلبة ولأن الحكم لا يثبت إلا بنص أو قياس أو إجماع والنصوص العامة تمنع من الكلام كله ولم يرد في التأوه والأنين ما يخصهما ويخرجهما من العموم والمدح على التأوه لا يوجب تخصيصه كتشميت العاطس ورد السلام والكلمة الطيبة التي هي صدقة

فصل : حكم من أتى في الصلاة بذكر مشروع لتنبيه الغير
فصل : إذا أتى بذكر مشروع يقصد به تنبيه غيره فذلك ثلاثة أنواع الأول مشروع في الصلاة مثل أن يسهو إمامه فيسبح به ليذكره أو يترك إمامه ذكرا فيرفع المأموم صوته ليذكره أو يستأذن عليه إنسان في الصلاة أو يكلمه أو ينوبه شيء فيسبح ليعلم أنه في صلاة أو يخشى على إنسان الوقوع في شيء فيسبح به ليوقظه أو يخشى أن يتلف شيئا فيسبح به ليتركه فهذا لا يؤثر في الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وحكي عن أبي حنيفة أن من أفهم غير إمامه بالتسبيح فسدت صلاته لأنه خطاب آدمي فيدخل في عموم أحاديث النهي عن الكلام ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من نابه شيء في الصلاة فليقل سبحان الله فإنه لا يسمعه أحد يقول سبحان الله إلا ألفت ] - وفي لفظ - [ إذا نابكم أمر فليسبح الرجال ولتصفق النساء ] متفق عليه وهو عام في كل أمر ينوب المصلي وفي المسند عن علي : كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه و سلم إن كان في صلاة سبح وإن كان في غير صلاة أذن ولأنه نبه بالتسبيح أشبه ما لو نبه الإمام ولو كان تنبيه غير الإمام كلاما مبطلا لكان تنبيه الإمام كذلك

فصلان : الفتح على الإمام إذا ارتج عليه
فصل : وفي معنى هذا النوع إذا فتح على الإمام إذا ارتج عليه أورد عليه إذا غلط فلا بأس به في الفرض والنفل روي عن عثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال عطاء و الحسن و ابن سيرين و ابن معقل و نافع بن جبير بن مطعم و أبو أسماء الرحبي و أبو عبد الرحمن السلمي وكرهه ابن مسعود و شريح و الشعبي و الثوري وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة به لما روى الحارث عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يفتح على الإمام ]
ولنا : ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه فلما انصرف قال لأبي : أصليت معنا ؟ قال نعم قال : ما منعك ؟ رواه أبو داود قال الخطابي وإسناده جيد و [ عن ابن عباس قال : تردد رسول الله صلى الله عليه و سلم في القراءة في صلاة الصبح فلم يفتحوا عليه فلما قضى الصلاة نظر في وجوه القوم فقال : أما شهد الصلاة معكم أبي بن كعب ؟ قالوا لا فرأى القوم أنه إنما تفقده ليفتح عليه ] رواه الأثرم و [ روى مسور بن يزيد المالكي قال شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في الصلاة فترك آية من القرآن فقيل : يا رسول الله آية كذا وكذا تركتها قال : فهلا ذكرتنيها ؟ ] رواه أبو داود و الأثرم ولأنه تنبيه لأمامه بما هو مشروع في الصلاة فأشبه التسبيح وحديث علي يرويه الحارث و قال الشعبي : كان كذابا وقد قال عن نفسه : إذا استطعمك الإمام فأطعمه يعني إذا تعايا فاردد عليه رواه الأثرم وقال الحسن : إن أهل الكوفة يقولون لا تفتح على الإمام وما بأس به أليس يقول سبحان الله ؟ وقال أبو داود لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها
فصل : وإذا ارتج على الإمام في الفاتحة لزم من وراءه الفتح عليه كما لو نسي سجدة لزمهم تنبيهه بالتسبيح فإن عجز عن إتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلي بهم لأنه عذر فجاز أن يستخلف من أجله كما لو سبقه الحدث : وكذلك لو عجز في أثناء الصلاة عن ركن يمنع الأئتمام كالركوع أو السجود فإنه يستخلف من يتم بهم الصلاة كمن سبقه الحدث بل هذا أولى بالاستخلاف لأن من سبقه الحدث قد بطلت صلاته وهذا صلاته صحيحة ويسقط عنه ما عجز عنه وتصح صلاته لأن القراءة ركن عجز عنه في أثناء الصلاة فسقط كالقيام فأما المأموم فإن كان أميا عاجزا عن قراءة الفاتحة صحت صلاته أيضا وإن كان قارئا نوى مفارقته وأتم وحده ولا يصح له إتمام الصلاة خلفه لأن هذا قد صار حكمه حكم الأمي والصحيح أنه إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة أن صلاته تفسد لأنه قادر على الصلاة بقراءتها فلم تصح صلاته بدون ذلك لعموم قوله عليه الصلاة و السلام : [ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ] ولا يصح قياس هذا على الأمي لأن الأمي لو قدر على تعلمها قبل خروج الوقت لم تصح صلاته بدونها وهذا يمكنه أن يخرج فيسأل عما وقف عليه ويصلي ولا قياسه على أركان الأفعال لأن خروجه عن الصلاة لا يزيل عجزه عنها ولا يأمن عود مثل ذلك لعجز بخلاف هذا
النوع الثاني : ما لا يتعلق بتنبيه آدمي إلا أنه لسبب من غير الصلاة مثل أن يعطس فيحمد الله أو تلسعه عقرب فيقول بسم الله أو يسمع أو يرى ما يغمه فيقول : { إنا لله وإنا إليه راجعون } أو يرى عجبا فيقول سبحان الله - فهذا لا يستحب في الصلاة ولا يبطلها نص عليه أحمد في رواية الجماعة فيمن عطس فحمد الله لم تبطل صلاته وقال في رواية مهنا فيمن قيل له وهو يصلي ولد لك غلام فقال الحمد لله أو قيل له احترق دكانك قال لا إله إلا الله أو ذهب كيسك فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله فقد مصت صلاته ولو قيل له مات أبوك فقال : { إنا لله وإنا إليه راجعون } فلا يعيد صلاته وذكر حديث علي حين أجاب الخارجي وهذا قول الشافعي و أبي يوسف وقال أبو حنيفة تفسد صلاته لأنه كلام آدمي وقد روي عن أحمد مثل هذا فإنه قال فيمن قيل له ولد لك غلام فقال : الحمد الله رب العالمين أو ذكر مصيبة فقال : { إنا لله وإنا إليه راجعون } قال يعيد الصلاة وقال القاضي هذا محمول على من قصد خطاب آدمي
ولنا : ما [ روى عامر بن ربيعة قال : عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في الصالة فقال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه حتى يرضي ربنا وبعد ما يرضي من أمر الدنيا والآخرة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من القائل هذه الكلمة ؟ فإنه لم يقل بأسا ما تناهت دون العرش ] رواه أبو داود وعن علي رضي الله عنه أنه قال له رجل من الخوارج وهو في صلاة الغداة فناداه : { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } قال فأنصت له حتى فهم ثم أجابه وهو في الصلاة : { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون } احتج به أحمد ورواه أبو بكر النجاد بإسناده ولأن ما لا يبطل الصلاة ابتداء لا يبطلها إذا أتى به عقيب سبب كالتسبيح لتنبيه إمامه قال الخلال اتفق الجميع عن أبي عبد الله على أنه لا يرفع صوته يعني العاطس لا يرفع صوته بالحمد وإن رفع فلا بأس بدليل حديث الأنصاري وقال أحمد في الإمام يقول : لا إله إلا الله فيقول من خلفه لا إله إلا الله يرفعون بها أصواتهم قال يقولون ولكن يخفون ذلك على أنفسهم وإنما يكره أحمد ذلك كما كره القراءة خلف الإمام لأنه يسير لا يمنع الإنصات فجرى مجرى التأمين قيل ل أحمد فإن رفعوا أصواتهم بهذا ؟ قال أكرهه قيل فينهاهم الإمام قال لا ينهاهم قال القاضي إنما لم ينهم لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم الجهر بمثل ذلك في صلاة الإخفاء فإنه كان يسمعهم الآية أحينانا

فصل : ذكر الله في الصلاة بعد تلاوة الآيات التي تستتبع ذلك
فصل : قيل ل أحمد رحمه الله إذا قرأ : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } هل يقول : سبحان ربي الأعلى قال إن شاء قاله فيما بينه وبين نفسه ولا يجهر به في المكتوبة وغيرها وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ في الصلاة : { سبح اسم ربك الأعلى } فقال سبحان ربي الأعلى وعن ابن عباس أنه قرأ في الصلاة : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } فقال سبحانك وبلى وعن موسى بن أبي عائشة قال : كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } قال : سبحانك فبلى فسألوه عن ذلك فقال سمعته عن رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود ولأنه ذكر ورد الشرع به فجاز التسبيح في موضعه النوع الثالث أن يقرأ القرآن يقصد به تنبيه آدمي مثل ان يقول : { ادخلوها بسلام } يريد الأذن أو يقول لرجل اسمه يحيى : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } أو { يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا } فقد روي عن أحمد أن صلاته تبطل بذلك وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خطاب آدمي فأشبه ما لو كلمه وروي عنه ما يدل على أنها لا تبطل لأنه قال فيمن قيل له مات أبوك فقال : { إنا لله وإنا إليه راجعون } لا يعيد الصلاة واحتج بحديث علي حين قال للخارجي : { فاصبر إن وعد الله حق } وروي نحو هذا عن ابن مسعود وابن أبي ليلى وروى أبو بكر الخلال بإسناده عن عطاء بن السائب قال : استأذنا على عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو يصلي فقال : { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } فقلنا كيف صنعت فقال : استأذنا على عبد الله بن مسعود وهو يصلي فقال : { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } ولأنه قرأ القرآن فلم تفسد صلاته كما لو لم يقصد به التنبيه وقال القاضي : إن قصد التلاوة دون التنبيه لم تفسد صلاته وإن قصد التنبيه دون التلاوة فسدت صلاته لأنه خاطب آدميا وإن قصدهما جميعا ففيه وجهان أحدهما لا تفسد صلاته وهو مذهب الشافعي لما ذكرنا من الآثار والمعنى والثاني تفسد صلاته لأنه خاطب آدميا أشبه ما لو لم يقصد التلاوة فأما إن أتى بما لا يتميز به القرآن من غيره كقوله لرجل اسمه إبراهيم يا إبراهيم أو لعيسى يا عيسى ونحو ذلك فسدت صلاته لأن هذا كلام الناس ولم يتميز عن كلامهم بما يتميز به القرآن فأشبه ما لو جمع بين كلمات متفرقة في القرآن فقال : يا إبراهيم خذ الكتاب الكبير

فصل : ويكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى
فصل : يكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى أو على من ليس في صلاة لأن ذلك يشغله عن صلاته وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن في الصلاة لشغلا ] وقد سئل أحمد عن رجل جالس بين يدي المصلي يقرأ فإذا أخطأ فتح عليه المصلي فقال كيف يفتح إذا أخطأ هذا ؟ ويتعجب من هذه المسألة فإن فعل لم تبطل صلاته لأنه قرآن وإنما قصد قراءته دون خطاب الآدمي بغيره ولا بأس أن يفتح على المصلي من ليس معه في الصلاة وقد روى النجاد بإسناده قال : كنت قاعدا بمكة فإذا رجل عند المقام يصلي وإذا رجل قاعد خلفه يلقنه فإذا هو عثمان رضي الله عنه

فصل : رد المصلي السلام
فصل : إذا سلم على المصلي لم يكن له رد السلام بالكلام فإن فعل بطلت صلاته روي نحو ذلك عن أبي ذر و عطاء و النخعي وبه قال مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و كان سعيد بن المسيب والحسن و قتادة لا يرون به بأسا وروي عن أبي هريرة أنه أمر بذلك وقال : إسحاق إن فعله متأولا جازت صلاته
ولنا : ما [ روى جابر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حاجة فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه إلى غير القبلة فسلمت عليه فلم يرد علي فلما انصرف قال : أما انه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي ] وقول ابن مسعود : قلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ؟ قال : [ إن في الصلاة لشغلا ] رواهما مسلم ولأنه كلام آدمي فأشبه تشميت العاطس - إذا ثبت هذا فإنه يرد السلام بالإشارة وهذا قول مالك و الشافعي و إسحاق و أبي ثور : وعن ابن عباس أنه سلم عليه موسى بن جميل وهو يصلي فقبض ابن عباس على ذراعه فكان ذلك ردا من ابن عباس عليه وإن رد عليه بعد فراغه من الصلاة فحسن روي هذا عن أبي ذر و عطاء و النخعي و داود لما [ روي عن ابن مسعود قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي السلام فأخذني ما قدم وما حدث فلما قصى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فرد علي السلام ] وقد روى صهيب قال مررت برسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يصلي فسلمت عليه وكلمته فرد إشارة قال بعض الرواة ولا أعلمه إلا قال إشارة بأصبعه وعن ابن عمر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قباء فصلى فيه قال فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال فقلت لبلال كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي ؟ قال يعقوب هكذا وبسط يعني كفه وجعل بطنه أسفل وظهره إلى فوق قال الترمذي : كلا الحديثين صحيح رواهما أبو داود و الأثرم وقد ذكرنا ذلك فيما مضى

فصل : التسليم على المصلي
فصل : وإذا دخل قوم على قوم وهم يصلون فسأل أحمد عن الرجل يدخل على القوم وهم يصلون أيسلم عليهم ؟ قال نعم وروى ابن المنذر عن أحمد أنه سلم على مصل فعل ذلك ابن عمر وكرهه عطاء و أبو مجلز و الشعبي و إسحاق لأنه ربما غلط المصلي فرد عليه السلام وقد روى مالك في موطئه أن ابن عمر سلم على رجل وهو يصلي فرد عليه السلام فرجع إليه ابن عمر فنهاه عن ذلك ومن ذهب إلى تجويزه احتج بقبول الله تعالى : { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم } أي على أهل دينكم ولأن النبي صلى الله عليه و سلم حين سلم أصحابه عليه رد عليهم إشارة ولم ينكر ذلك عليهم

فصلان : الأكل والشرب في الصلاة
فصل : إذا أكل أو شرب في الفريضة عامدا بطلت صلاته رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافا قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن المصلي ممنوع من الأكل والشرب كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامدا أن عليه الإعادة وأن ذلك يفسد الصوم الذي لا يفسد بالأفعال فالصلاة أولى فإن فعل ذلك في التطوع أبطله في الصحيح من المذهب وهو قول أكثر الفقهاء لأن ما أبطل الفرض أبطل التطوع كسائر مبطلاته وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يبطلها ويروى عن ابن الزبير وسعيد بن جبير أنهما شربا في التطوع وعن طاوس أنه لا بأس به وكذلك قال إسحاق لأنه عمل يسير فأشبه غير الأكل فأما أن أكثر فلا خلاف في أنه يفسدها لأن غير الأكل من الأعمال يفسد إذا كثر فالأكل والشرب أولى وإن أكل أو شرب في فريضة أو تطوع ناسيا لم يفسد وبهذا قال عطاء و الشافعي وقال الأوزاعي تفسد صلاته لأنه فعل مبطل من غير جنس الصلاة فاستوى عمده وسهوه كالعمل الكثير ز
ولنا : عموم قوله عليه الصلاة و السلام : [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ] ولأنه يسوى بين قليله وكثيره حال العمد ويعفى عنه في الصلاة كالعمل من جنسها ويشرع لذلك سجود السهو وهذا قول الشافعي فإن ما يبطل عمده الصلاة إذا عفي عنه لأجل السهو شرع له السجود كالزيادة من جنس الصلاة ومتى كثر ذلك أبطل الصلاة بغير خلاف لأن الأفعال المعفو عن يسيرها إذا كثرت أبطلت فهذا أولى
فصل : إذا ترك في فيه ما يذوب كالسكر فذاب منه شيء فابتلعه أفسد صلاته لأن أكل وأن بقي بين أسنانه أو فيه من بقايا الطعام يسير يجري به الريق فابتعله لم تفسد صلاته لأنه لا يمكن الاحتراز منه وإن ترك في فيه لقمة ولم يبتلعها كره لأنه يشغله عن خشوع الصلاة والذكر والقراءة فيها ولا يبطلها لأنه عمل يسير فأشبه ما لو أمسك شيئا في يده والله أعلم

مسألة : طهارة البدن والثوب شرط صحة الصلاة
مسألة : قال : وإذا لم تكن ثيابه طاهرة وموضع صلاته طاهرا أعاد
وجملة ذلك أن الطهارة من النجاسة في بدن المصلي وثوبه شرط لصحة الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس وسعيد بن المسيب و قتادة و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس أنه قال : ليس على ثوب جنابة ونحوه عن أبي مجلز و سعيد بن جبير و النخعي وقال الحارث العكلي و ابن أبي ليلى ليس في ثوب إعادة ورأى طاوس دما كثيرا في ثوبه وهو في الصلاة فلم يباله وسئل سعيد بن جبير عن الرجل يرى في ثوبه الأذى وقد صلى فقال : اقرأ علي الآية التي فيها غسل الثياب
ولنا : قول الله تعالى : { وثيابك فطهر } قال ابن سيرين هو الغسل بالماء و [ عن أسماء ابنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال : اقرصيه وصلي فيه ] وفي لفظ قالت : [ سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر أتصلي فيه ؟ قال : تنظر فيه فإن رأت فيه دما فلتقرصه بشيء من ماء وتنضح ما لم تر ولتصل فيه ] رواه أبو داود وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إنهما يعذبان وما يعذبان في كثير أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله ] متفق عليه وفي رواية : لا يستنزه من بوله ولأنها إحدى الطهارتين فكانت شرطا للصلاة كالطهارة من الحدث

فصل : وطهارة موضع الصلاة شرط أيضا
فصل : وطهارة موضع الصلاة شرط أيضا وهو الموضع الذي تقع عليه أعضاؤه وتلاقيه ثيابه التي عليه فلو كان على رأسه طرف عمامة وطرفها الآخر يسقط على نجاسة لم تصح صلاته وذكر ابن عقيل احتمالا فيما تقع عليه ثيابه خاصة أنه لا يشترط طهارته لأنه يباشرها بما هو منفصل عن ذاته أشبه ما لو صلى إلى جانبه إنسان نجس الثوب فالتصق ثوبه به والأول المذهب لأن سترته تابعة له فهي كأعضاء سجوده فأما إذا كان ثوبه يمس شيئا نجسا كثوب من يصلي إلى جانبه أو حائط لا يستند إليه فقال ابن عقيل لا تفسد صلاته بذلك لأنه ليس بمحل لبدنه ولا سترته ويحتمل أن يفسد لأن سترته ملاقية لنجاسة أشبه ما لو وقعت عليها وإن كانت النجاسة محاذية لجسمه في حال سجوده بحيث لا يلتصق بها شيء من بدنه ولا أعضائه لم يمنع صحة صلاته لأنه يباشر النجاسة فأشبه ما لو خرجت عن محاذاته

فصول : حكم من صلى فرأى على بدنه أو ثوبه أو مفرشة نجاسة
فصل : وإذا صلى ثم رأى عليه نجاسة في بدنه أو ثيابه ولا يعلم هل كانت عليه في الصلاة أو لا ؟ فصلاته صحيحة لأن الأصل عدمها في الصلاة وإن علم أنها كانت في الصلاة لكن جهلها حتى فرغ من الصلاة ففيه روايتان إحداهما لا تفسد صلاته هذا قول ابن عمر و عطاء و سعيد بن المسيب و سالم و مجاهد و الشعبي و النخعي و الزهري و يحيى الأنصاري و إسحاق و ابن المنذر والثانية يعيد وهو قول أبي قلابة و الشافعي لأنها طهارة مشترطة للصلاة فلم تسقط بجهلها كطهارة الحدث وقال ربيعة و مالك يعيد ما كان في الوقت ولا يعيد بعده ووجه الرواية الأولى ما [ روى أبو سعيد قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما حملكم على القائكم نعالكم ؟ قالوا رأيناك ألقيت نعليك فالقينا نعالنا قال : إن جبريل أتاني فأخبرني إن فيهما قذرا ] رواه أبو داود ولو كانت الطهارة شرطا مع عدم العلم بها لزمه استئناف الصلاة وتفارق طهارة الحدث لأنها آكد لأنها لا يعفى عن يسيرها وتختص البدن وإن كان قد علم بالنجاسة ثم نسيها وصلى فقال القاضي : حكى أصحابنا في المسألتين روايتين وذكر هو في المسألة النسيان أن الصلاة باطلة لأنه منسوب إلى التفريط بخلاف الجاهل بها قال الآمدي : يعيد إذا كان قد توانى رواية واحدة والصحيح التسوية بينهما لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان بل النسيان أولى لورود النص بالعفو فيه بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ] وإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإن قلنا لا يعذر بالجهل والنسيان فصلاته باطلة ويلزمه استئنافها وإن قلنا يعذر فصلاته صحيحة ثم إن أمكنه طرح النجاسة من غير زمن طويل ولا عمل كثير ألقاها وبنى كما خلع النبي صلى الله عليه و سلم نعليه حين أخبره جبريل بالقذر فيهما وإن احتاج إلى أحد هذين بطلت صلاته لأنه يفضي إلى أحد أمرين إما استصحاب النجاسة مع العلم بها زمنا طويلا أو يعمل في الصلاة عملا كثيرا فتبطل به الصلاة فصار كالعريان يجد السترة بعيدة منه
فصل : وإذا سقطت عليه نجاسة ثم زالت عنه أو أزالها في الحال لم تبطل صلاته لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما علم بالنجاسة في نعليه خلعهما وأتم صلاته ولأن النجاسة يعفى عن يسيرها فعفي عن يسير زمنها ككشف العورة وهذا مذهب الشافعي
فصل : وإذا صلى على منديل طرفه نجس أو كان تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة وما يصلي عليه طاهر فصلاته صحيحة سواء تحرك النجس بحركته أو لم يتحرك لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا بمصل عليها وإنما اتصل مصلاه بها أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسه وقال بعض أصحابنا إذا كان النجس يتحرك بحركته لم تصح صلاته والمعول على ما ذكرنا فأما إن كان الحبل أو المنديل متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى لم تصح صلاته لأنه مستتبع لها فهو كحاملها ولو كان في يده أو وسطه حبل مشدود في نجاسة أو حيوان نجس أو سفينة صغيرة فيها نجاسة تنجر معه إذا مشى لم تصح صلاته لأنه مستتبع لها فهو كحاملها وإن كانت السفينة كبيرة لا يمكنه جرها أو الحيوان كبيرا لا يقدر على جره إذا استعصى عليه لم تفسد صلاته لأنه ليس بمستتبع لها قال القاضي : هذا إذا كان الشد في موضع طاهر فإن كان مشدودا في موضع نجس فسدت صلاته لأنه حامل لما هو ملاق للنجاسة والأولى أن صلاته لا تفسد لأنه لا يقدر على استتباع ما هو ملاق للنجاسة فأشبه ما لو أمسك سفينة عظيمة فيها نجاسة أو غصنا من شجرة عليها نجاسة

فصل : حكم من صلى حاملا شيئا نجسا
فصل : وإذا حمل في الصلاة حيوانا طاهرا أو صبيا لم تبطل صلاته لأن النبي صلى الله عليه و سلم صلى وهو حامل أمامة ابنة أبي العاص متفق عليه وركب الحسن والحسين على ظهره وهو ساجد ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدته فهي كالنجاسة في معدة المصلي ولو حمل قارورة فيها نجاسة مسدوة لم تصح صلاته وقال بعض أصحاب الشافعي لا تفسد صلاته لأن النجاسة لا تخرج منها فهي كالحيوان وليس بصحيح لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها في غير معدنها فأشبه ما لو حملها في كمه

فصلان : ومن صلى في المقبرة أو الحمام أو أعطان الإبل والمزبلة وظهر بيت الله الحرام والمغصوب أعاد
مسألة : قال : وكذلك إن صلى في المقبرة أو الحش أو الحمام أو في أعطان الإبل أعاد
أختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الصلاة في هذه المواضع فروي أن الصلاة لا تصح فيها بحال وممن روي عنه أنه كره الصلاة في المقبرة علي وابن عباس وابن عمر و عطاء و النخعي و ابن المنذر وممن رأى أن يصلي في مرابض الغنم ولا يصلي في مبارك الإبل ابن عمر و جابر بن سمرة و الحسن و مالك و إسحاق و أبو ثور وعن أحمد رواية أخرى أن الصلاة في هذه صحيحة ما لم تكن نجسة وهو مذهب مالك و أبي حنيفة و الشافعي لقوله عليه السلام : [ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] وفي لفظ : [ فحيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد ] وفي لفظ [ أينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد ] متفق عليها ولأنه موضع طاهر فصحت الصلاة فيه كالصحراء
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الإرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة ] رواه أبو داود وهذا خاص مقدم على عموم ما رووه و [ عن جابر بن سمرة أن رجلاص سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أنصلي في مرابض الغنم ؟ قال : نعم قال أنصلي في مبارك الإبل قال لا ] رواه مسلم وعن البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تصلي في مبارك الإبل فإنها من الشياطين ] رواه أبو داود وعن أسيد بن حضير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في مبارك الإبل ] رواه الإمام أحمد في مسنده والنهي يقتضي التحريم وهذا خاص يقدم على عموم ما رووه وروي هذا الحديث عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن مغفل رواهن الأثرم فأما الحش فإن الحكم يثبت فيه بالتنبيه لأنه إذا منع من الصلاة في هذه المواضع لكونها مظان للنجاسة فالحش معد للنجاسة ومقصود لها فهو أولى بالمنع فيه وقال بعض أصحابنا إن كان المصلي عالما بالنهي في هذه المواضع لم تصح صلاته فيها لأنه عاص بصلاته فيها والمعصية لا تكون قربة ولا طاعة وإن لم يكن عالما فهل تصح صلاته ؟ على روايتين إحداهما لا تصح لأنه صلى فيما لا تصح الصلاة فيه مع العلم فلا تصح مع الجهل كالصلاة في محل نجس والثانية تصح لأنه معذور
فصل : وذكر بعض أصحابنا مع هذه المواضع المزبلة والمجزرة ومحجة الطريق وظهر بيت الله الحرام والموضع المغصوب لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ سبع مواطن لا تجوز فيها الصلاة : ظهر بيت الله والمقبرة والمزبلة والمجزرة والحمام وعطن الإبل ومحجة الطريق ] رواه ابن ماجة وعن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصلي في سبع مواطن وذكرها وقال : وقارعة الطريق ومعاطن الإبل وفوق الكعبة وقال : الحكم في هذه المواضع السبعة كالحكم في الأربعة سواء ولأن المواضع مظنة النجاسات فعلق الحكم عليها دون حقيقتها كما يثبت حكم نقض الطهارة بالنوم ووجوب الغسل بالتقاء الختانين

الصلاة في الأماكن المنهي عنها
فصل : قال القاضي المنع من هذه المواضع تعبد لا لعلة معقولة فعلى هذا يتناول النهي كل ما وقع عليه الأسم فلا فرق في المقبرة بين القديمة والحديثة أتربتها أو لم تتقلت لتناول الأسم لها فإن كان في الموضع قبر أو قبران لم يمنع من الصلاة فيها لأنها لا يتناولها اسم المقبرة وإن نقلت القبور منها جازت الصلاة فيها لأن مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت فيه قبور المشركين فنبشت متفق عليه ولا فرق في الحمام بين مكان الغسل وصب الماء وبين بيت المسلخ الذي ينزع في الثياب والأتون وكل ما يغلق عليه باب الحمام لتناول الأسم له وما المعاطن فقال أحمد : هي التي تقيم فيها الإبل وتأوي إليها وقيل هي المواضع التي تناخ فيها إذا وردت والأول أجود لأنه جعله مقابلة مراح الغنم والحش المكان الذي يتخذ للغائط والبول فيمنع من الصلاة فيما هو داخل بابه ولا أعلم في منع الصلاة فيه إلا أنه قد منع من ذكر الله تعالى فيه والكلام فمنع الصلاة فيه أولى ولأنه إذا منع الصلاة في هذه المواضع لكونها مظان للنجاسات فهذا أولى فإنه بنى لها ويحتمل أن المنع في هذه المواضع معلل بأنها مظان للنجاسات فإن المقبرة تنبش ويظهر التراب الذي فيه صديد الموتى ودماؤهم ولحومهم ومعاطن الإبل فيها فإن البعير البارك كالجدار يمكن أن يستتر به ويبول كما روي عن ابن عمر أنه أناخ بعيره مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليه ولا يتحقق هذا في حيوان سواها لأنه في حال ربضه لا يستر وفي حال لا يثبت ولا يستر والحمام موضع الأوساخ والبول فنهي عن الصلاة فيها لذلك وتعلق الحكم بها وإن كانت طاهرة لأن المظنة يتعلق الحكم بها وإن خفيت الحكمة فيها ومتى أمكن تعليل الحكم تعين تعليله وكان أولى من قهر التعبد ومرارة التحكم يدل على صحة هذا تعدية الحكم إلى الحش المسكوت عنه بالتنبيه من وجود معنى المنطوق فيه وإلا لم يكن ذلك تنبيها فعلى هذا يمكن قصر الحكم على ما هو مظنة منها فلا يثبت حكم المنع في موضع المسلخ من الحمام ولا في وسطه لعدم المظنة فيه وكذلك ما أشبهه والله أعلم
فصل : وزاد أصحابنا المجزرة والمزبلة ومحجة الطريق وظهر الكعبة لأنها في خبر عمر وابنه وقالوا : لا يجوز فيها الصلاة ولم يذكرها الخرقي فيحتمل أنه جوز الصلاة فيها وهو قول أكثر أهل العلم لعموم قوله عليه الصلاة و السلام : [ جعلت لي الأرض مسجدا ] وهو صحيح متفق عليه واستثنى منه المقبرة والحمام ومعاطن الإبل بأحاديث صحيحة خاصة ففيما عدا ذلك يبقى على العموم وحديث عمر وابنه يرويهما العمري و زيد بن جبير وقد تكلم فيهما من قبل حفظهما فلا يترك الحديث الصحيح بحديثهما وهذا أصح وأكثر أصحابنا فيما علمت عملوا بخبر عمر وابنه في المنع من الصلاة في المواضع السبعة ومعنى محجة الطريق الجادة المسلوكة التي تسلكها السابلة وقارعة الطريق يعني التي تقرعها الأقدام فاعلة بمعنى مفعولة مثل الأسواق والمشارع والجادة للسفر ولا بأس بالصلاة فيما علا منها يمنة ويسرة ولم يكثر قرع الأقدام فيه وكذلك لا بأس بالصلاة في الطريق التي يقل سالكوها كطريق الأبيات اليسيرة والمجزرة الموضع الذي يذبح القصابون فيها البهائم وشبههم معروف بذلك معدا والمزبلة الموضع الذي يجمع فيه الزبل ولا فرق في هذه المواضع بين ما كان فيها طاهرا ونجسا ولا بين كون الطريق فيها سالكا أو لم يكن ولا في المعاطن بين أن يكون فيها إبل في الوقت أو لم يكن وأما المواضع التي تبيت فيها الإبل في مسيرها أو تناخ فيها لعلفها ووردها فلا يمنع الصلاة فيها قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن موضع فيه أبعار الإبل يصلي فيه ؟ فرخص فيه ثم قال : إذا لم يكن من معاطن الإبل التي نهي عن الصلاة فيها التي تأوي إليها الإبل
فصل : ويكره أن يصلي إلى هذه المواضع فإن فعل صحت صلاته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وقد سئل عن الصلاة إلى المقبرة والحمام والحش قال : لا ينبغي أن يكون في القبلة قبر ولا حش ولا حمام فإن كان يجزئه وقال أبو بكر : يتوجه في الإعادة قولان أحدهما لموضع النهي وبه أقول والثاني يصح لأنه لم يصل في شيء من المواضع المنهي عنها وقال أبو عبد الله بن حامد إن صلى إلى المقبرة والحش فحكمه حكم المصلي فيهما إذا لم يكن بينه وبينهما حائل لما روى أبو مرثد الغنوي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها ] متفق عليه وقال الأثرم ذكر أحمد حديث أبي مرثد ثم قال إسناده جيد وقال أنس : رآني عمر وأنا أصلي إلى قبر يشير إلي : القبر القبر قال القاضي وفي هذا تنبيه على نظائره من المواضع التي نهي عن الصلاة فيها والصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شيء من هذه المواضع إلا المقبرة لأن قوله عليه الصلاة و السلام : [ جعلت الأرض مسجدا ] يتناول الموضع الذي يصلي فيه من هي في قبلته وقياس ذلك على الصلاة إلى المقبرة لا يصح لأن النهي إن كان تعبدا غير معقول المعنى امتنع تعديته ودخول القياس فيه وإن كان لمعنى مختص بها وهو اتخاذ القبور مسجدا والتشبه بمن يعظمها ويصلي إليها فلا يتعداها الحكم لعدم وجود المعنى في غيرها وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصوالحهم مساجد ألا فلا تتخوا القبور مساجد أني أنهاكم عن ذلك ] وقال : [ لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ] يحذر ما صنعوا متفق عليهما فعلى هذا لا تصح الصلاة إلى القبور للنهي عنها ويصح إلى غيرها لبقائها في عموم الإباحة وامتناع قياسها على ما ورد النهي فيه والله أعلم
فصل : وإن صلى على سطح الحش أو الحمام أو عطن الإبل أو غيرها فذكر القاضي أن حكمه حكم المصلي فيها لأن الهواء تابع للقرار فيثبت فيه حكمه ولذلك لو حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث ولو خرج المعتكف إلى سطح المسجد كان له ذلك لأن حكمه حكم المسجد والصحيح إن شاء الله قصر النهي على ما تناوله وأنه لا يعدى إلى غيره لأن الحكم إن كان تعبديا فالقياس فيه ممتنع وإن علل فإنما يعلل بكونه للنجاسة ولا يتخيل هذا في سطحها فأما أن بنى على طريق ساباطا أو أخرج عليه خروجا فعلى قول القاضي حكمه حكم الطريق لما ذكره فيما تقدم وعلى قولنا إن كان الساباط مباحا له مثل أن يكون في درب غير نافذ بإذن أهله مستحقا له أو حدث الطريق بعده فلا بأس بالصلاة عليه وإن كان على طريق نافذ فليس ذلك له فيكون المصلي فيه كالمصلي في الموضع المغصوب على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وإن كان الساباط على نهر تجري فيه السفن فهو كالساباط على الطريق في القولين جميعا وهذا مما يدل على ما ذكرناه لأنه لو كانت العلة كونه تابعا للقرار لجازت الصلاة ههنا لكون القرار غير ممنوع من الصلاة فيه بدليل ما لو صلى عليه في سفينة أو لو جمد ماؤه فصلى عليه صح ولأنه لو كانت العلة ما ذكره لصحت الصلاة على ما حاذى ميمنة الطريق وميسرتها وما لا تقرعه الأقدام منها وهذا فيما إذا كان السطح جاريا على موضع النهي فإن كان المسجد سابقا وجعل تحته طريق أو عطن أو غيرهما من مواضع النهي أو كان في غير مقبرة فحدثت المقبرة حوله لم تمتنع الصلاة فيه بغير خلاف لأنه لم يتبع ما حدث بعده والله أعلم

فصل : وفي المسجد في المقبرة بين القبور
فصل : وإن بنى مسجدا في المقبرة بين القبور فحكمه حكمها لأنه لا يخرج بذلك عن أن يكون في المقبرة وقد روى قتادة إن أنسا مر على مقبرة وهم يبنون فيها مسجدا فقال أنس : كان يكره أن يبنى مسجد في وسط القبور

فصل : وفي داخل الكعبة أو على سطحها
فصل : ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها وجوزه الشافعي و أبو حنيفة لأنه مسجد ولأنه محل لصلاة النفل فكان محلا للفرض كخارجها
ولنا قول الله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } والمصلي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لجهتها والنافلة مبناها على التخفيف والمسامحة بدليل صلاتها قاعدا وإلى غير القبلة في السفر على الراحلة

فصل : النافلة في الكعبة وعلى ظهرها
فصل : وتصح النافلة في الكعبة وعلى ظهرها لا نعلم فيه خلافا لأن النبي صلى الله عليه و سلم صلى في البيت ركعتين إلا أنه صلى تلقاء الباب أو على ظهرها وكان بين يديه شيء من بناء الكعبة متصل بها صحت صلاته فإن لم يكن بين يديه شيء شاخص أو كان بين يديه آجر معبى غير مبني أو خشب غير مسمور فيها فقال صلاته لأن ذلك تابع لها والأولى أنه لا يشترط كون شيء منها بين يديه لأن الواجب استقبال موضعها وهوائها دون حيطانها بدليل ما لو انهدمت الكعبة صحت الصلاة إلى موضعها ولو صلى على جبل عال يخرج عن مسامتتها صحت صلاته إلى هوائها كذا ههنا

فصلان : الصلاة في الموضع المغصوب
فصل : وفي الصلاة في الموضع المغصوب روايتان إحداهما لا تصح وهو أحد قولي الشافعي والثانية تصح وهو قول أبي حنيفة و مالك و القول الثاني ل الشافعي لأن النهي لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها كما لو صلى وهو يرى غريقا يمكنه إنقاذه فلم ينقذه أو حريقا يقدر على إطفائه فلم يطفئه أو مطل غريمه الذي يمكن إيفاؤه وصلى
ولنا : أن الصلاة عبادة أتى بها على الوجه المنهي عنه فلم تصح كصلاة الحائض وصومها وذلك لأن النهي يقتضي تحريم الفعل واجتنابه والتاثيم بفعله فكيف يكون مطيعا بما هو عاص به ممتثلا بما هو محرم عليه متقربا بما يبعد به فإن حركاته وسكناته من القيام والركوع والسجود أفعال اختيارية هو عاص بها منهي عنها فأما من رأى الحريق فليس بمنهي عن الصلاة إنما هو مأمور بإطفاء الحريق وإنقاذ الغريق وبالصلاة إلا أن أحدهما آكد من الآخر أما في مسألتنا فإن أفعال الصلاة في نفسها منهي عنها
إذا ثبت هذا فلا فرق بين غصبه لرقبة الأرض بأخذها أو دعواه ملكيتها وبين غصبه منافعها بأن يدعي إجازتها ظالما أو يضع يده عليها ليسكنها مدة أو يخرج روشنا أو ساباطا في موضع لا يحل له أو يغصب راحلة ويصلي عليها أو سفينة ويصلي فيها أو لوحا فيجعله في سفينة ويصلي عليه كل ذلك حكمه في الصلاة حكم الدار على ما بيناه
فصل : قال أحمد رحمه الله : تصلى الجمعة في موضع الغصب يعني لو كان الجامع أو موضع منه مغصوبا صحت الصلاة فيه لأن الجمعة تختص ببقعة فإذا صلاها الإمام في الموضع المغصوب فامتنع الناس من الصلاة فيه فاتتهم الجمعة وإن امتنع بعضهم فاتته الجمعة ولذلك أبيحت خلف الخوارج والمتبدعة وكذلك تصح في الطريق ورحاب المسجد لدعاء الحاجة إلى فعلها في هذه المواضع وكذلك في الأعياد والجنازة

فصل : الصلاة في أرض الخسف
فصل : قال أحمد رحمه الله : أكره الصلاة في أرض الخسف وذلك لأنها موضع مسخوط عليه وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه يوم مر بالحجر : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم ] متفق عليه

فصل : الصلاة في الكنيسة
فصل : ولا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة رخص فيها الحسن و عمر بن عبد العزيز و الشعبي و الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز وروي عن عمر وأبي موسى وكره ابن عباس و مالك الكنائس من أجل الصور ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى في الكعبة وفيها صور ثم هي داخلة في قوله عليه السلام : [ فأينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد ]

فصل : وإذا كانت الأرض نجسة وبسط عليها شيء طاهر
فصل : وإذا كانت الأرض نجسه وطينها بطاهر أو بسط عليها شيئا طاهرا صحت الصلاة مع الكراهة في ظاهر كلام أحمد رحمه الله وهو قول طاوس و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وذكر أصحابنا في المسألة روايتين إحداهما لا تصح لأنها مدفن النجاسة أشبهت المقبرة
ولنا : أن الطهارة إنما تشترط في بدن المصلي وثوبه وموضع صلاته وقد وجد ذلك كله ولا نسلم العلة في الأصل فإنه لو صلى بين القبور لم تصح صلاته وإن لم يكن مدفنا للنجاسة وقد قيل إن الحكم غير معلل فلا يقاس عليه

فصل : الصلاة على أرضية مصنوعة من مادة نجسة أو مخلوطة بماء نجس
فصل : ويكره تطيين المسجد بطين نجس أو تطبيقه بطوابق نجسة أو بناؤه بلبن نجس أو آجر نجس فإن فعل وباشر المصلي أرضه النجسة ببدنه أو ثيابه لم تصح صلاته وأما الآجر المعجون بالنجاسة فهو نجس لأن النار لا تطهره فإن غسل طهر ظاهره لأن النار أكلت أجزاء النجاسة الظاهرة وبقي إثرها فتطهر بالغسل كالأرض النجسة وبقي باطنها نجسا لأن الماء لم يصل إليه فإن صلى عليه بعد الغسل فهو كما لو صلى على بساط طاهر مفروش على أرض نجسة وكذلك الحكم في البساط الذي باطنه نجس وظاهره طاهر ومتى انكسر من الآجر النجس قطعة فظهر بعض باطنه فهو نجس لا تصح الصلاة عليه

فصل : ولا بأس بالصلاة على الحصير والبسط من الصوف والشعر
فصل : ولا بأس بالصلاة على الحصير والبسط من الصوف والشعر والوبر والثياب من القطن والكتان وسائر الطاهرات وصلى عمر على عبقري وابن عباس على طنفسة وزيد بن ثابت وجابر على حصير وعلي وابن عباس وابن مسعود وأنس على المنسوج وهو قول عوام أهل العلم إلا ما روي عن جابر أنه كره الصلاة على كل شيء من الحيوان واستحب الصلاة على كل شيء من نبات الأرض ونحوه قال مالك إلا أنه قال في بساط الصوف والشعر إذا كان سجوده على الأرض لم أر بالقيام عليه بأسا والصحيح أنه لا بأس بالصلاة على شيء من ذلك وقد صلى النبي صلى الله عليه و سلم على حصير في بيت عتبان بن مالك وأنس متفق عليهما وروى عنه المغيرة بن شعبة أنه كان يصلي على الحصير والفروة المدبوغة وفيما رواه ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى ملتفا بكساء يضع يده عليه إذا سجد ولأن ما لم تكره الصلاة فيه لم تكره الصالة عليه كالكتان والخوص وتصح الصلاة على ظهر الحيوان إذا أمكنه استيفاء الأركان عليه والنافلة في السفر وإن كان الحيوان نجسا أو عليه بساط طاهر صحت الصلاة عليه فإن النبي صلى الله عليه و سلم صلى على حمار وفعله أنس وتصح الصلاة على العجلة وهي خشب على بكرات إذا أمكنه ذلك لأنها محل تستقر عليه أعضاؤه فهي كغيرها

مسألتان : ولا فرق من كثير النجاسة وقليلها إلا إذا كان دم أو قيح ولا فرق
مسألة : قال : وإن صلى وفي ثوبه نجاسة وإن قلت أعاد
قد ذكرنا أن الطهارة من النجاسة شرط لصحة الصلاة ولا فرق بين كثيرها وقليلها إلا فيما نذكره بعد إن شاء الله تعالى وممن قال لا يعفى عن يسير البول مثل رؤوس الأبر مالك و الشافعي و أبو ثور و قال أبو حنيفة : يعفى عن يسير جميع النجاسات لأنه يتحرى فيها بالمسح في محل الاستنجاء ولو لم يعف عنها لم يكف فيها المسح كالكثير ولأنه يشق التحرز منه فعفي عنه كالدم
ولنا : عموم قوله تعالى : { وثيابك فطهر } وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ] ولأنها نجاسة لا تشق إزالتها فوجبت إزالتها كالكثير وأما الدم فإنه يشق التحرز منه فإن الإنسان لا يكاد يخلو من بثرة أو حكة أو دمل ويخرج من أنفه وفيه وغيرهما فيشق التحرز من يسيره أكثر من كثيره ولهذا فرق في الوضوء بين قليله وكثيره
مسألة : قال : إلا أن يكون ذلك دما أو قيحا يسيرا مما لا يفحش في القلب
أكثر أهل العلم يرون العفو عن يسير الدم والقيح وممن روي عنه ابن عباس وأبو هريرة وجابر وابن أبي أوفى وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير و طاوس و مجاهد و عروة و محمد بن كنانة و النخعي و قتادة و الأوزاعي و الشافعي في أحد قوليه وأصحاب الرأي وكان ابن عمر ينصرف من قليله وكثيره وقال الحسن : كثيره وقليله سواء ونحوه عن سليمان التيمي لأنه نجاسة فأشبه البول
ولنا : ما روي عن عائشة قالت : قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها وفي لفظ : ما كان لإحدانا إلا ثوب فيه تحيض فإن أصابه شيء من دمها بلته بريقها ثم قصعته بظفرها رواه أبو داود وهذا يدل على العفو عنه لأن الريق لا يطهر به ويتنجس به ظفرها وهو إخبار عن داوم الفعل ومثل هذا لا يخفى عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا يصدر إلا عن أمره ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعا وما حكي عن ابن عمر فقد روي عنه خلافه فروى الأثرم بإسناده عن نافع أن ابن كان يسجد فيخرج يديه فيضعهما بالأرض وهما يقطران دما من شقاق كان في يديه وعصر بثرة فخرج منها شيء من دم وقيح فمسحه بيده وصلى ولم يتوضأ وانصرافه منه في بعض الحالات لا ينافي ما رويناه عنه فقد يتورع الإنسان عن بعض ما يرى جوازه ولأنه يشق التحرز منه فعفي عنه كأثر الاستنجاء

فصل : العفو عن اليسير من نجاسة الدم والقيح والصديد
فصل : وظاهر مذهب أحمد أن اليسير ما لا يفحش في القلب وهو قول ابن عباس قال : إلا إذا كان فاحشا أعاد وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وروي عن أحمد أنه سئل عن الكثير فقال شبر في شبر وفي موضع قال قدر الكف فاحش وظاهر مذهبه أنه ما فحش في قلب من عليه الدم وقال ابن عباس ما فحش في قلبك قال الخلال : والذي استقر عليه قوله في الفاحش أنه على قدر ما يستفحشه كل إنسان في نفسه وقال ابن عقيل إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس وقال قتادة في موضع الدرهم فاحش ونحوه عن النخعي و سعيد بن جبير و حماد بن أبي سليمان و الأوزاعي وأصحاب الرأي لأنه روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم ] ولنا أنه لا حد له في الشرع فرجع فيه إلى العرف كالتفرق والإحراز وما رووه لا يصح فإن الحافظ أبا الفضل المقدسي قال هو موضوع ولأنه إنما يدل على محل النزاع بدليل خطابه وأصحاب الرأي لا يرونه حجة

فصل : والقيح والصديد وما تولد من الدم بمنزلة الدم
فصل : والقيح والصديد وما تولد من الدم بمنزلته إلا أن أحمد قال : هو أسهل من الدم وروي عن ابن عمر والحسن إنهما لم يرياه كالدم وقال أبو مجلز في الصديد : إنما ذكر الله الدم المسفوح وقال أمي بن ربيعة : رأيت طاوسا كأن إزاره نطع من قروح كانت برجليه وقال إسماعيل السراج رأيت حاشية إزار مجاهد قد ثبت من الصديد والدم من قروح كانت بساقيه وقال إبراهيم في الذي يكون به الحبون يصلي ولا يغسله فإذا برئ غسله وقال عروة و محمد بن كنانة مثل ذلك فعلى هذا يعفى منه عن أكثر مما يعفى مثله من الدم لأنه لا يفحش منه إلا أكثر من الدم ولأن هذا لا نص فيه وإنما ثبتت النجاسة فيه لأنه مستحيل من الدم إلى حال مستقذرة

فصل : ولا فرق بين كون الدم مجتمعا أو متفرقا
فصل : ولا فرق بين كون الدم مجتمعا أو متفرقا بحيث إذا جمع بلغ هذا القدر ولو كانت النجاسة في شيء صفيق قد نفذت من الجانبين فاتصل ظاهره بباطنه فهو نجاسة واحدة وإن لم يتصلا بل كان بينهما لم يصبه الدم فهما نجاستان إذا بلغا لو جمعا قدرا لا يعفى عنه لم يعف عنهما كما لو كانا في جانبي الثوب

فصل : ويعفى عن يسير دم الحيض
فصل : ويعفى عن يسير دم الحيض لما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها وعن سائر دماء الحيوانات الطاهرة فأما دم الكلب والخنزير فلا يعفى عن يسيره لأن رطوباته الطاهرة من غيره لا يعفى عن شيء منها فدمه أولى ولأنه أصاب جسم الكلب فلم يعف عنه كالماء إذا أصابه وهكذا كل دم أصاب نجاسة غير معفو عنها لم يعف عن شيء منه لذلك

فصل : ودم ما لا نفس له كالبق والبراغيث والذباب روايتان ودم السمك طاهر
فصل : ودم لا نفس له سائلة كالبق والبراغيث والذباب ونحوه فيه روايتان إحداهما أنه طاهر وممن رخص في دم البراغيث عطاء و طاوس و الحسن و الشعبي و الحاكم و حبيب بن أبي ثابت و حماد و الشافعي و إسحاق ولأنه لو كان نجسا لنجس الماء اليسير إذا مات فيه فإنه إذا مكث في الماء لا يسلم من خروجه فضلة منه فيه ولأنه ليس بدم مسفوح وإنما حرم الله الدم المسفوح والرواية الثانية عن أحمد قال في دم البراغيث إذا كثر إني لأفزع منه وقال النخعي : اغسل ما استطعت وقال مالك في دم البراغيث إذا كثر وانتشر فإني أرى أن يغسل والأول أظهر وقول أحمد أني لأفزع منه ليس بصريح في نجاسته وإنما هو دليل في توقفه فيه وليس المنسوب إلى البراغيث دم إنما هو بولها في الظاهر وبول هذه الحشرات ليس بنجس والله أعلم وقال أبو الخطاب : دم السمك طاهر لأن إباحته لا تقف على سفحه ولو كان نجسا لوقفت الإباحة على إراقته بالذبح كحيوان البر ولأنه إذا ترك استحال فصار ماء وقال أبو ثور : هو نجس لأنه دم مسفوح فيدخل في عموم قوله تعالى : { أو دما مسفوحا }

فصل : ما يعفى عنه من نجاسات الحيوان غير الدم وما في معناه
فصل : واختلفت الرواية في العفو عن يسير القيء فروي عن أحمد أنه قال هو عندي بمنزلة الدم وذلك لأنه خارج من الإنسان نجس من غير السبيل فأشبه الدم وروي عنه في المذي أنه قال يغسل ما أصاب الثوب منه إلا أن يكون يسيرا وروى الخلال بإسناده قال : سئل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن المذي يخرج فكلهم قال إنه بمنزلة القرحة فما علمت منه فاغسله وما غلبك منه فدعه ولأنه يخرج من الشباب كثيرا فيشق التحرز منه فعفي عن يسيره كالدم وكذلك المني إذا قلنا بنجاسته : وروي عنه في الودي مثل ذلك إلا أن الظاهر عنه أن حكمه حكم البول لأنه من مخرجه وروي عن أحمد أيضا أنه يعفى عن ريق البغل والحمار وعرقهما إذا كان يسيرا وهو الظاهر عن أحمد قال الخلال : وعليه مذهب أبي عبد الله لأنه يشق التحرز منه قال أحمد من يسلم من هذا ممن يركب الحمير إلا أني أرجو أن يكون ما خف منه أسهل : قال القاضي وكذلك ما كان في معناهما من سباع البهائم سوى الكلب والخنزير وكذلك الحكم في أبوالها وأرواثها وبول الخفاش قال الشعبي و الحاكم و حماد و حبيب بن أبي ثابت لا بأس ببول الخفافيش وكذلك الخشاف لأنه يشق التحرز منه فإنه في المساجد يكثر فلو لم يعف عن يسيره لم يقر في المساجد وكذلك بول ما يؤكل لحمه إن قلنا بنجاسته لأنه يشق التحرز منه لكثرته وعن أحمد لا يعفى عن يسير شيء من ذلك لأن الأصل أن لا يعفى عن شيء من النجاسة خولف في الدم وما تولد منه فيبقى فيما عداه على الأصل

فصول : ما يعفى عنه من نجاسة البول والغائط والنجاسة المغلطة ثلاثة مواضيع
فصل : وقد عفي عن النجاسات المغلظة لأجل محلها في ثلاثة مواضع أحدها محل الاستنجاء فعفي فيه عن أثر الاستجمار بعد الانقاء واستيفاء بغير خلاف نعلمه واختلف أصحابنا في طهارته فذهب أبو عبد الله بن حامد و أبو حفص بن المسلمة إلى طهارته وهو ظاهر كلام أحمد فإنه قال في المستجمر يعرق في سراويله لا بأس به ولو كان نجسا لنجسه ووجه ذلك قوله النبي صلى الله عليه و سلم في الروث والرمة إنهما لا يطهران مفهومه أن غيرهما يطهر ولأنه معنى يزيل حكم النجاسة فيزيلها كالماء وقال أصحابنا المتأخرون : لا يطهر المحل بل هو نجس فلو قعد المستجمر في ماء يسير نجسه ولو عرق كان عرقه كان عرقه نجسا لأن المسح لا يزيل أجزاء النجاسة كلها فالباقي منها نجس لأنه عين النجاسة ففيه ثلاث روايات إحداهن يجزئ دلكه بالأرض وتباح الصلاة فيه وهو قول الأوزاعي و إسحاق لما روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب ] وفي لفظ : [ إذا وطئ بنعليه أحدكم الأذى فإن التراب له طهور ] وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ذلك وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلنظر فإن رأى في نعله قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيها ] وعن ابن مسعود قال : كنا نتوضأ من موطئ رواهما أبو داود ولأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه كانوا يصلون في نعالهم [ قال أبو مسلمة سعيد بن يزيد سألت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي في نعليه ؟ قال نعم ] متفق عليه والظاهر أن النعل لا تخلو من نجاسة تصيبها فلو لم يجزئ دلكها لم تصح الصلاة فيها والثانية يجب غسله كسائر النجاسات فإن الدلك لا يزيل جميع أجزاء النجاسة والثالثة يجب غسله من البول والعذرة دون غيرهما لتغلظ نجاستهما وفحشهما والأول أولى لأن اتباع الأثر واجب فإن قيل فقول النبي صلى الله عليه و سلم في نعليه : [ إن فيهما قذرا ] يدل على أنه لم يجز دلكهما ولم يزل القذر منهما قلنا لا دلالة في هذا لأنه لم ينقل أنه دلكهما والظاهر أنه لم يدلكهما لأنه لم يعلم بالقذر فيهما حتى أخبره جبريل عليه السلام إذا ثبت هذا فإن دلكهما يطهرهما في قول ابن حامد لظاهر الأخبار وقال غيره يعفى عنه مع بقاء نجاسته كقولهم في أثر الاستنجاء وقال القاضي إنما يجزئ دلكهما بعد جفاف نجاستهما لاأحتى أخبره جبريل عليه السلام إذا ثبت هذا فإن دلكهما يطهرهما في قول ابن حامد لظاهر الأخبار وقال غيره يعفى عنه مع بقاء نجاسته كقولهم في أثر الاستنجاء وقال القاضي إنما يجزئ دلكهما بعد جفاف نجاستهما لأنه لا يبقى لها أثر وإن دلكهما قبل جفافهما لم يجزه ذلك لأن رطوبة النجاسة باقية فلا يعفى عنها وظاهر الأخبار لا يفرق بين رطب ولا جاف ولأنه محل اجتزئ فيه بالمسح فجاز في حال رطوبة الممسوح كمحل الاستنجاء ولأن رطوبة المحل معفو عنها إذا جفت قبل الدلك فيعفى عنها إذ جفت به كالاستجمار الثالث إذا جبر عظمه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر وأجزأته صلاته لأنها نجاسة باطنة يتضرر بإزالتها فأشبهت دماء العروق وقيل يلزمه قلعه ما لم يخف التلف وإن سقط سن من أسنانه فأعادها بحرارتها فثبتت فهي طاهرة لأنها بعضه والآدمي بجملته طاهر حيا وميتا وكذلك بعضه وقال القاضي هي نجسة حكمها حكم سائر العظام النجسة لأن ما أبين من حي فهو ميت فإنما حكم بطهارة الجملة لحرمتها وحرمتها آكد من حرمة البعض فلا يلزم من الحكم بطهارتها الحكم بطهارة ما دونها
فصل : وإذا كان على الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة نجاسة فعفي عن يسيرها كالدم ونحوه عفي عن أثر كثيرها بالمسح لأن الباقي بعد المسح يسير وإن كثر محله عفي عنه كيسير غيره
مسألة : قال : وإذا خفي موضع النجاسة من الثوب استظهر حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة
وجملته أن النجاسة إذا خفيت في بدن أو ثوب وأراد الصلاة فيه لم يجز ذلك حتى يتيقن زوالها ولا يتيقن ذلك حتى يغسل كل محل يحتمل أن تكون النجاسة أصابته فإذا لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله وإن علمها في إحدى جهتيه غسل تلك الجهة كلها وإن رآها في بدنه أو ثوب هو لابسه غسل كل ما يدركه بصره من ذلك وبهذا قال النخعي و الشافعي و مالك و ابن المنذر وقال عطاء و الحكم و حماد : إذا خفيت النجاسة في الثوب نضحه كله وقال ابن شبرمة : يتحرى مكان النجاسة فيغسله ولعلهم يحتجون بـ [ حديث سهل بن حنيف في المذي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : فكيف بما أصاب ثوبي منه ؟ قال : يجزئك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه فأمره بالتحري والنضح ]
ولنا : أنه متيقن للمانع من الصلاة فلم تبح له الصلاة إلا بتيقن زواله كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة والنضح لا يزيل النجاسة وحديث سهل في المذي دون غيره فلا يعدي لأن أحكام النجاسة تختلف وقوله : [ حيث ترى أنه أصاب منه ] محمول على من ظن أنه أصاب ناحية من ثوبه من غير تيقن فيجزئه نضح المكان أو غسله
فصل : وإن خفيت النجاسة في فضاء واسع صلى حيث شاء ولا يجب غسل جميعه لأن ذلك يشق فلو منع من الصلاة أفضى إلى أن لا يجد موضعا يصلي فيه فأما إن كان موضعا صغيرا كبيت ونحوه فإنه يغسله كله لأنه لا يشق غسله فأشبه الثوب

مسألة وفصل : حكم فضلات الآدمي وما يخرج منه
مسألة : قال : وما خرج من الإنسان أبو البهيمة التي لا يؤكل لحمها من بول أو غيره فهو نجس
يعني ما خرج من السبيلين كالبول والغائط والمذي والمذي والودي والدم وغيره فهذا لا نعلم في نجاسته خلافا إلا أشياء يسيرة نذكرها إن شاء الله تعالى أما بوم الآدمي فقد [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في الذي مر به وهو يعذب في قبره : إنه كان لا يستبرئ من بوله ] متفق عليه وروي في خبر : [ إن عامة عذاب القبر من البول ] وأما الودي فهو ماء أبيض يخرج عقيب البول خاثر فحكمه حكم البول سواء لأنه خارج من مخرج البول وجار مجراه وأما المذي فهو ماء لزج رقبق يخرج عقيب الشهوة على طرف الذكر وظاهر المذهب أنه نجس قال هارون الحمال سمعت أبا عبد الله يذهب في المذي إلى أنه يغسل ما أصاب الثوب منه إلا أن يكون يسيرا وقد ذكرنا الاختلاف في العفو عن يسيره فيما مضى وروي عن أحمد رحمه الله أنه بمنزلة المني قال في رواية محمد بن الحكم إنه سأل أبا عبد الله عن المذي أشد أو المني ؟ قال : هما سواء ليسا من مخرج البول إنما هما من الصلب والترائب كما قال ابن عباس هو عندي بمنزل البصاق والمخاط وذكر ابن عقيل نحو هذا وعلل بأن المذي جزء من المني لأن سببهما جميعا الشهوة ولأنه خارج تحلله الشهوة أشبه المني فظاهر المذهب أنه نجس لأنه خارج من السبيل ليس بدء الخلق آدمي فأشبه البول ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بغسل الذكر منه والأمر يقتضي الوجوب ثم اختلف عن أحمد هل يجزئ فيه النضح أو يجب غسله ؟ قال في رواية محمد بن الحكم : المذي يرش عليه الماء أذهب إلى حديث سهل بن حنيف ليس بدفعه شيء وإن كان حديثا واحدا وقال الأثرم قلت ل أبي عبد الله حديث سهل بن حنيف في المذي ما تقول فيه ؟ قال الذي يرويه ابن إسحاق ؟ قلت نعم قال : لا أعلم شيئا يخالفه وهو ما [ روى سهل بن حنيف قال : كنت ألقي من المذي شدة وعناء فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يجزئك منه الوضوء قلت فكيف بما أصاب ثوبي منه ؟ قال : يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه ] قال الترمذي هذا حديث صحيح وروي عنه وجوب غسله قال محمد بن داود سألت أبا عبد الله عن المذي يصيب الثوب كيف العمل فيه ؟ قال الغسل ليس في القلب منه شيء وقال حديث محمد بن إسحاق ربما تهيبته قال ابن المنذر ومن أمر بغسل المذي عمر وابن عباس وهو مذهب الشافعي و إسحاق و أبي ثور و كثير من أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بغسل الذكر منه في حديث المقداد ولأنه نجاسة فوجب غسلها كسائر النجاسات ولحديث سهل بن حنيف قال أحمد حديث محمد بن إسحاق لا أعرفه عن غيره ولا أحكم لمحمد بن إسحاق وربما تهيبته وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار الخلال
فصل : وفي رطوبة فرج المرأة احتمالان أحدهما أنه نجس لأنه في الفرج لا يخلق منه الولد أشبه المذي والثاني طهارته لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم هو من جماع فإنه ما احتلم نبي قط وهو يلاقي رطوبة الفرج ولأننا لو حكمنا بنجاسة فرج المرأة لحكمنا بنجاسة منيها لأنه يخرج من فرجها فيتنجس برطوبته وقال القاضي ما أصاب منه في حال الجماع فهو نجس لأنه لا يسلم من المذي وهو نجس ولا يصح العليل فإن الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي كحال الاحتلال

فصل : حكم الخارج من الحيوانات المأكولة
فصل : وبول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر وهذا مفهوم كلام الخرقي وهو قول عطاء و النخعي و الثوري و مالك قال مالك : لا يرى أهل العلم أبوال ما أكل لحمه وشرب لبنه نجسا ورخص في أبوال الغنم الزهري و يحيى الأنصاري وقال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي فإنه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها ورخص في ذرق الطائر أبو جعفة و الحكم و حماد و أبو حنيفة وعن أحمد إذن ذلك نجس وهو قول الشافعي و أبي ثور ونحوه عن الحسن لأنه داخل في عموم قوله صلى الله عليه و سلم : [ تنزهوا من البول ] ولأنه رجيع فكان نجسا كرجيع الآدمي
ولنا : أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل والنجس لا يباح شربه ولو أبيح للضرورة لأمهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة و [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي في مرابض الغنم ] متفق عليه وقال : [ صلوا في مرابض الغنم ] متفق عليه وهو إجماع كما ذكر ابن المنذر وصلى أبو موسى في موضع فيه أبعار الغنم فقيل له لو تقدمت إلى ههنا فقال : هذا وذاك واحد ولم يكن للنبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه ما يصلون علهي من الأوطئة والمصليات وإنما كانوا يصلون على الأرض ومرابض الغنم لا تخلو من أبعارها وأبوالها فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم ولأنه متحلل معتاد من حيوان يؤكل لحمه فكان طاهرا كاللبن وذوق الطائر عند من سلمه ولأنه كان نجسا لتنجست الحبوب التي تدوسها البقر فإنها لا تسلم من أبوالها فيتنجس بعضها ويختلط النجس بالطاهر فيصير حكم الجميع حكم النجس
فصل : فأما الخارج من غير السبيلين فالحيوانات فيه أربعة أقسام أحدها الآدمي فالخارج منه نوعان طاهر وهو ريقه ودمعه وعرقه ومخاطه ونخامته فإنه جاء [ عن النبي صلى الله عليه و سلم في يوم الحديبية أنه ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه ] رواه البخاري ولولا طهارتها لم يفعلوا ذلك وفي حديث أبي هريرة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال : ما بال أحدكم يقوم يستقبل ربه فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه ؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعصه ببعض ] رواه مسلم ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة ولا تحت قدمه ولا فرق بين ما يخرج من الرأس والبلغم الخارج من الصدر ذكره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة وقال أبو الخطاب البلغم نجس لأنه طعام استحال في المعدة أشبه القيء
ولنا : أنه داخل في عموم الخبرين ولأنه أحد نوعي النخامة أشبه الآخر ولأنه لو كان نجس به الفم ونقض الوضوء ولم يبلغنا عن الصحابة رضي الله عنهم مع عموم البلوى به شيء من ذلك وقولهم أنه طعام مستحيل في المعدة غير مسلم إنما هو منعقد من الأبخرة فهو كالنازل من الرأس وكالمخاط ولأنه يشق التحرز منه أشبه المخاط النوع الثاني نجس وهو الدم وما تولد منه من القيح والصديد وما يخرج من المعدة من القيء والقلس فهذا نجس وقد تقدم بيان حكمه القسم الثاني ما أكل لحمه فالخارج منه ثلاثة أنواع أحدها نجس وهو الدم وما تولد منه الثاني طاهر وهو الريق والدمع والعرق واللبن فهذا لا نعلم فيه خلافا الثالث القيء ونحوه فحكمه حكم بوله لأنه طعام مستحيل فأشبه الروث وقد دللنا على طهارة بوله فهذا أولى وكذلك منيه
القسم الثالث : ما لا يؤكل لحمه ويمكن التحرز منه وهو نوعان أحدهما الكلب والخنزير فهما نجسان بجميع أجزائهما وفضلاتهما وما ينفصل عنهما الثاني ما عداهما من سباع البهائم وجوارح الطير والبغل والحمار فعن أحمد رحمه الله أنها نجسة بجميع أجزائها وفضلاتها إلا أنه يعفى عن يسير نجاستها وعنه ما يدل على طهارتها فحكمها حكم الآدمي على ما فصل
القسم الرابع : ما لا يمكن التحرز منه وهو نوعان أحدهما ما ينجس بالموت وهو السنور وما دونه في الخلقة فحكمه حكم الآدمي ما حكمنا بنجاسته من الآدمي فهو منه نجس وما حكمنا بطهارته من الآدمي فهو منه طاهر إلا ميتة فإنه نجس لأن مني الآدمي بدء خلق آدمي فشرف بتطهيره وهذا معلوم ههنا النوع الثاني ما لا نفس له سائلة فهو طاهر بجميع أجزائه وفضلاته

مسألة وفصل : التطهير من بول الغلام
مسألة : قال : إلا بول الغلام الذي لم يأكل الطعام فإنه يرش الماء عليه
هذا استثناء منقطع إذ ليس معنى الكلام طهارة بول الغلام إنما أراد أن بول الغلام الذي لم يطعم الطعام يجزئ فيه الرش وهو أن يصح عليه الماء حتى يغمره ولا يحتاج إلى رش وعصر وبول الجارية يغسل وإن لم تطعم وهذا قول علي رضي الله عنه وبه قال عطاء و الحسن و الشافعي و إسحاق و قال القاضي : رأيت ل أبي إسحاق بن شاقلا كلاما يدل على طهارة بول الغلام لأنه لو كان نجسا لوجب غسله وقال الثوري و أبو حنيفة يغسل بول الغلام كما يغسل بول الجارية لأنه بول نجس فوجب غسله كسائر الأبوال النجسة ولأنه حكم يتعلق بالنجاسة فاستوى فيه الذكر والأنثى كسائر أحكامهما
ولنا ما [ روت أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه و سلم بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله ] و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت أتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله ] متفق عليهما وعن [ لبابة بنت الحارث قالت : كان الحسين بن علي في حجر رسول الله صلى الله عليه و سلم فبال عليه فقلت ألبس ثوبا آخر وأعطني أزارك حتى أغسله فقال : إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الغلام الذكر ] رواه أبو داود وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل ] قال قتادة هذا ما لم يطعما الطعام فإذا طعما غسل بولهما رواه الإمام أحمد في مسنده وهذه نصوص صحيحة عن النبي صلى الله عليه و سلم واتباعها أولى وقول رسول الله صلى الله عليه و سلم أصح من قول من خالفه
فصل : قال أحمد الصبي إذا طعم الطعام وأراده واشتهاه غسل بوله وليس إذا طعم لأنه قد يلعق العسل ساعة يولد والنبي صلى الله عليه و سلم حنك بالتمر ولكن إذا كان يأكل ويريد الأكل فعلى هذا ما يسقاه الصبي أو يلعقه للتداوي لا يعد طعاما يوجب الغسل وما يطعمه لغذائه وهو يريده ويشتهيه هو الموجب لغسل بوله والله أعلم

مسألة وفصلان : طهارة مني الآدمي
مسألة : قال : والمني طاهر وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه كالدم
اختلفت الرواية عن أحمد في المني فالمشهور أنه طاهر وعنه أنه كالدم أنه نجس ويعفى عن يسيره وعنه أنه لا يعفى عن يسيره ويجزئ فرك يابسه على كل حال والرواية الأولى هي المشهورة في المذهب وهي قول سعد بن أبي وقاص وابن عمر وقال ابن عباس امسحه عنك بأذخرة أو خرقة ولا تغسله إن شئت وقال ابن المسيب إذا صلى فيه لم يعد وهو مذهب الشافعي و أبي ثور و ابن المنذر وقال مالك : غسل الاحتلام أمر واجب وعلى هذا مذهب الأوزاعي و الثوري قال أصحاب الرأي : هو نجس ويجزئ فرك يابسه لما روت عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : ثم أرى فيه بقعة أو بقعا وهو حديث صحيح قال صالح قال أبي : غسل المني من الثوب أحوط وأثبت في الرواية وقد جاء الفرك أيضا عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في المني يصيب الثوب : [ إن كان رطبا فاغسليه وإن كان يابسا فافركيه ] وهذا أمر يقتضي الوجوب ولأنه خارج معتاد من السبيل أشبه البول
ولنا : ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيصلي فيه متفق عليه وقال ابن عباس : امسحه عنك بأذخرة أو بخرقة ولا تغسله إنما هو كالبزاق والمخاط ورواه الدارقطني مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم ولأنه لا يجب غسله إذا جف فلم يكن نجسا كالمخاط ولأنه بدء خلق آدمي فكان طاهرا كالطين ويفارق البول من حيث أنه بدء خلق آدمي
فصل : فإن خفي موضع المني فرك الثوب كله إن قلنا بنجاسته وإن قلنا بطهارته إستحب فركه وإن صلى فيه من غير فرك أجزأه وهذا مذهب الشافعي وغيره ممن قال بالطهارة وقال ابن عباس ينضح الثوب كله وبه قال النخعي و حماد ونحوه عن عائشة و عطاء وقال ابن عمر وأبو هريرة والحسن يغسل الثوب كله ولنا أن فركه يجزئ إذا علم مكانه فكذلك إذا خفي وأما النضح فلا يفيد فإنه لا يطهره إذا علم مكانه فكذلك إذا خفي وأما إذا قلنا بالطهارة فلا يجب شيء من ذلك لكن يستحب كحال العلم به
فصل : قال أحمد رحمه الله : إنما يفرك مني الرجل أما مني المرأة فلا يفرك لأن الذي للرجل ثخين والذي للمرأة رقيق والمعنى في هذا أن الفرك يراد للتخفيف والرقيق لا يبقى له جسم بعد جفافه يزول بالفرك فلا يفيد فيه شيئا فعلى هذا إن قلنا بنجاسته فلا بد من غسله رطبا كان أو يابسا كالبول وإن قلنا بطهارته استحب غسله كما يستحب فرك مني الرجل وأما الطهارة والنجاسة فلا يفترقان فيه لأن كل واحد منهما مني وهو بدء لخلق آدمي خارج من السبيل

فصل : حكم العلقة ومن أمنى على فرجه نجاسة
فصل : فأما العلقة فقال ابن عقيل فيها روايتان كالمني لأنها بدء خلق آدمي والصحيح نجاستها لأنها دم ولم يرد من الشرع فيها طهارة وقياسها على المني ممتنع لكونها دما خارجا من الفرج فأشبهت دم الحيض
فصل : ومن أمنى وعلى فرجه نجاسة نجس منيه لإصابته النجاسة ولم يعف عن يسيره لذلك وذكر القاضي في المني من الجماع أنه نجس لأنه لا يسلم من المذي وقد ذكرنا فساد هذا فإن النبي صلى الله عليه و سلم إنما كان من جماع وهو الذي وردت الأخبار بفركه والطهارة لغيره إنما أخذت من طهارته والله أعلم

مسألة : والبوك على الأرض يطهرها دلو من ماء
مسألة : قال : والبول على الأرض يطهرها دلو من ماء
وجملة ذلك أن الأرض إذا تنجست بنجاسة مائعة كالبول والخمر وغيرهما فطهورها أن يغمرها بالماء بحيث يذهب لون النجاسة وريحها فما انفصل عنها غير متغير بها فهو طاهر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا تطهر الأرض حتى ينفصل الماء فيكون المنفصل نجسا لأن النجاسة انتقلت إليه فكان نجسا كما لو وردت عليه
ولنا : ما روى أنس قال : [ جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجوه الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه و سلم فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه ] وفي لفظ فدعاه فقال : [ إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر وإنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن ] أو كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : وأمر رجلا فجاء بدلو من ماء فشنه عليه متفق عليه ولولا أن المنفصل طاهر لكان قد أمر بزيادة تنجيسه لأنه كان في موضع فصار في مواضع وإنما أراد النبي صلى الله عليه و سلم تطهير المسجد فإن قيل : فقد روي عن ابن مغفل أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ خذوا ما بال عليه من التراب واهريقوا على مكانه ماء ] وروى أبو بكر بن عياش عن سمعان عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال فأمر به فحفر قلنا : ليست هذه الزيادة في خبر متصل قاله الخطابي وحديث ابن مغفل مرسل قال أبو داود : ابن مغفل لم يدرك النبي صلى الله عليه و سلم وحديث سمعان منكر قاله الإمام وقال ما أعرف سمعان ولأن البلة الباقية في المحل بعد غسله طاهرة وهي بعض المنفصل فكذلك المنفصل وقولهم : أن النجاسة انتقلت إليه قلنا بعد طهارتها لأن الماء لو لم يطهرها لنجس بها حال ملاقاته لها ولو نجس بها لما طهر المحل ولكان الباقي منه في المحل نجسا قال القاضي إنما يحكم بطهارة المنفصل إذا نشفت النجاسة وذهبت أجزاؤها ولم يبق إلا أثرها فإن كانت أجزاؤها باقية طهر المحل ونجس المنفصل وهذا الشرط الذي ذكره لم أره عن أحمد ولا يقتضيه كلام الخرقي ولا يصح لأنه أراد ببقاء أجزائها بقاء رطوبتها فهو خلاف الخبر فإن قوله فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه يدل على أنه صب عليه عقيب فراغه منه وإن أراد بقاء البول متنقعا فلا فرق بينه وبين الرطوبة فإن قليل البول وكثيره في التنجيس سواء والرطوبة أجزاء تنجس كما ينجس المتنقع فلا فرق إذا

فصل : تطهير مياه المطر والسيول للنجاسات
فصل : وإن أصاب الأرض ماء المطر أو السيول فغمرها وجرى عليها فهو كما لو صب عليها لأن تطهير النجاسة لا تعتبر فيه نية ولا فعل فاستوى ما صبه الآدمي وما جرى بغير صبه قال أحمد رحمه الله في البول يكون في الأرض فتمطر عليه السماء : إذا أصابه من المطر بقدر ما يكون ذنوبا كما أمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يصب على البول فقد طهر وقال المروذي سئل أبو عبد الله عن ماء المطر يختلط بالبول فقال : ماء المطر عندي لا يخالط شيئا إلا طهره إلا العذرة فإنها تقطع وسئل عن ماء المطر يصيب الثوب فلم ير به بأسا إلا أن يكون بيل فيه بعد المطر وقال كل ما ينزل من السماء إلى الأرض فهو نظيف داسته الدواب أو لم تدسه وقال في الميزاب إذا كان في الموضع النظيف فلا بأس بما قطر عليك من المطر إذا لم تعلم أنه قذر قيل له فأسأل عنه ؟ قال لا تسأل وما دعاك إلى أن تسأل وهو ماء المطر ؟ إذا لم يكن موضع مخرج أو موضع قذر فلا تغسله واحتج في طهارته طين المطر بحديث الأعرابي الذي بال في المسجد قال إسحاق بن منصور وقال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد واحتج بأن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين كانوا يخوضون المطر في الطرقات فلا يغسلون أرجلهم لما غلب الماء القذر وممن روي عنه أنه خاض طين المطر وصلى ولم يغسل رجليه عمر وعلي رضي الله عنهما وقال ابن مسعود كنا لا نتوضأ من موطئ ونحوه عن ابن عباس وقال بذلك سعيد بن المسيب و علقمة و الأسود و عبد الله بن مغفل بن مقرن و الحسن وأصحاب الرأي وعوام أهل العلم لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك

فصل : ولا تطهر الأرض بذهاب النجاسة ورائحتها ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح ولا جفاف وإذا كانت النجاسة ذات إجراء متفرقة
فصل : ولا تطهر الأرض حتى يذهب لون النجاسة ورائحتها لأن بقاءهما دليل على بقاء النجاسة فإن كانت مما لا يزول لونها إلا بمشقة سقط عنه إزالتها كالثوب وكذلك الحكم في الرائحة
فصل : إذا كانت النجاسة ذات أجزاء متفرقة كالرميم والروث والدم إذا جف فاختلطت بأجزاء الأرض لم تطهر بالغسل لأن عينها لا تنقلب ولا تطهر إلا بإزالة أجزاء المكان بحيث يتيقن زوال أجزاء النجاسة ولو بادر البول وهو رطب فقلع التراب الذي عليه أثره فالباقي طاهر لأن النجس كان رطبا وقد زال وإن جف فإزال ما وجد عليه الأثر لم يطهر لأن الأثر إنما يبين على ظاهر الأرض لكن إن قلع ما تيقن به زوال ما أصابه البول فالباقي طاهر
فصل : ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح ولا جفاف وهذا قول أبي ثور و ابن المنذر و الشافعي في أحد قوليه وقال أبو حنيفة و محمد بن الحسن تطهر إذا ذهب أثر النجاسة وقال أبو قلابة جفوف الأرض طهورها لأن ابن عمر روى أن الكلاب كانت تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك أخرجه أبو داود
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أهريقوا على بوله سجلا من ماء ] والأمر يقتضي الوجوب ولأنه محل نجس فلم يطهر بغير الغسل كالثياب وأما حديث ابن عمر فرواه البخاري وليس فيه ذكر البول ويحتمل أنه أراد أنها كانت تبول ثم تقبل وتدبر ثم تقبل وتدبر في المسجد فيكون إقبالها وإدبارها فيه بعد بولها

فصل : ولا تطهر النجاسة بالإستحالة
فصل : ولا تطهر النجاسة بالإستحالة فلو أحرق السرجين النجس فصار رمادا أو وقع كلب في ملاحة فصار ملحا لم تطهر لأنها نجاسة لم تحصل بالإستحالة فلم تطهر بها كالدم إذا صار قيحا أو صديدا وخرج عليه الخمر فإنه نجس بالإستحالة فجاز أن يطهر بها

فصلان : حكم الغسالة المنفصلة عن محل التطهير
فصل : والمنفصل من غسالة النجاسة ينقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها أن ينفصل متغيرا بها فهو نجس إجماعا لأنه متغير بالنجاسة فكان نجسا كما لو وردت عليه الثاني أن ينفصل غير متغير قبل طهارة المحل فهو نجس أيضا لأنه ماء يسير لاقى نجاسة لم يطهرها فكان نجسا كالمتغير وكالباقي في المحل فإن الباقي في المحل نجس وهو جزء من الماء الذي غسلت به النجاسة ولأنه كان في المحل نجسا وعصره لا يجعله طاهرا الثالث أن ينفصل غير متغير من الغسلة التي طهرت المحل ففيه وجهان أصحهما أنه طاهر وهو قول الشافعي لأنه جزء من المتصل والمتصل طاهر فكذلك المنفصل ولأنه ماء أزال حكم النجاسة ولم يتغير بها فكان طاهرا كالمنفصل من الأرض الثاني هو نجس وهو قول أبي حنيفة لأنه ماء يسير لاقى نجاسة فنجس بها كما لو وردت عليه وإذا حكمنا بطهارته فهل يكون طهورا ؟ على وجهين أحدهما يكون طهورا لأن الأصل طهوريته ولأن الحادث فيه لم ينجسه ولم يغيره فلم تزل طهوريته كما لو غسل به ثوبا طاهرا والثاني أنه غير مطهر لأنه أزال مانعا من الصلاة أشبه ما رفع به الحدث
فصل : إذا جمع الماء الذي أزيلت به النجاسة قبل طهارة المحل وبعده في إناء واحد وكان دون القلتين فالجميع نجس تغير أو لم يتغير وقال بعض أصحاب الشافعي : هو طاهر لأنه أزيلت به النجاسة ولم يتغير بها فأشبه ماء الغسلة التي طهرت المحل
ولنا : أنه اجتمع الماء النجس والطاهر وهو يسير فكان نجسا كما لو اجتمع مع ماء غير الذي غسل به المحل

مسألة وفصل : صلاة الإمام وهو محدث أو جنب
مسألة : قال : وإذا نسي فصلى بهم جنبا أعاد وحده
وجملته إن الإمام إذا صلى بالجماعة محدثا أو جنبا غير عالم بحدثه فلم يعلم هو لا المأمومون فرغوا من الصلاة فصلاتهم صحيحة وصلاة الإمام باطلة روي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال الحسن و سعبد بن جبير و مالك و الأوزاعي و الشافعي و سليمان بن حرب و أبو ثور وعن علي أنه يعيد ويعيدون وبه قال ابن سيرين و الشعبي و أبو حنيفة و أصحابه لأنه صلى بهم محدثا أشبه ما لو علم
ولنا : إجماع الصحابة رضي الله عنهم روي أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء فوجد في ثوبه احتلاما فأعاد ولم يعيدوا وعن محمد بن عمرو المصطلق الخزاعي أن عثمان صلى بالناس صلاة الفجر فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة فقال كبرت والله كبرت والله فأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا وعن علي أنه قال : إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد ولا آمرهم أن يعيدوا وعن ابن عمر أنه صلى بهم الغداة ثم ذكر أنه صلى بغير وضوء فأعاد ولم يعيدوا رواه كله الأثرم وهذا محل الشهرة ولم ينقل خلافه فكان إجماعا ولم يثبت ما نقل عن علي في خلافه وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم ] أخرجه أبو سليمان محمد بن الحسن الحراني في جزء ولأن الحدث مما يخفي ولا سبيل للمأموم إلى معرفته من الإمام فكان معذورا في الأقتداء به ويفارق ما إذا كان على الإمام حدث نفسه لأنه يكون مستهزئا بالصلاة فاعلا لما لا يحل وكذلك إن علم المأموم فإنه لا عذر له في الاقتداء به وقياس المعذور على غيره لا يصح والحكم في النجاسة كالحكم في الحدث سواء لأنها إحدى الطهارتين فأشبهت الأخرى ولأنها في معناها في خفائها على الإمام والمأموم بل حكم النجاسة أخف وخفاؤها أكثر إلا أن في النجاسة رواية أخرى أن صلاة الإمام تصح أيضا إذا نسيها
فصل : إذا علم بحدث نفسه في الصلاة أو علم المأمومون لزمهم استئناف الصلاة نص عليه قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن رجل صلى بقوم وهو غير طاهر بعض الصلاة فذكر ؟ قال يعجبني أن يبتدئوا الصلاة قلت له يقول لهم استأنفوا الصلاة ؟ قال لا ولكن ينصرف ويتكلم ويبتدئون هم الصلاة وقال ابن عقيل فيه عن أحمد رحمه الله رواية أخرى إذا علم المأمومون أنهم يبنون على صلاتهم وقال الشافعي يبنون على صلاتهم سواء علم بذلك أو علم المأمومون لأن ما مضى من صلاتهم صحيح فكان لهم البناء عليه كما لو قام إلى خامسة فسبحوا به فلم يرجع
ولنا : أنه ائتم بمن صلاته فاسدة مع العلم منهما أو من أحدهما أشبه ما لو ائتم بامرأة وإنما خولف هذا فيما إذا استمر الجهل منهما للإجماع ولأن وجوب الإعادة على المأمومين حال استمرار الجهل يشق لتفرقهم بخلاف ما إذا علموا في الصلاة وإن علم بعض المأمومين دون بعض فالمنصوص أن صلاة الجميع تفسد والأولى أن يختص البطلان بمن علم دون من جهل لأنه معنى مبطل اختص به فاختص بالبطلان كحدث نفسه

فصل : فساد صلاة المأموم بفساد صلاة إمامه
فصل : إذا اختل غير ذلك من الشروط في حق الإمام كالستارة واستقبال القبلة لم يعف عنه في حق المأموم لأن ذلك لا يخفى غالبا بخلاف الحدث والنجاسة وكذا إن فسدت صلاته لترك ركن فسدت صلاتهم نص عليه أحمد فيمن ترك القراءة يعيد ويعيدون وكذلك فيمن ترك تكبيرة الإحرام
فصل : وإن فسدت لفعل يبطل الصلاة فإن كان عن عمد أفسد صلاة الجميع وإن كان عن غير عمد لم تفسد صلاة المأمومين نص عليه أحمد في الضحك أنه يبطل صلاة الإمام ولا تفسد صلاة المأمومين وعن أحمد فيمن سبقه الحدث روايتان إحداهما أن صلاة المأمومين تفسد لأنه أمر أفسد صلاة الإمام فأفسد صلاة المأمومين كترك الشرط وقد ثبت هذا الحكم في الشرط بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس المغرب فلم يسمعوا له قراءة فلما قضى صلاته قالوا يا أمير المؤمنين كأنك خفضت من صوتك قال : وما سمعتم ؟ قالوا ما سمعنا لك قراءة قال : فما قرأت في نفسي شغلتني عير جهزتها إلى الشام ثم قال : لا صلاة إلا بقراءة ثم أقام فأعاد وأعاد الناس والصحيح الأول لأن عمر رضي الله عنه لما طعن وهو في الصلاة أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة ولو فسدت صلاتهم للزمهم استئنافها ولا يصح القياس على ترك الشرط لأن الشرط آكد بدليل أنه لا يعفى عنه بالنسيان بخلاف المبطل

فصل : استخلاف الإمام غيره إذا سبقه الحدث
فصل : إذا سبق الإمام الحدث فله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة روي ذلك عن عمر وعلي و علقمة و عطاء و الحسن و النخعي و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن أحمد رواية أخرى أن صلاة المأمومين تبطل لأن أحمد قال : كنت أذهب إلى جواز الاستخلاف وجبنت عنه وقال أبو بكر : تبطل صلاتهم رواية واحدة لأنه فقد شرط صحة الصلاة في حق الإمام فبطلت صلاة المأموم كما لو تعمد الحدث
ولنا : أن عمر رضي الله عنه لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم ولم ينكره منكر فكان إجماعا وقد احتج أحمد بقول عمر وعلي وقولهما عنده حجة فلا معدل عنه وقول أحمد جبنت عنه إنما يدل على التوقف وتوقفه مرة لا يبطل ما انعقد الإجماع عليه وإذا ثبت هذا فإن للإمام أن يستخلف من يتم بهم الصلاة كما فعل عمر رضي الله عنه وإن لم يستخلف فقدم المأمومون منهم رجلا فأتم بهم جاز وإن صلوا وحدانا جاز قال الزهري في إمام ينوبه الدم أو رعف أو يجد مذيا ينصرف وليقل أتموا صلاتكم وقال الشافعي في آخر قوليه الاختيار أن يصلي القوم فرادي إذا كان ذلك ولعل توقف أحمد إنما كان في الاستخلاف لا في صحة صلاة المأمومين فإنه قد نص على أنه صلاة المأمومين لا تفسد بضحك الإمام فهذا أولى وأن قدمت كل طائفة من المأمومين لهم إماما يصلي بهم فقياس المذهب جوازه وهو مذهب الشافعي وقال أصحاب الرأي : تفسد صلاتهم كلهم
ولنا : أن لهم أن يصلوا وحدانا فكان لهم أن يقدموا رجالا كحالة ابتداء الصلاة وإن قدم بعضهم رجلا وصلى الباقون وحدانا جاز

فصل : صلاة من سبقه الحدث
فصل : فأما الذي سبقه الحدث فتبطل صلاته ويلزمه استئنافها قال أحمد : يعجبني أن يتوضأ ويستقبل القبلة هذا قول الحسن و عطاء و النخعي و مكحول وعن أحمد أنه يتوضأ ويبني روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس لما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف فليتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته ] وعنه رواية ثالثة إن كان الحدث من السبيلين ابتدأ وإنك ان من غيرهما بنى لأن حكم نجاسة السبيل أغلظ والأثر إنما ورد بالبناء في الخارج من غير السبيل فلا يلحق به ما ليس في معناه والصحيح الأول لما روى علي بن طلق قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف فليتوضأ وليعد صلاته ] رواه أبو داود و الأثرم و [ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قائما يصلي بهم فانصرف ثم جاء ورأسه يقطر فقال : إني قمت بكم ثم ذكرت أني كنت جنبا ولم أغتسل فانصرفت فاغتسلت فمن أصابه منكم مثل الذي أصابني أو أصابه في بطنه زر فلنصرف فليغتسل أو ليتوضأ وليستقبل صلاته ] رواه الأثرم ولأنه فقد شرط الصلاة في أثنائها على وجه لا يعود إلا بعد زمن طويل وعمل كثير ففسدت صلاته كما لو تنجس نجاسة يحتاج في إزالتها إلى مثل ذلك أو انكشفت عورته ولم يجد السترة إلا بعيدة منه أو تعمد الحدث أو انقضت مدة المسح وحديثهم ضعيف

فصلان : استخلاف الإمام أحد المسبوقين
فصل : قال أصحابنا يجوز أن يستخلف من سبق ببعض الصلاة ولمن جاء بعد حدث الإمام فيبني على ما مضىمن صلاة الإمام من قراءة أو ركعة أو سجدة ويقضي بعد فراغ صلاة المأمومين وحكي هذا القول عن عمر وعلي وأكثر من وافقهما في الاستخلاف وفيه رواية أخرى أنه مخير بين أن يبني أو يبتدئ قال مالك ويصلي لنفسه صلاة تامة فإذا فرغوا من صلاتهم قعدوا وانتظروا حتى يتم ويسلم معهم لأن اتباع المأمومين للإمام أولى من اتباعه لهم فإن الإمام إنما جعل ليؤتم به وعلى كلتا الروايتين إذا فرغ المأمومين قبل فراغ إمامهم وقام لقضاء ما فاته فإنهم يجلسون وينتظرونه حتى يتم ويسلم بهم لأن الإمام ينتظر المأمومين في صلاة الخوف فانتظارهم له أولى وإن سلموا ولم ينتظروه جاز وقال ابن عقيل يستخلف من يسلم بهم والأولى انتظاره وإن سلموا لم يحتاجوا إلى خليفة فإنه لم يبق من الصلاة إلا السلام فلا حاجة إلى الاستخلاف فيه ويقوى عندي أنه لا يصح الاستخلاف في هذه الصورة لأنه أن بنى جلس في غير موضع جلوسه وصار تابعا للمأمومين وإن ابتدأ جلس المأمومون في غير موضع جلوسهم ولم يرد الشرع بهذا وإنما ثبت الاستخلاف في موضع الإجماع حيث لم يحتج إلى شيء من هذا فلا يلحق به ما ليس في معناه والله أعلم
فصل : وإذا استخلف من لا يدري كم صلى احتمل أن يبنى على اليقين فإن وافق الحق وإلا سبحوا به فرجع إليهم ويسجد للسهو وقال النخعي ينظر ما يصنع من خلفه وقال الشافعي يتصنع فإن سبحوا به جلس وعلم أنها الرابعة وقال الأوزاعي يصلي بهم ركعة لأنه تيقن بقاء ركعة ثم يتأخر ويقدم رجلا يصلي بهم ما بقي من صلاتهم فإذا سلم قام الرجل فأتم صلاته وقال مالك يصلي لنفسه صلاة تامة فإن فرغوا من صلاتهم قعدوا وانتظروه والأقوال الثلاثة الأولى متقاربة
ولنا : على أنه لا يستخلف أنه إن شك في عدد الركعات فلم يجز له الاستخلاف لذلك كغير المستخلف
ولنا : على أنه يبني على اليقين أنه شك ممن لا ظن له فوجب البناء على اليقين كسائر المصلين

فصل : نقل الصلاة من جماعة إلى أخرى
فصل : ومن أجاز الاستخلاف فقد أجاز نقل الجماعة إلى جماعة أخرى للعذر ويشهد لذلك [ أن النبي صلى الله عليه و سلم جاء وأبو بكر في الصلاة عن يساره وتقدم النبي صلى الله عليه و سلم فأتم بهم الصلاة وفعل هذا مرة أخرى جاء حتى جلس إلى جانب أبي بكر عن يساره وأبو بكر عن يمينه قائم يأتم بالنبي صلى الله عليه و سلم ويأتم الناس بأبي بكر ] وكلا الحديثين صحيح متفق عليهما وهذا يقوي جواز الاستخلاف والانتقال من جماعة إلى جماعة أخرى حال العذر فيخرج من هذا أنه لو أدرك اثنان بعض الصلاة مع الإمام فلما سلم الإمام ائتم أحدهما بصاحبه ونوى الآخر إمامته أن ذلك يصح لأنه في معنى الاستخلاف ومن لم يجز الاستخلاف لم يجز ذلك ولو تخلف إمام الحي من الصلاة لغيبة أو مرض أو عذر وصلى غيره وحضر إمام الحي في أثناء الصلاة فتأخر الإمام وتقدم إمام الحي فبنى على صلاة خليفته كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر ففي ذلك وجهان أحدهما يجوز لأن النبي صلى الله عليه و سلم فعله فيجوز لغيره أن يفعل مثل فعله والثاني لا يجوز لاحتمال أن يكون ذلك خاصا بالنبي صلى الله عليه و سلم لعدم مساواة غيره له في الفضل

فصل : فساد صلاة الإمام بفساد صلاة إمامه
فصل : إذا وجد المبطل في المأموم دون الإمام مثل أن يكون المأموم محدثا أو نجسا ولم يعلم بذلك إلا بعد فراغه من الصلاة أو سبقه الحدث في أثناء الصلاة أو ضحك أو تكلم أو ترك ركنا أو غير ذلك من المبطلات ولم يكن مع الإمام من تنعقد به الصلاة سواه فقياس المذهب أن حكمه كحكم الإمام معه على ما فصلناه لأن ارتباط صلاة الإمام بالمأموم كإرتباط صلاة المأموم بالإمام فما فسد ههنا وما صح ثم صح ههنا

فصلان : إعادة الصلاة إن شهد اثنان أن الإمام أحدث
فصل : قال أحمد رحمه الله في رجلين أم أحدهما صاحبه فشم كل واحد منهما ريحا أو سمع صوتا يعتقد أنه من صاحبه وكل يقول ليس مني : يتوضآن ويصليان إنما فسدت صلاتهما لأن كل واحد منهما يعتقد فساد صلاة صاحبه وأنه صار فذا وهذا على الرواية التي تقول بفساد صلاة كل واحد من الإمام والمأموم بفساد صلاة صاحبه لكونه صار فذا وعلى الرواية المنصورة ينوي كل واحد منهما الإنفراد ويتم صلاته ويحتمل أنه إنما قضى بفساد صلاتهما إذا أتما الصلاة على ما كان عليه من غير فسخ النية فإن المأموم يعتقد أنه مؤتم بمحدث والإمام يعتقد أنه يؤم محدثا وأما الوضوء فلعل أحمد رحمه الله إنما أراد بقوله يتوضآن لتصح صلاتهما جماعة إذ ليس لأحدهما أن يأتم بصاحبه أو يؤمه مع اعتقاد حدثه ولعله أمر بذلك إحتياطا أما إذا صليا منفردين فإنه لا يجب الوضوء على واحد منهما لأن يقين الطهارة موجود في كل واحد منهما والحدث مشكوك فيه فلا يزول اليقين بالشك
فصل : ونقل عن أحمد في إمام صلى بقوم فشهد اثنان عن يمينه أنه أحدث وأنكر الإمام وبقية المأمومين يعيد ويعيدون وهذا لأن شهادتهما إثبات يقدم على النفي لإحتمال علمهما به مع خفائه عنه وعن بقية المأمومين وقوله يعيدون لأن المأمومين متى علم بعضهم بحدث إمامهم لزمت الجميع الإعادة على المنصوص ويحتمل أن تختص الإعادة من علم دون غيره على ما تقدم والله أعلم

باب الساعات التي نهى عن الصلاة فيها
روى ابن عباس قال : شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس ] وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ] متفق عليهما وفي لفظ [ بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر ] رواه مسلم وعن أبي هريرة مثل حديث عمر إلا أنه قال : [ إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب ] رواهما مسلم و [ عن عقبة بن عمر قال : ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيها موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل وحين تتضيف الشمس للغروب حين تغرب ] و [ عن عمرو بن عنبسة قال : قلت يا رسول الله أخبرني عن الصلاة قال : صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ] رواهن مسلم

مسائل وفصول : ما يجوز من الصلاة في أوقات النهي
مسألة : قال أبو القاسم : ويقضي الفوائت من الصلوات الفرض
وجملته أنه يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه وغير واحد من الصحابة وبه قال أبو العالية و النخعي و الشعبي و الحكم و حماد و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر وقال أصحاب الرأي : لا تقضى الفوائت في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس لعموم النهي وهو متناول للفرائض وغيرها ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى ابيضت الشمس متفق عليه ولأنها صلاة فلم تجز في هذه الأوقات كالنوافل وقد روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنها نام في دالية فاستيقظ عند غروب الشمس فانتظر حتى غابت الشمس ثم صلى وعن كعب أحسبه ابن عجرة أنه نام حتى طلع قرن الشمس فأجلسه فلما أن تعلت الشمس قال له : صل الآن
ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ] متفق عليه وفي حديث أبي قتادة [ إنما التفريط في اليقظة على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها ] متفق عليه وخبر النهي مخصوص بالقضاء في الوقتين الآخرين ويعصر يومه فنقيس محل النزاع على المخصوص وقياسهم منقوض بذلك أيضا وحديث أبي قتادة يدل على جواز التأخير لا على تحريم الفعل
فصل : ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها وقال أصحاب الرأي : تفسد لأنها صارت في وقت النهي
ولنا : ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ] متفق عليه وهذا نص في المسألة يقدم على عموم غيره
فصل : ويجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي سواء كان النذر مطلقا أو مؤقتا وقال أبو حنيفة : لا يجوز ويتخرج لنا مثله بناء على صوم الواجب في أيام التشريق
ولنا : أنها صلاة واجبة فأشبهت الفوائت من الفرائض وصلاة الجنازة وقد وافقنا فيه فيما بعد صلاة العصر وصلاة الصبح
مسألة : قال : ويركع للطواف
يعني في أوقات النهي وممن طاف بعد الصبح والعصر وصلى ركعتين ابن عمر وابن الزبير و عطاء و طاوس و فعله ابن عباس والحسن والحسين و مجاهد و القاسم بن محمد وفعله بعد الصبح وهذا مذهب عطاء و الشافعي و أبي ثور وأنكرت طائفة ذلك منهم أبو حنيفة و مالك واحتجوا بعموم أحاديث النهي
ولنا : ما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار ] رواه الأثرم و الترمذي وقال حديث صحيح ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولأن ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع ينبغي أن يباح التبع وحديثهم مخصوص بالفوائت وحديثنا لا تخصيص فيه فيكون أولى
مسألة : قال : ويصلي على الجنازة
أما الصلاة على الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تميل للغروب فلا خلاف فيه قال ابن المنذر إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح وأما الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر فلا يجوز ذكرها القاضي وغيره قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس قال : أما حين تطلع فما يعجبني ثم ذكر حديث عقبة بن عامر وقد روي عن جار وابن عمر نحو هذا القول وذكره مالك في الموطأ عن ابن عمر وقال الخطابي هذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أن الصلاة على الجنازة تجوز في جميع أوقات النهي وهذا مذهب الشافعي لأنها صلاة تباح بعد الصبح والعصر فأبيحت في سائر الأوقات كالفرائض
ولنا : قول عقبة بن عامر ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهانا أن نصلي فيهنوأن نقبر فيهن موتانا وذكره مقرونا بالدفن دليل على إرادة صلاة الجنازة ولأنها صلاة من غير الصلوات الخمس فلم يجز فعلها في هذه الأوقات الثلاثة كالنوافل المطلقة وإنما أبيحت بعد الصبح والعصر لأن مدتهما تطول فالأنتظار يخاف منه عليها وهذه مدتها تقصر وأما الفرائض فلا يقاس عليها لأنها آكد ولا يصح قياس هذه الأوقات الثلاثة على الوقتين الآخرين لأن النهي فيها آكد وزمنها أقصر فلا يخاف على الميت فيها ولأنه نهى عن الدفن فيها والصلاة المقرونة بالدفن تتناول صلاة الجنازة وتمنعها القرينة من الخروج بالتخصيص بخلاف الوقتين الآخرين والله أعلم

مسألة : إعادة الصلاة مع الجماعة
مسألة : قال : ويصلي إذا كان في المسجد وأقيمت الصلاة وقد كان صلاها
وجملته أن من صلى فرضه ثم أدرك تلك الصلاة في جماعة استحب له إعادتها أي صلاة كانت بشرط أن تقام وهو في المسجد أو يدخل المسجد وهم يصلون وهذا قول الحسن و الشافعي و أبي ثور فإن أقيمت صلاة الفجر أو العصر وهو خارج المسجد لم يستحب لم يستحب له الدخول واشترط القاضي لجواز الإعادة في وقت النهي أن يكون مع إمام الحي ولم يفرق الخرقي بين إمام الحي وغيره ولا بين المصلي جماعة وفرادى وكلام أحمد يدل على ذلك أيضا قال الأثرم : سألت أبا عبد الله عمن صلى في جماعة ثم دخل المسجد وهم يصلون أيصلي معهم ؟ قال : نعم وذكر حديث أبي هريرة أما هذا فقد عصي أبا القاسم إنما هي نافلة فلا يدخل فإن دخل صلى وإن كان قد صلى في جماعة قيل ل أبي عبد الله والمغرب قال : نعم إلا أنه في المغرب يشفع وقال مالك : إن كان صلى وحده أعاد المغرب وإن كان صلى في جماعة لم يعدها لأن الحديث الدال على الإعادة قال فيه : صلينا في رحالنا وقال أبو حنيفة : لا تعاد الفجر ولا العصر ولا المغرب لأنها نافلة فلا يجوز فعلها في وقت النهي لعموم الحديث فيه ولا تعاد المغرب لأن التطوع لا يكون بوتر وعن ابن عمر و النخعي تعاد الصلوات كلها إلا الصبح والمغرب وقال أبو موسى و أبو مجلز و مالك و الثوري و الأوزاعي : تعاد كلها إلا المغرب لئلا يتطوع بوتر وقال الحاكم : إلا الصبح حدها
ولنا : ما [ روى جابر بن زيد بن الأسود عن أبيه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجته فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف وأنا غلام شاب فما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال : علي بهما فأتي بهما ترعد فرائصهما فقال : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ فقالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال : لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح و الأثرم وروى مالك في الموطأ [ عن زيد بن أسلم عن بسر بن محجن عن أبيه كان جالسا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأذن للصلاة فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى ثم رجع ومحجن في مجلسه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم ؟ فقال بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلي فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت ] و [ عن أبي ذر قال : إن خليلي - يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم : - أوصاني أن أصلي الصلاة لوقتها فإذا أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ] رواه مسلم وفي رواية [ فإن أدركتها معهم فصل ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي ] رواه النسائي وهذه الأحاديث بعمومها تدل على محل النزاع وحديث يزيد بن الأسود صريح في إعادة الفجر والعصر مثلها والأحاديث باطلاقها تدل على الإعادة سواء كان مع إمام الحي أو غيره وسواء صلى وحده أو في جماعة وقد روى أنس قال : صلى بنا أبو موسى الغداة في المربد فانتهينا إلى المسجد الجامع فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة وعن صلة عن حذيفة أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب وكان قد صلاهن في جماعة وراهما الأثرم

فصل : وإذا صلى المغرب شفعها برابعة
فصل : إذا أعاد المغرب شفعها برابعة نص عليه أحمد وبه قال الأسود بن يزيد و الزهري و الشافعي و إسحاق ورواه قتادة بن سعيد بن المسيب وروى صلة عن حذيفة أنه لما أعاد المغرب قال : ذهبت أقوم في الثالثة فأجلسني وهذا يحتمل أنه أمره بالاقتصار على ركعتين لتكون شفعا ويحتمل أنه أمره بالصلاة مثل صلاة الإمام
ولنا : أن هذه الصلاة نافلة ولا يشرع التنفل بوتر غير الوتر فكان زيادة ركعة أولى من نقصانها لئلا يفارق إمامة قبل إتمام صلاته

فصل : وإذا أقيمت الصلاة وهو خارج المسجد في وقت نهي
فصل : إن أقيمت الصلاة وهو خارج من المسجد فإن كان في وقت نهي لم يستحب له الدخول وإن كان في غير وقت نهي استحب له الدخول في الصلاة معهم وإن دخل وصلى معهم فلا بأس لما ذكرنا من خبر أبي موسى ولا يستحب لما روى مجاهد قال خرجت مع ابن عمر من دار عبد الله بن خالد بن أسيد حتى إذا نظر إلى باب المسجد إذا الناس في الصلاة فلم يزل واقفا حتى صلى الناس وقال إني صليت في البيت رواه الإمام أحمد في المسند

فصل : الصلاة المعادة في جماعة هي نافلة
فصل : إذا أعاد الصلاة فالأولى فرضه روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الثوري و أبو حنيفة و إسحاق و والشافعي في الجديد وعن سعيد بن المسيب و عطاء و الشعبي التي صلى معهم المكتوبة لما روي في حديث يزيد بن الأسود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة ]
ولنا : قوله في الحديث الصحيح : [ تكن لكما نافلة ] وقوله في حديث أبي ذر : [ فإنها لك نافلة ] ولأن الأولى قد وقعت فريضة وأسقطت الفرض بدليل أنها لا تجب ثانيا وإذا برئت الذمة بالأولى إستحال كون الثانية فريضة وجعل الأولى نافلة قال حماد قال إبراهيم إذا نوى الرجل صلاة وكتبتها الملائكة فمن يستطع أن يحولها ؟ فما صلى بعدها فهو تطوع وحديثهم لا تصريح فيه فيجب أن يحمل معناه على ما في الأحاديث الباقية سواء فعلى لا ينوي الثانية فرضا لكن ينويها ظهرا معادة وإن نواها نافلة صح

فصل : والنافلة لا توجب الإعادة
فصل : ولا تجب الإعادة قال القاضي : لا تجب رواية واحدة وقال بعض أصحابنا فيها رواية أخرى أنها تجب مع إمام الحي لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بها
ولنا ك أنها نافلة والنافلة لا تجب وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تصل صلاة في يوم مرتين ] رواه أبو داود ومعناه واجبتان والله أعلم والأمر للإستحباب فعلى هذا إن قصد الإعادة فلم يدرك إلا ركعتين فقال الآمدي : يجوز أن يسلم معهم لأنها نافلة ويستحب أن يتمها لأنه قصدها أربعا ونص أحمد رحمه الله على أنه يتمها أربعا لقوله عليه السلام : [ وما فاتكم فأتموا ]

مسألة وفصل : تحديد الأوقات المنهي عن التطوع منها
مسألة : قال : في كل وقت نهي عن الصلاة فيه وهو بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس
اختلف أهل العلم في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فذهب أحمد رحمه الله إلى أنها من بعد الفجر حتى ترتفع الشمس قد رمح وبعد العصر حتى تغرب الشمس وحال قيام الشمس حتى تزول وعدها أصحابه خمسة أوقات من الفجر إلى طلوع السمس وقت ومن طلوعها إلى ارتفاعها وقت وحال قيامها وقت ومن العصر إلى شروع الشمس في الغروب وقت وإلى تكامل الغروب وقت والصحيح أن الوقت الخامس من حين تتضيف الشمس للغروب إلى أن تغرب لأن عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب فجعل هذه ثلاثة أوقات وقد ثبت لنا وقتان آخران بحديث عمر وأبي سعيد فيكون الجميع خمسة ومن جعل الخامس وقت الغروب فلأن النبي صلى الله عليه و سلم خصه بالنهبي في حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب ] وفي حديث : [ ولا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ] وعلى كل حال فهذه الأوقات المذكورة منهي عن الصلاة فيها وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن المنذر : إنما المنهي عنه الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بدليل تخصيصها بالنهي في حديثه وحديث ابن عمر وقوله : [ لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة ] رواه أبو داود وقالت عائشة : وهو عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها
ولنا : ما ذكرنا من الأحاديث في أول الباب وهي صحيحة صريحة والتخصيص في بعض الأحاديث لا يعارض العموم الموافق له بل يدل على تأكد الحكم فيما خصه وقول عائشة في رد خبر عمر غير مقبول فإنه مثبت لروايته عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو تقول برأيها وقول النبي صلى الله عليه و سلم من قولها ثم هي قد روت ذلك أيضا فروى ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أصح من قولها ثم هي قد روت ذلك أيضا فكيف يقبل ردها لما قد أقرت بصحته وقد رواه أبو سعيد و عمر وابن عنبسة وأبو هريرة وابن عمر والصنابحي وأم سلمة كنحو رواية عمر فلا يترك هذا بمجرد رأي مختلف متناقض
فصل : والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة فمن لم يصل أبيح له التنفل وإن صلى غيره ومن صلى العصر فليس له التنفل وإن لم يصل أحد سواه لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر فأما النهي بعد الفجر فيتعلق بطلوع الفجر وبهذا قال سعيد بن المسيب والعلاء بن زياد وحميد بن عبد الرحمن وأصحاب الرأي وقال النخعي كانوا يكرهون ذلك يعني التطوع بعد طلوع الفجر ورويت كراهيته عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعن أحمد رواية أخرى أن النهي متعلق بفعل الصلاة أيضا كالعصر وروي نحو ذلك عن الحسن و الشافعي لما روى ابو سعيد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ] رواه مسلم وروى أبو داود حديث عمر بهذا اللفظ وفي حديث عمرو بن عنبسة قال : [ صلى صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة ] كذا رواه مسلم [ في رواية أبي داود قال : قلت يا رسول الله أي الليل أسمع ؟ قال : جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مكتوبة مشهودة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قدر رمح أو رمحين ] ولأن لفظ النبي صلى الله عليه و سلم في العصر علق على الصلاة دون وقتها فكذلك الفجر ولأنه وقت نهي بعد صلاة فيتعلق بفعلها كبعد العصر والمشهور في المذهب الأول لما روى يسار مولى ابن عمر قال : رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر فقال : يا يسار إن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال : [ ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين ] رواه أبو داود وفي لفظ [ لا صلاة بعد طلوع الفجر إلى سجدتان ] رواه الدارقطني وفي لفظ إلا ركعتي الفجر وقال هو غريب رواه قدامة بن موسى وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم وقال هذا ما أجمع عليه أهل العلم وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتا الفجر ] وهذا يبين مراد النبي صلى الله عليه و سلم من اللفظ المجمل ولا يعارضه تخصيص ما بعد الصلاة بالنهي فإن ذلك دليل خطاب وهذا منطوق فيكون أولى وحديث عمرو بن عنبسة قد اختلفت ألفاظ الرواة فيه وهو في سنن ابن ماجة حتى يطلع الفجر

مسألة : لا يجوز أن يبتدئ صلاة تطوع غير ذات سبب في أوقات النهي
مسألة : قال : ولا يبتدئ في هذه الأوقات صلاة يتطوع بها
لا أعلم خلافا في المذهب أنه لا يجوز أن يبتدئ صلاة تطوع غير ذات سبب وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن المنذر رخصت طائفة في الصلاة بعد العصر روينا ذلك عن علي والزبير وابنه وتميم الداري والنعمان بن بشير وأبي أيوب الأنصاري وعائشة وفعله الأسود بن يزيد و عمر و ابن ميمون و مسروق و شريح و عبد الله بن أبي الهذيل و أبو بردة و عبد الرحمن بن الأسود و ابن البيلماني و الأحنف بن قيس وحكي عن أحمد أنه قال : لا نفعله ولا نعيب فاعله وذلك لقول عائشة رضي الله عنها ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين بعد العصر عندي قط وقولها وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها رواهما مسلم وقول علي عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا صلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة ]
ولنا : الأحاديث المذكورة في أول الباب وهي صحيحة صريحة بالمخمص فقال : [ إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجر مرتين ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد ] رواه مسلم وهذا خاص في محل النزاع وأما حديث عائشة فقد روى عنها ذكوان مولاها أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها رواه أبو داود وروى أبو سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصليهما بعد العصر فقالت : كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها و [ عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عنها ثم رأيته يصليها وقال : يا بنت أبي أمية إنه أتاني اس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان ] رواهما مسلم وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما فعله لسبب وهو قضاء ما فاته من السنة وأنه نهى عن الصلاة بعد العصر كما رواه غيرهما وحديث عائشة يدل على اختصاص النبي صلى الله بذلك ونهيه غيره وهذا حجة على من خالف ذلك فإن النزاع إنما هو في غير النبي صلى الله عليه و سلم وقد ثبت ذلك من غير معارض له

فصل : جواز صلاة الليل والوتر بعد دخول الفجر
فصل : فأما التطوع لسبب غير ما ذكره الخرقي فالمنصوص عن أحمد رحمه الله في الوتر أنه يفعله قبل صلاة الفجر قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل أيوتر الرجل بعد ما يطلع الفجر ؟ قال نعم وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وحذيفة وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وفضالة بن عبيد وعائشة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعمر بن شرحبيل وقال أيوب السختياني و حميد الطويل أن أكثر وترنا لبعد طلوع الفجر وبه قال مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وروي عن علي رضي الله عنه أنه خرج بعد طلوع الفجر فقال : لنعم ساعة الوتر هذه وروي عن عاصم قال : جاء ناس إلى أبي موسى فسألوه عن رجل لم يوتر حتى أذن المؤذن قال : لا وتر له فأتوا عليا فسألوه فقال أغرق في النزع الوتر ما بينه وبين الصلاة وأنكر ذلك عطاء و النخعي و سعيد بن جبير وهو قول أبي موسى على ما حكينا واحتجوا بعموم النهي
ولنا : ما [ ورى أبو بصرة الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر ] رواه الأثرم واحتج به أحمد ولأنه قوم من سمينا من الصحابة وأحاديث النهي الصحيحة ليست صريحة في النهي قبل صلاة الفجر على ما قدمناه إنما فيه حديث ابن عمر وهو غريب وقد روى أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من نام عن الوتر أو نسبه فليصله إذا أصبح أو ذكر ] رواه ابن ماجة وهذا صريح في محل النزاع إذا ثبت هذا فإنه لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح لهذا الخبر ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ما قد صلى ] متفق عليه وهكذا قال مالك : وقال من فاتته صلاة الليل فله أن يصلي بعد الصبح قبل أن يصلي وحكاه ابن أبي موسى في الإرشاد مذهبا ل أحمد قياسا على الوتر ولأن هذا الوقت لم يثبت النهي فيه صريحا فكان حكمه خفيفا

فصل : قضاء سنة الفجر بعد الفرض أو في الضحى
فصل : فأما قضاء سنة الفجر بعده فجائز إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى وقال أن صلاهما بعد الفجر أجزأ وأما أنا فأختار ذلك وقال عطاء و ابن جريج و الشافعي يقضيهما بعدها لما [ روي عن قيس بن فهد قال : رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر فقال : ما هاتان الركعتان يا قيس ؟ قلت يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان ] رواه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي وسكوت النبي صلى الله عليه و سلم يدل على الجواز ولأن النبي صلى الله عليه و سلم بعد العصر وهذه في معناها ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتي الطواف وقال أصحاب الرأي لا يجوز لعموم النهي ولما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من صلى ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس ] رواه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن عاصم وقال ابن الجوزي رحمه الله وهو ثقة أخرج عنه البخاري وكان ابن عمر يقضيهما من الضحى وحديث قيس مرسل قاله أحمد و الترمذي لأنه يرويه محمد بن إبراهيم عن قيس لم يسمع منه و [ روي عن طريق يحيى بن سعيد عن جده وهو مرسل أيضا ورواه الترمذي قال : قلت يا رسول الله أني لم أكن ركعت ركعتي الفجر قال : : فلا إذا ] وهذا يحتمل النهي وإذا كان الأمر هكذا كان تأخيرها إلى وقت الضحى أحسن لنخرج من الخلاف ولا نخالف عموم الحديث وإن فعلها فهو جائز لأن هذا الخبر لا يقصر عن الدلالة على الجواز والله أعلم

فصلان : قضاء السنن الراتبة بعد فرض العصر وقضاء السنن في سائر أوقات النهي وفعل غيرها من الصلوات لا يجوز
فصل : وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر فالصحيح جوازه لأن النبي صلى الله عليه و سلم فعله فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث عائشة والاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه و سلم متعين ولأن النهي بعد العصر خفيف لما روي في خلافه من الرخصة وما وقع من الخلاف فيه وقول عائشة إنه كان ينهى عنها معناه والله أعلم نهى عنها لغير هذا السبب أو أنه كان يفعلها على الدوام وينهى عن ذلك وهذا مذهب الشافعي ومنعه أصحاب الرأي لعموم النهي وما ذكرناه خاص فالأخذ به أولى إلا أن الصحيح في الركعتين قبل العصر أنها لا تقضى لما [ روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم صلاهما فقلت له أتقضيهما إذا فاتتا ؟ قال : لا ] رواه ابن النجار في الجزء الخامس من حديثه
فصل : فأما قضاء السنن في سائر أوقات النهي وفعل غيرها من الصلوات التي لها سبب كتحية المسجد وصلاة الكسوف وسجود التلاوة فالمشهور في المذهب أنه لا يجوز ذكره الخرقي في سجود التلاوة وصلاة الكسوف وقال القاضي : في ذلك روايتان أصحهما أنه لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي لعموم النهي والثانية يجوز وهو قول الشافعي لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ] متفق عليه و [ قال في الكسوف : فإذا رأيتموهما فصلوا ] وهذا خاص في هذه الصلاة فيقدم على النهي العام في الصلاة كلها ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ما ثبت جوازه
ولنا : أن النهي للتحريم والأمر للندب وترك المحرم أولى من فعل المندوب وقولهم إن الأمر خاص في الصلاة قلنا ولكنه عام في الوقت والنهي خاص فيه فيقدم ولا يصح القياس على القضاء بعد العصر لأن حكم النهي فيه أخف لما ذكرنا ولا على قضاء الوتر بعد طلوع الفجر لذلك ولأنه وقت له بدليل حديث أبي بصرة ولا على صلاة الجنازة لأنها فرض كفاية ويخاف على الميت ولا على ركعتي الطواف لأنهما تابعتان لما لا يمنع منه النهي مع أننا قد ذكرنا أن الصحيح أنه لا يصلي على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر وكذلك لا ينبغي أن يركع للطواف فيها ولا يعيد فيها جماعة وإذا منعت هذه الصلوات المتأكدة فيها فغيرها أولى بالمنع والله أعلم

فصلان : ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع ولا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها
فصل : ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي وقال الشافعي : لا يمنع فيها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار ] وعن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر إلى أن تغرب الشمس إلا بمكة ] يقول : قال ذلك ثلاثا رواه الدارقطني
ولنا : عموم النهي وأنه معنى يمنع الصلاة فاستوت فيه مكة وغيرها كالحيض وحديثهم أراد به ركعتي الطواف فيختض بهما وحديث أبي ذر ضعيف يرويه عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف قاله يحيى بن معين
فصل : ولا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها ولا بين الشتاء والصيف كان عمر بن الخطاب ينهى عنه وقال ابن مسعود كنا ننهى عن ذلك يعني يوم الجمعة وقال سعيد المقبري أدركت الناس وهو يتقون ذلك وعن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال : كنت أبقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا زالت الشمس قاموا فصلوا أربعا ورخص فيه الحسن و طاوس و الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز و الشافعي و إسحاق في يوم الجمعة لما روى أبو سعيد [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ] وعن أبي قتادة مثله رواه أبو داود ولأن الناس ينتظرون الجمعة في هذا الوقت وليس عليهم قطع النوافل وقال مالك أكرهه إذا علمت انتصاف النهار وإذا كنت في موضع لا أعلمه ولا أستطيع أن أنظر فإني أراه واسعا وأباحه فيها عطاء في الشتاء دون الصيف لأن شدة الحر من فيح جهنم وذلك الوقت حين تسجر جهنم
ولنا عموم الأحاديث في النهي وذكر أحمد الرخصة في الصلاة نصف النهار يوم الجمعة قال : في حديث النبي صلى الله عليه و سلم الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ] ونهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الصلاة في تلك الساعات ولأنه وقت نهي فاستوى فيه يوم الجمعة وغيره كسائر الأوقات وحديثهم ضعيف في إسناده ليث وهو ضعيف وهو مرسل لأن أبا الخليل يرويه عن أبي قتادة ولم يسمع منه وقولهم أنهم ينتظرون الجمعة قلنا إذا قلم وقت النهي فليس له أن يصلي فإن شك فله أن يصلي حتى يعلم لأن الأصل الإباحة فلا تزول بالشك والله أعلم

مسألة : صلاة التطوع مثنى
مسألة : قال : وصلاة التطوع مثنى مثنى
يعني يسلم من كل ركعتين والتطوع قسمان تطوع ليل وتطوع نهار فأما تطوع الليل فلا يجوز إلا مثنى مثنى هذا قول أكثر أهل العلم وبه قال أبو يوسف و محمد وقال أبو حنيفة : إن شئت ركعتين وإن شئت أربعا وإن شئت ستا وإن شئت ثمانيا ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ صلاة الليل مثنى مثنى ] متفق عليه وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ مفتاح الصلاة الطهور وبين كل ركعتين تسليمة ] رواه الأثرم

فصلان : وإن تطوع بأربع في النهار فلا بأس ولا يجوز التطوع بركعة ولا بثلاث
مسألة : قال : وإن تطوع بأربع في النهار فلا بأس
الأفضل في تطوع النهار أن يكون مثنى مثنى لما روى علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ صلاة الليل مثنى مثنى ] رواه أبو داود و الأثرم ولأنه أبعد عن السهو وأشبه بصلاة الليل وتطوعات النبي صلى الله عليه و سلم فإن الصحيح في تطوعاته ركعتان وذهب الحسن و سعيد بن جبير و مالك و و الشافعي و حماد بن أبي سليمان إلى أن تطوع الليل والنهار مثنى مثنى لذلك والصحيح أنه إن تطوع في النهار بأربع فلا بأس فعل ذلك ابن عمر وكان إسحاق يقول صلاة النهار أربعا وإن صلى ركعتين جاز ويشبهه قول الأوزاعي و أصحاب الرأي لما روي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أربع قبل الظهر لا يسلم فيهن تفتح لهن أبواب السماء ] رواه أبو داود ولأن مفهوم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ صلاة الليل مثنى مثنى ] أن صلاة النهار رباعية
ولنا : على أن الأفضل مثنى ما تقدم وحديث أبي أيوب يرويه عبيد الله بن معتب وهو ضعيف ومفهوم الحديث المتفق عليه يدل على جواز الأربع لا على تفضيلها وأما حديث البارقي فإنه تفرد بزيادة لفظة النهار من بين سائر الرواة وقد رواه عن ابن عمر نحو خمسة عشر نفسا لم يقل ذلك أحد سواه وكان ابن عمر يصلي أربعا فيدل ذلك على ضعف روايته أو على أن المراد بذلك الفضيلة مع جواز غيره والله أعلم
فصل : قال بعض أصحابنا : ولا يزاد في الليل على اثنتين ولا في النهار على أربع ولا يصح التطوع بركعة ولا بثلاث وهذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي : لو صلى ستا في ليل أو نهار كره وصح وقال أبو الخطاب في صحة التطوع بركعة روايتان إحداهما يجوز لما روى سعيد قال : حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه قال : دخل عمر المسجد فصلى ركعة ثم خرج فتبعه رجل فقال : يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة قال هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص ولنا أن هذا خلاف قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صلاة الليل مثنى مثنى ] ولأنه لم يرد الشرع بمثله والأحكام إنما تتلقى من الشارع إما من نصه أو معنى نصه وليس ههنا شيء من ذلك

فصول : والتطوعات قسمان : ما تسن له الجماعة وما يفعل على انفراد !
فصل : والتطوعات قسمان أحدهما ما تسن له الجماعة وهو صلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح ونذكرها إن شاء الله في مواضعها والثاني ما يفعل على الإنفراد وهي قسمان سنة معينة ونافلة مطلقة فأما المعينة فتتنوع أنواعا منها السنن الرواتب مع الفرائض وهي عشر ركعات - ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر وقال أبو الخطاب وأربع قبل العصر لما روى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ رحم الله أمرأ صلى قبل العصر أربعا ] رواه أبو داود وقال الشافعي قبل الظهر أربع لما [ روى عبد الله بن شقيق قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ثم يصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين ] رواه مسلم ولنا ما روى ابن عمر قال : حفظت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه و سلم فيها حدثني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه ول مسلم بعد الجمعة سجدتين ولم يذكر ركعتين قبل الصبح وروى الترمذي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم مثل ذلك وقال : هو حديث صحيح وقوله : [ رحم الله أمرأ صلى قبل العصر أربعا ] ترغيب فيها ولم يجعلها من السنن الرواتب بدليل أن ابن عمر رواية ولم يحفظها عن النبي صلى الله عليه و سلم وحديث عائشة قد اختلف فيه فروي عنها مثل رواية ابن عمر
فصل : وآكد هذه الركعات ركعتا الفجر قالت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتي الفجر متفق عليه وفي لفظ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في شيء من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر أخرجه مسلم وقال : [ ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ] - وفي لفظ - [ أحب إلي من الدنيا وما فيها ] رواه مسلم وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صلوهما ولو طردتكم الخيل ] رواه أبو داود ويستحب تخفيفهما فإن عائشة قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى أني لأقول هل قرأ فيهما بأم الكتاب ] متفق عليه ويستحب أن يقرأ فيها { قل يا أيها الكافرون } - و - { قل هو الله أحد } لما [ روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ في ركعتي الفجر { قل يا أيها الكافرون } - و - { قل هو الله أحد } ] رواه مسلم وقال ابن عمر : رمقت النبي صلى الله عليه و سلم شهرا فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر { قل يا أيها الكافرون } - و - { قل هو الله أحد } قال الترمذي هذا حديث حسن وعن ابن عباس قال [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في ركعتي الفجر { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا } الآية التي في البقرة وفي الآخرة منهما { آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون } ] رواه مسلم
فصل : ويستحب أن يضطجح بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن وكان أبو موسى ورافع بن خديج وأنس بن مالك يفعلونه وأنكره ابن مسعود وكان القاسم و سالم و نافع لا يفعلونه واختلف فيه عن ابن عمر وروي عن أحمد أنه ليس بسنة لأن ابن مسعود أنكره
ولنا : ما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع ] قال الترمذي : هذا حديث حسن ورواه البزار في مسنده وقال : على شقه الأيمن وعن عائشة قالت : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن ] متفق عليه وهذا لفظ رواية البخاري واتباع النبي صلى الله عليه و سلم في قوله وفعله أولى من اتباع من خالفه كائنا من كان

فصول : ما يستحب فعله من السنن في البيت ووقتها وقضاء ما فات منها والتطوعات المستحبة مع السنن الرواتب وصلاة التسبيح
فصل : ويقرأ في الركعتين بعد المغرب { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } لما روى مسعود قال : ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر ب { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } أخرجه الترمذي و ابن ماجة ويستحب فعل السنن في البيت لما ذكرنا من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي ركعتي الفجر والمغرب والعشاء في بيته وقال أبو داود : ما رأيت أحمد ركعهما يعني ركعتي الفجر في المسجد قط إنما كان يخرج فيقعد في المسجد حتى تقام الصلاة وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله سئل عن الركعتين بعد الظهر أين يصليان ؟ قال في المسجد ثم قال : أما الركعتان قبل الفجر ففي بيته وبعد المغرب في بيته ثم قال ليس ههنا شيء آكد من الركعتين بعد المغرب وذكر حديث ابن إسحاق [ صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم ] قيل ل أحمد فإن كان منزل الرجل بعيد ؟ قال : لا أدري وذلك لما [ روى سعد بن إسحاق عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم أتاهم في مسجد بني عبد الأشهل فصلى المغرب فرآهم يتطوعون بعدها فقال : هذه الصلاة في البيوت ] رواه أبو داود و [ عن رافع بن خديج قال : أتانا النبي صلى الله عليه و سلم في بني عبد الأشهل فصلى بنا المغرب في مسجدنا ثم قال : اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم ] رواه ابن ماجة و الأثرم ولفظه قال : [ صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم ]
فصل : كل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة وكل سنة بعدها فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها فإن فات شيء من وقت هذه السنن فقال أحمد : لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى شيئا من التطوع إلا ركعتي الفجر والركعتين بعد العصر وقال ابن حامد تقضى جميع السنن الرواتب في جميع الأوقات إلا أوقات النهي لأن النبي صلى الله عليه و سلم قضى بعضها وقسنا الباقي عليه وقال القاضي وبعض أصحابنا لا يقضي إلا ركعتا الفجر تقضى إلى وقت الضحى وركعتا الظهر فإن أحمد قال ما أعرف وترا بعد الفجر وركعتا تقضى إلى وقت الضحى قال مالك تقضى ركعتا الفجر إلى وقت الزوال ولا تقضى بعد ذلك وقال النخعي و سعيد بن جبير و الحسن إذا طلعت الشمس فلا وتر وقال بعضهم من صلى الغداة فلا وتر عليه والأول أصح لما ذكرنا وقال أحمد رحمه الله أحب أن يكون له شيء من النوافل يحافظ عليه إذا فات قضى النوع الثاني تطوعات مع السنن الرواتب يستحب أن يصلي قبل الظهر أربعا وأربعا بعدها لما روت أم حبيبة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب وروى ابو أيوب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء ] وقد ذكرناه وعلى أربع قبل العصر لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ رحم الله أمرأ صلى قبل العصر أربعا ] رواه أبو داود و [ عن علي رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها وأربعا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين ] رواه ابن ماجة وعلى أربع بعد سنة المغرب لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له بعبادة اثنتي عشرة سنة ] رواه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عمر بن أبي خثعم وضعفه البخاري جدا وعلى أربع بعد العشاء لما روي [ عن شريح بن هانئ عن عائشة قال سألتها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : ما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات ] رواه أبو داود
فصل : واختلف في أربع ركعات منها ركعتان قبل المغرب بعد الأذان فظاهر كلام أحمد أنهما جائزتان وليستا سنة قال الأثرم قلت ل أبي عبد الله الركعتان قبل المغرب ؟ قال ما فعلته قط إلا مرة حين سمعت الحديث وقال فيهما أحاديث جياد أو قال صحاح عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه والتابعين إلا أنه قال لمن شاء فمن شاء صلى وقال هذا شيء ينكره الناس وضحك كالمتعجب وقال : هذا عندهم عظيم والدليل على جوازهما ما روى أنس قال : كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب قال المختار بن فلفل له أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاهما ؟ قال كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا متفق عليه وقال أنس : كنا بالمدينة إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة صليت من كثرة من يصليهما رواه مسلم وعن عبد الله بن المغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ بين كل أذانين صلاة - قالها ثلاثا ثم قال في الثالثة - لمن شاء ] أخرجهما مسلم وقال عقبة كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن عبد الله المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صلوا قبل المغرب ركعتين - قال ثم قال - صلوا قبل المغرب ركعتين - قال ثم قال - صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء ] خشية أن يتخذها الناس سنة متفق عليه منها : الركعتان بعد الوتر فظاهر كلام أحمد أنه لا يستحب فعلهما وإن فعلهما إنسان جاز قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الركعتين بعد الوتر قيل له قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجوده فما ترى فيها ؟ فقال أرجو إن فعله إنسان لا يضيق عليه ولكن يكون وهو جالس كما جاء الحديث قلت تفعله أنت ؟ قال لا ما أفعله وعدهما أبو الحسن الآمدي من السنن الراتبة والصحيح أنهما لستا بسنة لأن أكثر من وصف تهجد النبي صلى الله عليه و سلم لم يذكرهما من ذلك حديث ابن عباس وزيد بن خالد وعائشة فيما رواه عنها عروة وعبد الله بن شقيق والقاسم واختلف فيه عن أبي سلمة وأكثر الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم على تركها ووجه الجواز ما روى سعد بن هشام [ عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي من الليل تسع ركعات ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة ] و [ قال أبو سلمة سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : كان يصلي ثلاثة عشر ركعة يصلي ثمانية ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح ] رواهما مسلم وروى ذلك أبو أمامة أيضا وأوصى بهما خالد بن معدان وكثير بن مرة الحضرمي وفعلهما الحسن فهذا وجه جوازهما النوع الثالث صلوات معينة سوى ذلك منها : صلاة الضحى وهي مستحبة لما [ روى أبو هريرة قال : أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد ] متفق عليه و [ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال أوصاني حبيبي بثلاث لن أدعهن ما عشت بصيام ثلاث أيام من كل شهر وصلاة الضحى وإن لا أنام حتى أوتر ] وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ] رواهما مسلم فأقلها ركعتان لهذا الخبر وأكثرهما ثمان في قول أصحابنا لما [ روت أم هانئ أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل بيتها يوم فتح مكة وصلى ثماني ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركعوع والسجود ] متفق عليه ووقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ] رواه مسلم قال بعض أصحابنا لا تستحب المداومة علهيا لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يداوم عليها قالت عائشة ما رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى قط متفق عليه و [ عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لعائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى ؟ قالت لا إلا أن يجيء من مغيبة ] رواه مسلم و [ قال عبد الرحمن بن أبي ليلى ما حدثني أحد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى إلى أم هانئ فإنها حدثت أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثماني ركعات ما رأيته قط صلى صلاة أخف منها غير أنه كان يتم الركوع والسجود ] متفق عليه ولأن في المداومة عليها تشبيها بالفرائض وقال أبو الخطاب تستحب المداومة عليها لأن النبي صلى الله عليه و سلم أوصى بها أصحابه وقال : [ من حافظ على شفعة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ] قال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث النهاس بن فهم ولأن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه
فصل : فأما صلاة التسبيح فإن أحمد قال : ما تعجبني قيل له لم ؟ قال ليس شيء يصح ونفض يده كالمنكر وقد [ روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للعباس بن عبد المطلب : يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل بك ؟ عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره وقديمه وحديثه وخطأه وعمده وصغيره وكبيره وسره وعلانيته عشر خصال أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القرآن قلت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشر مرة ثم تركع وتقولها وأنت راكع عشرا ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا ثم تهوي ساجدا فتقول عشرا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في الأربع ركعات أن استطعت أن تصليها في كل يوم مرى فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ذلك في الأربع ركعات أن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة ] رواه أبو داود و الترمذي ولم يثبت أحمد الحديث المروي فيها ولم يرها مستحبة وإن فعلها إنسان فلا بأس فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها

فصل : صلاة الاستخارة
فصل : في صلاة الاستخارة عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال في عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري - أو قال في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به - ويسمي حاجته ] أخرجه البخاري

فصل : صلاة الحاجة
فصل : في صلاة الحاجة عن عبد الله بن أبي أوفى قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصلي ركعتين وليثن على الله تعالى وليصل على النبي صلى الله عليه و سلم ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الحكيم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد الله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين ] رواه الترمذي وقال حديث غريب

فصل : صلاة التوبة
فصل : في صلاة التوبة [ عن علي رضي الله عنه قال : حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله تعالى إلا غفر له ثم قرأ { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله } إلى آخرها ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن غريب

فصل : تحية المسجد
فصل : ويسن لمن دخل المسجد أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين قبل جلوسه لما روى أبو قتادة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ] متفق عليه فإذا جلس قبل الصلاة سن له أن يقوم فيصلي لما [ روى جابر قال : جاء سليك الغطفاني و رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب فقال : يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما ] رواه مسلم
ويستحب أن يتطوع بمثل تطوع النبي صلى الله عليه و سلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فـ [ إن عليا رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى الفجر تمهل حتى إذا كانت الشمس من ههنا - يعني من قبل المشرق - مقدارها من صلاة الظهر من العصر من ههنا - يعني من قبل المغرب - قام فصلى ركعتين ثم تمهل حتى إذا كانت الشمس من ههنا - يعني من قبل المشرق - مقدارها من صلاة الظهر من ههنا قام فصلى أربعا وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها وأربعا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين فتلك ست عشرة ركعة تطوع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالنهار وقل من يداوم عليها ]

فصل : أفضل أوقات التطوع بالنوافل المطلقة
فصل : فأما النوافل المطلقة فتشرع في الليل كله وفي النهار فيما سوى أوقات النهي وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار قال أحمد ليس بعد المكتوبة عندي أفضل من قيام الليل والنبي صلى الله عليه و سلم قد أمر بذلك قال الله تعالى : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ] قال الترمذي : هذا حديث حسن وكان قيام الليل مفروضا بدليل قوله تعالى : { يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه } ثم نسخ بقوله : { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل } الآية

فصول : آداب الدخول في صلاة الليل
فصل : وأفضل التهجد جوف الليل الآخر لما [ روى عمرو بن عنبسة قال : قلت يا رسول الله أي الليل أسمع ؟ قال : جوف الليل الآخر فصل ما شئت ] رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ] وفي [ حديث ابن عباس في صفة تهجد رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نام حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ فوصف تهجده حتى قال : ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن ] [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام أول الليل ويحيى آخره ثم أن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم نام فإذا كان عند النداء وثب فأفاض عليه الماء وأن لم يكن له حاجة توضأ وقالت : ما ألفي عندي رسول الله صلى الله عليه و سلم من السحر الأعلى في بيتي إلا نائما ] متفق عليهن وفي رواية أبي داود : فما يجيء السحر حتى يفرغ من وتره ولأن آخر الليل ينزل فيه الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا لما [ روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فاستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ ومن يستغفرني فاغفر له ؟ ] متفق عليه قال أبو عبد الله : إذا أغفى يعني التهجد فإنه لا يبين عليه أثر السهر وإذا لم يغف يبين عليه وقال مسروق سألت عائشة أي حين كان يصلي رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : كان إذا سمع الصارخ قام فصلى متفق عليه
فصل : ويقول عند انتباهه ما رواه عبادة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته ] رواه البخاري و [ عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الليل يتهجد قال : اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد وأنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق النبيون حق ومحمد صلى الله عليه و سلم حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك ] متفق عليه وفي مسلم : [ أنت رب السموات والأرض ] وفيه [ أنت إلهي لا إله إلا أنت ] وعن عائشة قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الليل افتتح صلاته اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك أنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ] أخرجه مسلم وعنها قالت : [ كان - تعني رسول الله صلى الله عليه و سلم - إذا قام كبر عشرا وحمد عشرا وسبح عشرا وهلل عشرا واستغفر عشرا وقال : اللهم أغفر لي واهدني وأرزقني وعافني ويتعود من ضيق المقام يوم القيامة ] رواه أبو داود
فصل : ويستحب أن يتسوك لما روى حذيفة قال : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك ] وعن ابن عباس أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستيقظ فسوك وتوضأ و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت كنا نعد له - تعني رسول الله صلى الله عليه و سلم - سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات ] أخرجهما مسلم
فصل : ويستحب أن يفتح تهجده بركعتين خفيفتين لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا قام أحدكم من الليل فليفتح صلاته بركعتين خفيفتين ] و [ عن زيد بن خالد أنه قال : لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم الليلة فصلى ركعتين خفيفتين ثم ركعتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر وذلك ثلاث عشرة ركعة ] وقال ابن عباس [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ] و [ قالت عائشة : ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا ] وفي لفظ قالت : [ كانت صلاته في شهر رمضان وغيره بالليل ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر ] وفي لفظ منها الوتر وركعتا الفجر وفي لفظ [ كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر ] وفي لفظ [ كان يصلي فيما بين صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة ] متفق عليهن ولعلها لم تعد الركعتين الخفيفتين اللتين ذكرهما غيرهما ويحتمل أنه صلى في ليلة ثلاث عشرة وفي ليلة إحدى عشرة

=======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أدوات الإعراب المؤلف: ظاهر شوكت البياتي

  : أدوات الإعراب المؤلف: ظاهر شوكت البياتي أدوات الأعراب تأليف ظاهر شوكت البياتي  الإهداء إلى صديقي الصدوق: طه هاشم الدليمي الذ...