4. مصاحف

4 مصاحف حمل المصحف بكل الصيغ

 القرآن الكريم وورد word doc iconتحميل سورة العاديات مكتوبة pdf//تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد

المصحف الكتاب الاسلامي

 /////////

 

الاثنين، 9 مايو 2022

مجلد 9 و10- المغني - ابن قدامة المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد

 مجلد 9  و10- المغني - ابن قدامة  المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد  

9.

مجالد 9  المغني - ابن قدامة  المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد   

 كتاب الإجارات
الأصل في جواز الإجارة الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وقال تعالى : { قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين * قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك } وروى ابن ماجة في سننه عن عتبة بن الندر قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ { طس } حتى إذا بلغ قصة موسى قال : إن موسى عليه السلام أجر نفسه ثماني حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه وقال الله تعالى { فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا } وهذا يدل على جواز أخذ الأجر على إقامته
وأما السنة فثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبا بكر استأجرا رجلا من بني الديل هاديا خريتا وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ قال الله عز و جل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره ] والأخبار في هذا كثيرة وأجمع أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الإجارة إلا ما يحكى عن عبد الرحمن بن الأصم أنه قال : لا يجوز ذلك لأنه غرر يعني أنه يعقد على منافع لم تخلق وهذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع الذي سبق في الأعصار وسار في الأمصار والعبرة أيضا دالة عليها فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع ولا يخفى ما بالناس من الحاجة إلى ذلك فإنه ليس لكل أحد دار يملكها ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعا وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر ولا يمكن كل أحد عمل ذلك ولا يجد متطوعا به فلا بد من الإجارة لذلك بل ذلك مما جعله الله طريقا للرزق حتى أن أكثر المكاسب بالصنائع وما ذكره من الغرر لا يلتفت إليه مع ما ذكرنا من الحاجة فإن العقد على المنافع لا يمكن بعد وجودها لأنها تتلف بمضي الساعات فلا بد من العقد عليها قبل وجودها كالسلم في الأعيان

فصلان : صفة الإجارة
فصل : واشتقاق الإجارة من الأجر وهو العوض قال الله تعالى : { لو شئت لاتخذت عليه أجرا } ومنه سمي الثواب أجرا لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته أو صبره على معصيته
فصل : وهي نوع من البيع لأنها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه فهي بيع المنافع والمنافع بمنزلة الأعيان لأنه يصح تمليكها في حال الحياة وبعد الموت وتضمن باليد والإتلاف ويكون عوضها عينا ودينا وإنما اختصت باسم كما اختص بعض البيوع باسم كالصرف والسلم إذا ثبت فإنها تنعقد بلفظ الإجارة والكراء لأنهما موضوعان لها وهل تنعقد بلفظ البيع ؟ فيه وجهان أحدهما : تنعقد به لأنها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف والثاني : لا تنعقد به لأن فيها معنى خاصا فافتقرت إلى لفظ يدل على ذلك المعنى ولأن الإجارة تضاف إلى العين التي يضاف إليها البيع إضافة واحدة فاحتيج إلى لفظ يعرف ويفرق بينهما كالعقود المتباينة ولأنه عقد يخالف البيع في الحكم والاسم فأشبه النكاح
فصل : ولا تصح إلا من جائز التصرف لأنها عقد تمليك في الحياة فأشبه البيع

مسألة وفصول : تحديد مدة الإجارة بأجرة معلومة وأحكامها الستة
مسألة : قال : وإذا وقعت الإجارة على مدة معلومة بأجرة معلومة فقد ملك المستأجر المنافع وملكت عليه الأجرة كاملة في وقت العقد إلا أن يشترطا أجلا
هذه المسألة تدل على أحكام ستة أحدها : أن المعقود عليه المنافع وهذا قول أكثر أهل العلم منهم : مالك و أبو حنيفة وأكثر أصحاب الشافعي وذكر بعضهم أن المعقود عليه العين لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فيقول أجرتك داري كما يقول : بعتكها
ولنا أن المعقود عليه هو المستوفى بالعقد وذلك هو المنافع دون الأعيان ولأن الأجر في مقابلة المنفعة ولهذا تضمن دون العين وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه وإنما أضيف العقد إلى العين لأنها محل المنفعة ومنشؤها كما يضاف عقد المساقاة إلى البستان والمعقود عليه الثمرة ولو قال : أجرتك منفعة داري جاز الثاني : أن الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة ولا خلاف في هذا نعلمه ولأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه المعرفة له فوجب أن تكون معلومة كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل فإن قدر المدة بسنة مطلقة حمل على سنة الأهلة لأنها المعهودة في الشرع قال الله تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } فوجب أن يحمل العقد عليه فإن شرط هلالية كان تأكيدا وإن قال : عددية أو سنة بالأيام كان له ثلاثمائة وستون يوما لأن الشهر العددي يكون ثلاثين يوما وإن استأجر سنة هلالية أول الهلال عد اثني عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو ناقصا لأن الشهر الهلالي ما بين الهلالين ينقص مرة ويزيد أخرى وإن كان العقد في أثناء شهر عد ما بقي من الشهر وعد بعده أحد عشر شهرا بالهلال ثم كمل الشهر الأول بالعدد ثلاثين يوما لأنه تعذر إتمامه بالهلال فتممناه بالعدد وأمكن استيفاء ما عداه بالهلال فوجب ذلك لأنه الأصل وحكي عن أحمد رحمه الله رواية أخرى أنه يستوفي الجميع بالعدد لأنها مدة يستوفى بعضها بالعدد فوجب استيفاء جميعها به كما لو كانت المدة شهرا واحدا ولأن الشهر الأول ينبغي أن يكمل من الشهر الذي يليه فيحصل ابتداء الشهر الثاني في أثنائه فكذلك كل شهر يأتي بعده ول أبي حنيفة و الشافعي كالروايتين وهكذا إن كان العقد على أشهر دون السنة وإن جعلا المدة سنة رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وكان يعلمان ذلك جاز وكان له ثلاثمائة وخمسة وستون يوما فإن الشهور الرومية منها سبعة أحد وثلاثون يوما وأربعة ثلاثون يوما وشهر واحد ثمانية وعشرون يوما وشهور القبط كلها ثلاثون ثلاثون وزادوها خمسة أيام لتساوي سنتهم السنة الرومية وإن كان أحدهما يجهل ذلك لم يصح لأن المدة مجهولة في حقه وإن آجره إلى العيد انصرف إلى الذي يليه وتعلق بأول جزء منه لأنه جعله غاية فتنتهي مدة الإجارة بأوله وقال القاضي لا بد من تعيين العيد فطرا أو أضحى من هذه السنة أو سنة كذا وكذلك الحكم إن علقه بشهر يقع اسمه على شهرين كجمادى وربيع يجب على قوله أن يذكر الأول أو الثاني من سنة كذا وإن علقه بشهر مفرد كرجب وشعبان فلا بد أن يبينه من أي سنة وإن علقه بيوم فلا بد على قوله أن يبينه من أي أسبوع وإن علقه بعيد من أعياد الكفار صح إذا علماه وإلا لم يصح وقد مضى نحو من هذا
فصل : ولا يشترط في مدة الإجارة أن تلي العقد بل لو أجره سنة خمس وهما في سنة ثلاث أو شهر رجب في المحرم صح وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : لا يصح إلا أن يستأجرها من هي في إجارته ففيه قولان : لأنه عقد على ما لا يمكن تسليمه في الحال فأشبه إجارة العين المغصوبة قال : ولا يجوز أن يكتري بعيرا بعينه إلا عند خروجه لذلك
ولنا أن هذه مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس كالتي تلي العقد وإنما تشترط القدرة على التسليم عند وجوب التسليم كالمسلم فيه ولا يشترط وجوده ولا القدرة عليه حال العقد ولا فرق بين كونها مشغولة أو غير مشغولة لما ذكرناه وما ذكروه يبطل بما إذا أجرها من المكتري فإنه يصح مع ما ذكروه إذا ثبت هذا فإن الإجارة إن كانت على مدة تلي العقد لم يحتج إلى ذكر ابتدائها من حين العقد وإن كانت لا تليه فلا بد من ذكر ابتدائها لأنه أحد طرفي العقد فاحتيج إلى معرفته كالانتهاء وإن أطلق فقال : أجرتك سنة أو شهرا صح وكان ابتداؤه من حين العقد وهذا قول مالك و أبي حنيفة وقال الشافعي وبعض أصحابنا : لا يصح حتى يسمي الشهر ويذكر أي سنة هي فإن أحمد قال في رواية إسماعيل بن سعيد : إذا استأجر أجيرا شهرا فلا يجوز حتى يسمي الشهر
ولنا قول الله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام : { على أن تأجرني ثماني حجج } ولم يذكر ابتداءها ولأنه تقدير بمدة ليس فيها قربة فإذا أطلقها وجب أن تلي السبب الموجب كمدة السلم والإيلاء وتفارق النذر فإنه قربة
فصل : ولا تتقدر أكثر مدة الإجارة بل تجوز إجارة العين المدة التي تبقى فيها وإن كثرت وهذا قول كافة أهل العلم إلا أن أصحاب الشافعي اختلفوا في مذهبه فمنهم من قال له قولان أحدهما : كقول سائر أهل العلم وهو الصحيح الثاني : لا يجوز أكثر من سنة لأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر منها ومنهم من قال له قول ثالث : أنها لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة لأن الغالب أن الأعيان لا تبقى أكثر منها وتتغير الأسعار والأجر
ولنا قول الله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام أنه قال : { على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك } وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل ولأن ما جاز العقد عليه سنة جاز أكثر منها كالبيع والنكاح والمساقاة والتقدير بسنة وثلاثين تحكم لا دليل عليه وليس ذلك أولى من التقدير بزيادة عليه أو نقصان منه وإذا استأجره سنين لم يحتج إلى تقسيط الأجر على كل سنة في ظاهر كلام أحمد كما لو استأجر سنة لم يفتقر إلى تقسيط أجر كل شهر بالاتفاق ولو استأجر شهرا لم يفتقر إلى تقسيط أجر كل يوم ولأن المنفعة كالأعيان في البيع ولو اشتملت الصفقة على أعيان لم يلزمه تقدير ثمن كل عين كذلك ههنا وقال الشافعي في أحد قوليه : كقولنا وفي الآخر يفتقر إلى تقسيط أجر كل سنة لأن المنافع تختلف باختلاف السنين فلا يأمن أن ينفسخ العقد فلا يعلم بم يرجع وهذا يبطل بالشهور فإنه لا يفتقر إلى تقسيط الأجر عليها مع الاحتمال الذي ذكروه
فصل : والإجارة على ضربين أحدهما : أن يعقدها على مدة الثاني : أن يعقدها على عمل معلوم كبناء حائط وخياطة قميص وحمل إلى موضع معين فإذا كان المستأجر مما له عمل كالحيوان جاز فيه الوجهان لأن له عملا تتقدر منافعه به وإن لم يكن له عمل كالدار والأرض لم يجز إلا على مدة ومتى تقدرت المدة لم يجز تقدير العمل وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي : لأن الجمع بينهما يزيدها غررا لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة فإن استعمل في بقية المدة فقد زاد على ما وقع عليه العقد وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعض المدة وقد لا يفرغ من العمل في المدة فإن أتمه عمل في غير المدة وإن لم يعمله لم يأت بما وقع عليه العقد وهذا غرر أمكن التحرز عنه ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه
وروي عن أحمد فيمن اكترى دابة إلى موضع على أن يدخله في ثلاث فدخله في ست فقال : قد أضر به فقيل : يرجع عليه بالقيمة ؟ قال : لا يصالحه وهذا يدل على جواز تقديرهما جميعا وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن لأن الإجارة معقودة على العمل والمدة مذكورة للتعجيل فلا يمتنع ذلك فعلى هذا إذا فرغ العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها لأنه وفى ما عليه قبل مدته فلم يلزمه شيء آخر كما لو قضى الدين قبل أجله وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة لأن الأجير لم يف له بشرطه وإن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ لأن الإخلال بالشرط منه فلا يكون ذلك وسيلة له إلى الفسخ كما لو تعذر أداء المسلم فيه في وقته لم يملك المسلم إليه الفسخ ويملكه المسلم فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل لا غير كالمسلم إذا صبر عند تعذر المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه وإن فسخ العقد قبل عمل شيء من العمل سقط الأجر والعمل وإن كان بعد عمل شيء منه فله أجر مثله لأن العقد قد انفسخ فسقط المسمى ورجع إلى أجر المثل
فصل : ومن اكترى دابة إلى العشاء فآخر المدة إلى غروب الشمس وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة و أبو ثور : آخرها زوال الشمس لأن العشاء آخر النهار وآخر النهار النصف الآخر من الزوال ولذلك جاء في حديث ذي اليدين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : [ صلى النبي صلى الله عليه و سلم إحدى صلاتي العشي ] يعني الظهر أو العصر هكذا تفسيره
ولنا قول الله تعالى : { من بعد صلاة العشاء } يعني العتمة وقال النبي صلى الله عليه و سلم [ لولا أن أشق على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل ] وإنما تعلق الحكم بغروب الشمس لأن هذه الصلاة تسمى العشاء الآخرة فدل على أن الأولى المغرب وهو في العرف كذلك فوجب أن يتعلق الحكم به لأن المدة إذا جعلت إلى وقت تعلقت بأوله كما لو جعلها إلى الليل وما ذكروه لا يصح لأن لفظ العشي غير لفظ العشاء فلا يجوز الاحتجاج بأحدهما على الآخر حتى يقوم دليل على أن معنى اللفطين واحد ثم لو ثبت أن معناهما واحد غير أن أهل العرف لا يعرفونه فلا يتعلق به حكم وكذلك الحكم فيما إذا اكتراها إلى العشي لأن أهل العرف لا يعرفون غير ما ذكرناه وإن اكتراها إلى الليل فهو إلى أوله وكذلك إن اكتراها إلى النهار فهو إلى أوله ويتخرج أن يدخل الليل في المدة الأولى والنهار في الثانية لما ذكرناه في مدة الخيار والأول أصح وإن اكتراها نهارا فهو إلى غروب الشمس وإن اكتراها ليلة فهي إلى طلوع الفجر في قول الجميع لأن الله تعالى قال في ليلة القدر : { سلام هي حتى مطلع الفجر } وقال تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } - ثم قال - { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل }
فصل : وإن اكترى فسطاطا إلى مكة ولم يقل متى أخرج فالكراء فاسد وبه قال أبو ثور : وهو قياس قول الشافعي وقال أصحاب الرأي : يجوز استحسانا بخلاف القياس
ولنا أنها مدة غير معلومة الابتداء فلم يجز كما لو قال أجرتك داري من حين يخرج الحاج إلى آخر السنة وقد اعترفوا بمخالفته للدليل وما ادعوه دليلا لا نسلم كونه دليلا
فصل : ( الحكم الثالث ) أنه يشترط في عوض الإجارة كونه معلوما لا نعلم في ذلك خلافا وذلك لأنه عوض في عقد معاوضة فوجب أن يكون معلوما كالثمن في البيع وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من استأجر أجيرا فليعلمه أجره ] ويعتبر العلم بالرؤية أو بالصفة كالبيع سواء فإن كان العوض معلوما بالمشاهدة دون القدر كالصبرة احتمل وجهين أشبههما الجواز لأنه عوض معلوم يجوز به البيع فجازت به الإجارة كما لو علم قدره والثاني : لا يجوز لأنه قد ينفسخ العقد بعد تلف الصبرة فلا يدري بكم يرجع فاشترط معرفة قدره كعوض المسلم فيه والأول أولى وظاهر كلام الخرقي أن العلم بالقدر في عوض السلم ليس بشرط ثم الفرق بينهما أن المنفعة ههنا أجريت مجرى الأعيان لأنها متعلقة بعين حاضرة والسلم يتعلق بمعدوم فافترقا و للشافعي نحو مما ذكرنا في هذا الفصل
فصل : وكل ما جاز ثمنا في البيع جاز عوضا في الإجارة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينا ومنفعة أخرى سواء كان الجنس واحدا كمنفعة دار بمنفعة أخرى أو مختلفا كمنفعة دار بمنفعة عبد قال أحمد : لا بأس أن يكتري بطعام موصوف معلوم وبهذا كله قال الشافعي : قال الله تعالى : إخبارا عن شعيب أنه قال : { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } فجعل النكاح عوض الإجارة وقال أبو حنيفة فيما حكى عنه : لا تجوز إجارة دار بسكنى أخرى ولا يجوز أن يختلف جنس المنفعة كسكنى دار بمنفعة بهيمة لأن الجنس الواحد عنده يحرم النساء وكره الثوري الإجارة بطعام موصوف والصحيح جوازه وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وقياس قول الشافعي لأنه عوض يجوز في البيع فجاز في الإجارة كالذهب والفضة وما قاله أبو حنيفة لا يصح لأن المنافع في الإجارة ليست في تقدير النسيئة ولو كانت نسيئة ما جاز في جنسين لأنه يكون بيع دين بدين
فصل : ولو استأجر رجلا ليسلخ له بهيمة بجلدها لم يجز لأنه لا يعلم هل يخرج الجلد سليما أو لا وهل هو ثخين أو رقيق ولأنه لا يجوز أن يكون ثمنا في البيع فلا يجوز أن يكون عوضا في الإجارة كسائر المجهولات فإن سلخه بذلك فله أجر مثله وإن استأجره لطرح ميتة بجلدها فهو أبلغ في الفساد لأن جلد الميتة نجس لا يجوز بيعه وقد خرج بموته عن كونه ملكا وإن فعل فله أجر مثله أيضا
فصل : ولو استأجر راعيا لغنم بثلث درها ونسلها وصوفها وشعرها أو نصفه أو جميعه لم يجز نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد النسائي لأن الأجر غير معلوم ولا يصلح عوضا في البيع وقال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد عن الرجل يدفع البقرة إلى الرجل على أن يعلفها ويتحفظها وما ولدت من ولد بينهما فقال : أكره ذلك وبه قال أبو أيوب وأبو خيثمة : ولا أعلم فيه مخالفا وذلك لأن العوض مجهول معدوم ولا يدري أيوجد أم لا والأصل عدمه ولا يصلح أن يكون ثمنا فإن قيل : فقد جوزتم دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف ربحها قلنا : إنما جاز ثم تشبيها بالمضاربة لأنها عين تنمى بالعمل فجاز اشتراط جزء من النماء والمساقاة كالمضاربة وفي مسألتنا لا يمكن ذلك لأن النماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها فلم يمكن إلحاقه بذلك وإن استأجره على رعايتها مدة معلومة بنصفها أو جزء معلوم منها صح لأن العمل والأجر والمدة معلوم فصح كما لو جعل الأجر دراهم ويكون النماء الحاصل بينهما بحكم الملك لأنه ملك الجزء المجعول له منها في الحال فيكون له نماؤه كما لو اشتراه
فصل : ( الحكم الرابع ) إن الإجارة إذا تمت وكانت على مدة ملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدة ويكون حدوثها على ملكه وبهذا قال الشافعي : وقال أبو حنيفة : تحدث على ملك المؤجر ولا يملكها المستأجر بالعقد لأنها معدومة فلا تكون مملوكة كالثمرة والولد
ولنا أن الملك عبارة عن حكم يحصل به تصرف مخصوص وقد ثبت أن هذه المنفعة المستقبلة كان مالك العين يتصرف فيها كتصرفه في العين فلما أجرها صار المستأجر مالكا للتصرف فيها كما كان يملكه المؤجر فثبت أنها كانت مملوكة لمالك العين ثم انتقلت إلى المستأجر بخلاف الولد والثمرة فإن المستأجر لا يملك التصرف فيها وقولهم أن المنافع معدومة قلنا هي مقدرة الوجود لأنها جعلت موردا للعقد والعقد لا يرد إلا على موجود
فصل : ( الحكم الخامس ) أن المؤجر يملك الأجرة بمجرد العقد إذا أطلق ولم يشترط المستأجر أجلا كما يملك البائع الثمن بالبيع وبهذا قال الشافعي وقال مالك و أبو حنيفة : لا يملكها بالعقد فلا يستحق المطالبة بها إلا يوما بيوم إلا أن يشترط تعجيلها قال أبو حنيفة : إلا أن تكون معينة كالثوب والعبد والدار لأن الله تعالى قال : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } فأمر بإيتائهن بعد الارتضاع وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره ] فتوعد على الامتناع من دفع الأجر بعد العمل فدل على أنها حالة الوجوب وروي عنه عليه السلام أنه قال : [ أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ] رواه ابن ماجه ولأنه عوض لم يملك معوضه فلم يجب تسليمه كالعوض في العقد الفاسد فإن المنافع معدومة لم تملك ولو ملكت فلم يتسلمها لأنه يتسلمها شيئا فشيئا فلا يجب عليه العوض مع تعذر التسليم في العقد
ولنا أنه عوض أطلق ذكره في عقد معاوضة فيستحق بمطلق العقد كالثمن والصداق أو نقول عوض في عقد يتعجل بالشرط فوجب أن يتعجل بمطلق العقد كالذي ذكرنا فأما الآية فيحتمل أنه أراد الإيتاء عند الشروع في الرضاع أو تسليم نفسها كما قال تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } أي إذا أردت القراءة ولأن هذا تمسك بدليل الخطاب ولا يقولون به وكذلك الحديث يحققه أن الأمر بالإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله كقوله { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } والصداق يجب قبل الاستمتاع وهذا هو الجواب عن الحديث ويدل عليه أنه إنما توعد على ترك الإيفاء بعد الفراغ من العمل وقد قلتم يجب الأجر شيئا فشيئا ويحتمل أنه توعده على ترك الإيفاء في الوقت الذي تتوجه المطالبة فيه عادة
جواب آخر أن الآية والإخبار إنما وردت فيمن استؤجر على عمل فأما ما وقعت الإجارة فيه على مدة فلا تعرض لها به وأما إذا كانت الإجارة على عمل فإن الأجر يملك بالعقد أيضا لكن لا يستحق تسليمه إلا عند تسليم العمل قال ابن أبي موسى : من استؤجر لعمل معلوم استحق الأجر عند إيفاء العمل وإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل يوم عند تمامه وقال أبو الخطاب : الأجر يملك بالعقد ويستحق بالتسليم ويستقر بمضي المدة وإنما توقف استحقاق تسليمه على العمل لأنه عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق والثمن في المبيع وفارق الإجارة على الأعيان لأن تسليمها جرى مجرى تسليم نفعها ومتى كان على منفعة في الذمة لم يحصل تسليم المنفعة ولا ما يقوم مقامها فتوقف استحقاق تسليم الأجر على تسليم العمل وقولهم لم يملك المنافع قد سبق الجواب عنه فإن قيل فإن المؤجر إذا قبض الأجر انتفع به كله بخلاف المستأجر فإنه لا يحصل له استيفاء المنفعة كلها قلنا لا يمتنع هذا كما لو شرطا التعجيل أو كان الثمن عينا
فصل : ( الحكم السادس ) أنه إذا شرط تأجيل الأجر فهو إلى أجله وإن شرطه منجما يوما يوما أو شهرا شهرا أو أقل من ذلك أو أكثر فهو على ما اتفقا عليه لأن إجارة العين كبيعها وبيعها يصح بثمن حال أو مؤجل فكذلك إجارتها
فصل : وإذا استوفى المستأجر المنافع استقر الأجر لأنه قبض المعقود عليه فاستقر عليه البدل كما لو قبض المبيع وإن سلمت إليه العين التي وقعت الإجارة عليها ومضت المدة ولا حاجز له عن الانتفاع استقر الأجر وإن لم ينتفع لأن المعقود عليه تلف تحت يده وهي حقه فاستقر عليه بدلها كثمن المبيع إذا تلف في يد المشتري وإن كانت الإجارة على عمل فتسلم المعقود عليه ومضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها مثل أن يكتري دابة ليركبها إلى حمص فقبضها ومضت مدة يمكن ركوبها فيها فقال أصحابنا : يستقر عليه الأجر وهو مذهب الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده باختياره فاستقر الضمان عليه كما لو تلفت العين في يد المشتري وكما لو كانت الإجارة على مدة فمضت وقال أبو حنيفة : لا يستقر الأجر عليه حتى يستوفي المنفعة لأنه عقد على منفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر بدلها قبل استيفائها كالأجر للأجير المشترك فإن بذل تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه لأن المنافع تلفت باختياره في مدة الإجارة فاستقر عليه الأجر كما لو كانت في يده وإن بذل تسليم العين وكانت الإجارة على عمل فقال أصحابنا : إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها استقر عليه الأجر وبهذا قال الشافعي لأن المنافع تلفت باختياره
وقال أبو حنيفة : لا أجر عليه وهو أصح عندي لأنه عقد على ما في الذمة فلم يستقر عوضه ببذل التسليم كالمسلم فيه ولأنه عقد على منفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر عوضها بالبذل كالصداق إذا بذلت تسليم نفسها وامتنع الزوج من أخذها وإن كان هذا في إجارة فاسدة ففيما إذا عرضها على المستأجر فلم يأخذها لا أجر عليه لأنها لم تتلف تحت يده ولا في ملكه وإن قبضها ومضت المدة أو مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها أو لا يمكن فعن أحمد روايتان إحداهما : عليه أجر المثل لمدة بقائها في يده وهو قول الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاها والثانية : لا شيء له وهو قول أبي حنيفة لأنه عقد فاسد على منافع لم يستوفها فلم يلزمه عوضها كالنكاح الفاسد وإن استوفى المنفعة في العقد الفاسد فعليه أجر المثل وبه قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : يجب أقل الأمرين من المسمى أو أجر المثل بناء منه على أن المنافع لا تضمن إلا بالعقد
ولنا أن ما ضمن بالمسمى في العقد الصحيح وجب ضمانه بجميع القيمة في الفاسد كالأعيان وما ذكره لا نسلمه والله أعلم

مسألة وفصل : جواز الإجارة كل شهر بدرهم
مسألة : قال : وإذا وقعت الإجارة علىكل شهر بشيء معلوم لم يكن لواحد منهما الفسخ إلا عند تقضي كل شهر
وجملة ذلك أنه إذا قال أجرتك هذا كل شهر بدرهم فاختلف أصحابنا فذهب القاضي إلى أن الإجارة صحيحة وهو المنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور واختيار الخرقي إلا أن الشهر الأول نلزم الإجارة فيه بإطلاق العقد لأنه معلوم يلي العقد وله أجر معلوم وما بعده من الشهور يلزم العقد فيه بالتلبس به وهو السكنى في الدار إن كانت الإجارة على دار لأنه مجهول حال العقد فإذا تلبس به تعين بالدخول فيه فصح بالعقد الأول وإن لم يتلبس به أو فسخ العقد عند انقضاء الأول انفسخ وكذلك حكم كل شهر يأتي وهذا مذهب أبي ثور وأصحاب الرأي وحكي عن مالك نحو هذا إلا أن الإجارة لا تكون لازمة عنده لأن المنافع متقدرة بتقدير الأجر فلا يحتاج إلى ذكر المدة إلا في اللزوم واختار أبو بكر عبد العزيز بن جعفر وأبو عبد الله بن حامد أن العقد باطل وهو قول الثوري والصحيح من قولي الشافعي لأن كل اسم للعدد فإذا لم يقدره كان مبهما مجهولا فيكون فاسدا كما لو قال أجرتك مدة أو شهرا وحمل أبو بكر وابن حامد كلام أحمد في هذا على أن الإجارة وقعت على أشهر معينة
ووجه الأول أن عليا رضي الله عنه استقى لرجل من اليهود كل دلو بتمرة وجاء به إلى النبي صلى الله عليه و سلم يأكل منه قال علي : كنت أدلو الدلو بتمرة وأشترطها جلدة وعن رجل من الأنصار أنه قال ليهودي : أسقي نخلك ؟ قال : نعم كل دلو بتمرة واشترط الأنصاري أن لا يأخذها خدرة ولا تارزة ولا حشفة ولا يأخذ إلا جلدة فاستقى بنحو من صاعين فجاء به إلى النبي صلى الله عليه و سلم رواهما ابن ماجة في سننه وهو نظير مسألتنا ولأن شروعه في كل شهر مع ما تقدم في العقد من الاتفاق على تقدير أجره والرضا ببذله به جرى مجرى ابتداء العقد عليه وصار كالبيع بالمعاطاة إذا جرى من المساومة ما دل على التراضي بها
فعلى هذا متى ترك التلبس به في شهر لم تثبت الإجارة فيه لعدم العقد وإن فسخ فكذلك وليس بفسخ في الحقيقة لأن العقد في الشهر الثاني ما ثبت فأما أبو حنيفة فذهب إلى أنهما إذا تلبسا بالشهر الثاني فقد اتصل القبض بالعقد الفاسد وهو عذر غير صحيح لأن العقد الفاسد في الأعيان لا يلزم بالقبض ولا يضمن بالمسمى ثم لم يحصل القبض ههنا إلا فيما استوفاه وقول مالك لا يصح لأن الإجارة من العقود اللازمة فلا يجوز أن تكون جائزة
فصل : إذا قال أجرتك داري عشرين شهرا كل شهر بدرهم جاز بغير خلاف نعلمه لأن المدة معلومة وأجرها معلوم وليس لواحد منهما فسخ بحال لأنها مدة واحدة فأشبه ما لو قال أجرتك عشرين شهرا بعشرين درهما وإن قال أجرتكها شهرا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك صح في الشهر الأول لأنه أفرده بالعقد وبطل في الزائد لأنه مجهول ويحتمل أن يصح في كل شهر تلبس به كما لو قال : أجرتكها كل شهر بدرهم لأن معناهما واحد ولو قال أجرتكها هذا الشهر بدرهم وكل شهر بعد ذلك بدرهم أو قال بدرهمين صح في الأول وفيما بعده وجهان

فصل : عقد الإيجار لازم من الطرفين
فصل : والإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لواحد منهما فسخها وبهذا قال مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأنها عقد معاوضة فكان لازما كالبيع ولأنها نوع من البيع وإنما اختصت باسم كما اختص الصرف والسلم باسم وسواء كان له عذر أو لم يكن وبهذا قال مالك و الشافعي و أبو ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه : يجوز للمكتري فسخها لعذر في نفسه مثل أن يكتري جملا ليحج عليه فيمرض فلا يتمكن من الخروج أو تضيع نفقته أو يكتري دكانا للبز فيحترق متاعه وما أشبه هذا لأن العذر يتعذر معه استيفاء المنفعة المعقود عليها فملك به الفسخ كما لو استأجر عبدا فأبق
ولنا أنه عقد لا يجوز فسخه مع استيفاء المنفعة المعقود عليها لغير عذر فلم يجز لعذر في غير المعقود عليه كالبيع ولأنه لو جاز فسخه لعذر المكتري لجاز لعذر المكري تسوية بين المتعاقدين ودفعا للضرر عن كل واحد من العاقدين ولم يجز ثم فلا يجوز ههنا ويفارق الآبق فإنه عذر في المعقود عليه

مسألة وفصلان : ومن استأجر عقارا مدة بعينها
مسألة : قال : ومن استأجر عقارا مدة بعينها فبادله قبل تقضيها فقد لزمته الأجرة كاملة
وجملته أن الإجارة عقد لازم يقتضي تمليك المؤجر الأجر والمستأجر المنافع فإذا فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء مدتها وترك الانتفاع اختيارا منه لم تنفسخ الإجارة والأجر لازم له ولم يزل ملكه عن المنافع كما لو اشترى شيئا وقبضه ثم تركه قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله رجل اكترى بعيرا فلما قدم المدينة قال له : فاسخني قال : ليس ذلك له قد لزمه الكراء قلت : فإن مرض المستكري بالمدينة فلم يجعل له فسخا وذلك لأنه عقد لازم بين الطرفين فلم يملك أحد المتعاقدين نسخه وإن فسخه لم يسقط العوض الواجب عليه كالبيع
فصل : ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استئجار المنازل والدواب جائز ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة ولا بد من مشاهدته وتحديده فإنه لا يصير معلوما إلا بذلك ولا يجوز إطلاقه ولا وصفه وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور : إذا ضبط بالصفة أجزأ وقال أصحاب الرأي : له خيار الرؤية كقولهم في البيع ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على البيع والخلاف ههنا مبني على الخلاف في البيع ولم يكتف بالصفة لأنه لا يصير معلوما إلا بالرؤية كما لا يعلم في البيع إلا بذلك فإن كان دارا أو حماما احتاج إلى مشاهدة البيوت لأن الغرض يختلف بصغرها وكبرها ومرافقها ومشاهدة قدر الحمام ليعلم كبرها من صغرها ومعرفة ماء الحمام إما من قناة أو بئر فإن كان من بئر احتاج إلى مشاهدتها ليعلم عمقها ومؤنة استسقاء الماء منها ومشاهدة الأتون ومطرح الرماد وموضع الزبل ومصرف ماء الحمام فمتى أخل بهذا أو بعضه لم تصح للجهالة بما يختلف الغرض به
فصل : وكره أحمد كراء الحمام وسئل عن كرائه فقال : أخشى فقيل له إذا شرط على المكتري أن لا يدخله أحد بغير إزاز فقال : ومن يضبط هذا ؟ وكأنه لم يعجبه قال ابن حامد : هذا على طريق الكراهة تنزيها لا تحريما لأنه تبدو فيه عورات الناس فتحصل الإجارة على فعل محظور فكرهه لذلك فأما العقد فصحيح وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن كراء الحمام جائز إذا حدده وذكر جميع آلته شهورا مسماة وهذا قول مالك و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي لأن المكتري إنما يأخذ الأجر عوضا عن دخول الحمام والاغتسال بمائه وأحوال المسلمين محمولة على السلامة وإن وقع من بعضهم فعل ما لا يجوز لم يحرم الأجر المأخوذ منه كما لو اكترى دارا ليسكنها فشرب فيها خمرا

مسألة قال : ولا يتصرف مالك العقار فيه إلا عند انقضاء المدة
مسألة قال : ولا يتصرف مالك العقار فيه إلا عند انقضاء المدة
وجملته أن المستأجر يملك المنافع بالعقد كما يملك المشتري المبيع بالبيع ويزول ملك المؤجر عنها كما يزول ملك البائع عن المبيع فلا يجوز له التصرف فيها لأنها صارت مملوكة لغيره كما لا يملك البائع التصرف في المبيع فإن تصرف فيها نظرنا فإن كان ذلك في حال بدا للمستأجر قبل تقضي المدة مثل أن يكتري دارا سنة فيسكنها شهرا ويتركها فيسكنها المالك بقية السنة أو يؤجرها لغيره احتمل أن ينفسخ العقد فيما استوفاه المالك لأنه يتصرف فيه قبل قبض المكتري ماله فأشبه ما لو تلف المكيل قبل تسليمه وسلم باقيه فعلى هذا إن تصرف المالك في بعض المدة دون بعض انفسخ العقد في قدر ما تصرف فيه دون ما لم يتصرف فيه ويكون على المستأجر ما بقي فلو سكن المستأجر شهرا وتركها شهرا وسكن المالك عشرة أشهر لزم المستأجر أجر شهرين وإن سكنها شهرا وسكن المالك شهرين ثم تركها فعلى المستأجر أجر عشرة أشهر ويحتمل أن يلزم المستأجر أجر جميع المدة وله على المالك أجر المثل لما سكن أو تصرف فيه بقسط ذلك مما على المستأجر من الأجر ويلزمه الباقي لأنه تصرف فيما ملكه المستأجر عليه بغير إذنه فأشبه ما لو تصرف في المبيع بعد قبض المشتري له وقبض الدار ههنا قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يملك التصرف في المنافع بالسكنى والإجارة وغيرها فعلى هذا لو كان أجر المثل الواجب على المالك بقدر المسمى في العقد لم يجب على المستأجر شيء وإن فضلت منه فضلة لزم المالك أداؤها إلى المستأجر والأول أولى وهو ظاهر مذهب الشافعي وإن تصرف المالك قبل تسلم العين أو امتنع من تسليمها حتى انقضت مدة الإجارة انفسخت الإجارة وجها واحدا لأن العاقد قد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فانفسخ العقد كما لو باعه طعاما فأتلفه قبل تسليمه وإن سلمها إليه في أثناء المدة انفسخت فيما مضى ويجب أجر الباقي بالحصة كالمبيع إذا سلم بعضه وأتلف بعضا

مسألة : قال : فإن حوله المالك قبل أن تقضي المدة
مسألة : قال : فإن حوله المالك قبل تقضي المدة لم يكن له أجرة لما سكن
يعني إذا استأجر عقارا مدة فسكنه بعض المدة ثم أخرجه المالك ومنعه تمام السكنى فلا شيء له من الأجرة وقال أكثر الفقهاء : له أجر ما سكن لأنه استوفى ملك غيره على سبيل المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته كما لو تعذر استيفاء الباقي لأمر غالب
ولنا أنه لم يسلم إليه ما عقد الإجارة عليه فلم يستحق شيئا كما لو استأجره ليحمل كتابا فحمله بعض الطريق أو استأجره ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرا وامتنع من حفر الباقي وقياس الإجارة على الإجارة أولى من قياسها على البيع ويفارق ما إذا امتنع لأمر غالب لأن له عذرا والحكم فيمن اكترى دابة فامتنع المكري من تسليمها في بعض المدة أو أجر نفسه أو عبده للخدمة مدة وامتنع من إتمامها أو أجر نفسه لبناء حائط أو خياطة أو حفر بئر أو حمل شيء إلى مكان وامتنع من إتمام العمل كالحكم في العقار يمتنع من تسليمه وأنه لا يستحق شيئا لما ذكرنا

فصل : إذا هرب الأجير أو شردت الدابة
فصل : إذا هرب الأجير أو شردت الدابة أو أخذ المؤجر العين وهرب بها أو منعه استيفاء المنفعة منها من غير هرب لم تنفسخ الإجارة لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فإن فسخ فلا كلام وإن لم يفسخ انفسخت الإجارة بمضي المدة يوما فيوما فإن عادت العين في أثناء المدة استوفى ما بقي منها فإن انقضت المدة انفسخت الإجارة لفوات المعقود عليه وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة كخياطة ثوب أو بناء حائط أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله من يعمله كما لو أسلم إليه في شيء فهرب ابتيع من ماله فإن لم يمكن ثبت للمستأجر الفسخ فإن فسخ فلا كلام وإن لم يفسخ وصبر إلى أن يقدر عليه فله مطالبته بالعمل لأن ما في الذمة لا يفوت بهربه وكل موضع امتنع الأجير من العمل فيه أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع إذا كان بعد عمل البعض فلا أجر له فيه على ما سبق إلا أن يرد العين قبل انقضاء المدة أو يتم العمل إن لم يكن على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل فأما إن شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الأجر بقدر ما استوفى بكل حال

مسألة : فإذا جاء أمر غالب يحجز المستأجر على منفعة ما وقع عليه العقد
مسألة : فإن جاء أمر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد لزمه من الأجر بمقدار مدة انتفاعه
وجملته أن من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبين الانتفاع بها لم يخل من أقسام ثلاثة : أحدها : أن تتلف العين كدابة تنفق أو عبد يموت فذلك على ثلاثة أضرب : أحدها : أن تتلف قبل قبضها فإن الإجارة تنفسخ بغير خلاف نعلمه لأن المعقود عليه تلف قبل قبضه فأشبه ما لو تلف الطعام المبيع قبل قبضه الثاني : أن تتلف عقيب قبضها فإن الإجارة تنفسخ أيضا ويسقط الأجر في قول عامة الفقهاء إلا أبا ثور حكي عنه أنه قال : يستقر الأجر لأن المعقود عليه أتلف بعد قبضه أشبه المبيع وهذا غلط لأن المعقود عليه المنافع وقبضها باستيفائها أو التمكن من استيفائها ولم يحصل ذلك فأشبه تلفها قبل قبض العين الثالث : أن تتلف بعد مضي شيء من المدة فإن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة دون ما مضى ويكون للمؤجر من الأجر بقدر ما استوفى من المنفعة قال أحمد في رواية إبراهيم بن الحارث : إذا اكترى بعيرا بعينه فنفق البعير يعطيه بحساب ما ركب وذلك لما ذكرنا من أن المعقود عليه المنافع وقد تلف بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيما تلف دون ما قبض كما لو اشترى صبرتين فقبض إحداهما وتلفت الأخرى قبل قبضها ثم ننظر فإن كان أجر المدة متساويا فعليه بقدر ما مضى إن كان قد مضى النصف فعليه نصف الأجر وإن كان قد مضى الثلث فعليه الثلث كما يقسم الثمن على المبيع المتساوي وإن كان مختلفا كدار أجرها في الشتاء أكثر من أجرها في الصيف وأرض أجرها في الصيف أكثر من الشتاء أو دار لها موسم كدور مكة رجع في تقويمه إلى أهل الخبرة ويقسط الأجر المسمى على حسب قيمة المنفعة كقسمة الثمن على الأعيان المختلفة في البيع وكذلك لو كان الأجر على قطع مسافة كبعير استأجره على حمل شيء إلى مكان معين وكانت متساوية الأجزاء أو مختلفة وهذا ظاهر مذهب الشافعي

فصول : أحكام الحيلولة بين المستأجر وبين العين المؤجرة ومنها الغصب
فصل : القسم الثاني أن يحدث على العين ما يمنع نفعها كدار انهدمت وأرض غرقت أو انقطع ماؤها فهذه ينظر فيها فإن لم يبق فيها نفع أصلا فهي كالتالفة سواء وإن بقي فيها نفع غير ما استأجرها له مثل أن يمكن الانتفاع بعرصة الدار والأرض لوضع حطب فيها أو نصب خيمة في الأرض التي استأجرها للزرع أو صيد السمك من الأرض التي غرقت انفسخت الإجارة أيضا لأن المنفعة التي وقع عليها العقد تلفت فانفسخت الإجارة كما لو استأجر دابة ليركبها فزمنت بحيث لا تصلح إلا لتدور في الوحي وقال القاضي : في الأرض التي ينقطع ماؤها لا تنفسخ الإجارة فيها وهو منصوص الشافعي لأن المنفعة لم تبطل جملة لأنه يمكن الانتفاع بعرصة الأرض بنصب خيمة أو جمع حطب فيها فأشبه ما لو نقص نفعها مع بقائه فعلى هذا يخير المستأجر بين الفسخ والإمضاء فإن فسخ فحكمه حكم العبد إذا مات وإن اختار إمضاء العقد فعليه جميع الأجر لأن ذلك عيب فإذا رضي به سقط حكمه فإن لم يختر الفسخ ولا الإمضاء إما لجهله بأن له الفسخ أو لغير ذلك فله الفسخ بعد ذلك والأول أصح لأن بقاء غير المعقود عليه لا يمنع انفساخ العقد بتلف المعقود عليه كما في البيع ولو كان النفع الباقي في الأعيان مما لا يباح استيفاؤه بالعقد كدابة استأجرها للركوب فصارت لا تصلح إلا للحمل أو بالعكس انفسخ العقد وجها واحدا لأن المنفعة الباقية لا يملك استيفاءها مع سلامتها فلا يملكها مع تعيبها كبيعها وأما إن أمكن الانتفاع بالعين فيما اكتراها له على نعت من القصور مثل أن يمكنه زرع الأرض بغير ماء أو كان الماء ينحسر عن الأرض التي غرقت على وجه يمنع بعض الزراعة أو يسوء الزرع أو كان يمكنه سكنى ساحة الدار إما في خيمة أو غيرها لم تنفسخ الإجارة لأن المنفعة المعقود عليها لم تزل بالكلية فأشبه ما لو تعيبت وللمستأجر خيار الفسخ على ما ذكرنا إلا في الدار إذا انهدمت فإن فيها وجهين : أحدهما : لا تنفسخ الإجارة والثاني : تنفسخ لأنه زال اسمها بهدمها وذهبت المنفعة التي تقصد منها ولذلك لا يستأجر أحد عرصة دار ليسكنها فأما إن كان الحادث في العين لا يضرها كغرق الأرض بماء ينحسر في قرب من الزمان لا يمنع الزرع ولا يضره وانقطاع الماء عنها إذا ساق المؤجر إليها ماء من مكان آخر أو كان انقطاعه في زمن لا يحتاج إليه فيه فليس للمستأجر الفسخ لأن هذا ليس بعيب وإن حدث الغرق المضر أو انقطاع الماء أو انهدم بعض العين المستأجرة فلذلك البعض حكم نفسخ في الفسخ أو ثبوت الخيار وللمكتري الخيار في تبقية العين لأن الصفقة تبعضت عليه فإن اختار الإمساك أمسك بالحصة من الأجر كما إذا تلف أحد القفيزين من الطعام في يد البائع
فصل : القسم الثالث أن تغضب العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ لأن فيه تأخير حقه فإن فسخ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين سواء وإن لم يفسخ حتى انقضت مدة الإجارة فله الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجر المثل لأن المعقود عليه لم يفت مطلقا بل إلى بدل وهو القيمة فأشبه ما لو أتلف الثمرة المبيعة آدمي قبل قطعها ويتخرج انفساخ العقد بكل حال على الرواية التي تقول إن منافع الغصب لا تضمن وهو قول أصحاب الرأي ولأصحاب الشافعي في ذلك اختلاف وإن زادت العين في أثناء المدة ولم يكن فسخ استوفى ما بقي منها ويكون فيما مضى من المدة مخيرا كما ذكرنا وإن كانت الإجارة على عمل كخياطة ثوب أو حمل شيء إلى موضع معين فغصب جمله الذي يحمل عليه وعبده الذي يخيط له لم ينفسخ العقد وللمستأجر مطالبة الأجير بعوض المغصوب وإقامة من يعمل العمل لأن العقد على ما في الذمة كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فرده فإن تعذر البدل ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ أو الصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفى منها
فصل : ( القسم الرابع ) أن يتعذر استيفاء المنفعة من العين بفعل صدر منها مثل أن يأبق العبد أو تشرد الدابة وقد ذكرنا حكم ذلك فيما قبل هذا
فصل : ( القسم الخامس ) أن يحدث خوف عام يمنع من سكنى ذلك المكان الذي فيه العين المستأجرة أو تحصر البلد فيمتنع الخروج إلى الأرض المستأجرة للزرع ونحو ذلك فهذا يثبت للمستأجر خيار الفسخ لأنه أمر غالب يمنع المستأجر استيفاء المنفعة فأثبت الخيار كغصب العين ولو استأجر دابة ليركبها أو يحمل عليها إلى مكان معين فانقطعت الطريق إليه لخوف حادث أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق فلكل واحد منهما فسخ الإجارة وإن أحب إبقاءها إلى حين إمكان استيفاء المنفعة جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما فأما إن كان الخوف خاصا بالمستأجر مثل أن يخاف وحده لقرب أعدائه من الموضع المستأجر أو حلولهم في طريقه لم يملك الفسخ لأنه عذر يختص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية فأشبه مرضه وكذلك لو حبس أو مرض أو ضاعت نفقته أو تلف متاعه لم يملك فسخ الإجارة لذلك لأنه ترك استيفاء المنافع لمعنى من جهته فلم يمنع ذلك وجوب أجرها عليه كما لو تركها اختيارا

فصل : الاطلاع على عيب في العين المؤجرة
فصل : وإذا اكترى عينا فوجد بها عيبا لم يكن علم به فله فسخ العقد بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر : إذا اكترى دابة بعينها فوجدها جموحا أو عضوضا أو نفورا أو بها عيب غير ذلك مما يفسد ركوبها فللمكتري الخيار إن شاء ردها وفسخ الإجارة وإن شاء أخذها وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي ولأنه عيب في المعقود عليه فأثبت الخيار كالعيب في بيوع الأعيان والعيب الذي يرد به ما تنقص به قيمة المنفعة كتعثر الظهر في المشي والعرج الذي يتأخر به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها جموحة أو عضوضة أو أشباه ذلك وفي المكتري للخدمة ضعف البصر والجنون والجذام والبرص وفي الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها وانقطاع الماء من بئرها أو تغيره بحيث يمتنع الشرب والوضوء وأشباه ذلك من النقائص ومتى حدث شيء من هذه العيوب بعد العقد ثبت للمكتري خيار الفسخ لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا شيئا فشيئا فإذا حدث العيب فقد وجد مثل قبض الباقي من المعقود عليه فأثبت الفسخ فيما بقي منها ومتى فسخ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين وإن رضي المقام ولم يفسخ لزمه جميع العوض لأنه رضي به ناقصا فأشبه ما لو رضي بالمبيع معيبا وإن اختلفا في الموجود هل هو عيب أو لا ؟ رجع فيه إلى أهل الخبرة فإن قالوا ليس بعيب مثل أن تكون الدابة خشنة المشي أو أنها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيرا فليس له فسخ وإن قالوا هو عيب فله الفسخ هذا إذا كان العقد يتعلق بعينها فأما إن كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد وعلى المكري إبدالها لأن العقد لم يتعلق بعينها أشبه المسلم فيه إذا سلمه على غير صفته فإن عجز عن إبدالها أو امتنع منه ولم يمكن إجباره عليه فللمكتري الفسخ أيضا

فصول : في ما يجب على المؤجر فعله لأجل تمكين المستأجر من الانتفاع
فصل : وعلى المكري ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم مفاتيح الدار والحمام لأن عليه التمكين من الانتفاع وتسليم مفاتيحها تمكين من الانتفاع فوجب عليه فإن ضاعت بغير تفريط من المكتري فعلى المكري بدلها لأنها أمانة في يد المكتري فأشبه ذلك حيطان الدار وأبوابها وعليه بناء حائط إن سقط وإبدال خشبه إن انكسر وعليه تبليط الحمام وعمل الأبواب والبزل ومجرى الماء لأن بذلك يتمكن من الانتفاع وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبكرة فعلى المكتري وأما التحسين والتزويق فلا يلزم واحدا منهما لأن الانتفاع ممكن بدونه وأما تنقية البالوعة والكنف فإن احتيج إلى ذلك عند الكراء فعلى المكري لأن ذلك مما يتمكن به من الانتفاع وإن امتلأت بفعل المكتري فعليه تفريغها وهذا قول الشافعي وقال أبو ثور : هو على رب الدار لأن به يتمكن من الانتفاع فأشبه ما لو اكترى وهي ملأى وقال أبو حنيفة : القياس أنه على المكتري والاستحسان أنه على رب الدار لأن عادة الناس ذلك
ولنا أن ذلك حصل بفعل المكتري فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا والقول في تفريغ جية الحمام التي هي مصرف الماء كالقول في بالوعة الدار وإن انقضت الإجارة وفي الدار زبل أو قمامة من فعل الساكن فعليه نقله وهذا قول الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي
فصل : وإن شرط على مكتري الحمام أو غيره أن مدة تعطيله عليه لم يجز لأنه لا يجوز أن يؤجر مدة لا يمكن الانتفاع في بعضها ولا يجوز أن يشترط أنه يستوفي بقدرها بعد انقضاء مدته لأنه يؤدي إلى أن يكون انتهاء مدة الإجارة مجهولا فإن أطلق وتعطل فهو عيب حادث والمكتري بالخيار بين الإمساك بكل الأجر وبين الفسخ ويتخرج أن له أرش العيب قياسا على المبيع المعيب وإن لم يعلم بالعيب حتى انقضت مدة الإجارة فعليه الأجر كله لأنه استوفى المعقود عليه فأشبه ما لو علم العيب بعد العقد فرضيه ويتخرج أن له أرش العيب كما لو اشترى معيبا فلم يعلم عيبه حتى أكله أو تلف في يده
فصل : وإن شرط الإنفاق على العين النفقة الواجبة على المكري كعمارة الحمام إذا شرطها على المكتري فالشرط فاسد لأن العين ملك للمؤجر فنفقتها عليه وإذا أنفق بناء على هذا احتسب به على المكري لأنه أنفقه على ملكه بشرط العوض فإن اختلفا في قدر ما أنفق فالقول قول المكري لأنه منكر فإن لم يشترط لكن أذن له في الإنفاق ليحتسب له من الأجر ففعل ثم اختلفا فالقول قول المكري أيضا وإن أنفق من غير إذنه لم يرجع بشيء لأنه أنفق على ماله بغير إذنه نفقه غير واجبة على المالك فأشبه ما لو عمر دارا له أخرى

مسألة وفصول : أحكام استئجار الآدمي لعمل معين وأقسامه
مسألة : قال : ومن استؤجر لعمل شيء بعينه فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة على المريض
وجملة ذلك أنه يجوز استئجار الآدمي بغير خلاف بين أهل العلم وقد آجر موسى عليه السلام نفسه لرعاية الغنم واستأجر النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر رجلا ليدلهما على الطريق و [ ذكر النبي صلى الله عليه و سلم رجلا استأجر إجراء كل أجير بفرق من ذرة وقال : إنما مثلكم ومثل أهل الكتاب كمثل رجل استأجر أجراء فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ فعملت اليهود ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط ؟ فعملت النصارى ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ فعملتم أنتم فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا فقال : هل ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا : لا قال : فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء ] ولأنه يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه فجازت إجارته كالدور ثم إجارته تقع على ضربين أحدهما : استئجاره مدة بعينها لعمل بعينه كإجارة موسى عليه السلام نفسخ ثماني حجج واستئجار الأجراء المذكورين في الخبر والثاني : استئجاره على عمل معين في الذمة كاستئجار النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر دليلا يدلهما على الطريق واستئجار رجل لخياطة قميص أو بناء حائط ويتنوع ذلك نوعين أحدهما : أن تقع الإجارة على عين كإجارة عبده لرعاية غنمه أو ولده لعمل معين والثاني : أن تقع على عمل في الذمة كخياطة قميص وبناء حائط فمتى كانت على عمل في ذمته فمرض وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله لأنه حق وجب في ذمته فوجب عليه إيفاؤه كالمسلم فيه ولا يجب على المستأجر إنظاره لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل وفي التأخير إضرار به فأما إن كانت الإجارة على عبده في مدة أو غيرها فمرض لم يقم غيره مقامه لأن الإجارة وقعت على عمله بعينه لا على شيء في ذمته وعمل غيره ليس معقودا عليه وإنما وقع العقد على معين فأشبه ما لو اشترى معينا لم يجز أن يدفع إليه غيره ولا يبدله بخلاف ما لو وقع في الذمة فإنه يجوز إبدال المعيب ولا ينفسخ العقد بتلف ما تسلمه والمبيع المعين بخلافه فكذلك الإجارة وإن كانت الإجارة على عمل في الذمة لكنه لا يقوم غير الأجير مقامه كالنسخ فإنه يختلف القصد فيه باختلاف الخطوط لم يكلف إقامة غيره مقامه ولا يلزم المستأجر قبول ذلك إن بذله الأجير لأن الغرض لا يحصل من غير الناسخ كحصوله منه فأشبه ما لو أسلم إليه في نوع فسلم إليه غيره وهكذا كل ما يختلف باختلاف الأعيان
فصل : يجوز الاستئجار لحفر الآبار والأنهار والقني لأنها منفعة معلومة يجوز أن يتطوع بها الرجل على غيره فجاز عقد الإجارة عليه كالخدمة ولا بد من تقدير العمل بمدة أو عمل معين فإن قيده بمدة نحو أن يقول استأجرتك شهرا لتحفر لي بئرا أو نهرا لم يحتج إلى معرفة القدر وعليه أن يحفر ذلك الشهر قليلا حفر أو كثيرا ويحتاج إلى معرفة الأرض التي يحفر فيها وقال بعض أصحابنا : لا يحتاج إلى معرفتها لأن الغرض لا يختلف بذلك والأول أولى إن شاء الله لأن الأرض قد تكون صلبة فيكون الحفر عليه شاقا وقد تكون سهلة فيسهل ذلك عليه وإن قدره بالعمل فلا بد من معرفة الموضع بالمشاهدة لأن المواضع تختلف بالسهولة والصلابة ولا ينضبط ذلك بالصفة ويعرف دور البئر وعمقها وطول النهر وعمقه وعرضه لأن العمل يختلف بذلك فإذا حفر بئرا فعليه شيل التراب لأنه لا يمكنه الحفر إلا بذلك فقد تضمنه العقد فإن تهور تراب من جانبيها أو سقطت فيه بهيمة أو نحو ذلك لم يلزمه شيله وكان على صاحب البئر لأنه سقط فيها من ملكه ولم يتضمن عقد الإجارة رفعه وإن وصل إلى صخرة أو جماد يمنع الحفر لم يلزمه حفره لأن ذلك مخالف لما شاهده من الأرض وإنما اعتبرت مشاهدة الأرض لأنها تختلف فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له الخيار في الفسخ فإذا فسخ كان له من الأجر بحصة ما عمل فيقسط الأجر على ما بقي وما عمل فيقال كم أجر ما عمل ؟ وكم أجر ما بقي ؟ ويقسط الأجر المسمى عليهما ولا يجوز تقسيطه على عدد الأذرع لأن أعلى البئر يسهل نقل التراب منه وأسفله يشق ذلك فيه وإن نبع ما يمنعه من الحفر فهو بمنزلة الصخرة على ما ذكرنا
فصل : ويجوز الاستئجار لضرب اللبن لما ذكرنا ويكون على مدة أو عمل فإن قدره بالعمل احتاج إلى تبيين عدده وذكر قالبه وموضع الضرب لأن الأجر يختلف باختلافه لكون التراب في بعض الأماكن أسهل والماء أقرب فإن كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز كما إذا كان المكيال معروفا وإن قدره بالطول والعرض والسمك جاز ولا يكتفي بمشاهدة قالب الضرب إذا لم يكن معروفا لأن فيه غررا وقد يتلف القالب ولا يصح كما لو أسلم في مكيال بعينه
فصل : ويجوز الاستئجار للبناء وتقديره بالزمان أو العمل فإن قدره بالعمل فلا بد من معرفة موضعه لأنه يختلف أيضا بقرب الماء وسهولة التراب ولا بد من ذكر طوله وعرضه وسمكه وآلة البناء من لبن وطين أو حجر وطين أو شيد وآجر أو غير ذلك قال ابن أبي موسى : وإذا استأجره لبناء ألف لبنة في حائطه أو استأجره يبني له فيه يوما فعمل ما استأجره عليه ثم سقط الحائط فله أجره لأنه وفى العمل وإن قال ارفع لي هذا الحائط عشرة أذرع فرفع بعضه ثم سقط فعليه إعادة ما سقط وإتمام ما وقعت عليه الإجارة من الزرع وهذا إذا لم يكن سقوطه في الأول لأمر من جهة العامل فأما إن فرط أو بناه محلولا أو نحو ذلك فسقط عليه إعادته وغرامة ما تلف منه
فصل : ويجوز الاستئجار لتطيين السطوح والحيطان وتجصيصها ولا يجوز على عمل معين لأن الطين يختلف فمنه رقيق وثخين وأرض السطح تختلف فمنها العالي ومنها النازل وكذلك الحيطان فلذلك لم يجز إلا على مدة
فصل : ويجوز استئجار ناسخ لينسخ له كتب فقه أو حديث أو شعرا مباحا أو سجلات نص عليه في رواية مثنى بن جامع وسأله عن كتابة الحديث بالأجر فلم ير به بأسا ولا بد من التقدير بالمدة أو العمل فإن قدره بالعمل ذكر عدد الأوراق وقدرها وعدد السطور في كل ورقة وقدر الحواشي ودقة القلم وغلظه فإن عرف الخط بالمشاهدة جاز وإن أمكن ضبطه بالصفة ضبطه وإلا فلا بد من مشاهدته لأن الأجر يختلف باختلافه ويجوز تقدير الأجر بأجزاء الفرع ويجوز بأجزاء الأصل المنسوخ منه وإن قاطعه على نسخ الأصل بأجر واحد جاز وإذا أخطأ بالشيء اليسير الذي جرت العادة به عفي عنه لأن ذلك لا يمكن التحرز منه وإن أسرف في الغلط بحيث يخرج عن العادة فهو عيب يرد به قال ابن عقيل : وليس له محادثة غيره حالة النسخ ولا التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه ولا لغيره تحديثه وشغله وكذلك كل الأعمال التي تختل بشغل السر والقلب كالقصارة والنساجة ونحوهما
فصل : ويجوز أن يستأجر من يكتب له مصحفا في قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن جابر بن زيد ومالك بن دينار وبه قال أبو حنيفة و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر وقال ابن سيرين : لا بأس أن يستأجر الرجل شهرا ثم يستكتبه مصحفا وكره علقمة كتابة المصحف بالأجر ولعله يرى أن ذلك مما يختص فاعله بكونه من أهل القربة فكره الأجر عليه كالصلاة ولنا أنه فعل مباح يجوز أن ينوب فيه الغير عن الغير فجاز أخذ الأجر عليه ككتابة الحديث وقد جاء في الخبر أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله
فصل : ويجوز أن يستأجر لحصاد زرعه ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم وكان إبراهيم بن أدهم يؤجر نفسه لحصاد الزرع ويجوز أن يقدره بمدة وبعمل معين مثل أن يقاطعه على حصاد زرع معين ويجوز أن يستأجر رجلا لسقي زرعه وتنقيته ودياسه ونقله إلى موضع معين ويجوز أن يستأجر رجلا ليحتطب له لأنه عمل مباح تدخله النيابة أشبه حصاد الزرع قال أحمد في رجل استأجر أجيرا على أن يحتطب له على حمارين كل يوم فكان الرجل ينقل عليهما وعلى حمير لرجل آخر ويأخذ منه الأجرة فإن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة فظاهر هذا أن المستأجر يرجع على الأجير بقيمة ما استضر باشتغاله عن عمله لأنه قال : إن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة فاعتبر الضرر وظاهر هذا أنه إذا لم يستضر لا يرجع بشيء لأنه اكتراه لعمل فوفاه على التمام فلم يلزمه شيء كما لو استأجره لعمل فكان يقرأ القرآن في حال عمله فإن ضر المستأجر يرجع عليه بقيمة ما فوت عليه ويحتمل أنه أراد أنه يرجع عليه بقيمة ما عمله لغيره لأنه صرف منافعه المعقود عليها إلى عمل غير المستأجر فكان عليه قيمتها كما لو عمل لنفسه وقال القاضي : معناه أنه يرجع عليه بالأجر الذي أخذه من الآخر لأن منافعه في هذه المدة مملوكة لغيره فما حصل في مقابلتها يكون للذي استأجره
فصل : ويجوز الاستئجار لاستيفاء القصاص في النفس فما دونها وبه قال مالك و الشافعي و أبو ثور وقال أبو حنيفة : لا يجوز في النفس لأن عدد الضربات تختلف وموضع الضربات غير متعين إذ يمكن أن يضرب من ما يلي الرأس ومن ما يلي الكتف فكان مجهولا
ولنا أنه حق يجوز التوكيل في استيفائه لا يختص فاعله بكونه من أهل القربة فجاز الاستئجار عليه كالقصاص في الطرف وقوله أن عدد الضربات يختلف وهو مجهول يبطل بخياطة الثوب فإن عدد الغرزات مجهول وقوله إن محله غير متعين قلنا هو متقارب فلا يمنع ذلك صحته كموضع الخياطة من حاشية الثوب والأجر على المقتص منه وبهذا قال الشافعي و أبو ثور وقال أبو حنيفة و مالك : هو على المستوفي لأنه غير متعين فليس على المقتص منه إلا التمكين كما لو اشترى ثمرة نخله
ولنا أنه أجر يجب لإيفاء حق فكان على الموفي كأجر الكيال والوزان وما ذكروه غير صحيح فإن القطع مستحق عليه بخلاف الثمرة بدليل أنه لو مكنه من القطع فلم يقطع وقطعه آخر لم يسقط حق صاحب القصاص ولو كان التمكين تسليما لسقط حقه كالثمرة
فصل : ويجوز استئجار رجل ليدله على طريق فإن النبي صلى الله عليه و سلم وأبا بكر استأجرا عبد الله بن أريقط هاديا خريتا وهو الماهر بالهداية ليدلهما على طريق المدينة ويجوز استئجار كيال ووزان لعمل معلوم أو في مدة معلومة وبهذا قال مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا وقد روي في حديث سويد بن قيس [ أتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم فاشترى منا رجل سراويل وثم رجل يزن بأجر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم زن وأرجح ] رواه أبو داود ويجوز استئجار رجل ليلازم غريما يستحق ملازمته وسئل أحمد عن ذلك فقال : لا بأس قد شغله وقال في موضع آخر : غير هذا أعجب إلي كرهه لأنه يؤول إلى الخصومة وفيه تضييق على مسلم ولا يأمن أن يكون ظالما فيساعده على ظلمه لكنه جائز في الجملة لأن الظاهر أنه محق فإن الظاهر أن الحاكم لا يحكم إلا بحق ولهذا أجزنا للموكل فعله
فصل : ويجوز أن يستأجر سمسارا يشتري له ثيابا ورخص في ابن سيرين و عطاء و النخعي وكرهه الثوري و حماد
ولنا أنها منفعة مباحة تجوز النيابة فيها فجاز الاستئجار عليها كالبناء ويجوز على مدة معلومة مثل أن يستأجره عشرة أيام يشتري له فيها لأن المدة معلومة والعمل معلوم أشبه الخياط والقصار فإن عين العمل دون الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا معلوما صح أيضا وإن قال كلما اشتريت ثوبا فلك درهم أجرا وكانت الثياب معلومة بصفة أو مقدرة بثمن جاز وإن لم يكن كذلك فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز لأن الثياب تختلف باختلاف أثمانها والأجر يختلف باختلافها فإن اشترى فله أجر مثله وهذا قول أبي ثور و ابن المنذر لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له فكان له أجر المثل كسائر الإجارات الفاسدة
فصل : وإن استأجره ليبيع له ثيابا بعينها صح وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يصح لأن ذلك يتعذر عليه فأشبه ضراب الفحل وحمل الحجر الكبير
ولنا أنه عمل مباح تجوز النيابة فيه وهو معلوم فجاز الاستئجار عليه كشراء الثياب ولأنه يجوز عقد الإجارة عليه مقدرا بزمن فجاز مقدرا بالعمل كالخياطة وقولهم إنه غير ممكن لا يصح فإن الثياب لا تنفك عن راغب فيها ولذلك صحت المضاربة ولا تكون إلا بالبيع والشراء بخلاف ما قاسوا عليه فإنه متعذر وإن استأجره على شراء ثياب معينة احتمل أن لا يصح لأن ذلك لا يكون إلا من واحد وقد لا يبيع فيتعذر تحصيل العمل بحكم الظاهر بخلاف البيع وإن استأجره في البيع لرجل بعينه فهو كما لو استأجره لشراء ثياب بعينها ويحتمل أن يصح لأنه ممكن في الجملة فإن حصل من ذلك شيء استحق الأجر وإلا بطلت الإجارة كما لو لم يعين البائع ولا المشتري
فصل : ويجوز أن يستأجر لخدمته من يخدمه كل شهر بشيء معلوم وسواء كان الأجير رجلا أو امرأة حرا أو عبدا وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي و أبو ثور لأنه تجوز النيابة فيه ولا يختص عامله بكونه من أهل القربة قال أحمد : أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمعة ولا يشترط ذلك قيل له : فيتطوع بالركعتين ؟ قال : ما لم يضر بصاحبه إنما أباح له ذلك لأن أوقات الصلاة مستثناة من الخدمة ولهذا وقعت مستثناة في حق المعتكف بترك معتكفه لها وقال ابن المبارك : لا بأس أن يصلي الأجير ركعات السنة وقال أبو ثور و ابن المنذر : ليس له منعه منها وقال أحمد : يجوز للرجل أن يستأجر الأمة والحرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر ليست الأمة مثل الحرة ولا يخلو معها في بيت ولا ينظر إليها متجردة ولا إلى شعرها إنما قال ذلك لأن حكم النظر بعد الإجارة كحكمه قبلها وفرق بين الأمة والحرة لأنهما يختلفان قبل الإجارة فكذلك بعدها

مسألة وفصول : قال : وإذا مات المكري والمكتري أو أحدهما فالإجارة بحالها
مسألة : قال : وإذا مات المكري والمكتري أو أحدهما فالإجارة بحالها :
هذا قول مالك و الشافعي و إسحاق و البتي و أبي ثور و ابن المنذر وقال الثوري وأصحاب الرأي و الليث : تنفسخ الإجارة بموت أحدهما لأن استيفاء المنفعة يتعذر بالموت لأنه استحق بالعقد استيفاءها على ملك المؤجر فإذا مات زال ملكه عن العين فانتقلت إلى ورثته فالمنافع تحدث على ملك الوارث فلا يستحق المستأجر استيفاءها لأنه ما عقد مع الوارث وإذا مات المستأجر لم يكن إيجاب الأجر في تركته
ولنا أنه عقد لازم فلا ينفسخ بموت العاقد مع سلامة المعقود عليه كما لو زوج أمته ثم مات وما ذكروه لا يصح فإنا قد ذكرنا أن المستأجر قد ملك المنافع وملكت عليه الأجرة كاملة في وقت العقد ثم يلزمهم ما لو زوج أمته ثم مات ولو صح ما ذكروه لكن وجوب الأجر ههنا بسبب من المستأجر فوجب في تركته بعد موته كما لو حفر بئرا فوقع فيها شيء بعد موته ضمنه في ماله لأن سبب ذلك كان منه في حال الحياة كذا ههنا
فصل : وإن مات المكتري ولم يكن له وارث يقوم مقامه في استيفاء المنفعة أو كان غائبا كمن يموت في طريق مكة ويخلف جمله الذي اكتراه وليس له عليه شيء يحمله ولا وارث له حاضر يقوم مقامه فظاهر كلام أحمد أن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة لأنه قد جاء أمر غالب يمنع المستأجر عن منفعة العين فأشبه ما لو غصبت ولأن بقاء العقد ضرر في حق المكتري والمكري لأن المكتري يجب عليه الكراء من غير نفع والمكري يمتنع عليه التصرف في ماله مع ظهور امتناع الكراء عليه وقد نقل عن أحمد في رجل اكترى بعيرا فمات المكتري في بعض الطريق فإن رجع البعير خاليا فعليه بقدر ما وجب له وإن كان عليه ثقله ووطاؤه فله الكراء إلى الموضع وظاهر هذا أنه حكم بفسخ العقد فيما بقي من المدة إذا مات المستأجر ولم يبق به انتفاع لأنه تعذر استيفاء المنفعة بأمر من الله تعالى فأشبه ما لو اكترى من يقلع له ضرسه فبرأ أو انقلع قبل قلعه أو اكترى كحالا ليكحل عينيه فبرأت أو ذهبت ويجب أن يقدر أنه لم يكن ثم من ورثته من يقوم مقامه في الانتفاع لأن الوارث يقوم مقام الموروث وتأولها القاضي على أن المكري قبض البعير ومنع الورثة الانتفاع ولولا ذلك لما انفسخ العقد لأنه لا ينفسخ بعذر في المستأجر مع سلامة المعقود عليه كما لو حبس مستأجر الدار ومنع من سكناها ولا يصح هذا لأنه لو منع الوارث الانتفاع لما استحق شيئا من الأجر ويفارق هذا ما لو حبس المستأجر لأن المعقود عليه انتفاعه وهذا لا يؤيس منه بالحبس فإنه في كل وقت يمكن خروجه من الحبس وانتفاعه ويمكن أن يستنيب من يستوفي المنفعة إما بأجر أو غيره بخلاف الميت فإنه قد فات انتفاعه بنفسه ونائبه فأشبه ما ذكرنا من الصور
فصل : إذا أجر الموقوف عليه الوقف مدة فمات في أثنائها وانتقل إلى من بعده ففيه وجهان : أحدهما : لا تنفسخ الإجارة لأنه أجر ملكه في زمن ولايته فلم يبطل بموته كما لو أجر ملكه الطلق والثاني : تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدة لأنا تبينا أنه أجر ملكه وملك غيره فصح في ملكه دون ملك غيره كما لو أجر دارين أحدهما له والأخرى لغيره وذلك لأن المنافع بعد الموت حق لغيره فلا ينفذ عقده عليها من غير ملك ولا ولاية بخلاف الطلق فإن المالك يملك من جهة الموروث فلا يملك إلا ما خلفه وما تصرف فيه في حياته لا ينتقل إلى الوارث والمنافع التي أجرها قد خرجت عن ملكه بالإجارة فلا تنتقل إلى الوارث والبطن الثاني في الوقف يملكون من جهة الواقف فما حدث فيها بعد البطن الأول كان ملكا لهم فقد صادف تصرف المؤجر في ملكهم من غير إذنهم ولا ولاية له عليهم فلم يصح ويتخرج أن تبطل الإجارة كلها بناء على تفريق الصفقة وهذا التفصيل مذهب الشافعي فعلى هذا إن كان المؤجر قبض الأجر كله وقلنا تنفسخ الإجارة فلمن انتقل إليه الوقف أخذه ويرجع المستأجر على ورثة المؤجر بحصة الباقي من الأجر وإن قلنا لا تنفسخ رجع من انتقل إليه الوقف على التركة بحصته

فصلان : إجارة الصبي أو ما له وإجارة العبد
فصل : وإن أجر الولي الصبي أو ماله مدة فبلغ في أثنائها فقال أبو الخطاب : ليس له فسخ الإجارة لأنه عقد لازم عقده بحق الولاية فلم يبطل بالبلوغ كما لو باع داره أو زوجه ويحتمل أن تبطل الإجارة فيما بعد زوال الولاية على ما ذكرنا في إجارة الوقف ويحتمل أن يفرق بين ما إذا أجره مدة يتحقق بلوغه في أثنائها - مثل أن أجره عامين وهو ابن أربع عشرة فتبطل في السادس عشر لأننا نتيقن أنه أجره فيها بعد بلوغه وهل تصح في الخامس عشر ؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة - وبين ما إذا لم يتحقق بلوغه في أثنائها كالذي أجره في الخامس عشر وحده فبلغ في أثنائه فيكون فيه ما قد ذكرنا في صدر الفصل لأننا لو قلنا يلزم الصبي بعقد الولي مدة يتحقق بلوغه فيها أفضى إلى أن يعقد على جميع منافعه طول عمره وإلى أن يتصرف فيه في غير زمن ولايته عليه ولا يشبه النكاح لأنه لا يمكن تقدير مدته فإنه إنما يعقد للأبد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إذا بلغ الصبي فله الخيار لأنه عقد على منافعه في حال لا يملك التصرف في نفسه فإذا ملك ثبت له الخيار كالأمة إذا عتقت تحت زوج
ولنا أنه عقد لازم عقد عليه قبل أن يملك التصرف فإذا ملكه لم يثبت له الخيار كالأب إذا زوج ولده وما قاسوا عليه إنما يثبت لها الخيار إذا عتقت تحت عبد لأجل العيب لا لما ذكره ولهذا لو عتقت تحت حر لم يثبت لها الخيار وإن مات الولي المؤجر للصبي أو ماله أو عزل وانتقلت الولاية إلى غيره لم يبطل عقده لأنه تصرف وهو من أهل التصرف في محل ولايته فلم يبطل تصرفه بموته أو عزله كما لو مات ناظر الوقف أو عزل أو مات الحاكم بعد تصرفه فيما له النظر فيه ويفارق ما لو أجر الموقوف عليه الوقف مدة ثم مات في أثنائها لأنه أجر ملك غيره بغير إذنه في مدة لا ولاية له فيها وههنا إنما يثبت للولي الثاني الولاية في التصرف فيما لم يتصرف فيه الأول وهذا العقد قد تصرف فيه الأول فلم تثبت للثاني ولاية على ما تناوله
فصل : وإن أجر عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها صح العتق ولم يبطل عقد الإجارة في قياس المذهب ولا يرجع العبد على مولاه بشيء وهذا جديد قولي الشافعي وقال في القديم يرجع على مولاه بأجر المثل لأن المنافع تستوفى منه بسبب كان من جهة السيد فرجع به عليه كما لو أكرهه بعد عتقه على ذلك العمل
ولنا أنها منفعة استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببدلها كما لو زوج أمته ثم أعتقها بعد دخول الزوج بها فإن ما يستوفيه السيد لا يرجع به عليه ويخالف المكره فإنه تعدى بذلك وقال أبو حنيفة : للعبد الخيار في الفسخ أو الإمضاء كالصبي إذا بلغ للمعنى الذي ذكره ثم ولنا أنه عقد لازم عقده على ما يملكه فلا ينفسخ بالعتق ولا يزول ملكه عنه كما لو زوج أمته ثم باعها إذا ثبت هذا فإن نفقة العبد إن كانت مشروطة على المستأجر فهي عليه كما كانت وإن لم تكن مشروطة عليه فهي على معتقه لأنه كالباقي على ملكه بدليل أنه يملك عوض نفعه ولأن العبد لا يقدر على نفقة نفسه لأنه مشغول بالإجارة ولا على المستأجر لأنه استحق منفعته بعوض غير نفقته لم يبق إلا أنها على المولى

فصلان : حكم شراء المستأجر للعين المؤجرة أو ميراثه لها
فصل : إذا أجر عينا ثم باعها صح البيع نص عليه أحمد سواء باعها للمستأجر أو لغيره وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر إن باعها لغير المستأجر لم يصح البيع لأن يد المستأجر حائلة تمنع التسليم إلى المشتري فمنعت الصحة كما في بيع المغصوب
ولنا أن الإجارة عقد على المنافع فلم تمنع الصحة كما لو زوج أمته ثم باعها وقولهم يد المستأجر حائلة دون التسليم لا يصح لأن يد المستأجر إنما هي على المنافع والبيع على الرقبة فلا يمنع ثبوت اليد على أحدهما تسليم الآخر كما لو باع الأمة المزوجة ولئن منعت التسليم في الحال فلا تمنع في الوقت الذي يجب التسليم فيه وهو عند انقضاء الإجارة ويكفي القدرة على التسليم حينئذ كالمسلم فيه وقال أبو حنيفة : البيع موقوف على إجازة المستأجر فإن أجازه جاز وبطلت الإجارة وإن رده بطل
ولنا أن البيع على غير المعقود عليه في الإجارة فلم تعتبر إجارته كبيع الأمة المزوجة إذا ثبت هذا فإن المشتري يملك المبيع مسلوب المنفعة إلى حين انقضاء الإجارة ولا يستحق تسليم العين إلا حينئذ لأن تسليم العين إنما يراد لاستيفاء نفعها ونفعها إنما يستحقه إذا انقضت الإجارة فيصير هذا بمنزلة من اشترى عينا في مكان بعيد فإنه لا يستحق تسليمها إلا بعد مضي مدة يمكن إحضارها فيها كالمسلم إلى وقت لا يستحق تسلم المسلم فيه إلا في وقته فإن لم يعلم المشتري بالإجارة فله الخيار بين الفسخ وإمضاء البيع بكل الثمن لأن ذلك عيب ونقص
فصل : فإن اشتراها المستأجر صح البيع أيضا لأنه يصح بيعها لغيره فله أولى لأن العين في يده وهل تبطل الإجارة ؟ فيه وجهان أحدهما : لا تبطل لأنه تملك المنفعة بعقد ثم ملك الرقبة المسلوبة بعقد آخر فلم يتنافيا كما يملك الثمرة بعقد ثم يملك الأصل بعقد آخر ولو أجر الموصي له بالمنفعة مالك الرقبة صحت الإجارة فدل على أن ملك المنفعة لا ينافي العقد على الرقبة وكذلك لو استأجر المالك العين المستأجرة من مستأجرها جاز فعلى هذا يكون الأجر باقيا على المشتري وعليه الثمن ويجتمعان للبائع كما لو كان المشتري غيره والثاني : تبطل الإجارة فيما بقي من المدة لأنه عقد على منفعة العين فبطل ملك العاقد للعين كالنكاح فإنه لو تزوج أمة ثم اشتراها بطل نكاحه ولأن ملك الرقبة يمنع ابتداء الإجارة فمنع استدامتها كالنكاح فعلى هذا يسقط عن المشتري الأجر فيما بقي من مدة الإجارة كما لو بطلت الإجارة بتلف العين وإن كان المؤجر قد قبض الأجر كله حسب عليه باقي الأجر من الثمن
فصل : وإن ورث المستأجر العين المستأجرة فالحكم فيه كما لو اشتراها في بطلان الإجارة أو بقائها إلا أنه لا فرق في الحكم بين فسخ الإجارة وبقائها فلو استأجر إنسان من أبيه دارا ثم مات أبوه وخلف ابنين أحدهما هو المستأجر فإن الدار تكون بينهما نصفين والمستأجر أحق بها لأن النصف الذي لأخيه الإجارة باقية فيه والنصف الذي ورثه يستحقه إما بحكم الملك وإما بحكم الإجارة وما عليه من الأجر بينما نصفين وإن كان أبوه قد قبض الأجر لم يرجع بشيء منه على أخيه ولا تركة أبيه ويكون ما خلفه أبوه بينهما نصفين لأنه لو رجع بشيء أفضى إلى أن يكون قد ورث النصف بمنفعته وورث أخوه نصفا مسلوب المنفعة والله سبحانه قد سوى بينهما في الميراث ولأنه لو رجع بنصف أجر النصف الذي انقضت الإجارة فيه لوجب أن يرجع أخوه بنصف المنفعة التي انتقضت الإجارة فيها إذ لا يمكن أن يجمع له بين المنفعة وأخذ عوضها من غيره

فصلان : رد العين المؤجرة وانفساخ عقد الإجارة بسبب عيب أو تلف فيها
فصل : وإن اشترى المستأجر العين ثم وجدها معيبة فردها فإن قلنا لا تنفسخ الإجارة بالبيع فهي باقية بعد رد العين كما كانت قبل البيع وإن قلنا قد انفسخت فالحكم فيها كما لو انفسخت بتلف العين وإن كان المشتري أجنبيا فرد المستأجر الإجارة لعيب فينبغي أن تعود المنفعة إلى البائع لأنه يستحق عوضها على المستأجر فإذا سقط العوض عاد إليه المعوض ولأن المشتري ملك العين مسلوبة المنفعة مدة الإجارة فلا يرجع إليه ما لم يملكه وقال بعض أصحاب الشافعي : يرجع إلى المشتري لأن المنفعة تابعة للرقبة وإنما استحقت بعقد الإجارة فإذا زالت عادت إليه كما لو اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج ولا يصح هذا القياس فإن منفعة البضع قد استقر عوضها للبائع بمجرد دخول الزوج بها ولا ينقسم العوض على المدة ولهذا لا يرجع الزوج بشيء من الصداق فيما إذا انفسخ النكاح أو وقع الطلاق بخلاف الأجر في الإجارة فإن المؤجر يستحق الأجر في مقابلة المنفعة مقسوما على مدتها فإذا كان له عوض المنفعة المستقبلة فزال بالفسخ رجع إليه معوضها وهو المنفعة ولأن منفعة البضع لا يجوز أن تملك بغير ملك الرقبة أو النكاح فلو رجعت إلى البائع لملكت بغيرهما ولأنها مما لا يجوز للزوج نقلها إلى غيره ولا المعاوضة عنها ومنفعة البدن بخلافها
فصل : وإذا وقعت الإجارة على عين مثل أن يستأجر عبدا للخدمة أو لرعاية الغنم أو جملا للحمل أو للركوب فتلفت انفسخ العقد بتلفها وإن خرجت مستحقة تبينا أن العقد باطل وإن وجد بها عيبا فردها انفسخ العقد ولم يملك إبدالها لأن العقد على معين فثبتت هذه الأحكام كما لو اشترى عينا وإن وقعت على عين موصوفة في الذمة انعكست هذه الأحكام فمتى سلم إليه عينا فتلفت لم تنفسخ الإجارة ولزم المؤجر إبدالها وإن خرجت مغصوبة لم يبطل العقد ولزمه بدلها وإن وجد بها عيبا فردها فكذلك لأن المعقود عليه غير هذه العين وهذه بدل عنه فلم يؤثر تلفها ولا غصبها ولا ردها بعيب في إبطال العقد كما لو اشترى بثمن في الذمة على ما قرر في موضعه فإن قيل فقد قلتم من اكترى جملا ليركبه جاز أن يركبه من هو مثله ولو اكترى أرضا لزرع شيء بعينه جاز له زرع ما هو مثله أو دونه في الضرر فلم قلتم إذا اكترى جملا بعينه لا يجوز أن يبدله ؟ قلنا لأن المعقود عليه منفعة العين فلم يجز أن يدفع إليه غير المعقود عليه كما لو اشترى عينا لا يجوز أن يأخذ غيرها والراكب غير معقود عليه إنما هو مستوف للمنفعة وإنما تشترط معرفته لتقدير المنفعة لا لكونه معقودا عليه وكذلك الزرع في الأرض فإنما يعين ليعرف به قدر المنفعة المستوفاة فيجوز الاستيفاء بغيرها كما لو وكل المشتري غيره في استيفاء المبيع ألا ترى أنه لو تلف البعير أو الأرض انفسخت الإجارة ولو مات الراكب أو تلف البذر لم تنفسخ الإجارة وجاز أن يقوم غيره مقامه فافترقا

مسألة وفصل : قال : ومن استأجر عقارا فله أن يسكنه غيره إذا كان يقوم مقامه وكذلك إذا اكترى ظهرا
مسألة : قال : ومن استأجر عقارا فله أن يسكنه غيره إذا كان يقوم مقامه :
وجملته أن من استأجر عقارا للسكنى فله أن يسكنه ويسكن فيه من شاء ممن يقوم مقامه في الضرر أو دونه ويضع فيه ما جرت عادة الساكن به من الرحال والطعام ويخزن فيها الثياب وغيرها مما لا يضر بها ولا يسكنها ما يضر بها مثل القصارين والحدادين لأن ذلك يضر بها ولا يجعل فيها الدواب لأنها تروث فيها وتفسدها ولا يجعل فيها السرجين ولا رحى ولا شيئا يضر بها ولا يجوز أن يجعل فيها شيئا ثقيلا فوق سقف لأنه يثقله ويكسر خشبه ولا يجعل فيها شيئا يضر بها إلا أن يشترط ذلك وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي : ولا نعلم فيه مخالفا وإنما كان كذلك لأن له استيفاء المعقود عليه بنفسه ونائبه والذي يسكنه نائب عنه في استيفاء المعقود عليه فجاز كما لو وكل وكيلا في قبض المبيع أو دين له ولم يملك فعل ما يضر بها لأنه فوق المعقود عليه فلم يكن له فعله كما لو اشترى شيئا لم يملك أخذ أكثر منه فأما أن يجعل الدار مخزنا للطعام فقد قال أصحابنا يجوز ذلك لأنه يجوز أن يجعلها مخزنا لغيره ويحتمل أن لا يجوز لأن ذلك يفضي إلى تحريق النار أرضها وحيطانها وذلك ضرر لا يرضى به صاحب الدار
فصل : وإذا اكترى دارا جاز إطلاق العقد ولم يحتج إلى ذكر السكنى ولا صفتها وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور لا يجوز حتى يقول أبيت تحتها أنا وعيالي لأن السكنى تختلف ولو اكتراها ليسكنها فتزوج امرأة لم يكن له أن يسكنها معه
ولنا أن الدار لا تكترى إلا للسكنى فاستغنى عن ذكره كإطلاق الثمن في بلد فيه نقد معروف به والتفاوت في السكنى يسير فلم يحتج إلى ضبطه وما ذكره لا يصح فإن الضرر لا يكاد يختلف بكثرة من بسكن وقلتهم ولا يمكن ضبط ذلك فاجتزئ فيه بالعرف كما في دخول الحمام وشبهه ولو اشترى ما ذكره لوجب أن يذكر عدد السكان وأن لا يبيت عنده ضيف ولا زائر ولا غير من ذكره ولكان ينبغي أن يعلم صفة الساكن كما يعلم ذلك فيما إذا اكترى للركوب
فصل : وإذا اكترى ظهرا ليركبه فله أن يركبه مثله ومن هو أخف منه ولا يركبه من هو أثقل منه لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة بذلك الراكب فله أن يستوفي ذلك بنفسه ونائبه وله أن يستوفي أقل منه لأنه يستوفي بعض ما يستحقه وليس له استيفاء أكثر منه لأنه لا يملك أكثر مما عقد عليه ولا يشترط التساوي في الطول والقصر ولا المعرفة بالركوب وقال القاضي يشترط أن يكون مثله في هذه الأوصاف كلها لأن قلة المعرفة بالركوب تثقل على المركوب وتضر به قال الشاعر :
( لم يركبوا الخيل إلا بعدما كبروا ... فهم ثقال على أعجازها عنف )
ولنا أن التفاوت في هذه الأمور بعد التساوي في الثقل يسير فعفي عنه ولهذا لا يشترط ذكره في الإجارة ولو اعتبر ذلك لاشترطت معرفته في الإجارة كالثقل والخفة

فصول : إجارة العين المؤجرة بعد قبضها وحكمها
فصل : فإن شرط أن لا يستوفي في المنفعة بمثله ولا من هو دونه فقياس قول أصحابنا صحة العقد وبطلان الشرط فإنه قال فيمن شرط أن يزرع في الأرض حنطة ولا يزرع غيرها : يبطل الشرط ويصح العقد ويحتمل أن يصح الشرط وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن المستأجر يملك المنافع من جهة المؤجر فلا يملك ما لم يرض به ولأنه قد يكون له غرض في تخصيصه باستيفاء هذه المنفعة وقالوا في الوجه الآخر يبطل الشرط لأنه ينافي موجب العقد إذ موجبه ملك المنفعة والتسلط على استيفائها بنفسه وبنائبه واستيفاء بعضها بنفسه وبعضها بنائبه والشرط ينافي ذلك فكان باطلا وهل يبطل به العقد ؟ فيه وجهان أصحهما لا يبطله لأنه لا يؤثر في حق المؤجر نفعا ولا ضرا فألغي وبقي العقد على مقتضاه والآخر يبطله لأنه ينافي مقتضاه فأشبه ما لو شرط أن لا يستوفي المنافع
فصل : ويجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة إذا قبضها نص عليه أحمد وهو قول سعيد بن المسيب و ابن سيرين و مجاهد و عكرمة و أبي سليمان بن عبد الرحمن و النخعي و الشعبي و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وذكر القاضي فيه رواية أخرى أنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن ربح ما لم يضمن والمنافع لم تدخل في ضمانه ولأنه عقد على ما لم يدخل في ضمانه فلم يجز كبيع المكيل والموزون قبل قبضه والأول أصح لأن قبض العين قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يجوز التصرف فيها فجاز العقد عليها كبيع الثمرة على الشجرة ويبطل قياس الرواية الأخرى لهذا الأصل إذا ثبت فإنه لا تجوز إجارته إلا لمن يقوم مقامه أو دونه في الضرر لما تقدم فأما إجارتها قبل قبضها فلا تجوز من غير المؤجر في أحد الوجهين وهذا قول أبي حنيفة والمشهور من قولي الشافعي لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها القبض كالأعيان والآخر يجوز وهو قول بعض الشافعية لأن قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه فلم يقف جواز التصرف عليه فأما إجارتها قبل القبض من المؤجر فإذا قلنا لا يجوز من غير المؤجر كان فيها ههنا وجهان أحدهما : لا يجوز لأنه عقد عليها قبل قبضها : والثاني : يجوز لأن القبض لا يتعذر عليه بخلاف الأجنبي وأصلهما بيع الطعام قبل قبضه لا يصح من غير بائعه رواية واحدة وهل يصح من بائعه ؟ على روايتين فأما إجارتها بعد قبضها من المؤجر فجائزة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز لأن ذلك يؤدي إلى تناقض الأحكام لأن التسليم مستحق على الكراء فإذا اكتراها صار مستحقا لها فيصير مستحقا لما يستحق عليه وهذا تناقض
ولنا أن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد كالبيع وما ذكروه لا يصح لأن التسليم قد حصل وهذا المستحق له تسليم آخر ثم يبطل بالبيع فإنه يستحق عليه تسليم العين فإذا اشتراها استحق تسليمها فإن قيل التسليم ههنا مستحق في جميع المدة بخلاف البيع قلنا المستحق تسليم العين وقد حصل وليس عليه تسليم آخر غير أن العين من ضمان المؤجر فإذا تعذرت المنافع بتلف الدار وغصبها رجع عليه لأنها تعذرت بسبب كان في ضمانه
فصل : ويجوز للمستأجر إجارة العين بمثل الأجر وزيادة نص عليه أحمد وروي ذلك عن عطاء و الحسن و الزهري وبه قال الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر وعن أحمد أنه إن أحدث في العين زيادة جاز له أن يركبها بزيادة وإلا لم تجز الزيادة فإن فعل تصدق بالزيادة روى هذا الشعبي وبه قال الثوري و أبو حنيفة لأنه يربح بذلك فيما لم يضمن وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن ربح ما لم يضمن ولأنه يربح فيما لم يضمن فلم يجز كما لو ربح في الطعام قبل قبضه ويخالف ما إذا عمل عملا فيها لأن الربح في مقابلة العمل وعن أحمد رواية ثالثة إن أذن له المالك في الزيادة جاز وإلا لم يجز وكره ابن المسيب و أبو سلمة و ابن سيرين و مجاهد و عكرمة و الشعبي و النخعي الزيادة مطلقا لدخولها في ربح ما لم يضمن
ولنا أنه عقد يجوز برأس المال فجاز بزيادة كبيع المبيع بعد قبضه وكما لو أحدث عمارة لا يقابلها جزء من الأجر وأما الخبز فإن المنافع قد دخلت في ضمانه من وجه فإنها لو فاتت من غير استيفائه كانت من ضمانه ولا يصح القياس على بيع الطعام قبل قبضه فإن البيع ممنوع منه بالكلية سواء ربح أو لم يربح وههنا جائز في الجملة وتعليلهم بأن الربح في مقابلة عمله ملغى بما إذا كنس الدار ونظفها فإن ذلك يزيد في أجرها في العادة
فصل : ونقل الأثرم عن أحمد أنه سأله عن الرجل يتقبل العمل من الأعمال فيقبله بأقل من ذلك أيجوز له الفضل ؟ قال ما أدري هي مسألة فيها بعض الشيء قلت أليس كان الخياط أسهل عندك إذا قطع الثوب أو غيره إذا عمل في العمل شيئا قال إذا عمل عملا فهو أسهل قال النخعي لا بأس أن يتقبل الخياط الثياب بأجر معلوم ثم يقبلها بعد ذلك بعد أن يعين فيها أو يقطع أو يعطيه سلوكا أو إبرا أو يخيط فيها شيئا فإن لم يعن فيها بشيء فلا يأخذن فضلا وهذا يحتمل أن يكون النخعي قاله مبنيا على مذهبه في أن من استأجر شيئا لا يؤجره بزيادة وقياس المذهب جواز ذلك سواء أعان فيها بشيء أو لم يعن لأنه إذا جاز أن يقبله بمثل الأجر الأول أو دونه جاز بزيادة عليه كالبيع وكإجارة العين
فصل : وكل عين استأجرها لمنفعة فله أن يستوفي مثل تلك المنفعة وما دونها في الضرر قال أحمد إذا استأجر دابة ليحمل عليها تمرا فحمل عليها حنطة أرجو أن لا يكون به بأس إذا كان الوزن واحدا فإن كانت المنفعة التي يستوفيها أكثر ضررا أو مخالفة للمعقود عليها في الضرر لم يجز لأنه يستوفي أكثر من حقه أو غير ما يستحقه فإذا اكترى دابة ليحمل عليها حديدا لم يحمل عليها قطنا لأنه يتجافى وتهب فيه الريح فيتعب الظهر وإن اكتراها لحمل القطن لم يجز أن يحمل الحديد لأنه يجتمع في موضع واحد فيثقل عليه والقطن يتفرق فيقل ضرره وإن اكتراه ليركبه لم يجز أن يحمل عليه لأن الركب يعين الظهر بحركته وإن اكتراه ليحمل عليه لم يجز أن يركبه لأن الراكب يقعد في موضع واحد فيشتد على الظهر والمتاع يتفرق على جنبيه وإن اكتراه ليركبه عريا لم يجز أن يركبه بسرج لأنه يحمل عليه أكثر مما عقد عليه وإن اكتراه ليركبه بسرج لم يجز أن يركبه عريا لأنه إذا ركب عليه من غير سرج حمي ظهره فربما عقره وإن اكتراه ليركبه بسرج لم يجز أن يركبه بأكثر منه فلو اكترى حمارا لم يجز أن يركبه بسرج البرذون إذا كان أثقل من سرجه وإن اكترى دابة بسرج فركبها باكاف أثقل منه أو أضر لم يجز وإن كان أخف وأقل ضررا فلا بأس ومتى فعل ما ليس له فعله كان ضامنا وعليه الأجر وهذا كله مذهب الشافعي و أبو ثور
فصل : وإن اكترى دابة ليركبها في مسافة معلومة أو يحمل عليها فيها فأراد العدول بها إلى ناحية أخرى مثلها في القدر أضر منها أو تخالف ضررها بأن تكون إحداهما أحسن والأخرى أخوف لم يجز وإن كان مثلها في السهولة والحزونة والأمن أو التي يعدل إليها أقل ضررا فذكر القاضي أنه يجوز وهو قول أصحاب الشافعي لأن المسافة عينت ليستوفي بها المنفعة ويعلم قدرها بها فلم تتعين كنوع المحمول والراكب ويقوى عندي أنه متى كان للمكري غرض في تلك الجهة المعينة لم يجز العدول إلى غيرها مثل من يكري جماله إلى مكة فيحج معها فلا يجوز له أن يذهب بها إلى غيرها ولو أكراها إلى بغداد لكون أهله بها أو ببلد العراق لم يجز الذهاب بها إلى مصر ولو اكترى جماله جملة إلى بلد لم يجز للمستأجر التفريق بينها بالسفر ببعضها إلى جهة وبباقيها إلى جهة أخرى وذلك لأنه عين المسافة لغرض في فواته ضرر فلم يجز تفويته كما في حق المكتري فإنه لو أراد حمله إلى غير المكان الذي اكترى إليه لم يجز وكما لو عين طريقا سهلا أو آمنا فأراد سلوك ما يخالفه في ذلك
فصل : ويجوز أن يكتري قميصا ليلبسه لأنه يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ويجوز بيعه فجازت إجارته كالعقار ولا بد من تقدير المنفعة بالمدة وإن كانت عادة أهل بلده نزع ثيابهم عند النوم في الليل فعليه نزعه في ذلك لأن الإطلاق يحمل على المعتاد وله لبسه فيما سوى ذلك وإن نام نهارا لم يكن عليه نزعه لأنه العرف ويلبس القميص على ما جرت العادة به ولا يجوز أن يتزر به لأنه يعتمد عليه فيشقه وفي اللبس لا يعتمد ويجوز أن يرتدي به لأنه أخف ومن ملك شيئا ملك ما هو أخف منه وقيل فيه وجه آخر أنه لا يجوز لأنه استعمال لم تجر العادة به في القميص أشبه الاتزار به
فصل : وإن استأجر أرضا صح لما تقدم ولا يصح حتى يرى الأرض لأن المنفعة تختلف باختلافها ولا تعرف إلا بالرؤية لأنها لا تنضبط بالصفة ولا يصح حتى يذكر له ما يكترى له من زرع أو غرس أو بناء لأن الأرض تصلح لهذا كله وتأثيره في الارض يختلف فوجب بيانه فإن قال أجرتكها لتزرعها أو تغرسها لم يصح لأنه لم يعين أحدهما فأشبه ما لو قال بعتك أ د هذين العبدين وإن قال لتزرعها ما شئت أو تغرسها ما شئت صح وهذا منصوص الشافعي وخالفه أكثر أصحابه فقالوا لا يجوز لأنه لا يدري كم يزرع ويغرس وقال بعضهم يصح ويزرع نصفها ويغرس نصفها
ولنا أن العقد اقتضى إباحة هذين الشيئين فصح كما لو قال لتزرعها ما شئت ولأن اختلاف الجنسين كاختلاف النوعين وقوله لتزرعها ما شئت إذن في نوعين وأنواع وقد صح فكذلك في الجنسين وله أن يغرسها كلها وإن أحب زرعها كلها كما لو أذن له في أنواع الزرع كله كان له زرع جميعها نوعا واحدا وله زرعها من نوعين كذلك ههنا وإن أكراها للزرع وحده ففيه أربع مسائل :

مسألة وفصول : فروع في كراء الأرض للزرع أو الغرس ونحوهما
المسألة الأولى : أكراها للزرع مطلقا أو قال : لتزرعها ما شئت فإنه يصح وله زرع ما شاء وهذا مذهب الشافعي وحكي عن ابن سريج أنه لا يصح حتى يتبين الزرع لأن ضرره يختلف فلم يصح بدون البيان كما لو لم يذكر ما يكترى له من زرع أو غرس أو بناء
ولنا أنه يجوز استئجارها لأكثر الزرع ضررا ويباح له جميع الأنواع لأنها دونه فإذا عمم أو أطلق تناول الأكثر وكان له ما دونه ويخالف الأجناس المختلفة فإنه لا يدخل بعضها في بعض فإن قيل فلو اكترى دابة للركوب لوجب تعيين الراكب قلنا لأن إجارة المركوب لأكثر الركاب ضررا لا تجوز بخلاف المزروع ولأن للحيوان حرمة في نفسخ فلم يجز إطلاق ذلك فيه بخلاف الأرض فإن قيل فلو استأجر دارا للسكنى مطلقا لم يجز أن يسكنها من يضر بها كالقصار والحداد فلم قلتم أنه يجوز أن يزرعها ما يضر بها ؟ قلنا : السكنى لا تقتضي ضررا فلذلك منع من إسكان من يضر بها لأن العقد لم يقتضه والزرع يقتضي الضرر فإذا أطلق كان راضيا بأكثره فلهذا جاز وليس له أن يغرس في هذه الأرض ولا يبني لأن ضرره أكثر من المعقود عليه
المسألة الثانية : أكراها لزرع حنطة أو نوع بعينه فإن له زرع ما يعينه وما ضرره كضرره أو دونه ولا يتعين ما عينه في قول عامة أهل العلم إلا داود وأهل الظاهر فإنهم قالوا : لا يجوز له زرع غير ما عينه حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء لم يجز له أن يزرع بيضاء لأنه عينه بالعقد فلم يجز العدول عنه كما لو عين المركوب أو عين الدراهم في الثمن
ولنا أن المعقود عليه منفعة الأرض دون القمح ولهذا يستقر عليه العوض بمضي المدة إذا تسلم الأرض وإن لم يزرعها وإنما ذكر القمح لتقدر به المنفعة فلم يتعين كما لو استأجر دارا ليسكنها كان له أن يسكنها غيره وفارق المركوب والدراهم في الثمن فإنهما معقود عليهما فتعينا والمعقود عليه ههنا منفعة مقدرة وقد تعينت أيضا ولم يتعين ما قدرت به كما لا يتعين المكيال والميزان في المكيل والموزون
المسألة الثالثة : قال : ليزرعها حنطة وما ضرره كضررها أو دونه فهذه كالتي قبلها إلا أنه لا مخالف فيها لأنه شرط ما اقتضاه الإطلاق وبين ذلك تصريح نصه فزال الإشكال
المسألة الرابعة : قال : ليزرعها حنطة ولا يزرع غيرها فذكر القاضي أن الشرط باطل لأنه ينافي مقتضى العقد لأنه يقتضي استيفاء المنفعة كيف شاء فلم يصح الشرط كما لو شرط عليه استيفاء المبيع بنفسه والعقد صحيح لأنه لا ضرر فيه ولا غرض لأحد المتعاقدين لأن ما ضرره مثله لا يختلف في غير المؤجر فلم يؤثر في العقد فأشبه شرط استيفاء المبيع أو الثمن بنفسه وقد ذكرنا فيما إذا شرط مكتري الدار أنه لا يسكنها غيره وجها في صحة الشرط ووجها آخر في فساد العقد فيخرج ههنا مثله
فصل : وإن أكراها للغراس ففيه ما ذكرنا من المسائل إلا أن له أن يزرعها لأن ضرر الزرع أقل من ضرر الغراس وهو من جنسه لأن كل واحد منهما يضر بباطن الأرض وليس له البناء لأن ضرره مخالف لضرره فإنه يضر بظاهر الأرض وإن أكراها للزرع لم يكن له الغرس ولا البناء لأن ضرر الغرس أكثر وضرر البناء مخالف لضرره وإن أكراها للبناء لم يكن له الغرس ولا الزرع لأن ضررهما يخالف ضرره
فصل : ولا تخلو الأرض من قسمين أحدهما : أن يكون له ماء دائم إما من نهر لم تجر العادة بانقطاعه أو لا ينقطع إلا مدة لا يؤثر في الزرع أو من عين نابعة أو بركة من مياه الأمطار يجتمع فيها ثم يسقى به أو من بئر يقوم بكفايتها أو ما يشرب بعروقه لنداوة الأرض وقرب الماء الذي تحت الأرض فهذا كله دائم ويصح استئجارها للغرس والزرع بغير خلاف علمناه وكذلك الأرض التي تشرب من مياه الأمطار ويكتفى بالمعتاد منه لأن ذلك بحكم العادة ولا ينقطع إلا نادرا فهو كسائر الصور المذكورة الثاني : أن لا يكون لها ماء دائم وهي نوعان أحدهما : ما يشرب من زيادة معتادة تأتي في وقت الحاجة كأرض مصر الشاربة من زيادة النيل وما يشرب من زيادة الفرات وأشباهه وأرض البصرة الشاربة من المد والجزر وأرض دمشق الشاربة من زيادة بردى وما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر فهذه تصح إجارتها قبل وجود الماء الذي تسقى به وبعده وحكى ابن الصباغ ذلك مذهبا للشافعي وقال أصحابه إن أكراها بعد الزيادة صح ولا يصح قبلها لأنها معدومة لا نعلم هل يقدر عليها أو لا
ولنا أن هذا معتاد الظاهر وجوده فجازت إجارة الأرض الشاربة به كالشاربة من مياه الأمطار ولأن ظن القدرة على التسليم في وقته يكفي في صحة العقد كالسلم في الفاكهة إلى أوانها
النوع الثاني : أن يكون مجيء الماء نادرا أو غير ظاهر كالأرض التي لا يكفيها إلا المطر الشديد الكثير الذي يندر وجوده أو يكون شربها من فيض واد مجيئه نادر أو من زيادة نادرة في نهر أو عين غالبة فهذه إن أجرها بعد وجود ماء يسقيها به صح أيضا لأنه أمكن الانتفاع بها وزرعها فجازت إجارتها كذات الماء الدائم وإن أجرها قبله للغرس أو الزرع لم يصح لأنه يتعذر الزرع غالبا ويتعذر المعقود عليه في الظاهر فلم تصح إجارتها كالآبق والمغصوب وإن اكتراها على أنها لا ماء لها جاز لأنه تمكن من الانتفاع بها بالنزول فيها ووضع رحله وجمع الحطب فيها وله أن يزرعها رجاء الماء وإن حصل له ماء قبل زرعها فله زرعها لأن ذلك من منافعها الممكن استيفاؤها وليس له أن يبني ولا يغرس لأن ذلك يراد للتأبيد وتقدير الإجارة بمدة تقتضي تفريغها عند انقضائها فإن قيل فلو استأجرها للغراس والبناء صح مع تقدير المدة قلنا : التصريح بالبناء والغراس صرف التقدير عن مقتضاه بظاهره في التفريغ عند انقضاء المدة إلا أن يشترط قلع ذلك عند انقضاء المدة فيصرف الغراس والبناء عما يراد له بظاهره بخلاف مسألتنا وإن أطلق إجارة هذه الأرض مع العلم بحالها وعدم مائها صح لأنهما دخلا في العقد على أنها لا ماء لها فأشبه ما لو شرطاه وإن لم يعلم عدم نمائها أو ظن المكتري أنه يمكن تحصيل ماء لها بوجه من الوجوه لم يصح العقد ولأنه ربما دخل في العقد بناء على أن المالك لها يحصل لها ماء وأنه يكتريها للزراعة مع تعذرها وقيل لا يصح العقد مع الإطلاق وإن علم بحالها لأن إطلاق كراء الأرض يقتضي الزراعة والأولى صحته لأن العلم بالحال يقوم مقام الاشتراط كالعلم بالعيب يقوم مقام شرطه ومتى كان لها ماء غير دائم أو الظاهر انقطاعه قبل الزرع أو لا يكفي الزرع فهي كالتي لا ماء لها ومذهب الشافعي في هذا كله كما ذكرنا
فصل : وإن اكترى أرضا غارقة بالماء لا يمكن زرعها قبل انحساره عنها وقد ينحسر ولا ينحسر فالعقد باطل لأن الانتفاع بها في الحال غير ممكن ولا يزول المانع غالبا وإن كان ينحسر عنها وقت الحاجة إلى الزراعة كأرض مصر في وقت مد النيل صح العقد لأن المقصود متحقق بحكم العادة المستمرة وإن كانت الزراعة فيها ممكنة ويخاف غرقها والعادة غرقها لم يجز إجارتها لأنها في حكم الغارقة بحكم العادة المستمرة
فصل : ومتى غرق الزرع أو هلك بحريق أو جراد أو برد أو غيره فلا ضمان على المؤجر ولا خيار للمكتري نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا وهو مذهب الشافعي لأن التالف غير المعقود عليه وإنما تلف مال المكتري فيه فأشبه من اشترى دكانا فاحترق متاعه فيه ثم إن أمكن المكتري الانتفاع بالأرض بغير الزرع أو بالزرع في بقية المدة فله ذلك وإن تعذر ذلك فالأجر لازم له لأن تعذره لفوات وقت الزراعة بسبب غير مضمون على المؤجر لا لمعنى في العين وإن تعذر الزرع بسبب غرق الأرض أو انقطاع مائها فللمستأجر الخيار لأنه لمعنى في العين وإن تلف الزرع بذلك فليس على المؤجر ضمانه لأنه لم يتلفه بمباشرة ولا بسبب وإن قل الماء بحيث لا يكفي الزرع فله الفسخ لأنه عيب فإن كان ذلك بعد الزرع فله الفسخ أيضا ويبقى الزرع في الأرض إلى أن يستحصد وعليه من المسمى بحصته إلى حين الفسخ وأجر المثل لما بقي من المدة لأرض لها مثل ذلك الماء وكذلك إن انقطع الماء بالكلية أو حدث بها عيب من غرق يهلك بعض الزرع أو يسوء حاله به

فصول : فروع في انتهاء مدة إجارة الأرض وفيها زرع لم يبلغ حصاده
فصل : وإذا استأجر أرضا للزراعة مدة فانقضت وفيها زرع لم يبلغ حصاده لم يخل من حالين أحدهما : أن يكون لتفريط من المستأجر مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة فحكمه حكم زرع الغاصب يخير المالك بعد المدة من أخذه بالقيمة أو تركه بالأجر لما زاد على المدة لأنه أبقى زرعه في أرض غيره بعدوانه وإن اختار المستأجر قطع زرعه في الحال وتفريغ الأرض فله ذلك لأنه يزيل الضرر ويسلم الأرض على الوجه الذي اقتضاه العقد وذكر القاضي أن على المستأجر نقل الزرع وتفريغ الأرض وإن اتفقا على تركه بعوض أو غيره جاز وهذا مذهب الشافعي بناء على قوله في الغاصب وقياس مذهبنا ما ذكرناه
الحال الثاني : أن يكون بقاؤه بغير تفريط مثل أن يزرع زرعا ينتهي في المدة عادة فأبطأ لبرد أو غيره فإنه يلزم المؤجر تركه إلى أن ينتهي وله المسمى وأجر المثل لما زاد وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني قالوا يلزمه نقله لأن المدة ضربت لنقل الزرع فيلزم العمل بموجبه وقد وجد منه تفريط لأنه كان يمكنه أن يستظهر في المدة فلم يفعل
ولنا أنه حصل الزرع في أرض غيره بإذنه من غير تفريط فلزم تركه كما لو أعاره أرضا فزرعها ثم رجع المالك قبل كمال الزرع وقولهم إنه مفرط غير صحيح لأن هذه المدة التي جرت العادة بكمال الزرع فيها وفي زيادة المدة تفويت زيادة الأجر بغير فائدة وتضييع زيادة متيقنة لتحصيل شيء متوهم على خلاف العادة هو التفريط فلم يكن تركه تفريطا ومتى أراد المستأجر زرع شيء لا يدرك مثله في الإجارة فللمالك منعه لأنه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حق فملك منعه منه فإن زرع لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدة لأنه في أرض يملك نفعها ولأنه لا يملك ذلك بعد المدة فقبلها أولى ومن أوجب عليه قطعه بعد المدة قال إذا لم يكن بد من المطالبة بالنقل فليكن عند المدة التي يستحق تسليمها إلى المؤجر فارغة
فصل : وإذا اكترى الأرض لزرع مدة لا يكمل فيها مثل أن يكتري خمسة أشهر لزرع لا يكمل إلا في سنة نظرنا فإن شرط تفريغها عند انقضاء المدة ونقله عنها صح لأنه لا يفضي إلى الزيادة على مدته وقد يكون له غرض في ذلك لأخذه إياه قصيلا أو غيره ويلزمه ما التزم وإن أطلق العقد ولم يشترط شيئا احتمل أن يصح لأن الانتفاع بالزرع في هذه المدة ممكن واحتمل أنه إن أمكن أن ينتفع بالأرض في زرع ضرره كضرر الزرع المشروط أو دونه مثل أن يزرعها شعيرا يأخذه قصيلا صح العقد لأن الانتفاع بها في بعض ما اقتضاه العقد ممكن وإن لم يكن كذلك لم يصح لأنه اكترى للزرع ما لا ينتفع بالزرع فيه أشبه إجارة السبخة له فإن قلنا يصح فإن انقضت المدة ففيه وجهان أحدهما : حكمه حكم زرع المستأجر لما لا يكمل في مدته لأنه ههنا مفرط واحتمل أن يلزم المكري تركه بالأجر لأن التفريط منه حيث أكراه مدة لزرع لا يكمل فيها وإن شرط تبقيته حتى يكمل فالعقد فاسد لأنه جمع بين متضادين فإن تقدير المدة يقتضي النقل فيها وشرط التبقية يخالفه ولأن مدة التبقية مجهولة فإن زرع لم يطالب بنقله كالتي تقدمت
فصل : إذا أجره للغراس سنة صح لأنه يمكنه تسليم منفعتها المباحة المقصودة فأشبهت سائر المنافع وسواء شرط قلع الغراس عند انقضاء المدة أو أطلق وله أن يغرس قبل انقضاء المدة فإذا انقضت لم يكن له أن يغرس لزوال عقده فإذا انقضت السنة وكان قد شرط القلع عند انقضائها لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه وليس على صاحب الأرض غرامة نقصه ولا على المكتري تسوية الحفر وإصلاح الأرض لأنهما دخلا على هذا لرضاهما بالقلع واشتراطهما عليه وإن اتفقا على إبقائه بأجر أو غيره جاز إذا شرطا مدة معلومة وكذلك لو اكترى الأرض سنة بعد سنة كلما انقضى عقد جدد آخر جاز وإن أطلق العقد فللمكتري القلع لأن الغرس ملكه فله أخذه كطعامه من الدار التي باعها وإذا قلع فعليه تسوية الحفر لأنه نقص دخل على ملك غيره بغير إذنه وهكذا إن قلعه قبل انقضاء المدة ههنا وفي التي قبلها لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك ولأنه تصرف في الأرض تصرفا نقصها لم يقتضه عقد الإجارة وإن أبي القلع لم يجبر عليه إلا أن يضمن له المالك نقص غرسه فيجبر حينئذ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك : عليه القلع من غير ضمان النقص له لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها كما لو استأجرها للزرع
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ليس لعرق ظالم حق ] مفهومه أن ما ليس بظالم له حق وهذا ليس بظالم ولأنه غرس بإذن المالك ولم يشترط قلعه فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص كما لو استعار منه أرضا للغرس مدة فرجع قبل انقضائها ويخالف الزرع فإنه لا يقتضي التأبيد فإن قيل فإن كان إطلاق العقد في الغراس يقتضي التأبيد فشرط القلع ينافي مقتضى العقد فينبغي أن يفسده قلنا إنما اقتضى التأبيد من حيث إن العادة في الغراس التبقية فإذا أطلقه حمل على العادة وإذا شرط خلافه جاز كما إذا باع بغير نقد البلد أو شرط في الإجارة شرطا يخالف العادة إذا ثبت هذا فإن رب الأرض يخير بين ثلاثة أشياء أحدها : أن يدفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع أرضه الثاني : أن يقلع الغراس والبناء ويضمن ارش نقصه الثالث : أن يقر الغراس والبناء ويأخذ منه أجر المثل وبهذا قال الشافعي وقال مالك : يخير بين دفع قيمته فيملكه وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان وبين تركه فيكونان شريكين وليس بصحيح لأن الغرس ملك لغارسه لم يدفع إليه عنه عوض ولا رضي بزوال ملكه عنه فلا يزول عنه كسائر الغرس وإن اتفقا على بيع الغراس والبناء للمالك جاز وإن باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض جاز ومشتريهما يقوم فيهما مقام البائع وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين ليس له بيعهما لغير مالك الأرض لأن ملكه ضعيف بدليل أن لصاحب الأرض تملكه عليه بالقيمة من غير إذنه
ولنا أنه مملوك له يجوز بيعه لمالك الأرض فجاز لغيره كشقص مشفوع وبهذا يبطل ما ذكروه فإن للشفيع تملك الشقص وشراؤه ويجوز بيعه لغيره فأما إن شرط في العقد تبقية الغراس فذكر القاضي أنه صحيح وحكمه حكم ما لو أطلق العقد سواء وهو قول أصحاب الشافعي ويحتمل أن يبطل العقد لأنه شرط ما ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط ذلك في الزرع الذي لا يكمل قبل انقضاء المدة ولأن الشرط باطل بدليل أنه لا يجب الوفاء به وهو مؤثر فأبطله كشرط تبقية الزرع بعد مدة الإجارة

مسألة وفصول : قال : ويجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته
مسألة : قال : ويجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته :
اختلفت الرواية عن أحمد فيمن استأجر أجيرا بطعامه وكسوته أو جعل له أجرا وشرط طعامه وكسوته فروي عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك و إسحاق وروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى رضي الله عنهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم وروي عنه أن ذلك جائز في الظئر دون غيرها اختارها القاضي وهذا مذهب أبي حنيفة لأن ذلك مجهول وإنما جاز في الظئر لقول الله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع ولم يفرق بين المطلقة وغيرها بل في الآية قرينة تدل على طلاقها لأن الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وإن لم ترضع لأن الله تعالى قال : { وعلى الوارث مثل ذلك } والوارث ليس بزوج ولأن المنفعة في الحضانة والرضاع غير معلومة فجاز أن يكون عوضها كذلك وروي عنه رواية ثالثة لا يجوز ذلك بحال لا في الظئر ولا في غيرها وبه قال الشافعي و أبو يوسف و محمد و أبو ثور و ابن المنذر لأن ذلك يختلف اختلافا كثيرا متباينا فيكون مجهولا والأجر من شرطه أن يكون معلوما
ولنا ما روى ابن ماجة عن عتبة بن المنذر قال : [ كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ { طس } حتى بلغ قصة موسى قال : إن موسى آجر نفسه ثماني حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه ] وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي أحطب لهم إذا نزلوا وأحدوا بهم إذا ركبوا ولأن من ذكرنا من الصحابة وغيرهم فعلوه فلم يظهر له نكير فكان إجماعا ولأنه قد ثبت في الظئر بالآية فيثبت في غيرها بالقياس عليها ولأنه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة ولأن للكسوة عرفا وهي كسوة الزوجات وللإطعام عرف وهو الإطعام في الكفارات فجاز إطلاقه كنقد البلد ونخص أبا حنيفة بأن ما كان عوضا في الرضاع جاز في الخدمة كالأثمان إذا ثبت هذا فإنهما إن تشاحا في مقدار الطعام والكسوة رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله قال أحمد إذا تشاحا في الطعام يحكم له بمد كل يوم ذهب به إلى ظاهر ما أمر الله تعالى من إطعام المساكين ففسرت ذلك السنة بأنه مد لكل مسكين ولأن الإطعام مطلق في الموضعين فما فسر به أحدهما يفسر به الآخر وليس له إطعام الأجير إلا ما يوافقه من الأغذية لأن عليه ضررا ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه
فصل : وإن شرط الأجير كسوة ونفقة معلومة موصوفة كما يوصف في السلم جاز ذلك عند الجميع وإن لم يشترط طعاما ولا كسوة فنفقته وكسوته على نفسه وكذلك الظئر قال ابن المنذر لا أعلم عن أحد خلافا فيما ذكرت وإن شرط للأجير طعام غيره وكسوته موصوفا جاز لأنه معلوم أشبه ما لو شرط دراهم معلومة ويكون ذلك للأجير إن شاء أطعمه وإن شاء تركه وإن لم يكن موصوفا لم يجز لأن ذلك مجهول احتمل فيما إذا شرطه للأجير للحاجة إليه وجرت العادة به فلا يلزم احتمالها مع عدم ذلك ولو استأجر دابة بعلفها أو بأجر مسمى وعلفها لم يجز لأنه مجهول ولا عرف له يرجع إليه ولا نعلم أحدا قال بجوازه إلا أن يشترطه موصوفا فيجوز
فصل : وإن استغنى الأجير عن طعام المؤجر بطعام نفسه أو غيره أو عجز عن الأكل لمرض أو غيره لم تسقط نفقته وكان له المطالبة بها لأنها عوض فلا تسقط بالغنى عنه كالدراهم وإن احتاج لدواء لمرضه لم يلزم المستأجر ذلك لأنه لم يشرط له الإطعام إلا صحيحا لكن يلزمه له بقدر طعام الصحيح يشتري له الأجير ما يصلح لأن ما زاد على طعام الصحيح لم يقع العقد عليه فلا يلزم به كالزائد في القدر
فصل : إذا دفع إليه طعامه فأحب الأجير أن يستفضل بعضه لنفسه نظرت فإن كان المؤجر دفع إليه أكثر من الواجب ليأكل قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في تركه لأكله كله ضرر على المؤجر بأن يضعف عن العمل أو يقل لبن الظئر منع منه لأنه في الصورة الأولى لم يملكه إياه وإنما أباحه أكل قدر حاجته وفي الثانية على المؤجر ضرر بتفويت بعض ماله من منفعته فمنع منه كالجمال إذا امتنع من علف الجمال وإن دفع إليه قدر الواجب من غير زيادة أو دفع إليه أكثر وملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمؤجر جاز لأنه حق لا ضرر على المؤجر فيه فأشبه الدراهم
فصل : وإن قدم إليه طعاما فنهب أو تلف قبل أكله نظرت فإن كان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه فهو من ضمان المستأجر لأنه لم يسلمه إليه فكان تلفه من ماله وإن خصه بذلك وسلمه إليه فهو من ضمان الأجير لأنه تسليم عوض على وجه التمليك أشبه البيع

فصل : الاستئجار في بيع الثوب بثمن معلوم
فصل : إذا دفع إلى رجل ثوبا وقال بعه بكذا فما ازددت فهو لك صح نص عليه أحمد في رواية أحمد بن سعيد وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال ابن سيرين و إسحاق وكرهه النخعي و حماد و أبي حنيفة و الثوري و الشافعي و ابن المنذر لأنه أجر مجهول يحتمل الوجود والعدم
ولنا ما روى عطاء عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل الرجل الثوب أو غير ذلك فيقول بعه بكذا وكذا فما ازددت فهو لك ولا يعرف له في عصره مخالف ولأنها عين تنمى بالعمل فيها أشبه دفع مال المضاربة إذا ثبت هذا فإن باعه بزيادة فهي له لأنه جعلها أجرة وإن باعه بالقدر المسمى من غير زيادة فلا شيء له لأنه جعل له الزيادة ولا زيادة ههنا فهو كالمضارب إذا لم يربح وإن باعه بنقص عنه لم يصح البيع لأنه وكيل مخالف وإن تعذر رده ضمن النقص وقد قال أحمد يضمن النقصان مطلقا وهذا قد مضى مثله في الوكالة وإن باعه نسيئة لم يصح البيع لأن إطلاق البيع يقتضي النقد لما في النسيئة من ضرر التأخير والخطر بالمال ليحصل له نفع الربح ويفارق المضارب على رواية حيث يجوز له البيع نساء لأنه يحصل لرب المال نفع بما يحصل من الربح في مقابلة ضرره بالنسيئة وههنا لا فائدة لرب المال في الربح بحال ولأن مقصود المضاربة تحصيل الربح وهو في النسيئة أكثر وههنا ليس مقصود رب المال الربح ولا حظ له فيه فلا فائدة له فيه وقال أحمد في رواية الأثرم ليس له شيء يعني إذا زاد على العشرة لأن الإطلاق إنما اقتضى بيعها حالا فإذا باعها نسيئة فلم يمتثل الأمر فلم يستحق شيئا

فصل : ولا بأس أن يحصد الزرع بسدس ما يخرج منه
فصل : قال أحمد رحمه الله في رواية مهنا : لا بأس أن يحصد الزرع ويصرم النخل بسدس ما يخرج منه وهو أحب إلي من المقاطعة إنما جاز ههنا لأنه إذا شاهده فقد علمه بالرؤية وهي أعلى طرق العلم ومن علم شيئا علم جزأه المشاع فيكون أجرا معلوما واختاره أحمد على المقاطعة مع أنها جائزة لأنه ربما لم يخرج من الزرع مثل الذي قاطعه عليه وههنا يكون أقل منه ضرورة

مسألتان وفصول : استئجار الظئر وأحكامه
مسألة : قال : وكذلك الظئر :
يعني أنه يجوز استئجارها بطعامها وكسوتها وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه وأجمع أهل العلم على جواز استئجار الظئر وهي المرضعة وهو في كتاب الله تعالى في قوله سبحانه وتعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } واسترضع النبي صلى الله عليه و سلم لولده إبراهيم ولأن الحاجة تدعو إليه فوق دعائها إلى غيره فإن الطفل في العادة إنما يعيش بالرضاع وقد يتعذر رضاعه من أمه فجاز ذلك كالإجارة في سائر المنافع ثم ننظر فإن استأجرها للرضاع دون الحضانة أو للحضانة دون الرضاع أو لهما جاز وإن أطلق العقد على الرضاع فهل تدخل فيه الحضانة ؟ فيه وجهان أحدهما : لا تدخل وهو قول أبي ثور و ابن المنذر لأن العقد ما تناولها والثاني : تدخل وهو قول أصحاب الرأي لأن العرف جار بأن المرضعة تحضن الصبي فحمل الإطلاق على ما جرى به العرف والعادة ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين
والحضانة : تربية الصبي وحفظه وجعله في سريره وربطه ودهنه وكحله وتنظيفه وغسل خرقه وأشباه ذلك واشتقاقه من الحضن وهو ما تحت الإبط وما يليه وسميت التربية حضانة تجوزا من حضانة الطير لبيضه وفراخه لأنه يجعلها تحت جناحيه فسميت تربية الصبي بذلك أخذا من فعل الطائر
فصل : ويشترط لهذا العقد أربعة شروط أحدها : أن تكون مدة الرضاع معلومة لأنه لا يمكن تقديره إلا بها فإن السقي والعمل فيها يختلف الثاني : معرفة الصبي بالمشاهدة لأن الرضاع يختلف باختلاف الصبي في كبره وصغره ونهمته وقناعته وقال القاضي يعرف بالصفة كالراكب الثالث : موضع الرضاع لأنه يختلف فيشق عليها في بيته ويسهل عليها في بيتها الرابع : معرفة العوض وكونه معلوما كما سبق
فصل : واختلف في المعقود عليه في الرضاع فقيل هو خدمة الصبي وحمله ووضع الثدي في فمه تبع كالصبغ في إجارة الصباغ وماء البئر في الدار لأن اللبن عين من الأعيان فلا يعقد عليه في الإجارة كلبن غير الآدمي وقيل هو اللبن قال القاضي : هو أشبه لأنه المقصود دون الخدمة ولهذا لو أرضعته دون أن تخدمه استحقت الأجرة ولو خدمته بدون الرضاع لم تستحق شيئا ولأن الله تعالى قال : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } فجعل الأجر مرتبا على الإرضاع فيدل على أنه المعقود عليه ولأن العقد لو كان على الخدمة لما لزمها سقيه لبنها وأما كونه عينا فإنما جاز العقد عليه في الإجارة رخصة لأن غيره لا يقوم مقامه والضرورة تدعو إلى استيفائه وإنما جاز هذا في الآدميين دون سائر الحيوان للضرورة إلى حفظ الآدمي والحاجة إلى إبقائه
فصل : وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر به لبنها ويصلح به وللمكتري مطالبتها بذلك لأنه من تمام التمكين من الرضاع وفي تركه إضرار بالصبي ومتى لم ترضعه وإنما أسقته لبن الغنم أو أطعمته فلا أجر لها لأنها لم توف المعقود عليه فأشبه ما لو اكتراها لخياطة ثوب فلم تخطه وإن دفعته إلى خادمتها فأرضعته فكذلك وبه قال أبو ثور وقال أصحاب الرأي لها أجرها لأن رضاعه حصل بفعلها
ولنا أنها لم ترضعه فأشبه ما لو سقته لبن الغنم وإن اختلفا فقالت أرضعته فأنكر المسترضع فالقول قولها لأنها مؤتمنة
فصل : ويجوز للرجل أن يؤجر أمته ومدبرته وأم ولده ومن علق عتقها بصفة والمأذون لها في التجارة للإرضاع لأنه عقد على منفعتها أشبه إجارتها للخدمة وليس لواحدة منهن إجارة نفسها لأن نفعها لسيدها وإن كان لها ولد لم تجز إجارتها للإرضاع إلا أن يكون فيها فضل عن ربه لأن الحق لولدها وليس لسيدها إلا ما فضل عنه وإن كانت مزوجة لم تجز إجارتها لذلك إلا بإذنه لأنه يفوت حق الزوج لاشتغالها عنه بإرضاع الصبي وحضانته فإن أجرها للرضاع ثم زوجها صح النكاح ولا ينفسخ عقد الإجارة ويكون للزوج أن يستمتع بها في حال فراغها من الرضاع والحضانة وقال مالك : ليس لزوجها وطؤها إلا برضا المستأجر لأنه ينقص اللبن وقد يقطعه
ولنا أن وطء الزوج مستحق فلا يسقط لأمر مشكوك فيه وليس للسيد إجارة مكاتبته لأن منافعها إليها ولذلك لم يملك سيدها تزويجها ولا وطأها ولا إجارتها في غير الرضاع ولها أن تؤجر نفسها لأنه من جهات الاكتساب
فصل : ويجوز للرجل استئجار أمته وأخته وابنته لرضاع ولده وكذلك سائر أقاربه بغير خلاف وإن استأجر امرأته لرضاع ولده منها جاز هذا الصحيح من مذهب أحمد وذكره الخرقي فقال : وإن أرادت الأم أن ترضعه بأجر مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة وقال القاضي : ليس لها ذلك وتأول كلام الخرقي على أنها في حبال زوج آخر وهذا قول أصحاب الرأي وحكى عن الشافعي : لأنه قد استحق حبسها والاستمتاع بها بعوض فلا يجوز أن يلزمه عوض آخر لذلك
ولنا أن كل عقد يصح أن تعقده مع غير الزوج يصح أن تعقده معه كالبيع ولأن منافعها في الرضاع والحضانة غير مستحقة للزوج بدليل أنه لا يملك إجبارها على حضانة ولدها ويجوز لها أن تأخذ عليها العوض من غيره فجاز لها أخذه منه كثمن مالها وقولهم أنها استحقت عوض الحبس والاستمتاع قلنا هذا غير الحضانة واستحقاق منفعة من وجه لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر كما لو استأجرها أولا ثم تزوجها وتأويل القاضي كلام الخرقي يخالف الظاهر من وجهين أحدهما : أن الألف واللام في الزوج للمعهود وهو زوجها أبو الطفل والثاني : أنها إذا كانت في حبال زوج آخر لا تكون أحق به بل يسقط حقها من الحضانة ثم ليس لها أن ترضع إلا بإذن زوجها ففسد التأويل
فصل : وتنفسخ الإجارة بموت المرضعة لفوات المنفعة بهلاك محلها وحكي عن أبي بكر أنها لا تنفسخ ويجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت لأنه كالدين
ولنا أنه هلك المعقود عليه أشبه ما لو هلكت البهيمة المستأجرة وإن مات الطفل انفسخ العقد لأنه يتعذر استيفاء المعقود عليه لأنه لا يمكن إقامة غيره مقامه لاختلاف الصبيان في الرضاع واختلاف اللبن باختلافهم فإنه قد يدر على أحد الوالدين دون الآخر وهذا منصوص الشافعي وإذا انفسخ العقد عقيبه بطلت الإجارة من أصلها ورجع المستأجر بالأجر كله وإن كان في أثناء المدة رجع بحصة ما بقي
مسألة : ويستحب أن تعطى عند الفطام عبدا أو أمة كما جاء في الخبر إذا كان المسترضع موسرا :
يعني بالخبر ما روى أبو داود بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه [ عن حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما يذهب عني مذمة الرضاع ؟ قال : الغرة العبد أو الأمة ] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح قال ابن الجوزي : المذمة بكسر الذال من الذمام وبفتحها من الذم قال ابن عقيل : إنما خص الرقبة بالمجازاة بها دون غيرها لأن فعلها في إرضاعه وحضانته سبب حياته وبقائه وحفظ رقبته فاستحب جعل الجزاء هبتها رقبة ليناسب ما بين النعمة والشكر ولهذا جعل الله تعالى المرضعة أما فقال تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يجزي ولد والده إلا بأن يجده مملوكا فيعتقه ] وإن كانت المرضعة مملوكة استحب إعتاقها لأنه يحصل أخص الرقاب بها لها وتحصل به المجازاة التي جعلها النبي صلى الله عليه و سلم مجازاة للوالد من النسب

مسألة وفصول : حكم استئجار الدابة لموضع أو لحمولة أو طريق
مسألة : قال : ومن اكترى دابة إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل لما جاوز وإن تلفت فعليه أيضا قيمتها :
الكلام في هذه المسألة في فصلين الفصل الأول : في الأجر الواجب وهو المسمى وأجر المثل للزائد نص عليه أحمد ولا خلاف فيه بين أصحابنا ذكر القاضي ذلك وروى الأثرم بإسناده عن أبي الزناد أنه ذكر عن فقهاء المدينة السبعة وقال ربما اختلفوا في الشيء فأخذنا بقول أكثرهم وأفضلهم رأيا فكان الذي وعيت عنهم على هذه الصفة : إن من اكترى دابة إلى بلد ثم جاوز ذلك إلى بلده سواه فإن الدابة إن سلمت في ذلك كله أدى كراءها وكراء ما بعدها وإن تلفت في تعديها ضمنها وأدى كراءها الذي تكاراها به وهذا قول الحكم و ابن شبرمة و الشافعي
وقال الثوري و أبو حنيفة : لا أجر عليه لما زاد لأن المنافع عندهما لا تضمن في الغصب وحكي عن مالك أنه إذا تجاوز بها إلى مسافة بعيدة يخير صاحبها بين أجر المثل وبين المطالبة بقيمتها يوم التعدي لأنه متعد بإمساكها حابس لها عن أسواقها فكان لصاحبها تضمينها إياه
ولنا أن العين باقية بحالها يمكن أخذها فلم تجب قيمتها كما لو كانت المسافة قريبة وما ذكره تحكم لا دليل عليه ولا نظير له فلا يجوز المصير إليه وقد مضى الكلام مع أبي حنيفة في الغصب
الفصل الثاني في الضمان :
ظاهر كلام الخرقي وجوب قيمتها إذا تلفت به سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن وهذا ظاهر مذهب الفقهاء السبعة إذا تلفت حال التعدي لما حكينا عنهم وقال القاضي : إن كان المكتري نزل عنها وسلمها إلى صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت فلا ضمان على المكتري وإن هلكت والمكتري راكب عليها أو حمله عليها فعليه ضمانها وقال أبو الخطاب : إن كانت يد صاحبها عليها احتمل أن يلزم المكتري جميع قيمتها واحتمل أن يلزمه نصف قيمتها وقال أصحاب الشافعي : إن لم يكن صاحبها معها لزم المكتري قيمتها كلها وإن كان معها فتلفت في يد صاحبها لم يضمنها المكتري لأنها تلفت في يد صاحبها أشبه ما لو تلفت بعد مدة التعدي وإن تلفت تحت الراكب ففيه قولان أحدهما : يلزمه نصف قيمتها لأنها تلفت بفعل مضمون وغير مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحته وجراحة مالكها والثاني : تقسط القيمة على المسافتين فما قابل مسافة الإجارة سقط ووجب الباقي ونحو هذا قول أبي حنيفة فإنه قال من اكترى جملا لحمل تسعة فحمل عشرة فتلف فعلى المكتري عشر قيمته وموضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان صاحبها مع راكبها أو تلفت في يد صاحبها فأما إذا تلفت حال التعدي ولم يكن صاحبها مع راكبها فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها لأنها تلفت في يد عادية فوجب ضمانها كالمغصوبة وكذلك إذا تلفت تحت الراكب أو تحت حمله وصاحبها معها لأن اليد للراكب وصاحب الحمل بدليل أنهما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل والآخر أخذ بزمامها لكانت للراكب ولصاحب الحمل ولأن الراكب متعد بالزيادة وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان كمن جلس إلى إنسان فحرق ثيابه وهو ساكت ولأنها إن تلفت بسبب تعبها فالضمان على المتعدي كمن ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها فأما إن تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها فينظر فإن كان تلفها بسبب تعبها بالحمل والسير فهو كما لو تلفت تحت الحمل والراكب وإن تلفت بسبب آخر من افتراس سبع أو سقوط في هوة ونحو ذلك فلا ضمان فيها لأنها لم تتلف في يد عادية ولا بسبب عدوان وقولهم تلفت بفعل مضمون وغير مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحتين يبطل بما إذا قطع السارق ثم قطع آخر يده عدوانا فمات منهما وفارق ما إذا جرح نفسه وجرحه غيره لأن الفعلين عدوان فقسم الضمان عليهما
فصل : ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة وبه قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي وقال محمد : يسقط كما لو تعدى في الوديعة ثم ردها
ولنا أنها يد ضامنة فلا يزول الضمان عنها إلا بإذن جديد ولم يوجد وما ذكروه في الوديعة لا نسلمه إلا أن يردها إلى مالكها أو يجدد له إذنا
مسألة : قال : وكذلك إن اكترى لحمولة شيء فزاد عليه :
وجملة ذلك أن من اكترى لحمل شيء فزاد عليه مثل أن يكتريها لحمل قفيزين فحمل ثلاثة فحكمه حكم من اكترى إلى موضع فجاوزه إلى سواء في وجوب الأجر المسمى وأجر المثل لما زاد ولزوم الضمان إن تلفت هذا قول الشافعي وحكى القاضي أن قول أبي بكر في هذه المسألة وجوب أجر المثل في الجميع وأخذه من قوله فيمن استأجر أرضا ليزرعها شعيرا فزرعها حنطة قال عليه أجر المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فأشبه ما لو استأجر أرضا فزرع أخرى فجمع القاضي رحمه الله بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر وقال : ينقل قول كل واحد من إحدى المسألتين إلى الأخرى لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون في المسألتين وجهان وليس الأمر كذلك فإن بين المسألتين فرقا ظاهرا فإن الذي حصل التعدي فيه في الحمل متميز عن المعقود عليه وهو القفيز الزائد بخلاف الزرع ولأنه في مسألة الحمل استوفى المنفعة المعقود عليها وزاد وفي الزرع لم يزرع ما وقع العقد عليه ولهذا علله أبو بكر بأنه عدل عن المعقود عليه ولا يصح هذا القول في مسألة الحمل فإنه قد حمل المعقود عليه وزاد عليه بل إلحاق هذه المسألة بما إذا اكترى مسافة وزاد عليها أشد وشبهها بها أشد ولأنه في مسألة الحمل متعد بالزيادة وحدها وفي مسألة الزرع متعد بالزرع كله فأشبه الغاصب فأما مسألة الزرع فيما إذا اكترى أرضا لزرع الشعير فزرع حنطة فقد نص أحمد في رواية عبد الله فقال ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير فيعطى رب الأرض فجعل هذه المسألة كمسألتي الخرقي في إيجاب المسمى وأجر المثل للزائد ووجهه أنه لما عين الشعير لم يتعين ولم يتعلق العقد بعينه كما سبق ذكره ولهذا قلنا له زرع مثله وما هو دونه في الضرر فإذا زرع حنطة فقد استوفى حقه وزيادة أشبه ما لو اكتراها إلى موضع فجاوزه وقال أبو بكر له : أجر المثل وعلله بأنه عدل عن المعقود عليه فإن الحنطة ليست شعيرا وزيادة وإن قلنا إنه قد استوفى المعقود عليه وزيادة غير أن الزيادة ليست متميزة عن المعقود عليه بخلاف مسألتي الخرقي وقال الشافعي : المكتري يخير بين أخذ الكراء وما نقصت الأرض عما ينقصها الشعير وبين أخذ كراء مثلها للجميع لأن هذه المسألة أخذت شبها من أصلين
أحدهما : إذا ركب دابة فجاز بها المسافة المشروطة لكونه استوفى المعقود عليه وزيادة والثاني : إذا استأجر أرضا فزرع غيرها لأنه زرع متعديا فلهذا خيره بينهما ولأنه وجد سبب يقتضي كل واحد من الحكمين وتعذر الجمع بينهما فكان له أوفرهما وفوض اختياره إلى المستحق كقتل العمد ومن نصر أبا بكر قال : هذا متعد بالزرع كله فكان عليه أجر المثل كالغاصب ولهذا يملك رب الأرض منعه من زرعه ويملك أخذه بنفقته إذا زرعه ويفارق من زاد على حقه زيادة متميزة فإنه غير متعد بالجميع إنما تعدى بالزيادة وحدها ولهذا لا يملك المكري منعه من الجميع ونظير هاتين المسألتين من اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة حنطة فترك فيها أكثر منها ومن اكتراها ليجعل فيها قنطارا من القطن فجعل فيها قنطارا من حديد ففي الأولى له المسمى وأجر الزيادة وفي الثانية يخرج فيها من الخلاف مثل ما قلنا في مسألة الزرع وحكم المستأجر الذي يزرع أضر مما اكترى له حكم الغاصب لرب الأرض منعه في الابتداء لما يلحقه من الضرر فإن زرع فرب الأرض مخير بين ترك الزرع بالأجر وبين أخذه ودفع النفقة وإن لم يعلم حتى أخذ المستأجر زرعه فله الأجرة لا غير على ما ذكرنا في باب الغصب
فصل : وإن اكترى دابة إلى ماسفة فسلك أشق منها فهي مثل مسألة الزرع يخرج فيها وجهان قياس المنصوص عن أحمد أن له الأجر المسمى وزيادة لكون المسافة لا تتعين على قول أصحابنا وقياس قول أبي بكر أن له أجر المثل لأن الزيادة غير متميزة ولأنه متعد بالجميع بدليل أن لرب الدابة منعه من سلوك تلك الطريق كلها بخلاف من سلك تلك الطريق وجاوز فإنه إنما يمنعه الزيادة لا غير وإن اكترى لحمل قطن فحمل بوزنه حديدا أو لحمل حديد فحمل قطنا فالصحيح أن عليه أجر المثل ههنا لأن ضرر أحدهما مخالف لضرر الأرض فلم يتحقق كون المحمول مشتملا على المستحق بعقد الإجارة وزيادة عليه بخلاف ما قبلها من المسائل وسائر مسائل العدوان في الإجارة يقاس على ما ذكرنا من المسائل ما كان متميزا وما لم يكن متميزا فتلحق كل مسألة بنظيرتها والله أعلم
فصل : إذا أكراه لحمل قفيزين فحملهما فوجدهما ثلاثة فإن كان المكتري تولى الكيل ولم يعلم المكري بذلك فحكمه حكم من اكترى لحمولة شيء فزاد عليه وإن كان المكري تولى كيله وتعبيته ولم يعلم المكتري فهو غاصب لا أجر له في حمل الزائد وإن تلفت دابته فلا ضمان لها لأنها تلفت بعدوان صاحبها وحكمه في ضمان الطعام حكم من غصب طعام غيره وإن تولى ذلك أجنبي ولم يعلم المكري والمكتري فهو متعد عليهما يلزمه لصاحب الدابة الأجر ويتعلق به الضمان ويلزمه لصاحب الطعام ضمان طعامه وسواء كاله أحدهما ووضعه الآخر على ظهر الدابة أو كان الذي كاله وعبأه وضعه على ظهرها وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين إذا كاله المكتري ووضعه المكري على ظهر البهيمة لا ضمان على المكتري لأن المكري مفرط في حمله
ولنا أن التدليس ليس من المكتري إذ أخبره بكيلها على خلاف ما هو به فلزمه الضمان كما لو أمر أجنبيا بتحميلها فأما إن كالها المكتري ورفعها المكري على الدابة عالما بكيلها لم يضمن المكتري دابته إذا تلفت لأنه فعل ذلك من غير تدليس ولا تغرير وهل له أجر القفيز الزائد ؟ يحتمل وجهين أحدهما : لا أجر له لأن المكتري لم يجعل له على ذلك أجرا والثاني : له أجر الزائد لأنهما اتفقا على حمله على سبيل الإجارة فجرى مجرى المعاطاة في البيع ودخول الحمام من غير تقدير أجره وإن كاله المكري وحمله المكتري على الدابة عالما بذلك من غير أن يأمره بحمله عليها فعليه أجر القفيز الزائد وإن أمره بحمله عليها ففي وجوب الأجر وجهان كما لو حمله المكري عليها لأنه إذا أمر به كان ذلك كفعله وإن كاله أحدهما وحمله أجنبي بأمره فهو كما لو حمله الذي كاله وإن كان بأمر الآخر فهو كما لو حمله الآخر وإن حمله بغير أمرهما فهو كما لو كاله ثم حمله

مسألتان : كراء مدة الغزاة لا يصح إلا إذا سمى لكل يوم شيئا معلوما
مسألة : قال : ولا يجوز أن يكتري مدة غزاته :
هذا قول أكثر أهل العلم منهم الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك : قد عرف وجه ذلك وأرجو أن يكون حقيقا ولنا أن هذه إجارة في مدة مجهولة وعمل مجهول فلم يجز كما لو أكراها لمدة سفره في تجارته ولأن مدة الغزاة تطول وتقصر ولا حد لها تعرف به والعمل فيها يقل ويكثر ونهاية سفرهم تقرب وتبعد فلم يجز التقدير بها كغيرها من الأسفار المجهولة فإن فعل ذلك فله أجر المثل لأنه عقد على عوض لم يسلم له لفساد العقد فوجب أجر المثل كسائر الإجارات الفاسدة
مسألة : قال : فإن سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز :
وجملته أن من اكترى فرسا مدة غزوه كل يوم بدرهم فالمنصوص عن أحمد صحته وقال الشافعي : هذا فاسد لأن مدة الإجارة مجهولة
ولنا أن عليا رضي الله عنه أجر نفسه كل دلو بتمرة وكذلك الأنصاري ولم ينكره النبي صلى الله عليه و سلم ولأن كل يوم معلوم مدته وأجرته فصح كما لو قال أجرتكها شهرا كل يوم بدرهم أو قال استأجرتك لنقل هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ولا بد من تعيين ما يستأجر له إما لركوب أو حمل معلوم ويستحق الأجر المسمى لكل يوم سواء كانت مقيمة أو سائرة لأن المنافع ذهبت في مدته فأشبه ما لو اكترى دارا فأغلقها ولم يسكنها وإن أجر نفسه لسقي نخل كل دلو بتمرة أو بفلس أو أجر معلوم جاز للأثر الوارد فيه ولأن كل عمل معلوم له عوض معلوم فجاز كما لو سمى دلاء معروفة ولا بد من معرفة الدلو والبئر وما يستسقى به لأن العمل يختلف به

فصل : حكم استئجار الدابة في مدة معينة وأجر معلوم عن كل يوم
فصل : ونقل أبو الحارث عن أحمد في رجل استأجر دابة في عشرة أيام بعشرة دراهم فإن حبسها أكثر من ذلك فله بكل يوم درهم فهو جائز ونقل ابن منصور عنه فيمن اكترى دابة من مكة إلى جدة بكذا فإن ذهب إلى عرفات بكذا فلا بأس ونقل عبد الله عنه لو قال أكريتكها بعشرة فما حبسها فعليه كل يوم عشرة وهذه الروايات تدل على أن مذهبه أنه متى قدر لكل عمل معلوم أجرا معلوما صح ويتأول القاضي هذا كله على أنه يصح في الأول ويفسد في الثاني لأن مدته غير معلومة فلم يصح العقد فيه كما لو قال استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم وما زاد فبحساب ذلك والظاهر خلاف هذا فإن قوله : فهو جائز عاد إلى جميع ما ذكر قبله وكذلك قوله لا بأس ولأن لكل عمل عوضا معلوما فصح كما لو استقى له كل دلو بتمرة وقد ثبت الأصل بالخبر الوارد فيه ومسألة الصبرة لا نص فيها عن الإمام وقياس نصوصه صحة الإجارة وإن سلم فسادها فلأن القفزان التي شرط حملها غير معلومة بتعيين ولا صفة وهي مختلفة فلم يصح العقد لجهالتها بخلاف الأيام فإنها معلومة

فصلان : تفاوت الأجرة في إخاطة الثوب بالأسرع والأبطأ
فصل : وإن قال إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فعن أحمد فيه روايتان إحداهما : لا يصح وله أجر المثل نقلها أبو الحارث عن أحمد وهذا مذهب مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي ثور لأنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلم يصح كما لو قال بعتك نقدا بدرهم أو بدرهمين نسيئة والثانية : يصح وهو قول الحارث العكلي وأبي يوسف ومحمد لأنه سمى لكل عمل عوضا معلوما فصح كما لو قال كل دلو بتمرة
وقال أبو حنيفة : إن خاطه اليوم فله درهم وإن خاطه غدا لا يزاد على درهم ولا ينقص عن نصف درهم لأن المؤجر قد جعل له نصف درهم فلا ينقص منه وهو قد رضي في أكثر العملين بدرهم فلا يزاد عنه وهذا لا يصح لأنه إن صح العقد فله المسمى وإن فسد فوجوده كالعدم ويجب أجر المثل كسائر العقود الفاسدة
فصل : وإن قال : إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم ففيها وجهان بناء على التي قبلها والخلاف فيها كالتي قبلها لأن أبا حنيفة وافق صاحبيه في الصحة ههنا
ولنا أنه عقد معاوضة لم يتعين فيه العوض ولا المعوض فلم يصح كما لو قال بعتك هذا بدرهم أو هذا بدرهمين وفارق هذا كل دلو بتمرة من وجهين أحدهما : أن العمل الثاني ينضم إلى العمل الأول ولكل واحد منهما عوض مقدر فأشبه ما لو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وههنا الخياطة واحدة شرط فيها عوضا إن وجدت على صفة وعوضا آخر إن وجدت على أخرى فأشبه ما لو باعه بعشرة صحاح أو إحدى عشرة مكسرة والثاني : أنه وقف الإجارة على شرط بقوله إن خطته كذا فلك كذا وإن خطته كذا فلك كذا بخلاف قوله كل دلو بتمرة

فصلان : الكراء لحمل الصبرة وأحكامها
فصل : ونقل مهنا عن أحمد فيمن استأجر من حمال إلى مصر بأربعين دينارا فإن نزل دمشق فكراؤه ثلاثون فإن نزل الرقة فكراؤه عشرون فقال إذا اكترى إلى الرقة بعشرين واكترى إلى دمشق بعشرة واكترى إلى مصر بعشرة جاز ولم يكن للحمال أن يرجع فظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة العقد الأول لأنه في معنى بيعتين في بيعة لكونه خيره بين ثلاثة عقود ويخرج فيه أن يصح بناء على المسألتين قبل هذا ونقل البرزاطي عن أحمد في رجل استأجر رجلا يحمل له كتابا إلى الكوفة وقال إن وصلت الكتاب يوم كذا وكذا فلك عشرون وإن تأخرت بعد ذلك بيوم فلك عشرة فالإجارة فاسدة وله أجر مثله وهذا مثل الذي قبله ونقل عبد الله فيمن اكترى دابة وقال إن رددتها غدا فكراؤها عشرة وإن رددتها اليوم فكراؤها خمسة فلا بأس وهذه الرواية تدل على صحة الإجارة والظاهر عن أحمد في رواية الجماعة فيما ذكرنا فساد العقد وهو قياس بيعتين في بيعة والله أعلم
فصل في مسائل الصبرة وفيها عشر مسائل :
إحداها : قال استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة إلى مصر بعشرة فالإجارة صحيحة بغير خلاف نعلمه لأن الصبرة معلومة بالمشاهدة التي يجوز بيعها بها فجاز الاستئجار عليها كما لو علم كيلها الثانية : قال استأجرتك لتحملها لي كل قفيز بدرهم فيصح أيضا وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يصح في قفيز ويبطل فيما زاد ومبنى الخلاف على الخلاف في بيعها وقد ذكرناه الثالثة : قال لتحملها لي قفيزا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك فيجوز كما لو قال كل قفيز بدرهم وكذلك كل لفظ يدل على إرادة حمل جميعها كقوله لتحمل منها قفيزا بدرهم وسائرها أو باقيها بحساب ذلك أو قال وما زاد بحساب ذلك يريد به باقيها كله إذا فهما ذلك من اللفظ لدلالته عندهما عليه أو لقرينة صرفت إليه الرابعة : قال لتحمل منها قفيزا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك يريد مهما حملت من باقيها فلا يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن المعقود عليه بعضها وهو مجهول ويحتمل أن يصح لأنه في معنى كل دلو بتمرة الخامسة : قال لتنقل لي منها كل قفيز بدرهم فهي كالرابعة سواء السادسة : قال لتحمل منها قفيزا بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك فلا يصح لأنه في معنى بيعتين في بيعة ويحتمل أن يصح لأن معناه لتحمل لي كل قفيز بدرهم السابعة : قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وتنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك فإن كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة صح فيهما لأنهما كالصبرة الواحدة وإن جهلها أحدهما صح في الأولى وبطل في الثانية لأنهما عقدان أحدهما على معلوم والثاني على مجهول فصح في المعلوم وبطل في المجهول كما لو قال بعتك عبدي هذا بعشرة وعبدي الذي في البيت بعشرة الثامنة : قال لتحمل لي هذه الصبرة والتي في البيت بعشرة فإن كانا يعلمان التي في البيت صح فيهما وإن جهلاها بطل فيهما لأنه عقد واحد بعوض واحد على معلوم ومجهول بخلاف التي قبلها فإن كانا يعلمان التي في البيت لكنها مغصوبة أو امتنع تصحيح العقد فيها لمانع اختص بها بطل العقد فيها وفي صحته وفي صحة الأخرى وجهان بناء على تفريق الصفقة إلا أنهما إن كانت قفزانهما معلومة أو قدر أحدهما معلوم من الأخرى فالأولى صحته لأن قسط الأجر فيها معلوم وإن لم يكن كذلك فالأولى بطلانه لجهالة العوض فيها التاسعة : قال لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم فإن زادت على ذلك فالزائد بحساب ذلك صح في العشرة لأنها معلومة ولم يصح في الزيادة لأنها مشكوك فيها ولا يجوز العقد على ما يشك فيه العاشرة : قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فإن قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك صح أيضا في الصبرة وفسد في الزيادة لما ذكرناه

مسألة وفصول : الكراء للحمل وما ينبغي للمكري والمكتري معرفته وكراء العقب وصنعة الطريق
مسألة : قال : ومن اكترى إلى مكة فلم ير الجمال الراكبين والمحامل والأغطية والأوطئة لم يجز الكراء :
أجمع أهل العلم على إجازة كراء الإبل إلى مكة وغيرها وقد قال الله تعالى { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } ولم يفرق بين المملوكة والمكتراة وروي عن ابن عباس في قوله تعالى { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } أن تحج وتكري ونحوه عن ابن عمر ولأن بالناس حاجة إلى السفر وقد فرض الله تعالى عليهم الحج وأخبر أنهم يأتون رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق وليس لكل أحد بهيمة يملكها ولا يقدر على معاناتها والقيام بها والشد عليها فدعت الحاجة إلى استئجارها فجاز دفعا للحاجة إذا ثبت هذا فمن شرط صحة العقد معرفة المتعاقدين ما عقدا عليه لأنه عقد معاوضة محضة فكان من شرطه المعرفة للمعقود عليه كالبيع فأما الجمال فيحتاج إلى معرفة الراكبين والآلة التي يركبون فيها من محمل أو مجارة وغيرها ويحتاج إلى معرفة الوطاء الذي يوطأ به المحمل والمعاليق التي معه من قربة وسطيحة وسفرة ونحوها وذكر سائر ما يحمل معه وبهذا قال الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر إلا أن الشافعي قال : يجوز إطلاق غطاء المحمل لأنه لا يختلف اختلافا متباينا وحكي عنه في المعاليق قول أنه يجوز إطلاقها وتحمل على العرف وحكي عن مالك أنه يجوز إطلاق الراكبين لأن أجسام الناس متقاربة في الغالب وقال أبو حنيفة : إذا قال في المحمل رجلان وما يصلحهما من الوطاء والدثر جاز استحسانا لأن ذلك يتقارب في العادة فحمل على العادة كالمعاليق وقال القاضي في غطاء المحمل كقول الشافعي
ولنا أن هذا يختلف ويتباين كثيرا فاشترطت معرفته كالطعام الذي يحمل معه وقولهم : إن أجسام الناس متقاربة لا يصح فإن منهم الكبير والصغير والطويل والقصير والسمين والهزيل والذكر والأنثى ويختلفون بذلك ويتباينون كثيرا ويتفاوتون أيضا في المعاليق فمنهم من يكثر الزاد والحوائج ومنهم من يقنع باليسير ولا عرف له يرجع إليه فاشترطت معرفته كالمحمل والأوطئة وكذلك غطاء المحمل من الناس من يختار الواسع الثقيل الذي يشتد على الحمل في الهواء ومنهم من يقنع بالضيق الخفيف فتجب معرفته كسائر ما ذكرنا
وأما المستأجر فيحتاج إلى معرفة الدابة التي يركب عليها لأن الغرض يختلف بذلك وتحصل بأحد أمرين إما بالرؤية فيكتفي بها لأنها أعلى طرق العلم إلا أن يكون مما يحتاج إلى معرفة صفة المسمى فيه كالرهوال وغيره فإما أن يجربه فيعلم ذلك برؤيته وإما أن يصفه وإما بالصفة فإذا وجدت اكتفي بها لأنه يمكن ضبطه بالصفة فجاز العقد عليه كالبيع وإذا استأجر بالصفة للركوب احتاج إلى ذكر الجنس فيقول إبل أو خيل أو بغال أو حمير والنوع فيقول بختي أو عرابي وفي الخيل عربي أو برذون وفي الحمير مصري أو شامي وإن كان في النوع ما يختلف كالمهملج من الخيل والقطوف احتيج إلى ذكره وذكر القاضي أنه يحتاج إلى معرفة الذكورية والأنوثية وهو مذهب الشافعي لأن الغرض يختلف بذلك فإن الأنثى أسهل والذكر أقوى ويحتمل أنه لا يحتاج إلى معرفة ذلك لأن التفاوت فيه يسير ومتى كان الكراء إلى مكة فالصحيح أنه لا يحتاج إلى ذكر الجنس ولا النوع لأن العادة أن الذي يحمل عليه في طريق مكة إنما هو الجمال العراب دون البخاتي
فصل : وإذا كان الكراء إلى مكة أو طريق لا يكون السير فيه إلى اختيار المتكاريين فلا وجه لذكر تقدير السير فيه لأن ذلك ليس إليهما ولا مقدور عليه لهما وإن كان في طريق السير فيه إليهما استحب ذكر قدر السير في كل يوم فإن أطلق وللطريق منازل معروفة جاز العقد عليه مطلقا لأنه معلوم بالعرف ومتى اختلفا في ذلك وفي ميقات السير ليلا أو نهارا أو في موضع المنزل إما في داخل البلد أو خارج منه حملا على العرف كما لو أطلقا الثمن في بلد فيه نقد معروف وإن لم يكن للطريق عرف وأطلقا العقد فقال القاضي : لا يصح كما لو أطلقا الثمن في بلد لا عرف فيه والأولى أن هذا ليس بشرط لأنه لو كان شرطا لما صح العقد بدونه في الطريق المخوف ولأنه لم تجز العادة بتقدير السير في طريق ومتى اختلفا رجع إلى العرف في غير تلك الطريق
فصل : وإن اشترط حمل زاد مقدر كمائة رطل نظرنا فإن شرط أنه يبدل منها ما نقص بالأكل أو غيره فله ذلك وإن شرط أن ما نقص بالأكل لا يبدله لم يكن له إبداله فإن ذهب بغير الأكل كسرقة أو سقوط فله إبداله لأن ذلك لم يدخل في شرطه وإن أطلق العقد فله إبدال ما ذهب بسرقة أو سقوط أو أكل غير معتاد بغير خلاف وإن نقص بالأكل المعتاد فله إبداله أيضا لأنه استحق حمل مقدار معلوم فملك إبدال ما نقص منه كما لو نقص بسرقة ويحتمل أنه لا يملك إبداله لأن العرف جار بأن الزاد ينقص فلا يبدل فحمل العقد عند الإطلاق على العرف وصار كالمصرح به وقال الشافعي : القياس أن له إبداله ولو قيل : ليس له إبداله كان مذهبا لأن العادة أن الزاد لا يبقى جميع المسافة ولذلك يقل أجره عن أجر المتاع
فصل : وإذا اكترى جملا ليحج عليه فله الركوب عليه إلى مكة ومن مكة إلى عرفة والخروج عليه إلى منى لأنه من تمام الحج وقيل ليس له الركوب إلى منى لأنه بعد التحلل من الحج والأولى أن له ذلك لأنه من تمام الحج وتوابعه ولذلك وجب على من وجب عليه دون غيره فدخل في قول الله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ومن اكترى إلى مكة فقط فليس له الركوب إلى الحج لأنها زيادة ويحتمل أن له ذلك لأن الكراء إلى مكة عبارة عن الكراء للحج لكونها لا يكترى إليها إلا للحج غالبا فكان بمنزلة المكتري للحج
فصل : فيما يلزم المكري والمكتري للركوب يلزم المكري كل ما جرت العادة أن يوطأ به المركوب للراكب من الحداجة للجمل والقتب والزمام الذي يقاد به البعير والبرة التي في أنف البعير إن كانت العادة جارية بينهم بها وإن كان فرسا فاللجام والسرج وإن كان بغلا أو حمارا فالبرذعة والأكاف لأن هذا هو العرف فحمل الإطلاق عليه وعلى المكتري ما يزيد على ذلك كالمحمل والمحارة والحبل الذي يشد به بين المحملين أو المحارتين لأن ذلك من مصلحة المحمل والوطاء الذي يشد فوق الحداجة تحت الحمل وعلى المكري رفع المحمل على الجمل ورفع الأحمال وشدها وحطها لأن هذا هو العرف وبه يتمكن من الركوب ويلزمه القائد والسائق هذا إذا كان الكراء على أن يذهب مع المكتري وإن كان على أن يتسلم الراكب البهيمة يركبها لنفسه فكل ذلك عليه لأن الذي على المكري تسليم البهيمة وقد سلمها فأما الدليل فهو على المكتري لأن ذلك خارج عن البهيمة المكتراة وآلتها فلم يلزمه كالزاد وقيل : إن كان اكترى منه بهيمة بعينها فأجرة الدليل على المكتري لأن الذي عليه أن يسلم الظهر وقد سلمه وإن كانت على حمله إلى مكان معين في الذمة فهو على المكري لأنه من مؤنة إيصاله إليه وتحصيله فيه
فصل : وإذا كان الراكب ممن لا يقدر على الركوب والبعير قائم كالمرأة والشيخ والضعيف والسمين وشبههم فعلى الجمال أن يبرك الجمل لركوبه ونزوله لأنه لا يتمكن من الركوب والنزول إلا به وإن كان ممن يمكنه الركوب والنزول والبعير قائم لم يلزم الجمال أن يبرك له الجمل لأنه يمكن استيفاء المعقود عليه بدون هذه الكلفة وإن كان قويا حال العقد فضعف في أثنائه أو ضعيفا فقوي فالاعتبار بحال الركوب لأن العقد اقتضى ركوبه بحسب العادة ويلزم الجمال أن يقف البعير لينزل لصلاة الفريضة وقضاء حاجة الإنسان وطهارته ويدع البعير واقفا حتى يفعل ذلك لأنه لا يمكنه فعل شيء من هذا على ظهر البعير وما أمكنه فعله عليه من الأكل والشرب وصلاة النافلة من السنن وغيرها لم يلزمه أن يبركه له ولا يقف عليه من أجله وإن أراد المكتري إتمام الصلاة وطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه ذلك بل تكون خفيفة في تمام ومن اكترى بعيرا لإنسان يركبه لنفسه وسلمه إليه لم يلزمه سوى ذلك لأنه وفى له بما عقد عليه فلم يلزمه شيء سواه
فصل : وإذا اكترى ظهرا في طريق العادة فيه النزول والمشي عند اقتراب المنزل والمكتري امرأة أو ضعيف لم يلزمه النزول لأنه اكتراه جميع الطريق ولم تجر له عادة بالمشي فلزم حمله في جميع الطريق كالمتاع وإن كان جلدا قويا ففيه وجهان أحدهما : لا يلزمه النزول أيضا لأنه عقد على جميع الطريق فلا يلزمه تركه في بعضها كالضعيف والثاني : يلزمه لأنه متعارف والمتعارف كالمشروط
فصل : وإن هرب الجمال في بعض الطريق أو قبل الدخول فيها لم يخل من حالين أحدهما : أن يهرب بجماله فينظر فإن لم يجد المستأجر حاكما أو وجد حاكما لم يمكن إثبات الحال عنده أو أمكن الإثبات عنده ولا يحصل له ما يكتري به ما يستوفي حقه منه فللمستأجر فسخ الإجارة لأنه تعذر عليه قبض المعقود عليه فأشبه ما لو أفلس المشتري أو انقطع المسلم فيه عند محله فإن فسخ العقد وكان الجمال قد قبض الأجر كان دينا في ذمته وإن اختار المقام على العقد وكانت الإجارة على عمل في الذمة فله ذلك ومتى قدر على الجمال طالبه به وإن كان العقد على مدة انقضت في هربه انفسخ العقد بذلك وإن أمكنه إثبات الحال عند الحاكم وكان العقد على موصوف غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الأمر إلى الحاكم ويثبت عنده حاله فينظر الحاكم فإن وجد للجمال مالا اكترى به له وإن لم يجد له مالا وأمكنه أن يقترض على الجمال من بيت المال أو من غيره ما يكتري له به فعل فإن دفع الحاكم المال إلى المكتري ليكتري لنفسه به جاز في ظاهر كلام أحمد وإن اقترض عليه من المكتري ما يكري به جاز وصار دينا في ذمة الجمال وإن كان العقد على معين لم يجز إبداله ولا اكتراء غيره لأن العقد تعلق بعينه فيتخير المكتري بين الفسخ أو البقاء إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعمل
الحال الثاني : إذا هرب الجمال فترك جماله فإن المكتري يرفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد للجمال مالا استأجر به من يقوم مقام الجمال في الإنفاق على الجمال والشد عليها وحفظها وفعل ما يلزم الجمال فعله فإن لم يجد له غير الجمال وكان فيها فضلة عن الكراء باع بقدر ذلك وإن لم يكن فيها فضل أو لم يمكن بيعه اقترض عليه الحاكم كما قلنا وإن أدان من المكتري وأنفق جاز وإن أذن للمكتري في الإنفاق من ماله بالمعروف ليكون دينا على الجمال جاز لأنه موضع حاجة وإذا رجع الجمال واختلفا فيما أنفق نظرنا فإن كان الحاكم قدر له ما ينفق قبل قوله في قدر ذلك وما زاد لا يحتسب به وإن لم يقدر له قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف لأنه أمين وما زاد لا يرجع به لأنه متطوع به وإذا وصل المكتري رفع الأمر إلى الحاكم ففعل ما يرى الحظ فيه من بيع الجمال فيوفى عن الجمال ما لزمه من الدين للمكتري أو لغيره ويحفظ باقي الثمن له وإن رأى بيع بعضها وحفظ باقيها والإنفاق على الباقي من ثمن ما باع جاز وإن لم يجد حاكما أو عجز عن استدانة فله أن ينفق عليها ويقيم مقام الجمال فيما يلزمه فإن فعل ذلك متبرعا لم يرجع بشيء وإن نوى الرجوع وأشهد على ذلك رجع به لأنه حال ضرورة وهذا أحد الوجهين للشافعي وإن لم يشهد ونوى الرجوع ففي الرجوع وجهان أحدهما : يرجع به لأن ترك الجمال مع العلم بأنها لا بد لها من نفقة إذن في الإنفاق والثاني : لا يرجع به لأنه يثبت لنفسه حقا على غيره وكذلك إن لم يجد من يشهده فأنفق محتسبا بالرجوع وقياس المذهب أن له الرجوع لقولنا يرجع بما أنفق على الآبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة المرهونة ولو قدر على استئذان الحاكم فأنفق من غير استئذانه وأشهد على ذلك ففي رجوعه وجهان أيضا وحكم موت الجمال حكم هربه وقال أبو بكر مذهب أحمد أن الموت لا يفسخ الإجارة وله أن يركبها ولا يسرف في علفها ولا يقصر ويرجع بذلك في مال المتوفى فإن لم يكن في يد المستأجر ما ينفقه لم يجز أن يبيع منها شيئا لأن البيع إنما يجوز من المالك أو من نائبه أو ممن له ولاية عليه
فصل : قال أصحابنا : يصح كراء العقبة وهو مذهب الشافعي ومعناها الركوب في بعض الطريق يركب شيئا ويمشي شيئا لأنه إذا جاز اكتراؤها في الجميع جاز اكتراؤها في البعض ولا بد من كونها معلومة إما أن يقدرها بفراسخ معلومة وإما بالزمان مثل أن يركب ليلا ويمشي نهارا ويعتبر في هذا زمان السير دون زمان النزول وإن اتفقا على أن يركب يوما ويمشي يوما جاز فإن اكترى عقبة وأطلق احتمل أن يجوز ويحمل على العرف ويحتمل أن لا يصح لأن ذلك يختلف وليس له ضابط فيكون مجهولا وإن اتفقا على أن يركب ثلاثة أيام ويمشي ثلاثة أيام أو ما زاد ونقص جاز وإن اختلفا لم يجبر الممتنع منهما لأن فيه ضررا على كل واحد منهما : الماشي لدوام المشي عليه وعلى الجمل لدوام الركوب عليه ولأنه إذا ركب بعد شدة تعبه كان أثقل على البعير
وإن اكترى اثنان جملا يركبانه عقبة وعقبة جاز ويكون كراؤهما طول الطريق والاستيفاء بينهما على ما يتفقان عليه وإن تشاحا قسم بينهما لكل واحد منهما فراسخ معلومة أو لأحدهما الليل وللآخر النهار وإن كان لذلك عرف رجع إليه وإن اختلفا في البادئ منهما أقرع بينهما ويحتمل أن لا يصح كراؤهما إلا أن يتفقا على ركوب معلوم لكل واحد منهما لأنه عقد على مجهول بالنسبة إلى كل واحد منهما فلم يصح كما لو اشتريا عبدين على أن لكل واحد منهما عبدا معينا منهما
مسألة : قال : فإن رأى الراكبين أو وصفا له وذكر الباقي بأرطال معلومة فجائز :
وجملته أن المعرفة بالوصف تقوم مقام الرؤية في الراكبين إذا وصفهما بما يختلفان به في الطول والقصر والهزال والسمن والصحة والمرض والصغر والكبر والذكورية والأنوثية والباقي يكفي فيه ذكر الوزن وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب : لا بد من معرفة الراكبين بالرؤية لأنه يختلف بثقله وخفته وسكوته وحركته ولا ينضبط بالوصف فيجب تعيينه وهذا مذهب الشافعي ولهم في المحمل وجه أنه لا تكفي فيه الصفة ويجب تعيينه
ولنا أنه عقد معاوضة مضاف إلى حيوان فاكتفي فيه بالصفة كالبيع وكالمركوب في الإجارة ولأنه لو لم يكتف فيه بالصفة لما جاز للراكب أن يقيم غيره مقامه لأنه إنما يعلم كونه مثله لتساويهما في الصفات فما لا تأتي عليه الصفات لا يعلم التساوي فيه ولأن الوصف يكتفي به في البيع فاكتفى به في الإجارة كالرؤية والتفاوت بعد ذكر الصفات الظاهرة يسير تجري المسامحة فيه كالمسلم فيه

فصول : اكتراء الدواب والإبل للحمولة أو للعمل أو لعمل لم يخلق له
فصل : ويجوز اكتراء الدواب والإبل للحمولة قال الله تعالى { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } والحمولة بالضم الإحمال والحمولة بالفتح التي يحمل عليها قال الله تعالى : { ومن الأنعام حمولة وفرشا } الحمولة الكبار والفرش الصغار وقيل الحمولة الإبل والفرش الغنم لأنها لا تحمل ولا يحتاج إلى معرفة الحمولة لأن الغرض حمل المتاع دون ما يحمله بخلاف الركوب فإن للراكب غرضا في المركوب من سهولته وحاله وسرعته وإن اتفق وجود غرض في الحمولة مثل أن يكون المحمول شيئا تضره كثرة الحركة كالفاكهة والزجاج أو كون الطريق مما يعسر على بعضها دون بعض فينبغي أن يذكر في الإجارة وأما الإحمال فلا بد من معرفتها فإن لم يعرفها لم يجز لأن ذلك يتفاوت كثيرا ويختلف الغرض به فإن شرط أن يحمل ما شاء بطل لأن ذلك لا يمكن الوفاء به ويدخل فيه ما يقتل البهيمة وإن قال احتمل عليها طاقتها لم يجز أيضا لأن ذلك لا ضابط له وتحصل المعرفة بطريقين المشاهدة لأنها من أعلى طرق العلم والصفة ويشترط في الصفة معرفة شيئين القدر والجنس لأن الجنس يختلف تعب البهيمة باختلافه مع التساوي في القدر فإن القطن يضر بها من وجه وهو أنه ينتفخ على البهيمة فيدخل فيه الريح فيثقل ومثله من الحديد يؤذي من جهة أخرى وهو أنه يجتمع على موضع من البهيمة فربما عقرها فلا بد من بيانه وأما الظروف فإن دخلت في الوزن لم يحتج إلى ذكرها وإن لم توزن فإن كانت ظروفا معروفة لا تختلف كغرائر الصوف والشعر ونحوها جاز العقد عليها من غير تعيين لأنها قلما تتفاوت تفاوتا كثيرا فتسميتها تكفي وإن كانت تختلف فلا بد من معرفتها بالتعيين أو الصفة وذكر ابن عقيل أنه إذا قال أكريتكها لتحمل عليها ثلاثمائة رطل مما شئت جاز وملك ذلك لكن لا يحمله حملا يضر بالحيوان مثل ما لو أراد حمل حديد أو زئبق ينبغي أن يفرقه على ظهر الحيوان فلا يجتمع في موضع واحد من ظهره ولا يجعله في وعاء يتموج فيه فيكد البهيمة ويتعبها وإن اكترى ظهرا للحمل موصوفا بجنس فأراد حمله على غير ذلك الجنس وكان الطالب لذلك المستأجر لم يقبل منه لأنه لا يملك المطالبة بما لم يعقد عليه وإن طلبه المؤجر وكان يفوت به غرض للمستأجر مثل أن يكون غرضه الاستعجال في السير أو أن لا ينقطع عن القافلة فيتعين الخيل أو البغال أو يكون غرضه سكون الحمولة لكون الحمولة مما يضرها الهز أو قوتها وصبرها لطول الطريق وثقل الحمولة فيعين الإبل لم يجز العدول عنه لأنه يفوت غرض المستأجر فلم يجز ذلك كما في المركوب وإن لم يفوت غرضا جاز كما يجوز لمن اكترى على حمل شيء حمل مثله أو أقل ضررا منه
فصل : ويجوز كراء الدابة للعمل لأنها منفعة مباحة خلقت الدابة لها فجاز الكراء لها كالركوب وإن اكترى بقرا للحرث جاز لأن البقر خلقت للحرث ولذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم [ بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها فقالت إني لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث ] متفق عليه ويحتاج إلى شرطين معرفة الأرض وتقدير العمل فأما الأرض فلا تعرف إلا بالمشاهدة ولأنها تختلف فتكون صلبة تتعب البقر والحراث وقد يكون فيها حجارة تتعلق بالسكة وتكون رخوة سهلة يسهل حرثها ولا تأتي الصفة عليها فيحتاج إلى رؤيتها
وأما تقدير العمل فيجوز بأحد شيئين إما بالمدة كيوم ويومين وإما الأرض كهذه القطعة أو من هذا المكان إلى هذا المكان أو بالمساحة كمدي أو مديين ونحو ذلك كل ذلك جائز لأن العلم يحصل به فإن قدره بالمدة فلا بد من معرفة البقر التي يعمل عليها لأن الغرض يختلف باختلافها في القوة والضعف ويجوز أن يستأجر البقر مفردة ليتولى رب الأرض الحرث بها ويجوز أن يستأجرها مع صاحبها ليتولى الحرث بها ويجوز استئجارها بآلتها من الفدان والنير واستئجارها بدون آلتها وتكون الآلة من عند صاحب الأرض ويجوز استئجار البقر وغيرها لدراس الزرع لأنها منفعة مباحة مقصودة فأشبهت الحرث ويجوز على مدة أو زرع معين أو موصوف كما ذكرنا في الحرث ومتى كان على مدة احتيج إلى معرفة الحيوان الذي يعمل عليه ليعرف قوته أو ضعفه وإن كان على عمل غير مقدر بالمدة احتاج إلى معرفة جنس الحيوان لأن الغرض يختلف به فمنه ما روثه طاهر ومنه ما روثه نجس ولا يحتاج إلى معرفة عين الحيوان ويجوز أن يستأجر الحيوان بآلته وبغير آلته مع صاحبه ومنفردا عنه كما ذكرنا في الحرث
فصل : ويجوز استئجار بهيمة لإدارة الرحى ويفتقر إلى شيئين معرفة الحجر إما بمشاهدة وإما بصفة تحصل بها معرفته لأن عمل البهيمة يختلف فيه بثقله وخفته فيحتاج صاحبها إلى معرفته وتقدير العمل إما بالزمان فيقول يوما أو يومين أو بالطعام فيقول قفيزا أو قفيزين ويذكر جنس المطحون إن كان يختلف لأن منه ما يسهل طحنه ومنه ما يصعب وكذلك إن اكتراها لإدارة دولاب فلا بد من مشاهدته ومشاهدة دولابه لاختلافها وتقدير ذلك بالزمان أو ملء هذا الحوض أو هذه البركة وكذلك إن اكتراها للاستقاء بالغرب فلا بد من معرفته لأنه يختلف بكبره وصغره ويقدر بالزمان أو بعدد الغروب أو بملء بركة أو حوض ولا يجوز تقدير ذلك بسقي أرض لأن ذلك يختلف فقد تكون الأرض عطشانة لا يرويها القليل وتكون قريبة العهد بالماء فيكفيها القليل فيكون ذلك مجهولا وإن قدره بسقي ماشية احتمل أن لا يجوز لذلك ويحتمل أن يجوز لأن شربها يتقارب في الغالب ويجوز استئجار دابة لتسقي عليها ماء ولا بد من معرفة الآلة التي يستقي بها من راوية أو قرب أو جرار ومعرفة ذلك إما بالرؤية وإما بالصفة ويقدر العمل إما بالزمان وإما بعدد المرات وإما بملء شيء معين فإن قدره بعدد المرات احتاج إلى معرفة الموضع الذي يستقي منه والذي يذهب إليه لأن ذلك يختلف بالقرب والبعد والسهولة والحزونة وإن قدره بملء شيء معين احتاج إلى معرفته ومعرفة ما يستقي منه ويجوز أن يكتري البهيمة بآلتها وبدونها مع صاحبتها ووحدها وإن اكتراها لبل تراب معروف جاز لأن ذلك بالعرف وكل موضع وقع العقد على مدة فلا بد من معرفة الظهر الذي يعمل عليه لأن الغرض يختلف باختلافها في القوة والضعف وإن وقع على عمل معين لم يحتج إلى معرفتها لأنه لا يختلف ويحتمل أن يحتاج إلى ذلك في استقاء الماء عليه لأن منه ما روثه طاهر وجسمه طاهر بغير خلاف كالخيل والبقر ومنه ما روثه نجس ويختلف في نجاسة جسمه كالبغال والحمير فربما نجس به المستقي أو دلوه فيتنجس الماء به فيختلف الغرض بذلك فتجب معرفته
فصل : وإذا اكترى حيوانا لعمل لم يخلق له مثل أن اكترى البقر للركوب والحمل عليها أو اكترى الإبل والحمر للحرث جاز لأنها منفعة مقصودة أمكن استيفاؤها من الحيوان لم يرد الشرع بتحريمها فجاز كالذي خلقت له ولأن مقتضى الملك جواز التصرف بكل ما تصلح له العين المملوكة ويمكن تحصيله منها ولا يمتنع ذلك إلا بمعارض راجح إما ورود نص بتحريمه أو قياس صحيح أو رجحان مضرته على منفعته وليس ههنا واحد منها وكثير من الناس من الأكراد وغيرهم يحملون على البقر ويركبونها وفي بعض البلدان يحرث على الإبل والبغال والحمير فيكون معنى خلقها للحرث إن شاء الله أن معظم الانتفاع بها فيه ولا يمنع ذلك الانتفاع بها في شيء آخر كما أن الخيل خلقت للركوب والزينة ويباح أكلها واللؤلؤ خلق للحلية ويجوز استعماله في الأدوية وغيرها والله أعلم

فصول : تقسيم الأجير إلى عام وخاص وحكم كل منهما في الضمان وغيره واستحقاق الأجر
مسألة : وما حدث في السلعة من يد الصانع ضمن
وجملته أن الأجير على ضربين خاص ومشترك : فالخاص هو الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها كرجل استؤجر لخدمة أو عمل في بناء أو خياطة أو رعاية يوما أو شهرا سمي خاصا لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس والمشترك الذي يقع العقد معه على عمل معين كخياطة ثوب وبناء حائط وحمل شيء إلى مكان معين أو على عمل في مدة لا يستحق جميع نفعه فيها كالكحال والطبيب سمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لاثنين وثلاثة وأكثر في وقت واحد ويعمل لهم فيشتركون في منفعته واستحقاقها فسمي مشتركا لاشتراكهم في منفعته فالأجير المشترك هو الصانع الذي ذكره الخرقي وهو ضامن لما جنت يده فالحائك إذا أفسد حياكته ضامن لما أفسد نص أحمد على هذه المسألة في رواية ابن منصور والقصار ضامن لما يتخرق من دقه أو مده أو عصره أو بسطه والطباخ ضامن لما أفسد من طبيخه والخباز ضامن لما أفسد من خبزه والحمال يضمن ما يسقط من حمله عن رأسه أو تلف من عثرته والجمال يضمن ما تلف بقوده وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به حمله والملاح يضمن ما تلف من يده أو جذفه أو ما يعالج به السفينة وروي ذلك عن عمر وعلي وعبد الله بن عتبة وشريح والحسن والحكم وهو قول أبي حنيفة و مالك وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يضمن ما لم يتعد قال الربيع : هذا مذهب الشافعي وإن لم يبح به وروي ذلك عن عطاء و طاوس وزفر لأنها عين مقبوضة بعين الإجارة فلم تصر مضمونة كالعين المستأجرة
ولنا ما روى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وقال : لا يصلح الناس إلا ذلك وروى الشافعي في مسنده بإسناده عن علي أنه كان يضمن الإجراء ويقول : لا يصلح الناس إلا هذا ولأن عمل الأجير المشترك مضمون عليه فما تولد منه يجب أن يكون مضمونا كالعدوان بقطع عضو بخلاف الأجير الخاص والدليل على أن عمله مضمون عليه أنه لا يستحق العوض إلا بالعمل وأن الثوب لو تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجر فيما عمل فيه وكان ذهاب عمله من ضمانه بخلاف الخاص فإنه إذا أمكن المستأجر من استعماله استحق العوض بمضي المدة وإن لم يعمل وما عمل فيه من شيء فتلف من حرزه لم يسقط أجره بتلفه
فصل : ذكر القاضي أن الأجير المشترك إنما يضمن إذا كان يعمل في ملك نفسه مثل الخباز يخبز في تنوره وملكه والقصار والخياط في دكانيهما قال : ولو دعا الرجل خبازا فخبز له في داره أو خياطا أو قصارا ليقصر ويخيط عنده لا ضمان عليه فيما أتلف ما لم يفرط لأنه سلم نفسه إلى المستأجر فيصير كالأجير الخاص قال لو كان صاحب المتاع مع الملاح في السفينة أو راكبا على الدابة فوق حمله فعطب الحمل لا ضمان على الملاح والمكاري لأن يد صاحب المتاع لم تزل ولو كان رب المتاع والجمال راكبين على الحمل فتلف حمله لم يضمنه الجمال لأن رب المتاع لم يسلمه إليه ومذهب مالك و الشافعي نحو هذا قال أصحاب الشافعي : لو كان العمل في دكان الأجير والمستأجر حاضر أو اكتراه ليعمل له شيئا وهو معه لم يضمن لأن يده عليه فلم يضمن من غير جناية ويجب له أجر عمله لأن يده عليه فكلما عمل شيئا صار مسلما إليه فظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق بين كونه في ملك نفسه أو ملك مستأجره أو كان صاحب العمل حاضرا عنده أو غائبا عنه أو كونه مع الملاح أو الجمال أو لا وكذلك قال ابن عقيل ما تلف بجناية الملاح بجذفه أو بجناية المكاري بشده المتاع ونحوه فهو مضمون عليه سواء كان صاحب المتاع معه أو لم يكن لأن وجوب الضمان عليه لجناية يده فلا فرق بين حضور المالك وغيبته كالعدوان ولأن جناية الجمال والملاح إذا كان صاحب المتاع راكبا معه يعم المتاع وصاحبه وتفريطه يعمهما فلم يسقط ذلك الضمان كما لو رمى إنسانا متترسا فكسر ترسه وقتله ولأن الطبيب والختان إذا جنت يداهما ضمنا مع حضور المطبب والمختون وقد ذكر القاضي أنه لو كان ذلك يحمل على رأسه ورب المتاع معه فعثر فسقط المتاع فتلف ضمن وإن سرق لم يضمن لأنه في العثار تلف بجنايته والسرقة ليست من جنايته ورب المال لم يحل بينه وبينه وهذا يقتضي أن تلفه بجنايته مضمون عليه سواء حضر رب المال أو غاب بل وجوب الضمان في محل النزاع أولى لأن الفعل في ذلك إلى الموضع مقصود لفاعله والسقطة من الحمال غير مقصودة له فإذا وجب الضمان ههنا فثم أولى
فصل : وذكر القاضي أنه إذا كان المستأجر على حمله عبيدا صغارا أو كبارا فلا ضمان على المكاري فيما تلف من سوقه وقوده إذ لا يضمن بني آدم من جهة الإجارة لأنه عقد على منفعة والأولى وجوب الضمان لأن الضمان ههنا من جهة الجناية فوجب أن يعم بني آدم وغيرهم كسائر الجنايات وما ذكره ينتقض بجناية الطبيب والختان والله أعلم
فصل : فأما الأجير الخاص فهو الذي يستأجره مدة فلا ضمان عليه ما لم يتعد قال أحمد في رواية مهنا في رجل أمر غلامه يكيل لرجل بزرا فسقط الرطل من يده فانكسر لا ضمان عليه فقيل أليس هو بمنزلة القصار ؟ قال لا القصار مشترك قيل فرجل اكترى رجلا يستقي ماء فكسر الجرة ؟ فقال : لا ضمان عليه قيل له : فإن اكترى رجلا يحرث له على بقرة فكسر الذي يحرث به ؟ قال فلا ضمان عليه وهذا مذهب مالك و أبي حنيفة وأصحابه وظاهر مذهب الشافعي وله قول آخر أن جميع الأجراء يضمنون وروى في مسنده عن علي رضي الله عنه أنه كان يضمن الأجراء ويقول لا يصلح الناس إلا هذا
ولنا أن عمله غير مضمون عليه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص وقطع يد السارق وخبر علي رضي الله عنه وكرم وجهه مرسل والصحيح فيه أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وإن روي مطلقا حمل على هذا فإن المطلق يحمل على المقيد ولأن الأجير الخاص نائب عن المالك في صرف منافعه إلى ما أمره به فلم يضمن من غير تعد كالوكيل والمضارب فأما ما يتلف بتعديه فيجب ضمانه مثل الخباز الذي يسرف في الوقود أو يلزقه قبل وقته أو يتركه بعد وقته حتى يحترق لأنه تلف بتعديه فضمنه كغير الأجير
فصل : وإذا استأجر الأجير المشترك أجيرا خاصا كالخياط في دكان يستأجر أجيرا مدة يستعمله فيها فتقبل صاحب الدكان خياطة ثوب ودفعه إلى أجيره فخرقه أو أفسده لم يضمنه لأنه أجير خاص ويضمنه صاحب الدكان لأنه أجير مشترك
فصل : إذا أتلف الصانع الثوب بعد عمله فصاحبه مخير بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجر عليه وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه أجره ولو وجب عليه ضمان المتاع المحمول فصاحبه مخير بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلمه إليه ولا أجر له وبين تضمينه إياه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجر إلى ذلك المكان وإنما كان كذلك لأنه إذا أحب تضمينه معمولا أو في المكان الذي أفسده فيه فله ذلك لأنه ملكه في ذلك الموضع على تلك الصفة فملك المطالبة بعوضه حينئذ وإن أحب تضمينه قبل ذلك فلأن أجر العمل لا يلزمه قبل تسليمه إليه وما سلم إليه فلا يلزمه
فصل : إذا دفع إلى حائك غزلا فقال : انسجه لي عشرة أذرع في عرض ذراع فنسجه زائدا على ما قدر له في الطول والعرض فلا أجر له في الزيادة لأنه غير مأمور بها وعليه ضمان نقص الغزل المنسوج فيها فأما ما عدا الزائد فينظر فيه فإن كان جاء به زائدا في الطول وحده ولم ينقص الأصل بالزيادة فله ما سمى له من الأجر كما لو استأجره على أن يضرب له مائة لبنة فضرب له مائتين فإن جاء به زائدا في العرض وحده أو فيهما ففيه وجهان أحدهما : لا أجر له لأنه مخالف لأمر المستأجر فلم يستحق شيئا كما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض ذراعين والثاني : له المسمى لأنه زاد على ما أمر به فأشبه زيادة الطول ومن قال بالوجه الأول فرق بين الطول والعرض بأنه يمكن قطع الزائد في الطول ويبقى الثوب على ما أراد ولا يمكن ذلك في العرض وأما إن جاء به ناقصا في الطول والعرض أو في أحدهما ففيه أيضا وجهان أحدهما : لا أجر له وعليه ضمان نقص الغزل لأنه مخالف لما أمر به فأشبه ما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض نصف ذراع والثاني : له بحصته من المسمى كمن استؤجر على ضرب لبن فضرب بعضه ويحتمل أنه إن جاء به ناقصا في العرض فلا شيء له وإن كان ناقصا في الطول فله بحصته من المسمى لما ذكرنا من الفرق بين الطول والعرض وإن جاء به زائدا في أحدهما ناقصا في الآخر فلا أجر له في الزائد وهو في الناقص على ما ذكرنا من التفصيل فيه وقال محمد بن الحسن في الموضعين : بخير صاحب الثوب بين دفع الثوب إلى النساج ومطالبته بثمن غزله وبين أن يأخذه ويدفع إليه المسمى في الزائد أو بحصة المنسوج في الناقص لأن غرضه لم يسلم له لأنه ينتفع بالطويل ما لا ينتفع بالقصير وينتفع بالقصير ما لا ينتفع بالطويل فكأنه أتلف عليه غزله
ولنا أنه وجد عين ماله فلم يكن له المطالبة بعرضه كما لو جاء به زائدا في الطول وحده فأما إن أثرت الزيادة أو النقص في الأصل مثل أن يأمره بنسج عشرة أذرع ليكون الثوب خفيفا فنسجه خمسة عشر فصار صفيقا أو أمره بنسجه خمسة عشر ليكون صفيقا فنسجه عشرة فصار خفيفا فلا أجر له بحال وعليه ضمان نقص الغزل لأنه لم يأت بشيء مما أمر به
فصل : إذا دفع إلى خياط ثوبا فقال : إن كان يقطع قميصا فاقطعه فقال : هو يقطع وقطعه فلم يكف فعليه ضمانه وإن قال : انظر هذا يكفيني قميصا ؟ قال نعم قال : اقطعه فقطعه فلم يكفه لم يضمن بهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي : وقال أبو ثور : لا ضمان عليه في المسألتين لأنه لو كان غره في الأولى لكان قد غره في الثانية
ولنا أنه إنما أذن له في الأولى بشرط كفايته فقطعه بدون شرطه وفي الثانية أذن له من غير شرط فافترقا ولم يجب عليه الضمان في الأولى لتغريره بل لعدم الإذن في قطعه لأن إذنه مقيد بشرط كفايته فلا يكون إذنا في غير ما وجد فيه الشرط بخلاف الثانية
فصل : فإن أمره أن يقطع الثوب قميص رجل فقطعه قميص امرأة فعليه غرم ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا لأن هذا قطع غير مأذون فيه فأشبه ما لو قطعه من غير إذن وقيل : يغرم ما بين قميص امرأة وقميص رجل لأنه مأذون في قميص في الجملة والأول أصح لأن المأذون فيه قميص موصوف بصفة فإذا قطع قميصا غيره لم يكن فاعلا لما أذن فيه فكان متعديا بابتداء القطع ولذلك لا يستحق على القطع أجرا ولو فعل ما أمر به لاستحق أجره
فصل : وإن اختلفا فقال : أذنت لي في قطعه قميص امرأة وقال بل أذنت لك في قطعه قميص رجل أو قال أذنت لي في قطعه قميصا قال بل قباء أو قال الصباغ أمرتني بصبغه أحمر قال بل أسود فالقول قول الخياط والصباغ نص عليه أحمد في رواية ابن منصور فقال القول قول الخياط والصباغ وهذا قول ابن أبي ليلى وقال مالك و أبو حنيفة و أبو ثور : القول قول رب الثوب واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال : له قولان كالمذهبين ومنهم من قال : له قول ثالث أنهما يتحالفان كالمتبايعين يختلفان في الثمن ومنهم من قال : الصحيح أن القول قول رب الثوب لأنهما اختلفا في صفة إذنه والقول قوله في أصل الإذن فكذلك في صفته ولأن الأصل عدم الإذن المختلف فيه فالقول قول من ينفيه
ولنا أنهما اتفقا في الإذن واختلفا في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب إذا قال : أذنت لي في البيع نساء ولأنهما اتفقا على ملك الخياط القطع والصباغ الصبغ والظاهر أنه فعل ما ملكه واختلفا في لزوم الغرم له والأصل عدمه فعلى هذا يحلف الخياط والصباغ بالله لقد أذنت لي في قطعه قباء وصبغه أحمر ويسقط عنه الغرم ويكون له أجر مثله لأنه ثبت وجود فعله المأذون فيه بعوض ولا يستحق المسمى لأن المسمى ثبت بقوله ودعواه فلا يحنث بيمينه ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] أخرجه مسلم فأما المسمى في العقد فإنما يعترف رب الثوب بتسميته أجرا وقطعه قميصا وصبغه أسود فأما من قال : القول قول رب الثوب فإنه يحلف بالله ما أذنت في قطعه قباء ولا صبغه أحمر ويسقط عنه المسمى ولا يجب للخياط والصباغ شيء لأنهما فعلا غير ما أذن لهما فيه وذكر ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أن صاحب الثوب إذا لم يكن ممن يلبس الأقبية والسواد فالقول قوله وعلى الصانع غرم ما نقص بالقطع وضمان ما أفسد ولا أجر له لأن قرينة حال رب المال تدل على صدقه فتترجح دعواه بهما كما لو اختلفا في حائط لأحدهما عليه عقد أو ازج رجحنا دعواه بذلك وإن اختلف الزوجان في متاع البيت رجحنا دعوى كل واحد منهما فيما يصلح له ولو اختلف صانعان في الآلة التي في دكانهما رجحنا قول كل واحد منهما في آلة صناعته فعلى هذا يحلف رب الثوب ما أذنت لك في قطعه قباء ويكفي هذا لأنه يبتغي به الإذن فيصير قاطعا لغير ما أذن فيه فإن كان القباء مخيطا بخيوط لمالكه لم يملك الخياط فتقه وكان لمالكه أخذه مخيطا بلا عرض لأنه عمل في ملك غيره عملا مجردا عن عين مملوكة له فلم يكن له إزالته كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى موضع لم يكن له رده إذا رضي صاحبه بتركه فيه وإن كانت الخيوط للخياط فله نزعها لأنها عين ماله ولا يلزمه أخذ قيمتها لأنها ملكه ولا يتلف بأخذها ماله حرمة فإن اتفقا على تعويضه عنها جاز لأن الحق لهما وإن قال رب الثوب : أنا أشد في كل خيط خيطا حتى إذا سله عاد خيط رب الثوب في مكانه لم يلزم الخياط الإجابة إلى ذلك لأنه انتفاع بملكه وحكم الصباغ في قلع الصبغ إن أحبه وفي غير ذلك من أحكامه حكم صبغ الغاصب على ما مضى في بابه والذي يقوى عندي أن القول قول رب الثوب لما ذكرنا في دليلهم
فصل : وكل من استؤجر على عمل في عين فلا يخلو إما أن يوقعه وهي في يد الأجير كالصباغ يصبغ في حانوته والخياط في دكانه فلا يبرأ من العمل حتى يسلمها إلى المستأجر ولا يستحق الأجر حتى يسلمه مفروغا منه لأن المعقود عليه في مدة فلا يبرأ منه ما لم يسلمه إلى العاقد كالمبيع من الطعام لا يبرأ منه قبل تسليمه إلى المشتري وأما إن كان يوقع العمل في ملك المستأجر مثل أن يحضره المستأجر إلى داره ليخيط فيها أو يصبغ فيها فإنه يبرأ من العمل ويستحق أجره بمجرد عمله لأنه في يد المستأجر فيصير مسلما للعمل حالا فحالا ولو استأجر رجلا يبني له حائطا في داره أو يحفر فيها بئرا لبرئ من العمل واستحق أجره بمجرد عمله ولو كانت البئر في الصحراء أو الحائط لم يبرأ بمجرد العمل ولو انهارت عقيب الحفر أو الحائط بعد بنائه وقبل تسليمه لم يبرأ من العمل نص عليه أحمد في رواية ابن منصور فإنه إذا قال استعمل ألف لبنة في كذا وكذا فعمل ثم سقط فله الكراء وأما الأجير الخاص فيستحق أجره بمضي المدة سواء تلف ما عمله أو لم يتلف نص عليه أحمد فقال : إذا استأجره يوما فعمل وسقط عند الليل ما عمل فله الكراء وذلك لأنه إنما يلزمه تسليم نفسه وعمل ما يستعمل فيه وقد وجد ذلك منه بخلاف الأجير المشترك ولو استأجر أجيرا ليبني له حائطا طوله عشرة أذرع فبنى بعضه فسقط لم يستحق شيئا حتى يتممه سواء كان في ملك المستأجر أو في غيره لأن الاستحقاق مشروط بإتمامه ولم يوجد قال أحمد : إذا قيل له ارفع حائطا كذا وكذا ذراعا فعليه أن يوفيه فإن سقط فعليه التمام وكذا لو استأجره ليحفر له بئرا عمقها عشرة أذرع فحفر منها خمسة وانهار فيها تراب من جوانبها لم يستحق شيئا حتى يتمم حفرها

مسألة وفصول : حكم تلف العين في حرز الأجير المشترك - وحكم ضمانها
مسألة : قال : وإن تلفت من حرز فلا ضمان عليه ولا أجر له فيما عمل فيها :
اختلفت الرواية عن أحمد في الأجير المشترك إذا تلفت العين من حرزه من غير تعد منه ولا تفريط فروي عنه لا يضمن نص عليه في رواية ابن منصور وهو قول طاوس و عطاء و أبو حنيفة و زفر وقول الشافعي وروي عن أحمد إن كان هلاكه بما استطاع ضمنه وإن كان غرقا أو عدوا غالبا فلا ضمان قال أحمد رحمة الله عليه في رواية أبي طالب إذا جنت يده أو ضاع من بين متاعه ضمنه وإن كان عدوا أو غرقا فلا ضمان ونحو هذا قال أبو يوسف والصحيح في المذهب الأول وهذه الرواية تحتمل أنه إنما أوجب عليه الضمان إذا تلف من بين متاعه خاصة لأنه يتهم ولهذا قال في الوديعة في رواية إنها تضمن إذا ذهبت من بين ماله فأما غير ذلك فلا ضمان عليه لأن تخصيصه التضمين بما إذا تلف من بين متاعه يدل على أنه لا يضمن إذا تلف مع متاعه ولأنه إذا لم يكن منه تفريط ولا عدوان فلا يجب عليه الضمان كما لو تلفت بأمر غالب وقال مالك و ابن أبي ليلى : يضمن بكل حال لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ على اليد ما أخذت حتى تؤديه ] ولأنه قبض العين لمنفعة نفسه من غير استحقاق فلزمه ضمانها كالمستعير
ولنا أنها عين مقبوضة بعقد الإجارة لم يتلفها بفعله فلم يضمنها كالعين المستأجرة ولأنه قبضها بإذن مالكها لنفع يعود إليهما فلم يضمنها كالمضارب والشريك والمستأجر وكما لو تلفت بأمر غالب ويخالف العارية فإنه ينفرد بنفعها والخبر مخصوص بما ذكرنا من الأصول فيخص محل النزاع بالقياس عليها إذا ثبت هذا فإنه لا أجر له فيما عمل فيها لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق عوضه كالمبيع من الطعام إذا تلف في يد البائع قبل تسليمه
فصل : وإذا حبس الصانع الثوب بعد عمله على استيفاء الأجر فتلف ضمنه لأنه لم يرهنه عنده ولا أذن له في إمساكه فلزمه الضمان كالغاصب
فصل : إذا أخطأ القصار فدفع الثوب إلى غير مالكه فعليه ضمانه لأنه فوته على مالكه قال أحمد : يغرم القصار ولا يسع المدفوع إليه لبسه إذا علم أنه ليس ثوبه وعليه رده إلى القصار ويطالبه بثوبه فإن لم يعلم القابض حتى قطعه ولبسه ثم علم رده مقطوعا وضمن ارش القطع وله مطالبته بثوبه إن كان موجودا وإن هلك عند القصار فهل يضمنه ؟ فيه روايتان إحداهما : يضمنه لأنه أمسكه بغير إذن صاحبه بعد طلبه فضمنه كما لو علم والثانية : لا يضمنه لأنه لم يمكنه رده فأشبه ما لو عجز عن دفعه لمرض
فصل : والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن الذين يكرون المظل أو الخيمة إلى مكة فيذهب من المكتري بسرق أو بذهاب هل يضمن ؟ قال : أرجو أن لا يضمن وكيف يضمن ؟ إذا ذهب لا يضمن ولا نعلم في هذا خلافا وذلك لأنه قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقها منها فكانت أمانة كما لو قبض العبد الموصى له بخدمته سنة أو قبض الزوج امرأته الأمة ويخالف العارية فإنه لا يستحق منفعتها وإذا انقضت المدة فعليه رفع يده وليس عليه الرد أومأ إليه في رواية ابن منصور فقيل له : إذا اكترى دابة أو استعار أو استودع فليس عليه أن يحمله فقال أحمد : من استعار شيئا فعليه رده من حيث أخذه فأوجب الرد في العارية ولم يوجبه في الإجارة والوديعة ووجهه أنه عقد لا يقتضي الضمان فلا يقتضي رده ومؤنته كالوديعة وفارق العارية فإن ضمانها يجب فكذلك ردها وعلى هذا متى انقضت المدة كانت العين في يده أمانة كالوديعة إن تلفت من غير تفريط فلا ضمان عليه وهذا قول بعض الشافعية وقال بعضهم : يضمن لأنه بعد انقضاء الإجارة غير مأذون له في إمساكها أشبه العارية المؤقتة بعد وقتها
ولنا أنها أمانة أشبهت الوديعة ولأنه لو وجب ضمانها لوجب ردها وأما العارية فإنها مضمونة في كل حال بخلاف مسألتنا ولأنه يجب ردها وعلى كل حال متى طلبها صاحبها وجب تسليمها إليه فإن امتنع من ردها لغير عذر صارت مضمونة كالمغصوبة
فصل : فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد وهل تفسد الإجارة به ؟ فيه وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع قال أحمد : فيما إذا شرط ضمان العين : الكراء والضمان مكروه وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر قال : لا يصلح الكراء بالضمان وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون لا نكتري بضمان إلا أنه من شرط على كري أنه لا ينزل متاعه بطن واد أو لا يسير به ليلا مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي فهو ضامن فأما غير ذلك فلا يصح شرط الضمان فيه وإن شرطه لم يصح الشرط لأن ما لا يجب ضمانه لا يصيره الشرط مضمونا وما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال : المسلمون على شروطهم وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه ووجوبه بشرطه لقوله صلى الله عليه و سلم : [ المسلمون على شروطهم ] فأما إن أكراه عينا وشرط عليه أن لا يسير بها في الليل أو وقت القائلة أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره في آخرها أو لا يسلك بها الطريق الفلانية وأشباه هذا مما له فيه غرض مخالف ضمن لأنه متعد لشرط كريه فضمن ما تلف به كما لو شرط عليه أن لا يحمل عليها إلا قفيزا فحمل اثنين
فصل : وإن كانت الإجارة فاسدة لم يضمن العين أيضا إذا تلفت بغير تفريط ولا تعد لأنه عقد لا يقتضي الضمان صحيحه فلا يقتضيه فاسده كالوكالة والمضاربة وحكم كل عقد فاسد في وجوب الضمان حكم صحيحه فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده وما لم يجب في صحيحه لم يجب في فاسده
فصل : وللمستأجر ضرب الدابة بقدر ما جرت به العادة ويكبحها باللجام للاستصلاح ويحثها على السير ليلحق القافلة وقد صح أن النبي صلى الله عليه و سلم نخس بعير جابر وضربه وكان أبو بكر رضي الله عنه يحرش بعيره بمحجنه وللرائض ضرب الدابة للتأديب وترتيب المشي والعدو والسير وللمعلم ضرب الصبيان للتأديب قال الأثرم : سئل أحمد عن ضرب المعلم الصبيان قال : على قدر ذنوبهم ويتوقى بجهده الضرب وإذا كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه ومن ضرب من هؤلاء الضرب المأذون فيه لم يضمن ما تلف وبهذا في الدابة قال مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف ومحمد وقال الثوري و أبو حنيفة : يضمن لأنه تلف بجنايته فضمنه كغير المستأجر وكذلك قال الشافعي في المعلم يضرب الصبي لأنه يمكنه تأديبه بغير الضرب
ولنا أنه تلف من فعل مستحق فلم يضمن كما لو تلف تحت الحمل ولأن الضرب معنى تضمنه عقد الإجارة فإذا تلف منه لم يضمن كالركوب وفارق غير المستأجر لأنه متعد وقول الشافعي : يمكن التأديب بغير الضرب لا يصح فإن العادة خلافه ولو أمكن التأديب بدون الضرب لما جاز الضرب إذ فيه ضرر وإيلام مستغنى عنه وإن أسرف في هذا كله أو زاد على ما يحصل الغنى به أو ضرب من لا عقل له من الصبيان فعليه الضمان لأنه متعد حصل التلف بعدوانه

مسألة وفصول : جواز استئجار الطبيب والختان والجمام والكحال وسقوط الضمان عنهم
مسألة : قال : ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا متطبب إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم :
وجملته أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين أحدهما : أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم ولهم بها بصارة ومعرفة لأنه إذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع وإذا قطع مع هذا كان فعلا محرما فيضمن سرايته كالقطع ابتداء الثاني : أن لا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع فإذا وجد هذان الشرطان لم يضمنوا لأنهم قطعوا قطعا مأذونا فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق أو فعل فعلا مباحا مأذونا في فعله أشبه ما ذكرنا فأما إن كان حاذقا وجنت يده مثل أن تجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها أو قطع في غير محل القطع أو يقطع السلعة من إنسان فيتجاوزها أو يقطع بآلة كالة يكثر ألمها أو في وقت لا يصلح القطع فيه وأشباه هذا ضمن فيه كله لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ فأشبه إتلاف المال ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء وكذلك الحكم في النزاع والقاطع في القصاص وقاطع يد السارق وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا
فصل : وإن ختن صبيا بغير إذن وليه أو قطع سلعة من إنسان بغير إذنه أو من صبي بغير إذن وليه فسرت جنايته ضمن لأنه قطع غير مأذون فيه وإن فعل ذلك الحاكم أو من له ولاية عليه أو فعله من أذنا له لم يضمن لأنه مأذون فيه شرعا
فصل : ويجوز الاستئجار على الختان والمداواة وقطع السلعة لا نعلم فيه خلافا ولأنه فعل يحتاج إليه مأذون فيه شرعا فجاز الاستئجار عليه كسائر الأفعال المباحة
فصل : ويجوز أن يستأجر حجاما ليحجمه وأجره مباح وهذا اختيار أبي الخطاب وهذا قول ابن عباس قال : أنا آكله وبه قال عكرمة والقاسم وأبو جعفر ومحمد بن علي بن الحسين وربيعة ويحيى الأنصاري و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وقال القاضي : لا يباح أجر الحجام وذكر أن أحمد نص عليه في مواضع وقال : أعطي شيئا من غير عقد ولا شرط فله أخذه ويصرفه في علف دوابه وطعمة عبيده ومؤنة صناعته ولا يحل له أكله وممن كره كسب الحجام عثمان وأبو هريرة والحسن و النخعي وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ كسب الحجام خبيث ] رواه مسلم وقال : [ أطعمه ناضحك ورقيقك ]
ولنا ما روى ابن عباس قال : [ احتجم النبي صلى الله عليه و سلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه حراما لم يعطه ] متفق عليه وفي لفظ لو علمه خبيثا لم يعطه ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فجاز الاستئجار عليها كالبناء والخياطة ولأن بالناس حاجة إليها ولا نجد كل أحد متبرعا بها فجاز الاستئجار عليها كالرضاع وقول النبي صلى الله عليه و سلم في كسب الحجام : [ أطعمه رقيقك ] دليل على إباحة كسبه إذ غير جائز أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله فإن الرقيق آدميون يحرم عليهم ما حرمه الله تعالى كما يحرم على الأحرار وتخصيص ذلك بما أعطيه من غير استئجار بحكم لا دليل عليه وتسميته كسبا خبيثا لا يلزم منه التحريم فقد سمى النبي صلى الله عليه و سلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما
وإنما كره النبي صلى الله عليه و سلم ذلك للحر تنزيها لدناءة هذه الصناعة وليس عن أحمد نص في تحريم كسب الحجام ولا الاستئجار عليها وإنما قال نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه و سلم ونقول : له كما [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن أكله نهاه وقال : أعلفه الناضح والرقيق ] وهذا معنى كلامه في جميع الروايات وليس هذا صريحا في تحريمه بل فيه دليل على إباحته كما في قول النبي صلى الله عليه و سلم وفعله على ما بينا وإن إعطاءه للحجام دليل على إباحته إذ لا يعطيه ما يحرم عليه وهو عليه السلام يعلم الناس وينهاهم عن المحرمات فكيف يعطيهم إياها ويمكنهم منها وأمره بإطعام الرقيق منها دليل على الإباحة فيتعين حمل نهيه عن أكلها على الكراهة دون التحريم وكذلك قول الإمام أحمد : فإنه لم يخرج عن قول النبي صلى الله عليه و سلم وفعله وإنما قصد اتباعه صلى الله عليه و سلم وكذلك سائر من كرهه من الأئمة يتعين حمل كلامهم على هذا ولا يكون في المسألة قائل بالتحريم وإذا ثبت هذا فإنه يكره للحر أكل كسب الحجام ويكره تعلم صناعة الحجامة وإجارة نفسه لها لما فيها من الإخبار ولأن فيها دناءة فكره الدخول فيها كالكسح وعلى هذا يحمل قول الأئمة الذين ذكرنا عنهم كراهتها جمعا بين الأخبار الواردة فيها وتوفيقا بين الأدلة الدالة عليها والله أعلم
فصل : فأما استئجار الحجام لغير الحجامة كالفصد وحلق الشعر وتقصيره والختان وقطع شيء من الجسد للحاجة إليه فجائز لأن قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ كسب الحجام خبيث ] يعني بالحجامة كما نهى عن مهر البغي أي في البغاء وكذلك لو كسب بصناعة أخرى لم يكن خبيثا بغير خلاف وهذا النهي مخالف للقياس مختص بالمحل الذي ورد فيه ولأن هذه الأمور تدعو الحاجة إليها ولا تحريم فيها فجازت الإجارة فيها وأخذ الأجر عليها كسائر المنافع المباحة
فصل : ويجوز أن يستأجر كحالا ليكحل عينه لأنه عمل جائز ويمكن تسليمه ويحتاج أن يقدر ذلك بالمدة لأن العمل غير مضبوط فيقدر به ويحتاج إلى بيان قدر ما يكحله مرة في كل يوم أو مرتين فأما إن قدرها بالبرء فقال القاضي لا يجوز لأنه غير معلوم
وقال ابن أبي موسى لا بأس بمشارطة الطبيب على البرء لأن أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء والصحيح إن شاء الله أن هذا يجوز لكن يكون جعالة لا إجارة : فإن الإجارة لا بد فيها من مدة أو عمل معلوم فأما الجعالة فتجوز على عمل مجهول كرد اللقطة والآبق وحديث أبي سعيد في الرقية إنما كان جعالة فيجوز ههنا مثله إذا ثبت هذا فإن الكحل إن كان من العليل جاز لأن آلات العمل تكون من المستأجر كاللبن في البناء والطين والآجر ونحوها وإن شارطه على الكحل جاز وقال القاضي : يحتمل أن لا يجوز لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة فلا يصح اشتراطه على العامل كلبن الحائط
ولنا أن العادة جارية ويشق على العليل تحصيله وقد يعجز عنه بالكلية فجاز ذلك كالصبغ من الصباغ واللبن في الرضاع والحبر والأقلام من الوراق وما ذكروه ينتقض بهذه الأصول وفارق لبن الحائط لأن العادة تحصيل المستأجر له ولا يشق ذلك بخلاف مسألتنا وقال أصحاب مالك : يجوز أن يستأجره ليبني له حائطا والآجر من عنده لأنه اشترط ما تتم به الصنعة التي عقد عليها فإذا كان مباحا معروفا جاز كما لو استأجره ليصنع ثوبا والصبغ من عنده
ولنا أن عقد الإجارة عقد على المنفعة فإذا شرط فيه بيع العين صار كبيعتين في بيعة ويفارق الصبغ وما ذكرنا من الصورة التي جاز فيها ذلك من حيث إن الحاجة داعية إليه لأن تحصيل الصبغ يشق على صاحب الثوب وقد يكون الصبغ لا يحصل إلا في حيث يحتاج إلى مؤنة كثيرة لا يحتاج إليها في صبغ هذا الثوب فجاز لمسيس الحاجة إليه بخلاف مسألتنا
فصل : وإذا استأجره مدة فكحله فيها فلم تبرأ عينه استحق الأجر وبه قال الجماعة وحكي عن مالك : أنه لا يستحق أجرا حتى تبرأ عينه ولم يحك ذلك أصحابه وهو فاسد لأن المستأجر قد وفى العمل الذي وقع العقد عليه فوجب له الأجر وإن لم يحصل الغرض كما لو استأجره لبناء حائط يوما أو لخياطة قميص فلم يتمه فيه وإن برئت عينه في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة لأنه قد تعذر العمل فأشبه ما لو حج عنه أمر غالب وكذلك لو مات فإن امتنع من الاكتحال مع بقاء المرض استحق الكحال الأجر بمضي المدة كما لو استأجره يوما للبناء فلم يستعمله فيه فأما إن شارطه على البرء فإنه يكون جعالة فلا يستحق شيئا حتى يوجد البرء سواء وجد قريبا أو بعيدا فإن برئ بغير كحله أو تعذر الكحل لموته أو غير ذلك من الموانع التي من جهة المستأجر فله أجر مثله كما لو عمل العامل في الجعالة ثم فسخ العقد وإن امتنع لأمر من جهة الكحال أو غير الجاعل فلا شيء له وإن فسخ الجاعل الجعالة بعد عمل الكحال فعليه أجر عمله فإن فسخ الكحال فلا شيء له لأنها جعالة فثبت فيها ما ذكرناه
فصل : ويجوز أن يستأجر طبيبا ليداويه والكلام فيه كالكلام في الكحال سواء إلا أنه لا يجوز اشتراط الدواء على الطبيب لأن ذلك إنما جاز في الكحال على خلاف الأصل للحاجة إليه وجري العادة به فلم يوجد ذلك المعنى ههنا فثبت الحكم فيه على وفق الأصل والله أعلم
فصل : ويجوز أن يستأجر من يقلع ضرسه لأنها منفعة مباحة مقصودة فجاز الاستئجار على فعلها كالختان فإن أخطأ فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه لأنه من جنايته وإن برأ الضرس قبل قلعه انفسخت الإجارة لأن قلعه لا يجوز وإن لم يبرأ لكن امتنع المستأجر من قلعه لم يجبر عليه لأن إتلاف جزء من الآدمي محرم في الأصل وإنما أبيح إذا صار بقاؤه ضررا وذلك مفوض إلى كل إنسان في نفسه إذا كان أهلا لذلك وصاحب الضرس أعلم بمضرته ومنفعته وقدر المدة
فصل : ومن استؤجر على عمل موصوف في الذمة كخياطة أو بناء أو قلع ضرس فبذل الأجير نفسه للعمل فلم يمكنه المستأجر لم تستقر الأجرة بذلك لأنه عقد على المنفعة من غير تقدير فلم يستقر بدلها بالبذل كالصداق لا يستقر ببذل المرأة نفسها ويفارق حبس الدابة مدة الإجارة لأن المنافع تلفت تحت يده بخلاف مسألتنا

مسألة وفصل : ولا ضمان على الراعي واستئجاره
مسألة : قال : ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد :
لا نعلم خلافا في صحة استئجار الراعي وقد دل عليه قول الله تعالى مخبرا عن شعيب أنه قال { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } وقد علم أن موسى عليه السلام إنما آجر نفسه لرعاية الغنم إذا ثبت هذا فإنه لا ضمان على الراعي فيما تلف من الماشية ما لم يتعد ولا نعلم فيه خلافا إلا عن الشعبي فإنه روي عنه أنه ضمن الراعي
ولنا أنه مؤتمن على حفظها فلم يضمن من غير تعد كالمودع ولأنها عين قبضها بحكم الإجارة فلم يضمنها من غير تعد كالعين المستأجرة فأما ما تلف بتعديه فيضمنه بغير خلاف مثل أن ينام عن السائمة أو يغفل عنها أو يتركها تتباعد منه أو تغيب عن نظره وحفظه أو ضربها ضربا يسرف فيه أو في غير موضع الضرب أو من غير حاجة إليه أو سلك بها موضعا تتعرض فيه للتلف وأشباه هذا مما يعد تفريطا وتعديا فتتلف به فعليه ضمانها لأنها تلفت بعدوانه فضمنها كالمودع إذا تعدى وإن اختلفا في التعدي وعدمه فالقول قول الراعي لأنه أمين وإن فعل فعلا اختلفا في كونه تعديا رجع إلى أهل الخبرة ولو جاء بجلد شاة وقال : ماتت قبل قوله ولم يضمن وعن أحمد أنه يضمن ولا يقبل قوله والصحيح الأول لأن الأمناء تقبل أقوالهم كالمودع ولأنه يتعذر عليه إقامة البينة في الغالب فأشبه المودع وكذلك لو ادعى موتها من غير أن يأتي بجلدها
فصل : ولا يصح العقد في الرعي إلا على مدة معلومة لأن العمل لا ينحصر ويجوز العقد على رعي ماشية معينة وعلى جنس في الذمة فإن عقد على معينة فذكر أصحابنا أنه يتعلق بأعيانها كما لو استأجره لخياطة ثوب بعينه فلا يجوز إبداله ويبطل العقد بتلفها وإن تلف بعضها بطل عقد الإجارة فيه وله أجر ما بقي منها بالحصة وإن ولدت سخالا لم يكن عليه رعيها لأنها زيادة لم يتناولها العقد ويحتمل أن لا يتعلق بأعيانها لأنها ليست المعقود عليها وإنما يستوفي المنفعة بها فأشبه ما لو استأجر ظهرا ليركبه جاز أن يركب غيره مكانه ولو استأجر دارا ليسكنها جاز أن يسكنها مثله ولو استأجر أرضا ليزرعها حنطة جاز أن يزرعها ما هو مثلها في الضرر أو أدنى منها وإنما المعقود عليه منفعة الراعي ولهذا يجب له الأجر إذا سلم نفسه وإن لم يرع ويفارق الثوب في الخياطة لأن الثياب في مظنة الاختلاف في سهولة خياطتها ومشقتها بخلاف الرعي فعلى هذا له إبدالها بمثلها وإن تلف بعضها لم ينفسخ العقد فيه وكان له إبداله وإن وقع العقد على موصوف في الذمة فلا بد من ذكر جنس الحيوان ونوعه إبلا أو بقرا أو غنما أو ضأنا أو معزا وإن أطلق ذكر البقر والإبل لم يتناول الجواميس والبخاتي لأن إطلاق الاسم لا يتناولها عرفا وإن وقع العقد في مكان يتناولها إطلاق الاسم احتاج إلى ذكر نوع ما يراه منها كالغنم لأن كل نوع له أثر في إتعاب الراعي ويذكر الكبر والصغر فيقول كبارا أو سخالا أو عجاجيل أو فصلانا إلا أن يكون ثم قرينة أو عرف صارف إلى بعضها فيغني عن الذكر وإذا عقد على عدد موصوف كالمائة لم يجب عليه رعي زيادة عليها لا من سخالها ولا من غيرها وإن أطلق العقد ولم يذكر عددا لم يجز وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال القاضي : يصح ويحمل على ما جرت به العادة كالمائة من الغنم ونحوها وهو قول بعض أصحاب الشافعي والأول أصح لأن العادة في ذلك تختلف وتتباين كثيرا إذ العمل يختلف باختلافه

فصول : جواز إجارة كل عين يمكن الانتفاع بها منفعة مباحة وأقسام ما لا تجوز إجارته
فصل فيما تجوز إجارته : تجوز إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها بحكم الأصل كالأرض والدار والعبد والبهيمة والثياب والفساطيط والحبال والخيام والمحامل والسرج واللجام والسيف والرمح وأشباه ذلك وقد ذكرنا كثيرا مما تجوز إجارته في مواضعه وتجوز إجارة الحلي نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله وبهذا قال الثوري و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وروي عن أحمد أنه قال : في إجارة الحلي ما أدري ما هو ؟ قال القاضي : هو محمول على إجارته بأجرة من جنسه فأما بغير جنسه فلا بأس به لتصريح أحمد بجوازه وقال مالك : في إجارة الحلي والثياب ما هو من المشتبهات ولعله يذهب إلى أن المقصود بذلك الزينة وليس ذلك من المقاصد الأصلية ومن منع ذلك بأجر من جنسه فقد احتج له بأنها تحتك بالاستعمال فيذهب منها أجزاء وإن كانت يسيرة فيحصل الأجر في مقابلتها ومقابلة الانتفاع بها فيفضي إلى بيع ذهب بذهب وشيء آخر ولنا أنها عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقاء عينها فاشبهت سائر ما تجوز إجارته والزينة من المقاصد الأصلية فإن الله تعالى امتن بها علينا بقوله تعالى : { لتركبوها وزينة } وقال تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } وأباح الله تعالى من التحلي واللباس للنساء ما حرمه على الرجال لحاجتهن إلى التزين للأزواج وأسقط الزكاة عن حليهن معونة لهن على اقتنائه وما ذكروه من نقصها بالاحتكاك لا يصح لأن ذلك يسير لا يقابل بعوض ولا يكاد يظهر في وزن ولو ظهر فالأجر في مقابلة الانتفاع لا في مقابلة الأجزاء لأن الأجر في الإجارة إنما هو عوض المنفعة كما في سائر المواضع ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب لما جاز إجارة أحد النقدين بالآخر لإفضائه إلى الفرق في معاوضة أحدهما بالآخر قبل القبض والله أعلم
فصل : وتجوز إجارة الدراهم والدنانير للوزن والتحلي في مدة معلومة وبه قال أبو حنيفة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر أنها لا تجوز إجارتها لأن هذه المنفعة ليست المقصود منها ولذلك لا تضمن منفعتها بغصبها فأشبهت الشمع
ولنا أنها عين أمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة فأشبهت الحلي وفارق الشمع فإنه لا ينتفع به إلا بما أتلف عينه إذا ثبت هذا فإنه إن ذكر ما يستأجره له وعينه فحسن وإن أطلق الإجارة فقال أبو الخطاب : تصح الإجارة وينتفع بها فيما شاء منهما لأن منفعتهما في الإجارة متعينة في التحلي والوزن وهما متقاربان فوجب أن تحمل الإجارة عند الإطلاق عليهما كاستئجار الدار مطلقا فإنه يتناول السكنى ووضع المتاع فيها وقال القاضي : لا تصح الإجارة وتكون قرضا وهذا مذهب أبي حنيفة لأن الإجارة تقتضي الانتفاع والانتفاع المعتاد بالدراهم والدنانير إنما هو بأعيانها فإذا أطلق الانتفاع حمل على الانتفاع المعتاد
وقال أصحاب الشافعي : لا تصح الإجارة فلا تكون قرضا لأن التحلي ينقصها والوزن لا ينقصها فقد اختلفت جهة الانتفاع فلم يجز إطلاقها ولا يجوز أن يعبر بها عن القرض لأن القرض تمليك للغير والإجارة تقتضي الانتفاع مع بقاء العين فلم يجز التعبير بأحدهما عن الآخر ولأن التسمية والألفاظ تؤخذ نقلا ولم يعهد في اللسان التعبير بالإجارة عن القرض وقول أبي الخطاب أصح إن شاء الله لأن العقد متى أمكن حمله على الصحة كان أولى من إفساده وقد أمكن حمله على إجارتها للجهة التي تجوز إجارتها فيها وقول القاضي : لا يصح لأن الإجارة إنما تقتضي انتفاعا مع بقاء العين فلا تحمل على غير ذلك وما ذكر الآخرون من نقص العين بالاستعمال في التحلي فبعيد فإن ذلك يسير لا أثر له فوجوده كعدمه
فصل : ويجوز أن يستأجر شجرا ونخيلا ليجفف عليها الثياب أو يبسطها عليها ليستظل بظلها ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان لما ذكروه في الأثمان
ولنا أنها لو كانت مقطوعة لجاز استئجارها لذلك فكذلك إذا كانت نابتة وذلك لأن الانتفاع يحصل بهما على السواء في الحالتين فما جاز في إحداهما يجوز في الأخرى ولأنها شجرة فجاز استئجارها لذلك كالمقطوعة ولأنها منفعة مقصودة يمكن استيفاؤها مع بقاء العين فجاز العقد عليها كما لو كانت مقطوعة ولأنها عين يمكن استيفاء هذه المنفعة منها فجاز استئجارها لها كالحبال والخشب والشجر المقطوع
فصل : ويجوز استئجار غنم لتدرس له طينا أو زرعا ولأصحاب الشافعي فيه وجهان لأنها منفعة غير مقصودة من هذا الحيوان فأشبهت النخيل
ولنا أنها منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها فأشبهت استئجار البقر لدياس الزرع
فصل : ويجوز استئجار ما يبقى من الطيب والصندل وأقطاع الكافور والند لتشمه المرضى وغيرهم مدة ثم يرده لأنها منفعة مباحة فأشبهت الوزن والتحلي مع أنه لا ينفك من أخلاق وبلى
فصل : وتجوز إجارة الحائط ليضع عليها خشبا معلوما مدة معلومة وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يجوز ولنا أن هذه منفعة مقصودة مقدور على تسليمها واستيفائها فجاز عقد الإجارة عليها كاستئجار السطح للنوم عليه
فصل : ويجوز استئجار دار يتخذها مسجدا يصلي فيه وبه قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يصح لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد إجارة بحال فلا تجوز الإجارة لذلك
ولنا أن هذه منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها فجاز استئجار العين لها كالسكنى ويفارق الصلاة فإنها لا تدخلها النيابة بخلاف بناء المساجد
فصل : وذكر ابن عقيل أنه يجوز استئجار البئر ليستقي منها أياما معلومة لأن هواء البئر وعمقها فيه نوع انتفاع بمرور الدلو فيه وأما نفس الماء فيؤخذ على أصل الإباحة والله الموفق
فصل : ويجوز استئجار الفهد والبازي والصقر للصيد في مدة معلومة لأن فيه نفعا مباحا تجوز إعارته له فجازت إجارته له كالدابة وتجوز إجارة كتب العلم التي يجوز بيعها للانتفاع بها في القراءة فيها والنسخ منها لما ذكرناه وتجوز إجارة درج فيه خط حسن يكتب عليه ويتمثل منه لذلك
فصل : وما لا تجوز إجارته أقسام أحدها : ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالمطعوم والمشروب والشمع ليشعله لأن الإجارة عقد على المنافع وهذه لا ينتفع بها إلا بإتلاف عينها فإن استأجر شمعة يسرجها ويرد بقيتها وثمن ما ذهب وأجر الباقي كان فاسدا لأنه يشمل بيعا وإجارة وما وقع عليه البيع مجهول وإذا جهل المبيع جهل المستأجر أيضا فيفسد العقدان ولو استأجر شمعا ليتجمل به ويرده من غير أن يشعل منه شيئا لم يجز لأن ذلك ليس بمنفعة مرعية في الشرع فبذل المال فيه سفه وأخذه أكل مال بالباطل فلم يجز كما لو استأجر خبزا لينظر إليه وكذلك لو استأجر طعاما ليتجمل به على مائدته ثم يرده لم يجز لما ذكرناه وهكذا سائر الأشياء ولا يصح استئجار ما لا يبقى من الرياحين كالورد والبنفسج والريحان الفارسي وأشباهه لشمها لأنها تتلف عن قرب فأشبهت المطعومات ولا يجوز استئجار الغنم ولا الإبل والبقر ليأخذ لبنها ولا ليسترضعها السخالة ونحوها ولا استئجارها ليأخذ صوفها ولا شعرها ولا وبرها ولا استئجار شجرة ليأخذ ثمرتها أو شيئا من عينها
فصل : ولا تجوز إجارة الفحل للضراب وهذا ظاهر مذهب الشافعي وأصحاب الرأي و أبي ثور و ابن المنذر وخرج أبو الخطاب وجها في جوازه لأنه انتفاع مباح والحاجة تدعو إليه فجاز كإجارة الظئر للرضاع والبئر ليستقي منها الماءن ولأنها منفعة تستباح بالإعارة فتستباح بالإجارة كسائر المنافع وهذا مذهب الحسن و ابن سيرين
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن عسب الفحل متفق عليه وفي لفظ نهى عن ضراب الجمل ولأن المقصود الماء الذي يخلق منه الولد فيكون عقد الإجارة لاستيفاء عين غائبة فلم يجز كإجارة الغنم لأخذ لبنها وهذا أولى فإن هذا الماء محرم لا قيمة له فلم يجز أخذ العوض عنه كالميتة والدم وهو مجهول فأشبه اللبن في الضرع فأما من أجازه فينبغي أن يوقع العقد على العمل ويقدره بمرة أو مرتين أو أكثر وقيل يقع العقد على مدة وهذا بعيد لأن من أراد إطلاق فرسه مرة فقدره بمدة تزيد على قدر الفعل لم يمكن استيعابها به وإن اقتصر على مقداره فربما لا يحصل الفعل فيه ويتعذر أيضا ضبط مقدار الفعل فيتعين التقدير بالفعل إلا أن يكتري فحلا لإطلاق ماشية كثيرة كفحل يتركه في إبله أو تيس في غنمه فإن هذا إنما يكتري مدة معلومة والمذهب أنه لا تجوز إجارته فإن احتاج إنسان إلى ذلك ولم يجد من يطرق له جاز له أن يبذل الكراء وليس للمطرق أخذه قال عطاء لا يأخذ عليه شيئا ولا بأس أن يعطيه إذا لم يجد من يطرق له ولأن ذلك بذل مال لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها فجاز كشراء الأسير ورشوة الظالم ليدفع ظلمه وإن أطرق إنسان فحله بغير إجارة ولا شرط فأهديت له هدية أو أكرم بكرامة لذلك فلا بأس به لأنه فعل معروفا فجازت مجازاته عليه كما لو أهدي هدية
فصل : القسم الثاني : ما منفعته محرمة كالزنا والزمر والنوح والغناء فلا يجوز الاستئجار لفعله وبه قال مالك و الشافعي و أبو حنيفة وصاحباه و أبو ثور وكره ذلك الشعبي و النخعي لأنه محرم فلم يجز الاستئجار عليه كإجارة أمته للزنا ولا يجوز استئجار كاتب ليكتب له غناء ونوحا وقال أبو حنيفة : يجوز
ولنا أنه انتفاع بمحرم فأشبه ما ذكرنا ولا يجوز الاستئجار على كتابة شعر محرم ولا بدعة ولا شيء محرم لذلك ولا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشربها ولا على حمل خنزير ولا ميتة لذلك وبهذا قال أبو يوسف ومحمد و الشافعي وقال أبو حنيفة : يجوز لأن العمل لا يتعين عليه بدليل أنه لو حمله مثله جاز ولأنه لو قصد إراقته أو طرح الميتة جاز
وقد روي عن أحمد فيمن حمل خنزيرا أو ميتة أو خمرا لنصراني أكره أكل كرائه ولكن يقضى للحمال بالكراء فإذا كان لمسلم فهو أشد قال القاضي : هذا محمول على أنه استأجره ليريقها فأما للشرب فمحذور لا يحل أخذ الأجرة عليه وهذا التأويل بعيد لقوله أكره أكل كرائه وإذا كان لمسلم فهو أشد ولكن المذهب خلاف هذه الرواية لأنه استئجار لفعل محرم فلم يصح كالزنا ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لعن حاملها والمحمولة إليه وقوله لا يتعين يبطل باستئجار أرض ليتخذها مسجدا وأما حمل هذه لإراقتها والميتة لطرحها والاستئجار للكنف فجائز لأن ذلك كله مباح وقد استأجر النبي صلى الله عليه و سلم أباظية لحجمه وقال أحمد في رواية ابن منصور في الرجل يؤجر نفسه لنظارة كرم النصراني يكره ذلك لأن الأصل في ذلك راجع إلى الخمر
فصل : ويكره أن يؤجر الرجل نفسه لكسح الكنف ويكره له أكل أجره لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ كسب الحجام خبيث ] ونهى الحر عن أكله فهذا أولى وقد روي عن ابن عباس أن رجلا حج ثم أتاه فقال : إني رجل أكنس فما ترى في مكسبي ؟ قال أي شيء تكنس ؟ قال العذرة قال ومنه حججت ومنه تزوجت ؟ قال نعم قال : أنت خبيث وحجك خبيث وما تزوجت خبيث أو نحو هذا ذكره سعيد بن منصور في سننه بمعناه ولأن فيه دناءة فكره كالحجامة فأما الإجارة في الجملة فجائزة لأن الحاجة داعية إليها فلا تندفع بدون إباحة الإجارة فوجب إباحتها كالحجامة
فصل : ولا يجوز للرجل إجارة داره لمن يتخذها كنيسة أو بيعة أو يتخذها لبيع الخمر أو القمار وبه قال الجماعة وقال أبو حنيفة : إن كان بيتك في السواد فلا بأس أن تؤجره لذلك وخالفه صاحباه واختلف أصحابه في تأويل قوله
ولنا أنه فعل محرم فلم تجز الإجارة عليه كإجارة عبده للفجور ولو اكترى ذمي من مسلم داره فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه وبذلك قال الثوري وقال أصحاب الرأي : إن كان بيته في السواد والجبل فله أن يفعل ما شاء
ولنا أنه فعل محرم جاز المنع منه في المصر فجاز في السواد كقتل النفس المحرمة
فصل : القسم الثالث : ما يحرم بيعه إلا الحر والوقف وأم الولد والمدبر فإنه يجوز إجارتها وإن حرم بيعها وما عدا ذلك فلا تجوز إجارته سواء كان ممن لا يقدر على تسليمه كالعبد الآبق والجمل النادر والبهيمة الشاردة والمغصوب من غير غاصبه أو ممن لا يقدر على انتزاعه منه فإنه لا تجوز إجارته لأنه لا يمكن تسليم المعقود عليه وإن كان مما تجهل صفته فإنه لا تجوز إجارته في ظاهر المذهب أو كان ممن لا نفع فيه كسباع البهائم أو الطير التي لا تصلح للاصطياد ولا تجوز إجارة الكلب ولا الخنزير بحال ويتخرج جواز إجارة الكلب الذي يباح اقتناؤه لأن فيه نفعا مباحا تجوز له إعارته فجازت إجارته له كغيره ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ولا تجوز إجارة ما لا يقدر على تسليم منفعته سواء جاز بيعه أو لم يجز مثل أن يغصب منفعته بأن يدعي إنسان أن هذه الدار في إجارته عاما ويغلب صاحبها عليها فإنه لا تجوز إجارتها في هذا العام إلا من غاصبها أو ممن يقدر على أخذها منه قال أصحابنا ولا تجوز إجارة المشاع لغير الشريك إلا أن يؤجر الشريكان معا وهذا قول أبي حنيفة و زفر لأنه لا يقدر على تسليمه فلم تصح إجارته كالمغصوب وذلك لأنه لا يقدر على تسليمه إلا بتسليم نصيب شريكه ولا ولاية له على مال شريكه واختار أبو حفص العكبري جواز ذلك وقد أومأ إليه أحمد وهو قول مالك و الشافعي و أبي يوسف ومحمد لأنه معلوم يجوز بيعه فجازت إجارته كالمفروز ولأنه عقد في ملكه يجوز مع شريكه فجاز مع غيره كالبيع ولأنه يجوز إذا فعله الشريكان معا فجاز لأحدهما فعله في نصيبه مفردا كالبيع ومن نصر الأول فرق بين محل النزاع وبين ما إذا أجره الشريكان أو أجره لشريكه بأنه يمكن التسليم إلى المستأجر فأشبه إجارة المغصوب من غاصبه دون غيره وإن كانت الدار لواحد فأجر نصفها صح لأنه يمكنه تسليمه ثم إن أجر نصفها الآخر للمستأجر الأول صح فإنه يمكنه تسليمه إليه وإن أجره لغيره ففيه وجهان بناء على المسألة التي قبلها لأنه لا يمكنه تسليم ما أجره إليه وإن أجر الدار لاثنين لكل واحد منهما نصفها فكذلك لأنه لا يمكنه تسليم نصيب كل واحد منهما إليه
فصل : وفي إجارة المصحف وجهان أحدهما : لا تصح إجارته مبنيا على أنه لا يصح بيعه وعلة ذلك إجلال كلام الله وكتابه عن المعارضة به وابتذاله بالثمن في البيع والأجر في الإجارة والثاني : تجوز إجارته وهو مذهب الشافعي لأنه انتفاع مباح تجوز الإعارة من أجله فجازت فيه الإجارة كسائر الكتب فأما سائر الكتب الجائز بيعها فتجوز إجارتها ومقتضى مذهب أبي حنيفة أنها لا تجوز إجارتها لأنه علل منع إجارة المصحف بأنه ليس في ذلك أكثر من النظر إليه ولا تجوز الإجارة لمثل ذلك بدليل أن لا يجوز أن يستأجر سقفا لينظر إلى عمله وتصاويره أو شمعا ليتجمل به
ولنا أنه انتفاع مباح يحتاج إليه وتجوز الإعارة له فجازت إجارته كسائر المنافع وفارق النظر إلى السقف فإنه لا حاجة إليه ولا جرت العادة بالإعارة من أجله وفي مسألتنا يحتاج إلى القراءة في الكتب والتحفظ منها والنسخ والسماع منها والرواية وغير ذلك من الانتفاع المقصود المحتاج إليه
فصل : ولا تجوز إجارة المسلم للذمي لخدمته نص عليه أحمد في رواية الأثرم فقال : إن أجر نفسه من الذمي في خدمته لم يجز وإن كان في عمل شيء جاز وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر : تجوز لأنه تجوز له إجارة نفسه في غير الخدمة فجاز فيها كإجارته من المسلم
ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله له واستخدامه أشبه البيع يحققه أن عقد الإجارة للخدمة يتعين فيه حبسه مدة الإجارة واستخدامه والبيع لا يتعين فيه ذلك فإذا منع منه فلان يمنع من الإجارة أولى فأما من أجر نفسه منه في عمل معين في الذمة كخياطة ثوب وقصارته جاز بغير خلاف نعلمه لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة وأخبر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك فلم ينكره وكذلك الأنصاري ولأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلال المسلم ولا استخدامه أشبه مبايعته وإن أجر نفسه منه لعمل غير الخدمة مدة معلومة جاز أيضا في ظاهر كلام أحمد لقوله في رواية الأثرم وإن كان في عمل شيء جاز
ونقل عنه أحمد بن سعيد : لا بأس أن يؤجر نفسه من الذمي وهذا مطلق في نوعي الإجارة وذكر بعض أصحابنا أن ظاهر كلام أحمد منع ذلك وأشار إلى ما رواه الأثرم واحتج بأنه عقد يتضمن حبس المسلم أشبه البيع والصحيح ما ذكرنا وكلام أحمد إنما يدل على خلاف ما قاله فإنه خص المنع بالإجارة للخدمة وأجاز إجارته للعمل وهذا إجارة للعمل ويفارق البيع فإن فيه إثبات الملك على المسلم ويفارق إجارته للخدمة لتضمنها الإذلال
فصل : نقل إبراهيم الحربي عن أحمد أنه سئل عن الرجل يكتري الديك يوقظه لوقت الصلاة لا يجوز وذلك لأن ذلك يقف على فعل الديك ولا يمكن استخراج ذلك منه بضرب ولا غيره وقد يصيح وقد لا يصيح وربما صاح بعد الوقت
فصل : القسم الرابع : القرب الذي يختص فاعلها بكونه من أهل القربة يعني أنه يشترط كونه مسلما كالإمامة والأذان والحج وتعليم القرآن نص عليه أحمد وبه قال عطاء و الضحاك بن قيس و أبو حنيفة و الزهري وكره الزهري و إسحاق تعليم القرآن بأجر
وقال عبد الله بن شقيق : هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت وممن كره أجرة التعليم مع الشرط الحسن و ابن سيرين و طاوس و الشعبي و النخعي وعن أحمد رواية أخرى يجوز ذلك حكاها أبو الخطاب
ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال : التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة ومن أن يستدين ويتجر لعله لا يقدر على الوفاء فيلقى الله تعالى بأمانات الناس التعليم أحب إلي وهذا يدل على أن منعه منافي موضع منعه للكراهة لا للتحريم
وممن أجاز ذلك مالك و الشافعي ورخص في أجوز المعلمين أبو قلابة و أبو ثور و ابن المنذر لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوج رجلا بما معه من القرآن متفق عليه وإذا جاز تعليم القرآن عوضا في باب النكاح وقام مقام المهر جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ] حديث صحيح وثبت [ أن أبا سعيد رقى رجلا بفاتحة الكتاب على جعل فبرأ وأخذ أصحابه الجعل فأتوا به رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبروه وسألوه فقال : لعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق كلوا واضربوا لي معكم بسهم ] وإذا جاز أخذ الجعل جاز أخذ الأجر لأنه في معناه ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال فجاز أخذ الأجر عليه كبناء المساجد والقناطر ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإنه يحتاج إلى الاستنابة في الحج عمن وجب عليه الحج وعجز عن فعله ولا يكاد يوجد متبرع بذلك فيحتاج إلى بذل الأجر فيه ووجه الرواية الأولى ما روى عثمان بن أبي العاص قال : إن آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه و سلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ عن أذانه أجرا قال الترمذي : هذا حديث حسن وروى عبادة بن الصامت قال : [ علمت ناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة فأهدى إلي رجل منهم قوسا قال : قلت قوس وليست بمال قال : قلت أتقلدها في سبيل الله فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم وقص عليه القصة قال : إن سرك أن يقلدك الله قوسا من نار فاقبلها ] وعن [ أبي بن كعب أنه علم رجلا سورة من القرآن فأهدى إليه خميصة أو ثوبا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : لو أنك لبستها أو أخذتها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار ] وعن [ أبي قال : كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن فكان عند فراغه مما أقرئه يقول لجارية له : هلمي بطعام أخي فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة فحاك في نفسي منه شيء فذكرته للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه وإن كان يتحفك به فلا تأكله ] وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : اقرئوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ] روى هذه الأحاديث كلها الأثرم في سننه ولأن من شرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى فلم يجز أخذ الأجر عليها كما لو استأجر قوما يصلون خلفه الجمعة أو التراويح فأما الأخذ على الرقية فإن أحمد اختار جوازه وقال : لا بأس وذكر حديث أبي سعيد والفرق بينه وبين ما اختلف فيه أن الرقية نوع مداواة والمأخوذ عليها جعل والمداواة يباح أخذ الأجر عليها والجعالة أوسع من الإجارة ولهذا تجوز مع جهالة العمل والمدة وقوله عليه السلام : [ أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ] يعني به الجعل أيضا في الرقية لأنه ذكر ذلك أيضا في سياق خبر الرقية وأما جعل التعليم صداقا ففيه اختلاف وليس في الخبر تصريح بأن التعليم صداق إنما قال [ زوجتكها على ما معك من القرآن ] فيحتمل أنه زوجه إياها بغير صداق إكراما له كما زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه ونقل عنه جوازه والفرق بين المهر والأجر أن المهر ليس بعوض محض وإنما وجب نحلة ووصلة ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته وصح مع فساده بخلاف الأجر في غيره فأما الرزق من بيت المال فيجوز على ما يتعدى نفعه من هذه الأمور لأن بيت المال لمصالح المسلمين فإذا كان بذله لمن يتعدى نفعه إلى المسلمين محتاجا إليه كان من المصالح وكان للآخذ له أخذه لأنه من أهله وجرى مجرى الوقف على من يقوم بهذه المصالح بخلاف الأجر
فصل : فإن أعطى المعلم شيئا من غير شرط فظاهر كلام أحمد جوازه قال فيما نقل عنه أيوب بن سافري لا يطلب ولا يشارط فإن أعطي شيئا أخذه وقال في رواية أحمد بن سعيد : أكره أجر المعلم إذا شرط وقال : إذا كان المعلم لا يشارط ولا يطلب من أحد شيئا إن أتاه شيء قبله كأنه يراه أهون وكرهه طائفة من أهل العلم لما تقدم من حديث القوس والخميصة اللتين أعطيهما أبي وعبادة من غير شرط ولأن ذلك قربة فلم يجز أخذ العوض عنها لا بشرط ولا بغيره كالصلاة والصيام ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه وتموله فإنه رزق ساقه الله إليك ] وقد أرخص النبي صلى الله عليه و سلم لأبي في أكل طعام الذي كان يعمله إذا كان طعامه وطعام أهله ولأنه إذا كان بغير شرط كان هبة مجردة فجاز كما لو لم يعلمه شيئا فأما حديث القوس والخميصة فقضيتان في عين فيحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم علم أنهما فعلا ذلك لله خالصا فكره أخذ العوض عنه من غير الله تعالى ويحتمل غير ذلك وإن أعطي المعلم أجرا على تعليم الصبي الخط وحفظه جاز نص عليه أحمد فقال : إن كان المعطي ينوي أن يعطيه لحفظ الصبي وتعليمه فأرجو إذا كان كذا ولأن هذا مما يجوز أخذ الأجر عليه مفردا فجاز مع غيره كسائر ما يجوز الاستئجار عليه وهكذا لو كان إمام المسجد قيما له يسرج قناديله ويكنسه ويغلق بابه ويفتحه فأخذ أجرا على خدمته أو كان النائب في الحج يخدم المستنيب له في طريق الحج ويشد له ويرفع حمله ويحج عن أبيه فدفع له أجرا لخدمته لم يمتنع ذلك إن شاء الله تعالى
فصل : وما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كتعليم الخط والحساب والشعر المباح وأشباهه وبناء المساجد والقناطر جاز أخذ الأجر عليه لأنه يقع تارة قربة وتارة غير قربة فلم يمنع من الاستئجار لفعله كغرس الأشجار وبناء البيوت وكذلك في تعليم الفقه والحديث وأما ما لا يتعدى نفعه فاعله من العبادات المحضة كالصيام وصلاة الإنسان لنفسه وحجه عن نفسه وأداء زكاة نفسه فلا يجوز أخذ الأجر عليها بغير خلاف لأن الأجر عوض الانتفاع ولم يحصل لغيره ههنا انتفاع فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها

فصول : حكم ما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في مدة الإجارة
فصل : إذا اختلفا في قدر الأجر فقال : أجرتنيها سنة بدينار قال بل بدينارين تحالفا ويبدأ بيمين الآجر نص عليه أحمد وهو قول الشافعي لأن الإجارة نوع من البيع فإذا تحالفا قبل مضي شيء من المدة فسخا العقد ورجع كل واحد منهما في ماله وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر قر العقد وإن فسخا العقد بعد المدة أو شيء منها سقط المسمى ووجب أجر المثل كما لو اختلفا في المبيع بعد تلفه وهذا قول الشافعي وبه قال أبو حنيفة إن لم يكن عمل العمل وإن كان عمله فالقول قول المستأجر فيما بينه وبين أجر مثله وقال أبو ثور : القول قول المستأجر لأنه منكر للزيادة في الأجر والقول قول المنكر
ولنا أن الإجارة نوع من البيع فيتحالفان عند اختلافهما في عوضها كالبيع وكما قبل أن يعمل العمل عند أبي حنيفة وقال ابن أبي موسى : القول قول المالك لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع ] وهذا يحتمل أن يريد به إذا اختلفا في المدة وأما إذا اختلفا في العوض فالصحيح أنهما يتحالفان لما ذكرناه
فصل : وإن اختلفا في المدة فقال أجرتكها سنة بدينار قال بل سنتين بدينارين فالقول قول المالك لأنه منكر للزيادة فكان القول قوله فيما أنكره كما لو قال : بعتك هذا العبد بمائة قال : بل هذين العبدين وإن قال : أجرتكها سنة بدينار قال بل سنتين بدينار فههنا قد اختلفا في قدر العوض والمدة جميعا فيتخالفان لأنه لم يوجد الاتفاق منهما على مدة بعوض فصار كما لو اختلفا في العوض مع اتفاق المدة وإن قال المالك : أجرتكها سنة بدينار فقال الساكن بل استأجرتني على حفظها بدينار فقال أحمد القول قول رب الدار إلا أن تكون للساكن بينة وذلك لأن سكنى الدار قد وجد من الساكن واستيفاء منفعتها وهي ملك صاحبها والقول قوله في ملكه والأصل عدم استئجار الساكن في الحفظ فكان القول قول من ينفيه
فصل : وإن اختلفا في التعدي في العين المستأجرة فالقول قول المستأجر لأنه مؤتمن عليها فأشبه المودع ولأن الأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان وإن ادعى أن العبد أبق من يده وأن الدابة شردت أو نفقت وأنكر المؤجر فعن أحمد روايتان إحداهما : أحمد القول قول المستأجر لما ذكرنا ولا أجر عليه إذا حلف أنه ما انتفع بها لأن الأصل عدم الانتفاع والثانية : القول قول المؤجر لأن الأصل السلامة فأما إن ادعى أن العبد مرض في يده نظرنا فإن جاء به صحيحا فالقول قول المالك سواء وافقه العبد أو خالفه نص عليه أحمد وإن جاء به مريضا فالقول قول المستأجر وهذا قول أبي حنيفة لأنه إذا جاء به صحيحا فقد ادعى ما يخالف الأصل وليس معه دليل عليه وإن جاء به مريضا فقد وجد ما يخالف الأصل يقينا فكان القول قوله في مدة المرض لأنه أعلم بذلك لكونه في يده وكذلك إن ادعى إباقه في حال إباقه أو جاء به غير آبق
ونقل إسحاق بن منصور عن أحمد أنه يقبل قوله في إباق العبد دون مرضه وبه قال الثوري و إسحاق قال أبو بكر : وبالأول أقول لأنهما سواء في تفويت منفعته فكانا سواء في دعوى ذلك وإن هلكت العين فاختلفا في وقت هلاكها أو أبق العبد أو مرض فاختلفا في وقت ذلك فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم العمل ولأن ذلك حصل في يده وهو أعلم به

فصل : حكم من قام بعمل من غير عقد ولا شرط
فصل : إذا دفع ثوبه إلى خياط أو قصار ليخيطه أو يقصره من غير عقد ولا شرط ولا تعويض بأجر مثل أن يقول خذ هذا فاعمله وأنا أعلم أنك إنما تعمل بأجر وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك ففعلا ذلك فلهما الأجر وقال أصحاب الشافعي : لا أجر لهما لأنهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما فأشبه ما لو تبرعا بعمله ولنا أن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول فصار كنقد البلد وكما لو دخل حماما أو جلس في سفينة مع ملاح ولأن شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعريض فأما إن لم يكونا منتصبين لذلك لم يستحقا أجرا إلا بعقد أو شرط العوض أو تعريض به لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد فصار كما لو تبرع به أو عمله بغير إذن مالكه ولو دفع ثوبا إلى رجل ليبيعه فالحكم فيه كالحكم في القصار والخياط إن كان منتصبا يبيع للناس بأجر فله أجر مثله نص عليه أحمد وإن لم يكن كذلك فلا شيء له لما تقدم ومتى دفع ثوبه إلى أحد هؤلاء ولم يقاطعه على أجر فله أجر المثل لأن الثياب تختلف أجرتها ولم يعين شيئا فجرى مجرى الإجارة الفاسدة فإن تلف الثوب من حرزه أو بغير فعله فلا ضمان عليه لأن ما لا يضمن في العقد الصحيح لا يضمن في فاسده وإن تلف من فعله بتخريقه أو دقه ضمنه لأنه إذا ضمنه بذلك في العقد الصحيح ففي الفاسد أولى وقال أحمد فيمن دفع ثوبا إلى قصار ليقصره ولم يقطع له أجرا بل قال أنا أعطيك كما تعطى وهلك الثوب فإن كان بخرق أو نحوه مما لا تجنيه يده فلا ضمان عليه بين الكراء أو لم يبين والعلة في ذلك ما ذكرناه

فصل : حكم من استؤجر لحمل كتاب إلى مكة
فصل : إذا استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلى مكة أو غيرها إلى صاحب له فحمله فوجد صاحبه غائبا فرده استحق الأجر بحمله في الذهاب والرد لأنه حمله في الذهاب بإذن صاحبه صريحا وفي الرد تضمينا لأن تقدير كلامه وإن لم تجد صاحبه فرده إذ ليس سوى رده إلا تضييعه فقد علم أنه لا يرضى تضييعه فتعين رده والله أعلم

كتاب إحياء الموات تعريف الأرض الموات وصفتها
الموات هو الأرض الخراب الدارسة تسمى ميتة ومواتا وموتانا بفتح الميم والواو والموتان بضم الميم وسكون الواو الموت الذريع ورجل موتان القلب بفتح الميم وسكون الواو يعني أعمى القلب لا يفهم والأصل في إحياء الأرض ما روى جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أحيا أرضا ميتة فهي له ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وروى سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق ] قال الترمذي هذا حديث حسن وروى مالك في موطئه و أبو داود في سننه عن عائشة مثله قال ابن عبد البر وهو مسند صحيح متلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم وروى أبو عبيد في الأموال عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أحيا أرضا ليست لأحد فهو أحق بها ] قال عروة : قضى بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته وعامة فقهاء الأمصار على أحمد الموات يملك بالإحياء وغن اختلفوا في شروطه

مسألة وفصلان : قال : ومن أحيى أرضا لم تملك فهي له ولا فرق بين دار حرب أو دار سلام
مسألة : قال أبو القاسم : ومن أحيا أرضا لم تملك فهي له :
وجملته أن الموات قسمان أحدهما : ما لم يجز عليه ملك لأحد ولم يوجد فيه أثر عمارة فهذا يملك بالإحياء بغير خلاف بين القائلين بالإحياء والأخبار التي رويناها متناولة له القسم الثاني : ما جرى عليه ملك مالك وهو ثلاثة أنواع أحدها : ما له مالك معين وهو ضربان أحدهما : ما ملك بشراء أو عطية فهذا لا يملك بالإحياء بغير خلاف وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه الثاني ما ملك بالإحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا فهو كالذي قبله سواء وقال مالك : يملك هذا لعموم قوله [ من أحيا أرضا ميتة فهي له ] ولأن أصل هذه الأرض مباح فإذا تركت حتى تصير مواتا عادت إلى الإباحة كمن أخذ ماء من نهر ثم رده فيه
ولنا أن هذه أرض يعرف مالكها فلم تملك بالإحياء كالتي ملكت بشراء أو عطية والخبر مقيد بغير المملوك بقوله في الرواية الأخرى [ من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ] وقوله : في غير حق مسلم وهذا يوجب تقبيد مطلق حديثه وقال هشام بن عروة في تفسير قوله عليه السلام : [ وليس لعرق ظالم حق ] الظالم أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها ذكره سعيد بن منصور في سننه ثم الحديث مخصوص بما ملك بشراء أو عطية فنقيس عليه محل النزاع ولأن سائر الأموال لا يزول الملك عنها بالترك بدليل سائر الأملاك إذا تركت حتى تشعثت وما ذكروه يبطل بالموات إذا أحياه إنسان ثم باعه فتركه المشتري حتى عاد مواتا وباللقطة إذا ملكها ثم ضاعت منه ويخالف ماء النهر فإنه استهلك النوع الثاني : ما يوجد فيه آثار ملك قديم جاهلي كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوهم فهذا يملك بالإحياء لأن ذلك الملك لا حرمة له وقد روي عن طاوس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ عادي الأرض لله ولرسوله ثم هو بعد لكم ] رواه سعيد بن منصور في سننه و أبو عبيد في الأموال وقال : عادي الأرض التي كان بها ساكن في آباد الدهر فانقرضوا فلم يبق منهم أنيس وإنما نسبها إلى عاد لأنهم كانوا مع تقدمهم ذوي قوة وبطش وآثار كثيرة فنسب كل أثر قديم إليهم ويحتمل أن كل ما فيه أثر الملك ولم يعلم زواله قبل الإسلام أنه لا يملك لأنه يحتمل أن المسلمين أخذوه عامرا فاستحقوه فصار موقوفا بوقف عمر له فلم يملك كما لو علم مالكه
النوع الثالث : ما جرى عليه الملك في الإسلام لمسلم أو ذمي غير معين فظاهر كلام الخرقي أنها لا تملك بالإحياء وهو أحد الروايتين عن أحمد نقلها عنه أبو داود و أبو الحارث ويوسف بن موسى لما روى كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ من أحيا أرضا مواتا في غير حق مسلم فهي له ] فقيده بكونه في غير حق مسلم ولأن هذه الأرض لها مالك فلم يجز إحياؤها كما لو كان معينا فإن مالكها إن كان له ورثة فهي لهم وإن لم يكن له ورثة ورثها المسلمون والرواية الثانية : أنها تملك بالإحياء نقلها صالح وغيره وهو مذهب أبي حنيفة و مالك لعموم الأخبار ولأنها أرض موات لا حق فيها لقوم بأعيانهم أشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك ولأنها إن كانت في دار الإسلام فهي كلقطة دار الإسلام وإن كانت في دار الكفر فهي كالركاز
فصل : ولا فرق فيما ذكرنا بين دار الحرب ودار الإسلام لعموم الأخبار ولأن عامر دار الحرب إنما يملك بالقهر والغلبة كسائر أموالهم فأما ما عرف أنه كان مملوكا ولم يعلم له مالك معين فهو على الروايتين فإن قيل فهذا ملك كافر غير محترم فأشبه ديار عاد وقد دل عليه قوله عليه السلام : [ عادي الأرض لله ولرسوله ] ولأن الركاز من أموالهم ويملكه واجده فهذا أولى قلنا قوله : عادي الأرض يعني ما قدم ملكه ومضت عليه الأزمان وما كان كذلك فلا حكم لمالكه فأما ما قرب ملكه فيحتمل أن له مالكا باقيا وإن لم يتعين فلهذا قلنا لا يملك على أحد الروايتين وأما الركاز فإنه ينقل ويحول وهذا بخلاف الأرض بدليل أن لقطة دار الإسلام تملك بعد التعريف بخلاف الأرض
فصل : ولا فرق بين المسلم والذمي في الإحياء نص عليه أحمد وبه قال مالك و أبو حنيفة وقال مالك : لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام قال القاضي : وهو مذهب جماعة من أصحابنا لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني ] فجمع الموتان وجعله للمسلمين ولأن موتان الدار من حقوقها والدار للمسلمين فكان مواتها لهم كمرافق المملوك
ولنا عموم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من أحيا أرضا ميتة فهي له ] ولأن هذه جهة من جهات التمليك فاشترك فيها المسلم والذمي كسائر جهاته وحديثهم لا نعرفه إنما نعرف قوله : [ عادي الأرض لله ولرسوله ثم هو لكم بعد ومن أحيا مواتا من الأرض فله رقبتها ] هكذا رواه سعيد بن منصور وهو مرسل رواه طاوس عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم لا يمتنع أن يريد بقوله هي لكم أي لأهل دار الإسلام والذمي من أهل الدار تجري عليه أحكامها وقولهم أنها من حقوق الإسلام قلنا : وهو من أهل الدار فيتملكها كما يملكها بالشراء ويملك مباحاتها من الحشيش والحطب والصيود والركاز والمعدن واللقطة وهي من مرافق دار الإسلام

فصول : لا يجوز إحياء ما قرب من العامر ولا إحياء بالتحجير وللإمام حق إقطاع الموات لمن يحييه
فصل : وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه من طرقه ومسيل مائه ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته فلا يجوز إحياؤه بغير خلاف في المذهب وكذلك ما تعلق بمصالح القرية كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها وطرقها ومسيل مائها لا يملك بالإحياء ولا نعلم فيه أيضا خلافا بين أهل العلم وكذلك حريم البئر والنهر والعين وكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه لقوله عليه السلام : [ من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له ] مفهومه أن ما تعلق به حق مسلم لا يملك بالإحياء ولأنه تابع للمملوك ولو جوزنا إحياءه لبطل الملك في العامر على أهله وذكر القاضي : أن هذه المرافق لا يملكها المحيي بالإحياء لكن هو أحق بها من غيره لأن الإحياء الذي هو سبب الملك لم يوجد فيها وقال الشافعي : يملك بذلك وهو ظاهر قول الخرقي في حريم البئر لأنه مكان استحقه بالإحياء فملكه كالمحيى ولأن معنى الملك موجود فيه لأنه يدخل مع الدار في البيع ويختص به صاحبها فأما ما قرب من العامر ولم يتعلق بمصالحه ففيه روايتان إحداهما : يجوز إحياؤه قال أحمد في رواية أبي الصقر في رجلين أحييا قطعتين من موات وبقيت بينهما رقعة فجاز رجل ليحييها فليس لهما منعه وقال في جبانة بين قريتين : من أحياها فهي له وهذا مذهب الشافعي لعموم قوله عليه السلام : [ من أحيا أرضا ميتة فهي له ] ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أقطع بلال بن الحارث المزني العقيق وهو يعلم أنه بين عمارة المدينة ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة العامر فجاز إحياؤه كالبعيد والرواية الثانية : لا يجوز إحياؤه وبه قال أبو حنيفة و الليث لأنه في مظنة تعلق المصلحة به فإنه يحتمل أن يحتاج إلى فتح باب في حائطه إلى فنائه ويجعله طريقا أو يخرب حائطه فيضع آلات البناء في فنائه وغير ذلك ولم يجز تفويت ذلك عليه بخلاف البعيد
إذا ثبت هذا فإنه لا حد يفصل بين القريب والبعيد سوى العرف وقال الليث : حده غلوة وهي خمس خمس الفرسخ وقال أبو حنيفة : حد البعيد هو الذي إذا وقف الرجل في أدناه فصاح بأعلى صوته لم يسمع أدنى أهل المصر إليه
ولنا أن التحديد لا يعرف إلا بالتوقيف ولا يعرف بالرأي والتحكم ولم يرد من الشرع لذلك تحديد فوجب أن يرجع في ذلك إلى العرف كالقبض والإحراز وقول من حدد هذا تحكم بغير دليل وليس ذلك أولى من تحديده بشيء آخر كميل ونصف ميل ونحو ذلك وهذا التحديد الذي ذكراه - والله أعلم - مختص بما قرب من المصر أو القرية ولا يجوز أن يكون حدا لكل ما قرب من عامر لأنه يفضي إلى أن من أحيا أرضا في موات حرم إحياء شيء من ذلك الموات على غيره ما لم يخرج عن ذلك الحد
فصل : وجميع البلاد في ما ذكرناه سواء المفتوح عنوة كأرض الشام والعراق وما أسلم أهله عليه كالمدينة وما صولح أهله على أن الأرض للمسلمين كأرض خيبر إلا الذي صولح أهله على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها فإن أصحابنا قالوا : لو دخل فيها مسلم فأحيا فيها مواتا لم يملكه لأنهم صولحوا في بلادهم فلا يجوز التعرض لشيء منها عامرا كان أو مواتا لأن الموات تابع للبلد فإذا لم يملك عليهم البلد لم يملك مواته ويفارق دار الحرب حيث يملك مواتها لأن دار الحرب على أصل الإباحة وهذه صالحناهم على تركها لهم فحرمت علينا ويحتمل أن يملكها من أحياها لعموم الخبر ولأنها من مباحات دارهم فجاز أن يملكها من وجد منه سبب تملكها كالحشيش والحطب وقد روي عن أحمد : أنه ليس في السواد موات يعني سواد العراق قال القاضي : هذا محمول على العامر ويحتمل أن أحمد قال : ذلك لكون السواد كان معمورا كله في زمن عمر بن الخطاب وحين أخذه المسلمون من الكفار حتى بلغنا أن رجلا منهم سأل أن يعطى خربة فلم يجدوا له خربة فقال : إنما أردت أن أعلمكم كيف أخذتموها منا وإذا لم يكن فيها موات حين ملكها المسلمون لم يصر فيها موات بعده لأن ما دثر من أملك المسلمين لم يصر مواتا على إحدى الروايتين
فصل : وإن تحجر مواتا وهو أن يشرع في إحيائه مثل أن أدار حول الأرض ترابا أو أحجارا أو حاطها بحائط صغير لم يملكها بذلك لأن الملك بالإحياء وليس هذا إحياء لكن يصير أحق الناس به لأنه روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ] رواه أبو داود فإن نقله إلى غيره صار الثاني بمنزلته لأن صاحبه أقامه مقامه وإن مات فوارثه أحق به لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من ترك حقا أو مالا فهو لورثته ] فإن باعه لم يصح بيعه لأنه لم يملكه فلم يملك بيعه كحق الشفعة قبل الأخذ به وكمن سبق إلى معدن أو مباح قبل أخذه قال أبو الخطاب : ويحتمل جواز بيعه لأنه له فإن سبق غيره فأحياه ففيه وجهان أحدهما : أنه يملكه لأن الإحياء يملك به والحجر لا يملك به فثبت الملك بما يملك به دون ما لم يملك به كمن سبق إلى معدن أو مشرعة ماء فجاء غيره فأزاله وأخذه والثاني : لا يملكه لأن مفهوم قوله عليه السلام : من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد - وقوله - في حق غير مسلم فهي له إنها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق وكذلك قوله : [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ] وروى سعيد في سننه أن عمر رضي الله عنه قال : من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها وهذا يدل على أن من عمرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ولأن الثاني أحيا في حق غيره فلم يملكه كما لو أحيا ما تتعلق به مصالح ملك غيره ولأن حق المتحجر أسبق فكان أولى كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري فإن طالت المدة عليه فينبغي أن يقول له السلطان إما أن تحييه أو تتركه ليحييه غيرك لأن ضيق على الناس في حق مشترك بينهم فلم يمكن من ذلك كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينتفع ولا يدع غيره ينتفع فإن سأل الإمهال لعذر له أمهل الشهر والشهرين ونحو ذلك فإن أحياه غيره في مدة المهلة ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما وإن نقضت المدة ولم يعمر فلغيره أن يعمره ويملكه لأن المدة ضربت له لينقطع حقه بمضيها وسواء أذن له السلطان في عمارتها أو لم يأذن له وإن لم يكن للمتحجر عذر في ترك العمارة قيل له إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك فإن لم يعمرها كان لغيره عمارتها فإن لم يقل له شيء واستمر تعطيلها فقد ذكرنا عن عمر رضي الله عنه أن من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها ومذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا
فصل : وللإمام إقطاع الموات لمن يحييه فيكون بمنزلة المتحجر الشارع في الإحياء لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أقطع بلال بن الحرث العقيق أجمع فلما كان عمر قال لبلال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقطعك لتحيزه عن الناس إنما أقطعك لتعمر فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي رواه أبو عبيد في الأموال وذكر سعيد في سننه حدثنا عبد العزيز بن محمد عن ربيعة قال : سمعت الحرث بن بلال بن الحرث يقول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقطع بلال بن الحرث العقيق فلما ولي عمر بن الخطاب قال : ما أقطعك لتحتجنه فاقطعه الناس وروى علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم أقطعه أرضا بحضرموت قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وقال سعيد : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا فعطلوها فجاء قوم فأحيوها فخاصمهم الذي أقطعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عمر بن الخطاب فقال عمر : لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردها ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها

مسألة وفصول : لا تملك المعادن الظاهرة وما فيه منفعة عامة
مسألة : قال : إلا أن تكون أرض ملح أو ماء للمسلمين فيه المنفعة فلا يجوز أن ينفرد بها الإنسان :
وجملة ذلك أن المعادن الظاهرة وهي التي يوصل ما فيها من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون بها كالملح والكبريت والقير والمومياء والنفط والكحل والبرام والياقوت ومقاطع الطين وأشباه ذلك لا تملك بالإحياء ولا يجوز إقطاعها لأحد من الناس ولا احتجازها دون المسلمين لأن فيه ضررا بالمسلمين وتضييقا عليهم ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أقطع أبيض بن حمال معدن الملح فلما قيل له أنه بمنزلة الماء العد رده كذا قال أحمد وروى أبو عبيد و أبو داود و الترمذي بإسنادهم [ عن أبيض بن حمال أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه و سلم الملح بمأرب فلما ولى قيل يا رسول الله أتدري ما أقطعت له ؟ إنما أقطعت له الماء العد فرجعه منه قال : قلت يا رسول الله ما يحمى من الإراك ؟ قال : ما لم تنله أخفاف الإبل ] وهو حديث غريب وروي في لفظ عنه أنه قال : [ لا حمى في الإراك ] ورواه سعيد فقال : حدثني إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس المأربي عن أبيه [ عن أبيض بن حمال المأربي قال : استقطعت رسول الله صلى الله عليه و سلم معدن الملح بمأرب فأقطعنيه فقيل يا رسول الله : إنه بمنزلة الماء العد يعني أنه لا ينقطع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلا إذن ] ولأن هذا تتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز إحياؤه ولا إقطاعه كمشارع الماء وطرقات المسلمين قال ابن عقيل : هذا من مواد الله الكريم وفيض جوده الذي لا غناء عنه فلو ملكه أحد بالاحتجاز ملك منعه فضاق على الناس فإن أخذ العوض عنه أغلاه فخرج عن الموضع الذي وضعه الله من تعميم ذوي الحوائج من غير كلفة وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا
فصل : فأما المعادن الباطنة وهي التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤنة كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والبلور والفيروزج فإذا كانت ظاهرة لم تملك أيضا بالإحياء لما ذكرنا في التي قبلها وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان وأظهرها لم تملك بذلك في ظاهر المذهب وظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن يملكها بذلك وهو قول للشافعي لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤنة فملك بالإحياء كالأرض ولأنه بإظهاره تهيأ للانتفاع به من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل فأشبه الأرض إذا جاءها بماء أو حاطها ووجه الأول أن الإحياء الذي يملك به هو العمارة التي تهيأ بها المحيي للانتفاع من غير تكرار عمل وهذا حفر وتخريبه يحتاج إلى تكرار عند كل انتفاع فإن قيل : فلو احتفر بئرا ملكها وملك حريمها قلنا البئر تهيأت للانتفاع بها من غير تجديد حفر ولا عمارة وهذه المعادن تحتاج عند كل انتفاع إلى عمل وعمارة فافترقا قال أصحابنا : وليس للإمام إقطاعها لأنها لا تملك بالإحياء والصحيح جواز ذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم أقطع لبلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها وغوريها رواه أبو داود وغيره

فصول : حكم من أحيا أرضا فظهر فيها معدن ومن ملك معدنا فعمل فيه غيره أو استأجر أجيرا يحفر له
فصل : ومن أحيا أرضا فملكها بذلك فظهر فيها معدن ملكه ظاهرا كان أو باطنا إذا كان من المعادن الجامدة لأنه ملك الأرض بجميع أجزائها وطبقاتها وهذا منها ويفارق الكنز فإنه مودع فيها وليس من أجزائها ويفارق ما إذا كان ظاهرا قبل إحيائها لأنه قطع عن المسلمين نفعا كان واصلا إليهم ومنعهم انتفاعا كان لهم وههنا لم يقطع عنهم شيئا لأنه إنما ظهر بإظهاره له ولو تحجر الأرض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل إحيائها لكان له إحياؤها ويملكها بما فيها لأنه صار أحق به بتحجره وإقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه
وأما المعادن الجارية كالقار والنفط والماء فهل يملكها من ظهرت في ملكه ؟ فيه روايتان أظهرهما : لا يملكها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الناس شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ والنار ] رواه الخلال ولأنها ليست من أجزاء الأرض فلم يملكها بملك الأرض كالكنز والثانية : يملكها لأنها خارجة من أرضه المملوكة له فأشبهت الزرع والمعادن الجامدة
فصل : ولو شرع إنسان في حفر معدن ولم يصل إلى النيل صار أحق به كالتحجر الشارع في الإحياء فإذا وصل إلى النيل صار أحق بالأخذ منه ما دام مقيما على الأخذ منه وهل يملكه بذلك ؟ فيه ما قد ذكرنا من قبل وإن حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن له منعه وإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه سواء قلنا إن المعدن يملك بحفره أو لم نقل لأنه إن ملكه فإنما يملك المكان الذي حفره وأما العرق الذي في الأرض فلا يملكه بذلك ومن وصل إليه من جهة أخرى فله أخذه ولو ظهر في ملكه معدن بحيث يخرج النيل عن أرضه فحفر إنسان من خارج أرضه كان له أن يأخذ ما خرج عن أرضه منه لأنه لم يملكه إنما ملك ما هو من أجزاء أرضه وليس لأحد أن يأخذ ما كان داخلا في أرضه من أجزاء الأرض الباطنة كما لا يملك أخذ أجزائها الظاهرة ولو حفر كافر في دار الحرب معدنا فوصل إلى النيل ثم فتحها المسلمون عنوة لم تصر غنيمة وكان وجود عمله وعدمه واحدا لأن عامره لم يملكه بذلك ولو ملكه فإن الأرض كلها تصير وقفا للمسلمين وهذا ينصرف إلى مصلحة من مصالحهم فتعين لها كما لو ظهر بفعل الله تعالى
فصل : ولو كان في الموات موضع يمكن أن يحدث فيه معدنا ظاهرا كموضع على شاطئ البحر إذا صار فيه ماء البحر صار ملحا ملك بالإحياء وجاز للإمام إقطاعه لأنه لا يضيق على المسلمين بإحداثه بل يحدث نفعه بفعله فلم يمنع منه كبقية الموات وإحياء هذا بتهيئته لما يصلح له من حفر ترابه وتمهيده وفتح قناة إليه تصب الماء فيه لأنه يتهيأ بهذا الانتفاع به
فصل : ومن ملك معدنا فعمل فيه غيره بغير إذنه فما حصل منه فهو لمالكه ولا أجر للغاصب على عمله لأنه عمل في ملك غيره بغير إذنه أشبه ما لو حصد زرع غيره وإن قال مالكه اعمل فيه ولك ما يخرج منه فله ذلك ولا شيء لصاحب المعدن فيه لأنه إباحة من مالكه فملك ما أخذه كما لو أباحه الأخذ من داره أو بستانه وإن قال : اعمل فيه على أن ما رزق الله من نيل كان بيننا نصفين فعمل فيه وجهان أحدهما : يجوز وما يأخذه يكون بينهما كما لو قال له : احصد هذا الزرع بنصفه أو ثلثه ولأ ها عين تنمى بالعمل عليها فصح العمل فيها ببعضه كالمضاربة في الأثمان والثاني : لا يصح لأن ما يحصل منه مجهول ولأنه لا يصح أن يكون إجارة لأن العوض مجهول والعمل مجهول ولا جعالة لأن العوض مجهول ولا مضاربة لأن المضاربة إنما تصح بالأثمان على أن يرد رأس المال وتكون له حصة من الربح وليس ذلك ههنا وفارق حصاد الزرع بنصفه أو جزء منه لأن الزرع معلوم بالمشاهدة وما علم جميعه علم جزؤه بخلاف هذا وإن قال : اعمل فيه كذا ولك ما يحصل منه بشرط أن تعطيني ألفا أو شيئا معلوما لم يصح لأنه بيع لمجهول ولا يصح أن يكون معاملة كالمضاربة لما ذكرنا ولأن المضاربة تكون بجزء من النماء لا دراهم معلومة قال أحمد : إذا أخذ معدنا من قوم على أن يعمره ويعمل فيه ويعطيهم ألفي من أو ألف من صفرا فذلك مكروه ولم يرخص فيه والله الموفق
فصل : إذا استأجر رجلا ليحفر له عشرة أذرع في دور كذا بدينار صح لأنها إجارة معلومة وإن ظهر عرق ذهب فقال : استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصح لأن العمل مجهول وإن قال : إن استخرجته فلك دينار صح ويكون جعالة لأن الجعالة تصح على عمل مجهول إذا كان العوض معلوما

فصل : السابق إلى ما لم يسبق إليه فهو له
فصل : ومن سبق في الموات إلى معدن ظاهر أو باطن فهو أحق بما ينال منه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له ] فإن أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره منع منه لأنه يضيق على الناس ما لا نفع فيه فأشبه ما لو وقف في مشرعة الماء لغير حاجة وإن أطال المقام والأخذ احتمل أن يمنع لأنه يصير كالمتملك له واحتمل أن لا يمنع لإطلاق الحديث وإن استبق إليه اثنان وضاق المكان عنهما أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه ويحتمل أن يقسم بينهما لأنه يمكن قسمته وقد تساويا فيه فيقسم بينهما كما لو تداعيا عينا في أيديهما ولا بينة لأحدهما بها ويحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما لأن له نظرا وذكر القاضي وجها رابعا وهو أن الإمام ينصب من يأخذ لهما ويقسم بينهما وهذا التفصيل مذهب الشافعي

فصل : وما نضب عنه الماء من الجزائر
فصل : وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالإحياء قال أحمد في رواية العباس بن موسى إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها لأن فيه ضررا وهو أن الماء يرجع يعني أنه يرجع إلى ذلك المكان فإذا وجده مبنيا رجع إلى الجانب الآخر فأضر بأهله ولأن الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرت مجرى المعادن الظاهرة وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا حمى في الإراك ] وقال أحمد في رواية حرب : يروى عن عمر أنه أباح الجزائر يعني أباح ما ينبت في الجزائر من النبات وقال : إذا نضب الفرات عن شيء ثم نبت فيه نبات فجاء رجل يمنع الناس منه فليس له ذلك فأما إن غلب الماء على ملك إنسان ثم عاد فنضب عنه فله أخذه فلا يزول ملكه بغلبة الماء عليه وإن كان ما نضب عنه الماء لا ينتفع به أحد فعمره رجل عمارة لا ترد الماء مثل أن يجعله مزرعة فهو أحق به من غيره لأنه متحجر لما ليس لمسلم فيه حق فأشبه التحجر في الموات

فصل : لا يصح إحياء الشوارع والطرقات بين العمران
فصل : وما كان من الشوارع والطرقات والرحاب بين العمران فليس لأحد إحياؤه سواء كان واسعا أو ضيقا وسواء ضيق على الناس أو لم يضيق لأن ذلك يشترك فيه المسلمون وتتعلق به مصلحتهم فأشبه مساجدهم ويجوز الارتفاق بالقعود في الواسع من ذلك للبيع والشراء على وجه لا يضيق على أحد ولا يضر بالمارة لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غير إنكار ولأنه ارتفاع مباح من غير إضرار فلم يمنع منه كالاجتياز قال أحمد : في السابق إلى دكاكين السوق غدوة فهو له إلى الليل وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ منى مناخ من سبق ] وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية وتابوت وكساء ونحوه لأن الحاجة تدعو إليه من غير مضرة فيه وليس له البناء لا دكة ولا غيرها لأنه يضيق على الناس ويعثر به المارة بالليل والضرير في الليل والنهار ويبقى على الدوام فربما ادعى ملكه بسبب ذلك والسابق أحق به ما دام فيه فإن قام وترك متاعه فيه لم يجز لغيره إزالته لأن يد الأول عليه وإن نقل متاعه كان لغيره أن يقعد فيه لأن يده قد زالت وإن قعد وأطال منع من ذلك لأنه يصير كالمتملك ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه ويحتمل أن لا يزال لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم وإن استبق اثنان إليه احتمل أن يقرع بينهما واحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما وإن كان الجالس يضيق على المارة لم يحل له الجلوس فيه ولا يحل للإمام تمكينه بعوض ولا غيره قال أحمد : ما كان ينبغي لنا أن نشتري من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق قال القاضي : هذا محمول على أن الطريق ضيق أو يكون يؤذي المارة لما تقدم ذكرنا له وقال : لا يعجبني الطحن في العروب إذا كانت في طريق الناس وهي السفن التي يطحن فيها في الماء الجاري إنما كره ذلك لتضييقها طريق السفن المارة في الماء قال أحمد : ربما غرقت السفن فأرى للرجل أن يتوقى الشراء مما يطحن بها

فصل : بيان القطائع وأقسامها وأحكامها
فصل : في القطائع وهي ضربان أحدهما : اقطاع إرفاق وذلك اقطاع مقاعد السوق والطريق الواسعة ورحاب المساجد التي ذكرنا أن للسابق إليها الجلوس فللإمام اقطاعها لمن يجلس فيها لأن له في ذلك اجتهادا من حيث إنه لا يجوز الجلوس إلا فيما لا يضر بالمارة فكان للإمام أن يجلس فيها من لا يرى أنه يتضرر بجلوسه ولا يملكها المقطع بذلك بل يكون أحق بالجلوس فيها من غيره بمنزلة السابق إليها من غير إقطاع سواء إلا في شيء واحد وهو أن السابق إذا نقل متاعه عنها فلغيره الجلوس فيها لأن استحقاقه لها بسبقه إليها ومقامه فيها فإذا انتقل عنها زال استحقاقه لزوال المعنى الذي استحق به وهذا استحق باقطاع الإمام فلا يزول حقه بنقل متاعه ولا يضره الجلوس فيه وحكمه في التظليل على نفسه بما ليس بناء ومنعه من البناء ومنعه إذا طال مقامه حكم السابق على ما أسلفناه الثاني : اقطاع موات من الأرض لمن يحييها فيجوز ذلك لما روى وائل بن حجر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقطعه أرضا فأرسل معاوية أن أعطه إياه أو أعلمه إياه حديث صحيح وأقطع بلال بن الحارث المزني وأبيض بن حمال المأربي وأقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام ورمى بسوطه فقال : أعطوه من حيث وقع السوط رواه سعيد و أبو داود وذكر البخاري عن أنس قال : [ دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين فقالوا : يا رسول الله إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها ] وروي أن أبا بكر أقطع طلحة بن عبيد الله أرضاص وأن عثمان أقطع خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم الزبير وسعدا وابن مسعود وأسامة بن زيد وخباب بن الأرت ويروى عن نافع أبي عبد الله أنه قال لعمر : إن قبلنا أرضا بالبصرة ليست من أرض الخراج ولا تضر بأحد من المسلمين فإن رأيت أن تقطعنيها اتخذ فيها قصيلا لخيلي فافعل قال : فكتب عمر إلى أبي موسى إن كانت كما يقول فأقطعها إياه روى هذه الآثار كلها أبو عبيد في الأموال وروى سعيد عن سفيان عن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه و سلم اقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا إذا ثبت هذا فإن من أقطعه الإمام شيئا من الموات لم يملكه بذلك لكن يصير أحق به كالمتحجر للشارع في الإحياء بدليل ما ذكرنا من حديث بلال بن الحارث حيث استرجع عمر منه ما عجز عن إحيائه من العقيق الذي أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو ملكه لم يجز استرجاعه ورد عمر أيضا قطيعة أبي بكر لعيينة بن حصن فأسل عيينة أبا بكر أن يجدد له كتابا فقال : والله لا أجدد شيئا رده عمر رواه أبو عبيد لكن المقطع يصير أحق به من سائر الناس وأولى بإحيائه فإن أحياه وإلا قال له السلطان إن أحييته وإلا فارفع يدك عنه كما قال عمر لبلال بن الحارث المزني إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقطعك لتحجبه دون الناس وإنما أقطعك لتعمر فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي وإن طلب المهلة لعذر أمهل بقدر ذلك وإن طلبها لغير عذر لم يمهل على ما ذكرنا في المتحجر وإن سبق غيره فأحياه قبل أن يقال له شيء أو في مدة المهلة فهل يملكه ؟ على وجهين
وقد روي عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه و سلم أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا فعطلوها فجاء قوم فأحيوها فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر : لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردها ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنا أردها فدل هذا على أنها إذا كانت قطيعة من غير رسول الله صلى الله عليه و سلم فهي لمن أحياها والثاني : لا يملكه لأنه تعلق به حق المقطع ومفهوم قوله عليه السلام [ من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له ] أنه إذا تعلق بها حق مسلم لم يجز إحياؤها وقد ذكرنا الوجهين في المتحجر وهذا مثله ومذهب الشافعي في هذا الفصل كنحو ما ذكرنا

فصلان : امتناع اقطاع ما لا يجوز إحياؤه
فصل : وليس للإمام إقطاع ما لا يجوز إحياؤه من المعادن الظاهرة لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما استقطعه أبيض بن حمال الملح الذي بمأرب فقيل يا رسول الله : إنما أقطعته الماء العد فأرجعه منه ولأن في ذلك تضييقا على المسلمين وفي إقطاع المعادن الباطنة وجهان ذكرناهما فيما مضى
فصل : ولا ينبغي أن يقطع الإمام أحدا من الموات إلا ما يمكنه إحياؤه لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقا على الناس في حق مشترك بينهم بما لا فائدة فيه فإن فعل ثم نبين عجزه عن إحيائه استرجعه منه كما استرجع عمر من بلال بن الحارث ما عجز عنه من عمارته من العقيق الذي أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه و سلم

فصلان : بيان الحمى ومعناه وحكمه وما حماه النبي صلى الله عليه و سلم
فصل : في الحمى ومعناه أن يحمي أرضا من الموات يمنع الناس رعي ما فيها من الكلأ ليختص بها دونهم وكانت العرب في الجاهلية تعرف ذلك فكان منهم من إذا انتجع بلدا أوفى بكلب على نشز ثم استعواه ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته بالعواء فحيثما انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ويرعى مع العامة فيما سواه فنهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه لما فيه من التضييق على الناس ومنعهم من الانتفاع بشيء لهم فيه حق
وروى الصعب بن جثامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا حمى إلا لله ولرسوله ] رواه أبو داود وقال : [ الناس شركاء في ثلاث : في الماء والنار والكلأ ] رواه الخلال وليس لأحد من الناس سوى الأئمة أن يحمي لما ذكرنا من الخبر والمعنى فأما النبي صلى الله عليه و سلم فقد كان له أن يحمي لنفسه وللمسلمين لقوله في الخبر : [ لا حمى إلا لله ولرسوله ] لكنه لم يحم لنفسه شيئا وإنما حمى للمسلمين فقد روى ابن عمر قال : حمى النبي صلى الله عليه و سلم النقيع لخيل المسلمين رواه أبو عبيد والنقيع بالنون موضع ينتقع فيه الماء فيكثر فيه الخصب لمكان ما يصير فيه من الماء وأما سائر أئمة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئا ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ونعم الجزية وابل الصدقة وضوال الناس التي يقوم الإمام بحفظها وماشية الضعيف من الناس على وجه لا يستضر به من سواه من الناس وبهذا قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي في صحيح قوليه وقال في الآخر : ليس لغير النبي صلى الله عليه و سلم أن يحمي لقوله : [ لا حمى إلا لله ولرسوله ]
ولنا أن عمر وعثمان حميا واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر عليهما فكان إجماعا وروى أبو عبيد بإسناده عن عامر بن عبد الله بن الزبير أحسبه عن أبيه قال : أتى أعرابي عمر فقال : يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام تحميها ؟ فأطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه - وكان إذا كربه أمر فتل شاربه ونفخ - فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال عمر : المال مال الله والعباد عباد الله والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت شبرا من الأرض في شبر وقال مالك : بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين ألفا من الظهر وعن أسلم قال سمعت عمر يقول لهني حين استعمله على حمى الربذة : يا هني اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة وادخل رب الصريمة والغنيمة ودعني من نعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاء يصرخ يا أمير المؤمنين فالكلأ أهون علي أم غرم الذهب والورق أنها أرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام وإنهم ليرون أنا نظلمهم ولولا النعم التي يحمل عليها في سبيل الله ما حميت على الناس من بلادهم شيئا أبدا وهذا إجماع منهم ولأن ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمة فيه مقام رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ما أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة لمن بعده ] وأما الخبر فمخصوص وأما حماه لنفسه فيفارق حمى النبي صلى الله عليه و سلم لنفسه لأن صلاحه يعود إلى صلاح المسلمين وماله كان يرده في المسلمين ففارق الأئمة في ذلك وساووه فيما كان صلاحا للمسلمين وليس لهم أن يحموا إلا قدرا لا يضيق به على المسلمين ويضر بهم لأنه إنما جاز لما فيه من المصلحة لما يحمى وليس من المصلحة إدخال الضرر على أكثر الناس
فصل : وما حماه النبي صلى الله عليه و سلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع بقاء الحاجة إليه ومن أحيا منه شيئا لم يملكه وإن زالت الحاجة إليه ففيه وجهان وما حماه غيره من الأئمة فغيره هو أو غيره من الأئمة جاز وإن أحياه إنسان ملكه في أحد الوجهين لأن حمى الأئمة اجتهاد وملك الأرض بالإحياء نص والنص يقدم على الاجتهاد والوجه الآخر لا يملكه لأن اجتهاد الإمام لا يجوز نقضه كما لا يجوز نقض حكمه ومذهب الشافعي في هذا على نحو ما قلنا والله أعلم

فصول : بيان أحكام المياه والسقي بها وأقسامها وتقسيمها
فصل في أحكام المياه : قد ذكرنا في البيع حكم ملكها وبيعها ونذكر ههنا حكم السقي بها فنقول لا يخلو الماء من حالين إما أن يكون جاريا أو واقفا فإن كان جاريا فهو ضربان أحدهما أن يكون في نهر غير مملوك وهو قسمان أحدهما أن يكون نهرا عظيما كالنيل والفرات ودجلة وما أشبهها من الأنهار العظيمة التي لا يستضر أحد بسقيه منها فهذا لا تزاحم فيه ولكل أحد أن يسقي منها ما شاء متى شاء كيف شاء القسم الثاني أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيل يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه فإنه يبدأ من في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ إلى الكعب ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثاني أو عمن يليهم فلا شيء للباقين لأنه ليس لهم إلا ما فضل فهم كالعصبة في الميراث وهذا قول فقهاء المدينة و مالك و الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا والأصل في هذا ما روى عبد الله بن الزبير [ أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال صلى الله عليه و سلم : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال يا رسول الله أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال : يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر قال الزبير : فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت فيه { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } ] متفق عليه ورواه مالك في موطئه عن الزهري عن عروة عن عبد الله بن الزبير وذكر عنه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : نظرنا في قول النبي صلى الله عليه و سلم [ ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر ] فكان ذلك إلى الكعبين قال أبو عبيد : الشراج جمع شرج والشرج نهر صغير والحرة أرض ملتبسة بحجارة سود والجدر الجدار وإنما أمر النبي صلى الله عليه و سلم الزبير أن يسقي ثم يرسل الماء تسهيلا على غيره فلما قال الأنصاري ما قاله استوعى النبي صلى الله عليه و سلم للزبير حقه وروى مالك في الموطأ أيضا عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في سيل مهزوز ومذينيب : يمسك حتى الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل قال ابن عبد البر : هذا حديث مدني مشهور عند أهل المدينة معمول به عندهم قال عبد الملك بن حبيب : مهزوز ومذينيب واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر وتتنافس أهل الحوائط في سيلهما وروى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في سيل مهزوز والسيل الذي يقتسمون ماءه فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل ولأن من أرضه قريبة من فوهة النهر أسبق إلى الماء فكان أولى به كمن سبق إلى المشرعة فإن كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة منها مستعلية ومنها مستفلة سقى كل واحد منهما على حدتها وإن استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما الماء بينهما إن أمكن وإن لم يمكن أقرع بينهما فقدم من تقع له القرعة فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء ثم تركه للآخر وليس له أن يسقي بجميع الماء لأن الآخر يساويه في استحقاق الماء وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق لا في أصل الحق بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا فيما فضل عن الأعلى فإن كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر قسم الماء بينهما على قدر الأرض لأن الزائد من أرض أحدهما مساو في القرب فاستحق جزءا من الماء كما لو كان لشخص ثالث وإن كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل وجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم لم يكن له أن يسقي قبلهم لأنهم أسبق إلى النهر منه ولأن من ملك أرضا ملكها بحقوقها ومرافقها ولا يملك غيره إبطال حقوقها وهذا من حقوقها وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات ؟ فيه وجهان أحدهما ليس لهم منعه لأن حقهم في النهر لا في الموات والثاني لهم منعه لئلا يصير ذلك ذريعة إلى منعهم حقهم من السقي لتقديمه عليهم بالقرب إذا طال الزمان وجهل الحال فإذا قلنا : ليس لهم منعه فسبق إنسان إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا ثم أحيا آخر فوقه ثم أحيا ثالث فوق الثاني كان للأسفل السقي أولا ثم الثاني ثم الثالث ويقدم السبق إلى الإحياء على السبق إلى أول النهر لما ذكرنا
فصل : الضرب الثاني الماء الجاري في نهر مملوك وهو أيضا قسمان أحدهما أن يكون الماء مباح الأصل مثل أن يحفر إنسان نهرا صغيرا يتصل بنهر كبير مباح فما لم يتصل الحفر لا يملكه وإنما هو تحجر وشروع في الإحياء فإذا اتصل الحفر كمل الإحياء وملكه لأن الملك بالإحياء أن تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرر الانتفاع بها على صورتها وهذا كذلك وسواء أجرى فيه الماء أو لم يجره لأن الإحياء يحصل بأن يهيئه للانتفاع به دون حصول المنفعة فيصير مالكا لقرار النهر وحافتيه وهواؤه حق له وكذلك حريمه وهو ملقى الطين من كل جانب وعند القاضي أن ذلك غير مملوك لصاحب النهر وإنما هو حق من حقوق الملك وكذلك حريم البئر وهذا مذهب الشافعي وظاهر قول الخرقي : أنه مملوك لصاحبه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أحيا أرضا لم تملك فهي له ] وإحياؤها أن يحوط عليها حائطا أو يحفر فيها بئرا فيكون له خمس وعشرون ذراعا حواليها وحريم النهر يجب أن يكون كذلك فإذا تقرر هذا فكان النهر لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقة لأنه إنما ملك بالعمارة والعمارة بالنفقة فإن كفى جميعهم فلا كلام وإن لم يكفهم وتراضوا على قسمته بالمهايأة أو غيرها جاز لأنه حقهم لا يخرج عنهم وإن تشاحوا في قسمته قسمه الحاكم بينهم على قدر أملاكهم لأن كل واحد منهم يملك من النهر بقدر ذلك فتؤخذ خشبة صلبة أو حجر مستوي الطرفين والوسط فيوضع على موضع مستو من الأرض في مقدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم يخرج من كل جزء أو ثقب إلى ساقية مفردة لكل واحد منهم فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به فإن كانت أملاكهم مختلفة قسم على قدر ذلك فإذا كان لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه وللآخر سدسه جعل فيه ستة ثقوب لصاحب النصف ثلاثة نصب في ساقيته ولصاحب الثلث اثنان ولصاحب السدس واحد وإن كان لواحد الخمسان والباقي لاثنين يتساويان فيه جعل عشرة ثقوب لصاحب الخمسين أربعة نصب في ساقيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة نصب في ساقية له فإن كان النهر لعشرة لخمسة منهم أراض قريبة من أول النهر ولخمسة أراض بعيدة جعل لأصحاب القريبة خمسة ثقوب لكل واحد ثقب وجعل للباقين خمسة تجري في النهر حتى تصل إلى أرضهم ثم تقسم بينهم قسمة أخرى وإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر لم يجز إلا برضاه لأنه يتصرف في ساقيته ويخرب حافتها بغير إذنه ويخلط حقه بحق غيره على وجه لا يتميز فلم يجز ذلك ويجيء على قولنا : أن الماء لا يملك إن حكم الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك وإن الأسبق أحق بالسقي منه ثم الذي يليه على ما ذكرنا لأنه غير مملوك فكان الأسبق إليه أحق به كما لو كان في نهر غير مملوك ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على نحو مما ذكرنا والله أعلم
فصل : وإذا حصل نصيب إنسان في ساقية فله أن يسقي به ما شاء من الأرض سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن وله أن يعطيه من يسقي به وقال القاضي وأصحاب الشافعي ليس له سقي أرض ليس لها رسم شرب في هذا الماء لأن ذلك دال على أن لها قسما من هذا الماء فربما جعل سقيها منه دليلا على استحقاقها لذلك فيستضر الشركاء ويصير هذا كما لو كان له دار بابها في درب لا ينفذ ودار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الأولى فأراد تنفيذ إحداهما إلى الأخرى لم يجز لأنه يجعل لنفسه استطراقا من كل واحدة من الدارين
ولنا أن هذا ماء انفرد باستحقاقه فكان له أن يسقي منه ما شاء كما لو انفرد به من أصله ولا نسلم ما ذكروه في الدارين وإن سلمنا فالفرق بينهما أن كل دار يخرج منها إلى درب آخر مشترك لأن الظاهر أن لكل دار سكانا فيجعل لسكان كل واحدة منهما استطراقا إلى درب غير نافذ لم يكن لهم حق في استطراقه وههنا إنما يسقي من ساقيته المفردة التي لا يشاركه غيره فيها فلو صار لتلك الأرض رسم من الشرب من ساقيته لم يتضرر بذلك أحد ولو كان يسقي من هذا النهر بدولاب فأحب أن يسقي بذلك الماء أرضا لا رسم لها في الشرب من ذلك النهر فالحكم في ذلك على ما ذكرنا من الخلاف في التي قبلها وإن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها في الشرب منه بغير خلاف نعلمه فإن ضاق الماء قدم الأسبق فالأسبق على ما مضى
فصل : ولكل واحد منهم أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب من إجراء غير هذا الماء فيها أو عمل رحى عليها أو دولاب أو عبارة وهي خشبة تمد على طرفي النهر أو قنطرة يعبر الماء فيها وغير ذلك من التصرفات لأنها ملكه لا حق لغيره فيها فأما النهر المشترك فليس لواحد منهم أن يتصرف فيه بشيء من ذلك لأنه يتصرف في النهر المشترك وفي حريمه بغير إذن شركائه وقال القاضي في العبارة هذا ينبني على الروايتين فيمن أراد أن يجري ماءه في أرض غيره والصحيح أنه لا يجوز ههنا ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره لأن إجراء الماء في أرض ينفع صاحبها لأنه يسقي عروق شجره ويشربه أولا وآخرا وهذا لا ينفع النهر بل ربما أفسد حافتيه ولم يسق له شيئا ولو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من النهر قبل قسمه شيئا يسقي به أرضا في أول النهر أو غيره أو أراد إنسان غيرهم ذلك لم يجز لأنهم صاروا أحق بالماء الجاري في نهرهم من غيرهم ولأن الأخذ من الماء ربما احتاج إلى تصرف في حافة النهر المملوك لغيره أو المشترك بينه وبين غيره ولو فاض ماء هذا النهر إلى ملك إنسان فهو مباح كالطائر يعشش في ملك إنسان وهذا كله مذهب الشافعي فيه نحو مما ذكرنا
فصل : وإن قسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة جاز إذا تراضوا به وكان حق كل واحد منهم معلوما مثل أن يجعلوا لكل حصة يوما وليلة أو أكثر من ذلك أو أقل وإن قسموا النهار فجعلوا لواحد من طلوع الشمس إلى وقت الزوال وللآخر من الزوال إلى الغروب ونحو ذلك جاز وإن قسموه ساعات وأمكن ضبط ذلك بشيء معلوم كطاسة مثقوبة تترك في الماء وفيها علامات إذا انتهى الماء إلى علامة كانت ساعة وإذا انتهى إلى الأخرى كانت ساعتين أو زجاجة فيها رمل ينزل من أعلاها إلى أسفلها في ساعة أو ساعتين ثم يقلبها فيعود الرمل إلى الموضع الذي كان فيه في مثل ذلك المقدار أو بميزان الشمس الذي تعرف به ساعات النهار أو بمنازل القمر في الليل ونحو ذلك جاز فإذا حصل الماء لأحدهم في نوبته فأراد أن يسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا أو يؤثر به إنسانا أو يقرضه إياه على وجه لا يتصرف في حافة النهر جاز وعلى قول القاضي وأصحاب الشافعي ينبغي أن لا يجوز لما تقدم في مثل ذلك وإن أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي به أرضه التي لها رسم شرب من هذا النهر أو أرضا له أخرى أو سأله إنسان أن يجري ماء له مع مائه في هذا النهر ليقاسمه إياه في موضع آخر على وجه لا يضر بالنهر ولا بأحد جاز ذلك في قياس قول أصحابنا فإنهم قالوا فيمن استأجر أرضا جاز أن يجري فيها ماء في نهر محفور إذا كان فيها ولأنه مستحق لنفع النهر في نوبته بإجراء الماء فأشبه ما لو استأجرها لذلك
فصل : القسم الثاني : أن يكون منبع الماء مملوكا مثل أن يشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها فإنهم يملكونها أيضا لأن ذلك إحياء لها ويشتركون فيها وفي ساقيتها على حسب ما أنفقوا عليها وعملوا فيها كما ذكرنا في القسم الذي قبل هذا إلا أن الماء غير مملوك ثم لأنه مباح دخل ملكه فأشبه ما لو دخل صيد بستانه وههنا يخرج على روايتين أصحهما أنه غير مملوك أيضا وقد ذكرنا ذلك وعلى كل حال فلكل أحد أن يستقي من الماء الجاري لشربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه وينتفع به في أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه من غير إذنه إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحل لصاحبه المنع من ذلك لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل كان بفضل ماء بالطريق فمنعه ابن السبيل ] رواه البخاري و [ عن بهيسة عن أبيها أنه قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال الملح قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال أن تفعل الخير خير لك ] رواه أبو داود ولأن ذلك لا يؤثر في العادة وهو فاضل عن حاجة صاحب النهر فأما ما يؤثر فيه كسقي الماشية الكثيرة ونحو ذلك فإن فضل الماء عن حاجة صاحبه لزمه بذله لذلك وإن لم يفضل لم يلزمه وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع
فصل : إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة فإن أرادوا إكراءه أو سد بثق فيه أو إصلاح حائطه أو شيء منه كان ذلك عليهم على حسب ملكهم فيه فإن كان بعضهم أدنى إلى أوله من بعض اشترك الكل في إكرائه وإصلاحه إلى أن يصلوا إلى الأول ثم لا شيء على الأول ويشترك الباقون حتى يصلوا إلى الثاني ثم يشترك من بعده كذلك كلما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شيء وبهذا قال الشافعي وحكي ذلك عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يشترك جميعهم في إكرائه كله لأنهم ينتفعون بجميعه فإن ما جاوز الأول مصب لمائه وإن لم يسق أرضه
ولنا أن الأول إنما ينتفع بالماء الذي في موضع شربه وما بعده إنما يختص بالانتفاع به من دونه فلا يشاركهم في مؤنته كما لا يشاركهم في نفعه فإن كان يفضل عن جميعهم منه ما يحتاج إلى مصرف فمؤنة ذلك المصرف على جميعهم لأنهم يشتركون في الحاجة إليه والانتفاع به فكانت مؤنته عليهم كلهم كأوله

مسألة وفصل : معنى إحياء الأرض وبأي شيء يكون الإحياء
مسألة : قال : وإحياء الأرض أن يحوط عليها حائطا :
ظاهر كلام الخرقي أن تحويط الأرض إحياء لها سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للغنم أو الخشب أو غير ذلك ونص عليه أحمد في رواية علي بن سعيد فقال : الإحياء أن يحوط عليها حائطا ويحفر فيها بئرا أو نهرا ولا يعتبر في ذلك تسقيف وذلك لما روى الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ من أحاط حائطا على أرض فهي له ] رواه أبو داود والإمام أحمد في مسنده ويروى عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله ولأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء أشبه ما لو جعلها حظيرة للغنم ويبين هذا أن القصد لا اعتبار به بدليل ما لو أرادها حظيرة للغنم فبناها بجص وآجر وقسمها بيوتا فإنه يملكها وهذا لا يصنع للغنم مثله ولا بد أن يكون الحائط منيعا يمنع ما وراءه ويكون مما جرت العادة بمثله ويختلف باختلاف البلدان فلو كان مما جرت عادتهم بالحجارة وحدها كأهل حوران وفلسطين أو بالطين كالفطائر لأهل غوطة دمشق أو بالخشب أو بالقصب كأهل الغور كان ذلك إحياء وإن بناه بأرفع مما جرت به عادته كان أولى وقال القاضي في صفة الإحياء روايتان إحداهما ما ذكرنا والثانية : الإحياء ما تعارفه الناس إحياء لأن الشرع ورد بتعليق الملك على الإحياء ولم يبينه ولا ذكر كيفيته فيجب الرجوع فيه إلى ما كان إحياء في العرف كما أنه لما ورد باعتبار القبض والحرز ولم يبين كيفيته كان المرجع فيه إلى العرف ولأن الشارع لو علق الحكم على مسمى باسم لتعلق بمسماه عند أهل اللسان فكذلك يتعلق الحكم بالمسمى إحياء عند أهل العرف ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لا يعلق حكما على ما ليس إلى معرفته طريق فلما لم يبينه تعين العرف طريقا لمعرفته إذ ليس له طريق سواه إذا ثبت هذا فإن الأرض تحيى دارا للسكنى وحظيرة ومزرعة فإحياء كل واحدة من ذلك بتهيئتها للانتفاع الذي أريدت له فأما الدار فبأن يبني حيطانها بما جرت به العادة وتسقيفها لأنها لا تكون للسكنى إلا بذلك
وأما الحظيرة فإحياءها بحائط جرت به عادة مثلها وليس من شرطها التسقيف لأن العادة ذلك من غير تسقيف وسواء أرادها حظيرة للماشية أو للخشب أو الحطب أو نحو ذلك ولو خندق عليها خندقا لم يكن إحياء لأنه ليس بحائط ولا عمارة إنما هو حفر وتخريب وإن حاطها بشوك وشبهه لم يكن إحياء وكان تحجرا لأن المسافر قد ينزل منزلا ويحوط على رحله بنحو من ذلك ولو نزل منزلا فنصب به بيت شعر أو خيمة لم يكن إحياء وإن أرادها للزراعة فبأن يهيئها لإمكان الزرع فيها فإن كانت لا تزرع إلا بالماء فبأن يسوق إليها ماء من نهر أو بئر وإن كانت مما لا يمكن زرعها لكثرة أحجارها كأرض الحجاز فبأن يقلع أحجارها وينقيها حتى تصلح للزرع وإن كانت غياضا وأشجارا كأرض الشعرى فبأن يقلع أشجارها ويزيل عروقها التي تمنع الزرع وإن كانت مما لا يمكن زرعه إلا بحبس الماء عنها كأرض البطائح التي يفسدها غرقها بالماء لكثرته فإحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها لأن بذلك يمكن الانتفاع بها فيما أرادها من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام فكان إحياء كسوق الماء إلى الأرض التي لا ماء لها
ولا يعتبر في إحياء الأرض حرثها ولا زرعها لأن ذلك مما يتكرر كلما أراد الانتفاع بها فلم يعتبر في الإحياء كسقيها وكالسكنى في البيوت ولا يحصل الإحياء بذلك إذا فعله لمجرده لما ذكرنا ولا يعتبر في إحياء الأرض للسكنى نصب الأبواب على البيوت وبهذا قال الشافعي فيما ذكرنا في الرواية الثانية إلا أن له وجها في أن حرثها وزرعها إحياء لها وأن ذلك معتبر في إحيائها ولا يتم بدونه وكذلك نصب الأبواب على البيوت لأنه مما جرت العادة به فأشبه التسقيف ولا يصح هذا لما ذكرنا ولأن السكنى ممكنة بدون نصب الأبواب فأشبه تطيين سطوحها وتبييضها
مسألة : قال : أو يحفر فيها بئرا فيكون له خمس وعشرون ذراعا حواليها وإن سبق إلى بئر عادية فحريمها خمسون ذراعا :
البئر العادية بتشديد الياء القديمة منسوبة إلى عاد ولم يرد عادا بعينها لكن لما كانت عاد في الزمن الأول وكانت لها آثار في الأرض نسب إليها كل قديم فكل من حفر بئرا في موات للتمليك فله حريمها خمس وعشرون ذراعا من كل جانب ومن سبق إلى بئر عادية كان أحق بها لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له وله حريمها خمسون ذراعا من كل جانب ] نص أحمد على هذا في رواية حرب وعبد الله واختاره أكثر أصحابنا وقال القاضي و أبو الخطاب : ليس هذا على طريق التحديد بل حريمها على الحقيقة ما تحتاج إليه في ترقية مائها منها فإن كان بدولاب فقدر مد الثور أو غيره وإن كان بساقية فبقدر طول البئر لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ حريم البئر مد رشائها ] أخرجه ابن ماجة ولأنه المكان الذي تمشي إليه البهيمة وإن كان يستقي منها بيده فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها وإن كان المستخرج عينا فحريمها القدر الذي يحتاج إليه صاحبها للانتفاع بها ولا يستضر بأخذه منها ولو على ألف ذراع وحريم البئر من جانبيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته بحكم العرف في ذلك لأن هذا إنما ثبت للحاجة فينبغي أن تراعى فيه الحاجة دون غيرها وقال أبو حنيفة : حريم البئر أربعون ذراعا وحريم العين خمسمائة ذراع لأن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ حريم البئر أربعون ذراعا لأعطان الإبل والغنم ] وعن الشعبي مثله رواه أبو عبيد
ولنا ما روى الدارقطني و الخلال بإسنادهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا وحريم البئر العادي خمسون ذراعا ] وهذا نص وروى أبو عبيد بإسناده عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا والبدي خمس وعشرون ذراعا وبإسناده عن سعيد بن المسيب قال حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها وحريم البئر العادية خمسون ذراعا من نواحيها كلها ولأنه معنى يملك به الموات فلا يقف على قدر الحاجة كالحائط ولأن الحاجة إلى البئر لا تنحصر في ترقية الماء فإنه يحتاج إلى ما حولها عطنا لإبله وموقفا لدوابه وغنمه وموضعا يجعل فيه أحواضا يسقي منها ماشيته وموقفا لدابته التي يستقي عليها وأشباه ذلك فلا يختص الحريم بما يحتاج إليه لترقية الماء وأما حديث أبي حنيفة فحديثنا أصح منه ورواهما أبو هريرة فيدل على ضعفه إذا ثبت هذا فظاهر كلام الخرقي أن هذا الحريم مملوك لصاحب البئر وعند الشافعي و القاضي ليس بمملوك وقد سبق ذكر هذا

فصول : ما يشترط في إحياء البئر وتملكها
فصل : ولا بد أن يكون البئر فيها ماء وإن لم يصل إلى الماء فهل كالمتحجر الشارع في الإحياء على ما قدمناه ويجب أن يحمل قوله في البئر العادية على البئر التي انطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها أو انقطع ماؤها فاستخرجه ليكون ذلك إحياء لها وأما البئر التي لها ماء ينتفع به المسلمون فليس لأحد احتجاره ومنعه لأنه يكون بمنزلة المعادن الظاهرة التي يرتفق بها الناس وهكذا العيون النابعة ليس لأحد أن يختص بها ولو حفر رجل بئرا للمسلمين ينتفعون بها أو لينتفع هو بها مدة إقامته عندها ثم يتركها لم يملكها وكان له الانتفاع بها فإذا تركها صارت للمسلمين كلهم كالمعادن الظاهرة وما دام مقيما عندها فهو أحق بها لأنه سابق إليها فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء
فصل : وإذا كان لإنسان شجرة في موات فله حريمها قدر ما تمد إليه أغصانها حواليها وفي النخلة مد جريدها لما روى أبو داود بإسناده عن أبي سعيد قال : [ اختصم إلى النبي صلى الله عليه و سلم في حريم نخلة فأمر بجريدة من جرائدها فذرعت فكانت سبعة أذرع أو خمسة أذرع فقضى بذلك ] وإن غرس شجرة في موات فهي له وحريمها وإن سبق إلى شجر مباح كالزيتون والخروب فسقاه وأصلحه فهو أحق به كالمتحجر الشارع في الإحياء فإن طعمه ملكه بذلك وحريمه لأنه تهيأ للانتفاع به لما يراد منه فهو كسوق الماء إلى الأرض الموات ولقول النبي صلى الله عليه و سلم [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ]
فصل : ومن كانت له بئر فيها ماء فحفر أخر قريبا منها بئرا ينسرق إليها ماء البئر الأولى فليس له ذلك سواء كان محتفر الثانية في ملكه مثل رجلين متجاورين في دارين حفر أحدهما في داره بئرا ثم حفر الآخر بئرا أعمق منها فسرى إليها ماء الأولى أو كانتا في موات فسبق أحدهما فحفر بئرا ثم جاء آخر فحفر قريبا منها بئرا تجتذب ماء الأولى ووافق الشافعي في هذه الصورة الثانية لأنه ليس له أن يبتدئ ملكه على وجه يضر بالمالك قبله وقال في الأولى : له ذلك لأنه تصرف مباح في ملكه فجاز له فعله كتعلية داره وهكذا الخلاف في كل ما يحدثه الجار مما يضر بجاره مثل أن يجعل داره مدبغة أو حماما بضر بعقار جاره يحمي ناره ورماده ودخانه أو يحفر في أصل حائطه حشا يتأذى جاره برائحته وغيرها أو يجعل داره مخبزا في وسط العطارين ونحوه من ما يؤذي جيرانه فلا يحل له ذلك وقال الشافعي له ذلك كله لأنه تصرف مباح في ملكه أشبه بناءه ونقضه
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ لا ضرر ولا ضرار ] ولأنه إحداث ضرر بجاره فلم يجز كالدق الذي يهز الحيطان ويخربها وكإلقاء السماد والتراب ونحوه في أصل حائطه على وجه يضر به ولو كان لرجل مصنع ماء فأراد جاره غرس شجرة تين أو نحوها مما تسري عروقه فتشق حائط مصنع جاره ويتلفه لم يملك ذلك وكان لجاره منعه وقلعها إن غرسها ولو كان هذا الذي يحصل منه الضرر سابقا مثل من له في ملكه مدبغة أو مقصرة فأحيا إنسان إلى جانبه مواتا وبناه دارا يتضرر بذلك لم يلزم إزالة الضرر بغير خلاف نعلمه لأنه لم يحدث ضررا والله تعالى أعلم

مسألة وفصل : إحياء الموات لا يفتقر إلى إذن الإمام
مسألة : قال : وسواء في ذلك ما أحياه أو سبق إليه بإذن الإمام أو غير إذنه :
وجملة ذلك أن إحياء الموات لم يفتقر إلى إذن الإمام وبهذا قال الشافعي و أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يفتقر إلى إذنه لأن للإمام مدخلا في النظر في ذلك بدليل أن من تحجر مواتا فلم يحيه فإنه يطالبه بالإحياء أو الترك فافتقر إلى إذنه كمال بيت المال
ولنا عموم قوله عليه السلام : [ من أحيا أرضا فهي له ] ولأن هذه عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن الإمام كأخذ الحشيش والحطب ونظر الإمام في ذلك لا يدل على اعتبار إذنه ألا ترى أن من وقف في مشرعة طالبه الإمام أن يأخذ حاجته وينصرف ولا يفتقر ذلك إلى إذنه وأما مال بيت المال فإنما هو مملوك للمسلمين وللإمام ترتيب مصارفه فافتقر إلى إذنه بخلاف مسألتنا فإن هذا مباح فمن سبق إليه كان أحق الناس به كالحشيش والحطب والصيود والثمار المباحة في الجبال
فصل : فأما ما سبق إليه فهو الموات إذا سبق إليه فتحجره كان أحق به وإن سبق إلى بئر عادية فشرع فيها يعمرها كان أحق بها ومن سبق إلى مقاعد الأسواق والطرقات أو مشارع المياه والمعادن الظاهرة والباطنة وكل مباح مثل الحشيش والحطب والثمار المأخوذة من الجبال وما ينبذه الناس رغبة عنه أو يضيع منهم مما لا تتبعه النفس واللقطة واللقيط وما يسقط من الثلج وسائر المباحات من سبق إلى شيء من هذا فهو أحق به ولا يحتاج إلى إذن الإمام ولا إذن غيره لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ] والله الموفق

كتاب الوقوف والعطايا الوقف : تعريفه والأصل فيه وصفته والفرق بينه وبين الصدقة
الوقوف جمع وقف يقال منه وقفت وقفا ولا يقال أوقفت إلا في شاذ اللغة ويقال حبست وأحبست وبه جاء الحديث [ إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ] والعطايا جمع عطية مثل خلية وخلايا وبلية وبلايا والوقف مستحب ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة
والأصل فيه ما روى عبد الله بن عمر قال : [ أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه و سلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس عندي منه فما تأمرني فيها ؟ فقال : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث قال : فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا بالمعروف غير متأثل فيه أو غير متمول فيه ] متفق عليه
وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وأكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف قال جابر : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ذو مقدرة إلا وقف ولم ير شريح الوقف وقال : لا حبس عن فرائض الله قال أحمد : وهذا مذهب أهل الكوفة وذهب أبو حنيفة إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده وللواقف الرجوع فيه إلا أن يوصي به بعد موته فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم وحكاه بعضهم عن علي وابن مسعود وابن عباس وخالفه صاحباه فقالا كقول سائر أهل العلم
واحتج بعضهم بما روي [ أن عبد الله بن زيد صاحب الأذان جعل حائطه صدقة وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء أبواه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالا : يا رسول الله لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط فرده رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ماتا فورثهما ] رواه المحاملي في أماليه ولأنه أخرج ماله على وجه القربة من ملكه فلا يلزم بمجرد القول كالصدقة وهذا القول يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعمر في وقفه : [ لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث ] قال الترمذي رحمه الله : العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم لا نعلم بين أحد من المتقدمين منهم في ذلك اختلافا
قال الحميدي : تصدق أبو بكر رضي الله عنه بداره على ولده وعمر بربعه عند المروة على ولده وعثمان برومة وتصدق علي بأرضه بينبع وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده وتصدق سعد بداره بالمدينة وداره بمصر على ولده وعمرو بن العاص بالوهط وداره بمكة على ولده وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده فذلك كله إلى اليوم
وقال جابر : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ذو مقدرة إلا وقف وهذا إجماع منهم فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان إجماعا ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية فإذا نجزه حال الحياة لزم من غير حكم كالعتق وحديث عبد الله بن زيد إن ثبت فليس فيه ذكر الوقف والظاهر أنه جعله صدقة غير موقوف استناب فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأى والديه أحق الناس بصرفها إليهما ولهذا لم يردها عليه إنما دفعها إليهما ويحتمل أن الحائط كان لهما وكان هو يتصرف فيه بحكم النيابة عنهما فتصرف بهذا التصرف بغير إذنهما فلم ينفذاه وأتيا النبي صلى الله عليه و سلم فرده إليهما والقياس على الصدقة لا يصح لأنها تلزم في الحياة بغير حكم حاكم وإنما تفتقر إلى القبض والوقف لا يفتقر إليه فافترقا

مسألة وفصول : قال : ومن وقف في صحة من عقله وبدنه فقد زال ملكه عنه
مسألة : قال أبو القاسم رحمة الله عليه : ومن وقف في صحة من عقله وبدنه على قوم وأولادهم وعقبهم ثم آخره للمساكين فقد زال ملكه عنه
في هذه المسألة ثلاثة فصول : الفصل الأول : أن الوقف إذا صح زال به ملك الواقف عنه في الصحيح من المذهب وهو المشهور من مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة وعن أحمد لا يزول ملكه وهو قول مالك وحكي قولا للشافعي رضي الله عنه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ حبس الأصل وسبل الثمرة ]
ولنا أنه سبب يزيل التصرف في الرقبة والمنفعة فأزال الملك كالعتق ولأنه لو كان ملكه لرجعت إليه قيمته كالملك المطلق وأما الخبر فالمراد به أن يكون محبوسا لا يباع ولا يوهب ولا يورث وفائدة الخلاف أنا إذا حكمنا ببقاء ملكه لزمته مراعاته والخصومة فيه ويحتمل أن يلزمه ارش جنايته كما يفدي أم الولد سيدها لما تعذر تسليمه بخلاف غير المالك
الفصل الثاني : أن ظاهر هذا الكلام أنه يزول الملك ويلزم الوقف بمجرد اللفظ به لأن الوقف يحصل به وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى لا يلزم إلا بالقبض وإخراج الواقف له عن يده وقال : الوقف المعروف أن يخرجه من يده إلى غيره ويوكل فيه من يقوم به اختاره ابن أبي موسى وهو قول محمد بن الحسن لأنه تبرع بمال لم يخرجه عن المالية فلم يلزم بمجرده كالهبة والوصية
ولنا ما رويناه من حديث عمر ولأنه تبرع يمنع البيع والهبة والميراث فلزم بمجرده كالعتق ويفارق الهبة فإنها تمليك مطلق والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فهو بالعتق أشبه فإلحاقه به أولى
الفصل الثالث : أنه لا يفتقر إلى القبول من الموقوف عليه ذكره القاضي وقال أبو الخطاب إن كان الوقف على غير معين كالمساكين أو من لا يتصور منه القبول كالمساجد والقناطر لم يفتقر إلى قبول وإن كان على آدمي معين ففي اشتراط القبول وجهان أحدهما : اشتراطه لأنه تبرع لآدمي معين فكان من شرطه القبول كالهبة والوصية يحققه أن الوصية إذا كانت لآدمي معين وقفت على قوله وإذا كانت لغير معين أو لمسجد أو نحوه لم تفتقر إلى قبول كذا ههنا
والوجه الثاني : لا يشترط القبول لأنه أحد نوعي الوقف فلم يشترط له القبول كالنوع الآخر ولأنه إزالة ملك يمنع البيع والهبة والميراث فلم يعتبر فيه القبول كالعتق وبهذا فارق الهبة والوصية والفرق بينه وبين الهبة والوصية أن الوقف لا يختص المعين بل يتعلق به حق من يأتي من البطون في المستقبل فيكون الوقف على جميعهم إلا أنه مرتب فصار بمنزلة الوقف على الفقراء الذي لا يبطل برد واحد منهم ولا يقف على قبوله والوصية للمعين بخلافه وهذا مذهب الشافعي فإذا قلنا لا يفتقر إلى القبول لم يبطل برده وكان رده وقبوله وعدمهما واحدا كالعتق وإن قلنا يفتقر إلى القبول فرده من وقف عليه بطل في حقه وصار كالوقف المنقطع الابتداء يخرج في صحته في حق من سواه وبطلانه وجهان بناء على تفريق الصفقة فإن قلنا بصحته فهل ينتقل في الحال إلى من بعده أو يصرف في الحال إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن يموت الذي رده ثم ينتقل إلى من بعده ؟ على وجهين وسنذكر ذلك في الوقف المنقطع الابتداء إن شاء الله تعالى

فصل : انتقال الملك في الموقوف إلى الموقوف عليهم
فصل : وينتقل الملك في الموقوف إلى الموقوف عليهم في ظاهر المذهب قال أحمد : إذا وقف داره على ولد أخيه صارت لهم وهذا يدل على أنهم ملكوه
وروي عن أحمد أنه لا يملك فإن جماعة نقلوا عنه فيمن وقف على ورثته في مرضه يجوز لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة وإنما ينتفعون بغلتها وهذا يدل بظاهره على أنهم لا يملكون ويحتمل أن يريد بقوله لا يملكون أي لا يملكون التصرف في الرقبة فإن فائدة الملك وآثاره ثابتة في الوقف وعن الشافعي من الاختلاف نحو ما حكيناه وقال أبو حنيفة : لا ينتقل الملك في الوقف اللازم بل يكون حقا لله تعالى لأنه إزالة ملك عن العين والمنفعة على وجه القربة بتمليك المنفعة فانتقل الملك إلى الله تعالى كالعتق
ولنا أنه سبب يزيل ملك الواقف وجد إلى من يصح تمليكه على وجه لم يخرج المال عن ماليته فوجب أن ينقل الملك إليه كالهبة والبيع ولأنه لو كان تمليك المنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى ولم يزل ملك الواقف عنه كالعارية ويفارق العتق فإنه أخرجه عن المالية وامتناع التصرف في الرقبة لا يمنع الملك كأم الولد

فصل : ألفاظ الوقف الستة
فصل : وألفاظ الوقف ستة ثلاثة صريحة وثلاثة كناية : فالصريحة وقفت وحبست وسبلت متى أتى بواحدة من هذه الثلاث صار وقفا من غير انضمام أمر زائد لأن هذه الألفاظ ثبت لها عرف الاستعمال بين الناس وانضم إلى ذلك عرف الشرع بقول النبي صلى الله عليه و سلم لعمر : [ إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها ] فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ التطليق في الطلاق
وأما الكناية فهي تصدقت وحرمت وأبدت فليست صريحة لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة فإن الصدقة تشتعمل في الزكاة والهبات والتحريم يستعمل في الظهار والأيمان ويكون تحريما على نفسه وعلى غيره والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأبيد الوقف ولم يثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال فلا يحصل الوقف بمجردها ككنايات الطلاق فيه فإن انضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها أحدها : أن ينضم إليها لفظة أخرى تخلصها من الألفاظ الخمسة فيقول : صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة أو يقول : هذه محرمة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو مؤبدة الثاني : أن يصفها بصفات الوقف فيقول : صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث لأن هذه القرينة تزيل الاشتراك الثالث : أن ينوي الوقف فيكون على ما نوى إلا أن النية تجعله وقفا في الباطن دون الظاهر لعدم الاطلاع على ما في الضمائر فإن اعترف بما نواه لزم في الحكم لظهوره وإن قال : ما أردت الوقف فالقول قوله لأنه أعلم بما نوى

فصل : الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه
فصل : وظاهر مذهب أحمد أن الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس في الصلاة فيه أو مقبرة ويأذن في الدفن فيها أو سقاية ويأذن في دخولها فإنه قال في رواية أبي داود وأبي طالب فيمن دخل بيتا في المسجد وأذن فيه لم يرجع فيه وكذلك إذا اتخذ المقابر وأذن للناس والسقاية فليس له الرجوع وهذا قول أبي حنيفة وذكر القاضي فيه رواية أخرى أنه لا يصير وقفا إلا بالقول وهذا مذهب الشافعي وأخذه القاضي من قول أحمد إذا سأله الأثرم عن رجل أحاط حائطا على أرض ليجعلها مقبرة ونوى بقلبه ثم بدا له العود فقال إن كان جعلها لله فلا يرجع وهذا لا ينافي الرواية الأولى فإنه أراد بقوله إن كان جعلها لله أي نوى بتحويطها جعلها لله فهذا تأكيد للرواية الأولى وزيادة عليها إذ منعه من الرجوع بمجرد التحويط مع النية وإن أراد بقوله جعلها لله أي اقترنت بفعله قرائن دالة على إرادة ذلك من إذنه للناس في الدفن فيها فهي الرواية الأولى بعينها وإن أراد وقفا بلسانه فيدل بمفهومه على أن الوقف لا يحصل بمجرد التحويط والنية وهذا لا ينافي الرواية الأولى لأنه في الأولى انضم إلى فعله إذنه للناس في الدفن ولم يوجد ههنا فلا تنافي بينهما ثم لم يعلم مراده من هذه الاحتمالات فانتفت هذه الرواية وصار المذهب رواية واحدة والله أعلم واحتجوا بأن هذا تحبيس أصل على وجه القربة فوجب أن لا يصح بدون اللفظ كالوقف على الفقراء
ولنا أن العرف جار بذلك وفيه دلالة على الوقف فجاز أن يثبت به كالقول وجرى مجرى من قدم إلى ضيفه طعاما كان إذنا في أكله ومن ملأ خابية ماء على الطريق كان تسبيلا له ومن نثر على الناس نثارا كان إذنا في التقاطه وأبيح أخذه وكذلك دخول الحمام واستعمال مائه من غير إذن مباح بدلالة الحال وقد قدمنا في البيع أنه يصح بالمعاطاة من غير لفظ وكذلك الهبة والهدية لدلالة الحال فكذلك ههنا وأما الوقف على المساكين فلم تجر به عادة بغير لفظ ولو كان شيء جرت به العادة أو دلت الحال عليه كان كمسألتنا والله أعلم

مسألتان وفصول : إذا وقف وقفا وشرط أن يعود إليه أو من يحددهم شيئا من منافعه
مسألة : قال : ولا يجوز أن يرجع إليه شيء من منافعه
وجملة ذلك أن من وقف شيئا وقفا صحيحا فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه وزال عن الواقف ملكه وملك منافعه فلم يجز أن ينتفع بشيء منها إلا أن يكون قد وقف شيئا للمسلمين فيدخل في جملتهم مثل أن يقف مسجدا فله أن يصلي فيه أو مقبرة فله الدفن فيها أو بئرا للمسلمين فله أن يستقي منها أو سقاية أو شيئا يعم المسلمين فيكون كأحدهم لا نعلم في هذا كله خلافا وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سبل بئر رومة وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين
مسألة : قال : إلا أن يشترط أن يأكل منه فيكون له مقدار ما يشترط
وجملته أن الواقف إذا اشترط في الوقف أن ينفق منه على نفسه صح الوقف والشرط نص عليه أحمد قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : يشترط في الوقف أني أنفق على نفسي وأهلي منه قال : نعم واحتج قال سمعت ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأكل منها أهله بالمعروف غير المنكر وقال القاضي : يصح الوقف رواية واحدة لأن أحمد نص عليها في رواية جماعة وبذلك قال ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و أبو يوسف و الزبير و ابن شريح وقال مالك و الشافعي و محمد بن الحسن : لا يصح الوقف لأنه إزالة الملك فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه كالبيع والهبة وكما لو أعتق عبدا بشرط أن يخدمه ولأن ما ينفقه على نفسه مجهول فلم يصح اشتراطه كما لو باع شيئا واشترط أن ينتفع به
ولنا الخبر الذي ذكره الإمام أحمد ولأن عمر رضي الله عنه لما وقف قال : ولا بأس على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا غير متمول فيه وكان الوقف في يده إلى أن مات ولأنه إذا وقف وقفا عاما كالمساجد والسقايات والرباطات والمقابر كان له الانتفاع به فكذلك ههنا ولا فرق بين أن يشترط لنفسه الانتفاع به مدة حياته أو مدة معلومة معينة وسواء قدر ما يأكل منه أو أطلقه فإن عمر رضي الله عنه لم يقدر ما يأكل الوالي ويطعم إلا بقوله : بالمعروف وفي حديث صدقة رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه شرط أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر إلا أنه إذا شرط أن ينتفع به مدة معينة فمات فيها فينبغي أن يكون ذلك لورثته كما لو باع دارا واشترط أن يسكنها سنة فمات في أثنائها والله أعلم
فصل : وإن شرط أن يأكل أهله منه صح الوقف والشرط لأن النبي صلى الله عليه و سلم شرط ذلك في صدقته وإن اشترط أن يأكل من وليه منه ويطعم صديقا جاز لأن عمر رضي الله عنه شرط ذلك في صدقته التي استشار فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن وليها الواقف كان له أن يأكل ويطعم صديقا لأن عمر ولي صدقته وإن وليها أحد من أهله كان له ذلك لأن حفصة بنت عمر كانت تلي صدقته بعد موته ثم وليها بعدها عبد الله بن عمر
فصل : وإن شرط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه لم يصح الشرط ولا الوقف لا نعلم فيه خلافا لأنه ينافي مقتضى الوقف ويحتمل أن يفسد الشرط ويصح الوقف بناء على الشروط الفاسدة في البيع وإن شرط الخيار في الوقف فسد ونص عليه أحمد وبه قال الشافعي وقال أبو يوسف في رواية عنه : يصح لأن الوقف تمليك المنافع فجاز شرط الخيار فيه كالإجارة
ولنا أنه شرط ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط أن له بيعه متى شاء ولأنه إزالة ملك لله تعالى فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالعتق ولأنه ليس بعقد معاوضة فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالهبة ويفارق الإجارة فإنها عقد معاوضة وهي نوع من البيع ولأن الخيار إذا دخل في العقد منع ثبوت حكمه قبل انقضاء الخيار أو التصرف وههنا لو ثبت الخيار لثبت مع ثبوت حكم الوقف ولم يمنع التصرف فافترقا
فصل : وإن شرط في الوقف أن يخرج من شاء من أهل الوقف ويدخل من شاء من غيرهم لم يصح لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف فأفسده كما لو شرط أن لا ينتفع وإن شرط للناظر أن يعطي من يشاء من أهل الوقف ويحرم من يشاء جاز لأن ذلك ليس بإخراج للموقوف عليه من الوقف وإنما علق استحقاق الوقف بصفة فكأنه جعل له حقا في الوقف إذا اتصف بإرادة الوالي لعطيته ولم يجعل له حقا إذا انتفت تلك الصفة فيه فأشبه ما لو وقف على المشتغلين من ولده فإنه يستحق منهم من اشتغل به دون من لم يشتغل فلو ترك المشتغل الاشتغال زال الاستحقاق وإذا عاد إليه عاد استحقاقه والله أعلم
فصل : إذا جعل علو داره مسجدا دون سفلها أو سفلها دون علوها صح وقال أبو حنيفة لا يصح لأن المسجد يتبعه هواؤه
ولنا أنه يصح بيعها كذلك يصح وقفه كالدار جميعها ولأنه تصرف يزيل الملك إلى من يثبت له حق الاستقرار والتصرف فجاز فيما ذكرناكالبيع
فصل : وإن جعل وسط داره مسجدا ولم يذكر الاستطراق صح وقال أبو حنيفة : لا يصح حتى يذكر الاستطراق
ولنا أنه عقد يبيح الانتفاع من ضرورته الاستطراق فصح وإن لم يذكر الاستطراق كما لو أجر بيتا من داره
فصل : إذا وقف على نفسه ثم على المساكين أو على ولده ففيه روايتان إحداهما : لا يصح فإنه قال في رواية أبي طالب وقد سئل عن هذا فقال : لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله وفي سبيل الله فإذا وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه فعلى هذه الرواية يكون الوقف عليه باطلا وهل يبطل الوقف على من بعده ؟ على وجهين بناء على الوقف المنقطع الابتداء وهذا مذهب الشافعي لأن الوقف تمليك للرقبة والمنفعة ولا يجوز أن يملك الإنسان نفسه من نفسه كما لا يجوز أن يبيع نفسه مال نفسه ولأن الوقف على نفسه إنما حاصله منع نفسه التصرف في رقبة الملك فلم يصح ذلك كما لو أفرده بأن يقول : لا أبيع هذا ولا أهبه ولا أورثه ونقل جماعة أن الوقف صحيح اختاره ابن أبي موسى وقال ابن عقيل : وهي أصح وهو قول ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و أبي يوسف و ابن شريح لما ذكرنا فيما إذا اشترط أن يرجع إليه شيء من منافعه ولأنه يصح أن يقف وقفا عاما فينتفع به كذلك إذا خص نفسه بانتفاعه والأول أقيس
مسألة : قال : والباقي على من وقف عليه وأولاده الذكور والإناث من أولاد البنين بينهم بالسوية إلا أن يكون الواقف فضل بعضهم
في هذه المسألة فصول أربعة
الأول : أنه إذا وقف على قوم وأولادهم وعقبهم ونسلهم كان الوقف بين القوم وأولادهم ومن حدث من نسلهم على سبيل الاشتراك إن لم تقترن به قرينة تقتضي ترتيبا لأن الواو تقتضي الاشتراك فإذا اجتمعوا اشتركوا ولم يقدم بعضهم على بعض ويشارك الآخر الأول وإن كان من البطن العاشر وإذا حدث حمل لم يشارك حتى ينفصل لأنه يحتمل أن لا يكون حملا فلا يثبت له حكم الولد قبل انفصاله
فصل : فإن قال : وقفت على أولادي ثم على المساكين أو قال : على ولدي ثم على المساكين أو على ولد فلان ثم على المساكين فقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يكون وقفا على أولاده وأولاد أولاده من الأولاد البنين ما لم تكن قرينة تصرف عن ذلك قال المروذي : قلت لأبي عبد الله ما تقول في رجل وقف ضيعة على ولده فمات الأولاد وتركوا النسوة حوامل ؟ فقال : كل ما كان من أولاد الذكور بنات كن أو بنين فالضيعة موقوفة عليهم وما كان من أولاد البنات فليس لهم فيه شيء لأنهم من رجل آخر وقال أيضا فيمن وقف على ولد علي بن إسماعيل ولم يقل إن مات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده فمات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولده أيضا لأن هذا من ولد علي بن إسماعيل ووجه ذلك أن الله تعالى قال { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فدخل فيه ولد البنين وإن سلفوا ولما قال : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } فتناول ولد البنين وكذلك كل موضع ذكر الله تعالى الولد دخل فيه ولد البنين فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ويفسر بما يفسر به ولأن ولد ولده ولد له بدليل قول الله تعالى : { يا بني آدم } و { يا بني إسرائيل } وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ] وقال : نحن بنو النضر بن كنانة والقبائل كلها تنسب إلى جدودها ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه ولد البنين فكذلك إذا لم يكونوا قبيلة
وقال القاضي وأصحابه : لا يدخل فيه ولد الولد بحال سواء في ذلك ولد البنين وولد البنات لأن الولد حقيقة وعرفا إنما هو ولده لصلبه وإنما يسمى ولد الولد ولدا مجازا ولهذا يصح نفيه فيقال : ما هذا ولدي إنما هو ولد ولدي وإن قال على ولدي لصلبي فهو آكد وإن قال على ولدي وولد ولدي ثم على المساكين دخل فيه البطن الأول والثاني ولم يدخل فيه البطن الثالث وإن قال على ولدي وولد ولدي وولد ولد ولدي دخل فيه ثلاث بطون دون من بعدهم وموضع الخلاف المطلق فأما مع وجود دلالة تصرف إلى أحد المحملين فإنه يصرف إليه بغير خلاف مثل أن يقول : على ولد فلان وهم قبيلة ليس فيهم ولد من صلبه فإنه يصرف إلى أولاد الأولاد بغير خلاف وكذلك إن قال : على أولادي أو ولدي وليس له ولد من صلبه أو قال : ويفضل ولد الأكبر أو الأعلم على غيرهم أو قال : فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين أو قال : على ولدي غير ولد البنات أو غير ولد فلان أو قال : يفضل البطن الأعلى على الثاني أو قال الأعلى فالأعلى وأشباه ذلك فهذا يصرف لفظه إلى جميع نسله وعاقبته وإن اقترنت به قرينة تقتضي تخصيص أولاده لصلبه بالوقف مثل أن يقول : على ولدي لصلبي أو الذين يلونني ونحو هذا فإنه يختص بالبطن الأول دون غيرهم وإذا قلنا بالتعميم فيهم إما للقرينة وإما لقولنا بأن المطلق يقتضي التعميم ولم يكن في لفظه ما يقتضي تشريكا ولا ترتيبا احتمل أن يكون بينهم كلهم على التشريك لأنهم دخلوا في اللفظ دخولا واحدا فوجب أن يكون بينهم مشتركا كما لو أقر لهم بدين ويحتمل أن يكون على الترتيب على حسب الترتيب في الميراث وهذا ظاهر كلام أحمد لقوله فيمن وقف على ولد علي بن إسماعيل ولم يقل إن مات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده فمات ولد علي بن إسماعيل وترك ولدا فقال : إن مات بعض ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولده أيضا لأن هذا من ولد علي بن إسماعيل فجعله لولد من مات من ولد علي بن إسماعيل عند موت أبيه وذلك أن ولد البنين لما دخلوا في قوله الله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } لم يستحق ولد البنين شيئا مع وجود آبائهم واستحقوا عند فقدهم كذا ههنا فأما إن وصى لولد فلان وهم قبيلة فلا ترتيب فيه ويستحق الأعلى والأسفل على كل حال
فصل : وإن رتب فقال : وقفت هذا على ولدي وولد ولدي ما تناسلوا وتعاقبوا الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب أو الأول فالأول أو البطن الأول ثم البطن الثاني أو على أولادي ثم على أولاد أولادي أو على أولادي فإن انقرضوا فعلى أولاد أولادي فكل هذا على الترتيب فيكون على ما شرط ولا يستحق البطن الثاني شيئا حتى ينقرض البطن كله ولو بقي واحد من البطن الأول كان الجميع له لأن الوقف ثبت بقوله فيتبع فيه مقتضى كلامه وإن قال على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا على أنه من مات منهم عن ولد كان ما كان جاريا عليه جاريا على ولده كان ذلك دليلا على الترتيب لأنه لو اقتضى التشريك لاقتضى التسوية ولو جعلنا لولد الولد سهما مثل سهم أبيه ثم دفعنا إليه سهم أبيه صار له سهمان ولغيره سهم وهذا ينافي التسوية ولأنه يفضي إلى تفضيل ولد الابن على الابن والظاهر من إرادة الواقف خلاف هذا فإذا ثبت الترتيب فإنه يترتب بين كل والد وولده فإذا مات عن ولد انتقل إلى ولده سهمه سواء بقي من البطن الأول أحد أو لم يبق

فصول : ترتيب المواقف بعض الموقوف عليهم دون بعض وفروع فيها
فصل : وإن رتب بعضهم دون بعض فقال : وقفت على ولدي وولد ولدي ثم على أولادهم أو على أولادي ثم على أولاد أولادي وأولادهم ما تناسلوا وتعاقبوا أو قال : على أولادي وأولاد أولادي ثم على أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا فهو على ما قال يشترك من شرك بينهم بالواو المقتضية للجمع والتشريك وترتيب من رتبه بحرف الترتيب ففي المسألة الأولى يشترك الولد وولد الولد ثم إذا انقرضوا صار لمن بعدهم وفي الثانية يختص به الولد فإذا انقرضواصار مشتركا بين من بعدهم وفي الثالثة يشترك فيه البطنان الأولان دون غيرهم فإذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم
فصل : وإن قال : وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي على أنه من مات من أولادي عن ولد فنصيبه لولده أو فنصيبه لإخوته أو لولد ولده أو لولد أخيه أو لأخواته أو لولد أخواته فهو على ما شرطه وإن قال : من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده ومن مات منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف وكان له ثلاثة بنين فمات أحدهم عن ابنين انتقل نصيبه إليهما ثم مات الثاني عن غير ولد فنصيبه لأخيه وابني أخيه بالسوية لأنهم أهل الوقف ثم إن مات أحد ابني الإبن عن غير ولد انتقل نصيبه إلى أخيه وعمه لأنهما أهل الوقف ولو مات أحد البنين الثلاثة عن غير ولد وخلف أخويه وابني أخ له فنصيبه لأخويه : وإن ابني أخيه لأنهما ليسا من أهل الوقف ما دام أبوهما حيا فإذا مات أبوهما صار نصيبه لهما فإذا مات الثالث كان نصيبه لابني أخيه بالسوية إن لم يخلف ولدا وإن خلف ابنا واحدا فله نصيب أبيه وهو النصف ولابني عمه النصف لكل واحد الربع وإن قال : من مات منهم عن غير ولد كان ما كان جاريا عليه جاريا على من هو في درجته فإن كان الواقف مرتبا بطنا بعد بطن كان نصيب الميت عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منه وإن كان مشتركا بين البطون كلها احتمل أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلهم لأنهم في استحقاق الوقف سواء فكانوا في درجته من هذه الجهة ولأننا لو صرفنا نصيبه إلى بعضهم أفضى إلى تفصيل بعضهم والتشريك يقتضي التسوية فعلى هذا يكون وجود هذا الشرط كعدمه لأنه لو سكت عنه كان الحكم فيه كذلك ويحتمل أن يعود نصيبه إلى سائر أهل البطن الذي هو منه لأنهم في درجته في القرب إلى الجد الذي يجمعهم ويستوي في ذلك إخوته وبنو عمه وبنو بني عم أبيه لأنهم سواء في القرب ولأننا لو شركنا بين أهل الوقف كلهم في نصيبه لم يكن في هذا الشرط فائدة والظاهر أنه قصد شيئا يفيد فعلى هذا إن لم يكن في درجته أحد بطل هذا الشرط وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره وإن كان الوقف على البطن الأول على أنه من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه إلى ولده ومن مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلى من في درجته ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلهم يتساوون فيه سواء كان من بطن واحد أو من بطون وسواء تساوت أنصباؤهم في الوقف أو اختلفت لما ذكرنا من قبل
والثاني : أن يكون لأهل بطنه سواء كانوا من أهل الوقف أو لم يكونوا مثل أن يكون البطن الأول ثلاثة فمات أحدهم عن ابن ثم مات الثاني عن ابنين فمات أحد الابنين وترك أخاه وعمه وابن عمه وابنا لعمه الحي فيكون نصيبه بين أخيه وابني عمه
والثالث : أن يكون لأهل بطنه من أهل الوقف فيكون نصيبه على هذا لأخيه وابن عمه الذي مات أبوه فإن كان في درجته في النسب من ليس من أهل الاستحقاق بحال كرجل له أربعة بنين وقف على ثلاثة منهم على هذا الوجه المذكور وترك الرابع فمات أحد الثلاثة عن غير ولد لم يكن للرابع فيه شيء لأنه ليس من أهل الاستحقاق فأشبه ابن عمهم
فصل : وإن وقف على بنيه وهم ثلاثة على أن من مات من فلان وفلان وأولادهم عن ولد فنصيبه لولده وإن مات فلان فنصيبه لأهل الوقف فهو على ما شرط وكذلك إن كان له بنون وبنات فقال من مات من الذكور فنصيبه لولده ومن مات من البنات فنصيبها لأهل الوقف فهو على ما قال وإن قال على أولادي على أن يصرف إلى البنات منه ألف والباقي للبنين لم يستحق البنون شيئا حتى تستوفي البنات الألف لأنه جعل للبنات مسمى وجعل للبنين الفاضل عنه فكان الحكم فيه على ما قال فجعل البنات كذوي الفروض الذين سمى الله لهم فرضا وجعل البنين كالعصبات الذين لا يستحقون إلا ما فضل عن ذوي الفروض
فصل : فإن كان له ثلاثة بنين فقال وقفت على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي كان الوقف على الابنين المسميين وعلى أولادهما وأولاد الثالث وليس للثالث شيء وقال القاضي : يدخل الثالث في الوقف وذكر أن أحمد قال في رجل قال وقفت هذه الضيعة على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي وله ولد غير هؤلاء قال يشتركون في الوقف واحتج القاضي بأن قوله ولدي يستغرق الجنس فيعم الجميع وقوله فلان وفلان تأكيد لبعضهم فلا يوجب إخراج بقيتهم كالعطف في قوله { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال }
ولنا أنه أبدل بعض الولد من اللفظ المتناول للجميع فاختص بالبعض المبدل كما لو قال على ولدي فلان وذلك لأن بدل البعض يوجب اختصاص الحكم به كقول الله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } لما خص المستطيع بالذكر اختص الوجوب به ولو قال ضربت زيدا رأسه ورأيت زيدا وجهه اختص الضرب بالرأس والرؤية بالوجه ومنه قول الله تعالى { ويجعل الخبيث بعضه على بعض } وقول القائل طرحت الثياب بعضها فوق بعض فإن الفوقية تختص بالبعض مع عموم اللفظ الأول كذا ههنا وفارق العطف فإن عطف الخاص على العام يقتضي تأكيده لا تخصيصه وقول أحمد هم شركاء يحتمل أن يعود إلى أولاد أولاده أي يشترك أولاد الموقوف عليهما وأولاد غيرهم لعموم لفظ الواقف فيهم ويتعين حمل كلامه عليه لقيام الدليل عليه ولو قال على ولدي فلان وفلان ثم على المساكين خرج فيه من الخلاف مثل ما ذكرنا ويحتمل أن يدخل في الوقف ولد ولده لأننا قد ذكرنا من قبل أن ظاهر كلام أحمد أن قوله وقفت على ولدي يتناول نسله وعاقبته كلها
فصل : ومن وقف على أولاده أو أولاد غيره وفيهم حمل لم يستحق شيئا قبل انفصاله لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا قبل انفصاله قال أحمد في رواية جعفر بن محمد فيمن وقف نخلا على قوم وما توالدوا ثم ولد مولود فإن كانت النخل قد أبرت فليس له فيه شيء وهو للأول وإن لم تكن قد أبرت فهو معهم وإنما قال ذلك لأنها قبل التأبير تتبع الأصل في البيع وهذا الموجود يستحق نصيبه من الأصل فيتبعه حصته من الثمرة كما لو اشترى ذلك النصيب من الأصل وبعد التأبير لا تتبع الأصل ويستحقها من كان له الأصل فكانت للأول لأن الأصل كان كله له فاستحق ثمرته كما لو باع هذا النصيب منها ولم يستحق المولود منها شيئا كالمشتري وهكذا الحكم في سائر ثمر الشجر الظاهر فإن المولود لا يستحق منه شيئا ويستحق مما ظهر بعد ولادته وإن كان الوقف أرضا فيها زرع يستحقه البائع فهو للأول وإن كان مما يستحقه المشتري فللمولود حصته منه لأن المولود يتجدد استحقاقه للأصل كتجدد ملك المشتري فيه
الفصل الثاني : إذا وقف على قوم وأولادهم وعاقبتهم ونسلهم دخل في الوقف ولد البنين بغير خلاف نعلمه فأما ولد البنات فقال الخرقي : لا يدخلون فيه وقد قال أحمد فيمن وقف على ولده : ما كان من ولد البنات فليس لهم فيه شيء فهذا النص يحتمل أن يعدى إلى هذه المسألة ويحتمل أن يكون مقصورا على من وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم وممن قال لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي على أولاده وأولاد أولاده مالك ومحمد بن الحسن وهكذا إذا قال على ذريتهم ونسلهم وقال أبو بكر وعبد الله بن حامد يدخل فيه ولد البنات وهو مذهب الشافعي و أبي يوسف لأن البنات أولاده فأولادهن أولاد حقيقة فيجب أن يدخلوا في الوقف لتناول اللفظ لهم وقد دل على صحة هذا قول الله تعالى { ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان } إلى قوله { وعيسى } وهو من ولد بنته فجعله من ذريته وكذلك ذكر الله تعالى قصة عيسى وإبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس ثم قال { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل } وعيسى معهم وقال النبي صلى الله عليه و سلم للحسن [ إن ابني هذا سيد ] وهو ولد بنته ولما قال الله تعالى { وحلائل أبنائكم } دخل في التحريم حلائل أبناء البنات ولما حرم الله تعالى البنات دخل في التحريم بناتهن
ووجه قول الخرقي أن الله تعالى قال { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فدخل فيه ولد البنين دون ولد البنات وهكذا كل موضع ذكر فيه الولد في الإرث والحجب دخل فيه ولد البنين دون ولد البنات ولأنه لو وقف على ولد رجل وقد صاروا قبيلة دخل فيه ولد البنين دون ولد البنات بالاتفاق وكذلك قبل أن يصيروا قبيلة ولأنه لو وقف على ولد العباس في عصرنا لم يدخل فيه ولد بناته فكذلك إذا وقف عليهم في حياته ولأن ولد البنات منسوبون إلى آبائهم دون أمهاتهم قال الشاعر :
( بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد )
وقولهم أنهم أولاد أولاد حقيقة قلنا إلا أنهم لا ينسبون إلى الواقف عرفا ولذلك لو قال أولاد أولادي المنتسبين إلي لم يدخل هؤلاء في الوقف ولأن ولد الهاشمية من غير الهاشمي ليس بهاشمي ولا ينسب إلى أبيها وأما عيسى عليه السلام فلم يكن له أب ينسب إليه فنسب إلى أمه لعدم أبيه ولذلك يقال عيسى بن مريم وغيره إنما ينسب إلى أبيه كيحيى بن زكريا وقول النبي صلى الله عليه و سلم إن ابني هذا سيد تجوز بغير خلاف بدليل قول الله تعالى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } وهذا الخلاف فيما إذا لم يوجد ما يدل على تعيين أحد الأمرين فأما إن وجد ما يصرف اللفظ إلى أحدهما انصرف إليه ولو قال على أولادي وأولاد أولادي على أن لولد البنات سهما ولولد البنين سهمين أو فإذا خلت الأرض ممن يرجع نسبه إلي من قبل أب أو أم كان للمساكين أو كان البطن الأول من أولاده الموقوف عليهم كلهم بنات وأشباه هذا مما يدل على إرادة ولد البنات بالوقف دخلوا في الوقف وإن قال على أولادي وأولاد أولادي المنتسبين إلي أو غير ذوي الأرحام أو نحو ذلك لم يدخل فيه ولد البنات وإن قال على ولدي فلان وفلانة وفلانة وأولادهم دخل فيه ولد البنات وكذلك لو قال على أنه من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده وإن قال الهاشمي وقفت على أولادي وأولاد أولادي الهاشميين لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشمي فأما من كان هاشميا من غير أولاد بنيه فهل يدخلون ؟ على وجهين أولهما : أنهم يدخلون لأنهم اجتمع فيهم الصفتان جميعا كونهم من أولاد أولاده وكونهم هاشميين والثاني : لا يدخلون لأنهم لم يدخلوا في مطلق أولاد أولاده فأشبه ما لو لم يقل الهاشميين وإن قال على أولادي وأولاد أولادي ممن ينسب إلى قبيلتي فكذلك
الفصل الثالث : أنه إذا وقف على أولاد رجل وأولاد أولاده استوى فيه الذكر والأنثى لأنه تشريك بينهم وإطلاق التشريك يقتضي التسوية كما لو أقر لهم بشيء وكولد الأم في الميراث حيث شرك الله تعالى بينهم فيه فيقال { فهم شركاء في الثلث } تساووا فيه ولم يفضل بعضهم على بعض وليس كذلك في ميراث ولد الأبوين وولد الأب فإن الله تعالى قال { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } ولا أعلم في هذا خلافا
الفصل الرابع : أنه إذا فضل بعضهم على بعض فهو على ما قال فلو قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي على أن للذكر سهمين وللأنثى سهما أو للذكر مثل حظ الأنثيين أو على حسب ميراثهم أو على حسب فرائضهم أو بالعكس من هذا أو على أن للكبير ضعف ما للصغير أو للعالم ضعف ما للجاهل أو للعائل ضعف ما للغني أو عكس ذلك أو عين بالتفضيل واحدا معينا أو ولده أو ما أشبه هذا فهو على ما قال لأن ابتداء الوقف مفوض إليه فكذلك تفضيله وترتيبه وكذلك إن شرط إخراج بعضهم بصفة ورده بصفة مثل أن يقول من تزوج منهم فله ومن فارق فلا شيء له أو عكس ذلك أو من حفظ القرآن فله ومن نسيه فلا شيء له ومن اشتغل بالعلم فله ومن ترك فلا شيء له أو من كان على مذهب كذا فله ومن خرج منه فلا شيء له فكل هذا صحيح على ما شرط وقد روى هشام بن عروة أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه لا تباع ولا توهب وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فلا حق لها في الوقف وليس هذا تعليقا للوقف بصفة بل الوقف مطلق والاستحقاق له بصفة وكل هذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا

فصل : قسمة الوقف على الأولاد حسب قسمة الميراث
فصل : والمستحب أن يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وقال القاضي : المستحب التسوية بين الذكر والأنثى لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة
ولنا أنه إيصال للمال إليهم فينبغي أن يكون بينهم على حسب الميراث كالعطية ولأن الذكر في مظنة الحاجة أكثر من الأنثى لأن كل واحد منهما في العادة يتزوج ويكون له الولد فالذكر تجب عليه نفقة امرأته وأولاده والمرأة ينفق عليها زوجها ولا يلزمها نفقة أولادها وقد فضل الله الذكر على الأنثى في الميراث على وفق هذا المعنى فيصح تعليله به ويتعدى إلى الوقف وإلى غيره من العطايا والصلات وما ذكره القاضي لا أصل له وهو ملغي بالميراث والعطية فإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى أو فضلها عليه أو فضل بعض البنين أو بعض البنات على بعض أو خص بعضهم بالوقف دون بعض فقال أحمد في رواية محمد بن الحكم : إن كان على طريق الأثرة فأكرهه وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة يعني فلا بأس به ووجه ذلك أن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته وعلى قياس قول أحمد لو خص المشتغلين بالعلم من أولاده بوقفه تحريضا لهم على طلب العلم أو ذا الذين دون الفساق أو المريض أو من له فضل من أجل فضيلته فلا بأس وقد دل على صحة هذا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة جذاذ عشرين وسقا دون سائر ولده وحديث عمر أنه كتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به عبد الله أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه الذي أطعمه محمد صلى الله عليه و سلم بالواد تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها أن لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم ذوي القربى لا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقا منه رواه أبو داود وفيه دليل على تخصيص حفصة دون إخوتها وأخواتها

مسألة : قال : فإذا لم يبق منهم أحد رجع إلى المساكين
مسألة : قال : فإذا لم يبق منهم أحد رجع إلى المساكين :
يعني إذا وقف على قوم ونسلهم ثم على المساكين فانقرض القوم ونسلهم فلم يبق منهم أحد رجع إلى المساكين ولم ينتقل إليهم ما دام أحد من القوم أو من نسلهم باقيا لأنه رتبه للمساكين بعدهم والمساكين الذين يستحقون السهم من الزكاة والفقراء يدخلون فيهم وكذلك لفظ الفقراء يدخل فيه المساكين لأن كل واحد من اللفظين يطلق عليهما والمعنى الذي يسميان به شامل لهما وهو الحاجة والفاقة ولهذا لما سمى الله عز و جل المساكين في مصرف كفارة اليمين وكفارة الظهار وفدية الأذى تناولهما جميعا وجاز الصرف إلى كل واحد منهما ولما ذكر الفقراء في قوله { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } وفي قوله { وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } تناول القسمين وكل موضع ذكر فيه أحد اللفظين تناول القسمين إلا في الصدقات لأن الله تعالى جمع بين الإسمين وميز بين المسميين فاحتجنا إلى التمييز بينهما وفي غير الصدقات يستحق الكل بكل واحد من الإسمين فإن جمع بين الإسمين بالوقف أيضا فقال وقفت هذا على الفقراء والمساكين نصفين أو ثلاثا وجب التمييز بينهما أيضا فنزلناهما منزلتهما من سهام الصدقات وإن قال على الفقراء والمساكين فقياس المذهب جواز الاقتصار على أحد الصنفين وإباحة الدفع إلى واحد كما قلنا في الزكاة ويتخرج أن لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة من كل صنف بناء على القول في الزكاة أيضا ولا خلاف في أنه لا يجب تعميمهم بالعطية كما لا يجب استيعابهم بالزكاة ولا في أنه يجوز التفضيل بين من يعطيه منهم سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو كان الوقف ابتداء أو انتقل إليهم عن غيرهم وضابط هذا أنه متى كان الوقف على من يمكن حصرهم واستيعابهم والتسوية بينهم وجب استيعابهم والتسوية بينهم إذا لم يفضل الواقف بعضهم على بعض فإن وقف على من لا يمكن حصرهم كالمساكين أو قبيلة كبيرة كبني تميم وبني هاشم جاز الدفع إلى واحد وإلى أكثر منه وجاز التفضيل والتسوية لأن وقفه عليهم مع علمه بتعذر استيعابهم دليل على أنه لم يرده ومن جاز حرمانه جاز تفضيل غيره عليه فإن كان الوقف في ابتدائه على من يمكن استيعابه فصار ممن لا يمكن استيعابه كرجل وقف على ولده وولد ولده فصاروا قبيلة كبيرة تخرج عن الحصر مثل أن يقف علي رضي الله عنه على ولده ونسله فإنه يجب تعميم من أمكن منهم والتسوية بينهم لأن التعميم كان واجبا وكذلك التسوية فإذا تعذر وجب منه ما أمكن كالواجب الذي يعجز عن بعضه ولأن الواقف أراد التعميم والتسوية لإمكانه وصلاح لفظه لذلك فيجب العمل بما أمكن منه بخلاف ما إذا كانوا حال الوقف مما لا يمكن ذلك فيهم

فصلان : الوقف على سبيل الله أو ابن السبيل أو الرقاب أو الغارمين وسبيل الثواب وسبيل الخير
فصل : وإن وقف على سبيل الله أو ابن السبيل أو الرقاب أو الغارمين فهم الذين يستحقون السهم من الصدقات لا يعدوهم إلى غيرهم لأن المطلق من كلام الآدميين محمول على المعهود في الشرع فينظر من كان يستحق السهم من الصدقات فالوقف مصروف إليه وشرحهم يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وإن وقف على الأصناف الثمانية الذين يأخذون الصدقات صرف إليهم ويعطى كل واحد منهم من الوقف مثل القدر الذي يعطى من الزكاة لا يزاد على ذلك فيعطى الفقير والمسكين ما يتم به غناؤه والغارم قدر ما يقضي غرمه والمكاتب قدر ما يؤدي به كتابته وابن السبيل ما يبلغه والغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإن كان غنيا واختلف في قدر ما يحصل به الغنى فقال أحمد في رواية علي بن سعيد في الرجل يعطى من الوقف خمسين درهما فقال : إن كان الواقف ذكر في كتابه المساكين فهو مثل الزكاة وإن كان متطوعا أعطى ما شاء وكيف شاء فقد نص أحمد على إلحاقه بالزكاة فيكون الخلاف فيه كالخلاف في الزكاة والله أعلم وإن وقف على جميع الأصناف أو على صنفين أو أكثر فهل يجوز الاقتصار على صنف واحد أو يجب إعطاء بعض كل صنف من الموقوف عليه ؟ على وجهين بناء على الزكاة
فصل : وإذا وقف على سبيل الله وسبيل الثواب وسبيل الخير فسبيل الله هو الغزو والجهاد في سبيل الله فيصرف ثلث الوقف إلى من يصرف إليهم السهم من الزكاة وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان وإن كانوا أغنياء وسائر الوقف يصرف إلى كل ما فيه أجر ومثوبة وخير لأن اللفظ عام في ذلك وقال أصحابنا يجزأ الوقف ثلاثة أجزاء فجزء يصرف إلى الغزاة وجزء يصرف إلى أقرب الناس إليه من الفقراء لأنهم أكثر الجهات ثوابا فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة ] والثالث يصرف إلى من يأخذ الزكاة لحاجته وهم خمسة أصناف : الفقراء والمساكين والرقاب والغارمون لمصلحتهم وابن السبيل لأن هؤلاء أهل حاجة منصوص عليهم في القرآن فكان من نص الله تعالى عليه في كتابه أولى من غيره وإن ساواه في الحاجة وهذا مذهب الشافعي
ولنا أن لفظه عام فلا يجب التخصيص بالبعض لكونه أولى كالفقراء والمساكين في الزكاة لا يجب تخصيص أقاربه منهم بها وإن كانوا أولى وكذلك سائر الألفاظ العامة وإن أوصى في أبواب البر صرف في كل ما فيه بر وقربة وقال أصحابنا يصرف في أربع جهات : أقاربه غير الوارثين والمساكين والجهاد والحج قال أبو الخطاب وعنه فداء الأسراء مكان الحج ووجه القولين ما تقدم في التي قبلها

مسألة وفصول : تقسيم الوقف إلى معلوم الابتداء والانتهاء وإلى منقطع ومعنى كل وحكمه
مسألة : قال : فإن لم يجعل آخره للمساكين ولم يبق ممن وقف عليه أحد رجع إلى ورثة الواقف في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله رحمه الله والرواية الأخرى يكون وقفا على أقرب عصبة الواقف
وجملة ذلك أن الوقف الذي لا اختلاف في صحته ما كان معلوم الابتداء والانتهاء غير منقطع مثل أن يجعل على المساكين أو طائفة لا يجوز بحكم العادة انقراضهم وإن كان غير معلوم الانتهاء مثل أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة ولم يجعل آخره للمساكين ولا لجهة غير منقطعة فإن الوقف يصح وبه قال مالك و أبو يوسف و الشافعي في أحد قوليه وقال محمد بن الحسن لا يصح وهو القول الثاني للشافعي لأن الوقف مقتضاه التأبيد فإذا كان منقطعا صار وقفا على مجهول فلم يصح كما لو وقف على مجهول في الابتداء
ولنا أنه تصرف معلوم المصرف فصح كما لو صرح بمصرفه المتصل ولأن الإطلاق إذا كان له عرف حمل عليه كنقد البلد وعرف المصرف وههنا هم أولى الجهات به فكأنه عينهم إذا ثبت هذا فإنه ينصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقارب الواقف وبه قال الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه ينصرف إلى المساكين واختاره القاضي والشريف أبو جعفر لأنه مصرف الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها فإذا وجدت صدقة غير معينة المصرف انصرفت إليهم كما لو نذر صدقة مطلقة وعن أحمد رواية ثالثة أنه يجعل في بيت مال المسلمين لأنه مال لا مستحق له فأشبه مال من لا وارث له وقال أبو يوسف : يرجع إلى الواقف وإلى ورثته إلا أن يقول صدقة موقوفة ينفق منها على فلان وعلى فلان فإذا انقرض المسمى كانت للفقراء والمساكين لأنه جعلها صدقة على مسمى فلا تكون على غيره ويفارق ما إذا قال ينفق منها على فلان وفلان فإنه جعل الصدقة مطلقة
ولنا أنه أزال ملكه لله تعالى فلم يجز أن يرجع إليه كما لو أعتق عبدا والدليل على صرفه إلى أقارب الواقف أنهم أولى الناس بصدقته بدليل قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ صدقتك على غير رحمك صدقة وصدقتك على رحمك صدقة وصلة ] وقال : [ إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ] ولأن فيه إغناءهم وصلة أرحامهم لأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات كذلك صدقته المنقولة إذا ثبت هذا فإنه في ظاهر كلام الخرقي وظاهر كلام أحمد يكون للفقراء منهم والأغنياء لأن الوقف لا يختص الفقراء ولو وقف على أولاده تناول الفقراء والأغنياء كذا ههنا وفيه وجه آخر أنه يختص الفقراء منهم لأنهم أهل الصدقات دون الأغنياء ولأنا خصصناهم بالوقف لكونهم أولى الناس بالصدقة وأولى الناس بالصدقة الفقراء دون الأغنياء واختلفت الرواية فيمن يستحق الوقف من أقرباء الواقف ففي إحدى الروايتين يرجع إلى الورثة منهم لأنهم الذين صرف الله تعالى إليهم ماله بعد موته واستغنائه عنه فكذلك يصرف إليهم من صدقته ما لم يذكر له مصرفا ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ] فعلى هذا يكون بينهم على حسب ميراثهم ويكون وقفا عليهم نص عليه أحمد وذكره القاضي لأن الوقف يقتضي التأبيد وإنما صرفناه إلى هؤلاء لأنهم أحق الناس بصدقته فصرف إليهم مع بقائه صدقة ويحتمل كلام الخرقي أن يصرف إليهم على سبيل الإرث ويبطل الوقف فيه فعلى هذا يكون كقول أبي يوسف والرواية الثانية : يكون وقفا على أقرب عصبة الواقف دون بقية الورثة من أصحاب الفروض ودون البعيد من العصبات فيقدم الأقرب فالأقرب على حسب استحقاقهم لولاء الموالي لأنهم خصوا بالعقل عنه وبميراث مواليه فخصوا بهذا أيضا وهذا لا يقوى عندي فإن استحقاقهم لهذا دون غيرهم من الناس لا يكون إلا بدليل من نص أو إجماع أو قياس ولا نعلم فيه نصا ولا إجماعا ولا يصح قياسه على ميراث ولاء الموالي لأن علته لا تتحقق هاهنا وأقرب الأقوال فيه صرفه إلى المساكين لأنهم مصارف مال الله تعالى وحقوقه فإن كان في أقارب الواقف مساكين كانوا أولى به لا على سبيل الوجوب كما أنهم أولى بزكاته وصلاته مع جواز الصرف إلى غيرهم ولأننا إذا صرفناه إلى أقاربه على سبيل التعيين فهي أيضا جهة منقطعة فلا يتحقق اتصاله إلا بصرفه إلى المساكين وقال الشافعي يكون وقفا على أقرب الناس إلى الواقف الذكر والأنثى فيه سواء
فصل : فإن لم يكن للواقف أقارب أو كان له أقارب فانقرضوا صرف إلى الفقراء والمساكين وقفا عليهم لأن القصد به الثواب الجاري عليه على وجه الدوام وإنما قدمنا الأقارب على المساكين لكونهم أولى فإذا لم يكونوا فالمساكين أهل لذلك فصرف إليهم إلا على قول من قال : إنه يصرف إلى ورثة الواقف ملكا لهم فإنه يصرف عند عدمهم إلى بيت المال لأنه بطل الوقف فيه بانقطاعه وصار ميراثا لا وارث له فكان بيت المال به أولى
فصل : فإذا قال وقفت هذا وسكت أو قال صدقة موقوفة ولم يذكر سبيله فلا نص فيه وقال ابن حامد يصح الوقف قال القاضي هو قياس قول أحمد فإنه قال في النذر المطلق ينعقد موجبا لكفارة يمين وهذا قول مالك و الشافعي في أحد قوليه لأنه إزالة ملك على وجه القربة فوجب أن يصح مطلقا كالأضحية والوصية ولو قال وصيت بثلث مالي صح وإذا صح صرف إلى مصارف الوقف المنقطع بعد انقراض الموقوف عليه
فصل : وإن وقف على من يجوز الوقف عليه ثم على من لا يجوز الوقف عليه مثل أن يقف على أولاده ثم على البيع صح الوقف أيضا ويرجع بعد انقراض من جاز الوقف عليه إلى من يصرف إليه الوقف المنقطع لأن ذكره لمن لا يجوز الوقف عليه وعدمه واحد ويحتمل أن لا يصح الوقف لأنه جمع بين ما يجوز وما لا يجوز فأشبه تفريق الصفقة
فصل : وإن كان الوقف منقطع الابتداء مثل أن يقفه على من لا يجوز الوقف عليه كنفسه أو أم ولده أو عبده أو كنيسة أو مجهول فإن لم يذكر له ما لا يجوز الوقف عليه فالوقف باطل وكذلك إن جعل مآله مما لا يجوز الوقف عليه لأنه أخل بأحد شرطي الوقف فبطل كما لو وقف ما لا يجوز وقفه وإن جعل له مآلا يجوز الوقف عليه مثل أن يقفه على عبده ثم على المساكين ففي صحته وجهان بناء على تفريق الصفقة و للشافعي فيه قولان كالوجهين فإذا قلنا يصح وهو قول القاضي وكان من لا يجوز الوقف عليه ممن لا يمكن اعتبار انقراضه كالميت والمجهول والكنائس صرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه لأننا لما صححنا الوقف مع ذكر ما لا يجوز الوقف عليه فقد ألغيناه فإنه يتعذر التصحيح مع اعتباره وإن كان من لا يجوز الوقف عليه يمكن اعتبار انقراضه كأم ولده وعبد معين ففيه وجهان أحدهما : أنه ينصرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه كالتي قبلها ذكره أبو الخطاب والثاني : أنه يصرف في الحال إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض من لا يجوز الوقف عليه فإذا انقرض صرف إلى من يجوز وهذا الوجه الذي ذكره القاضي و ابن عقيل لأن الواقف إنما جعله وقفا على من يجوز بشرط انقراض هذا فلا يثبت بدونه وفارق ما لا يمكن اعتبار انقراضه فإنه تعذر اعتباره ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين :
فصل : وإن كان الوقف صحيح الطرفين منقطع الوسط مثل أن يقف على ولده ثم على عبيده ثم على المساكين خرج في صحة الوقف وجهان كمنقطع الانتهاء ثم ينظر فيما لا يجوز الوقف عليه فإن لم يمكن اعتبار انقراضه ألغيناه إذا قلنا بالصحة وإن أمكن اعتبار انقراضه فهل يعتبر أو يلغى ؟ على وجهين كما تقدم وإن كان منقطع الطرفين صحيح الوسط كرجل وقف على عبيده ثم على أولاده ثم على الكنيسة خرج في صحته أيضا وجهان ومصرفه بعد من يجوز إلى مصرف الوقف المنقطع

مسألة وفصول : الوقف في مرض الموت وجواز تعليق الوقف على شرط
مسألة : قال : ومن وقف في مرضه الذي مات فيه أو قال هو وقف بعد موتي ولم يخرج من الثلث وقف منه بقدر الثلث إلا أن تجيز الورثة :
وجملته أن الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية في اعتباره من ثلث المال لأنه تبرع فاعتبر في مرض الموت من الثلث كالعتق والهبة وإذا خرج من الثلث جاز من غير رضا الورثة ولزم وما زاد على الثلث لزم الوقف منه في قدر الثلث ووقف الزائد على إجازة الورثة لا نعلم في هذا خلافا عند القائلين بلزوم الوقف وذلك لأن حق الورثة تعلق بالمال بوجود المرض فمنع التبرع بزيادة على الثلث كالعطايا والعتق فأما إذا قال هو وقف بعد موتي فظاهر كلام الخرقي أنه يصح ويعتبر من الثلث كسائر الوصايا وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقال القاضي : لا يصح هذا لأنه تعليق للوقف على شرط وتعليق الوقف على شرط غير جائز بدليل ما لو علقه على شرط في حياته وحمل كلام الخرقي على أنه قال قفوا بعد موتي فيكون وصية بالوقف لا إيقافا وقال أبو الخطاب قول الخرقي هذا يدل على جواز تعليق الوقف على شرط
ولنا على صحة الوقف بالمعلق بالموت ما احتج به الإمام أحمد رضي الله عنه أن عمر وصى فكان في وصيته : هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا صدقة وذكر بقية الخبر وقد ذكرناه في غير هذا الموضع ورواه أبو داود بنحو من هذا وهذا نص في مسألتنا ووقفه هذا كان بأمر النبي صلى الله عليه و سلم ولأنه اشتهر في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعا ولأن هذا تبرع معلق بالموت فصح كالهبة والصدقة المطلقة أو نقول صدقة معلقة بالموت فأشبهت غير الوقف ويفارق هذا التعليق على شرط في الحياة بدليل الهبة المطلقة والصدقة وغيرهما وذلك لأن هذا وصية والوصية أوسع من التصرف في الحياة بدليل جوازها بالمجهول والمعدوم وللمجهول وللحمل وغير ذلك وبهذا يتبين فساد قياس من قاس على هذا الشرط بقية الشروط
فصل : ولا يجوز تعليق ابتداء الوقف على شرط في الحياة مثل أن يقول إذا جاء رأس الشهر فداري وقف أو فرسي حبيس أو إذا ولد لي ولد أو إذا قدم لي غائبي ونحو ذلك ولا نعلم في هذا خلافا لأنه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسراية فلم يجز تعليقه على شرط كالهبة وسوى المتأخرون من أصحابنا بين تعليقه بالموت وتعليقه بشرط في الحياة ولا يصح لما ذكرنا من الفرق بينهما فيما قبل هذا
فصل : وإن علق انتهاءه على شرط نحو قوله داري وقف إلى سنة أو إلى أن يقدم الحاج لم يصح في أحد الوجهين لأنه ينافي مقتضى الوقف فإن مقتضاه التأبيد وفي الآخر يصح لأنه منقطع الانتهاء فأشبه ما لو وقفه على منقطع الانتهاء فإن حكمنا بصحته ههنا فحكمه حكم منقطع الانتهاء
فصل : وإن قال هذا وقف على ولدي سنة ثم على المساكين صح وكذلك إن قال هذا وقف على ولدي مدة حياتي ثم هو بعد موتي للمساكين صح لأنه وقف متصل الابتداء والانتهاء وإن قال وقف على المساكين ثم على أولادي صح ويكون وقفا على المساكين ويلغى قوله على أولادي لأن المساكين لا انقراض لهم
فصل : واختلفت الرواية عن أحمد في الوقف في مرضه على بعض ورثته فعنه لا يجوز ذلك فإن فعل وقف على إجازة سائر الورثة قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن أوصى لأولاد بنيه بأرض توقف عليهم فقال : إن لم يرثوه فجائز فظاهر هذا أنه لا يجوز الوقف عليهم في المرض اختاره أبو حفص العكبري و ابن عقيل وهو مذهب الشافعي والرواية الثانية : يجوز أن يقف عليهم ثلثه كالأجانب فإنه قال في رواية جماعة منهم الميموني : يجوز للرجل أن يقف في مرضه على ورثته فقيل له أليس تذهب أنه لا وصية لوارث ؟ فقال نعم والوقف غير الوصية لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة ينتفعون بغلته وقال في رواية أحمد بن الحسن : فإنه صرح في مسألته بوقف ثلثه على بعض ورثته دون بعض فقال جائز قال الخبري : وأجاز هذا الأكثرون واحتج أحمد رضي الله عنه بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة وسق الذي أطعمني محمد صلى الله عليه و سلم تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهله لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث يرى من السائل والمحروم وذوي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقا رواه أبو داود بنحو من هذا فالحجة أنه جعل لحفصة أن تلي وقفه وتأكل منه وتشتري رقيقا قال الميموني : قلت ل أحمد : إنما أمر النبي صلى الله عليه و سلم عمر بالإيقاف وليس في الحديث الوارث قال : فإذا كان النبي صلى الله عليه و سلم أمره وهو ذا قد وقفها على ورثته وحبس الأصل عليهم جميعا ولأن الوقف ليس في معنى المال لأنه لا يجوز التصرف فيه فهو كعتق الوارث
ولنا أنه تخصيص لبعض الورثة بماله في مرضه فمنع منه كالهبات ولأن كل من لا تجوز له الوصية بالعين لا تجوز بالمنفعة كالأجنبي فيما زاد على الثلث وأما خبر عمر فإنه لم يخص بعض الورثة بوقفه والنزاع إنما هو في تخصيص بعضهم وأما جعل الولاية لحفصة فليس ذلك وقفا عليها فلا يكون ذلك واردا في محل النزاع وكونه انتفاعا بالغلة لا يقتضي جواز التخصيص بدليل ما لو أوصى لورثته بمنفعة عبد لم يجز ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية الجماعة على أنه وقف على جميع الورثة ليكون على وفق حديث عمر وعلى وفق الدليل الذي ذكرنا
فصل : فإن وقف داره وهي تخرج من الثلث بين ابنه وبنته نصفين في مرض موته فعلى رواية الجماعة يصح الوقف ويلزم لأنه لما كان يجوز له تخصيص البنت بوقف الدار كلها فبنصفها أولى وعلى الرواية التي نصرناها إن أجاز الابن ذلك جاز وإن لم يجزه بطل الوقف فيما زاد على نصيب البنت وهو السدس ويرجع إلى الابن ملكا فيكون له النصف وقفا والسدس ملكا مطلقا والثلث للبنت جميعه وقفا ويحتمل أن يبطل الوقف في نصف ما وقف على البنت وهو الربع ويبقى ثلاثة أرباع الدار وقفا ونصفها للابن وربعها للبنت والربع الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثا للابن ثلثاه وللبنت ثلثه وتصح المسألة من اثني عشر للابن ستة أسهم وقفا وسهمان ملكا وللبنت ثلاثة أسهم وقفا وسهم ملكا ولو وقفها على ابنه وزوجته نصفين وهي تخرج من الثلث فرد الابن صح الوقف على الابن في نصفها وعلى المرأة في ثمنها وللابن إبطال الوقف في ثلاثة أثمانها فترجع إليه ملكا على الوجه الأول وعلى الوجه الثاني يصح الوقف على الابن في نصفها وهو أربعة أسباع نصيبه ويرجع إليه باقي حصته ملكا ويصح الوقف في أربعة أسباع الثمن الذي للمرأة وباقيه يكون لها ملكا فاضرب سبعه في ثمانية تكون ستة وخمسين للابن ثمانية وعشرين وقفا وأحد وعشرون ملكا وللمرأة أربعة أسهم وقفا وثلاثة ملكا وهكذا ذكر أصحاب الشافعي فأما إن كانت الدار جميع ملكه فوقفها كلها فعلى ما اخترناه الحكم فيها كما لو كانت تخرج من الثلث فإن الوارث في جميع المال كالأجنبي في الزائد عن الثلث وأما على ما رواه الجماعة فإن الوقف يلزم في الثلث من غير اختيار الورثة وفيما زاد فلهما إبطال الوقف فيه وللابن إبطال التسوية فإن اختار إبطال التسوية دون إبطال الوقف خرج فيه وجهان أحدهما : أنه يبطل الوقف في التسع ويرجع إليه ملكا فيصير له النصف وقفا والتسع ملكا ويكون للبنت السدس والتسعان وقفا لأن الابن إنما ملك إبطال الوقف في ماله دون ما لغيره والوجه الثاني : إن له إبطال الوقف في السدس ويصير له النصف وقفا والتسع ملكا وللبنت الثلث وقفا ونصف التسع ملكا لئلا تزداد البنت على الابن في الوقف وتصح المسألة في هذا الوجه من ثمانية عشر للابن تسعة وقفا وسهمان ملكا وللبنت ستة أسهم وقفا وسهم ملكا وقال أبو الخطاب له إبطال الوقف في الربع كله ويصير له النصف وقفا والسدس ملكا ويكون للبنت الربع وقفا ونصف السدس ملكا كما لو كانت الدار تخرج من الثلث وتصح من اثني عشر

مسألة : قال : وإذا خرب الوقف بيع واشتري بثمنه ما يرد على أهل الوقف وجعل وقفا كالأول
مسألة : قال : وإذا خرب الوقف ولم يرد شيئا بيع واشتري بثمنه ما يرد على أهل الوقف وجعل وقفا كالأول وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد
وجملة ذلك أن الوقف إذا خرب وتعطلت منافعه كدار انهدمت أو أرض خربت وعادت مواتا ولم تمكن عمارتها أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه قال أحمد في رواية أبي داود : إذا كان في المسجد خشبتان لهما قيمة جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه وقال في رواية صالح : يحول المسجد خوفا من اللصوص وإذا كان موضعه قذرا قال القاضي : يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه ونص على جواز بيع عرصته في رواية عبد الله وتكون الشهادة في ذلك على الإمام قال أبو بكر : وقد روى علي بن سعيد أن المساجد لا تباع وإنما تنقل آلتها قال وبالقول الأول أقول لإجماعهم على وجواز بيع الفرس الحبيس يعني الموقوفة على الغزو إذا كبرت فلم تصلح للغزو وأمكن الانتفاع بها في شيء آخر مثل أن تدور في الرحى أو يحمل عليها تراب أو تكون الرغبة في نتاجها أو حصانا يتخذ للطراق فإنه يجوز بيعها ويشترى بثمنها ما يصلح للغزو نص عليه أحمد وقال محمد بن الحسن : إذا خرب المسجد أو الوقف عاد إلى ملك واقفه لأن الوقف إنما هو تسبيل المنفعة فإذا زالت منفعته زال حق الموقوف عليه منه فزال ملكه عنه وقال مالك و الشافعي : لا يجوز بيع شيء من ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا يباع أصلها ولا تبتاع ولا توهب ولا تورث ] ولأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع بقاء تعطلها كالمعتق والمسجد أشبه الأشياء بالمعتق
ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة انقل المسجد الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان إجماعا ولأن فيما ذكرناه استبقاء الوقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته فوجب ذلك كما لو استولد الجارية الموقوفة أو قبلها أو قبلها غيره قال ابن عقيل الوقف مؤبد فإذا لم يمكن تأبيده على وجه يخصصه استبقاء الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى وإيصال الإبدال جرى مجرى الأعيان وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض ويقرب هذا من الهدي إذا عطب في السفر فإنه يذبح في الحال وإن كان يختص بموضع فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفى منه ما أمكن وترك مراعاة المحل الخاص عند تعذره لأن مراعاته مع تعذره تفضي إلى فوات الانتفاع بالكلية وهكذا الوقف المعطل المنافع
ولنا على محمد بن الحسن أنه إزالة ملك على وجه القربة فلا يعود إلى مالكه باختلاله وذهاب منافعه كالعتق

فصول : بيع الوقف
فصل : وظاهر كلام الخرقي أن الوقف إذا بيع فأي شيء اشتري بثمنه مما يرد على أهل الوقف جاز سواء كان من جنسه أو من غير جنسه لأن المقصود المنفعة لا الجنس لكن تكون المنفعة مصروفة إلى المصلحة التي كانت الأولى تصرف فيها لأنه لا يجوز تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع مع إمكان الانتفاع به
فصل : وإذا لم يف ثمن الفرس الحبيس لشراء فرس أخرى أعين به في شراء فرس حبيس يكون بعض الثمن نص عليه أحمد لأن المقصود استبقاء منفعة الوقت الممكن استبقاؤها وصيانتها عن الضياع ولا سبيل إلى ذلك إلا بهذه الطريق
فصل : وإن لم تتعطل مصلحة الوقف بالكلية لكن قلت وكان غيره أنفع منه وأكثر رد على أهل الوقف لم يجز بيعه لأن الأصل تحريم البيع وإنما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله ومع الانتفاع وإن قل ما يضيع المقصود اللهم إلا أن يبلغ في قلة النفع إلى حد لا يعد نفعا فيكون وجود ذلك كالعدم

فصول : رفع المسجد والبناء تحته أو فوقه وغرس الشجر وما فصل فيه
فصل : قال أحمد في رواية أبي داود في مسجد أراد أهله رفعه من الأرض ويجعل تحته سقاية وحوانيت فامتنع بعضهم من ذلك : فينظر إلى قول أكثرهم واختلف أصحابنا في تأويل كلام أحمد فذهب ابن حامد إلى أن هذا في مسجد أراد أهله إنشاءه ابتداء واختلفوا كيف يعمل ؟ وسماه مسجدا قبل بنائه تجوزا لأن مآله إليه أما بعد كونه مسجدا لا يجوز جعله سقاية ولا حوانيت وذهب القاضي إلى ظاهر اللفظ وهو أنه كان مسجدا فأراد أهله رفعه وجعل ما تحته سقاية لحاجتهم إلى ذلك والأول أصح وأولى وإن خالف الظاهر فإن المسجد لا يجوز نقله وإبداله وبيع ساحته وجعلها سقاية وحوانيت إلا عند تعذر الانتفاع به والحاجة إلى سقاية وحوانيت لا تعطل نفع المسجد فلا يجوز صرفه في ذلك ولو جاز جعل أسفل المسجد سقاية وحوانيت لهذه الحاجة لجاز تخريب المسجد وجعله سقاية وحوانيت ويجعل بدله مسجدا في موضع آخر وقال أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه في مسجد ليس بحصين من الكلاب وله منارة فرخص في نقضها وبناء حائط المسجد بها للمصلحة
فصل : ولا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة نص عليه أحمد وقال إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجدا فهذه غرست بغير حق فلا أحب الأكل منها ولو قلعها الإمام لجاز وذلك لأن المسجد لم يبن لهذا وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ولأن الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها ويسقط ورقها في المسجد وثمرها وتسقط عليها العصافير والطير فتبول في المسجد وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها فأما إن كانت النخلة في أرض فجعلها صاحبها مسجدا والنخلة فيها فلا بأس قال أحمد في موضع لا بأس يعني أن يبيعها من الجيران وقال في رواية أبي طالب في النبقة لا تباع وتجعل للمسلمين وأهل الدرب يأكلونها وذلك والله أعلم لأن صاحب الأرض لما جعلها مسجدا والنخلة فيها فقد وقف الأرض والنخلة معها ولم يعين مصرفها فصارت كالوقف المطلق الذي لم يعين له مصرف وقد ذكرنا فيه في إحدى الروايات أنه للمساكين فأما إن قال صاحبها هذه وقف على المسجد فينبغي أن يباع ثمرها ويصرف إليه كما لو وقفها على المسجد وهي في غيره قال أبو الخطاب : عندي أن المسجد إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة بيعت وصرف ثمنها في عمارته قال : وقول أحمد يأكلها الجيران محمول على أنهم يعمرونه
فصل : وما فضل من حصر المسجد وزيته ولم يحتج إليه جاز أن يجعل في مسجد آخر أو يتصدق من ذلك على فقراء جيرانه وغيرهم وكذلك إن فضل من قصبه أو شيء من نقضه قال أحمد في مسجد بني فبقى من خشبه أو قصبه أو شيء من نقضه فقال : يعان به في مسجد آخر أو كما قال وقال المروذي سألت أبا عبد الله عن بواري المسجد إذا فضل منه الشيء أو الخشبة قال يتصدق به وأرى أنه قد احتج بكسوة البيت إذا تحرقت تصدق بها وقال في موضع آخر قد كان شيبة يتصدق بخلقان الكعبة
وروى الخلال بإسناده عن علقمة عن أمه أن شيبة بن عثمان الحجبي جاء إلى عائشة رضي الله عنها فقال : يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تكثر عليها فننزعها فنحفر لها آبارا فندفنها فيها حتى لا تلبسها الحائض والجنب قالت عائشة بئس ما صنعت ولم تصب إن ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرها من لبسها من حائض أو جنب ولكن لو بعتها وجعلت ثمنها في سبيل الله والمساكين فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة وهذه قصة مثلها ينتشر ولم ينكر فيكون إجماعا ولأنه مال الله تعالى لم يبق له مصرف صرف إلى المساكين كالوقف المنقطع

فصول : جناية العبد على الموقوف وجواز تزويج الأمة الموقوفة
فصل : إذا جنى الوقف جناية توجب القصاص وجب سواء كانت الجناية على الموقوف عليه أو على غيره فإن قتل بطل الوقف فيه وإن قطع كان باقيه وقفا كما لو تلف بفعل الله تعالى وإن كانت الجناية موجبة للمال لم يمكن تعلقها برقبته لأنه لا يمكن بيعها ويجب ارشها على الموقوف عليه لأنه ملكه تعلق ارشه برقبته فكان على مالكه كأم الولد ولا يلزمه أكثر من قيمته كأم الولد وإن قلنا الوقف لا يملك فالأرش في كسبه لأنه تعذر تعلقه برقبته لكونها لا تباع وبالموقوف عليه لأنه لا يملكه فكان في كسبه كالحر يكون في ماله ويحتمل أن يكون في بيت المال كارش جناية الحر المعسر وهذا احتمال ضعيف جدا فإن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند عدمها وجناية العبد لا تحملها العاقلة وإن كان الوقف على المساكين فينبغي أن يكون الارش في كسبه لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الارش عليه ولا يمكن تعلقه برقبته لتعذر بيعها فتعين في كسبه ويحتمل أن يجب في بيت المال
فصل : وإن جنى على الوقف جناية موجبة للمال وجب لأن ماليته لم تبطل ولو بطلت ماليته لم يبطل أرش الجناية عليه فإن الحر يجب أرش الجناية عليه فإن قتل وجبت قيمته وليس للموقوف عليه العفو عنها لأنه لا يختص بها ويشتري بها مثل المجني عليه يكون وقفا وقال بعض الشافعية : يختص الموقوف عليه بالقيمة إن قلنا أنه يملك الموقوف لأنه بدل ملكه
ولنا أنه ملك لا يختص به فلم يختص ببدله كالعبد المشترك والمرهون وبيان عدم الاختصاص ظاهر فإنه يتعلق به حق البطن الثاني فلم يجز إبطاله ولا نعلم قدر ما يستحق هذا منه فنعفو عنه فلم يصح العفو عن شيء منه كما لو أتلف رجل رهنا أخذت منه قيمته فجعلت رهنا ولم يصح عفو واحد منهما عنه وإن كانت الجناية عمدا محضا من مكافئ له فالظاهر أنه لا يجب القصاص لأنه محل لا يختص به الموقوف عليه فلم يجز أن يقتص من قاتله كالعبد المشترك وقال بعض أصحاب الشافعي يكون ذلك إلى الإمام فإن قطعت يد العبد أو طرف من أطرافه فالقصاص له وله استيفاؤه لأنه لا يشاركه فيه غيره وإن كان القطع لا يوجب القصاص أو يوجبه فعفى عنه وجب نصف قيمته فإن أمكن أن يشترى بها عبد كامل وإلا اشتري بها شقص من عبد
فصل : ويجوز تزويج الأمة الموقوفة لأنه عقد على منفعتها أشبه الإجارة ولأن الموقوف عليه لا يملك استيفاء هذه المنفعة فلا يتضرر بتمليك غيره إياها ووليها الموقوف عليه لأنها ملكه والمهر له لأنه بدل نفعها أشبه الأجر في الإجارة ويحتمل أن لا يجوز تزويجها لأنه عقد على نفعها في العمر فيفضي إلى تفويت نفعها في حق البطن الثاني ولأن النكاح يتعلق به حقوق من وجوب تمكين الزوج من استمتاعها ومبيتها عنده فتفوت خدمتها في الليل على البطن الثاني إلا أن تطلب التزويج فيتعين تزويجها لأنه حق لها طلبته فتتعين الإجابة إليه وما فات من الحق به فات تبعا لإيفائها حقها فوجب ذلك كما يجب تزويج الأمة غير الموقوفة إذا طلبت ذلك وإذا زوجها فولدت من الزوج فولدها وقف معها لأن ولد كل ذات رحم تثبت لها حرمة حكمه حكمها كأم الولد والمكاتبة وإن أكرهها أجنبي فوطئها أو طاوعته فعليه الحد إذا انتفت الشبهة وعليه المهر لأهل الوقف لأنه وطئ جارية غيره أشبه الأمة المطلقة وولدها يكون وقفا معها وإن وطئها بشبهة يعتقدها حرة فالولد حر ولو كان الواطئ عبدا وتجب قيمته لأنه كان من سبيله أن يكون مملوكا فمنعه اعتقاد الحرية من الرق فوجبت قيمته يشترى بها عبد يكون رقيقا وتعتبر قيمته يوم تضعه حيا لأنه لا يمكن تقويمه قبل ذلك
فصل : وليس للموقوف عليه وطء الأمة الموقوفة لأنا لا نأمن حبلها فتنقص أو تتلف أو تخرج من الوقف بكونها أم ولد ولأن ملكه ناقص فإن وطئ فلا حد عليه للشبهة ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب للإنسان شيء على نفسه والولد حر لأنه من وطئ شبهة وعليه قيمة الولد يشترى بها عبد مكانه وتصير أم ولد لأنه أحبلها بحر في ملكه فإذا مات عتقت ووجبت قيمتها في تركته لأنه أتلفها على من بعده من البطون فيشترى بها جارية تكون وقفا مكانها وإن قلنا أن الموقوف عليه لا يملكها لم تصر أم ولد له لأنها غير مملوكة له
فصل : وإن أعتق العبد الموقوف لم ينفذ عتقه لأنه يتعلق به حق غيره ولأن الوقف لازم فلا يمكن إبطاله وإن كان نصف العبد وقفا ونصفه طلقا فأعتق صاحب الطلق لم يسر عتقه إلى الوقف لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة فبالسراية أولى

مسألة : وجوب الزكاة على بعض أهل الوقف
مسألة : قال : وإذا حصل في يد بعض أهل الوقف خمسة أوسق ففيه الزكاة وإذا صار الوقف للمساكين فلا زكاة فيه
وجملة ذلك أن الوقف إذا كان شجرا فأثمر أو أرضا فزرعت وكان الوقف على قوم بأعيانهم فحصل لبعضهم من الثمرة أو الحب نصاب ففيه الزكاة وبهذا قال مالك و الشافعي وروي عن طاوس و مكحول لا زكاة فيه لأن الأرض ليست مملوكة لهم فلم تجب عليهم زكاة في الخارج منها كالمساكين
ولنا أنه استغل من أرضه أو شجره نصابا فزمته زكاته كغير الوقف يحققه أن الوقف الأصل والثمرة طلق والملك فيها تام له التصرف فيها بجميع التصرفات وتورث عنه فتجب فيها الزكاة كالحاصلة من أرض مستأجرة له وقولهم أن الأرض غير مملوكة له ممنوع وإن سلمنا ذلك فهو مالك لمنفعتها ويكفي ذلك في وجوب الزكاة بدليل الأرض المستأجرة أما المساكين فلا زكاة عليهم فيما يحصل في أيديهم سواء حصل في يد بعضهم نصاب من الحبوب والثمار أو لم يحصل ولا زكاة عليهم قبل تفريقها وإن بلغت نصبا لأن الوقف على المساكين لا يتعين لواحد منهم بدليل أن كل واحد منهم يجوز حرمانه والدفع إلى غيره وإنما ثبت الملك فيه بالدفع والقبض لما أعطيه من غلته ملكا مستأنفا فلم تجب عليه فيه زكاة كالذي يدفع إليه من الزكاة وكما لو وهبه أو اشتراه وفارق الوقف على قوم بأعيانهم فإنه يعين لكل واحد منهم حق في نفع الأرض وغلتها ولهذا يجب إعطاؤه ولا يجوز حرمانه

فصل : ويصح الوقف على القبيلة العظيمة
فصل : ويصح الوقف على القبيلة العظيمة كقريش وبني هاشم وبني تميم وبني وائل ونحوهم ويجوز الوقف على المسلمين كلهم وعلى أهل إقليم ومدينة كالشام ودمشق ونحوهم ويجوز للرجل أن يقف على عشيرته وأهل مدينته وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يصح الوقف على من لا يمكن استيعابهم وحصرهم في غير المساكين وأشباههم لأن هذا تصرف في حق الآدمي فلم يصح مع الجهلة كما لو قال وقفت على قوم ولنا أن من صح الوقف عليه إذا كان عدده محصيا صح وإن لم يكن محصيا كالفقراء والمساكين وما ذكره يبطل بالوقف على الفقراء والمساكين ومتى كان الوقف على من لا يمكن حصرهم فلا زكاة على واحد منهم فيما يصح له لما ذكرناه في المساكين ولا في جملة الوقف لما ذكرناه من قبل

مسألتان وفصول : وقف ما لا ينتفع به إلا بإتلافه وكل ما جاز بيعه جاز وقفه
مسألة : قال : وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف مثل الذهب والورق والمأكول والمشروب فوقفه غير جائز
وجملته أن ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدنانير والدراهم والمطعوم والمشروب والشمع وأشباهه لا يصح وقفه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم إلا شيئا يحكى عن مالك و الأوزاعي في وقف الطعام أنه يجوز ولم يحكه أصحاب مالك وليس بصحيح لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف لا يصح فيه ذلك وقيل في الدراهم والدنانير يصح وقفها على قول من أجاز إجارتها ولا يصح لأن تلك المنفعة ليست المقصود الذي خلقت له الأثمان ولهذا لا تضمن في الغصب فلم يجز الوقف له كوقف الشجر على نشر الثياب والغنم على دوس الطين والشمع ليتجمل به
فصل : والمراد بالذهب والفضة ههنا الدراهم والدنانير وما ليس بحلي لأن ذلك هو الذي يتلف بالانتفاع به أما الحلي فيصح وقفه للبس والعارية لما روى نافع قال : ابتاعت حفصة حليا بعشرين ألفا فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته رواه الخلال بإسناده ولأنه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دائما فصح وقفها كالعقار ولأنه يصح تحبيس أصلها وتسبيل الثمرة فصح وقفها كالعقار وبهذا قال الشافعي وقد روي عن أحمد أنه لا يصح وقفها وأنكر الحديث عن حفصة في وقفه وذكره ابن أبي موسى إلا أن القاضي تأوله على أنه لا يصح الحديث فيه ووجه هذه الرواية أن التحلي ليس هو المقصود الأصلي من الأثمان فلم يصح وقفها عليه كما لو وقف الدنانير والدراهم والأول هو المذهب لما ذكرناه والتحلي من المقاصد المهمة والعادة جارية به وقد اعتبره الشرع في إسقاط الزكاة عن متخذه وجوز إجارته لذلك ويفارق الدراهم والدنانير فإن العادة لم تجر بالتحلي به ولا اعتبره الشرع في إسقاط زكاته ولا ضمان نفعه في الغصب بخلاف مسألتنا
فصل : ولا يصح وقف الشمع لأنه يتلف بالانتفاع به فهو كالمأكول والمشروب ولا ما يسرع إليه الفساد من المشمومات والرياحين وأشباهها لأنها تتلف على قرب من الزمان فأشبهت المطعوم ولا وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد والمرهون والكلب والخنزير وسائر سباع البهائم التي لا تصلح للصيد وجوارح الطير التي لا يصاد بها لأنه نقل للملك فيها في الحياة فأشبه البيع ولأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وما لا منفعة فيه لا يحصل فيه تسبيل المنفعة والكلب أبيح الانتفاع به على خلاف الأصل للضرورة فلم يجز التوسع فيها والمرهون في وقفه إبطال حق المرتهن منه فلم يجز إبطاله ولا يصح الوقف فيما ليس بمعين كعبد في الذمة ودار وسلاح لأن الوقف إبطال لمعنى الملك فيه فلم يصح في عبد مطلق كالعتق
فصل : قال أحمد فيمن وصى بفرس وسرج ولجام مفضض يوقف في سبيل الله فهو على ما وقف ووصى وإن بيع الفضة من السرج واللجام وجعل في وقف مثله فهو أحب إلي لأن الفضة لا ينتفع بها ولعله يشتري بتلك الفضة سرجا ولجاما فيكون أنفع للمسلمين فقيل له تباع الفضة وتجعل في نفقته ؟ قال لا فأباح أن يشتري بفضة السرج واللجام سرجا ولجاما لأنه صرف لهما في جنس ما كانت عليه حين لم ينتفع بهما فيه فأشبه الفرس الحبيس إذا عطب فلم ينتفع به في الجهاد جاز بيعه وصرف ثمنه في مثله ولم يجز إيقافها على الفرس لأنه صرف لها إلى غير جهتها
مسألة : قال : ويصح الوقف فيما عدا ذلك
وجملة ذلك أن الذي يجوز وقفه ما جاز بيعه وجاز الانتفاع به مع بقاء عينه وكان أصلا يبقى بقاء متصلا كالعقار والحيوانات والسلاح والأثاث وأشباه ذلك قال أحمد في رواية الأثرم : إنما الوقف في الدور والأرضين على ما وقف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال فيمن وقف خمس نخلات على مسجد لا بأس به وهذا قول الشافعي وقال أبو يوسف : لا يجوز وقف الحيوان ولا الرقيق ولا العروض إلا الكراع والسلاح والغلمان والبقر والآلة في الأرض الموقوفة تبعا لها لأن الحيوان لا يقاتل عليه فلم يجز وقفه كما لو كان الوقف إلى مدة وعن مالك في الكراع والسلاح روايتان
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ أما خالد فقد احتبس ادراعه واعتاده في سبيل الله ] متفق عليه وفي رواية وأعتده أخرجه البخاري قال الخطابي الاعتاد ما يعده الرجل من المركوب والسلاح وآلة الجهاد وروي [ أن أم معقل جاءت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله إن أبا معقل جعل ناضحه في سبيل الله وإني أريد الحج أفأركبه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اركبيه فإن الحج والعمرة من سبيل الله ] ولأنه يحصل فيه تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فصح وقفه كالعقار والفرس الحبيس ولأنه يصح وقفه مع غيره فصح وقفه وحده كالعقار
فصل : قال أحمد رحمه الله في رجل له دار في الربض أو قطيعة فأراد التنزه منها قال يقفها قال : القطائع ترجع إلى الأصل إذا جعلها للمساكين فظاهر هذا إباحة وقف السواد وهو في الأصل وقف ومعناه أن وقفها يطابق الأصل لا أنها تصير بهذا القول وقفا

مسألة وفصول : ويجوز وقف المشاع
مسألة : قال : ويصح وقف المشاع
وبهذا قال مالك و الشافعي و أبو يوسف وقال محمد بن الحسن : لا يصح وبناه على أصله في أن القبض شرط وأن القبض لا يصح في المشاع
ولنا أن في حديث عمر أنه أصاب مائة سهم من خيبر واستأذن النبي صلى الله عليه و سلم فيها فأمره بوقفها وهذا صفة المشاع ولأنه عقد يجوز على بعض الجملة مفرزا فجاز عليه مشاعا كالبيع أو عرصة يجوز بيعها فجاز وقفها كالمفرزة ولأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وهذا يحصل في المشاع كحصوله في المفرز ولا نسلم اعتبار القبض وإن سلمنا فإذا صح في البيع صح في الوقف
فصل : وإن وقف داره على جهتين مختلفتين مثل أن يقفها على أولاده وعلى المساكين نصفين أو أثلاثا أو كيفما كان جاز وسواء جعل مآل الموقوف على أولاده وعلى المساكين أو على جهة أخرى سواهم لأنه إذا جاز وقف الجزء مفردا جاز وقف الجزأين وإن أطلق الوقف فقال وقفت داري هذه على أولادي وعلى المساكين فهي بينهما نصفين لأن إطلاق الإضافة إليهما تقتضي التسوية بين الجهتين ولا تتحقق التسوية إلا بالتنصيف وإن قال وقفتها على زيد وعمر والمساكين فهي بينهم أثلاثا
فصل : فإن أريد تمييز الوقف عن المطلق بالقسمة فذلك مبني على القسمة هل هي بيع أو إفراز حق ؟ والصحيح أنها إفراز حق فينظر فإن لم يكن فيها رد جازت القسمة وإن كان فيها رد من جانب أصحاب الوقف جازت أيضا لأنه شراء لشيء من المطلق وإن كان من صاحب المطلق لم يجز لأنه شراء بعض الوقف وبيعه غير جائز وإن كان المشاع وقفا على جهتين فأراد أهله قسمته انبنى على ما ذكرنا ولم يجز فيما إذا كان فيها رد بحال ومتى جازت القسمة في الوقف وطلبها أحد الشريكين أو ولي الوقف أجبر الآخر لأن كل قسمة جازت من غير رد ولا ضرر فهي واجبة

مسألة وفصول : النظر في الوقف لمن شرطه الواقف ولا يصح الوقف على غير معين ولا على من لا يملك
مسألة : قال : وإذا لم يكن الوقف على معروف أو بر فهو باطل
وجملة ذلك أن الوقف لا يصح إلا على من يعرف كولده وأقاربه ورجل معين أو على بر كبناء المساجد والقناطر وكتب الفقه والعلم والقرآن والمقابر والسقايات وسبيل الله ولا يصلح على غير معين كرجل وامرأة لأن الوقف تمليك للعين أو للمنفعة فلا يصح على غير معين كالبيع والإجارة ولا على معصية كبيت النار والبيع والكنائس وكتب التوراة والإنجيل لأن ذلك معصية فإن هذه المواضع بنيت للكفر وهذه الكتب مبدلة منسوخة ولذلك [ غضب النبي صلى الله عليه و سلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقية ؟ لو كان موسى أخي حيا ما وسعه إلا اتباعي ] ولولا أن ذلك معصية ما غضب منه والوقف على قناديل البيعة وفرشها ومن يخدمها ويعمرها كالوقف عليها لأنه يراد لتعظيمها وسواء كان الواقف مسلما أو ذميا قال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعا كثيرة وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا والضياع بيد النصارى : فلهم أخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا وذلك لأن ما لا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح من الذمي كالوقف على غير معين فإن قيل فقد قلتم إن أهل الكتاب إذا عقدوا عقودا فاسدة وتقابضوا ثم أسلموا وترافعوا إلينا لم ننقض ما فعلوه فكيف أجزتم الرجوع فيما وقفوه على كنائسهم ؟ قلنا الوقف ليس بعقد معاوضة وإنما هو إزالة للملك في الموقوف على وجه القربة فإذا لم يقع صحيحا لم يزل الملك فيبقى بحاله كالعتق
وقد روي عن أحمد رحمه الله في نصراني أشهد في وصيته أن غلامه فلانا يخدم البيعة خمس سنين ثم هو حر ثم مات مولاده وخدم سنة ثم أسلم ما عليه ؟ قال هو حر ويرجع على الغلام بأجرة خدمة مبلغ أربع سنين وروي عنه قال : هو حر ساعة مات مولاه لأن هذه معصية وهذه الرواية أصح وأوفق لأصوله ويحتمل أن قوله يرجع عليه بخدمته أربع سنين لم يكن لصحة الوصية بل لأنه إنما أعتقه بعوض يعتقدان صحته وإذا تعذر العوض بإسلامه كان عليه ما يقوم مقامه كما لو تزوج الذمي ذمية على ذلك ثم أسلم فإنه يجب عليه المهر كذا ههنا يجب عليه العوض والأول أولى
فصل : ولا يصح الوقف على من لا يملك كالعبد القن وأم الولد والمدبر والميت والحمل والملك والجن والشياطين قال أحمد فيمن وقف على مماليكه : لا يصح الوقف حتى يعتقهم وذلك لأن الوقف تمليك فلا يصح على من لا يملك فإن قيل قد جوزتم الوقف على المساجد والسقايات وأشباهها وهي لا تملك قلنا الوقف هناك على المسلمين إلا أنه عين في نفع خاص لهم فإن قيل فينبغي أن يصح الوقف على الكنائس ويكون الوقف على أهل الذمة قلنا الجهة التي عين صرف الوقف فيها ليست نفعا بل هي معصية محرمة يزادون بها عقابا وإثما بخلاف المساجد ولا يصح الوقف على العبد وإن قلنا أنه يملك بالتمليك لأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل والعبد لا يملك ملكا لازما ولا يصح الوقف على المكاتب وإن كان يملك لأن ملكه غير مستقر ولا على مرتد ولا حربي لأن أموالهم مباحة في الأصل ويجوز أخذها منهم بالقهر والغلبة فما يتجدد لهم أولى والوقف لا يجوز أن يكون مباح الأخذ لأنه تحبيس الأصل
فصل : ويصح الوقف على أهل الذمة لأنهم يملكون ملكا محترما ويجوز أن يتصدق عليهم فجاز الوقف عليهم كالمسلمين ويجوز أن يقف المسلم عليه لما روي أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه و سلم وقفت على أخ لها يهودي ولأن من جاز أن يقف الذمي عليه جاز أن يقف عليه المسلم كالمسلم ولو وقف على من ينزل كنائسهم وبيعهم من المارة والمجتازين صح أيضا لأن الوقف عليهم لا على الموضع
فصل : وينظر في الوقف من شرطه الواقف لأن عمر رضي الله عنه جعل وقفه إلى حفصة تليه ما عاشت ثم إلى ذوي الرأي من أهلها ولأن مصرف الوقف يتبع فيه شرط الواقف فكذلك الناظر فيه فإن جعل النظر لنفسه جاز وإن جعله إلى غيره فهو له فإن لم يجعله لأحد أو جعله لإنسان فمات نظر فيه الموقوف عليه لأنه ملكه ونفعه له فكان نظره إليه كملكه المطلق ويحتمل أن ينظر فيه الحاكم اختاره ابن أبي موسى ويحتمل أن يكون الوجهان مبنيين على أن الملك هل ينتقل فيه إلى الموقوف عليه أو إلى الله تعالى ؟ فإن قلنا هو للموقوف عليه فالنظر فيه إليه لأنه ملكه عينه ونفعه وإن قلنا هو لله فالحاكم ينوب فيه ويصرفه إلى مصارفه لأنه مال الله فكان النظر فيه إلى حاكم المسلمين كالوقف على المساكين وأما الوقف على المساكين والمساجد ونحوها أو على من لا يمكن حصرهم واستيعابهم فالنظر فيه إلى الحاكم لأنه ليس له مالك متعين ينظر فيه وله أن يستنيب فيه لأن الحاكم لا يمكنه تولي النظر بنفسه ومتى كان النظر للموقوف عليه إما يجعل الواقف ذلك له أو لكونه أحق بذلك عند عدم ناظر سواه وكان واحدا مكلفا رشيدا فهو أحق بذلك رجلا كان أو امرأة عدلا كان أو فاسقا لأنه ينظر لنفسه فكان له ذلك في هذه الأحوال كالطلق ويحتمل أن يضم إلى الفاسق أمين حفظا لأصل الوقف عن البيع أو التضييع وإن كان الوقف لجماعة رشيدين فالنظر للجميع لكل إنسان في نصيبه وإن كان الموقوف عليه غير رشيد إما لصغر أو سفه أو جنون قام وليه في النظر مقامه كما يقوم مقامه في ماله المطلق وإن كان النظر لغير الموقوف عليه أو لبعض الموقوف عليه بتولية الواقف أو الحاكم لم يجز أن يكون إلا أمينا فإن لم يكن أمينا وكانت توليته من الحاكم لم تصح وأزيلت يده وإن ولاه الواقف وهو فاسق أو ولاه وهو عدل وصار فاسقا ضم إليه أمين ينحفظ به الوقف ولم تزل يده ولأنه أمكن الجمع بين الحقين ويحتمل أن لا تصح توليته وأنه ينعزل إذا فسق في أثناء ولايته لأنها ولاية على حق غيره فنافاها الفسق كما لو ولاه الحاكم وكما لو لم يمكن حفظ الوقف منه مع بقاء ولايته على حق غيره فإنه متى لم يمكن حفظه منه أزيلت ولايته فإن مراعاة حفظ الوقف أهم من إبقاء ولاية الفاسق عليه
فصل : ونفقة الوقف من حيث شرط الواقف لأنه لما اتبع شرطه في سبيله وجب اتباع شرطه في نفقته فإن لم يمكن فمن غلته لأن الوقف اقتضى تحبيس أصله وتسبيل نفعه ولا يحصل ذلك إلا بالإنفاق عليه فكان ذلك من ضرورته وإن تعطلت منافع الحيوان الموقوف فنفقته على الموقوف عليه لأنه ملكه ويحتمل وجوبها في بيت المال ويجوز بيعه على ما سلف بيانه

كتاب الهبة والعطية مسألة وفصلان : قال ولا تصح الهبة والصدقة فيما يكال أو يوزن إلا بقبضه
مسألة : قال : ولا تصح الهبة والصدقة فيما يكال أو يوزن إلا بقبضه
وجملة ذلك أن الهبة والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة وكلها تمليك في الحياة بغير عوض واسم العطية شامل لجميعها وكذلك الهبة والصدقة والهدية متغايرة فإن [ النبي صلى الله عليه و سلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ] وقال في اللحم الذي تصدق به على بريرة هو عليها صدقة ولنا هدية فالظاهر أن من أعطى شيئا يتقرب به إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة ومن دفع إلى إنسان شيئا للتقرب إليه والمحبة له فهو هدية وجميع ذلك مندوب إليه ومحثوث إليه فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ تهادوا تحبوا ] وأما الصدقة فما ورد في فضلها أكثر من أن يمكننا حصره وقد قال الله تعالى { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم } إذا ثبت هذا فإن المكيل والموزون لا تلزم فيه الصدقة والهبة إلا بالقبض وهو قول أكثر الفقهاء منهم النخعي و الثوري و الحسن بن صالح و أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك و أبو ثور : يلزم ذلك بمجرد العقد لعموم قوله عليه السلام : [ العائد في هبته كالعائد في قيئه ] ولأنه إزالة ملك بغير عوض فلزم بمجرد العقد كالوقف والعتق وربما قالوا تبرع فلا يعتبر فيه القبض كالوصية والوقف ولأنه عقد لازم ينقل الملك فلم يقف لزومه على القبض كالبيع
ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن ما قلناه مروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف فروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية فلما مرض قال يا بنية ما أحد أحب إلي غنى بعدي منك ولا أحد أعز علي فقرا منك وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا وددت أنك حزتيه أو قبضتيه وهو اليوم مال الوارث أخواك وأختك فاقتسموا على كتاب الله عز و جل
وروى ابن عيينة عن الزهري عن عروة عند عبد الرحمن بن عبد القارئ أن عمر بن الخطاب قال : ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذا مات أحدهم قال مالي وفي يدي وإذا مات هو قال كنت نحلته ولدي ؟ لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد فإن مات ورثه وروى عثمان أن الوالد يحوز لولده إذا كانوا صغارا قال المروذي : اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة ولأنها هبة غير مقبوضة فلم تلزم كما لو مات قبل أن يقبض فإن مالكا يقول : لا يلزم الورثة التسليم والخبر محمول على المقبوض ولا يصح القياس على الوقف والوصية والعتق لأن الوقف إخراج ملك إلى الله تعالى فخالف التمليكات والوصية تلزم في حق الوارث والعتق إسقاط حق وليس بتمليك ولأن الوقف والعتق لا يكون في محل النزاع في المكيل والموزون
فصل : وقول الخرقي : لا يصح يحتمل أن يريد لا يلزم ويحتمل أن يريد لا يثبت بها الملك قبل القبض فإن الملك حكم الهبة والصحة اعتبار الشيء في حق حكمه وأما صحته بمعنى انعقاد اللفظ بحيث إذا انضم إليه القبض اعتبر ويثبت حكمه فلا يصح حمل لفظه على نفيه لعدم الخلاف فيه ولأنه قال في سياق المسألة كما يصح في البيع وقد تقرر في البيع أن بيع المكيل والموزون صحيح قبل القبض وإنما ينتفي الضمان وإطلاقه في التصرفات وقوله : ما يكال ويوزن ظاهره العموم في كل موزون ومكيل وخصه أصحابنا المتأخرون بما ليس بمتعين فيه كالقفيز من صبرة والرطل من زبرة وقد ذكرنا ذلك في البيع ورجحنا العموم
فصل : والواهب بالخيار قبل القبض إن شاء أقبضها وأمضاها وإن شاء رجع فيها ومنعها ولا يصح قبضها إلا بإذنه فإن قبضها الموهوب له بغير إذنه لم تتم الهبة ولم يصح القبض وحكي عن أبي حنيفة أنه إذا قبضها في المجلس صح وإن لم يأذن له لأن الهبة قامت مقام الإذن في القبض لكونها دالة على رضاه بالتمليك الذي لم يتم إلا بالقبض
ولنا أنه قبض الهبة بغير إذن الواهب فلم يصح كما بعد المجلس أو كما لو نهاه عن قبضها ولأن التسليم غير مستحق على الواهب فلا يصح التسليم إلا بإذنه كما لو أخذ المشتري المبيع من البائع قبل تسليم ثمنه ولا يصح جعل الهبة إذنا في القبض بدليل ما بعد المجلس ولو أذن الواهب في القبض ثم رجع عن الإذن أو رجع في الهبة صح رجوعه لأن ذلك ليس بقبض وإن رجع بعد القبض لم ينفع رجوعه لأن الهبة تمت
فصل : وإن مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض بطلت الهبة سواء كان قبل الإذن في القبض أو بعده ذكره القاضي في موت الواهب لأنه عقد جائز فبطل بموت أحد المتعاقدين كالوكالة والشركة وقال أحمد في رواية أبي طالب وأبي الحارث في رجل أهدى هدية فلم تصل إلى المهدى إليه حتى مات : فإنها تعود إلى صاحبها ما لم يقبضها وروى بإسناده عن أم كلثوم بنت سلمة قالت : [ لما تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أم سلمة قال لها : إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة علي فإن ردت فهي لك قالت فكان ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وردت عليه هديته فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة ] وإن مات صاحب الهدية قبل أن تصل إلى المهدى إليه رجعت إلى ورثة المهدي وليس للرسول حملها إلى المهدى إليه إلا أن يأذن له الوارث ولو رجع المهدي في هديته قبل وصولها إلى المهدى إليه صح رجوعه فيها والهبة كالهدية
وقال أبو الخطاب : إذا مات الواهب قام وارثه مقامه في الإذن في القبض والفسخ وهذا يدل على أن الهبة لا تنفسخ بموته وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه عقد مآله إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع المشروط فيه الخيار وكذلك يخرج فيما إذا مات الموهوب له بعد قبوله وإن مات أحدهما قبل القبول أو ما يقوم مقامه بطلت وجها واحدا لأن العقد لم يتم فأشبه ما لو أوجب البيع فمات أحدهما قبل القبول من المشتري وإذا قلنا أن الهبة لا تبطل فمات أحدهما بعد الإذن في القبض بطل الإذن وجها واحدا لأن الميت إن كان هو الواهب فقد انتقل حقه في الرجوع في الهبة إلى وارثه فلم يلزم بغير إذنه وإن كان الموهوب له فلم يوجد الإذن لوارثه فلم يملك القبض بغير إذن
فصل : وإن وهبه شيئا في يد المتهب كوديعة أو مغصوب فظاهر كلام أحمد أن الهبة تلزم من غير قبض ولا مضي مدة يتأتى القبض فيها فإنه قال في رواية ابن منصور : إذا وهب لامرأته شيئا ولم تقبضه فليس بينه وبينها خيار هي معه في البيت فظاهر هذا أنه لم يعتبر قبضا ولا مضي مدة يتأتى فيها لكونها معه في البيت فيدها على ما فيه وقال القاضي : لا بد من مضي مدة يتأتى فيها القبض وقد روي عن أحمد رواية أخرى أنه يفتقر إلى إذن في القبض وقد مضى تعليل ذلك وتفصيله في الرهن ومذهب الشافعي كمذهبنا في الاختلاف في اعتبار الإذن واعتبار مضي مدة يتأتى القبض فيها

مسألة وفصول : ويصح في غير ذلك بغير قبض إذا قبل كما يصح في البيع
مسألة : قال : ويصح في غير ذلك بغير قبض إذا قبل كما يصح في البيع
يعني أن غير المكيل والموزون تلزم الهبة فيه بمجرد العقد ويثبت الملك في الموهوب قبل قبضه وروي ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا الهبة جائزة إذا كانت معلومة قبضت أو لم تقبض وهو قول مالك و أبي ثور وعن أحمد رواية أخرى لا تلزم الهبة في الجميع إلا بالقبض وهو قول أكثر أهل العلم قال المروزي : اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة ويروى ذلك عن النخعي و الثوري و الحسن بن صالح و العنبري و الشافعي وأصحاب الرأي لما ذكرنا في المسألة الأولى ووجه الرواية الأولى أن الهبة أحد نوعي التمليك فكان منها ما لا يلزم قبل القبض ومنها ما يلزم قبله كالبيع فإن فيه ما لا يلزم قبل القبض وهو الصرف وبيع الربويات ومنه ما يلزم قبله وهو ما عدا ذلك فأما حديث أبي بكر فلا يلزم فإن جذاذ عشرين وسقا يحتمل أنه أراد به عشرين وسقا مجذوذة فيكون مكيلا غير مين وهذا لا بد فيه من القبض وإن أراد نخلا يجذ عشرين وسقا فهو أيضا غير معين ولا تصح الهبة فيه قبل تعيينه فيكون معناه وعدتك بالنحلة وقول عمر أراد به النهي عن التحيل بنحلة الوالد ولده نحلة موقوفة على الموت فيظهر أني نحلت ولدي شيئا ويمسكه في يده ويستغله فإذا مات أخذه ولده بحكم النحلة التي أظهرها وإن مات ولده أمسكه ولم يعط ورثة ولده شيئا وهذا على هذا الوجه محرم فنهاهم عن هذا حتى يحوزها الولد دون والده فإن مات ورثها ورثته كسائر ماله وإذا كان المقصود هذا اختص بهبة الولد وشبهه على أنه قد روي عن علي وابن مسعود خلاف ذلك فتعارضت أقوالهم
فصل : قول الخرقي : إذا قبل يدل على أنه إنما يستغنى عن القبض في موضع وجد فيه الإيجاب والقبول والإيجاب أن يقول وهبتك أو أهديت إليك أو أعطيتك أو هذا لك ونحوه من الألفاظ الدالة على هذا المعنى والقبول أن يقول : قبلت أو رضيت أو نحو هذا وذكر القاضي و أبو الخطاب : أن الهبة والعطية لا تصح كلها إلا بإيجاب وقبول ولا بد منهما سواء وجد القبض أو لم يوجد وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه عقد تمليك فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالنكاح والصحيح أن المعاطاة والأفعال الدالة على الإيجاب والقبول كافية ولا يحتاج إلى لفظ وهذا اختيار ابن عقيل فإن النبي صلى الله عليه و سلم كان يهدي ويهدى إليه ويعطي ويعطى ويفرق الصدقات ويأمر سعاته بتفريقها وأخذها وكان أصحابه يفعلون ذلك ولم ينقل عنهم في ذلك إيجاب ولا قبول ولا أمر به ولا تعليمه لأحد ولو كان ذلك شرطا لنقل عنهم نقلا مشهورا و [ كان ابن عمر على بعير لعمر فقال النبي صلى الله عليه و سلم لعمر : بعنيه فقال : هو لك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت ] ولم ينقل قبول النبي صلى الله عليه و سلم من عمر ولا قبول ابن عمر من النبي صلى الله عليه و سلم ولو كان شرطا لفعله النبي صلى الله عليه و سلم وعلمه ابن عمر ولم يكن ليأمره أن يصنع به ما شاء قبل أن يقبله
وروى أبو هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قالوا صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل وإن قالوا هدية ضرب بيده فأكل معهم ] ولا خلاف بين العلماء فيما علمناه في أن تقديم الطعام بين يدي الضيفان إذن في الأكل وأنه لا يحتاج إلى قبول بقوله ولأنه وجد ما يدل على التراضي بنقل الملك فاكتفي به كما لو وجد الإيجاب والقبول
قال ابن عقيل : إنما يشترط الإيجاب والقبول مع الإطلاق وعدم العرف القائم بين المعطي والمعطى لأنه إذا لم يكن عرف يدل على الرضا فلا بد من قول دال عليه أما مع قرائن الأحوال والدلائل فلا وجه لتوقيفه على اللفظ ألا ترى أنا اكتفينا بالمعاطاة في البيع واكتفينا بدلالة الحال في دخول الحمام وهو إجارة وبيع أعيان فإذا اكتفينا في المعاوضات مع تأكدها بدلالة الحال وأنها تنقل الملك من الجانبين فلأن نكتفي به في الهبة أولى
فصل : والقبض فيما لا ينقل بالتخلية بينه وبينه لا حائل دونه وفيما ينقل بالنقل وفي المشاع بتسليم الكل إليه فإن أبى الشريك أن يسلم نصيبه قيل للمتهب وكل الشريك في قبضه لك ونقله فإن أبى نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله ليحصل القبض لأنه لا ضرر على الشريك في ذلك ويتم به عقد شريكه
فصل : وتصح هبة المشاع وبه قال مالك و الشافعي قال الشافعي : سواء في ذلك ما أمكن قسمته أو لم يمكن وقال أصحاب الرأي لا تصح هبة المشاع الذي يمكن قسمته لأن القبض شرط في الهبة ووجوب القسمة يمنع صحة القبض وتمامه فإن كان مما لا يمكن قسمته صحت هبته لعدم ذلك فيه وإن وهب واحد اثنين شيئا مما ينقسم لم يجز عند أبي حنيفة وجاز عند صاحبيه وإن وهب اثنان اثنين شيئا مما ينقسم لم يصح في قياس قولهم لأن كل واحد من المتهبين قد وهب له جزء مشاع
ولنا [ أن وفد هوازن لما جاؤوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرد عليهم ما غنمه منهم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ] رواه البخاري وهذا هبة المشاع وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : [ سمعت النبي صلى الله عليه و سلم وقد جاءه رجل ومعه كبة من شعر فقال أخذت هذه من المغنم لأصلح بردعة لي فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك ]
وروى عمرو بن سلمة الضمري قال : [ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتينا الروحاء فرأينا حمار وحش معقورا فأردنا أخذه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوه فإنه يوشك أن يجيء صاحبه فجاء رجل من بهز وهو الذي عقره فقال يا رسول الله شأنكم الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر أن يقسمه بين الناس ] رواه الإمام أحمد و النسائي ولأنه يجوز بيعه فجازت هبته كالذي لا ينقسم ولأنه مشاع فأشبه ما لا ينقسم وقولهم إن وجوب القسمة يمنع صحة القبض لا يصح فإنه لم يمنع صحته في البيع فكذا ههنا ومتى كانت الهبة لاثنين فقبضاه بإذنه ثبت ملكهما فيه وإن قبضه أحدهما ثبت الملك في نصيبه دون نصيب صاحبه
فصل : ومتى قلنا إن القبض شرط في الهبة لم تصح الهبة فيما لا يمكن تسليمه كالعبد الآبق والجمل الشارد والمغصوب لغير غاصبه ممن لا يقدر على أخذه من غاصبه وبهذا يقول أبو حنيفة و الشافعي لأنه عقد يفتقر إلى القبض فلم يصح في ذلك كالبيع وإن وهب المغصوب لغاصبه أو لم يتمكن من أخذه منه صح لأنه ممكن قبضه وليس لغير الغاصب القبض إلا بإذن الواهب فإن وكل المالك الغاصب في تقبيضه صح وإن وكل المتهب الغاصب في القبض له فقبل ومضى زمن يمكن قبضه فيه صار مقبوضا وملكه المتهب وبرئ الغاصب من ضمانه وإن قلنا القبض ليس بشرط في الهبة فما لا يعتبر فيه القبض من ذلك احتمل أن لا يعتبر في صحته القدرة على التسليم وهو قول أبي ثور لأنه تمليك بغير عوض أشبه الوصية ويحتمل أن لا تصح هبته لأنه لا يصح بيعه فلم تصح هبته كالحمل في البطن وكذلك يخرج في هبة الطير في الهواء والسمك في الماء إذا كان مملوكا
فصل : ولا تصح هبة الحمل في البطن واللبن في الضرع وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي و أبو ثور لأنه مجهول معجوز عن تسليمه وفي الصوف على الظهر وجهان بناء على صحة بيعه ومتى أذن له في جز الصوف وحلب الشاة كان إباحة وإن وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه أو جفته لم يصح وبهذا قال الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفا ولا تصبح هبة المعدوم كالذي تثمر شجرته أو تحمل أمته لأن الهبة عقد تمليك في الحياة فلم تصح في هذا كله كالبيع

فصول : أحكام هبة المجهول وتعليق الهبة بشرط وهبة الدين
فصل : قال أحمد في رواية أبي داود وحرب لا تصح هبة المجهول وقال في رواية حرب إذا قال شاة من غنمي يعني وهبتها لك لم يجز وبه قال الشافعي ويحتمل أن الجهل إذا كان في حق الواهب منع الصحة لأنه غرر في حقه وإن كان من الموهوب له لم يمنعها لأنه لا غرر في حقه فلم يعتبر في حقه العلم بما يوهب له كالموصى له وقال مالك تصح هبة المجهول لأنه تبرع فصح في المجهول كالنذر والوصية ووجه الأول أنه عقد تمليك لا يصح تعليقه بالشروط فلم يصح في المجهول كالبيع بخلاف النذر والوصية
فصل : ولا يصح تعليق الهبة بشرط لأنها تمليك لمعين في الحياة فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع فإن علقها على شرط ك [ قول النبي صلى الله عليه و سلم لأم سلمة إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك ] كان وعدا وإن شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها نحو أن يقول وهبتك هذا بشرط أن لا تهبه أو لا تبيعه أو بشرط أن تهبه أو تبيعه أو بشرط أن تهب فلانا شيئا لم يصح الشرط وفي صحة الهبة وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع وإن وقت الهبة فقال وهبتك هذا سنة ثم يعود إلي لم يصح لأنه عقد تمليك لعين فلم يصح مؤقتا كالبيع
فصل : وإن وهب أمة واستثنى ما في بطنها صح في قياس قول أحمد فيمن أعتق أمة واستثنى ما في بطنها لأنه تبرع بالأم دون ما في بطنها فأشبه العتق وبه يقول في العتق النخعي و إسحاق و أبو ثور وقال أصحاب الرأي : تصح الهبة ويبطل الاستثناء ولنا أنه لم يهب الولد فلم يملك الموهوب له كالمنفصل وكالموصى به
فصل : وإذا كان له في ذمة إنسان دين فوهبه له أو أبرأه منه أو أحله منه صح وبرئت ذمة الغريم منه وإن رد ذلك فلم يقبله لأنه إسقاط فلم يفتقر إلى القبول كإسقاط القصاص والشفعة وحد القذف وكالعتق والطلاق وإن قال تصدقت به عليك صح فإن القرآن ورد في الإبراء بلفظ الصدقة بقول الله تعالى { ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } وإن قال عفوت لك عنه صح لأن الله تعالى قال { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } يعني به الإبراء من الصداق وإن قال أسقطته عنك صح لأنه أتى بحقيقة اللفظ الموضوع له وإن قال ملكتك إياه صح لأنه بمنزلة هبته إياه
فصل : فإن وهب الدين لغير من هو في ذمته أو باعه إياه لم يصح وبه قال في البيع أبو حنيفة و الثوري و إسحاق قال أحمد إذا كان لك على رجل طعام قرضا فبعه من الذي هو عليه بنقد ولا تبعه من غيره نقد ولا نسيئة وإذا أقرضت رجلا دراهم أو دنانير فلا تأخذ من غيره عرضا بما لك عليه وقال الشافعي : إن كان الدين على معسر أو مماطل أو جاحد له لم يصح البيع لأنه معجوز عن تسليمه وإن كان على مليء باذل له ففيه قولان أحدهما : يصح لأنه ابتاع بمال ثابت في الذمة فصح كما لو اشترى في ذمته ويشترط أن يشتريه بعين أو يتقايضان في المجلس لئلا يكون بيع دين بدين
ولنا أنه غير قادر على تسليمه فلم يصح كبيع الآبق فأما هبته فيحتمل أن لا تصح كالبيع ويحتمل أن تصح لأنه لا غرر فيها على المتهب ولا الواهب فصح كهبة الأعيان
فصل : تصح البراءة من المجهول إذا لم يكن لهما سبيل إلى معرفته وقال أبو حنيفة : تصح مطلقا وقال الشافعي لا تصح إلا أنه إذا أراد ذلك قال أبرأتك من درهم إلى ألف لأن الجهالة إنما منعت لأجل الغرر فإذا رضي بالجملة فقد زال الغرر وصحت البراءة
ولنا [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لرجلين اختصما إليه في مواريث درست اقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحالا ] رواه أبو داود ولأنه إسقاط فصح في المجهول كالعتاق والطلاق وكما لو قال من درهم إلى ألف ولأن الحاجة داعية إلى تبرئة الذمة ولا سبيل إلى العلم بما فيها فلو وقفت صحة البراءة على العلم لكان سدا لباب عفو الإنسان عن أخيه المسلم وتبرئة ذمته فلم يجز ذلك كالمنع من العتق وأما إن كان من عليه الحق يعلمه ويكتمه المستحق خوفا من أنه إذا علمه لم يسمح بإبرائه منه فينبغي أن لا تصح البراءة فيه لأن فيه تغريرا بالمشتري وقد أمكن التحرز منه وقال أصحابنا لو أبرأه من مائة وهو يعتقد أنه لا شيء له عليه وكان له عليه مائة ففي صحة البراءة وجهان أحدهما : صحتها لأنها صادفت ملكه فأسقطته كما لو علمها والثاني : لا تصح لأنه أبرأه مما لا يعتقد أنه عليه فلم يكن ذلك إبراء في الحقيقة وأصل الوجهين ما لو باع مالا كان لموروثه يعتقد أنه باق لموروثه وكان موروثه قد مات وانتقل ملكه إليه فهل يصح ؟ فيه وجهان و للشافعي قولان في البيع وفي صحة الإبراء وجهان

مسألة وفصلان : بيان من يقبض الهبة للصبي وهبة الصبي لغيره
مسألة : قال : ويقبض للطفل أبوه أو وصيه أو الحاكم أو أمينه بأمره
وجملة ذلك أن الطفل لا يصح قبضه لنفسه ولا قبوله لأنه ليس من أهل التصرف ووليه يقوم مقامه في ذلك فإن كان له أب أمين فهو وليه لأنه أشفق عليه وأقرب إليه وإن مات أبوه الأمين وله وصي فوليه وصيه لأن الأب أقامه مقام نفسه فجرى مجرى وكيله وإن كان الأب غير مأمون لفسق أو جنون أو مات عن غير وصي فأمينه الحاكم ولا يلي ماله غير هؤلاء الثلاثة وأمين الحاكم يقوم مقامه وكذلك وكيل الأب والوصي فيقوم كل واحد منهم مقام الصبي في القبول والقبض إن احتيج إليه لأن ذلك قبول لما للصبي فيه حظ فكان إلى الولي كالبيع والشراء ولا يصح القبض والقبول من غير هؤلاء قال أحمد في رواية صالح في صبي وهبت له هبة أو تصدق عليه بصدقة فقبضت الأم ذلك وأبوه حاضر فقال لا أعرف للأم قبضا ولا يكون إلا الأب وقال عثمان رضي الله عنه : أحق من يحوز على الصبي أبوه وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا لأن القبض إنما يكون من المتهب أو نائبه والولي نائب بالشرع فصح قبضه له أما غيره فلا نيابه له ويحتمل أن يصح القبض والقبول من غيرهم عند عدمهم لأن الحاجة داعية إلى ذلك فإن الصبي قد يكون في مكان لا حاكم فيه وليس له أب ولا وصي ويكون فقيرا لا غنى به عن الصدقات فإن لم يصح قبض غيرهم له انسد باب وصولها إليه فيضيع ويهلك ومراعاة حفظه عن الهلاك أولى من مراعاة الولاية فعلى هذا للأم القبض له وكل من يليه من أقاربه وغيرهم وإن كان الصبي مميزا فحكمه حكم الطفل في قيام وليه مقامه لأن الولاية لا تزول عنه قبل البلوغ إلا أنه إذا قبل لنفسه وقبض لها صح لأنه من أهل التصرف فإنه يصح بيعه وشراؤه بإذن الولي فههنا أولى ولا يحتاج إلى إذن الولي ههنا لأنه محض مصلحة ولا ضرر فيه فصح من غير إذن وليه كوصيته وكسب المباحات ويحتمل أن يقف صحة القبض منه على إذن وليه دون القبول لأن القبض يحصل به مستوليا على المال فلا يؤمن تضييعه له وتفريطه فيه فيتعين حفظه عن ذلك بوقفه على إذن وليه كقبضه لوديعته وأما القبول فيحصل له به الملك من غير ضرر فجاز من غير إذن كاحتشاشه واصطياده
فصل : فإن وهب الأب لابنه شيئا قام مقامه في القبض والقبول إن احتيج إليه قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا وهب لولده الطفل دارا بعينها أو عبدا بعينه وقبضه له من نفسه وأشهد عليه أن الهبة تامة هذا قول مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وروينا معنى ذلك عن شريح وعمر بن عبد العزيز ثم إن كان الموهوب مما يفتقر إلى قبض اكتفى بقوله قد وهبت هذا لابني وقبضته له لأنه يغني عن القبول كما ذكرنا ولا يغني قوله قد قبلته لأن القبول لا يغني عن القبض وإن كان مما لا يفتقر اكتفى بقوله قد وهبت هذا لابني ولا يحتاج إلى ذكر قبض ولا قبول قال ابن عبد البر أجمع الفقهاء على أن هبة الأب لابنه الصغير في حجره لا يحتاج إلى قبض وأن الاشهاد فيها يغني عن القبض وأن وليها أبوه لما رواه مالك عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان قال : من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يجوز نحلة فأعلن ذلك وأشهد على نفسه فهي جائزة وإن وليها أبوه وقال القاضي لا بد في هبة الولد من أن يقول قد قبلته وهذا مذهب الشافعي لأن الهبة عندهم لا تصح إلا بإيجاب وقبول وقد ذكرنا من قبل أن قرائن الأحوال ودلالتها تغني عن لفظ القبول ولا أدل على القبول من كون القابل هو الواهب فاعتبار لفظ لا يفيد معنى من غير ورود الشرع به تحكم لا معنى له مع مخالفته لظاهر حال النبي صلى الله عليه و سلم وصحابته وليس هذا مذهبا ل أحمد فقد قال في رواية حرب في رجل أشهد بسهم من ضيعته وهي معروفة لابنه وليس له ولد غيره فقال أحب إلي أن يقول عند الإشهاد قد قبضته له قيل له فإن سها ؟ فقال إذا كان مفرزا رجوت فقد ذكر أحمد أنه يكتفى بقوله قد قبضته له وأنه يرجو أن يكتفى مع التمييز بالإشهاد فحسب وهذا موافق للإجماع المذكور عن سائر العلماء وقال بعض أصحابنا يكتفى بأحد لفظين إما أن يقول قد قبلته أو قد قبضته لأن القبول يغني عن القبض وظاهر كلام أحمد ما ذكرناه ولا فرق بين الاثمان وغيرها فيما ذكرنا وبه يقول أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك : إن وهب له مالا يعرف بعينه كالاثمان لم يجز إلا أن يضعها على يد غيره لأن الأب قد يتلف ذلك ويتلف بعير سببه ولا يمكن أن يشهد على شيء بعينه فلا ينفع القبض شيئا
ولنا أن ذلك مما لا تصح هبته فإذا وهبه لابنه الصغير وقبضه له وجب أن تصح كالعروض
فصل : وإن كان الواهب للصبي غير الأب من أوليائه فقال أصحابنا لا بد من أن يوكل من يقبل للصبي ويقبض له ليكون الإيجاب منه والقبول والقبض من غيره كما في البيع بخلاف الأب فإنه يجوز أن يوجب ويقبل ويقبض لكونه يجوز أن يبيع لنفسه والصحيح عندي أن الأب وغيره في هذا سواء لأنه عقد يجوز أن يصدر منه ومن وكيله فجاز له أن يتولى طرفيه كالأب وفارق البيع فإنه لا يجوز أن يوكل من يشتري له ولأن البيع عقد معاوضة ومرابحة فيتهم في عقده لنفسه والهبة محض مصلحة لا تهمة فيها وهو ولي فيه فجاز أن يتولى طرفي العقد كالأب ولأن البيع إنما منع منه لما يأخذه من العوض لنفسه من مال الصبي وهو ههنا يعطي ولا يأخذ فلا وجه لمنعه من ذلك وتوقيفه على توكيل غيره ولأننا قد ذكرنا أنه يستغنى بالإيجاب والاشهاد إلى القبض والقبول فلا حاجة إلى التوكيل فيهما مع غناه عنهما
فصل : فأما الهبة من الصبي لغيره فلا تصح سواء أذن فيها الولي أو لم يأذن لأنه محجور عليه لحظ نفسه فلم يصح تبرعه كالسفيه وأما العبد فلا يجوز أن يهب إلا بإذن سيده لأنه مال لسيده وماله مال لسيده فلا يجوز له إزالة ملك سيده عنه بغير إذنه كالأجنبي وله أن يقبل الهبة بغير إذن سيده نص عليه أحمد لأنه تحصيل للمال للسيد فلم يعتبر إذنه فيه كالالتقاط وما وهبه لسيده لأنه من اكتسابه فأشيه اصطياده

مسألة وفصلان : المفاضلة أو التخصيص بين الأولاد وحكمها
مسألة : قال : وإذا فاضل بين ولده في العطية أمر برده كما أمر النبي صلى الله عليه و سلم
وجملة ذلك أنه يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل فإن خص بعضهم بعطيته أو فاضل بينهم فيها إثم ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين إما رد ما فضل به البعض وإما إتمام نصيب الآخر قال طاوس لا يجوز ذلك ولا رغيف محترق وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد و عروة وكان الحسن يكرهه ويجيزه في القضاء وقال مالك و الليث و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي : ذلك جائز وروي معنى ذلك عن شريح وجابر بن زيد والحسن بن صالح لأن أبا بكر رضي الله عنه نحل عائشة ابنته جذاد عشرين وسقا دون سائر ولده واحتج الشافعي ب [ قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث النعمان بن بشير أشهد على هذا غيري ] فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها ولأنها عطية تلزم بموت الأب فكانت جائزة كما لو سوى بينهم
ولنا ما [ روى النعمان بن بشير قال : تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء أبي رسول الله صلى الله عليه و سلم ليشهده على صدقته فقال أكل ولدك أعطيت مثله ؟ قال لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة ] وفي لفظ قال فاردده وفي لفظ قال فأرجعه وفي لفظ لا تشهدني على جور وفي لفظ فأشهد على هذا غيري وفي لفظ سو بينهم وهو حديث صحيح متفق عليه وهو دليل على التحريم لأنه سماه جورا وأمر برده وامتنع من الشهادة عليه والجور حرام والأمر يقتضي الوجوب ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها وقول أبي بكر لا يعارض قول النبي صلى الله عليه و سلم ولا يحتج به معه ويحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه خصها بعطيته لحاجتها وعجزها عن الكسب والتسبب فيه مع اختصاصها بفضلها وكونها أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم وغير ذلك من فضائلها ويحتمل أن يكون قد نحلها ونحل غيرها من ولده أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه لأن حمله على مثل محل النزاع منهي عنه وأقل أحواله الكراهة والظاهر من حال أبي بكر اجتناب المكروهات وقول النبي صلى الله عليه و سلم : فأشهد على هذا غيري ليس بأمر لأن أدنى أحوال الأمر الاستحباب والندب ولا خلاف في كراهة هذا وكيف يجوز أن يأمره بتأكيده مع أمره برده وتسميته إياه جورا وحمل الحديث على هذا حمل لحديث النبي صلى الله عليه و سلم على التناقض والتضاد ولو أمر النبي صلى الله عليه و سلم بإشهاد غيره امتثل بشير أمره ولم يرده وإنما هذا تهديد له على هذا فيفيد ما أفاده النهي عن إتمامه والله أعلم
فصل : فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف : لا بأس به إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والعطية في معناه ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل والتخصيص على كل حال لكون النبي صلى الله عليه و سلم لم يستفصل بشيرا في عطيته والأول أولى إن شاء الله لحديث أبي بكر ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية فجاز أن يختص بها كما لو اختص القرابة وحديث بشير قضية في عين لا عموم لها وترك النبي صلى الله عليه و سلم الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال فإن قيل لو علم بالحال لما قال : ألك ولد غيره ؟ قلنا يحتمل أن يكون السؤال ههنا لبيان العلة كما [ قال عليه السلام للذي سأله عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس ؟ قال نعم قال فلا إذا ] وقد علم أن الرطب ينقص لكن نبه السائل بهذا على علة المنع من البيع كذا ههنا
فصل : ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية وكراهة التفضيل قال إبراهيم : كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبل إذا ثبت هذا فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وبهذا قال عطاء و شريح و إسحاق و محمد بن الحسن قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده : ارددهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه وقال عطاء : ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و ابن المبارك : تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لبشير بن سعيد : ( سو بينهم ) وعلل ذلك بقوله : أيسرك أن يستووا في برك ؟ قال نعم قال فسو بينهم والبنت كالابن في استحقاق برها وكذلك في عطيتها وعن ابن عباس قال قال رسول الله : [ سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا لآثرت النساء على الرجال ] رواه سعيد في سننه ولأنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة
ولنا أن الله تعالى قسم بينهم فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وأولى ما اقتدي بقسمة الله ولأن العطية في الحياة أحد حالي العطية فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين كحالة الموت يعني الميراث يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت فينبغي أن تكون على حبسه كما أن معجل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها وكذلك الكفارات المعجلة ولأن الذكر أحوج من الأنثى من قبل أنهما إذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر والأنثى لها ذلك فكان أولى بالتفضيل لزيادة حاجته وقد قسم الله تعالى الميراث ففضل الذكر مقرونا بهذا المعنى فتعلل به ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة وحديث بشير قضية في عين وحكاية حال لا عموم لها وإنما ثبت حكمها فيما ماثلها ولا نعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى أو لا ؟ ولعل النبي صلى الله عليه و سلم قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه وكذلك الحديث الآخر ودليل ذلك قول عطاء : ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى وهذا خبر عن جميعهم على أن الصحيح من خبر ابن عباس أنه مرسل

فصل : عدم وجوب التسوية بين الأقارب في العطية
فصل : وليس عليه التسوية بين سائر أقاربه ولا إعطاؤهم على قدر مواريثهم سواء كانوا من جهة واحدة كإخوة وأخوات وأعمام وبني عم أو من جهات كبنات وأخوات وغيرهم وقال أبو الخطاب : المشروع في عطية الأولاد وسائر الأقارب أن يعطيهم على قدر ميراثهم فإن خالف وفعل فعليه أن يرجع ويعمهم بالنحلة لأنهم في معنى الأولاد فثبت فيهم مثل حكمهم
ولنا أنها عطية لغير الأولاد في صحته فلم تجب عليه التسوية كما لو كانوا غير وارثين ولأن الأصل إباحة تصرف الإنسان في ماله كيف شاء وإنما وجبت التسوية بين الأولاد بالخبر وليس غيرهم في معناهم لأنهم استووا في وجوب بر والدهم فاستووا في عطيته وبهذا علل النبي صلى الله عليه و سلم حين قال أيسرك أن يستووا في برك ؟ قال نعم قال فسو بينهم ولم يوجد هذا في غيرهم ولأن للوالد الرجوع فيما أعطى ولده فيمكنه أن يسوي بينهم باسترجاع ما أعطاه لبعضهم ولا يمكن ذلك في غيرهم ولأن الأولاد لشدة محبة الوالد لهم وصرف ماله إليهم عادة يتنافسون في ذلك ويشتد عليهم تفضيل بعضهم ولا يساويهم في ذلك غيرهم فلا يصح قياسه عليهم ولا نص في غيرهم ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قد علم لبشير زوجة ولم يأمره بإعطائها شيئا حين أمره بالتسوية بين أولاده ولم يسأله هل لك وارث غير ولدك ؟

فصول : والأم كالأب في المنع من المفاضلة بين الأولاد والرجوع بالهبة ولا فرق بين الهبة والصدقة
فصل : والأم في المنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ] ولأنها أحد الوالدين فمنعت التفضيل كالأب ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والعداوة يوجد مثله في تخصيص الأم بعض ولدها فثبت لها مثل حكمه في ذلك
فصل : وقول الخرقي : أمر برده يدل على أن للأب الرجوع فيما وهب لولده وهو ظاهر مذهب أحمد سواء قصد برجوعه التسوية بين الأولاد أو لم يرد وهذا مذهب مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبي ثور وعن أحمد رواية أخرى ليس له الرجوع فيها وبها قال أصحاب الرأي و الثوري و العنبري لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ العائد في هبته كالعائد في قيئه ] متفق عليه وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال من وهب هبة يرى أنه أراد بها صلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها رواه مالك في الموطأ ولأنها هبة يحصل بها الأجر من الله تعالى فلم يجز الرجوع فيها كصدقة التطوع
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم لبشير بن سعد فاردده وروي فارجعه رواه كذلك مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن النعمان فأمره بالرجوع في هبته وأقل أحوال الأمر الجواز وقد امتثل بشير بن سعيد في ذلك فرجع في هبته لولده ألا تراه قال في الحديث : فرجع أبي فرد تلك الصدقة وحمل الحديث على أنه لم يكن أعطاه شيئا يخالف ظاهر الحديث لقوله تصدق علي أبي بصدقة وقول بشير إني نحلت ابني غلاما يدل على أنه كان قد أعطاه وقول النبي صلى الله عليه و سلم فاردده وقوله فارجعه وروى طاوس عن ابن عمر وابن عباس يرفعان الحديث إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ ليس لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ] رواه الترمذي وقال حديث حسن وهذا يخص عموم ما رووه ويفسره وقياسهم منقوض بهبة الأجنبي فإن فيها أجرا وثوابا فإن النبي صلى الله عليه و سلم ندب إليها وعندهم له الرجوع فيها والصدقة على الولد كمسألتنا وقد دل حديث النعمان بن بشير على الرجوع في الصدقة لقوله : تصدق علي أبي بصدقة
فصل : وظاهر كلام الخرقي أن الأم كالأب في الرجوع في الهبة لأن قوله وإذا فاضل بين أولاده يتناول كل والد ثم قال في سياقه : أمر برده فيدخل فيه الأم وهذا مذهب الشافعي لأنها داخلة في قوله إلا الوالد فيما يعطي ولده ولأنها لما دخلت في قول النبي [ سووا بين أولادكم ] ينبغي أن يتمكن من التسوية والرجوع في الهبة طريق في التسوية وربما تعين طريقا فيها إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطية الأول ولأنها لما دخلت في المعنى في حديث بشير بن سعيد فينبغي أن تدخل في جميع مدلوله لقوله فاردده وقوله فارجعه ولأنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضله به تخليصا لها من الإثم وإزالة للتفضيل المحرم كالأب والمنصوص عن أحمد أنه ليس لها الرجوع قال الأثرم قلت لأبي عبد الله الرجوع للمرأة فيما أعطته ولدها كالرجل ؟ قال ليس هي عندي في هذا كالرجل لأن للأب أن يأخذ من مال ولده والأم لا تأخذ وذكر حديث عائشة : [ أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه ] أي كأنه الرجل قال أصحابنا والحديث حجة لنا فإنه خص الوالد وهو بإطلاقه إنما يتناول الأب دون الأم والفرق بينهما أن للأب ولاية على ولده ويجوز جميع المال في الميراث والأم بخلافه وقال مالك للأم الرجوع في هبة ولدها ما كان أبوه حيا فإن كان ميتا فلا رجوع لها لأنها هبة ليتيم وهبة اليتيم لازمة كصدقة التطوع ومن مذهبه أنه لا يرجع في صدقة التطوع
فصل : ولا فرق فيما ذكرنا بين الهبة والصدقة وهو قول الشافعي وفرق مالك وأصحاب الرأي بينهما فلم يجيزوا الرجوع في الصدقة بحال واحتجوا بحديث عمر من وهب هبة وأراد بها صلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع
ولنا حديث النعمان بن بشير فإنه قال تصدق علي أبي بصدقة وقال فرجع أبي فرد تلك الصدقة وأيضا عموم قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إلا الوالد فيما يعطي ولده ] وهذا يقدم على قول عمر ثم هو خاص في الوالد وحديث عمر عام فيجب تقديم الخاص

فصول : شروط الرجوع في الهبة
فصل : وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة أحدها : أن تكون باقية في ملك الابن فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو إرث أو غير ذلك لم يكن له الرجوع فيها لأنه إبطال لملك غير الوالد وإن عادت إليه بسبب جديد كبيع أو هبة أو وصية أو إرث ونحو ذلك لم يملك الرجوع فيها لأنها عادت بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه فلا يملك فسخه وإزالته كالذي لم يكن موهوبا له وإن عادت إليه بفسخ البيع لعيب أو إقاله أو فلس المشتري ففيه وجهان أحدهما : يملك الرجوع لأن السبب المزيل ارتفع وعاد الملك بالسبب الأول فأشبه ما لو فسخ البيع بخيار المجلس أو خيار الشرط والثاني : لا يملك الرجوع لأن الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عليه فأشبه ما لو عاد إليه بهبة فأما إن عاد إليه للفسخ بخيار الشرط أو خيار المجلس فله لرجوع لأن الملك لم يستقر عليه
فصل : الثاني : أن تكون العين باقية في تصرف الولد بحيث يملك التصرف في رقبتها فإن استولد الأمة لم يملك الأب الرجوع فيها لأن الملك فيها لا يجوز نقله إلى غير سيدها وإن رهن العين أو أفلس وحجر عليه لم يملك الأب الرجوع فيها لأن في ذلك إبطالا لحق غير الولد فإن زال المانع من التصرف فله الرجوع لأن ملك الابن لم يزل وإنما طرأ معنى قطع التصرف مع بقاء الملك فمنع الرجوع فإذا زال زال المنع والكتابة كذلك عند من لا يرى بيع المكاتب وهو مذهب الشافعي وجماعة سواه فأما من أجاز بيع المكاتب فحكمه حكم المستأجر والمزوج
وأما التدبير فالصحيح أنه لا يمنع البيع فلا يمنع الرجوع وإن قلنا يمنع البيع منع الرجوع وكل تصرف لا يمنع الابن التصرف في الرقبة كالوصية والهبة قبل القبض فيما يفتقر إليه والوطء والتزويج والإجارة والكتابة والتدبير إن قلنا لا يمنع البيع والمزارعة عليها وجعلها مضاربة أو في عقد شركة فكل ذلك لا يمنع الرجوع لأنه لا يمنع تصرف الابن في رقبتها وكذلك العتق المعلق على صفة وإذا رجع وكان التصرف لازما كالإجارة والتزويج والكتابة فهو باق بحاله لأن الابن لا يملك إبطاله فكذلك من انتقل إليه وإن كان جائزا كالوصية والهبة قبل القبض بطل لأن الابن يملك إبطاله
وأما التدبير والعتق المعلق بصفة فلا يبقى حكمهما في حق الأب ومتى عاد إلى الابن عاد حكمهما فأما البيع الذي للابن فيه خيار إما لشرط أو عيب في الثمن أو غير ذلك فيمنع الرجوع لأن الرجوع يتضمن فسخ ملك الابن في عوض المبيع ولم يثبت له ذلك من جهته وإن وهبه الابن لابنه لم يملك الرجوع فيه لأن رجوعه إبطال لملك غير ابنه فإن رجع الابن في هبته احتمل أن يملك الأب الرجوع في هبته حينئذ لأنه فسخ هبته برجوعه فعاد إليه الملك بالسبب الأول ويحتمل أن لا يملك الأب الرجوع لأنه رجع إلى ابنه بعد استقرار ملك غيره عليه فأشبه ما لو وهبه ابن الابن لأبيه
فصل : الثالث : أن لا يتعلق بها رغبة لغير الولد فإن تعلقت بها رغبة لغيره مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته وأدانوه ديونا أو رغبوا في مناكحته فزوجوه إن كان ذكرا أو تزوجت الأنثى لذلك فعن أحمد روايتان أولاهما : ليس له الرجوع قال أحمد في رواية أبي الحارث في الرجل يهب لابنه مالا : فله الرجوع إلا أن يكون غربه قوما فإن غربه فليس له أن يرجع فيها وهذا مذهب مالك لأنه تعلق به حق غير الابن ففي الرجوع إبطال حقه وقد قال عليه السلام [ لا ضرر ولا ضرار ] وفي الرجوع ضرر ولأن في هذا تحيلا على إلحاق الضرر بالمسلمين ولا يجوز التحيل على ذلك والثانية : له الرجوع لعموم الخبر ولأن حق المتزوج والغريم لم يتعلق بعين هذا المال فلم يمنع الرجوع فيه
فصل : الرابع : أن لا تزيد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة فإن زادت فعن أحمد فيها روايتان إحداهما : لا تمنع الرجوع وهو مذهب الشافعي لأنها زيادة في الموهوب فلم تمنع الرجوع كالزيادة قبل القبض والمنفصلة والثانية : تمنع وهو مذهب أبي حنيفة لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم تنتقل إليه من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل لئلا يقتضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص ولأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب في عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح أو نصفه بالطلاق أو رجوع البائع في المبيع لفلس المشتري ويفارق الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزيادة وإن فرض الكلام فيما إذا باع عرضا بعرض فزاد أحدهما ووجد المشتري الآخر به عيبا قلنا بائع المبيع سلط مشتريه على الفسخ ببيعه المعيب فكان الفسخ وجد منه ولهذا قلنا فيما إذا فسخ الزوج النكاح لعيب المرأة قبل الدخول لا صداق لها كما لو فسخته وعلى هذا لا فرق بين الزيادة في العين كالسمن والطول ونحوهما أو في المعاني كتعلم الصناعة أو الكتابة أو القرآن أو علم أو إسلام أو قضاء دين عنه وبهذا قال محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة : الزيادة بتعليم القرآن وقضاء الدين عنه لا تمنع الرجوع
ولنا أنها زيادة لها مقابل من الثمن فمنعت الرجوع كالسمن وتعلم الصنعة وإن زاد ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع كسائر الزيادات وإن كانت زيادة العين أو التعلم لا يزيد في قيمته شيئا أو ينقص منها لم يمنع الرجوع لأن ذلك ليس بزيادة في المالية وأما الزيادة المنفصلة كولد البهيمة وثمرة الشجرة وكسب العبد فلا تمنع الرجوع بغير اختلاف نعلمه والزيادة للولد لأنها حادثة في ملكه ولا تتبع في الفسوخ فلا تتبع ههنا وذكر القاضي وجها آخر أنها للأب وهو بعيد فإن كانت الزيادة ولد أمة لا يجوز التفريق بينه وبين أمه منع الرجوع لأنه يلزم منه التفريق بينه وبين أمه وذلك محرم إلا أن نقول أن الزيادة المنفصلة للأب فلا يمنع الرجوع لأنه يرجع فيهما جميعا أو يرجع في الأم ويتملك الوالد من مال ولده
فصل : وإن قصر العين أو فصلها فلم تزد قيمتها لم تمنع الرجوع لأن العين لم تزد ولا القيمة وإن زادت قيمتها فهي زيادة متصلة هل تمنع الرجوع أو لا ؟ يبنى على الروايتين في السمنة ويحتمل أن تمنع هذه الزيادة الرجوع بكل حال لأنها حاصلة بفعل الابن فجرت مجرى العين الحاصلة بفعله بخلاف السمن فإنه يحتمل أن يكون للأب فلا يمنع الرجوع لأنه نماء العين فيكون تابعا لها وإن وهبه حاملا فولدت في يد الابن فهي زيادة متصلة في الولد ويحتمل أن يكون الولد زيادة منفصلة إذا قلنا الحمل لا حكم له وإن وهبه حاملا ثم رجع فيها حاملا جاز إذا لم تزد قيمتها وإن زادت قيمتها فهي زيادة منفصلة وإن وهبته حائلا فحملت فهي زيادة منفصلة وله الرجوع فيها دون حملها وإن قلنا إن الحمل لا حكم له فزادت به قيمتها فهي زيادة متصلة وإن لم تزد قيمتها جاز الرجوع فيها وإن وهبه نخلا فحملت فهي قبل التأبير زيادة متصلة وبعده زيادة منفصلة
فصل : وإن تلف بعض العين أو نقصت قيمتها لم يمنع الرجوع فيها ولا ضمان على الابن فيما تلف منها لأنها تتلف على ملكه وسواء تلف بفعل الابن أو بغير فعله وإن جنى العبد جناية تعلق أرشها برقبته فهو كنقصانه بذهاب بعض أجزائه وللأب الرجوع فيه فإن رجع فيه ضمن ارش الجناية وإن جنى على العبد فرجع الأب فيرجع الأب فيه فأرش الجناية عليه للابن لأنه بمنزلة الزيادة المنفصلة فإن قيل فلو أراد الأب الرجوع في الرهن وعليه فكاكه لم يملك ذلك فكيف ملك الرجوع في العبد الجاني إذا أدى أرش جنايته ؟ قلنا الرهن يمنع التصرف في العين بخلاف الجناية ولأن فك الرهن فسخ لعقد عقده الموهوب له وههنا لم يتعلق الحق به من جهة العقد فافتقرقا

فصل : كيفية الرجوع في الهبة
فصل : والرجوع في الهبة أن يقول قد رجعت فيها أو ارتجعتها أو ارتددتها أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع ولا يحتاج إلى حكم حاكم وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح الرجوع إلا بقضاء قاض لأن ملك الموهوب له مستقر
ولنا أنه خيار في فسخ عقد فلم يفتقر إلى قضاء كالفسخ بخيار الشرط فأما إن أخذ ما وهبه لولده فإن نوى به الرجوع كان رجوعا والقول قوله في نيته وإن لم يعلم هل نوى الرجوع أولا وكان ذلك بعد موت الأب فإن لم توجد قرينة تدل على الرجوع لم يحكم بكونه رجوعا لأن الأخذ يحتمل الرجوع وغيره فلا نزيل حكما يقينيا بأمر مشكوك فيه وإن اقترنت به قرائن دالة على الرجوع ففيه وجهان أحدهما : يكون رجوعا اختاره ابن عقيل لأننا اكتفينا في العقد بدلالة الحال ففي الفسخ أولى ولأن لفظ الرجوع إنما كان رجوعا لدلالته عليه فكذلك كل ما دل عليه والآخر لا يكون رجوعا وهو مذهب الشافعي لأن الملك ثابت للموهوب له يقينا فلا يزول إلا بالصريح ويمكن أن يبنى هذا على نفس العقد فمن أوجب الإيجاب والقبول فيه لم يكتف ههنا إلا بلفظ يقتضي زواله ومن اكتفى في العقد بالمعاطاة الدالة على الرضا به فههنا أولى وإن نوى الرجوع من غير فعل ولا قول لم يحصل الرجوع وجها واحدا لأنه إثبات الملك على مال مملوك لغيره فلم يحصل بمجرد النية كسائر العقود وإن علق الرجوع بشرط فقال إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت في الهبة لم يصح لأن الفسخ للعقد لا يقف على شرط كما لا يقف العقد عليه

مسألة : فإن مات ولم يردد الرجوع فقد ثبت لمن وهب
مسألة : فإن مات ولم يردده فقد ثبت لمن وهب له إذا كان ذلك في صحته
يعني إذا فاضل بين ولده في العطايا أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ويلزم وليس لبقية الورثة الرجوع هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم و الميمومني وهو اختيار الخلال وصاحبه أبي بكر وبه قال مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وفيه رواية أخرى عن أحمد أن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه اختاره ابن بطة و أبو حفص العكبريان وهو قول عروة بن الزبير وإسحاق وقال أحمد عروة قد روى الأحاديث الثلاثة حديث عائشة وحديث عمر وحديث عثمان وتركها وذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه و سلم [ يرد في حياة الرجل وبعد موته ] وهذا قول إسحاق إلا أنه قال إذا مات الرجل فهو ميراث بينهم لا يسع أن ينتفع أحد بما أعطي دون إخوته وأخواته لأن النبي صلى الله عليه و سلم سمى ذلك جورا بقوله [ لا تشهدني على جور ] والجور حرام لا يحل للفاعل فعله ولا للمعطى تناوله والموت لا يغيره عن كونه جورا حراما فيجب رده ولأن أبا بكر وعمر أمرا قيس بن سعد أن يرد قسمة أبيه حين ولد له ولد ولم يكن علم به ولا أعطاه شيئا وكان ذلك بعد موت سعد فروى سعيد بإسناده من طريقين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده وخرج إلى الشام فمات بها ثم ولد بعد ذلك ولد فمشى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى قيس بن سعد فقالا أن سعدا قسم ماله ولم يدر ما يكون وإنا نرى أن ترد هذه القسمة فقال قيس لم أكن لأغير شيئا صنعه سعد ولكن نصيبي له وهذا معنى الخبر ووجه القول الأول قول أبي بكر رضي الله عنه لعائشة لما نحلها نحلا وددت لو أنك كنت حزتيه فدل على أنها لو كانت حازته لم يكن له الرجوع وكذلك قول عمر لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد وقوله إذا كان ذلك في صحته يدل على أن عطيته في مرض موته لبعض ورثته لا تنفذ لأن العطايا في مرض الموت بمنزلة الوصية في أنها تعتبر من الثلث إذا كانت لأجنبي إجماعا فكذلك لا تنفذ في حق الوارث قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب حكم الوصايا هذا مذهب المديني و الشافعي والكوفي فإن أعطى أحد بنيه في صحته ثم أعطى الآخر في مرضه فقد توقف أحمد فيه فإنه سئل عمن زوج ابنه فأعطى عنه الصداق ثم مرض الأب وله ابن آخر هل يعطيه في مرضه كما أعطى الآخر في صحته فقال لو كان أعطاه في صحته فيحتمل وجهين أحدهما : لا يصح لأن عطيته في مرضه كوصيته ولو وصى له لم يصح فكذلك إذا أعطاه والثاني : يصح لأن التسوية بينهما واجبة ولا طريق لها في هذا الموضع إلا بعطية الآخر فتكون واجبة فتصح كقضاء دينه

فصل : استحباب ترك القسمة بين الأولاد على فريضة الله
فصل : قال أحمد : أحب أن لا يقسم ماله ويدعه على فرائض الله تعالى لعله أن يولد له فإن أعطى ولده ماله ثم ولد له ولد فأعجب إلي أن يرجع فيسوي بينهم يعني يرجع في الجميع أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد منهم ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث ليساوي إخوته فإن كان هذا الولد الحادث بعد الموت لم يكن له الرجوع على إخوته لأن العطية لزمت بموت أبيه إلا على الرواية الأخرى التي ذهب إليها أبو عبد الله بن بطة ولا خلاف في أنه يستحق لمن أعطي أن يساوي أخاه في عطيته ولذلك أمر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قيس بن سعد برد قسمة أبيه ليساووا المولود الحادث بعد موت أبيه

فصل : وللأب أن يأخذ من مال ولده
فصل : وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرطين أحدهما : أن لا يجحف بالابن ولا يضر به ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته الثاني : أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى
وقد روي أن مسروقا زوج ابنته بصداق عشرة آلاف فأخذها وأنفقها في سبيل الله وقال للزوج : جهز امرأتك وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي : ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ] متفق عليه وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ كل أحد أحق بكسبه من والده وولده والناس أجمعين ] رواه سعيد في سننه وهذا نص وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه ] رواه الدارقطني ولأن ملك الابن تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته
ولنا ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم ] أخرجه سعيد و الترمذي وقال حديث حسن وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : [ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن أبي اجتاح مالي فقال أنت ومالك لأبيك ] رواه الطبراني في معجمه مطولا ورواه غيره وزاد [ إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم ] وروى محمد بن المنكدر والمطلب بن حنطب قال : [ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن لي مالا وعيالا ولأبي مال وعيال وأبي يريد أن يأخذ مالي فقال النبي صلى الله عليه و سلم أنت ومالك لأبيك ] أخرجه سعيد في سننه ولأن الله تعالى جعل الولد موهوبا لأبيه فقال : { ووهبنا له إسحاق ويعقوب } وقال : { ووهبنا له يحيى } وقال زكريا : { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } وقال إبراهيم { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } وما كان موهوبا له كان له أخذ ماله كعبده
وقال سفيان بن عيينة في قوله { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم } ثم ذكر بيوت سائر القرابات إلا الأولاد لم يذكرهم لأنهم دخلوا في قوله : { بيوتكم } فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم لم يذكر بيوت أولادهم ولأن الرجل يلي مال ولده من غير تولية فكان له التصرف فيه كمال نفسه وأما أحاديثهم فأحاديثنا تخصها وتفسرها فإن النبي صلى الله عليه و سلم جعل مال الابن مالا لأبيه بقوله [ أنت ومالك لأبيك ] فلا تنافي بينهما وقوله [ أحق به من والده وولده ] مرسل ثم هو يدل على ترجيح حقه على حقه لا على نفي الحق بالكلية والولد أحق من الوالد بما تعلقت به حاجته

فصل : وليس للولد مطالبة أبيه بدين عليه
فصل : وليس للولد مطالبة أبيه بدين عليه وبه قال الزبير بن بكار وهو مقتضى قول سفيان بن عيينة وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي : له ذلك لأنه دين ثابت فجازت المطالبة كغيره
ولنا أنا رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال : [ أنت ومالك لأبيك ] رواه أبو محمد الخلال بإسناده وروى الزبير بن بكار في كتاب الموفقيات بإسناده أن رجلا استقرض من ابنه مالا فحبسه فأطال حبسه فاستعدى عليه الابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر قصته في شعر فأجابه أبوه بشعر أيضا فقال علي رضي الله عنه
( قد سمع القاضي ومن ربى الفهم ... المال للشيخ جزاء بالنعم )
( يأكله برغم أنف من رغم ... من قال قولا غير ذا فقد ظلم )
( وجار في الحكم وبئس ما جرم )
قال الزبير : إلى هذا نذهب ولأن المال أحد نوعي الحقوق فلم يملك مطالبة أبيه بها كحقوق الأبدان ويفارق الأب غيره بما ثبت له من الحق على ولده وإن مات الابن فانتقل الدين إلى ورثته لم يملكوا مطالبة الأب به لأن موروثهم لم يكن له المطالبة فهم أولى وإن مات الأب رجع الابن في تركته بدينه لأن دينه لم يسقط عن الأب وإنما تأخرت المطالبة وقد روي عن أحمد أنه قال إذا مات الأب بطل دين الابن
وقال فيمن أخذ من مهر ابنته شيئا فأنفقه فليس عليه شيء ولا يؤخذ من بعده وما أصابت من المهر من شيء بعينه أخذته وتأول بعض أصحابنا كلامه على أن له ما أخذه على سبيل التمليك ويحتمل أن يكون أخذه له وإنفاقه إياه دليلا على قصد التملك فيثبت الملك بذلك الأخذ والله أعلم

فصول : أحكام تصرف الأب في مال ابنه قبل تملكه
فصل : وإن تصرف الأب في مال الابن قبل تملكه لم يصح تصرفه نص عليه أحمد فقال لا يجوز عتق الأب لعبد ابنه ما لم يقبضه فعلى هذا لا يصح إبراؤه من دينه ولا هبته لماله ولا بيعه له وذلك لأن ملك الابن تام على مال نفسه يصح تصرفه فيه ويحل له وطء جواريه ولو كان الملك مشتركا لم يحل له الوطء كما لا يجوز وطء الجارية المشتركة وإنما للأب انتزاعه منه كالعين التي وهبها إياه فقبل انتزاعها لا يصح تصرفه لأنه يتصرف في ملك غيره بغير ولاية وإن كان الابن صغيرا لم يصح أيضا لأنه لا يملك التصرف بما لا حظ للصغير فيه وليس من الحظ إسقاط دينه وعتق عبده وهبة ماله
فصل : قال أحمد بين الرجل وبين ولده ربا لما ذكرناه من أن ملك الابن على ماله تام وقال : لا يطأ جارية الابن إلا أن يقبضها يعني يتملكها وذلك لأنه إذا وطئها قبل تملكها فقد وطئها وليست زوجة ولا ملك يمين وإن تملكها لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها لأنه ابتداء ملك فوجب الاستبراء فيه كما لو اشتراها وإن كان الابن قد وطئها لم تحل له بحال وإن وطئها قبل تملكه كان محرما من وجهين أحدهما : أنه وطئها قبل ملكها والثاني : أنه وطئها قبل استبرائها وإن كان الابن وطئها حرمت بوجه ثالث وهي أنها صارت بمنزلة حليلة ابنه فإن فعل فلا حد عليه لشبهة الملك فإن النبي صلى الله عليه و سلم أضاف مال الولد إلى أبيه فقال [ أنت ومالك لأبيك ] وإن ولدت منه صارت أم ولد له وولده حر لأنه من وطء انتفى عنه الحد للشبهة وتصير أم ولد وليس للابن مطالبته بشيء من قيمتها ولا قيمة ولدها ولا مهرها وهل يعزر ؟ يحتمل وجهين أحدهما : يعزر لأنه وطئ وطأ محرما أشبه ما لو وطئ جارية مشتركة بينه وبين غيره والثاني : لا يعزر لأنه لا يقتص منه بالجناية على ولده فلا يعزر بالتصرف في ماله
فصل : وليس لغير الأب الأخذ من مال غيره بغير إذنه لأن الخبر ورد في الأب بقوله [ أنت ومالك لأبيك ] ولا يصح قياس غير الأب عليه لأن للأب ولاية على ولده وماله إذا كان صغيرا وله شفقة تامة وحق متأكد ولا يسقط ميراثه بحال والأم لا تأخذ لأنها لا ولاية لها والجد أيضا لا يلي على مال ولد ابنه وشفقته قاصرة عن شفقة الأب ويحجب به في الميراث وفي ولاية النكاح وغيرها من الأقارب والأجانب ليس لهم الأخذ بطريق التنبيه لأنه إذا امتنع الأخذ في حق الأم والجد مع مشاركتهما للأب في بعض المعاني فغيرهما مما لا يشارك الأب في ذلك أولى

مسألة : قال : ولا يحل لواهب أن يرجع في هبته ولا لمهد في هديته
مسألة : قال : ولا يحل لواهب أن يرجع في هبته ولا لمهد أن يرجع في هديته وإن لم يثب عليها :
يعني وإن لم يعوض عنها وأراد من عدا الأب لأنه قد ذكر أن للأب الرجوع بقوله أمر برده فأما غيره فليس له الرجوع في هبته ولا هديته وبهذا قال الشافعي و أبو ثور وقال النخعي و الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع ما لم يثب عليها ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه واحتجوا بما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها ] رواه ابن ماجة في سننه وبقول عمر ولأنه لم يحصل له عنها عوض فجاز له الرجوع فيها كالعارية
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ العائد في هبته كالعائد في قيئه ] وفي لفظ [ كالكلب يعود في قيئه ] وفي رواية [ إنه ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ] متفق عليه وأيضا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ ليس لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ] وقد ذكرناه وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال [ لا يرجع واهب في هبته إلا الوالد فيما يعطي ولده ] ولأنه واهب لا ولاية له في المال فلم يرجع في هبته كذي الرحم المحرم وأحاديثنا أصح من أحاديثهم وأولى وقول عمر قد روي عن ابنه وابن عباس خلافه وأما العارية فإنما هي هبة المنافع ولم يحصل القبض فيها فإن قبضها باستيفائها فنظير مسألتنا ما استوفى من منافع العارية فإنه لا يجوز الرجوع فيها

فصول : لا رجوع لما وهبه الإنسان لذوي رحمه وكذلك المتصدق في صدقته
فصل : فحصل الاتفاق على أن وهبه الإنسان لذوي رحمه غير ولده لا رجوع فيه وكذلك ما وهب الزوج لامرأته والخلاف فيما عدا هؤلاء فعندنا لا يرجع إلا الوالد وعندهم لا يرجع إلا الأجنبي فأما هبة المرأة لزوجها فعن أحمد فيه روايتان إحداهما : لا رجوع لها فيها وهذا قول عمر بن عبد العزيز و النخعي و ربيعة و مالك و الثوري و الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي وهو قول عطاء و قتادة والثانية : لها الرجوع قال الأثرم سمعت أحمد يسأل عن المرأة تهب ثم ترجع فرأيته يجعل النساء غير الرجال ثم ذكر الحديث [ إنما يرجع في المواهب النساء وشرار الأقوام ] وذكر حديث عمر : [ إن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة وأيما امرأة أعطت زوجها شيئا ثم أرادت أن تعتصره فهي أحق به ] رواه الأثرم بإسناده وهذا قول شريح و الشعبي وحكاه الزهري عن القضاة وعن أحمد رواية أخرى ثالثة نقلها أبو طالب إذا وهبت له مهرها فإن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه أو إضرار بها بأن يتزوج عليها وإن لم يكن سألها وتبرعت به فهو جائز فظاهر هذه الرواية أنه متى كانت مع الهبة قرينة من مسألته لها أو غضبه عليها أو ما يدل على خوفها منه فلها الرجوع لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب بها نفسها وإنما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها بقوله تعالى { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } وظاهر كلام الخرقي الرواية الأولى وهو اختيار أبي بكر لقول الله تعالى : { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وقال تعالى : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } وعموم الأحاديث التي قدمناها
فصل : ولا يجوز للمتصدق الرجوع في صدقته في قولهم جميعا لأن عمر قال في حديثه من وهب هبة على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها مع عموم أحاديثنا فاتفق دليلهم ودليلنا فلذلك اتفق قولهم وقولنا

فصل : والهبة المطلقة لا تقتضي ثوابا
فصل : والهبة المطلقة لا تقتضي ثوابا سواء كانت من الإنسان لمثله أو دونه أو أعلى منه وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي في الهبة : لمثله أو دونه كقولنا : فإن كانت لأعلى منه ففيها قولان أحدهما : أنها تقتضي الثواب وهو قول مالك لقول عمر رضي الله عنه ومن وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها
ولنا أنها عطية على وجه التبرع فلم تقتض ثوابا كهبة المثل والوصية وحديث عمر قد خالفه ابنه وابن عباس فإن عوضه عن الهبة كانت هبة مبتدأة لا عوضا أيهما أصاب عيبا لم يكن له الرد وإن خرجت مستحقة أخذها صاحبها ولم يرجع الموهوب له ببدلها فإن شرط في الهبة ثوابا معلوما صح نص عليه أحمد لأنه تمليك بعوض معلوم فهو كالبيع وحكمها حكم البيع في ضمان الدرك وثبوت الخيار والشفعة وبهذا قال أصحاب الرأي ولأصحاب الشافعي قول أنه لا يصح لأنه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها
ولنا أنه تمليك بعوض فصح كما لو قال ملكتك هذا بدرهم فإنه لو أطلق التمليك كان هبة وإذا ذكر العوض صار بيعا قال أبو الخطاب : وقد روي عن أحمد ما يقتضي أن يغلب في هذا حكم الهبة فلا تثبت فيها أحكام البيع المختصة به فأما إن شرط ثوابا مجهولا لم يصح وفسدت الهبة وحكمها حكم البيع الفاسد يردها الموهوب له بزيادتها المتصلة والمنفصلة لأنه نماء ملك الواهب وإن كانت تالفة رد قيمتها وهذا قول الشافعي و أبي ثور وظاهر كلام أحمد رحمه الله أنها تصح فإذا أعطاه عنها عوضا رضيه لزم العقد بذلك فإنه قال في رواية محمد بن الحكم إذا قال الواهب هذا لك على أن تثيبني فله أن يرجع إذا لم يثبه لأنه شرط وقال في رواية إسماعيل بن سعيد إذا وهب له على وجه الإثابة فلا يجوز إلا أن يثيبه عنها فعلى هذا عليه أن يعطيه حتى يرضيه فإن لم يفعل فللواهب الرجوع ويحتمل أن يعطيه قدر قيمتها والأول أصح لأن هذا بيع فيعتبر فيه التراضي إلا أنه بيع بالمعاطاة فإذا عوضه عوضا رضيه حصل البيع بما حصل من المعاطاة مع التراضي بها وإن لم يحصل التراضي لم تصح لعدم العقد فإنه لم يوجد الإيجاب والقبول ولا المعطاة مع التراضي والأصل في هذا قول عمر رضي الله عنه من وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها وروي معنى ذلك عن علي و فضالة بن عبيد و مالك بن أنس وهو قول الشافعي على القول الذي يرى أن الهبة المطلقة تقتضي ثوابا
وقد روى أبو هريرة [ أن أعرابيا وهب للنبي صلى الله عليه و سلم ناقة فأعطاه ثلاثا فأبى فزاده ثلاثا فأبى فزاده ثلاثا فلما كملت تسعا قال رضيت فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي ] من المسند قال أحمد : إذا تغيرت العين الموهوبة بزيادة أو نقصان ولم يثبه منها فلا أرى عليه نقصان ما نقص عنده إذا رده إلى صاحبه إلا أن يكون ثوبا لبسه أو غلاما استعمله أو جارية استخدمها فأما غير ذلك إذا نقص فلا شيء عليه فكان عندي مثل الرهن الزيادة والنقصان لصاحبه

مسألة وفصول : الرقبى والعمرى وأحكامهما
مسألة : قال : وإذا قال داري لك عمرى أو هي لك عمرك فهي له ولورثته من بعده
العمرى والرقبى نوعان من الهبة يفتقران إلى ما يفتقر إليه سائر الهبات من الإيجاب والقبول والقبض أو ما يقوم مقام ذلك عند من اعتبره وصورة العمرى أن يقول الرجل أعمرتك داري هذه أو هي لك عمرى أو ما عشت أو مدة حياتك أو ما حييت أو نحو هذا سميت عمرى لتقييدها بالعمر والرقبى أن يقول أرقبتك هذه الدار أو هي لك حياتك على أنك إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك فكأنه يقول هي لآخرنا موتا وبذلك سميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه وكلاهما جائز في قول أكثر أهل العلم وحكي عن بعضهم أنها لا تصح لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ لا تعمروا ولا ترقبوا ]
ولنا ما روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن فأما النهي فإنما ورد على سبيل الإعلام لهم أنكم إن أعمرتم أو أرقبتم بعد للمعمر والمرقب ولم يعد إليكم منه شيء وسياق الحديث يدل عليه فإنه قال [ فمن أعمر عمى فهي لمن أعمرها حيا وميتا وعقبه ] ولو أريد به حقيقة النهي لم يمنع ذلك صحتها فإن النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة أما إذا كان صحة المنهي عنه ضررا على مرتكبه لم يمنع صحته كالطلاق في زمن الحيض وصحة العمرى ضرر على المعمر فإن ملكه يزول بغير عوض إذا ثبت هذا فإن العمرى تنقل الملك إلى المعمر وبهذا قال جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس و شريح و مجاهد و طاوس و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي
وقال مالك و الليث : العمرى تمليك المنافع لا تملك بها رقبة المعمر بحال ويكون للمعمر السكنى فإذا مات عادت إلى المعمر وإن قال له ولعقبه كان سكناها لهم فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر واحتجا بما روى يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال : سمعت مكحولا يسأل القاسم بن محمد عن العمرى ما يقول الناس فيها ؟ فقال القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وما أعطوا وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي عن ابن الأعرابي لم يختلف العرب في العمرى والرقبى والافقار والاخبار والمنحة والعرية والعارية والسكنى والاطراق إنها على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له ولأن التمليك لا يتأقت كما لو باعه إلى مدة فإذا كان لا يتأقت حمل قوله على تمليك المنافع لأنه يصح توقيته
ولنا ما روى جابر قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم [ أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه ] رواه مسلم وفي لفظ [ قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعمرى لمن وهبت له ] متفق عليه وروى ابن ماجة عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو له حياته وموته ] وعن زيد بن ثابت [ أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل العمرى للوارث ]
وقد روى مالك حديث العمرى في موطئه وهو صحيح رواه جابر وابن عمر وابن عباس ومعاوية وزيد بن ثابت وأبو هريرة وقول القاسم لا يقبل في مخالفة من سمينا من الصحابة والتابعين فكيف يقبل في مخالفة قول سيد المرسلين ولا يصح أن يدعى إجماع أهل المدينة لكثرة من قال بها منهم وقضى بها طارق بالمدينة بأمر عبد الملك بن مروان وقول ابن الأعرابي : إنها عند العرب تمليك المنافع لا يضر إذا نقلها الشرع إلى تمليك الرقبة كما نقل الصلاة من الدعاء إلى الأفعال المنظومة ونقل الظهار والإيلاء من الطلاق إلى أحكام مخصوصة قولهم أن التمليك لا يتأقت قلنا فلذلك أبطل الشرع تأقيتها وجعلها تمليكا مطلقا
فصل : إذا شرط في العمرى أنها للمعمر وعقبه فهذا تأكيد لحكمها وتكون للمعمر وورثته وهذا قول جميع القائلين بها وإذا أطلقها فهي للمعمر وورثته أيضا لأنها تمليك للرقبة فأشبهت الهبة فإن شرط أنك إذا مت فهي لي فعن أحمد روايتان إحداهما : صحة العقد والشرط ومتى مات المعمر رجعت إلى المعمر وبه قال القاسم بن محمد وزيد بن قسيط و الزهري و مالك و أبو سلمة بن عبد الرحمن و ابن أبي ذئب و مالك و أبي ثور و داود وهو أحد قولي الشافعي لما روى جابر قال : إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقول هي لك ولعقبك فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها متفق عليه وروى مالك في موطئه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها ] لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث وقال القاسم بن محمد ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم والرواية الثانية : أنها تكون للمعمر ولورثته ويسقط الشرط وهذا قول الشافعي الجديد وقول أبي حنيفة وهو ظاهر المذهب نص عليه أحمد في رواية أبي طالب للأحاديث المطلقة التي ذكرناها وقول رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو له في حياته وموته ] وقال مجاهد : الرقبى أن يقول هي للآخر مني ومنك موتا
وروى الإمام أحمد بإسناده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا عمرى ولا رقبى فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته وموته ] وهذا صريح في إبطال الشرط لأن الرقبى يشترط فيها عودها إلى المرقب إن مات الآخر قبله وأما حديثهم الذي احتجوا به فمن قول جابر نفسه وأما نقل لفظ النبي صلى الله عليه و سلم قال [ أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه ] ولأنا لو أجزنا هذا الشرط كانت هبة مؤقتة والهبة لا يجوز فيها التأقيت ولم يفسدها الشرط لأنه ليس بشرط على المعمر وإنما شرط ذلك على ورثته ومتى لم يكن الشرط مع المعقود معه لم يؤثر فيه وأما قوله في الحديث الآخر أنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فهذه الزيادة من كلام أبي سلمة بن عبد الرحمن كذلك رواه ابن أبي ذئب وفصل هذه الزيادة فقال [ عن النبي صلى الله عليه و سلم : أنه قضى فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهي له بتلة لا يجوز للمعطى فيها شرط ولا مثنوية ] قال أبو سلمة لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث
فصل : والرقبى هي أن يقول : هذا لك عمرك فإن مت قبلي رجع إلي وإن مت قبلك فهو لك ومعناه هي لآخرنا موتا وكذلك فسرها مجاهد سميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه وقد روي عن أحمد أنه قال : هي أن يقول هي لك حياتك فإذا مت فهي لفلان أو هي راجعة إلي والحكم فيها على ما تقدم ذكره وأنها كالعمرى إذا شرط عودها إلى المعمر وقال علي رضي الله عنه : العمرى والرقبى سواء وقال طاوس من أرقب شيئا فهو على سبيل الميراث وقال الزهري : الرقبى وصية يعني أن معناها إذا مت فهذا لك وقال الحسن و مالك و أبو حنيفة : الرقبى باطلة لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أجاز العمرى وأبطل الرقبى ولأن معناها أنها للآخر منا وهذا تمليك معلق بخطر ولا يجوز تعليق التمليك بالخطر
ولنا ما رويناه من الأخبار وحديثهم لا نعرفه ولا نسلم أن معناها ما ذكروه بل معناها أنها لك حياتك فإن مت رجعت إلي فتكون كالعمرى سواء إلا أنه زاد شرطها لورثة المرقب إن مات المرقب قبله وهذا يبين تأكيدها على العمرى
فصل : وتصح العمرى في غير العقار من الحيوان والثياب لأنها نوع هبة فصحت في ذلك كسائر الهبات وقد روي عن أحمد في الرجل يعمر الجارية فلا ارى له وطأها قال القاضي لم يتوقف أحمد عن وطء الجارية لعدم الملك فيها لكن على طريق الورع لأن الوطء استباحة فرج وقد اختلف في صحة العمرى وجعلها بعضهم تمليك المنافع فلم ير له وطأها لهذا ولو وطئها كان جائزا
فصل : وإن وقعت الهبة إلى غير العمرى والرقبى فقال وهبتك هذا لسنة أو إلى أن يقدم الحاج أو إلى أن يبلغ ولدي أو مدة حياة فلان ونحو هذا لم يصح لأنها تمليك للرقبة فلم تصح موقتة كالبيع وتفارق العمرى والرقبى لأن الإنسان إنما يملك الشيء عمره فإذا ملكه عمره فقد وقته بما هو موقت به في الحقيقة فصار ذلك كالمطلق وإن شرط رجوعها إليه بعد ذلك كان شرطا على غير الموهوب له بخلاف غيره
مسألة : قال : وإن قال سكناها لك عمرك كان له أخذها أي وقت أحب لأن السكنى ليست كالعمرى والرقبى :
أما إذا قال سكنى هذه الدار لك عمرك أو اسكنها عمرك أو نحو ذلك فليس ذلك بعقد لازم لأنه في التحقيق هبة المنافع والمنافع إنما تستوفى بمضي الزمان شيئا فشيئا فلا تلزم إلا في قدر ما قبضه منها واستوفاه بالسكنى وللمسكن الرجوع متى شاء وأيهما مات بطلت الإباحة وبهذا قال أكثر العلماء وجماعة أهل الفتوى منهم الشعبي و النخعي و الثوري و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن حفصة وقال الحسن و عطاء و قتادة هي كالعمرى تكون له ولعقبه لأنها في معنى العمرى فيثبت فيها مثل حكمها وحكي عن الشعبي أنه إذا قال هي لك اسكن حتى تموت فهي له حياته وموته وإن قال داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها لأنه إذا قال هي لك فقد جعل له رقبتها فتكون عمرى فإذا قال اسكن داري هذه فإنما جعل له نفعها دون رقبتها فتكون عارية
ولنا أن هذا إباحة المنافع فلم يقع لازما كالعارية وفارق العمرى فإنها هبة للرقبة فأما إذا قال هذه لك اسكنها حتى تموت فإنه يحتمل لك سكناها حتى تموت وتفسيرها بذلك دليل على أنه أراد السكنى فأشبه ما لو قال هذه لك سكناها وإذا احتمل أن يريد به الرقبة واحتمل أن يريد السكنى فلا نزيل ملكه بالاحتمال
فصل : إذا وهب هبة فاسدة أو باع بيعا فاسدا ثم وهب تلك العين أو باعها بعقد صحيح مع علمه بفساد الأول صح العقد الثاني لأنه تصرف في ملكه عالما بأنه ملكه وإن كان يعتقد صحة العقد الأول ففي صحة الثاني وجهان : أحدهما : صحته لأن تصرفه صادف ملكه وتم بشروطه فصح كما لو علم فساد الأول والثاني : لا يصح لأنه تصرف تصرفا يعتقد فساده ففسد كما لو صلى يعتقد أنه محدث فبان متطهرا وهكذا لو تصرف في عين يعتقد أنها لأبيه فبان أنه قد مات وملكها بالميراث أو غصب عينها فباعها يعتقدها مغصوبة فبان أنها ملكه فعلى الوجهين قال القاضي أصل الوجهين من باشر امرأة بطلاق يعتقدها أجنبية فبانت امرأته أو واجه بالعتق من يعتقدها حرة فبانت أمته ففي وقوع الطلاق والحرية روايتان وللشافعية في هذه المسائل وجهان كما حكينا والله أعلم

كتاب اللقطة اللقطة تعريفها حكمها
وهي المال الضائع من ربه يلتقطه غيره قال الخليل بن أحمد اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط لأن ما جاء على فعلة فهو اسم للفاعل كقولهم همزة ولمزة وضحكة وهزأة واللقطة بسكون القاف المال الملقوط مثل الضحكة الذي يضحك منه والهزأة الذي يهزأ به وقال الأصمعي و ابن الأعرابي و الفراء هي بفتح القاف اسم للمال الملقوط أيضا والأصل في اللقطة ما روى زيد بن خالد الجهني قال : [ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن لقطة الذهب والورق فقال اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه وسأله عن ضالة الإبل فقال : مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها وسأله عن الشاة فقال خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ] متفق عليه والوكاء الخيط الذي يشد به المال في الخرقة العفاص الوعاء الذي هي فيه من خرقة أو قرطاس أو غيره قال أبو عبيد والأصل في العفاص أنه الجلد الذي يلبسه رأس القارورة قوله معها حذاءها يعني خفها فإنه لقوته وصلابته يجري مجرى الحذاء وسقاؤها بطنها لأنها تأخذ فيه ماء كثيرا فيبقى معها يمنعها العطش والضالة اسم الحيوان خاصة دون سائر اللقطة والجمع ضوال ويقال لها أيضا الهوامي والهوافي والهوامل

فصل هل الأفضل أخذ اللقطة أو تركها ؟ !
فصل : قال إمامنا رحمه الله الأفضل ترك الالتقاط وروي معنى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وبه قال جابر وابن زيد والربيع بن خيثم وعطاء ومر شريح بدرهم فلم يعرض له واختار أبو الخطاب إذا وجدها بمضيعة وأمن نفسه عليها فالأفضل أخذها وهذا قول الشافعي وحكي عنه قول آخر أنه يجب أخذها لقول الله تعالى { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } فإذا كان وليه وجب عليه حفظ ماله وممن رأى أخذها سعيد بن المسيب و الحسن بن صالح و أبو حنيفة وأخذها أبي بن كعب وسويد بن غفلة وقال مالك إن كان شيئا له بال يأخذه أحب إلي ويعرفه لأن فيه حفظ مال المسلم عليه فكان أولى من تضييعه وتخليصه من الغرق
ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا نعرف لهما مخالفا في الصحابة ولأنه تعريض لنفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الأمانة فيها فكان تركه أولى وأسلم كولاية مال اليتيم وتخليل الخمر وما ذكروه يبطل بالضوال فإنه لا يجوز أخذها مع ما ذكروه وكذلك ولاية مال الأيتام

مسألة وفصول : ومن وجد لقط عرفها شروط التعريف وزمانه وقدره
مسألة : قال : ومن وجد لقطة عرفها سنة في الأسواق وأبواب المساجد :
وجملته أن في التعريف ستة فصول في وجوبه وقدره وزمانه ومكانه وكيفيته ومن يتولاه
الفصل الأول : في وجوه التعريف : أما وجوبه فإنه واجب على كل ملتقط سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها وقال الشافعي لا تجب على من أراد حفظها لصاحبها
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولم يفرق ولأن حفظها لصاحبها إنما يقيد باتصالها إليه وطريقه التعريف أما بقاؤها في يد الملتقط من غير وصولها إلى صاحبها فهو وهلاكها سيان ولأن إمساكها من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز كردها إلى موضعها أو إلقائها في غيره ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط لأن بقاءها في مكانها إذا أقرب إلى وصولها إلى صاحبها إما بأن يطلبها في الموضع الذي ضاعت فيه فيجدها وإما بأن يجدها من يعرفها وأخذه لها يفوت الأمرين فيحرم فلما جاز الالتقاط وجب التعريف كيلا يحصل هذا الضرر ولأن التعريف واجب على من أراد تملكها فكذلك على من أراد حفظها فإن التمليك غير واجب فلا تجب الوسيلة إليه فيلزم أن يكون الوجوب في المحل المتفق عليه لصيانتها عن الضياع عن صاحبها وهذا موجود في محل النزاع
الفصل الثاني : في قدر التعريف وذلك سنة روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وبه قال ابن المسيب و الشعبي و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وروي عن عمر رواية أخرى أنه يعرفها ثلاثة أشهر وعنه ثلاثة أعوام لأن أبي بن كعب روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره بتعريف مائة الدينار ثلاثة أعوام وقال أبو أيوب الهاشمي ما دون الخمسين درهما يعرفها ثلاثة أيام إلى سبعة أيام وقال الحسن بن صالح ما دون عشرة دراهم يعرفها ثلاثة أيام وقال الثوري في الدرهم يعرفه أربعة أيام وقال إسحاق ما دون الدينار يعرفه جمعة أو نحوها وروى أبو إسحاق الجوزجاني بإسناده عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من التقط درهما أو حبلا أو شبه ذلك فليعرفه ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه سبعة أيام ]
ولنا حديث زيد بن خالد الصحيح فإن النبي صلى الله عليه و سلم أمره بعام واحد ولأن السنة لا تتأخر عنها القوافل ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد من الحر والبرد والاعتدال فصلحت قدرا كمدة أجل العين وأما حديث أبي فقد قال الراوي لا أدري ثلاثة أعوام أو عام واحد قال أبو داود شك الراوي في ذلك وحديث يعلى لم يقل به قائل على وجهه وحديث زيد وأبي أصح منه وأولى إذا ثبت هذا فإنه يجب أن تكون هذه السنة تلي الالتقاط وتكون متوالية في نفسها لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بتعريفها حين سئل عنها والأمر يقتضي الفور ولأن القصد بالتعريف وصول الخبر إلى صاحبها وذلك يحصل بالتعريف عقيب ضياعها متواليا لأن صاحبها في الغالب إنما يتوقعها ويطلبها عقيب ضياعها فيجب تخصيص التعريف به
الفصل الثالث : في زمانه وهو النهار دون الليل لأن النهار مجمع الناس وملتقاهم دون الليل ويكون ذلك في اليوم الذي وجدها والأسبوع أكثر لأن الطلب فيه أكثر ولا يجب فيما بعد ذلك متواليا وقد روى الجوزجاني بإسناده عن معاوية بن عبد الله عن زيد الجهني قال نزلنا مناخ ركب فوجدت خرقة فيها قريب من مائة دينار فجئت بها إلى عمر فقال عرفها ثلاثة أيام على باب المسجد ثم أمسكها حتى قرن السنة ولا يقدمن ركب إلا نشدتها وقلت الذهب بطريق الشام تم شأنك بها
الفصل الرابع : في مكانه وهو الأسواق وأبواب المساجد والجوامع في الوقت الذي يجتمعون فيه كأدبار الصلوات في المساجد وكذلك في مجامع الناس لأن المقصود إشاعة ذكرها وإظهارها ليظهر عليها صاحبها فيجب تحري مجامع الناس ولا ينشدها في المسجد لأن المسجد لم يبن لهذا وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد : فليقل لا ردها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا ] وأمر عمر واجد اللقطة بتعريفها على باب المسجد
الفصل الخامس : فيمن يتولاه : وللملتقط أن يتولى ذلك بنفسه وله أن يستنيب فيه فإن وجد متبرعا بذلك وإلا إن احتاج إلى أجر فهو على الملتقط وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي واختار أبو الخطاب أنه إن قصد الحفظ لصاحبها دون تملكها رجع بالأجر على مالكها وكذلك قال ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف لأنه من مؤنة إيصالها إلى صاحبها فكان على مالكها كأجر مخزنها ورعيها وتجفيفها
ولنا أن هذا أجر واجب على المعرف فكان عليه كما لو قصد تملكها ولأنه لو وليه بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها فكذلك إذا استأجر عليه لا يلزم صاحبها شيء ولأنه سبب لملكها فكان على الملتقط كما لو قصد تملكها وقال مالك إن أعطى منها شيئا لمن عرفها فلا غرم عليه كما لو دفع منها شيئا لمن جففها وقد ذكرنا الدليل على ذلك
الفصل السادس : في كيفية التعريف وهو أن يذكر جنسها لا غير فيقول : من ضاع منه ذهب أو فضة أو دنانير أو ثياب ونحو ذلك لقول عمر رضي الله عنه لواجد الذهب بطريق الشام : ولا تصفها لأنه لو وصفها لعلم صفتها من يسمعها فلا تبقى صفتها دليلا على ملكها لمشاركة غير المالك المالك في ذلك ولأنه لا يأمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها ويذكر صفتها التي يجب دفعها بها فيأخذها وهو لا يملكها فتضيع على مالكها

فصل : التفريق بين قليل اللقطة وكثيرها
فصل : لم يفرق الخرقي بين يسير اللقطة وكثيرها وهو ظاهر المذهب إلا في اليسير الذي لا تتبعه النفس كالتمرة والكسرة والخرقة وما لا خطر له فإنه لا بأس بأخذه والانتفاع به من غير تعريف لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينكر على واجد التمرة حيث أكلها بل قال له لو لم تأتها لأتتك و [ رأى النبي صلى الله عليه و سلم تمرة فقال لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها ] ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والانتفاع وقد روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة وبه قال عطاء و جابر بن زيد و طاوس و النخعي و يحيى بن أبي كثير و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وليس عن أحمد وأكثر من ذكرنا تحديد اليسير الذي يباح وقال مالك و أبو حنيفة لا يجب تعريف ما لا يقطع به السارق وهو ربع دينار عند مالك وعشرة دراهم عند أبي حنيفة لأن ما دون ذلك تافه فلا يجب تعريفه كالكسرة والتمرة والدليل على أنه تافه قول عائشة رضي الله عنها : كانوا لا يقطعون في الشيء التافه وروي عن علي رضي الله عنه أنه وجد دينارا فتصرف فيه وروى الجوزجاني عن سلمى بنت كعب قالت : وجدت خاتما من ذهب في طريق مكة فسألت عائشة عنه فقالت تمتعي به وروى أبو داود بإسناده [ عن جابر قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به ] والحبل قد تكون قيمته دراهم وعن ابن ماجة بإسناده [ عن سويد بن غفلة قال خرجت مع سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان حتى إذا كنا بالعذيب التقطت سوطا فقالا لي ألقه فأبيت حتى قدمنا المدينة أتيت أبي بن كعب فذكرت ذلك له فقال أصبت ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وللشافعية ثلاثة أوجه كالمذاهب الثلاثة
ولنا على إبطال تحديده بما ذكروه أن حديث زيد بن خالد عام في كل لفظة فيجب إبقاؤه على عمومه إلا ما خرج منه بالدليل ولم يرد بما ذكروه نص ولا هو في معنى ما ورد النص به ولأن التحديد والتقدير لا يعرف بالقياس وإنما يؤخذ من نص أو إجماع وليس فيما ذكروه نص ولا إجماع وأما حديث علي فهو ضعيف رواه أبو داود وقال طرقه كلها مضطربة ثم هو مخالف لمذهبهم ولسائر المذاهب فتعين حمله على وجه من الوجوه غير اللقطة إما لكونه مضطرا إليه أو غير ذلك وحديث عائشة قضية في عين لا يدرى كم قدر الخاتم ثم هو قول صحابي وكذلك حديث علي وهم لا يرون ذلك حجة وسائر الأحاديث ليس فيها تقدير لكن يباح أخذ ما ذكره النبي صلى الله عليه و سلم ورخص في أخذه من السوط والعصا والحبل وما قيمته كقيمة ذلك وقدره الشيخ أبو الفرج في كتابه بما دون القيراط ولا يصح تحديده لما ذكرنا

فصلان : حكم تأخر التعريف أو تأخيره
فصل : إذا أخر التعريف عن الحول الأول مع إمكانه أثم لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر به فيه والأمر يقتضي الوجوب وقال في حديث عياض بن حمار لا تكتم ولا تغيب ولأن ذلك وسيلة إلى أن لا يعرفها صاحبها فإن الظاهر أنه بعد الحول ييأس منها ويسلو عنها ويترك طلبها ويسقط التعريف بتأخيره عن الحول الأول في المنصوص عن أحمد لأن حكمة التعريف لا تحصل بعد الحول الأول وإن تركه في بعض الحول عرف بقيته ويتخرج أن لا يسقط التعريف لتأخره لأنه واجب فلا يسقط بتأخيره عن وقته كالعبادات وسائر الواجبات ولأن التعريف في الحول الثاني يحصل به المقصود على نوع من القصور فيجب الإتيان به لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ] فعلى هذا إن أخر التعريف بعض الحول أتى بالتعريف في بقيته وأتمه من الحول الثاني وعلى كلا القولين لا يملكها بالتعريف فيما عدا الحول الأول لأن شرط الملك التعريف في الحول الأول ولم يوجد وهل له أن يتصدق بها أو يحبسها عنده أبدا ؟ على روايتين ويحتمل أن يلزمه دفعها إلى الحاكم كقولنا فيما إذا التقط فيما لا يجوز التقاطه ولو ترك التعريف في بعض الحول الأول لم يملكها أيضا بالتعريف فيما بعده لأن الشرط لم يكمل وعدم بعض الشرط كعدم جميعه كما لو أخل ببعض الطهارة أو ببعض السترة في الصلاة
فصل : وإن ترك التعريف في الحول الأول لعجزه عنه مثل أن يتركه لمرض أو حبس أو نسيان ونحوه ففيه وجهان أحدهما : إن حكمه حكم ما لو تركه مع إمكانه لأن تعريفه في الحول سبب الملك والحكم ينتفي لانتفاء سببه سواء انتفى لعذر أو غير عذر والثاني : أنه يعرفه في الحول الثاني ويملكه لأنه لم يؤخر التعريف عن وقت إمكانه فأشبه ما لو عرفه في الحول الأول

مسألة وفصلان : تملك اللقطة بعد مضي الحول
مسألة : قال : فإن جاء ربها وإلا كانت كسائر ماله :
وجملته أنه إذا عرف اللقطة حولا فلم تعرف ملكها ملتقطها وصارت من ماله كسائر أمواله غنيا كان الملتقط أو فقيرا وروي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وروي ذلك عن علي وابن عباس و الشعبي و النخعي و طاوس و عكرمة وقال مالك و الحسن بن صالح و الثوري وأصحاب الرأي : يتصدق بها فإذا جاء صاحبها خيره بين الأجر والغرم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن اللقطة فقال : عرفها حولا ] وروي ثلاثة أحوال فإن جاء ربها وإلا تصدق بها فإذا جاء ربها فرضي بالأجر وإلا غرمها ولأنها مال لمعصوم لم يرض بزوال ملكه عنها ولا وجد منه بسبب يقتضي ذلك فلم يزل ملكه عنه كغيرها قالوا : وليس له أن يتملكها إلا أن أبا حنيفة قال : له ذلك إن كان فقيرا من غير ذوي القربى لما روى عياض بن حمار المجاشعي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب فإن وجد صاحبها فليرددها عليه وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء ] رواه النسائي قالوا : وما يضاف إلى الله تعالى إنما يتملكه من يستحق الصدقة ونقل حنبل عن أحمد مثل هذا القول وأنكره الخلال وقال : ليس هذا مذهبا ل أحمد
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث زيد بن خالد فإن لم تعرف فاستنفقها وفي لفظ وإلا فهي كسبيل مالك وفي لفظ ثم كلها وفي لفظ فانتفع بها وفي لفظ فشأنك بها وفي حديث أبي بن كعب فاستنفقها وفي لفظ فاستمتع بها وهو حديث صحيح ولأن من ملك بالقرض ملك باللقطة كالفقير ومن جاز له الالتقاط ملك به بعد التعريف كالفقير وحديثهم عن أبي هريرة لم يثبت ولا نقل في كتاب يوثق به ودعواهم في حديث عياض أن ما يضاف إلى الله لا يتملكه إلا من يستحق الصدقة لا برهان لها ولا دليل عليها وبطلانها ظاهر فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى خلقا وملكا قال الله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم }
فصل : وتدخل اللقطة في ملكه عند تمام التعريف حكما كالميراث هذا ظاهر كلام الخرقي لقوله : وإلا كانت كسائر ماله وكذلك قال أحمد في رواية الجماعة : إذا جاء صاحبها وإلا كانت كسائر ماله واختار أبو الخطاب أنها لا تدخل في ملكه حتى يختار واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال : كقولنا ومنهم من قال : يملكها بالنية ومنهم من قال : يملكها بقوله اخترت تملكها ومنهم من قال : لا يملكها إلا بقوله والتصرف فيها لأن هذا تمليك بعوض فلم يحصل إلا باختيار التملك كالشراء
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإذا جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك ] وقوله فاستنفقها ولو وقف ملكها على تملكها لبينه له ولم يجوز له التصرف قبله وفي لفظ فهي لك وفي لفظ كلها وهذه الألفاظ كلها تدل على ما قلنا ولأن الالتقاط والتعريف سبب للتمليك فإذا تم وجب إن يثبت به الملك حكما كالاحياء والاصطياد ولأنه سبب يملك به فلم يقف الملك بعده على قوله ولا اختياره كسائر الأسباب وذلك لأن المكلف ليس إليه إلا مباشرة الأسباب فإذا أتى بها ثبت الحكم قهرا وجبرا من الله تعالى غير موقوف على اختيار المكلف وأما الاقتراض فهو السبب في نفسه فلم يثبت الملك بدونه
فصل : فإن التقطها اثنان فعرفاها حولا ملكاها جميعا وإن قلنا بوقوف الملك على الاختيار فاختار أحدهما دون الآخر ملك المختار نصفها دون الآخر وإن رأياها معا فبادر أحدهما فأخذها أو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها فهي لآخذها لأن استحقاق اللقطة بالأخذ لا بالرؤية كالاصطياد وإن قال أحدهما لصاحبه هاتها فأخذها نظرت في نيته فإن أخذها لنفسه فهي له دون الآمر وإن أخذها للآمر فهي له كما لو وكله في الاصطياد له

فصل : وتملك اللقطة ملكا مراعى يزول بمجيء صاحبها
فصل : وتملك اللقطة ملكا مراعى يزول بمجيء صاحبها ويضمن له بدلها إن تعذر ردها والظاهر أنه يملكها بغير عوض يثبت في ذمته وإنما يتجدد وجوب العوض بمجيء صاحبها كما يتجدد زوال الملك عنها بمجيئه وكما يتجدد وجوب نصف الصداق للزوج أو بدله إن تعذر ثبوت الملك فيه بالطلاق وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال أكثرهم لا يملكها إلا بعوض يثبت في ذمته لصاحبها وهذا قول القاضي وأصحابه بدليل أنه يملك المطالبة به فأشبه القرض
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ فإن جاء صاحبها وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء ] فجعلها من المباحات ولأنه لو مات لم يعزل من تركته بدلها ولا يستحق أن يأخذ من الزكاة بسبب الغرم ولا يلزمه أن يوصي به ولا يمتنع وجوب الزكاة في ماله بسبب الدين ولا يثبت شيء من أحكام الدين في حقه وانتفاء أحكامه دليل على انتفائه وقال القاضي يمنع ذلك وجوب الزكاة ولأنه لو ملكها بعوض لم يزل ملكه عنها بمجيء صاحبها ولو وقف ملكه لها على رضاه بالمعاوضة واختياره لأحدهما كالقرض والأمر بخلاف ذلك وإنما يستحق صاحبها المطالبة بعد مجيئه بشرط تلفها فإنها لو كانت موجودة لأخذها ولم يستحق لها بدلا وإن كانت تالفة تجدد له ملك المطالبة ببدلها كما يتجدد له الملك فيها لو كانت موجودة وكما يتجدد له الملك في نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول وفي بدله إن كان معدوما وهذا أشبه بمسألتنا وبه يبطل ما ذكروه وأما القرض فإنه لما ثبت بدله في الذمة لم يعد الملك له في المقرض إلا برضاء المقرض واختياره

فصل : وكل ما جاز التقاطه ملك بالتعريف عند تمامه أثمانا كانت أو غيرها
فصل : وكل ما جاز التقاطه ملك بالتعريف عند تمامه أثمانا كانت أو غيرها : هذا كلام الخرقي فإن لفظه عام في كل لفظه وقد نقل ذلك عن أحمد فإن محمد بن الحكم روى عنه في الصياد يقع في شصه الكيس أو النحاس يعرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا فهو كسائر ماله وهذا نص في النحاس وقال الشريف بن أبي موسى هل حكم العروض في التعريف وجواز التصرف فيها بعد ذلك حكم الأثمان ؟ على روايتين أظهرهما أنها كالأثمان ولا أعلم بين أكثر أهل العلم فرقا بين الأثمان والعروض في ذلك وقال أكثر أصحابنا لا تملك العروض بالتعريف قال القاضي نص أحمد على هذا في رواية الجماعة واختلفوا فيما يصنع بها فقال أبو بكر و ابن عقيل يعرفها أبدا وقال القاضي هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجيء صاحبها وبين دفعها إلى الحاكم ليرى رأيه فيها وهل له بيعها بعد الحول ويتصدق بها على روايتين وقال الخلال كل من روى عن أحمد أنه يعرفه سنة ويتصدق به والذي نقل أنه يعرف أبدا قول قديم رجع عنه واحتجوا بما روي عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود مثل قولهم ولأنها لقطة لا تملك في الحرم فلا تملك في غيره كالإبل ولأن الخبر ورد في الأثمان وغيرها لا يساويها لعدم الغرض المتعلق بعينها فمثلها يقوم مقامها من كل وجه بخلاف غيرها
ولنا عموم الأحاديث في اللقطة جميعها فإن [ النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن اللقطة فقال : عرفها سنة - ثم قال في آخره - فانتفع بها أو فشأنك بها ] وفي حديث عياض بن حمار من وجد لقطة وهو لفظ عام وروى الجوزجاني و الأثرم في كتابيهما قالا حدثنا أبو نعيم ثنا هشام بن سعد قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : [ أتى رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء أو في قرية مسكونة ؟ فقال : عرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا فشأنك به ] ورويا [ أن سفيان بن عبد الله وجد عيبة فأتى بها عمر بن الخطاب فقال : عرفها سنة فإن عرفت وإلا فهي لك زاد الجوزجاني فلم تعرف فلقيه العام المقبل فذكرها له فقال عمر : هي لك إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرنا بذلك ] ورواه النسائي أيضا وهذا نص في غير الأثمان وروى الجوزجاني بإسناده عن [ الحر بن الصباح قال كنت عند ابن عمر بمكة إذ جاءه رجل فقال : إني وجدت هذا البرد وقد نشدته وعرفته فلم يعرفه أحد وهذا يوم التروية ويوم يتفرق الناس فقال : إن شئت قومته قيمة عدل ولبسته وكنت له ضامنا متى جاءك صاحبه دفعت إليه ثمنه وإن لم يجئ له طالب فهو لك إن شئت ] ولأن ما جاز التقاطه ملك بالتعريف كالأثمان وما حكوه عن الصحابة إن صح فقد حكينا عن عمر وابنه خلافه وقولهم إنها لقطة لا تملك في الحرم ممنوع ثم هو منقوض بالأثمان ولا يصح قياسها على الإبل لأن معها حذاءها وسقاها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها ولا يوجد ذلك في غيرها ولأن الإبل لا يجوز التقاطها فلا تملك به وههنا يجوز التقاطها فتملك به كالأثمان ثم لم إذا لم تملك في الحرم لا تملك في الحل ؟ وذلك لأن الحرم ميز بكون لقطته لا يلتقطها إلا منشد ولهذا لم تملك الأثمان بالتقاطها فيه فلا يلزم أن لا تملك في موضع لم يوجد المانع فيه وقولهم أن النص خاص في الأثمان قلنا بل هو عام في كل لقطة فيجب العمل بعمومه وإن ورد فيها نص خاص فقد روي خبر عام فيعمل بهما ثم قد روينا نصا خاصا في العروض فيجب العمل به كماوجب العمل بالخاص في الأثمان ثم لو اختص الخبر بالأثمان لوجب أن يقاس عليها ما كان في معناها كسائر النصوص التي عقل معناها ووجد في غيرها وههنا قد وجد المعنى فيجب قياسه على المنصوص عليه أو نقول إن المعنى ههنا آكد فيثبت الحكم فيه بطريق التنبيه بيانه أن الأثمان لا تتلف بمضي الزمان عليها وانتظار صاحبها بها أبدا والعروض تتلف بذلك ففي النداء عليها دائما هلاكها وضياع ماليتها على صاحبها وملتقطها وسائر الناس في إباحة الانتفاع بها وملكها بعد التعريف حفظا لماليتها على صاحبها بدفع قيمتها إليه وتقع لغيره فيجب ذلك لنهي النبي صلى الله عليه و سلم عن إضاعة المال ولما فيه من المصلحة والحفظ لمال المسلم عليه وعلى أخيه ولأن في إثبات الملك فيها حثا على التقاطها وحفظها وتعريفها لكونه وسيلة إلى الملك المقصود للآدمي وفي نفي ملكها تضييع لها لما في التقاطها من الخطر والمشقة والكلفة من غير نفع يصل إليه فيؤدي إلى أن لا يلتقطها أحد لتعريفها فتضيع وما ذكروه في الفرق ملغي بالشاة فقد ثبت الملك فيها مع هذا الفرق ثم يمكننا أن نقيس على الشاة فلا يحصل هذا الفرق بين الأصل والفرع والله أعلم ثم نقلب دليلهم فنقول لقطة لا تملك في الحرم فما أبيح التقاطه منها ملك إذا كان في الحل كالإبل

فصل : استواء لقطة الحل والحرام في الأحكام
فصل : وظاهر كلام أحمد و الخرقي أن لقطة الحل والحرم سواء وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب وهو مذهب مالك و أبي حنيفة وروي عن أحمد رواية أخرى أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتملك وإنما يجوز حفظها لصاحبها فإن التقطها عرفها أبدا حتى يأتي صاحبها وهو قول عبد الرحمن بن مهدي و أبي عبيد وعن الشافعي كالمذهبين والحجة لهذا القول [ قول النبي صلى الله عليه و سلم في مكة : لا تحل ساقطتها إلا لمنشد ] متفق عليه وقال أبو عبيد : المنشد المعرف والناشد الطالب وينشد * إصاخة الناشد للمنشد * فيكون معناه لا تحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها لأنها خصت بهذا من سائر البلدان وروى يعقوب بن شيبة في مسنده عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن لقطة الحاج ] قال ابن وهب يعني يتركها حتى يجدها صاحبها رواه أبو داود أيضا ووجه الرواية الأولى عموم الأحاديث وأنه أحد الحرمين فأشبه حرم المدينة ولأنها أمانة فلم يختلف حكمها بالحل والحرم كالوديعة وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إلا لمنشد ] يحتمل أن يريد إلا لمن عرفها عاما وتخصيصها بذلك لتأكدها لا لتخصيصها كقوله عليه السلام [ ضالة المسلم حرق النار ] وضالة الذمي مقيسة عليها

فصل : حرمة العزم على التملك بغير تعريف
فصل : إذا التقط لقطة عازما على تملكها بغير تعريف فقد فعل محرما ولا يحل له أخذها بهذه النية فإذا أخذها لزمه ضمانها سواء تلفت بتفريطه أو بغير تفريط ولا يملكها وإن عرفها لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز له أخذه فأشبه الغاصب نص على هذا أحمد ويحتمل أن يملكها لأن ملكها بالتعريف والالتقاط وقد وجد فيملكها به كالاصطياد والاحتشاش فإنه لو دخل حائطا لغيره بغير إذنه فاحتش أو اصطاد منه صيدا ملكه وإن كان دخوله محرما كذا ههنا ولأن عموم النص يتناول هذا الملتقط فيثبت حكمه فيه ولأننا لو اعتبرنا نية التعريف وقت الالتقاط لافترق الحال بين العدل والفاسق والصبي والسفيه لأن الغالب على هؤلاء الالتقاط للتملك من غير تعريف

مسألة : حفظ اللقطة وحفظ عددها وصفته
مسألة : قال : وحفظ وكائها وعفاصها وحفظ عددها وصفتها :
الأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث زيد بن خالد [ اعرف وكاءها وعفاصها ] وقال في حديث أبي بن كعب : [ اعرف عفاصها ووكاءها وعددها ثم عرفها سنة ] وفي لفظ [ عن أبي بن كعب أنه قال : وجدت مائة دينار فأتيت بها النبي صلى الله عليه و سلم فقال : عرفها حولا فعرفتها حولا فلم تعرف فرجعت إليه فقال : اعرف عدتها ووعاءها ووكاءها واخلطها بمالك فإن جاء ربها فأدها إليه ] ففي هذا الحديث أنه أمره بمعرفة صفاتها بعد التعريف وفي غيره أمر بمعرفتها حين التقاطها قبل التعريف وهو الأولى ليحصل عنده علم ذلك فإذا جاء صاحبها فنعتها غلب على ظنه صدقه فيجوز الدفع إليه حينئذ وإن أخر معرفة ذلك إلى حين مجيء باغيها جاز لأن المقصود يحصل بمعرفتها حينئذ وإن لم يجئ طالبها فأراد التصرف فيها بعد الحول لم يجز له حتى يعرف صفاتها لأن عينها تنعدم بالتصرف فلا يبقى له سبيل إلى معرفة صفاتها إذا جاء صاحبها وكذلك إن خلطها بما له على وجه لا تتميز منه فيكون أمر النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بمعرفة صفاتها عند خلطها بماله أمر إيجاب مضيق وأمره لزيد بن خالد بمعرفة ذلك حين الالتقاط واجبا موسعا والله أعلم قال القاضي ينبغي أن يعرف جنسها دراهم أو دنانير ونوعها وإن كانت ثيابا عرف لفافتها وجنسها ويعرف قدرها بالكيل وبالوزن أو بالعدد أو الذرع ويعرف العقد عليها هل هو عقد واحد أو أكثر أنشوطة أو غيرها ويعرف صمام القارورة التي تدخل رأسها وعفاصها الذي تلبسه

فصل : الإشهاد على اللقطة عند وجودها
فصل : ويستحب أن يشهد عليها حين يجدها قال أحمد رحمه الله : لا أحب أن يمسها حتى يشهد عليها فظاهر هذا أنه مستحب غير واجب وأنه إن لم يشهد عليها لا ضمان عليه وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : إذا لم يشهد عليها ضمنها لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ] وهذا أمر يقتضي الوجوب ولأنه إذا لم يشهد كان الظاهر أنه أخذها لنفسه
ولنا خبر زيد بن خالد وأبي بن كعب فإنه أمرهما بالتعريف دون الإشهاد ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فلو كان واجبا لبينه النبي صلى الله عليه و سلم سيما وقد سئل عن حكم اللقطة فلم يكن ليخل بذكر الواجب فيها فيتعين حمل الأمر في حديث عياض على الندب والاستحباب ولأنه أخذ أمانة فلم يفتقر إلى الإشهاد كالوديعة والمعنى الذي ذكروه غير صحيح فإنه إذا حفظها وعرفها فلم يأخذها لنفسه وفائدة الإشهاد صيانة نفسه عن الطمع فيها وكتمها وحفظها من ورثته إن مات ومن غرمائه إن أفلس وإذا أشهد عليها لم يذكر للشهود صفاتها لئلا ينتشر ذلك فيدعيها من لا يستحقها ويذكر صفاتها كما قلنا في التعريف ولكن يذكر للشهود ما يذكره في التعريف من الجنس والنوع قال أحمد في رواية صالح وقد سأله إذا شهد عليها هل يبين كم هي ؟ قال لا ولكن يقول قد أصبت لقطة ويستحب أن يكتب صفاتها ليكون أثبت لها مخافة أن ينساها إن اقتصر على حفظها بقلبه فإن الإنسان عرضة النسيان

مسألة : قال : فإذا جاء ربها فوصفها له دفعت إليه بلا بينة
مسألة : قال : فإن جاء ربها فوصفها له دفعت إليه بلا بينة :
يعني إذا وصفها بصفاتها المذكورة دفعها إليه سواء غلب على ظنه صدقه أو لم يغلب وبهذا قال مالك و أبو عبيد و داود و ابن المنذر وقال أبو حنيفة و الشافعي لا يجبر على ذلك إلا ببينة ولا يجوز له دفعها إليه إذا غلب على ظنه صدقه قال أصحاب الرأي : إن شاء دفعها إليه وأخذ كفيلا بذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ البينة على المدعي ] ولأن صفة المدعي لا يستحق بها كالمغصوب
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإن جاءك أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه ] قال ابن المنذر هذا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبه أقول رواه ابن القصار فإن جاء باغيها ووصف عفاصها وعددها فادفعها إليه وفي حديث زيد الذي ذكرناه [ اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها وإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه ] يعني إذا ذكر صفاتها لأن ذلك هو المذكور في صدر الحديث ولم يذكر البينة في شيء من الحديث ولو كانت شرطا للدفع لم يجز الإخلال به ولا أمر بالدفع بدونه ولأن إقامة البينة على اللقطة تتعذر لأنها إنما سقطت حال الغفلة والسهو فتوقف دفعها منع لوصولها إلى صاحبها أبدا وهذا يفوت مقصود الالتقاط ويفضي إلى تضييع أموال الناس وما هذا سبيله يسقط اعتبار البينة فيه كالإنفاق على اليتيم والجمع بين هذا القول وبين تفضيل الالتقاط على تركه متناقض جدا لأن الالتقاط حينئذ يكون تضييعا لمال المسلم يقينا وإتعابا لنفسه بالتعريف الذي لا يفيد والمخاطرة بدينه بتركه الواجب من تعريفها وما هذا سبيله يجب أن يكون حراما فكيف يكون فاضلا وعلى هذا نقول لو لم يجب دفعها بالصفة لم يجز التقاطها لما ذكرناه وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ البينة على المدعي ] يعني إذا كان ثم منكر لقوله في سياقه [ واليمين على من أنكر ] ولا منكر هاهنا على أن البينة تختلف وقد جعل النبي صلى الله عليه و سلم بينة مدعي اللقطة وصفها فإذا وصفها فقد أقام بينته وقياس اللقطة على المغصوب غير صحيح فإن النزاع ثم في كونه مغصوبا والأصل عدمه وقول المنكر يعارض دعواه فاحتيج إلى البينة وههنا قد ثبت كون هذا المال لقطة وإن له صاحبا غير من هو في يده ولا مدعي له إلا الواصف وقد ترجح صدقه فينبغي أن يدفع إليه

فإذا وصفها اثنان اقرع بينهما
فصل : فإن وصفها اثنان أقرع بينهما فمن وقعت له القرعة حلف أنها له وسلمت إليه وهكذا إن أقاما بينتين أقرع بينهما فمن وقعت له القرعة حلف ودفعت إليه ذكره القاضي وقال أبو الخطاب نقسم بينهما لأنهما تساويا فيما يستحق به الدفع فتساويا فيها كما لو كانت في أيديهما والذي قلنا أصح وأشبه بأصولنا فيما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما ولأنهما تداعيا عينا في يد غيرهما وتساويا في البينة أو في عدمها فتكون لمن وقعت له القرعة كما لو ادعيا وديعة في يد إنسان فقال هي لأحدكما لا أعرفه عينا وفارق ما إذا كانت في أيديهما لأن يد كل واحد منهما على نصفه فرجح قوله فيه وإن وصفها إنسان فأقام آخر البينة أنها له فهي لصاحب البينة لأنها أقوى من الوصف فإن كان الواصف قد أخذها انتزعت منه وردت إلى صاحب البينة لأننا تبينا أنها له فإن كان قد هلكت فلصاحبها تضمين من شاء من الواصف أو الدافع إليه وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي ويتخرج أن لا يلزم الملتقط شيء وهذا قول ابن القاسم صاحب مالك و أبو عبيد لأنه فعل ما أمر به لأنه أمين غير مفرط ولا مقصر فلا يضمن كما لو دفعها بأمر الحاكم ولأن الدفع واجب عليه فصار الدفع بغير اختياره فلم يضمنها كما لو أخذها كرها
ولنا أنه دفع مال غيره إلى غير مستحقه اختيارا منه فضمنه كما لو دفع الوديعة إلى غير مالكها إذا غلب على ظنه أنه مالكها فأما إن دفعها بحكم حاكم لم يملك صاحبها مطالبة الدافع لأنها مأخوذة منه على سبيل القهر فلم يضمنها كما لو غصبها غاصب ومتى ضمن الواصف لم يرجع على أحد لأن العدوان منه والتلف عنده فإن ضمن الدافع رجع على الواصف لأنه كان سبب تغريمه إلا أن يكون الملتقط قد أقر للواصف أنه صاحبها ومالكها فإنه لا يرجع عليه لأنه اعترف أنه صاحبها ومستحقها وإن صاحب البينة ظلمه بتضمينه فلا يرجع به على غير من ظلمه وإن كانت اللقطة قد تلفت عند الملتقط فضمنه إياها رجع على الواصف بما غرمه وليس لمالكها تضمين الواصف لأن الذي قبضه إنما هو مال الملتقط لا مال صاحب اللقطة بخلاف ما إذا سلم العين فأما إن وصفها إنسان فأخذها ثم جاء آخر فوصفها وادعاها لم يستحق شيئا لأن الأول استحقها لوصفه إياها وعدم المنازع فيها وثبتت يده عليها ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه فوجب إبقاؤها له كسائر ماله

فصل ومسألة : اللقطة وديعة لدى ملتقطها يدفعها إذا جاء صاحبها
فصل : ولو جاء مدع للقطة فلم يصفها ولا أقام بينة أنها له لم يجز دفعها إليه سواء غلب على ظنه صدقه أو كذبه لأنها أمانة فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها كالوديعة فإن دفعها فجاء آخر فوصفها أو أقام بينة لزم الواصف غرامتها له لأنه فوتها على مالكها بتفريطه وله الرجوع على مدعيها لأنه أخذ مال غيره ولصاحبها تضمين آخذها فإذا ضمنه لم يرجع على أحد وإن لم يأت أحد يدعيها فللملتقط مطالبة آخذها بها لأنه لا يأمن من مجيء صاحبها فيغرمه إياها ولأنها أمانة في يده فملك أخذها من غاصبها كالوديعة
مسألة : قال أو مثلها إن كانت قد استهلكت :
وجملة ذلك أن اللقطة في الحول أمانة في يد الملتقط إن تلفت بغير تفريطه أو نقصت فلا ضمان عليه كالوديعة ومتى جاء صاحبها فوجدها أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة لأنها نماء ملكه وإن أتلفها الملتقط أو تلفت بتفريطه ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال وبقيمتها إن لم يكن لها مثل لا أعلم في هذا خلافا وإن تلفت بعد الحول ثبت في ذمته مثلها أو قيمتها بكل حال لأنها دخلت في ملكه وتلفت من ماله وسواء فرط في حفظها أو لم يفرط وإن وجد العين ناقصة وكان نقصها بعد الحول أخد العين وارش نقصها لأن جميعها مضمون إذا تلفت فكذلك إذا نقصت وهذا قول أكثر العلماء الذين حكموا بملكه لها بمضي حول التعريف وأما من قال لا يملكها حتى يتملكها لم يضمنه إياها حتى يتملكها وحكمها قبل تملكه إياها حكمها قبل مضي حول التعريف ومن قال لا تملك اللقطة بحال لم يضمنه إياها وبهذا قال الحسن و النخعي و أبو مجلز و الحارث العكلي و مالك و أبو يوسف قالوا : لا يضمن وإن ضاعت بعد الحول وقد ذكرنا فيما تقدم دليل دخولها في ملكه وقال داود : إذا تملك العين وأتلفها لم يضمنها
وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أنه لوح إلى مثل هذا القول لحديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ فإن جاء ربها وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء ] فجعله مباحا وقوله في حديث أبي بن كعب فإن جاء من يعرفها وإلا فهي كسبيل مالك وفي حديث زيد [ فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ] وروي فهي لك ولم يأمره برد بدلها
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه ] وقال الأثرم قال أحمد : اذهب إلى حديث الضحاك بن عثمان جوده ولم يروه أحد مثل ما رواه [ إن جاء صاحبها بعد سنة وقد أنفقها ردها إليه ] لأنها عين يلزم ردها لو كانت باقية فيلزمه ضمانها إذا أتلفها كما قبل الحول ولأنه مال معصوم فلم يجز إسقاط حقه منه مطلقا كما لو اضطر إلى مال غيره وإن وجد العين زائدة بعد الحول زيادة متصلة أخذها بزيادتها لأنها تتبع في الرد بالعيب والإقالة فتبعت ههنا وإن حدث بعد الحول لها نماء منفصل فهو للملتقط لأنه نماء ملكه متميز لا يتبع في الفسوخ فكان له كنماء المبيع إذا رد بعيب
وذكر أبو الخطاب فيه وجها آخر بناء على المفلس إذا استرجعت منه العين بعد أن زادت زيادة متميزة والولد إذا استرجع أبوه ما وهب له بعد زيادته والصحيح أن الزيادة للملتقط لما ذكرناه وكذلك الصحيح في الموضعين اللذين ذكرهم أن الزيادة لمن حدثت في ملكه ثم الفرق بينهما أنه في مسألتنا يضمن النقص فتكون له الزيادة ليكون الخراج بالضمان وثم لا ضمان عليه فأمكن أن لا يكون الخراج له والله أعلم ومتى اختلفا في القيمة أو المثل فالقول قول الملتقط مع يمينه لأن الأصل براءة ذمته مما حلف عليه

فصل : إذا حدث في اللقطة بعد الحول نماء
فصل : وإن وجد العين بعد خروجها من ملك الملتقط ببيع أو هبة أو نحوهما لم يكن له الرجوع فيها وله أخذ بدلها لأن تصرف الملتقط وقع صحيحا لكونها صارت في ملكه وإن صادفها قد رجعت إلى الملتقط بفسخ أو شراء أو غير ذلك فله أخذها لأنه وجد عين ماله في يد ملتقطه فكان له أخذه كالزوج إذا طلق قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة وسائر أحكام الرجوع ههنا كحكم رجوع الزوج على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى

فصل : إذا أخذ اللقطة ثم ردها إلى موضعها ضمنها
فصل : إذا أخذ اللقطة ثم ردها إلى موضعها ضمنها روي ذلك عن طاوس وبه قال الشافعي وقال مالك لا ضمان عليه لما روى الأثرم عن القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن ثابت بن الضحاك عن عمر أنه قال لرجل وجد بعيرا أرسله حيث وجدته ولما روي عن جرير بن عبد الله أنه رأى في بقره بقرة قد لحقت بها فأمر بها فطردت حتى توارت
ولنا أنها أمانة حصلت في يده فلزمه حفظها فإذا ضيعها لزمه ضمانها كما لو ضيع الوديعة ولأنها لما حصلت في يده لزمه حفظها وتركها تضييعها فأما حديث عمر فهو في الضالة التي لا تحل فأما ما لا يحل التقاطه إذا أخذه فيحتمل أن له رده إلى مكانه ولا ضمان عليه لهذه الآثار ولأنه كان واجبا عليه تركه في مكانه ابتداء فكان له ذلك بعد أخذه ويحتمل أن لا يبرأ من ضمانه برده فإنه دخل في ضمانه فلم يبرأ من ضمانه برده إلى مكانه كالمسروق وما يجوز التقاطه فعلى هذا لا يبرأ إلا برده إلى الإمام أو نائبه وأما عمر فهو كان الإمام فإذا أمر برده كان كأخذه منه وحديث جرير لا حجة فيه لأنه لم يأخذ البقرة ولا أخذها غلامه إنما لحقت بالبقر من غير فعله ولا اختياره

فصل : إذا ضاعت اللقطة من ملتقطها بغير تفريط
فصل : وإن ضاعت اللقطة من ملتقطها بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنها أمانة في يده فأشبهت الوديعة فإن التقطها آخر فعرف أنها ضاعت من الأول فعليه ردها إليه لأنه قد ثبت له حق التمول وولاية التعريف والحفظ فلا يزول ذلك بالضياع فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرفها حولا ملكها لأن سبب الملك وجد منه من غير عدوان فيثبت الملك به كالأول ولا يملك الأول انتزاعها لأن الملك مقدم على حق التملك وإذا جاء صاحبها فله أخذها من الثاني وليس له مطالبة الأول لأنه لم يفرط وإن علم الثاني بالأول فردها إليه فأبى أخذها وقال عرفها أنت فعرفها ملكها أيضا لأن الأول ترك حقه فسقط وإن قال عرفها ويكون ملكها لي ففعل فهو مستنيب له في التعريف ويملكها الأول لأنه وكله في التعريف فصح كما لو كانت في يد الأول وإن قال عرفها وتكون بيننا ففعل صح أيضا وكانت بينهما لأنه أسقط حقه من نصفها ووكله في الباقي وإن قصد الثاني بالتعريف تملكها لنفسه دون الأول احتمل وجهين أحدهما : يملكها لأن سبب الملك وجد منه فملكها كما لو أذن له الأول في تعريفها لنفسه والثاني : لا يملكها لأن ولاية التعريف للأول أشبه ما لو غصبها من الملتقط غاصب فعرفها وكذلك الحكم إذا علم الثاني بالأول فعرفها ولم يعلمه بها ويشبه هذا المتحجر في الموات إذا سبقه غيره إلى ما حجره فأحياه بغير إذنه فأما إن غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم يملكها وجها واحدا لأنه معتد يأخذها ولم يوجد منه سبب تملكها فإن الالتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه ويفارق هذا ما إذا التقطها ثان فإنه وجد منه الالتقاط والتعريف

فصول : فيمن اصطاد سمكة أو غزالا أو اشترى شاة فوجد في بطنها درة أو وجد غيره على شاطء اليمن أو دفنا في الدار التي يسكنها
فصل : ومن اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي للصياد لأن الدر يكون في البحر بدليل قول الله تعالى { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } فتكون لآخذها فإن باعها الصياد ولم يعلم فوجدها المشتري في بطنها فهي للصياد نص عليه أحمد لأنه إذا لم يعلم ما في بطنها فلم يبعه ولم يرض بزوال ملكه عنه فلم يدخل في البيع كمن باع دارا له مال مدفون فيها وإن وجد في بطنها عنبرة أو شيئا مما يكون في البحر فهو للصياد لما ذكرنا وحكمه حكم الجوهرة وإن وجد دراهم أو دنانير فهي لقطة لأن ذلك لا يخلق في البحر ولا يكون إلا لآدمي فيكون لقطة كما لو وجده في البحر وكذلك الحكم في الدرة إذا كان فيها أثر لآدمي مثل أن تكون مثقوبة أو متصلة بذهب أو فضة أو غيرهما فإنها تكون لقطة لا يملكها الصياد لأنها لم تقع في البحر حتى تثبت اليد عليها فهي كالدينار وكذلك الحكم في العنبرة إذا كانت موصولة بذهب أو فضة أو مصنوعة كالتفاحة مثقوبة ونحو ذلك مما لا يخلق عليه في البحر فهي لقطة وإن وجدها الصياد فعليه تعريفها لأنه ملتقطها وإن وجدها المشتري فالتعريف عليه لأنه واجدها ولا حاجة إلى البداية بالبائع فإنه لا يحتمل أن تكون السمكة ابتلعت ذلك بعد اصطيادها وملك الصياد لها فاستوى هو وغيره فأما إن اشترى شاة ووجد في بطنها درة أو عنبرة أو دنانير أو دراهم فهي لقطة يعرفها ويبدأ بالبائع لأنه يحتمل أن تكون ابتلعتها في ملكه فيبدأ به كقولنا في مشتري الدار إذا وجد فيها مالا مدفونا وإن اصطاد السمكة من غير البحر كالنهر والعين فحكمها حكم الشاة في أن ما وجد في بطنها من ذلك فهو لقطة درة كانت أو غيرها لأن ذلك لا يكون إلا في البحر بحكم العادة ويحتمل أن تكون الدرة للصياد لقول الله تعالى { ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها }
فصل : وإن وجد عنبرة على ساحل البحر فهي له لأنه يمكن أن يكون البحر ألقاها والأصل عدم الملك فيها فكانت مباحة لآخذها كالصيد وقد روى سعيد قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن معاوية بن عمرو العبدي قال ألقى بحر عدن عنبرة مثل البعير فأخذها ناس بعدن فكتب إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إلينا أن خذوا منها الخمس وادفعوا إليهم سائرها وإن باعوكموها فاشتروها فأردنا أن نزنها فلم نجد ميزانا يخرجها فقطعناها بائنين ووزناها فوجدناها ستمائة رطل فأخذنا خمسها ودفعنا سائرها إليهم ثم اشتريناها بخمسة آلاف دينار وبعثنا بها إلى عمر بن عبد العزيز فلم يلبث إلا قليل حتى باعها بثلاثة وثلاثين ألف دينار
فصل : وإن صاد غزالا فوجده مخضوبا أو في عنقه حرز أو في أذنه قرط ونحو ذلك مما يدل على ثبوت اليد عليه فهو لقطة لأن ذلك دليل على أنه كان مملوكا وقال أحمد فيمن ألقى شبكة في البحر فوقعت فيها سمكة فجذبت الشبكة فمرت بها في البحر فصادها رجل فإن السمكة للذي حازها والشبكة يعرفها ويدفعها إلى صاحبها فجعل الشبكة لقطة لأنها مملوكة لآدمي والسمكة لمن صادها لأنها كانت مباحة ولم يملكها صاحب الشبكة لكون شبكته لم تثبتها فبقيت على الإباحة وهكذا لو نصب فخا أو شركا فوقع فيه صيد من صيود البر فأخذه وذهب به وصاده آخر فهو لمن صاده ويرد الآلة إلى صاحبها فهي لقطة يعرفها وقال أحمد في رجل انتهى إلى شرك فيه حمار وحش أو ظبية قد شارف الموت فخلصة وذبحه : هو لصاحب الأحبولة وما كان من الصيد في الأحبولة فهو لمن نصبها وإن كان بازيا أو صقرا أو عقابا وسئل عن بازي أو صقر أو كلب معلم أو فهد ذهب عن صاحبه فدعاه فلم يجبه ومر في الأرض حتى أتى لذلك أيام فأتى قرية فسقط على حائط فدعاه رجل فأجابه قال يرده على صاحبه قيل له فإن دعاه فلم يجبه فنصب له شركا فصاده به ؟ قال يرده على صاحبه فجعل هذا لصاحبه لأنه قد ملكه فلم يزل ملكه عنه بذهابه عنه والسمكة في الشبكة لم يكن ملكها ولا حازها وكذلك جعل ما وقع في الأحبولة من البازي والصقر والعقاب لصاحب الأحبولة ولم يجعله ههنا لمن وقع في شركه لأن هذا فيما علم أنه قد كان مملوكا لإنسان فذهب وإنما يعلم هذا بالخبر أو بوجود ما يدل على الملك فيه مثل وجود السير في رجله وآثار التعليم مثل استجابته للذي يدعوه ونحو ذلك ومتى لم يوجد ما يدل على أنه مملوك فهو لمن اصطاده لأن الأصل عدم الملك فيه وإباحته
فصل : ومن أخذت ثيابه من الحمام ووجد بدلها وأخذ مداسه وترك له بدله لم يملكه بذلك قال أبو عبد الله فيمن سرقت ثيابه ووجد غيرها : لم يأخذها فإن أخذها عرفها سنة ثم تصدق بها إنما قال ذلك لأن سارق الثياب لم تجر بينه وبين مالكها معاوضة تقتضي زوال ملكه عن ثيابه فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره ولا يعرف صاحبه فيعرفه كاللقطة ويحتمل أن ينظر في هذا فإن كانت ثم قرينة تدل على السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيرا من المتروكة وكانت مما لا تشتبه على الآخذ بثيابه ومداسه فلا حاجة إلى التعريف لأن التعريف إنما جعل في المال الضائع عن ربه ليعلم به ويأخذه وتارك هذا عالم به راض ببدله عوضا عما أخذه ولا يعترف أنه له فلا يحصل في تعريفه فائدة فإذا هو ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص وفيما يصنع بها ثلاثة أوجه أحدها : أنه يتصدق به على ما ذكرنا
الثاني : أن يباح له أخذها لأن صاحبها في الظاهر تركها له باذلا إياها له عوضا عما أخذه فصار كالمبيح له أخذها بلسانه فصار كمن قهر إنسانا على أخذ ثوبه ودفع إليه درهما
الثالث : أنه يرفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها عوضا عن ماله والوجه الثاني أقرب إلى الرفق بالناس لأن فيه نفعا لمن سرقت ثيابه بحصول عوض عنها ونفعا للسارق بالتخفيف عنه من الإثم وحفظا لهذه الثياب المتروكة من الضياع وقد أباح بعض أهل العلم لمن له على إنسان حق من دين أو غصب أن يأخذ من مال من عليه الحق بقدر ما عليه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك فهنا مع رضاء من عليه الحق بأخذه أولى وإن كانت ثم قرينة دالة على أن الآخذ للثياب إنما أخذها ظنا منه أنها ثيابه مثل أن تكون المتروكة خيرا من المأخوذة أو مثلها وهي ما تشتبه بها فينبغي أن يعرفها ههنا لأن صاحبها لم يتركها عمدا فهي بمنزلة الضائعة منه والظاهر أنه إذا علم بها أخذها ورد ما كان أخذه فتصير كاللقطة في المعنى وبعد التعريف إذا لم تعرف ففيها الأوجه التي ذكرناها إلا أننا إذا قلنا يأخذها أو يبيعها الحاكم ويدفع إليه ثمنها فإنما يأخذ بقدر قيمة ثيابه لا يزيد عليها لأن الزائد فاضل عما يستحقه ولم يرض صاحبها بتركها عوضا عما أخذه فإنه لم يأخذ غيرها اختيارا منه لتركها ولا رضي بالمعاوضة بها وإذا قلنا إنه يدفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها فله أن يشتريها بثمن في ذمته ويسقط عنه من ثمنها ما قابل ثيابه ويتصدق بالباقي والله أعلم
فصل : قال أحمد : فيمن عنده رهون قد أتى عليها زمان لا يعرف صاحبها يبيعها ويتصدق بثمنها فإن جاء صاحبها غرمها له وهذا محمول على من استوفى ديونه التي رهن الرهن بها فأما من لم يستوف دينه فإن كان قد أذن له في بيعها باعها واستوفى دينه من ثمنها وتصدق بالباقي وإن لم يكن أذن له في بيعها رفعها إلى الحاكم ليبيعها ويقبضه حقه من ثمنها ويتصدق بباقيه
فصل : نقل الفضل بن زياد عن أحمد إذا تنازع صاحب الدار والساكن في دفن في الدار فقال كل واحد منهم أنا دفنته بين كل واحد منهما ما الذي دفن فكل من أصاب الوصف فهو له وذلك لأن ما يوجد في الأرض من الدفن مما عليه علامة المسلمين فهو لقطة واللقطة تستحق بوصفها ولأن المصيب للوصف في الظاهر هو من كان ذلك في يده فكان أحق به كما لو تنازعه أجنبيان فوصفه أحدهما
فصل : ومن وجد لقطة في دار الحرب فإن كان في الجيش فقال أحمد : يعرفها سنة في دار الإسلام ثم يطرحها في المقسم إنما عرفها في دار الإسلام لأن أموال أهل الحرب مباحة ويجوز أن تكون لمسلم ولأنه قد لا يمكنه المقام في دار الحرب لتعريفها ومعناه والله أعلم يتمم التعريف في دار الإسلام فأما ابتداء التعريف فيكون في الجيش الذي هو فيه لأنه يحتمل أن تكون لأحدهم فإذا قفل أتم التعريف في دار الإسلام فأما إن كان دخل دارهم بأمان فينبغي أن يعرفها في دارهم لأن أموالهم محرمة عليه فإذا لم تعرف ملكها كما يملكها في دار الإسلام وإن كان في الجيش طرحها في المقسم بعد التعريف لأنه وصل إليها بقوة الجيش فأشبهت مباحات دار الحرب إذا أخذ منها شيئا وإن دخل إليهم متلصصا فوجد لقطة عرفها في دار الإسلام لأن أموالهم مباحة له ثم يكون حكمها حكم غنيمته ويحتمل أن تكون غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف لأن الظاهر أنها من أموالهم وأموالهم غنيمة

مسائل وفصول : تفصيل وفروع في أحكام اللقطة
مسألة : قال : وإن كان الملتقط قد مات فصاحبها غريم بها :
وجملة ذلك أن الملتقط إذا مات واللقطة موجودة بعينها قام وارثه مقامه في إتمام تعريفها إن مات قبل الحول ويملكها بعد إتمام التعريف فإن مات بعد الحول ورثها الوارث كسائر أموال الميت ومتى جاء صاحبها أخذها من الوارث كما يأخذها من الموروث فإن كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميت بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال أو بقيمتها إن لم تكن كذلك فيأخذ ذلك من تركته إن اتسعت لذلك وإن ضاقت التركة زاحم الغرماء ببدلها سواء تلفت بعد الحول بفعله أو بغير فعله لأنها قد دخلت في ملكه بمضي الحول وإن علم أنها تلفت قبل الحول بغير تفريطه فلا ضمان عليه ولا شيء لصاحبها لأنها أمانة في يده تلفت بغير تفريطه فلم يضمنها كالوديعة وكذلك أن تلفت بعد الحول قبل تملكها من غير تفريط على رأي من رأى أنها لا تدخل في ملكه حتى يتملكها وقد مضى الكلام في ذلك فأما إن لم يعلم تلفها ولم يجدها في تركته فظاهر كلام الخرقي أن صاحبها غريم بها سواء كان قبل الحول أو بعده لأن الأصل بقاؤها ويحتمل أن لا يلزم الملتقط شيء ويسقط حق صاحبها لأن الأصل براءة ذمة الملتقط منها ويحتمل أن تكون تلفت بغير تفريطه فلا نشغل ذمته بالشك ويحتمل أنه إن كان الموت قبل الحول فلا شيء عليه لأنها كانت أمانة عنده ولم تعلم جنايته فيها والأصل براءة ذمته منها وإن مات بعد الحول فهي في تركته لأن الأصل بقاؤها إلى ما بعد الحول ودخولها في ملكه ووجوب بدلها عليه فإن قيل فقد قلتم إن صاحبها لو جاء بعد بيع الملتقط لها أو هبته لم يكن له إلا بدلها فلم قلتم أنها إذا انتقلت إلى الوارث بملك صاحبها أخذها ؟ قلنا لأن الوارث خليفة الموروث وإنما يثبت له الملك فيها على الوجه الذي كان ثابتا لموروثه وملك موروثه فيها كان مراعى مشروطا بعدم مجيء صاحبها فكذلك ملك وارثه بخلاف ملك المشتري والمتهب فإنهما يملكان ملكا مستقرا
مسألة : قال : وإن كان صاحبها جعل لمن وجدها شيئا معلوما فله أخذه إن كان التقطها بعد أن بلغه الجعل :
وجملة ذلك أن الجعالة في رد الضالة والابق وغيرهما جائزة وهذا قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا والأصل في ذلك قول الله عز و جل { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } وروى أبو سعيد [ أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أتوا حيا من أحياء العرب فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا هل فيكم راق ؟ فقالوا لم تقرونا فلا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم قطيع شياه فجعل رجل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ الرجل فأتوهم بالشاء فقالوا لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألوا النبي صلى الله عليه و سلم فقال : وما أدراك أنها رقية ؟ خذوها واضربوا لي معكم بسهم ] رواه البخاري ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإن العمل قد يكون مجهولا كرد الآبق والضالة ونحو ذلك ولا تنعقد الإجارة فيه والحاجة داعية إلى ردهما وقد لا يجد من يتبرع به فدعت الحاجة إلى إباحة بذل الجعل فيه مع جهالة العمل لأنها غير لازمة بخلاف الإجارة ألا ترى أن الإجارة لما كانت لازمة افتقرت إلى تقدير مدة والعقود الجائزة كالشركة والوكالة لا يجب تقدير مدتها ولأن الجائزة لكل واحد منهما تركها فلا يؤدي إلى أن يلزمه مجهول عنده بخلاف اللازمة إذا ثبت هذا فإذا قال من رد علي ضالتي أو عبدي الآبق أو خاط لي هذا القميص أو بنى لي هذا الحائط فله كذا وكذا صح وكان عقدا جائزا لكل واحد منهما الرجوع فيه قبل حصول العمل لكن إن رجع الجاعل قبل التلبس بالعمل فلا شيء عليه وإن رجع بعد التلبس به فعليه للعامل أجرة مثله لأنه إنما عمل بعوض فلم يسلم له وإن فسخ العامل قبل إتمام العمل فلا شيء له لأنه أسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شرط عليه العوض ويصير كعامل المضاربة وإذا فسخ قبل ظهور الربح ولا بد أن يكون العوض معلوما والفرق بينه وبين العمل من وجهين :
أحدهما : أن الحاجة تدعو إلى كون العمل مجهولا بأن لا يعلم موضع الضالة والآبق ولا حاجة إلى جهالة العوض
والثاني : أن العمل لا يصير لازما فلم يجب كونه معلوما والعوض يصير لازما بإتمام العمل فوجب كونه معلوما ويحتمل أن تجوز الجعالة مع جهالة العوض إذا كانت الجهالة لا تمنع التسليم نحو أن يقول من رد عبدي الآبق فله نصفه ومن رد ضالتي فله ثلثها فإن أحمد قال إذا قال الأمير في الغزو من جاء بعشرة رؤوس فله رأس جاز وقالوا : إذا جعل جعلا لمن يدله على قلعة أو طريق سهل وكان الجعل من مال الكفار جاز أن يكون مجهولا كجارية بعينها العامل فتخرج ههنا مثله فأما إن كانت الجهالة تمنع التسليم لم تصح الجعالة وجها واحدا وإن كان العمل معلوما مثل أن يقول : من رد عبدي من البصرة أو بنى لي هذا الحائط أو خاط قميصي هذا فله كذا صح لأنه إذا صح مع الجهالة فمع العلم أولى وإن علقه بمدة معلومة فقال من رد لي عبدي من العراق إلى شهر فله دينار أو من خاط قميصي هذا في اليوم فله درهم صح لأن المدة إذا جازت مجهولة فمع التقدير أولى فإن قيل الصحيح من المذهب أن مثل هذا لا يجوز في الإجارة فكيف أجزتموه في الجعالة ؟ قلنا الفرق بينهما من وجوه أحدها : أن الجعالة يحتمل فيها الغرر وتجوز جهالة العمل والمدة بخلاف الإجارة الثاني : أن الجعالة عقد جائز فلا يلزمه بالدخول فيها مع الغرر ضرر بخلاف الإجارة فإنها عقد لازم فإذا دخل فيها مع الغرر لزمه ذلك الثالث : أن الإجارة إذا قدرت بمدة لزمه العمل في جميعها ولا يلزمه العمل بعدها فإذا جمع بين تقدير المدة والعمل فربما عمله قبل المدة فإن قلنا يلزمه العمل في بقية المدة فقد لزمه من العمل أكثر من المعقود عليه وإن قلنا لا يلزمه فقد خلا بعض المدة من العمل فإن انقضت المدة قبل عمله فألزمناه إتمام العمل فقد لزمه العمل في غير المدة المعقود عليها وإن قلنا لا يلزمه العمل فما أتى بالمعقود عليه من العمل بخلاف مسألتنا فإن العمل الذي يستحق به الجعل هو عمل مقيد بمدة إن أتى به فيها استحق الجعل ولا يلزمه شيء آخر وإن لم يف به فيها فلا شيء له إذا ثبت هذا فإنما يستحق الجعل من عمل العمل بعد أن بلغه ذلك لأنه عوض يستحق بعمل فلا يستحقه من لم يعمل كالأجر في الإجارة
فصل : ويجوز أن يجعل الجعل في الجعالة لواحد بعينه فيقول له إن رددت عبدي فلك دينار فلا يستحق الجعل من يرده سواه ويجوز أن يجعله لغير معين فيقول من رد عبدي فله دينار فمن رده استحق الجعل ويجوز أن يجعل لواحد في رده شيئا معلوما ولآخر أكثر منه أو أقل ويجوز أن يجعل للمتعين عوضا ولسائر الناس عوضا آخر لأنه يجوز أن يكون الأجر في الإجارة مختلفا مع التساوي في العمل فههنا أولى فإن قال من رد لقطتي فله دينار فردها ثلاثة فلهم الدينار بينهم أثلاثا لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العوض فاشتركوا في العوض كالأجر في الإجارة فإن قيل أليس لو قال من دخل هذا النقب فله دينار فدخله جماعة استحق كل واحد منهم دينارا كاملا فلم لا يكون ههنا كذلك ؟ قلنا لأن كل واحد من الداخلين دخل دخولا كاملا كدخول المنفرد فاستحق العوض كاملا وههنا لم يرده واحد منهم كاملا إنما اشتركوا فيه فاشتركوا في عوضه فنظير مسألة الدخول ما لو قال من رد عبدا من عبيدي فله دينار فرد كل واحد منهم عبدا ونظير مسألة الرد ما لو قال من نقب السور فله دينار فنقب ثلاثة نقبا واحدا فإن جعل لواحد في ردها دينارا ولآخر دينارين ولثالث ثلاثة فرده الثلاثة فلكل واحد منهم ثلث ما جعل له لأنه عمل ثلث العمل فاستحق ثلث المسمى فإن جعل لواحد دينارا ولآخرين عوضا مجهولا فردوه معا فلصاحب الدينار ثلاثة وللآخرين أجر عملهما وإن جعل لواحد شيئا في ردها فردها هو وآخران معه وقالا رددناه معاونة له استحق جميع الجعل ولا شيء لهما وإن قالا رددناه لنأخذ العوض لأنفسنا فلا شيء لهما وله ثلث الجعل لأنه عمل ثلث العمل فاستحق ثلث الجعل ولم يستحق الآخران شيئا لأنهما عملا من غير جعل وهذا كله مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا
فصل : وإن قال : من رد عبدي من بلد كذا فله دينار فرده إنسان من نصف طريق ذلك البلد استحق نصف الجعل لأنه عمل نصف العمل وكذلك لو قال من رد عبدي فله دينار فرد أحدهما فله نصف الدينار لأنه رد نصف العبدين وإن رد العبد من غير البلد المسمى فلا شيء له لأنه لم يجعل في رده منه شيئا فأشبه ما لو جعل في رد أحد عبديه شيئا فرد الآخر ولو قال من رد عبدي فله دينار فرده إنسان إلى نصف الطريق فهرب منه لم يستحق شيئا لأنه شرط الجعل برده ولم يرده وكذلك لو مات كما لو استأجر لخياطة ثوب فخاطه ولم يسلمه حتى تلف لم يستحق أجرة فإن قيل فإن كان الجاعل قال من وجد لقطتي فله دينار فقد وجد الوجدان ؟ قلنا قرينة الحال تدل على اشتراط الرد والمقصود هو الرد لا الوجدان المجرد وإنما اكتفى بذكر الوجدان لأنه سبب الرد فصار كأنه قال من وجد لقطتي فردها علي
فصل : والجعالة تساوي الإجارة في اعتبار العلم بالعوض وما كان عوضا في الإجارة جاز أن يكون عوضا في الجعالة وما لا فلا وفي أن ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة من الأعمال جاز أخذه عليه في الجعالة وما لا يجوز أخذ الأجرة عليه في الإجارة مثل الغناء والزمر وسائر المحرمات لا يجوز أخذ الجعل عليه وما يختص فاعله أن يكون من أهل القربة مما لا يتعدى نفعه فاعله كالصلاة والصيام لا يجوز أخذ الجعل عليه فإن كان مما يتعدى نفعه كالأذان والإقامة والحج ففيه وجهان كالروايتين في الإجارة ويفارق الإجارة في أنه عقد جائز وهي لازمة وإنه لا يعتبر العلم بالمدة ولا بمقدار العمل ولا يعتبر وقوع العقد مع واحد معين فعلى هذا متى شرط عوضا مجهولا كقوله إن رددت عبدي فلك ثوب أو فلك سلبه أو شرط عوضا محرما كالخمر والحر أو غير مقدور عليه كقوله من رد عبدي فله ثلثه أو من رد عبدي فله أحدهما فرده إنسان استحق أجر المثل لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له فاستحق أجره كما في الإجارة
فصل : ومن رد لقطة أو ضالة أو عمل لغيره عملا غير رد الآبق بغير جعل لم يستحق عوضا لا نعلم في هذا خلافا لأنه عمل يستحق به العوض مع المعاوضة فلا يستحق مع عدمها كالعمل في الإجارة فإن اختلفا في الجعل فقال جعلت لي في رد لقطتي كذا فأنكره المالك فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل معه وإن اتفقا على العوض واختلفا في قدره فالقول قول المالك لأن الأصل عدم الزائد المختلف فيه ولأن القول قوله في أصل العوض فكذلك في قدره كرب المال في المضاربة ويحتمل أن يتحالفا كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن والأجير والمستأجر إذا اختلفا في قدر الأجر فعلى هذا إن تحالفا فسخ العقد ووجب أجر المثل وكذلك الحكم إن اختلفا في المسافة فقال جعلت لك الجعل على ردها من حلب فقال بل على ردها من حمص وإن اختلفا في عين العبد الذي جعل الجعل في رده فقال رددت العبد الذي شرطت لي الجعل فيه قال بل شرطت لك الجعل في العبد الذي لم ترده فالقول قول المالك لأنه أعلم بشرطه ولأنه ادعى عليه شرطا في هذا العقد فأنكره والأصل عدم الشرط
فصل : أما العبد الآبق فإنه يستحق الجعل برده وإن لم يشرط له روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز ومالك وأصحاب الرأي وقد روي عن أحمد أنه لم يكن يوجب ذلك قال ابن منصور سئل أحمد عن جعل الآبق فقال لا أدري قد تكلم الناس فيه لم يكن عنده فيه حديث صحيح فظاهر هذا أنه لا جعل له فيه وهو ظاهر قول الخرقي فإنه قال : وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه ولم يذكر جعلا وهذا قول النخعي و الشافعي و ابن المنذر لأنه عمل لغيره عملا من غير أن يشرط له عوضا فلم يستحق شيئا كما لو رد جمله الشارد
ووجه الرواية الأولى ما روى عمرو بن دينار وابن أبي مليكة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل في جعل الآبق إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا ] وأيضا فإنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم في زمنهم مخالفا فكان إجماعا ولأن في شرط الجعل في ردهم حثا على رد الإباق وصيانة لهم عن الرجوع إلى دار الحرب وردتهم عن دينهم وتقوية أهل الحرب بهم فينبغي أن يكون مشروعا لهذه المصلحة وبهذا فارق رد الشارد فإنه لا يفضي إلى ذلك والرواية الأخرى أقرب إلى المصلحة لأن الأصل عدم الوجوب والخبر المروي في هذا مرسل وفيه مقال ولم يثبت الإجماع فيه ولا القياس فإنه لم يثبت اعتبار الشرع لهذه المصلحة المذكورة فيه ولا تحققت أيضا فإنه ليس الظاهر هربهم إلى دار الحرب إلا في المجلوب منها إذا كانت قريبة وهذا بعيد فيهم فأما على الرواية الأولى فقد اختلفت الرواية في قدر الجعل فروي عن أحمد أنه عشرة دراهم أو دينار و دينار إن رده من المصر وإن رده من خارجه ففيه روايتان إحداهما : يلزمه دينار أو اثنا عشر درهما للخبر المروي فيه ولأن ذلك يروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما والثانية : له أربعون درهما إن رده من خارج المصر اختارها الخلال وهو قول ابن مسعود وشريح فروى أبو عمرو الشيباني قال قلت لعبد الله بن مسعود : إني أصبت عبيدا إباقا فقال لك أجر وغنيمة فقلت هذا الأجر فما الغنيمة ؟ قال من كل رأس أربعين درهما
وقال أبو إسحاق : أعطيت الجعل في زمن معاوية أربعين درهما وهذا يدل على أنه مستفيض في العصر الأول قال الخلال : حديث ابن مسعود أصح إسنادا وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال إذا وجده على مسيرة ثلاث فله ثلاثة دنانير وقال أبو حنيفة : إن رده من مسيرة ثلاثة أيام فله أربعون درهما وإن كان من دون ذلك يرضخ له على قدر المكان الذي تعنى إليه ولا فرق عند إمامنا بين أن يزيد الجعل على قيمة العبد أو لا يزيد وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة إن كان قليل القيمة نقص الجعل من قيمته درهما لئلا يفوت عليه العبد جميعه
ولنا عموم الدليل ولأنه جعل يستحق في رد الآبق فاستحقه وإن زاد على قيمته كما لو جعله له صاحبه ويستحقه إن مات سيده في تركته وبهذا قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف إن كان الذي رده من ورثة المولى سقط الجعل
ولنا أن هذا عوض عن عمله فلا يسقط بالموت كالأجر في الإجارة وكما لو كان من غير ورثة المولى إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون من رده معروفا برد الإباق أو لم يكن وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك إن كان معروفا بذلك استحق الجعل وإلا فلا ولنا الخبر والأثر المذكور من غير تفريق ولأنه رد آبقا فاستحق الجعل كالمعروف بردهم
فصل : ويجوز أخذ الآبق لمن وجده وبهذا قال مالك و الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا وذلك لأن العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب وارتداده واشتغاله بالفساد في في سائر البلاد بخلاف الضوال التي تحفظ نفسها فإذا أخذه فهو أمانة في يده إن تلف بغير تفريطه فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا اقام به البينة أو اعترف العبد أنه سيده وإن لم يجد سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة في بيعه ونحو ذلك قال مالك وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد ينحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإن باعه فالبيع فاسد في قول عامة أهل العلم منهم أبو حنيفة و الشافعي وإن باعه الإمام لمصلحة رآها في بيعه فجاء سيده فاعترف أنه كان أعتقه قبل منه لأنه لا يجر إلى نفسه بهذا نفعا ولا يدفع عنها ضررا ويحتمل أن لا يقبل لأنه ملك لغيره فلا يقبل إقراره في ملك غيره كما لو باعه السيد ثم أقر بعتقه فعلى هذا ليس لسيده أخذ ثمنه لأنه يقر أنه حر ولا يستحق ثمنه ولكن يؤخذ إلى بيت المال لأنه لا مستحق له فهو كتركة من مات ولا وارث له فإن عاد السيد فأنكر العتق وطلب المال دفع إليه لأنه مال لا منازع له فيه
فصل : وإذا أبق العبد فحصل في يد حاكم فأقام سيده بينة عند حاكم بلد آخر أن فلانا الذي صفته كذا وكذا واستقصى صفاته عبد فلان بن فلان أبق منه فقبل الحاكم بينته وكتب الحاكم إلى الحاكم الذي عنده العبد ثبت عندي إباق عبد فلان الذي صفته كذا وكذا قبل كتابه وسلم إليه العبد وهذا قول أبي يوسف ومحمد وأحد قولي الشافعي إلا أن أبا يوسف قال : يأخذ به كفيلا لأن البينة أثبتته بصفاته كما ثبت في الذمة بوصفه في السلم وقال أبو حنيفة ومحمد : لا يجب تسليمه لأنهم لا يشهدون على عينه وإنما يشهدون بالصفات وقد تتفق الصفات مع اختلاف الأعيان ويفارق المسلم فيه فإن الواجب أقل ما يوجد منه الصفة وهو غير معين
ولنا أنه يقبل كتاب الحاكم إلى الحاكم على شخص غائب ويؤخذ المحكوم عليه بالحق وليس ثم شهادة على عين وإنما يؤخذ المحكوم عليه باسمه ونسبه وصفته فكذا ها هنا إذا ثبت وجوب تسليمه فإن الحاكم الذي يسلمه يختم في عنقه خيطا ضيقا لا يخرج من رأسه ويدفعه إلى المدعي أو وكيله ليحمله إلى الحاكم الكاتب ليشهد الشهود على عينه فإن شهدوا بعينه سلم إلى مدعيه وإن لم يشهدوا وجب رده إلى الحاكم الأول ويكون في ضمان الذي أخذه لأنه أخذه بغير استحقاق
مسألة : قال : وإن كان التقطها قبل ذلك فردها لعلة الجعل لم يجز له أخذها :
إنما كان كذلك لأنه إذا التقطها قبل أن يبلغه الجعل فقد التقطها بغير عوض وعمل في مال غيره بغير جعل جعل فلا يستحق شيئا كما لو التقطها ولم يجعل ربها فيها شيئا وفارق الملتقط بعد بلوغه الجعل فإنه إنما بذل منافعه بعوض جعل له فاستحقه كالأجير إذا عمل بعد العقد وسواء كان التقاطه لها بعد الجعل أو قبله لما ذكرنا ولا يستحق أخذ الجعل بردها لأن الرد واجب عليه من غير عوض فلم يجز أخذ العوض عن الواجب كسائر الواجبات وإنما يأخذه الملتقط في موضع يجوز له أخذه عوضا عن الالتقاط المباح إذا ثبت هذا فإن ملتقطها قبل أن يبلغه الجعل لا يستحق شيئا سواء ردها لعلة الجعل أو لغيره لأنه إذا لم يستحقه مع قصده إياه وعمله من أجله فلأن لا يستحقه مع عدم ذلك أولى وإنما ذكر الخرقي ردها لعلة الجعل إن شاء الله لينبه به على عدم استحقاقه فيما إذا ردها لغير علة ولأن الحاجة إنما تدعو إلى معرفة الحكم فيمن يريد الجعل أما من تركه ولا يريده فلا يقع التنازع فيه غالبا والله أعلم

مسألة وفصول : وإن كان الذي وجد اللقطة سفيها أو طفلا قام وليه عرفها وليه وفروع في العبد
مسألة : وإن كان الذي وجد اللقطة سفيها أو طفلا قام وليه بتعريفها فإن تمت السنة ضمها إلى مال واجدها :
وجملة ذلك أن الصبي والمجنون والسفيه إذا التقط أحدهم لقطة ثبتت يده عليها لعموم الأخبار ولأن هذا تكسب فصح منه كالاصطياد والاحتطاب وإن تلفت في يده بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنه أخذ ما له أخذه وإن تلفت بتفريطه ضمنها في ماله وإذا علم بها وليه لزمه أخذها لأنه ليس من أهل الحفظ والأمانة فإن تركها في يده ضمنها لأنه يلزمه حفظ ما يتعلق به حق الصبي وهذا يتعلق به حقه فإذا تركها في يده كان مضيعا لها وإذا أخذها الولي عرفها لأن واجدها ليس من أهل التعريف فإذا انقضت مدة التعريف دخلت في ملك واجدها لأن سبب الملك تم شرطه فيثبت الملك له كما لو اصطاد صيدا وهذا مذهب الشافعي إلا أن أصحابه قالوا إذا انقضت مدة التعريف فكان الصبي والمجنون بحيث يستقرض لهما يتملكه لهما وإلا فلا وقال بعضهم يتملكه لهما بكل حال لأن الظاهر عدم ظهور صاحبه فيكون تملكه مصلحة له
ولنا عموم الأخبار ولو جرى هذا مجرى الاقتراض لما صح التقاط صبي لا يجوز الاقتراض له لأنه يكون تبرعا بحفظ مال غيره من غير فائدة
فصل : قال أحمد في رواية العباس بن موسى في غلام له عشر سنين التقط لقطة ثم كبر فإن وجد صاحبها دفعها إليه وإلا تصدق بها قد مضى أجل التعريف فيما تقدم من السنين ولم ير عليه استقبال أجل التعريف قال وقد كنت سمعته قبل هذا أو بعده يقول في انقضاء أجل التعريف إذا لم يجد صاحبها أيتصدق بمال الغير ؟ وهذه المسألة قد مضى نحوها فيما إذا لم يعرف الملتقط اللقطة في حولها فإنه لا يملكها وإن عرفها فيما بعد ذلك لأن التعريف بعده لا يفيد ظاهرا لكون صاحبها يئس منها وترك طلبها وهذه المسألة تدل على أنه إذا ترك التعريف لعذر كان كتركه لغير عذر لكون الصبي من أهل العذر وقد ذكرنا في هذا وجهين فيما تقدم وقال أحمد في غلام لم يبلغ أصاب عشرة دنانير فذهب بها إلى منزله فضاعت فلما بلغ أراد ردها فلم يعرف صاحبها تصدق بها وإن لم يجد عشرة وكان يجحف به تصدق قليلا قليلا قال القاضي معنى هذا أنها تلفت بتفريط الصبي وهو أنه لم يعلم وليه حتى يقوم بتعريفها
فصل : فإذا وجد العبد لقطة فله أخذها بغير إذن سيده ويصح التقاطه وبهذا قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يصح التقاطه لأن اللقطة في الحول الأول أمانة ولاية في الثاني تملك والعبد ليس من أهل الولايات ولا الملك
ولنا عموم الخبر ولأن الالتقاط سبب يملك به الصبي ويصح منه فصح من العبد كالاحتطاب والاصطياد ولأن من جاز له قبول الوديعة صح منه الالتقاط كالحر وقولهم إن العبد ليس من أهل الولايات والأمانات يبطل بالصبي والمجنون فإنهما أدنى حالا منه في هذا وقولهم إن العبد لا يملك ممنوع وإن سلمنا فإنه يتملك لسيده كما يحصل بسائر الاكتساب ولأن الالتقاط تخليص مال من الهلاك فجاز من العبد بغير إذن سيده كإنقاذ المال الغريق والمغصوب إذا ثبت هذا فإن التقط العبد لقطة كانت أمانة في يده إن تلفت بغير تفريط في حول التعريف لم يضمن وإن تلفت بتفريطه أو إتلاف وجب ضمانها في رقبته كسائر جناياته وإن عرفها صح تعريفه لأن له قولا صحيحا فصح تعريفه كالحر فإذا تم حول التعريف ملكها سيده لأن الالتقاط كسب العبد وكسبه لسيده وإن علم السيد بلقطة عبده كان له انتزاعها منه لأنها من كسب العبد وللسيد انتزاع كسبه من يده فإذا انتزعها بعد أن عرفها العبد ملكها وإن كان لم يعرفها عرفها سيده حولا كاملا وإن كان العبد قد عرفها بعض الحول عرفها السيد تمامه فإن اختار السيد إقرارها في يد عبده نظرت فإن كان العبد أمينا جاز وكان السيد مستعينا بعبده في حفظها كما يستعين به في حفظ ماله وإن كان العبد غير أمين كان السيد مفرطا بإقرارها في يده ولزمه ضمانها كما لو أخذها من يده ثم ردها إليه لأن يد العبد كيده وما يستحق بها فهو لسيده وإن أعتق السيد عبده بعد الالتقاط فله انتزاع اللقطة من يده لأنها من كسبه وإكسابه لسيده ومتى علم العبد أن سيده غير مأمون عليها لزمه سترها عنه وتسليمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان فإن أعلم سيده بها فلم يأخذها منه أو أخذها فعرفها وأدى الأمانة فيها فتلفت في الحول الأول بغير تفريطه فلا ضمان فيها لأنها لم تتلف بتفريط من أحدهما وإن لم يؤد الأمانة فيها وجب ضمانها ويتعلق الضمان برقبة العبد وذمة السيد جميعا لأن التفريط حصل منهما جميعا
فصل : والمكاتب كالحر في اللقطة لأن المال له في الحال وإكسابه له دون سيده واللقطة من اكتسابه فإن عجز عاد عبدا وصار حكمه في اللقطة حكم العبد على ما مر بيانه وأم الولد والمعلق عتقه بصفة والمدبر كالقن ومن نصفه حر إذا التقط شيئا ولم يكن بينه وبين سيده مهايأة فهو بينهما بعد التعريف نصفين كسائر إكسابه وهي بينهما في حول التعريف كالحرين التقطا لقطة وإن كان بينهما مهايأة ففيها وجهان أحدهما : لا تدخل في المهايأة لأنها كسب نادر لا يعلم وجوده ولا يظن فلم تدخل في المهايأة وتكون بينهما والثاني : تدخل في المهايأة لأنها من كسبه فأشبهت سائر إكسابه فإن وجدها في يومه فهي له وإن وجدها في يوم سيده فهي له وإن كان العبد مشتركا بين اثنين فلقطته بينهما على ما ذكرنا فيمن بعضه حر وبعضه رقيق
فصل : والذمي في الالتقاط كالمسلم ومن أصحاب الشافعي من قال ليس له الالتقاط في دار الإسلام لأنه ليس من أهل الأمانة
ولنا أنها نوع اكتساب فكان من أهلها كالحش والاحتطاب وما ذكروه يبطل بالصبي والمجنون فإنه يصح التقاطهما مع عدم الأمانة إذا ثبت هذا فإنه إن عرف اللقطة حولا ملكها كالمسلم وإن علم بها الحاكم أو السلطان أقرها في يده وضم إليه مشرفا عدلا يشرف عليه ويعرفها لأننا لا نأمن الكافر على تعريفها ولا نأمنه أن يخل في التعريف بشيء من الواجب عليه فيه وأجر المشرف عليه فإذا تم حول التعريف ملكها الملتقط ويحتمل أن تنزع من يد الذمي وتوضع على يد عدل لأنه غير مأمون عليها
فصل : ويستحب لمن ليس بأمين أن لا يأخذ اللقطة لأنه يعرض نفسه للأمانة وليس هو من أهلها فإن التقط صح التقاطه لأنها جهة من جهات الكسب وهو من أهل الكسب ولأنه إذا صح التقاط الكافر فالمسلم أولى فإذا التقطها فعرفها حولا ملكها كالعدل وإن علم الحاكم أو السلطان بها أقرها في يده وضم إليه مشرفا يشرف عليه ويتولى تعريفها كما قلنا في الذمي لأنه لا نأمنه عليها وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر ينزعها من يده ويضعها في يد عدل
ولنا أن من خلي بينه وبين الوديعة لم تزل يده عن اللقطة كالعدل والحفظ يحصل بضم المشرف إليه وإن لم يمكن المشرف حفظها منه انتزعت من يده وتركت في يد عدل فإذا عرفها وتمت السنة ملكها ملتقطها لأن سبب الملك وجد منه

مسألة : وإذا وجد شاة بمصر أو بمهلكة
مسألة : قال : وإذا وجد الشاة بمصر أو بمهلكة فهي لقطة :
يعني أنه يباح أخذها والتقاطها وحكمها إذا أخذها حكم الذهب والفضة في التعريف والملك بعده هذا الصحيح من مذهب أحمد وقول أكثر أهل العلم قال ابن عبد البر أجمعوا على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها وكذلك الحكم في كل حيوان لا يمتنع بنفسه من صغار السباع وهي الثعلب وابن آوى والذئب وولد الأسد ونحوها فما لا يمتنع منها كفصلان الإبل وعجول البقر وأفلاء الخيل والدجاج والأوز ونحوها يجوز التقاطه ويروى عن أحمد رواية أخرى ليس لغير الإمام التقاطها وقال الليث بن سعد : لا أحب أن يقربها إلا أن يحرزها لصاحبها لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يؤوي الضالة إلا ضال ] ولأنه حيوان أشبه الإبل
ولنا [ قول النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن الشاة : خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ] متفق عليه ولأنه يخشى عليه التلف والضياع فأشبه لقطة غير الحيوان وحديثنا أخص من حديثهم فنخصه به والقياس على الإبل لا يصح فإن النبي صلى الله عليه و سلم علل منع التقاطها بأن معها حذاءها وسقاءها وهذا معدوم في الغنم ثم قد فرق النبي صلى الله عليه و سلم بينهما في خبر واحد فلا يجوز الجمع بين ما فرق الشارع بينهما ولا قياس ما أمر بالتقاطه على ما منع ذلك منه إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يجدها بمصر أو بمهلكة وقال مالك و أبو عبيد و ابن المنذر : في الشاة توجد في الصحراء : اذبحها وكلها وفي المصر ضمها حتى يجدها صاحبها لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ هي لك أو لأخيك أو للذئب ] والذئب لا يكون في المصر
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال خذها ولم يفرق ولم يستفصل ولو افترق الحال لسأل أو استفصل ولأنها لقطة فاستوى فيها المصر والصحراء كسائر اللقطات وقولهم إن الذئب لا يكون إلا في الصحراء قلنا كونها للذئب في الصحراء لا يمنع كونها لغيره في المصر إذا ثبت هذا فإنه متى عرفها حولا كاملا ملكها وذكر القاضي و أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أنه لا يملكها ولعلها الرواية التي منع من التقاطها فيها
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ هي لك أو لأخيك ] فأضافها إليه بلام التمليك ولأنها يباح التقاطها فملكت بالتعريف كالأثمان ولأن ذلك إجماع حكاه ابن عبد البر

فصول : ثبوت قيمة اللقطة في ذمة اللاقط إذا أكلها
فصل : ويتخير ملتقطها بين ثلاثة أشياء الأول : أكلها في الحال وبهذا قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي وغيرهم قال ابن عبد البر : أجمعوا على أن ضالة الغنم في المواضع المخوف عليها له أكلها والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم [ هي لك أو لأخيك أو للذئب ] فجعلها له في الحال وسوى بينه وبين الذئب والذئب لا يستأني بأكلها ولأن في أكلها في الحال إغناء عن الإنفاق عليها وحراسة لماليتها على صاحبها إذا جاء فإنه يأخذ قيمتها بكمالها من غير نقص وفي إبقائها تضييع للمال بالإنفاق عليها والغرامة في علفها فكان أكلها أولى ومتى أراد أكلها حفظ صفتها فمتى جاء صاحبها غرمها له في قول عامة أهل العلم إلا مالكا فإنه قال كلها ولا غرم عليك لصاحبها ولا تعريف لها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ هي لك ] ولم يوجب فيها تعريفا ولا غرما وسوى بينه وبين الذئب والذئب لا يعرف ولا يغرم قال ابن عبد البر لم يوافق مالكا أحد من العلماء على قوله وقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عبد الله بن عمرو : [ رد على أخيك ضالته ] دليل على أن الشاة على ملك صاحبها ولأنها لقطة لها قيمة وتتبعها النفس فتجب غرامتها لصاحبها إذا جاء كغيرها ولأنها ملك لصاحبها فلم يجز تملكها عليه بغير عوض من غير رضاه كما لو كانت بين البنيان ولأنها عين يجب ردها مع بقائها فوجب غرمها إذا أتلفها كلقطة الذهب وقول النبي صلى الله عليه و سلم [ هي لك ] لا يمنع وجوب غرامتها فإنه قد أذن في لقطة الذهب والورق بعد تعريفها في أكلها وإنفاقها وقال هي كسائر مالك ثم أجمعنا على وجوب غرامتها كذلك الشاة ولا فرق في إباحة أكلها بين وجدانها في الصحراء أو في المصر وقال مالك و أبو عبيد وأصحاب الشافعي و ابن المنذر : ليس له أكلها في المصر لأنه يمكنه بيعها بخلاف الصحراء
ولنا أن ما جاز أكله في الصحراء أبيح في المصر كسائر المأكولات ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ هي لك ] ولم يفرق ولأن أكلها معلل بما ذكرنا من الاستغناء عن الإنفاق عليها وهذا في المصر أشد منه في الصحراء الثاني : أن يمسكها على صاحبها وينفق عليها من ماله ولا يتملكها وإن أحب أن ينفق عليها محتسبا بالنفقة على مالكها وأشهد على ذلك فهل له أن يرجع بالنفقة على روايتين : إحداهما : يرجع به نص عليه في رواية المروذي في طيرة أفرخت عند قوم فقضى أن الفراخ لصاحب الطيرة ويرجع بالعلف إذا لم يكن متطوعا وقضى عمر بن عبد العزيز فيمن وجد ضالة فأنفق عليها وجاء ربها بأنه يغرم له ما أنفق وذلك لأنه أنفق على اللقطة لحفظها فكان من مال صاحبها كمؤنة الرطب والعنب والرواية الثانية : لا يرجع بشيء وهو قول الشعبي و الشافعي ولم يعجب الشعبي قضاء عمر بن عبد العزيز لأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه فلم يرجع كما لو بنى داره ويفارق العنب والرطب فإنه ربما كان تجفيفه والإنفاق عليه في ذلك أحظ لصاحبه لأن النفقة لا تتكرر والحيوان يتكرر الإنفاق عليه فربما استغرق قيمته فكان بيعه أو أكله أحظ فلذلك لم يحتسب المنفق عليه بما أنفق
الثالث : أن يبيعها ويحفظ ثمنها لصاحبها وله أن يتولى ذلك بنفسه وقال بعض أصحاب الشافعي يبيعها بإذن الإمام
ولنا أنه إذا جاز له أكلها بغير إذن فبيعها أولى ولم يذكر أصحابنا لها تعريفا في هذه المواضع وهذا قول مالك لحديث زيد بن خالد فإنه صلى الله عليه و سلم قال [ خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ] ولم يأمر بتعريفها كما أمر في لقطة الذهب والورق
ولنا أنها لقطة لها خطر فوجب تعريفها كالمطعوم الكثير وإنما ترك ذكر تعريفها لأنه ذكرها بعد بيانه التعريف فيما سواها فاستغنى بذلك عن ذكره فيها ولا يلزم من جواز التصرف فيها في الحول سقوط التعريف كالمطعوم
فصل : إذا أكلها ثبتت قيمتها في ذمته ولا يلزمه عزلها لعدم الفائدة في ذلك فإنها لا تنتقل من الذمة إلى المال المعزول ولو عزل شيئا ثم أفلس كان صاحب اللقط أسوة الغرماء ولم يختص بالمال المعزول وإن باعها وحفظ ثمنها وجاء صاحبها أخذه ولم يشاركه فيه أحد من الغرماء لأنه عين ماله لا شيء للمفلس فيه
فصل : وإذا التقط ما لا يبقى عاما فذلك نوعان أحدهما : ما لا يبقى بعلاج ولا غيره كالطبيخ والبطيخ والفاكهة التي لا تجفف والخضراوات فهو مخير بين أكله وبيعه وحفظ ثمنه ولا يجوز إبقاؤه لأنه يتلف فإن تركه حتى تلف فهو من ضمانه لأنه فرط في حفظه فلزمه ضمانه كالوديعة فإن أكله ثبتت القيمة في ذمته على ما ذكرناه في لقطة الغنم وإن باعه وحفظ ثمنه جاز وهذا ظاهر مذهب الشافعي وله أن يتولى بيعه بنفسه وعن أحمد له بيع اليسير وإن كان كثيرا دفعه إلى السلطان وقال أصحاب الشافعي : ليس له بيعه إلا بإذن الحاكم فإن عجز عنه جاز البيع بنفسه لأنه حال ضرورة فأما مع القدرة على استئذانه فلا يجوز من غير إذنه لأنه مال معصوم لا ولاية عليه فلم يجز لغير الحاكم بيعه كغير اللقطة
ولنا أنه مال أبيح للملتقط أكله فأبيح له بيعه كماله ولأنه مال أبيح له بيعه عند العجز عن الحاكم فجاز عند القدرة عليه كماله إذا ثبت هذا فإنه متى أراد أكله أو بيعه حفظ صفاته ثم عرفه عاما فإذا جاء صاحبه فإن كان قد باعه وحفظ ثمنه دفعه إليه وإن كان قد أكله أو أكل ثمنه غرمه له بقيمته يوم أكله وإن تلف الثمن بغير تفريط قبل تملكه أو نقص أو تلفت العين أو نقصت من غير تفريطه فلا ضمان على الملتقط وإن تلفت أو نقصت أو نقص الثمن لتفريطه فعلى الملتقط ضمانه وكذلك إن تلف الثمن بعد تملكه أو نقص ضمنه النوع الثاني : ما يمكن إبقاؤه بالعلاج كالعنب والرطب فينظر ما فيه الحظ لصاحبه فإن كان في التجفيف جففه ولم يكن له إلا ذلك لأنه مال غيره فلزمه ما فيه الحظ لصاحبه كولي اليتيم وإن احتاج في التجفيف إلى غرامة باع بعضه في ذلك وإن كان الحظ في بيعه باعه وحفظ ثمنه كالطعام والرطب فإن تعذر بيعه ولم يمكن تجفيفه تعين أكله كالبطيخ وإن كان أكله أنفع لصاحبه فله أكله أيضا لأن الحظ فيه ويقتضي قول أصحابنا أن العروض لا تملك بالتعريف أن هذا كله لا يجوز له أكله لكن يخير بين الصدقة به وبين بيعه وقد قال أحمد فيمن يجد في منزله طعاما لا يعرفه يعرفه ما لم يخش فساده فإن خشي فساده تصدق به فإن جاء صاحبه غرمه وكذلك قال مالك وأصحاب الرأي في لقطة ما لا يبقى سنة يتصدق به وقال الثوري يبيعه ويتصدق بثمنه
ولنا على جواز أكله [ قول النبي صلى الله عليه و سلم في ضالة الغنم : خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ] وهذا تجويز للأكل فإذا جاز فيما هو محفوظ بنفسه ففيما يفسد ببقائه أولى

مسألة وفصلان : امتناع التقاط ما يقوى على الامتناع من صغار السبع وحكم البقر وكونها كالإبل والشاء
مسألة : قال : ولا يتعرض لبعير ولا لما فيه قوة يمنع عن نفسه :
وجملة ذلك أن كل حيوان يقوى على الامتناع من صغار السباع وورود الماء لا يجوز التقاطه ولا التعرض له سواء كان لكبر جثته كالإبل والخيل والبقر أو لطيرانه كالطيور كلها أو لسرعته كالظباء والصيود أو بنابه كالكلاب والفهود ؟ وقال عمر رضي الله عنه من أخذ ضالة فهو ضال أي مخطئ وبهذا قال الشافعي و الأوزاعي و أبو عبيد وقال مالك و الليث في ضالة الإبل من وجدها في القرى عرفها ومن وجدها في الصحراء لا يقربها ورواه المزني عن الشافعي وكان الزهري يقول : من وجد بدنة فليعرفها فإن لم يجد صاحبها فلينحرها قبل أن تنقضي الأيام الثلاثة وقال أبو حنيفة في لفظ يباح التقاطها لأنها لقطة أشبهت الغنم
ولنا [ قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لما سئل عنها مالك ولها ؟ معها حذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها ] و [ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل يا رسول الله إنا نصيب هوامي الإبل قال ضالة المسلم حرق النار ] وروي عن جرير [ عن عبد الله أنه أمر بطرد بقرة لحقت ببقره حتى توارت ] وقال [ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يؤوي الضالة إلا ضال ] رواه أبو داود بمعناه وقياسهم يعارض صريح النص وكيف يجوز ترك نص النبي صلى الله عليه و سلم وصريح قوله بقياس نصه في موضع آخر ؟ على أن الإبل تفارق الغنم لضعفها وقلة صبرها عن الماء
فصل : فإن كانت الصيود مستوحشة إذا تركت رجعت إلى الصحراء وعجز عنها صاحبها جاز التقاطها لأن تركها أضيع لها من سائر الأموال والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها في نفسها ولو كان المقصود حفظها في أنفسها لما جاز التقاط الأثمان فإن الدينار دينار حيثما كان
فصل : والبقر كالإبل نص عليه أحمد وهو قول الشافعي و أبي عبيد وحكي عن مالك أن البقرة كالشاة ولنا خبر جرير فإنه طرد البقرة ولم يأخذها ولأنها تمتنع عن صغار السباع وتجزئ في الأضحية والهدي عن سبعة فأشبهت الإبل وكذلك الحكم في الخيل والبغال فأما الحمر فجعلها أصحابنا من هذا القسم الذي لا يجوز التقاطه لأن لها أجساما عظيمة فأشبهت البغال والخيل ولأنها من الدواب فأشبهت البغال والأولى إلحاقها بالشاة لأن النبي صلى الله عليه و سلم علل الإبل بأن معها حذاءها وسقاءها يريد شدة صبرها عن الماء لكثرة ما توعي في بطونها منه وقوتها على وروده وفي إباحة ضالة الغنم بأنها معرضة لأخذ الذئب إياها بقوله [ هي لك أو لأخيك أو للذئب ] والحمر مساوية للشاة في علتها فإنها لا تمتنع من الذئب ومفارقة للإبل في علتها فإنها لا صبر لها عن الماء ولهذا يضرب المثل بقلة صبرها عنه فيقال ما بقي من مدته إلا ظمأ حمار وإلحاق الشيء بما ساواه في علة الحكم وفارقه في الصورة أولى من إلحاقه بما قاربه في الصورة وفارقه في العلة فأما غير الحيوان فما كان منه ينحفظ بنفسه كأحجار الطواحين والكبير من الخشب وقدور النحاس فهو كالإبل في تحريم أخذه بل أولى منه لأن الإبل تتعرض في الجملة للتلف إما بالأسد وإما بالجوع والعطش وغير ذلك وهذه بخلاف ذلك ولأن هذه لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تبرح من مكانها بخلاف الحيوان فإذا حرم أخذ الحيوان فهذه أولى

فصول : امتناع أخذ الضوال لغير الإمام أو نائبه
فصل : فإن أخذ هذا الحيوان الذي لا يجوز أخذه على سبيل الالتقاط ضمنه إماما كان أو غيره لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه ولا أذن الشارع له فهو كالغاصب فإن رده إلى موضعه لم يبرأ من الضمان وبهذا قال الشافعي وقال مالك : يبرأ لأن عمر رضي الله عنه قال أرسله في الموضع الذي أصبته فيه وجرير طرد البقرة التي لحقت ببقره
ولنا أن ما لزمه ضمانه لا يزول عنه إلا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق والمغصوب وأما حديث جرير فإنه لم يأخذ البقرة ولا أخذها راعيه إنما لحقت بالبقر فطردها عنها فأشبه ما لو دخلت داره فأخرجها فعلى هذا متى لم يأخذها بحيث ثبتت يده عليها لا يلزمه ضمانها سواء طردها أو لم يطردها وإن أخذها فلزمه ضمانها فدفعها إلى الإمام أو نائبه زال عنه الضمان لأن له نظرا في ضوال الناس بدليل أن له أخذها فكان نائبا عن أصحابها فيها
فصل : وللإمام أو نائبه أخذ الضالة على وجه الحفظ لصاحبها لأن عمر رضي الله عنه حمى موضعا يقال له النقيع لخيل المجاهدين والضوال ولأن للإمام نظرا في حفظ مال الغائب وفي أخذ هذه حفظ لها عن الهلاك ولا يلزمه تعريفها لأن عمر رضي الله عنه لم يكن يعرف الضوال ولأنه إذا عرف ذلك فمن كانت له ضالة فإنه يجيء إلى موضع الضوال فإذا عرف ضالته أقام البينة عليها وأخذها ولا يكتفي فيها بالصفة لأنها ظاهرة بين الناس فيعرف صفاتها من رآها من غير أهلها فلا تكون الصفة لها دليلا على ملكه لها ولأن الضالة قد كانت ظاهرة بين الناس حين كانت في يد مالكها فلا يختص هو بمعرفة صفاتها دون غيره فلم يكن ذلك دليلا ويمكنه إقامة البينة عليها لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرانه بملكه إياها
فصل : وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ليحفظها لصاحبها لم يجز له ذلك ولزمه ضمانها لأنه لا ولاية له على صاحبها وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولأصحابه وجه أن له أخذها لحفظها قياسا على الإمام ولا يصح لأن النبي صلى الله عليه و سلم منع أخذها من غير تفريق بين قاصد الحفظ وقاصد الالتقاط ولا يصح القياس على الإمام لأن له ولاية وهذا لا ولاية له وإن وجدها في موضع يخاف عليها به مثل أن يجدها بأرض مسبعة يغلب على الظن أن الأسد يفترسها إن تركت به أو فرسا من دار الحرب يخاف عليها من أهلها أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين كواد التيم أو في برية لا ماء بها ولا مرعى فالأولى جواز أخذها للحفظ ولا ضمان على آخذها لأن فيه إنقاذها من الهلاك فأشبه تخليصها من غرق أو حريق فإذا حصلت في يده سلمها إلى نائب الإمام وبرئ من ضمانها ولا يملكها بالتعريف لأن الشرع لم يرد بذلك فيها
فصل : وما يحصل عند الإمام من الضوال فإنه يشهد عليها ويسمها بأنها ضالة ثم إن كان له حمى ترعى فيه تركها فيه إن رأى ذلك وإن رأى المصلحة في بيعها وحفظ ثمنها أو لم يكن له حمى باعها بعد أن يحليها ويحفظ صفاتها ويحفظ ثمنها لصاحبها فإن ذلك أحفظ لها لأن تركها يفضي إلى أن تأكل جميع ثمنها

فصول : حكم أخذ الحرابة من المهلكة وتملكها وحكم ترك المتاع
فصل : ومن ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلصها ملكها وبه قال الليث و الحسن بن صالح و إسحاق إلا أن يكون تركها ليرجع إليها أو ضلت منه وقال مالك : هي لمالكها الأول ويغرم ما أنفق عليها وقال الشافعي و ابن المنذر : هي لمالكها والآخر متبرع بالنفقة لا يرجع بشيء لأنه ملك غيره فلم يملكه بغير عوض من غير رضاه كما لو كانت في غير مهلكة ولا يملك الرجوع لأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه فلم يرجع بشيء كما لو بنى داره
ولنا ما روى الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له ] قال عبد الله بن عبد الرحمن فقلت - يعني للشعبي - من حدثك بهذا ؟ قال غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود بإسناده وفي لفظ عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من ترك دابة بمهلكة فأحياها رجل فهي لمن أحياها ] ولأن في الحكم بملكها إحياءها وإنقاذها من الهلاك وحفظا للمال عن الضياع ومحافظة على حرمة الحيوان وفي القول بأنها لا تملك تضييع لذلك كله من غير مصلحة تحصل ولأنه نبذ رغبة عنه وعجزا عن أخذه فملكه أخذه كالساقط من السنبل وسائر ما ينبذه الناس رغبة عنه
فصل : وإن ترك متاعا فخلصه إنسان لم يملكه لأنه لا حرمة له في نفسه ولا يخشى عليه التلف كالخشية على الحيوان فإن الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى وتأكله السباع والمتاع يبقى حتى يرجع إليه صاحبه وإن كان المتروك عبدا لم يملك بأخذه لأن العبد في العادة يمكنه التخلص إلى الأماكن التي يعيش فيها بخلاف البهيمة وله أخذ العبد والمتاع ليخلصه لصاحبه وله أجر مثله في تخليص المتاع نص عليه وكذلك في العبد على قياسه
قال القاضي يجب أن يحمل قوله في وجوب الأجر على أنه جعل له ذلك أو أمره به فأما إن لم يجعل له شيئا فلا جعل له لأنه عمل في مال غيره بغير جعل فلم يستحق شيئا كالملتقط وهذا خلاف ظاهر كلام أحمد فإنه لو جعل له جعلا لاستحقه ولم يجعل له أجر المثل ويفارق هذا الملتقط فإن الملتقط لم يخلص اللقطة من الهلاك ولو تركها أمكن أن يرجع صاحبها فيطلبها من مكان فيجدها وههنا إن لم يخرجه هذا ضاع وهلك ولم يرجع إليه صاحبه ففي جعل الأجر فيه حفظ للأموال من غير مضرة فجاز ذلك كالجعل في الآبق ولأن اللقطة جعل فيها الشارع ما يحث على أخذها وهو ملكها إن لم يجئ صاحبها فاكتفى به عن الأجر فينبغي أن يشرع في هذا ما يحث على تخليصه بطريق الأولى وليس إلا الأجر فأما ما ألقاه ركاب البحر فيه خوفا من الغرق فلم أعلم لأصحابنا فيه قولا سوى عموم قولهم الذي ذكرناه ويحتمل أن يملك هذا من أخذه وهو قول الليث بن سعد وبه قال الحسن فيمن أخرجه قال وما نضب عنه الماء فهو لأهله وقال ابن المنذر يرده على أصحابه ولا جعل له ويقتضيه قول الشافعي و القاضي لما تقدم ومقتضى قول الإمام أبي عبد الله أن لمن أنقذه أجر مثله لما ذكرنا ووجه ما ذكرنا من الاحتمال أن هذا مال ألقاه صاحبه فيما يتلف بتركه فيه اختيارا منهم فملكه من أخذه كالذي ألقوه رغبة عنه ولأن فيما ذكروه تحقيقا لإتلافه فلم يجز كمباشرته بالإتلاف فأما إن انكسرت السفينة فأخرجه قوم فقال مالك يأخذ أصحاب المتاع متاعهم ولا شيء للذي أصابوه وهذا قول الشافعي و ابن المنذر و القاضي وعلى قياس نص أحمد يكون لمستخرجه أجر المثل لأن ذلك وسيلة إلى تخليصه وحفظه لصاحبه وصيانته عن الغرق فإن الغواص إذا علم أنه يدفع إليه الأجر بادر إلى التخليص ليخلصه وإن علم أنه يؤخذ منه بغير شيء لم يخاطر بنفسه في استخراجه فينبغي أن يقضى له بالأجر كجعل رد الآبق
فصل : ذكر القاضي فيما إذا التقط عبدا صغيرا أو جارية أن قياس المذهب أنه لا يملك بالتعريف وقال الشافعي : يملك العبد دون الجارية ولأن التملك بالتعريف عنده اقتراض والجارية عنده لا تملك بالقرض وهذه المسألة فيها نظر فإن اللقيط محكوم بحريته فإن كان ممن يعبر عن نفسه فأقر بأنه مملوك لم يقبل إقراره لأن الطفل لا قول له ولو اعتبر قوله في ذلك لاعتبر في تعريفه سيده والله أعلم

كتاب اللقيط اللقيط ومعناه ووجوب التقاطه
وهو الطفل المنبوذ واللقيط بمعنى الملقوط فعيل بمعنى مفعول كقولهم قتيل وجريح وطريح والتقاطه واجب لقول الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } ولأن فيه إحياء نفسه فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر وإنجائه من الغرق ووجوبه على الكفاية إذا قام به واحد سقط عن الباقين فإن تركه الجماعة أثموا كلهم إذا علموا فتركوه مع إمكان أخذه وروي [ عن سنين أبي جميلة قال وجدت ملفوفا فأتيت به عمر رضي الله عنه فقال عريفي يا أمير المؤمنين أنه رجل صالح فقال عمر : كذلك هو ؟ قال نعم قال فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته ] رواه سعيد عن سفيان عن الزهري سمع سنينا أبا جميلة بهذا وقال علينا رضاعه

مسألة وفصل : قال : واللقيط حر ولا يخلو من أن يوجد في دار الإسلام أو غيره
مسألة : قال : واللقيط حر :
وجملة ذلك أن اللقيط حر في قوله عامة أهل العلم إلا النخعي قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر روينا هذا القول عن عمر وعلي رضي الله عنهما وبه قال عمر بن عبد العزيز و الشعبي والحكم وحماد و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي ومن تبعهم وقال النخعي : إن التقطه للحسبة فهو حر وإن كان أراد أن يسترقه فذلك له وذلك قول شذ فيه عن الخلفاء والعلماء ولا يصح في النظر فإن الأصل في الآدميين الحرية فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا وإنما الرق للعارض فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل
فصل : ولا يخلو اللقيط من أن يوجد في دار الإسلام أو في دار الكفر فأما دار الإسلام فضربان أحدهما : دار اختطها المسلمون كبغداد والبصرة والكوفة فلقيط هذه محكوم بإسلامه وإن كان فيها أهل الذمة تغليبا للإسلام ولظاهر الدار ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه الثاني : دار فتحها المسلمون كمدائن الشام فهذه إن كان فيها مسلم واحد حكم بإسلام لقيطها لأنه يحتمل أن يكون لذلك المسلم تغليبا للإسلام وإن لم يكن فيها مسلم بل كل أهلها ذمة حكم بكفره لأن تغليب حكم الإسلام إنما يكون مع الاحتمال
وأما بلد الكفار فضربان أيضا أحدهما : بلد كان للمسلمين فغلب الكفار عليه كالساحل فهذا كالقسم الذي قبله إن كان فيه مسلم واحد حكم بإسلام لقيط وإن لم يكن فيه مسلم فهو كافر وقال القاضي : يحكم بإسلامه أيضا لأنه يحتمل أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه بخلاف الذي قبله فإنه لا حاجة به إلى كتم إيمانه في دار الإسلام وإن كان في بلد كان للمسلمين ثم غلب عليه المشركون ثم ظهر عليه المسلمون وأقروا فيه أهله بالجزية فهذا كالقسم الثاني من دار الإسلام
الثاني : دار لم تكن للمسلمين أصلا كبلاد الهند والروم فإن لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر لأن الدار لهم وأهلها منهم وإن كان فيها مسلمون كالتجار وغيرهم احتمل أن يحكم بإسلامه تغليبا للإسلام واحتمل أن يحكم بكفره تغليبا للدار والأكثر وهذا التفصيل كله مذهب الشافعي قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد إن غسله ودفنه في مقابر المسلمين يجب وقد منعوا أن يدفن أطفال المشركين في مقابر المسلمين قال إذا وجد لقيط في قرية ليس فيها إلا مشرك فهو على ظاهر ما حكموا به أنه كافر هذا قول الشافعي وأصحاب الرأي

فصل : الحكم بإسلام اللقيط
فصل : وفي الموضع الذي حكمنا بإسلامه إنما يثبت ذلك ظاهرا لا يقينا لأنه يحتمل أن يكون ولد كافر فلو أقام كافر بينة أنه ولده ولد على فراشه حكمنا له به وإذا بلغ اللقيط حدا يصح فيه إسلامه وردته فوصف الإسلام فهو مسلم سواء كان ممن حكم بإسلامه أو كفره وإن وصف الكفر وهو ممن حكم بإسلامه فهو مرتد لا يقر على كفره وبهذا قال أبو حنيفة وذكر القاضي وجها أنه يقر على كفره وهو منصوص الشافعي لأن قوله أقوى من ظاهر الدار وهذا وجه مظلم لأن دليل الإسلام وجد عريا عن المعارض وثبت حكمه واستقر فلم يجز إزالة حكمه لقوله كما لو كان ابن مسلم وقوله لا دلالة فيه أصلا لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه ولا ما كان دينه وإنما يقول هذا من تلقاء نفسه فعلى هذا إذا بلغ استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل فأما على قولهم فقال القاضي إن وصف كفرا يقر أهله عليه بالجزية عقدت له الذمة فإن امتنع من التزامها أو وصف كفرا لا يقر أهله عليه الحق بمأمنه وهذا بعيد جدا فإن هذا اللقيط لا يخلو من أن يكون ابن وثني حربي فهو حاصل في يد المسلمين بغير عهدة ولا عقد فيكون لواجده ويصير مسلما بإسلام سابيه أو يكون ابن ذميين أو أحدهما ذمي فلا يقر على الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب أو يكون ابن مسلم أو ابن مسلمين فيكون مسلما قال أحمد في أمة نصرانية ولدت من فجور ولدها مسلم لأن أبويه يهودانه وينصرانه وهذا ليس معه إلا أمه وإذا لم يكن لهذا الولد حال يحتمل أن يقر فيها على دين لا يقر أهله عليه فكيف يرد إلى دار الحرب

فصلان : جناية اللقيط وإقامة الحد عليه
فصل : إذا جنى اللقيط جناية تحملها العاقلة فالعقل على بيت المال لأن ميراثه له ونفقته عليه وإن جنى جناية لا تحملها العاقلة فحكمه فيها غير حكم اللقيط إن كانت توجب القصاص وهو بالغ عاقل اقتص منه وإن كانت موجبة للمال وله مال استوفى منه وإلا كان في ذمته حتى يوسر وإن جني عليه في النفس جناية توجب الدية فهي لبيت المال لأنه وارثه وإن كان عمدا محضا فالإمام مخير بين استيفاء القصاص إن رآه احظ للملاقيط والعفو على مال وبهذا قال الشافعي و ابن المنذر و أبو حنيفة إلا أن يخيره بين القصاص والمصالحة وذلك لقول النبي صلى الله عليه و سلم فالسلطان ولي من لا ولي له وإن جني عليه فيما دون النفس جناية توجب الارش قبل بلوغه فلوليه أخذ الارش وإن كانت عمدا موجبة للقصاص وللقيط مال يكفيه وقف الأمر على بلوغه ليقتص أو يعفو سواء كان عاقلا أو معتوها وإن لم يكن له مال وكان عاقلا انتظر بلوغه أيضا وإن كان معتوها فللولي العفو على مال يأخذه له لأن المعتوه ليست له حال معلومة منتظرة فإن ذلك قد يدوم به والعاقل له حال منتظرة فافترقا وفي الحال التي ينتظر بلوغه فإن الجاني يحبس حتى يبلغ اللقيط فيستوفي لنفسه وهذا مذهب الشافعي وقد روي عن أحمد رواية أخرى أن للإمام استيفاء القصاص له وهو مذهب أبي حنيفة لأنه أحد نوعي القصاص فكان للإمام استيفاؤه عن اللقيط كالقصاص في النفس
ولنا أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على قوله كما لو كان بالغا غائبا وفارق القصاص في النفس فإن القصاص ليس هو له إنما هو لوارثه والإمام المتولي له
فصل : وإن قذف اللقيط بعد بلوغه محصنا حد ثمانين لأنه حر وإن قذفه قاذف وهو محصن فعليه الحد لأنه محكوم بحريته فإن ادعى القاذف أنه عبد فصدقه اللقيط سقط الحر لإقرار المستحق بسقوط الحد ويجب التعزير لقذفه من ليس بمحصن وإن كذبه اللقيط وقال إني حر فالقول قوله لأنه محكوم بحريته فقوله موافق للظاهر ولذلك أوجبنا عليه حد الحر إذا كان قاذفا وأوجبنا له القصاص وإن كان الجاني حرا ويحتمل أن يكون القول قول القاذف لأنه يحتمل صحة ما قاله بأن يكون ابن أمة فيكون ذلك شبهة والحد يندرئ بالشبهات وفارق القصاص له إذا ادعى الجاني عليه أنه عبد لأن القصاص ليس بحد وإنما وجب حقا لآدمي ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله بخلاف حد القذف ويتخرج من هذا أن اللقيط إذا كان قاذفا فادعى أنه عبد ليجب عليه حد العبد قبل منه لذلك والأول أصح لأن كل من كان محكوما بحريته لا يسقط الحد عن قاذفه باحتمال رقه بدليل مجهول النسب ولو سقط الحد لهذا الاحتمال لسقط وإن لم يدع القاذف رقه لأنه موجود وإن لم يدعه

مسألة وفصل : ينفق على اللقيط من بيت المال إذا لم يوجد معه شيء
مسألة : قال : وينفق عليه من بيت المال إن لم يوجد معه شيء ينفق عليه
وجملته أن اللقيط إذا لم يوجد معه شيء لم يلزم الملتقط الإنفاق عليه في قول عامة أهل العلم وقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط كوجوب نفقة الولد وذلك لأن أسباب وجوب النفقة من القرابة والزوجية والملك والولاء منتفية والالتقاط إنما هو تخليص له من الهلاك وتبرع بحفظه فلا يوجب ذلك النفقة كما لو فعله بغير اللقيط وتجب نفقته في بيت المال لقول عمر رضي الله عنه في حديث أبي جميلة اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته وفي رواية من بيت المال ولأن بيت المال وارثه وماله مصروف إليه فتكون نفقته عليه كقرابته ومولاه فإن تعذر الإنفاق عليه من بيت المال لكونه لا مال فيه أو كان في مكان لا إمام فيه أو لم يعط شيئا فعلى من علم حاله من المسلمين الإنفاق عليه لقول الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } ولأن في ترك الإنفاق عليه هلاكه وحفظه عن ذلك واجب كإنقاذه من الغرق وهذا فرض كفاية إذا قام به قوم سقط عن الباقين فإن تركه الكل أثموا ومن أنفق عليه متبرعا فلا شيء له سواء كان الملتقط أو غيره وإن لم يتبرع بالإنفاق عليه فأنفق عليه الملتقط أو غيره محتسبا بالرجوع عليه إذا أيسر وكان ذلك بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت النفقة قصدا بالمعروف وبهذا قال الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وإن أنفق بغير أمر الحاكم محتسبا بالرجوع عليه فقال أحمد تؤدى النفقة من بيت المال وقال شريح و النخعي يرجع عليه بالنفقة إذا أشهد عليه وقال عمر بن عبد العزيز : يحلف ما أنفق احتسابا فإن حلف استسعى وقال الشعبي و مالك و الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة و محمد بن الحسن و الشافعي و ابن المنذر : هو متبرع به
ولنا أنه أدى ما وجب على غيره فكان له الرجوع على من كان الوجوب عليه كالضامن إذا قضى عن المضمون عنه وقد ذكرنا حكم هذا الأصل في موضعه
فصل : فأما إن وجد مع اللقيط شيء فهو له وينفق عليه منه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأن الطفل يملك وله يد صحيحة بدليل أنه يرث ويورث ويصح أن يشتري له وليه ويبيع ومن له ملك صحيح فله يد صحيحة كالبالغ إذا ثبت هذا فكل ما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعته فهو تحت يده ويثبت بذلك ملكا له في الظاهر فمن ذلك ما كان لابسا له أو مشدودا في ملبوسه أو في يديه أو مجعولا فيه كالسرير والسفط وما فيه من فرش أو دراهم والثياب التي تحته والتي عليه وإن كان مشدودا على دابة أو كانت مشدودة في ثيابه أو كان في خيمة أو في دار فهي له وأما المنفصل عنه فإن كان بعيدا منه فليس في يده وإن كان قريبا منه كثوب موضوع إلى جانبه ففيه وجهان أحدهما : ليس هو له لأنه منفصل عنه فهو كالبعيد والثاني : هو له وهو أصح لأن الظاهر أنه ترك له فهو له بمنزلة ما هو تحته ولأن القريب من البالغ يكون في يده ألا ترى أن الرجل يقعد في السوق ومتاعه بقربه ويحكم بأنه في يده والحمال إذا جلس لاستراحة ترك حمله قريبا منه فأما المدفون تحته فقال ابن عقيل إن كان الحفر طريا فهو له وإلا فلا لأن الظاهر أنه إذا كان طريا فواضع اللقيط حفره وإذا لم يكن طريا كان مدفونا قبل وضعه وقيل ليس هو له بحال لأنه بموضع لا يستحقه إذا لم يكن الحفر طريا فلم يكن له إذا كان طريا كالبعيد منه ولأن الظاهر أنه لو كان له لشده واضعه في ثيابه ليعلم به ولم يتركه في مكان لا يطلع عليه وكل ما حكمنا بأنه ليس له فحكمه حكم اللقطة وما هو له أنفق عليه منه فإن كان فيه كفايته لم تجب نفقته على أحد لأنه ذو مال فأشبه غيره من الناس إذا ثبت هذا فإن لملتقطه الإنفاق عليه بغير إذن الحاكم ذكره أبو عبد الله بن حامد لأنه ولي له فلم يعتبر في الإنفاق عليه في حقه إذن الحاكم كوصي اليتيم ولأن هذا من الأمر بالمعروف فاستوى فيه الإمام وغيره كتبديد الخمر وروى أبو الحارث عن أحمد في رجل أودع رجلا مالا وغاب وطالت غيبته وله ولد ولا نفقة له هل ينفق عليهم هذا المستودع من مال الغائب ؟ فقال تقوم امرأته إلى الحاكم حتى يأمره بالإنفاق عليهم فلم يجعل له الإنفاق عليهم من غير إذن الحاكم فقال بعض أصحابنا : هذا مثله والصحيح أن هذا مخالف له من وجهين أحدهما : أن الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله فإن له ولاية أخذه وحفظه والثاني : أنه ينفق على اللقيط من ماله وهذا بخلافه ولأن الإنفاق على الصبي من مال أبيه مشروط بكون الصبي محتاجا إلى ذلك لعدم ماله وعدم نفقة تركها أبوه برسمه وذلك لا يقبل فيه قول المودع فاحتيج إلى إثبات ذلك عند الحاكم ولا كذلك في مسألتنا فلا يلزم من وجوب استئذان الحاكم ثم وجوبه في اللقيط ومتى لم يجد حاكما فله الإنفاق بكل حال لأنه حال ضرورة وقال الشافعي ليس له أن ينفق بغير إذن الحاكم في موضع يجد حاكما وإن أنفق ضمن بمنزلة ما لو كان لأب الصغير ودائع عند إنسان فأنفق عليه منه وذلك لأنه لا ولاية له على ماله وإنما له حق الحضانة وإن لم يجد حاكما ففي جواز الإنفاق وجهان
ولنا ما ذكرناه ابتداء ولا نسلم أنه لا ولاية له على ما له فإنا قد بينا أن له أخذه وحفظه وهو أولى الناس به وذكرنا الفرق بين اللقيط وبين ما قاسوا عليه فإذا ثبت هذا فالمستحب أن يستأذن الحاكم في موضع يجد حاكما لأنه أبعد من التهمة وأقطع للظنة وفيه خروج به من الخلاف وحفظ لما له من أن يرجع عليه بما أنفق : فإذا ثبت هذا فينبغي أن ينفق عليه بالمعروف كما ذكرنا في ولي اليتيم فإن بلغ اللقيط واختلفا في قدر ما أنفق وفي التفريط في الإنفاق فالقول قول المنفق لأنه أمين فكان القول قوله في ذلك كولي اليتيم

مسألة : قال : وولاؤه لسائر المسلمين
مسألة : قال : وولاؤه لسائر المسلمين :
يعني ميراثه لهم فإن اللقيط حر الأصل ولا ولاء عليه وإنما يرثه المسلمون لأنهم خولوا كل مال لا مالك له ولأنهم يرثون مال من لا وارث له غير اللقيط فكذلك اللقيط وقول الخرقي : وولاؤه لسائر المسلمين تجوز في اللفظ لاشتراك سائر المسلمين ومن له الولاء في أخذ الميراث وحيازته كله عند عدم الوارث هذا هو الظاهر وهو قول مالك و الشافعي وأكثر أهل العلم وقال شريح و إسحاق عليه الولاء لملتقطه لما روى واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عليه ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن وقال عمر لأبي جميلة : في لقطته هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إنما الولاء لمن أعتق ] ولأنه لم يثبت عليه رق ولا على آبائه فلم يثبت عليه ولاء كالمعروف نسبه ولأنه إن كان ابن حرين فلا ولاء عليه وإن كان ابن معتقين فلا يكون عليه ولاء لغير معتقهما وحديث واثلة لا يثبت قاله ابن المنذر وخبر عمر قال ابن المنذر : أبو جميلة رجل مجهول لا تقوم بحديثه حجة ويحتمل أن عمر رضي الله عنه عنى بقوله : لك ولاؤه أي لك ولايته والقيام به وحفظه لذلك ذكره عقيب قول عريفه أنه رجل صالح وهذا يقتضي تفويض الولاية إليه لكونه مأمونا عليه دون الميراث إذا ثبت هذا فإن حكم اللقيط في الميراث حكم من عرف نسبه وانقرض أهله يدفع إلى بيت المال إذا لم يكن له وارث فإن كان له زوجة فلها الربع والباقي لبيت المال وإن كانت امرأة لها زوج فله النصف والباقي لبيت المال وإن كانت له بنت أو ذو رحم كبنت بنت أخذت جميع المال لأن الرد وذا الرحم مقدم على بيت المال والله أعلم

مسألة : قال : وإن لم يكن من وجد اللقيط أمينا منع من السفر به
مسألة : قال : وإن لم يكن من وجد اللقيط أمينا منع من السفر به :
وجملة ذلك أن الملتقط إن كان أمينا أقر اللقيط في يده لأن عمر رضي الله عنه أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال له عريفه أنه رجل صالح ولأنه سبق إليه فكان أولى به لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ] وهل يجب الإشهاد عليه ؟ فيه وجهان أحدهما : لا يجب كما لا يجب الإشهاد في اللقطة والثاني : يجب لأن القصد بالإشهاد حفظ النسب والحرية فاختص بوجوب الشهادة كالنكاح وفارق اللقطة فإن المقصود منها حفظ المال فلم يجب الإشهاد فيها كالبيع فأما إن كان غير أمين فظاهر كلام الخرقي أنه يقر في يديه ويمنع من السفر به لئلا يدعي رقه ويبيعه وينبغي أن يجب الإشهاد عليه ويضم إليه من يشرف عليه لأننا إذا ضممنا إليه في اللقطة من يشرف عليه فههنا أولى وقال القاضي : المذهب أنه ينزع من يديه وهذا قول الشافعي لأنه ليس في حفظ اللقيط إلا الولاية ولا ولاية لفاسق وفارق اللقطة من ثلاثة أوجه أحدها : أن في اللقطة معنى الكسب وليس ههنا إلا الولاية والثاني : أن اللقطة لو انتزعناها منه رددناها إليه بعد الحول فاحتطنا عليها مع بقائها في يديه وههنا لا ترد إليه بعد الانتزاع منه بحال فكان الانتزاع أحوط والثالث : أن المقصود ثم حفظ المال ويمكن الاحتياط عليه بأن يستظهر عليه في التعريف أو ينصب الحاكم من يعرفها وههنا المقصود حفظ الحرية والنسب ولا سبيل إلى الاستظهار عليه لأنه قد يدعي رقه في بعض البلدان أو في بعض الزمان ولأن اللقطة إنما يحتاج إلى حفظها والاحتياط عليها عاما واحدا وهذا يحتاج إلى الاحتياط عليه في جميع زمانه وأما على ظاهر قول الخرقي فلا ينزع منه لأنه قد ثبتت له الولاية بالتقاطه إياه وسبقه إليه وأمكن حفظ اللقيط في يديه بالإشهاد عليه وضم أمين يشارفه إليه ويشيع أمره فيعرف أنه لقيط فينحفظ بذلك من غير زوال ولايته جمعا بين الحقين كما في اللقطة وكما لو كان الوصي خائنا وما ذكر من الترجيح للقطة فيمكن معارضته بأن اللقيط ظاهر مكشوف لا تخفى الخيانة فيه واللقطة مستورة خفية تتطرق إليها الخيانة ولا يعلم بها ولأن اللقطة يمكن أخذ بعضها وتنقيصها وإبدالها ولا يتمكن من ذلك في اللقيط ولأن المال محل الخيانة والنفوس إلى تناوله وأخذه داعية بخلاف النفوس فعلى هذا متى أراد الملتقط السفر باللقيط منع منه لأنه يبعده ممن عرف حاله فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه

فصلان : وإذا التقط اللقيط من هو مستور الحال وسفر الأمين باللقيط
فصل : وإذا التقط اللقيط من هو مستور الحال لم تعرف منه حقيقة العدالة ولا الخيانة أقر اللقيط في يديه لأن حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفي أكثر الأحكام ولأن الأصل في المسلم العدالة ولذلك قال عمر رضي الله عنه : المسلمون عدول بعضهم على بعض فإن أراد السفر بلقطته ففيه وجهان أحدهما : لا يقر في يديه وهذا مذهب الشافعي لأنه لم يتحقق أمانته فلم تؤمن الخيانة منه والثاني : يقر في يديه لأنه يقر في يديه في الحضر من غير مشرف يضم إليه فأشبه العدل ولأن الظاهر الستر والصيانة فأما من عرفت عدالته وظهرت أمانته فيقر اللقيط في يده في سفره وحضره لأنه مأمون عليه إذا كان سفره لغير النقلة
فصل : فإن كان سفر الأمين باللقيط إلى مكان يقيم به نظرنا فإن كان التقطه من الحضر فأراد النقلة به إلى البادية لم يقر في يده لوجهين أحدهما : أن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له والثاني : أنه إذا وجد في الحضر فالظاهر أنه ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به فإن أراد النقلة به إلى بلد آخر من الحضر ففيه وجهان أحدهما : لا يقر في يده ولأن بقاءه في بلده أرجى لكشف نسبه فلم يقر في يده المنتقل عنه قياسا على المنتقل به إلى البادية والثاني : يقر في يده لأن ولايته ثابتة والبلد الثاني كالأول في الرفاهية فيقر في يده كما لو انتقل من أحد جانبي البلد إلى الجانب الآخر وفارق المنتقل به إلى البادية لأنه يضر به بتفويت الرفاهية عليه وإن التقطه من البادية فله نقله إلى الحضر لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدعة والدين وإن أقام به في حلة يستوطنها فله ذلك وإن كان ينتقل به إلى المواضع احتمل أن يقر في يديه لأن الظاهر أنه ابن بدويين وإقراره في يدي ملتقطه أرجى لكشف نسبه ويحتمل أن يؤخذ منه فيدفع إلى صاحب قرية لأنه أرفه له وأخف عليه وكل موضع قلنا ينزع من ملتقطه فإنما يكون ذلك إذا وجد من يدفع إليه ممن هو أولى به فإن لم يوجد من يقوم به أقر في يدي ملتقطه لأن إقراره في يديه مع قصوره أولى من إهلاكه وإن لم يوجد إلا مثل ملتقطه فملتقطه أولى به إذ لا فائدة في نزعه من يده ودفعه إلى مثله

فصول : ليس للعبد التقاط اللقيط وحكم إذا كان اللاقط اثنان أو ادعى كل منهما
فصل : وليس للعبد التقاط الطفل المنبوذ إذا وجد من يلتقطه سواه لأن منافعه لسيده فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه ولأنه لا يثبت على اللقيط إلا الولاية ولا ولاية لعبد فإن التقطه لم يقر في يديه إلا أن يأذن له السيد فإن أذن له أقر في يديه لأنه استعان به في ذلك فصار كما لو التقطه بيده وسلمه إليه قال ابن عقيل إن أذن له السيد لم يكن له الرجوع بعد ذلك وصار كما لو التقطه والحكم في الأمة كالحكم في المكاتب فأما إن لم يجد أحدا يلتقطه سواه وجب التقاطه لأنه تخليص له من الهلاك فأشبه تخليصه من الغرق والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن وكذلك المكاتب لأنه ليس له التبرع بماله ولا بمنافعه إلا أن يأذن له سيده في ذلك
فصل : وليس لكافر التقاط مسلم لأنه لا ولاية لكافر على مسلم ولأنه لا يؤمن أن يفتنه ويعلمه الكفر بل الظاهر أنه يربيه على دينه وينشأ على ذلك كولده فإن التقطه لم يقر في يده وإن كان الطفل محكوما بكفره فله التقاطه لأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض
فصل : وإن التقطه اثنان وتناولاه تناولا واحدا لم يخل من ثلاثة أقسام أحدها : أن يكون ممن يقر في يديه كالمسلم العدل الحر والآخر ممن لا يقر في يديه كالكافر إذا كان اللقيط مسلما والفاسق والعبد إذا لم يأذن له سيده والمكاتب فإنه يسلم إلى من يقر في يده وتكون مشاركة هؤلاء كعدمها لأنه لو التقطه وحده لم يقر في يده فإذا شاركه من هو من أهل الالتقاط أولى الثاني : أن يكونا جميعا مما لا يقر في يدي واحد منهما فإنه ينزع منهما ويسلم إلى غيرهما الثالث : أن يكون كل واحد منهما ممن يقر في يده لو انفرد إلا أن أحدهما أحظ للقيط من الآخر مثل أن يكون أحدهما موسرا والآخر معسرا فالموسر أحق لأن ذلك أحظ للطفل وإن التقط مسلم وكافر طفلا محكوما بكفره فالمسلم أحق وعن أصحابنا وأصحاب الشافعي هما سواء لأن للكافر ولاية على الكافر ويقر في يده إذا انفرد بالتقاطه فساوى المسلم في ذلك
ولنا أن دفعه إلى المسلم أحظ له لأنه يصير مسلما فيسعد في الدنيا والآخرة وينجو من النار ويتخلص من الجزية والصغار فالترجيح بهذا أولى من الترجيح باليسار الذي إنما يتعلق به توسعة عليه في الإنفاق وقد يكون الموسر بخيلا فلا تحصل التوسعة فإن تعارض الترجيحان فكان المسلم فقيرا والكافر موسرا فالمسلم أولى لأن النفع الحاصل له بإسلامه أعظم من النفع الحاصل بيساره مع كفره وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل لأن حظ الطفل عنده أكثر من الجهة التي يحصل له الحظ فيها باليسار وربما تخلق بأخلاقه وتعلم من جوده الرابع : أن يتساويا في كونهما مسلمين عدلين حرين مقيمين فهما سواء فيه فإن رضي أحدهما بإسقاط حقه وتسليمه إلى صاحبه جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به وإن تشاحا أقرع بينهما لقول الله تعالى { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } ولأنه لا يمكن كونه عندهما لأنه لا يمكن أن يكون عندهما في حالة واحدة وإن تهايآه فجعل عند كل واحد يوما أو أكثر من ذلك أضر بالطفل لأنه تختلف عليه الأغذية والأنس والألف ولا يمكن دفعه إلى أحدهما دون الآخر بغير قرعة لأن حقهما متساو فتعين أحدهما بالتحكم لا يجوز فتعين الإقراع بينهما كما يقرع بين الشركاء في تعيين السهام في القسمة وبين النساء في البداية بالقسمة وبين العبيد في الإعتاق والرجل والمرأة سواء ولا ترجح المرأة ههنا كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه لأنها رجحت ثم لشفقتها على ولدها وتوليها لحضانته بنفسها والأب يحضنه بأجنبية فكانت أمه أحظ له وأرفق به أما ههنا فإنها أجنبية من اللقيط والرجل يحضنه بأجنبية فاستويا ومذهب الشافعي في هذا الفصل جميعه على ما ذكرنا فإن كان أحدهما مستور الحال والآخر ظاهر العدالة احتمل أن يرجح العدل لأن المانع من الالتقاط منتف في حقه بغير شك والآخر مشكوك فيه فيكون الحظ للطفل في تسليمه إليه أتم ويحتمل أن يتساويا لأن احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح
فصل : وإن رأياه جميعا فسبق أحدهما فأخذه أو وضع يده عليه فهو أحق به لقوله عليه السلام [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ] وإن رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق إلى أخذه الآخر فالسابق إلى أخذه أحق لأن الالتقاط هو الأخذ لا الرؤية ولو قال أحدهما لصاحبه ناولنيه فأخذه الآخر نظرنا إلى نيته فإن نوى أخذه لنفسه فهو أحق كما لو لم يأمره الآخر بمناولته إياه وإن نوى مناولته فهو للآمر لأنه فعل ذلك بنية النيابة عنه فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح
فصل : فإن اختلفا فقال كل واحد منهما أنا التقطته ولا بينة لأحدهما وكان في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه أنه التقطه ذكر ذلك أبو الخطاب وهذا قول الشافعي وقال القاضي : قياس المذهب أنه لا يحلف كما في الطلاق والنكاح
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] رواه مسلم فإن كان في يديهما أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلم إليه وعلى قول القاضي لا تشرع اليمين ههنا ويسلم إليه بمجرد وقوع القرعة له وإن لم يكن في يد واحد منهما فقال القاضي و أبو الخطاب يسلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما لأنه لا حق لهما والأولى أن يقرع بينهما كما لو كان في أيديهما لأنهما تنازعا حقا في يد غيرهما فأشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما فإن وصفه أحدهما مثل أن يقول في ظهره شامة أو بجسده علامة وذكر شيئا في جسده مستورا فقال أبو الخطاب يقدم بالصفة وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي : لا يقدم بالصفة كما لو وصف المدعي المدعى فإنه لا تقدم به دعواه
ولنا أن هذا نوع من اللقطة فقدم بوصفها كلقطة المال ولأن ذلك يدل على قوة يده فكان مقدما بها وقياس اللقيط على اللقطة أولى من قياسه على غيرها لأن اللقيط لقطة أيضا وإن كان لأحدهما بينة قدم بها وإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا لأن الثاني إنما أخذ ممن قد ثبت الحق فيه لغيره وإن استوى تاريخهما أو أطلقتا معا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى فقد تعارضتا وهل يسقطان أو يستعملان ؟ فيه وجهان أحدهما : يسقطان فيصيران كمن لا بينة لهما والثاني : يستعملان ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه كان أولى وسنذكر ذلك في بابه إن شاء الله تعالى وإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينته على بينة الآخر أو تقدم بينة الخارج ؟ فيه وجهان مبنيان على الروايتين في دعوى المال وإن كان أحد المتداعيين ممن لا تقر يده على اللقيط أقر في يد الآخر ولم يلتفت إلى دعوى من لا يقر في يده بحال

مسألة وفصول : اختلاف المسلم والكافر في ادعاء نسب اللقيط وترجيح دعوى المرأة على الرجل والعكس وإذا ادعى نسبه اثنان فصاعدا وإثبات النسب بالشبه
مسألة : قال : وإذا ادعاه مسلم وكافر أري القافة فبأيهما ألحقوه لحق :
يعني إذا ادعي نسبه فلا تخلو دعوى نسب اللقيط من قسمين أحدهما : أن يدعيه واحد ينفرد بدعواه فينظر فإن كان المدعي رجلا مسلما حرا لحق نسبه به بغير خلاف بين أهل العلم إذا أمكن أن يكون منه لأن الإقرار محض نفع للطفل لاتصال نسبه ولا مضرة على غيره فيه فقبل كما لو أقر له بمال ثم إن كان المقر به ملتقطه أقر في يديه وإن كان غيره فله أن ينتزعه من الملتقط لأنه قد ثبت أنه أبوه فيكون أحق بولده كما لو قامت به بينة وإن كان المدعي له عبدا لحق به أيضا لأن لمائه حرمة فلحق به نسبه كالحر وهذا قول الشافعي وغيره غير أنه لا يثبت له حضانة لأنه مشغول بخدمة سيده ولا تجب عليه نفقته لأنه لا مال له ولا على سيده لأن الطفل محكوم بحريته فتكون نفقته في بيت المال وإن كان المدعي ذميا لحق به لأنه أقوى من العبد في ثبوت الفراش فإنه يثبت له بالنكاح والوطء في الملك وقال أبو ثور : لا يلحق به لأنه محكوم بإسلامه
ولنا أنه أقر بنسب مجهول النسب يمكن أن يكون منه وليس في إقراره إضرار بغيره فيثبت إقراره كالمسلم إذا ثبت هذا فإنه يلحق به من النسب لا في الدين ولا حق له في حضانته وقال الشافعي في أحد قوليه : يتبعه في دينه لأن كل ما لحق به نسبه لحق به في دينه كالبينة إلا أنه يحال بينه وبينه
ولنا أن هذا حكم بإسلامه فلا يقبل قول الذمي في كفره كما لو كان معروف النسب ولأنها دعوى تخالف الظاهر فلم تقبل بمجردها كدعوى رقه ولأنه لو تبعه في دينه لم يقبل إقراره بنسبه لأنه يكون إضرارا به فلم تقبل كدعوى الرق إما بمجرد النسب بدون اتباعه في الدين فمصلحة عارية عن الضرر فقبل قوله فيه ولا يجوز قبوله فيما هو أعظم : الضرر والخزي في الدنيا والآخرة وإن كان المدعي امرأة فاختلف عن أحمد رحمه الله فروي أن دعوتها تقبل ويلحقها نسبه لأنها أحد الأبوين فثبت النسب بدعوتها كالأب ولأنه يمكن أن يكون منها كما يكون ولد الرجل بل أكثر لأنها تأتي به من زوج ووطء بشبهة ويلحقها ولدها من الزنا دون الرجل ولأن في قصة داود وسليمان عليهما السلام حين تحاكم إليهما امرأتان كان لهما ابنان فذهب الذئب بأحدهما فادعت كل واحدة منهما أن الباقي ابنها وإن الذي أخذه الذئب ابن الأخرى فحكم به داود للكبرى وحكم به سليمان للأخرى بمجرد الدعوى منهما وهذا قول بعض أصحاب الشافعي فعلى هذه الرواية يلحق بها دون زوجها لأنه لا يجوز أن يلحقه نسب ولد لم يقر به وكذلك إذا ادعى الرجل نسبه لم يلحق بزوجته فإن قيل الرجل يمكن أن يكون له ولد من امرأة أخرى أو من أمته والمرأة لا يحل لها نكاح غير زوجها ولا يحل وطؤها لغيره قلنا يمكن أن تلد من وطء شبهة أو غيره وإن كان الولد يحتمل أن يكون موجودا قبل أن يتزوجها هذا الزوج أمكن أن يكون من زوج آخر فإن قيل إنما قبل الإقرار بالنسب من الزوج لما فيه من المصلحة بدفع العار عن الصبي وصيانته عن النسبة إلى كونه ولد زنا ولا يحصل هذا بإلحاق نسبه بالمرأة بل إلحاقها بها دون زوجها تطرق للعار إليه وإليها قلنا بل قبلنا دعواه لأنه يدعي حقا لا منازع له فيه ولا مضرة على أحد فيه فقيل قوله فيه كدعوى المال وهذا متحقق في دعوى المرأة والرواية الثانية : أنها إن كان لها زوج لم يثبت النسب بدعوتها لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره ولا رضاه أو إلى أن امرأته وطئت بزنا أو شبهة وفي ذلك ضرر عليه فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به وإن لم يكن لها زوج قبلت دعواها لعدم هذا الضرر وهذا أيضا وجه لأصحاب الشافعي والرواية الثالثة : نقلها الكوسنج عن أحمد في امرأة ادعت ولدا إن كان لها إخوة أو نسب معروف لا تصدق إلا ببينة وإن لم يكن لها دافع لم يحل بينها وبينه لأنه إذا كان لها أهل ونسب معروف لم تخف ولادتها عليهم ويتضررون بإلحاق النسب بها لما فيه من تعييرهم بولادتها من غير زوجها وليس كذلك إذا لم يكن لها أهل ويحتمل أن لا يثبت النسب بدعوتها بحال وهذا قول الثوري و الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن النسب لا يثبت بدعوى المرأة لأنها يمكنها إقامة البينة على الولادة فلا يقبل قولها بمجرده كما لو علق زوجها طلاقها بولادتها
ولنا : أنها أحد الوالدين فأشبهت الأب وإمكان البينة لا يمنع قبول القول كالرجل فإنه تمكنه البينة إن هذا ولد على فراشه وإن كان المدعي أمة فهي كالحرة إلا أننا إذا قبلنا دعوتها في نسبه لم نقبل قولها في رقه لأننا لا نقبل الدعوى فيما يضره كما لم نقبل الدعوى في كفره إذا ادعى نسبه كافر
القسم الثاني : أن يدعي نسبه اثنان فصاعدا والكلام في ذلك في فصول أحدها : أنه إذا ادعاه مسلم وكافر أو حر وعبد فهما سواء وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : المسلم أولى من الذمي والحر أولى من العبد لأن على اللقيط ضررا في إلحاقه بالعبد والذمي فكان إلحاقه بالحر المسلم أولى كما لو تنازعوا في الحضانة
ولنا أن كل واحد لو انفرد صحت دعواه فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى كالأحرار المسلمين وما ذكروه من الضرر لا يتحقق فإننا لا نحكم برقه ولا كفره ولا يشبه النسب الحضانة بدليل أننا نقدم في الحضانة الموسر والحضري ولا نقدمهما في دعوى النسب قال ابن المنذر : إذا كان عبد امرأته أمة في أيدهما صبي فادعى رجل من العرب امرأته عربية أنه ابنه من امرأته فأقام العبد بينة بدعواه أنه ابنه فهو ابنه في قول أبي ثور وغيره وقال أصحاب الرأي : يقضى به للعربي للعتق الذي يدخل فيه وكذلك لو كان المدعى من الموالي عبدهم وقولهم هذا غير صحيح لأن العرب وغيرهم في أحكام الله ولحوق النسب بهم سواء
الفصل الثاني : أنه إذا ادعاه اثنان فكان لأحدهما به بينة فهو ابنه وإن أقاما بينتين تعارضتا وسقطتا ولا يمكن استعمالهما ها هنا لأن استعمالهما في المال إما بقسمته بين المتداعيين ولا سبيل إليه ها هنا وإما بالإقراع بينهما والقرعة لا يثبت بها النسب فإن قيل فإن ثبوته ها هنا يكون بالبينة لا بالقرعة وإنما القرعة مرجحة قلنا فيلزم أنه إذا اشترك رجلان في وطء امرأة فأتت بولد يقرع بينهما ويكون لحوقه بالوطء لا بالقرعة
الفصل الثالث : أنه إذا لم تكن به بينة أو تعارضت به بينتان وسقطتا فإنا نريه القافة معهما أو مع عصبتهما عند فقدهما فنلحقه بمن ألحقته به منهما هذا قول أنس و عطاء ويزيد بن عبد الملك و الأوزاعي و الليث و الشافعي و أبي ثور وقال أصحاب الرأي لا حكم للقافة ويلحق بالمدعيين جميعا لأن الحكم بالقافة تعويل على مجرد الشبه والظن والتخمين فإن الشبه يوجد بين الأجانب وينفى بين الأقارب ولهذا روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم : أن رجلا أتاه فقال : يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال : هل لك من إبل ؟ قال نعم قال : فما ألوانها ؟ قال : حمر قال : فهل فيها من أورق ؟ قال : نعم قال : أنى أتاها ذلك ؟ قال لعل عرقا نزع قال : وهذا لعل عرقا نزع ] متفق عليه قالوا : ولو كان الشبه كافيا لاكتفى به في ولد الملاعنة وفيما إذا أقر أحد الورثة بأخ فأنكره الباقون
ولنا ما روي عن عائشة رضي الله عنها [ أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليها يوما مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال : ألم تري أن محرزا المدلجي نظر آنفا إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض ؟ ] متفق عليه فلولا جواز الاعتماد على القافة لما سر به النبي صلى الله عليه و سلم ولا اعتمد عليه ولأن عمر رضي الله عنه قضى به بحضرة الصحابة فلم ينكره منكر فكان إجماعا ويدل على ذلك [ قول النبي صلى الله عليه و سلم في ولد الملاعنة انظروها فإن جاءت به حمش الساقين كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن جاءت به أكحل جعدا جماليا سابغ الإليتين خدلج الساقين فهو للذي رميت به فأتت به على النعت المكروه فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لولا الإيمان لكان لي ولها شأن ] فقد حكم به النبي صلى الله عليه و سلم للذي أشبهه منهما وقوله : [ لولا الإيمان لكان لي ولها شأن ] يدل على أنه لم يمنعه من العمل بالشبه إلا الإيمان فإذا انتفى المانع يجب العمل به لوجود مقتضيه وكذلك [ قول النبي صلى الله عليه و سلم : في ابن أمة زمعة حين رأى به شبها بينا بعتبة بن أبي وقاص احتجبي منه يا سودة ] فعمل بالشبه في حجب سودة عنه فإن قيل فالحديثان حجبة عليكم إذ لم يحكم النبي صلى الله عليه و سلم بالشبه فيهما بل ألحق الولد بزمعة وقال لعبد بن زمعة : [ هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ] ولم يعمل بشبه ولد الملاعنة في إقامة الحد عليها لشبهه بالمقذوف قلنا إنما لم يعمل به في ابن أمة زمعة لأن الفراش أقوى وترك العمل بالبينة لمعارضة ما هو أقوى منه لا يوجب الإعراض عنه إذا خلت عن المعارض وكذلك ترك إقامة الحد عليها من أجل أيمانها بدليل قوله [ لولا الإيمان لكان لي ولها شأن ] على أن ضعف الشبه عن إقامة الحد لا يوجب ضعفه عن إلحاق النسب فإن الحد في الزنا لا يثبت إلا بأقوى البينات وأكثرها عددا وأقوى الإقرار حتى يعتبر فيه تكراره أربع مرات ويدرأ بالشبهات والنسب يثبت بشهادة امرأة واحدة على الولادة ويثبت بمجرد الدعوى ويثبت مع ظهور انتفائه حتى لو أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب عنها منذ عشرين سنة لحقه ولدها فكيف يحتج على نفيه بعدم إقامة الحد ولأنه حكم بظن غالب ورأي راجح ممن هو من أهل الخبرة فجاز كقول المقومين وقولهم أن الشبه يجوز وجوده وعدمه قلنا الظاهر وجوده ولهذا [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : حين قالت أم سلمة أوتري ذلك المرأة ؟ قال : فمن أين يكون الشبه ؟ ] والحديث الذي احتجوا به حجة عليهم لأن إنكار الرجل ولده لمخالفة لونه وعزمه على نفيه لذلك يدل على أن العادة خلافه وأن في طباع الناس إنكاره وإن ذلك إنما يوجد نادرا وإنما ألحقه النبي صلى الله عليه و سلم به لوجود الفراش وتجوز مخالفة الظاهر لدليل ولا يجوز تركه من غير دليل ولأن ضعف الشبه عن نفي النسب لا يلزم منه ضعف عن إثباته فإن النسب يحتاط لإثباته ويثبت بأدنى دليل ويلزم من ذلك التشديد في نفيه وإنه لا ينتفى إلا بأقوى الأدلة كما أن الحد لما انتفى بالشبه لم يثبت إلا بأقوى دليل فلا يلزم حينئذ من المنع من نفيه بالشبه في الخبر المذكور أن لا يثبت به النسب في مسألتنا فإن قيل فههنا إذا عملتم بالقيافة فقد نفيتم النسب عمن لم تلحقه القافة به قلنا إنما انتفى النسب ههنا لعدم دليله لأنه لم يوجد إلا مجرد الدعوى وقد عارضها مثلها فسقط حكمها وكان الشبه مرجحا لأحدهما فانتفت دلالة الأخرى فلزم انتفاء النسب لانتفاء دليله وتقديم اللعان عليه لا يمنع العمل به عند عدمه كاليد تقدم عليها البينة ويعمل بها

فصول : الكلام عن القافة وكيفية الإلحاق وفروع في اللقيط
فصل : والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرف منه المعرفة بذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف وقيل أكثر ما يكون في بني مدلج رهط محرز المدلجي الذي رأى أسامة وأباه زيدا قد غطيا رؤوسهما وبدت أقادمهما فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض وكان إياس بن معاوية المزني قائفا وكذلك قيل في شريح ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة حرا لأن قوله حكم والحكم تعتبر له هذه الشروط قال القاضي : وتعتبر معرفة القائف بالتجربة وهو أن يترك الصبي مع عشرة من الرجال غير من يدعيه ويرى إياهم فإن أحلقه بواحد منهم سقط قوله لأنا نتبين خطأه وإن لم يلحقه بواحد منهم أريناه إياه مع عشرين فيهم مدعيه فإن ألحقه به لحق ولو اعتبر بأن يرى صبيا معروف النسب مع قوم فيهم أبوه أو أخوه فإذا ألحقه بقريبه علمت إصابته وإن ألحقه بغيره سقط قوله جاز وهذه التجربة عند عرضه على القائف للاحتياط في معرفة إصابته وإن لم نجربه في الحال بعد أن يكون مشهورا بالإصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة جاز
وقد روينا أن رجلا شريفا شك في ولد له من جاريته وأبى أن يستلحقه فمر به إياس بن معاوية في المكتب وهو لا يعرفه فقال : ادع لي أباك فقال له المعلم : ومن أبو هذا ؟ قال فلان قال من أين علمت أنه أبوه ؟ قال : هو أشبه به من الغراب بالغراب فقام المعلم مسرورا إلى أبيه فأعلمه بقول إياس فخرج الرجل وسأل إياسا فقال من أين علمت أن هذا ولدي ؟ فقال : سبحان الله وهل يخفى على أحد أنه أشبه بك من الغراب بالغراب ؟ فسر الرجل واستلحق ولده وهل يقبل قول واحد أو لا يقبل إلا قول اثنين ؟ فظاهر كلام أحمد أنه لا يقبل إلا قول اثنين فإن الأثرم روى عنه أنه قيل له إذا قال أحد القافة هو لهذا وقال الآخر : هو لهذا قال لا يقبل قول واحد حتى يجتمع اثنان فيكونان شاهدين فإذا شهد اثنان من القافة أنه لهذا فهو لهذا لأنه قول يثبت به النسب فأشبه الشهادة وقال القاضي : يقبل قول الواحد لأنه حكم ويقبل في الحكم قول واحد وحمل كلام أحمد على ما إذا تعارض قول القائفين فقال : إذا خالف القائف غيره تعارضا وسقطا فإن قال اثنان قولا وخالفهما واحد فقولهما أولى لأنهما شاهدان فقولهما أقوى من قول واحد وإن عارض قول اثنين قول اثنين سقط قول الجميع وإن عارض قول الاثنين ثلاثة أو أكثر لم يرجح وسقط الجميع كما لو كانت إحدى البينتين اثنين والأخرى ثلاثة فأكثر فأما إن ألحقته القافة بواحد ثم جاءت قافة أخرى فألحقته بآخر كان لاحقا بالأول لأن القائف جرى مجرى حكم الحاكم ومتى حكم الحاكم حكما لم ينتقض بمخالفة غيره له وكذلك إن ألحقته بواحد ثم عادت فألحقته بغيره لذلك فإن أقام الآخر بينة أنه ولده حكم له به وسقط قول القائف لأنه بدل فيسقط وجود الأصل كالتيمم مع الماء
فصل : وإن ألحقته القافة بكافر أو رقيق لم يحكم بكفره ولا رقه لأن الحرية والإسلام ثبتا له بظاهر الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبه والظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد وإنما قبلنا قول القائف في النسب للحاجة إلى إثباته ولكونه غير مخالف للظاهر ولهذا اكتفينا فيه بمجرد الدعوى من المنفرد ولا حاجة إلى إثبات رقه وكفره وإثباتهما يخالف الظاهر
ولو ادعى نسب اللقيط إنسان فالحق نسبه به لانفراده بالدعوى ثم جاء آخر فادعاه لم يزل نسبه عن الأول لأنه حكم له به فلا يزول بمجرد الدعوى فإن ألحقته به القافة لحق به وانقطع عن الأول لأنها بينة في إلحاق النسب ويزول بها الحكم الثابت بمجرد الدعوى كالشهادة
فصل : وإذا ادعاه اثنان فألحقته القافة بهما لحق بهما وكان ابنهما يرثهما ميراث ابن ويرثانه جميعا ميراث أب واحد وهذا يروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما وهو قول أبي ثور وقال أصحاب الرأي : يلحق بهما بمجرد الدعوى وقال الشافعي : لا يلحق بأكثر من واحد فإذا ألحقته بهما سقط قولهما ولم يحكم لهما واحتج برواية عن عمر رضي الله عنه أن القافة قالت قد اشتركا فيه فقال عمر : وآل أيهما شئت ولأنه لا يتصور كونه من رجلين فإذا ألحقته القافة بهما تبينا كذبهما فسقط قولهما كما لو ألحقته بأمين ولأن المدعيين لو اتفقا على ذلك لم يثبت ولو ادعاه كل واحد منهما وأقام بينة سقطتا ولو جاز أن يلحق بهما لثبت باتفاقهما وألحق بهما عند تعارض بينتهما
ولنا ما روى سعيد في سننه ثنا سفيان عن يحيى عن سعيد عن سليمان بن يسار [ عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف : قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما ] وبإسناده عن الشعبي قال وعلي يقول : هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه ورواه الزبير بن بكار بإسناده عن عمر وقال الإمام أحمد : حديث قتادة عن سعيد عن عمر جعله بينهما وقابوس عن أبيه عن علي جعله بينهما وروى الأثرم بإسناده عن سعيد بن المسيب في رجلين اشتركا في طهر امرأة فحملت فولدت غلاما يشبههما فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فدعا القافة فنظروا فقالوا نراه يشبههما فألحقه بهما وجعله يرثهما ويرثانه قال سعيد : عصبته الباقي منهما وما ذكروه عن عمر لا نعلم صحته وإن صح فيحتمل أنه ترك قول القافة لأمر آخر إما لعدم ثقتهما وإما لأنه ظهر له من قولهما واختلافه ما يوجب تركه فلا ينحصر المانع من قبول قولهما في أنهما اشتركا فيه قال أحمد إذا ألحقته القافة بهما ورثهما وورثاه فإن مات أحدهما فهو للباقي منهما ونسبه من الأول قائم لا يزيله شيء ومعنى قوله هو للباقي منهما والله أعلم أنه يرثه ميراث أب كامل كما أن الجدة إذا انفردت أخذت ما يأخذه الجدات والزوجة تأخذ وحدها ما يأخذه جميع الزوجات
فصل : وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته بهم القافة فنص أحمد في رواية مهنا أنه يلحق بثلاثة ومقتضى هذا أنه يلحق بمن ألحقته القافة وإن كثروا قال أبو عبد الله بن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وهو قول أبي يوسف لأنا صرنا إلى ذلك للأثر فيقتصر عليه وقال القاضي : لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروي ذلك عن أبي يوسف أيضا
ولنا أن المعنى الذي لأجله لحق باثنين موجود فيما زاد عليه فيقاس عليه وإذا جاز أن يلحق من اثنين جاز أن يلحق من أكثر من ذلك وقولهم أن إلحاقه بالاثنين على خلاف الأصل ممنوع وإن سلمناه لكنه ثبت لمعنى موجود في غيره فيجب تعدية الحكم به كما أن إباحة أكل الميتة عند المخمصة أبيح على خلاف الأصل لا يمنع من أن يقاس على ذلك مال غيره والصيد الحرمي وغيرهما من المحرمات لوجود المعنى وهو إبقاء النفس وتخليصها من الهلاك وأما قول من قال إنه يجوز إلحاقه بثلاثة ولا يزاد على ذلك فتحكم فإنه لم يقتصر على المنصوص عليه ولا عدى الحكم إلى كل ما وجد فيه المعنى ولا نعلم في الثلاثة معنى خاصا يقتضي إلحاق النسب بهم فلم يجز الاقتصار عليه بالتحكم
فصل : وإذا لم توجد قافة أو أشكل الأمر عليها أو تعارضت أقوالها أو وجد من لا يوثق بقوله لم يرجح أحدهما بذكر علامة في جسده لأن ذلك لا يرجح به في سائر الدعاوي سوى الالتقاط في المال واللقيط ويضيع نسبه هذا قول أبي بكر وقد أومأ إليه أحمد رحمه الله في رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد إلى أن الابن يخير أيهما أحب وهو قول أبي عبد الله بن حامد قال يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من أحب منهما وهو قول الشافعي الجديد وقال في القديم : حتى يميز لقول عمر : وال أيهما شئت ولأن الإنسان يميل طبعه إلى قريبه دون غيره ولأنه مجهول نسبه أقر به من هو من أهل الإقرار وصدقه المقر له فيثبت نسبه كما لو انفرد وقال أصحاب الرأي يلحق بالمدعيين بمجرد الدعوى لأن كل واحد منهما لو انفرد سمعت دعواه فإذا اجتمعا وأمكن العمل بهما وجب كما لو أقر له بمال
ولنا أن دعواهما تعارضتا ولا حجة لواحد منهما فلم تثبت كما لو ادعيا رقه وقولهم يميل طبعه إلى قرابته قلنا إنما يميل إلى قرابته بعد معرفته بأنها قرابته فالمعرفة بذلك سبب الميل ولا سبب قبله ولو ثبت أنه يميل إلى قرابته لكنه قد يميل إلى من أحسن إليه فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وقد يميل إلى أحسنهما خلقا أو أعظمهما قدرا أو جاها أو مالا فلا يبقى للميل أثر في الدلالة على النسب وقولهم أنه صدق المقر بنسبه قلنا لا يحل له تصديقه فإن النبي صلى الله عليه و سلم لعن من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه وهذا لا يعلم أنه أبوه فلا يأمن أن يكون ملعونا بتصديقه ويفارق ما إذا انفرد فإن المنفرد ثبت النسب بقوله من غير تصديق وأما قول عمر وال من شئت فلم يثبت ولو ثبت لم يكن فيه حجة فإنه إنما أمره بالموالاة لا بالانتساب وعلى قول من جعل له الانتساب إلى أحدهما لو انتسب إلى أحدهما ثم عاد وانتسب إلى الآخر ونفى نسبه من الأول أو لم ينتسب إلى واحد لم يقبل منه لأنه قد ثبت نسبه فلا يقبل رجوعه عنه كما لو ادعى منفرد نسبه ثم أنكره ويفارق الصبي الذي يخير بين أبويه فيختار أحدهما ثم يرد الآخر إذا اختاره فإنه لا حكم لقول الصبي وإنما تبع اختياره وشهوته فأشبه ما لو اشتهى طعاما في يوم ثم اشتهى غيره في يوم آخر وإن قامت للآخر بنسبه بينة عمل بها وبطل انتسابه لأنها تبطل قول القافة الذي هو مقدم على الانتساب فلأن تبطل الانتساب أولى وإن وجدت قافة بعد انتسابه فألحقته بغير من انتسب إليه بطل انتسابه أيضا لأنه أقوى فبطل به الانتساب كالبينة مع قول القافة
فصل : وإن ادعت امرأتان نسب ولد فذلك مبني على قبول دعوتهما فإن كانتا ممن لا تقبل دعوتهما لم تسمع دعوتهما وإن كانت إحداهما ممن تسمع دعوتهما دون الأخرى فهو ابن لها كالمنفردة به وإن كانتا جميعا ممن تسمع دعوتهما فهما في إثباته بالبينة أو كونه يرى القافة مع عدمها كالرجلين : قال أحمد في رواية بكر بن محمد في يهودية ومسلمة ولدتا فادعت اليهودية ولد المسلم فتوقف فقيل يرى القافة فقال ما أحسنه ولأن الشبه يوجد بينها وبين ابنها كوجوده بين الرجل وابنه بل أكثر لاختصاصهما بحمله وتغذيته والكافرة والمسلمة والحرة والأمة في الدعوى واحدة كما قلنا في الرجل وهذا قول أصحاب الشافعي على الوجه الذي يقولون فيه بقبول دعوتهما وإن ألحقته القافة بأمين لم يلحق بهما وبطل قول القافة لأننا نعلم خطأه يقينا وقال أصحاب الرأي يلحق بهما بمجرد الدعوى لأن الأم أحد الأبوين فجاز أن يلحق باثنين كالآباء
ولنا أن كونه منهما محال يقينا فلم يجز الحكم به كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما وفارق الرجلين فإن كونه منهما ممكن فإنه يجوز اجتماع النطفتين لرجلين في رحم امرأة فيمكن أن يخلق منهما ولد كما يخلق من نطفة الرجل والمرأة ولذلك قال القائف لعمر قد اشتركا فيه ولا يلزم من إلحاقه بمن يتصور كونه منه إلحاقه بمن يستحيل كونه منه كما لم يلزم من إلحاقه بمن يولد مثله لمثله إلحاقه بأصغر منه
فصل : فإن ادعى نسبه رجل وامرأة فلا تنافي بينهما لأنه يمكن أن يكون منهما بنكاح كان بينهما أو وطء شبهة فيلحق بهما جميعا ويكون ابنهما بمجرد دعوتهما كما لو انفرد كل واحد منهما بالدعوة وإن قال الرجل هذا ابني من زوجتي وادعت زوجته ذلك وادعته امرأة أخرى فهو ابن الرجل وهل ترجح زوجته على الأخرى ؟ يحتمل وجهين أحدهما : ترجح لأن زوجها أبوه فالظاهر أنها أمه ويحتمل أن تتساويا لأن كل واحدة منهما لو انفردت لألحق بها فإذا اجتمعتا تساوتا
فصل : وإن ولدت امرأتان ابنا وبنتا فادعت كل واحدة منهما أن الابن ولدها دون البنت احتمل وجهين أحدهما أن ترى المرأتين القافة مع الولدين فيلحق كل واحد منهما بمن ألحقته به كما لو لم يكن لهما ولد آخر والثاني : أن نعرض لبنيهما على أهل الطب والمعرفة فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته وقد قيل لبن الابن ثقيل ولبن البنت خفيف فيعتبران بطباعهما ووزنهما وما يختلفان به عند أهل المعرفة فمن كان لبنها لبن الابن فهو ولدها والبنت للأخرى فإن لم يوجد قافة اعتبرنا اللبن خاصة وإن تنازعا أحد الولدين وهما جميعا ذكران أو انثيان عرضوا على القافة كما ذكرنا فيما تقدم
فصل : ولو ادعى اللقيط رجلان فقال أحدهما هو ابني وقال الآخر هو ابنتي نظرنا فإن كان ابنا فهو لمدعيه وإن كانت بنتا فهي لمدعيها لأن كل واحد منهما لا يستحق غير ما ادعاه وإن كان خنثى مشكلا أري القافة معهما لأنه ليس قول واحد منهما أولى من الآخر وإن أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه فالحكم فيهما كالحكم فيما لو انفرد كل واحد منهما بالدعوى لأن بينة الكاذب منهما كاذبة وجودها كعدمها والأخرى صادقة فيتعين الحكم بها
فصل : وإذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد وطأ يلحق النسب بمثله فأتت بولد يمكن أن يكون منهما مثل أن يطأ جارية مشتركة بينهما في طهر أو يطأ رجل امرأة آخر أو أمته بشبهة في الطهر الذي وطئها زوجها أو سيدها فيه بأن يجدها على فراشه فيظنها زوجته أو أمته أو يدعو زوجته في ظلمة فتجيبه زوجة آخر أو جاريته أو يتزوجها كل واحد منهما تزويجا فاسدا أو يكون نكاح أحدهما صحيحا والآخر فاسدا مثل أن يطلق رجل امرأته فنكحها آخر في عدتها ووطئها أو يبيع جارية فيطؤها المشتري قبل استبرائها وتأتي بولد يمكن أن يكون منهما فإنه يرى القافة معهما فبأيهما ألحقوه لحق والخلاف فيه كالخلاف في اللقيط
فصل : وإذا ادعى رق اللقيط مدع سمعت دعواه لأنها ممكنة وإن كانت مخالفة لظاهر الدار فإن لم تكن له بينة فلا شيء له لأنها دعوى تخالف الظاهر وتخالف دعوى النسب من وجهين أحدهما : أن دعوى النسب لا تخالف الظاهر ودعوى الرق مخالفة له والثاني : أن دعوى النسب نثبت بها حقا للقيط ودعوى الرق نثبت حقا عليه فلم تقبل بمجردها كما لو ادعى رق غير اللقيط فإذا لم تكن له بينة سقطت الدعوى وإن كانت له بينة لم تخل إما أن تشهد باليد أو بالملك أو بالولادة فإن شهدت بالملك أو باليد لم تقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وإن شهدت بالولادة قبل فيه امرأة واحدة أو رجل واحد لأنه مما لا يطلع عليه الرجال ثم ننظر فإن شهدت البينة باليد فإن كانت للملتقط لم يثبت بها ملك لأننا عرفنا سبب يده فإن كانت لأجنبي حكم له باليد والقول قوله مع يمينه في الملك وإن شهدت بالملك فقالت نشهد أنه عبده أو مملوكه حكم بها وإن لم تذكر سبب الملك كما لو شهدت بملك دار أو ثوب فإن شهدت بأن أمته ولدته في ملكه حكم له به لأن أمته لا تلد في ملكه إلا ملكه وإن شهدت أنه ابن أمته أو إن أمته ولدته ولم تقل في ملكه احتمل أن يثبت له الملك بذلك كقولها في ملكه لأن أمته ملكه فنماؤها ملكه كسمنها واحتمل أن لا يثبت الملك لأنه يجوز أن تلده قبل ملكه لها فلا تكون له وهو ابن أمته
فصل : وإن ادعى رق اللقيط بعد بلوغه مدع كلف إجابته فإن أنكر ولا بينة للمدعي لم تقبل دعواه وإن كانت له بينة حكم له بها فإن كان اللقيط قد تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته لأنه بان أنه تصرف بغير إذن سيده وإن لم تكن بينة فأقر بالرق نظرنا فإن كان اعترف لنفسه بالحرية قبل ذلك لم يقبل إقراره بالرق لأنه اعترف بالحرية وهي حق لله تعالى فلا يقبل رجوعه في إبطاله وإن لم يكن اعترف بالحرية احتمل وجهين أحدهما : يقبل وهو قول أصحاب الرأي لأنه مجهول الحال أقر بالرق فيقبل كما لو قدم رجلان من دار الحرب فأقر أحدهما للآخر بالرق كما لو أقر بقصاص أو حد فإنه يقبل وإن تضمن ذلك فوات نفسه ويحتمل أن لا يقبل وهو الصحيح لأنه يبطل به حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها فلم يصح كما لو أقر قبل ذلك بالحرية ولأنه محكوم بحريته فلم يقبل إقراره بالرق كما ذكرنا ولأن الطفل المنبوذ لا يعلم رق نفسه ولا حريتها ولم يتجدد له حال يعرف به رق نفسه لأنه في تلك الحال ممن لا يعقل ولم يتجدد له رق بعد التقاطه فكان إقراره باطلا وهذا قول القاسم و ابن المنذر و للشافعي وجهان كما ذكرنا فإن قلنا يقبل إقراره صارت أحكامه أحكام العبيد فيا عليه دون ماله وبهذا قال أبو حنيفة و المزني وهو أحد قولي الشافعي لأنه أقر بما يوجب حقا له وحقا عليه فوجب أن يثبت ما عليه دون ما له كما لو قال لفلان علي ألف درهم ولي عنده رهن ويحتمل أن يقبل إقراره في الجميع وهو القول الثاني للشافعي لأنه ثبت ما عليه فيثبت ما له كالبينة ولأن هذه الأحكام تبع للرق فإذا ثبت الأصل بقوله ثبت التبع كما لو شهدت امرأة بالولادة تثبت ويثبت النسب تبعا لها وأما إن أقر بالرق ابتداء لرجل فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا وإن كذبه بطل إقراره ثم إن أقر به بعد ذلك لرجل آخر جاز وقال بعض أصحابنا يتوجه أن لا يسمع إقراره الثاني لأن إقراره الأول تضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى هذا المقر فإذا بطل إقراره برد المقر له بقي الاعتراف بنفي مالك له غيره فلم يقبل إقراره بما نفاه كما لو أقر بالحرية ثم أقر بعد ذلك بالرق
ولنا أنه إقرار لم يقبله المقر له فلم يمنع إقراره ثانيا كما لو أقر له بثوب ثم أقر به لآخر بعد رد الأول وفارق الإقرار بالحرية فإن إقراره بها لم يبطل ولم يرد
فصل : إذا قبلنا إقراره بالرق بعد نكاحه لم يخل من أن يكون ذكرا أو أنثى فإن كان ذكرا فإن كان قبل الدخول فسد نكاحه في حقه لأنه مقر أنه عبد تزوج بغير إذن سيده ولها عليه نصف المهر لأنه حق عليه فلم يسقط بقوله وإن كان بعد الدخول فسد نكاحه أيضا ولها عليه المهر جميعه لما ذكرنا لأن الزوج يملك الطلاق فإذا أقر بما يوجب الفرقة لزمته وولده حر تابع لأمه وإن كان متزوجا بأمة فولده لسيدها ويتعلق المهر برقبته لأن ذلك من جناياته ويفديه سيده أو يسلمه وإن كان في يده كسب استوفى المهر منه لأنه لم يثبت إقراره به لسيده بالنسبة إلى امرأته فلا ينقطع حقها منه بإقراره وإن قلنا يقبل قوله في جميع الأحكام فالنكاح فاسد لكونه تزوج بغير إذن سيده ويفرق بينهما ولا مهر لها عليه إن لم تكن مدخولا بها وإن كان دخل بها فلها عليه المهر المسمى جميعه في إحدى الروايتين والأخرى خمساه وإن كان اللقيط أنثى فالنكاح صحيح في حقه وإن كان قبل الدخول فلا مهر لها لإقرارها بفساد نكاحها وأنها أمة تزوجت بغير إذن سيدها والنكاح الفاسد لا يجب المهر فيه إلا بالدخول وإن كان دخل بها لم يسقط مهرها ولسيدها الأقل من المسمى أو مهر المثل لأن المسمى إن كان أقل فالزوج ينكر وجوب الزيادة عليه وقولها غير مقبول في حقه وإن كان الأقل مهر المثل فهي وسيدها يقران بفساد النكاح وأن الواجب مهر المثل فلا يجب أكثر منه إلا على الرواية التي يجب فيها المسمى في النكاح الفاسد فيجب ههنا المسمى قل أو كثر لاعتراف الزوج بوجوبه وأما الأولاد فأحرار ولا تجب قيمتهم لأنه لو وجب لوجب بقولها ولا يجب بقولها حق على غيرها ولا يثبت الرق في حق أولادها بإقرارها فأما بقاء النكاح فيقال للزوج قد ثبت أنها أمة ولدها رقيق لسيدها فإن اخترت المقام على ذلك فأقم وإن شئت ففارقها وسواء كان ممن يجوز له نكاح الإماء أو لم يكن لأننا لو اعتبرنا ذلك وأفسدنا نكاحه لكان إفسادا للعقد جميعه بقولها لأن شروط نكاح الأمة لا تعتبر في استدامة العقد إنما تعتبر في ابتدائه فإن قيل فقد قبلتم قولها في أنها أمة في المستقبل وفيه ضرر على الزوج قلنا لم يقبل قولها في إيجاب حق لم يدخل في العقد عليه فأما الحكم في المستقبل فيمكن إيفاء حقه وحق من ثبت له الرق عليها بأن يطلقها فلا يلزمه ما لم يدخل عليه أو يقم على نكاحها فلا يسقط حق سيدها فإن طلقها اعتدت عدة الحرة لأن عدة الطلاق حق للزوج بدليل أنها لا تجب إلا بالدخول وسببها النكاح السابق فلا يقبل قولها في تنقيصها وإن مات اعتدت عدة الأمة لأن المغلب فيها حق الله تعالى بدليل وجوبها قبل الدخول فقبل قولها فيها ومن قال بقبول قولها في جميع الأحكام فهذه أمة قد تزوجت بغير إذن سيدها فنكاحها فاسد ويفرق بينهما وإن كان قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان دخل بها وجب لها مهر أمة نكحت بغير إذن سيدها على ما ذكر في موضعه وهل ذلك مهر المثل أو المسمى ؟ فيه روايتان وتعتد حيضتين لأنه وطء في نكاح فاسد وأولاده أحرار لاعتقاده حريتها فإنه مغرور بحريتها وعليه قيمتهم يوم الوضع وإن مات عنها لم تجب عدة الوفاة
فصل : وإن كان قد تصرف ببيع أو شراء فتصرفه صحيح وما عليه من الحقوق والأثمان يؤدى مما في يديه وما فضل عليه ففي ذمته لأن معامله لا يعترف برقه ومن قال بقبول إقراره في جميع الأحكام قال بفساد عقوده كلها وأوجب رد الأعيان إلى أربابها إن كانت باقية وإن كانت تالفة وجبت قيمتها في رقبته إن قلنا إنما استدان العبد بغير إذن سيده فهو في رقبته وإن قلنا بأن استدانة العبد في ذمته فهذا كذلك ويتبع به بعد العتق لأنه ثبت رضا صاحبه
فصل : وإن كان قد جنى جناية موجبة للقصاص فعليه القود حرا كان المجني عليه أو عبدا لأن إقراره بالرق يقتضي وجوب القود عليه فيما إذا كان المجني عليه عبدا أو حرا فقبل إقراره فيه وإن كانت الجناية خطأ تعلق ارشها برقبته لأن ذلك مضر به فإن كان ارشها أكثر من قيمته وكان في يده مال استوفى منه وإن كان مما تحمله العاقلة لم يقبل قوله في إسقاط الزيادة لأن ذلك يضر بالمجني عليه فلا يقبل قوله فيه وقيل تجب الزيادة في بيت المال لأن ذلك كان واجبا للمجني عليه فلا يقبل قوله في إسقاطه وإن جني عليه جناية موجبة للقود وكان الجاني حرا سقط لأن الحر لا يقاد منه للعبد وقد أقر المجني عليه بما يسقط القصاص وإن كانت موجبة لمال يقل بالرق وجب أقل الأمرين وإن كان مساويا للواجب قبل الإقرار وجب ويدفع الواجب إلى سيده وإن كان الواجب يكثر لكون قيمته عبدا أكثر من ديته حرا لم يجب إلا ارش الجناية على الحر ومن قبل قوله في الأحكام كلها أوجب ارش الجناية على العبد وإن كان الارش تحمله العاقلة إذا كان حرا سقط عن العاقلة ولم يجب على الجانب لأن إقراره بالرق يتضمن إقراره بالسقوط عن العاقلة ولم يقبل في إيجابه على الجاني فسقط وقيل لا يتحول عن العاقلة ومن قال لا يقبل إقراره في الأحكام كلها أوجب الارش على الجاني

كتاب الوصايا الوصية ومعناها والدليل عليها
الوصايا جمع وصية مثل العطايا جمع عطية والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } وقال الله تعالى { من بعد وصية يوصي بها أو دين } وأما السنة فروى [ سعد بن أبي وقاص قال جاءني رسول الله صلى الله عليه و سلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا قلت فبالشطر يا رسول الله ؟ قال لا قلت فبالثلث ؟ قال : الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ] وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ] متفق عليهما وروى أبو أمامة قال [ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ] رواه سعيد و أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وعن علي رضي الله عنه قال إنكم تقرؤون هذه الآية { من بعد وصية يوصي بها أو دين } وإن النبي صلى الله عليه و سلم قضى أن الدين قبل الوصية ورواه الترمذي وأجمع العلماء في جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصية

فصلان : ولا تجب الوصية إلا على من عليه دين أو وديعة وتستحب الوصية بجزء من المال
فصل : ولا تجب الوصية إلا على من عليه دين أو عنده وديعة أو عليه واجب يوصي بالخروج منه فإن الله تعالى فرض أداء الأمانات وطريقه في هذا الباب الوصية فتكون مفروضة عليه فأما الوصية بجزء من ماله فليست بواجبة على أحد في قول الجمهور وبذلك قال الشعبي و النخعي و الثوري و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم وقال ابن عبد البر : أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا على من عليه حقوق بغير بينة وأمانة بغير إشهاد إلا طائفة شذت فأوجبتها روي عن الزهري أنه قال : جعل الله الوصية حقا مما قل أو كثر وقيل لأبي مجلز على كل ميت وصية ؟ قال : إن ترك خيرا وقال أبو بكر عبد العزيز : هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون وهو قول داود وحكي ذلك عن مسروق و طاوس وإياس و قتادة و ابن جرير واحتجوا بالآية وخبر ابن عمر وقالوا نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين
ولنا أن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينقل عنهم وصية ولم ينقل لذلك نكير ولو كانت واجبة لم يخلوا بذلك ولنقل عنهم نقلا ظاهرا ولأنها عطية لا تجب في الحياة فلا تجب بعد الموت كعطية الأجانب فأما الآية فقال ابن عباس نسخها قوله سبحانه : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } وقال : ابن عمر : نسختها آية الميراث وبه قال عكرمة و مجاهد و مالك و الشافعي وذهب طائفة ممن يرى نسخ القرآن بالسنة إلى أنها نسخت بقول النبي صلى الله عليه و سلم [ إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ] وحديث ابن عمر محمول على من عليه واجب أو عنده وديعة
فصل : وتستحب الوصية بجزء من المال لمن ترك خيرا لأن الله تعالى قال : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } فنسخ الوجوب وبقي الاستحباب في حق من لا يرث وقد روي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ يا ابن آدم جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك وأزكيك ] وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم ] رواهما ابن ماجة وقال الشعبي من أوصى بوصية فلم يجر ولم يحف كان له من الأجر مثل ما لو أعطاها وهو صحيح وأما الفقير الذي له ورثة محتاجون فلا يستحب له أن يوصي لأن الله قال في الوصية : { إن ترك خيرا } و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لسعد : إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ] وقال [ ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ] وقال علي رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي : إنك لن تدع طائلا إنما تركت شيئا يسيرا فدعه لورثتك وعنه أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة وروي عن عائشة رضي الله عنها [ أن رجلا قال لها : لي ثلاثة آلاف درهم وأربعة أولاد أفأوصي ؟ فقالت اجعل الثلاثة للأربعة ] وعن ابن عباس قال من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصية وقال عروة دخل علي على صديق له يعوده فقال الرجل إني أريد أن أوصي فقال له إن الله تعالى يقول : { إن ترك خيرا } وإنك إنما تدع شيئا يسيرا فدعه لورثتك واختلف أهل العلم في القدر الذي لا تستحب له لمالكه فروي عن أحمد إذا ترك دون الألف لا تستحب الوصية وعن علي أربعمائة دينار وقال ابن عباس : إذا ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وقال : من ترك ستين دينارا ما ترك خيرا وقال طاوس الخير ثمانون دينارا وقال النخعي ألف وخمسمائة وقال أبو حنيفة : القليل أن يصيب أقل الورثة سهما خمسون درهما والذي يقوى عندي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة فلا تستحب الوصية لأن النبي صلى الله عليه و سلم علل المنع من الوصية بقوله [ إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة ] ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي فمتى لم يبلغ الميراث غناهم كان تركه لهم كعطيتهم إياه فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم فعند هذا يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغناهم وحاجتهم فلا يتقيد بقدر من المال والله أعلم وقد قال الشعبي : ما من مال أعظم أجرا من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس

فصلان : تحديد الوصية بالثلث والوصية للأقارب الذين لا يرثون
فصل : والأولى أن لا يستوعب الثلث بالوصية وإن كان غنيا لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ والثلث كثير ] قال ابن عباس لو أن الناس غضوا من الثلث فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الثلث كثير ] متفق عليه وقال القاضي و أبو الخطاب : إن كان غنيا استحب الوصية بالثلث
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لسعد [ والثلث كثير ] مع إخباره إياه بكثرة ماله وقلة عياله فإنه قال في الحديث : إن لي مالا كثيرا ولا يرثني إلا ابنتي وروى سعيد بن ثنا خالد بن عبد الله ثنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي [ عن سعد بن مالك قال : مرضت مرضا فعادني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي أوصيت ؟ فقلت نعم أوصيت بمالي كله للفقراء وفي سبيل الله فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : أوص بالعشر فقلت يا رسول الله إن مالي كثير وورثتي أغنياء فلم يزل رسول الله يناقصني وأناقصه حتى قال : أوص بالثلث والثلث كثير ] وقال أبو عبد الرحمن لم يكن أحد منا يبلغ في وصيته الثلث حتى ينقص منه شيئا لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ الثلث والثلث كثير ] إذا ثبت هذا فالأفضل للغني الوصية بالخمس ونحو هذا يروى عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهو ظاهر قول السلف وعلماء أهل البصرة ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه جاءه شيخ فقال يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير ومالي كثير ويرثني أعراب موالي كلالة منزوج نسبهم أفأوصي بمالي كله ؟ قال لا قال : فلم يزل يحط حتى بلغ العشر وقال إسحاق : السنة الربع إلا أن يكون رجلا يعرف في ماله حرمة شبهات أو غيرها فله استيعاب الثلث
ولنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى بالخمس وقال رضيت بما رضي الله به لنفسه يعني قوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } وروي أن أبا بكر وعليا رضي الله عنهما أوصيا بالخمس وعن علي رضي الله عنه أنه قال لأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع وعن إبراهيم قال كانوا يقولون صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع وعن الشعبي قال : كان الخمس أحب إليهم من الثلث فهو منتهى الجامع وعن العلاء بن زياد قال : أوصى أبي أن أسأل العلماء أي الوصية أعدل فما تتابعوا عليه فهو وصيته ؟ فتتابعوا على الخمس
فصل : والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء في قول عامة أهل العلم قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء علمت في ذلك إذا كانوا ذوي حاجة وذلك لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين فخرج منه الوارثون بقول النبي صلى الله عليه و سلم [ لا وصية لوارث ] وبقي سائر الأقارب لهم وأقبل ذلك الاستحباب وقد قال الله تعالى { وآت ذا القربى حقه } وقال تعالى { وآتى المال على حبه ذوي القربى } فبدأ بهم ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل فكذلك بعد الموت فإن أوصى لغيرهم وتركهم صحت وصيته في قول أكثر أهل العلم منهم سالم وسليمان بن يسار و عطاء و مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وحكي عن طاوس و الضحاك وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا ينزع عنهم ويرد إلى قرابته وعن سعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زيد : للذي أوصى له ثلث الثلث والباقي يرد إلى قرابة الموصي لأنه لو أوصى بماله كله لجاز منه الثلث والباقي رد على الورثة وأقاربه الذين لا يرثونه في استحقاق الوصية كالورثة في استحقاق المال كله
ولنا ما روى عمران بن حصين أن رجلا أعتق في مرضه ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فدعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فأجاز العتق في ثلثه لغير قرابته ولأنها عطية فجازت لغير قرابته كالعطية في الحياة

مسألة وفصول : قال : ولا وصية لوارث إلا أن يجز الورثة ذلك وفروع في الوصية
مسألة : قال : ولا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ذلك :
وجملة ذلك أن الإنسان إذا أوصى لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة لم تصح بغير خلاف بين العلماء قال ابن المنذر و ابن عبد البر : أجمع أهل العلم على هذا وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك فروى أبو أمامة قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ] رواه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي ولأن النبي صلى الله عليه و سلم منع من عطية بعض ولده وتفضيل بعضهم على بعض في حال الصحة وقوة الملك وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك لما فيه من إيقاع العداوة والحسد بينهم ففي حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به وتعذر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى وإن أجازها جازت في قول الجمهور من العلماء وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة وإن أجازها سائر الورثة إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذا من ظاهر قول أحمد في رواية حنبل : لا وصية لوارث وهذا قول المزني وأهل الظاهر وهو قول للشافعي واحتجوا بظاهر قول النبي صلى الله عليه و سلم [ لا وصية لوارث ] وظاهر مذهب أحمد و الشافعي أن الوصية صحيحة في نفسها وهو قول جمهور العلماء لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كما لو وصى لأجنبي والخبر قد روي فيه [ إلا أن يجيز الورثة ] والاستثناء من النفي إثبات فيكون ذلك دليلا على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصية نافذة أو لازمة أو ما أشبه هذا أو يقدر فيه لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة وفائدة الخلاف أن الوصية إذا كانت صحيحة فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت أو أمضيت أو نفذت فإذا قال ذلك لزمت الوصية وإن كانت باطلة كانت الإجارة هبة مبتدأة تفتقر إلى شروط الهبة من اللفظ والقبول والقبض كالهبة المبتدأة ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض صح رجوعه
فصل : وإن أسقط عن وارثه دينا أو أوصى بقضاء دينه أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفا عن جناية موجبها المال فهو كالوصية له وإن عفا عن القصاص وقلنا الواجب القصاص عينا سقط إلى غير بدل وإن قلنا الواجب أحد شيئين سقط القصاص ووجب المال وإن عفا عن حد القذف سقط مطلقا وإن وصى لغريم وارثه صحت الوصية وكذلك إن وهب له وبهذا قال الشافعي و أبو حنيفة وقال أبو يوسف هو وصية للوارث لأن الوارث ينتفع بهذا الوصية وتستوفي ديونه منها
ولنا أنه وصى لأجنبي فصح كما لو وصى لمن عادته الإحسان إلى وارثه وإن وصى لولد وارثه صح فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى قال طاوس في قوله عز و جل : { فمن خاف من موص جنفا أو إثما } قال : أن يوصي لولد ابنته وهو يريد ابنته رواه سعيد قال ابن عباس الجنف في الوصية والأضرار فيها من الكبائر
فصل : وإن وصى لكل وارث بمعين من ماله بقدر نصيبه كرجل خلف ابنا وبنتا وعبدا قيمته مائة وجارية قيمتها خمسون فوصى لابنه بعبده ولابنته بأمته احتمل أن تصح الوصية لأن حق الوارث في القدر لا في العين بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبيا بجميع ماله صح إذا كان ذلك بثمن المثل وإن تضمن فوات عين المال واحتمل أن تقف على الإجازة لأن في الأعيان غرضا صحيحا وكما لا يجوز إبطال حق الوارث في قدر حقه لا يجوز من عينه
فصل : وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض عتق وورث وبهذا قال مالك وبعض أصحاب الشافعي وحكاه الخبري مذهبا للشافعي ولا خلاف بين هؤلاء في أنه إذا ملكه بالميراث أنه يعتق ويرث وقال أبو حنيفة : إن حمله الثلث عتق وورث وإلا سعى فيما بقي عليه ولم يرث ولم يفرق بين أن يملكه بعوض أو غيره وقال أبو يوسف ومحمد يحتسب ميراثهم من قيمتهم فإن فضل شيء أخذه وإن فضل عليهم شيء سعوا فيه
ولنا أن المريض لم يضع فيهم شيئا من ماله وإنما تعاطى سبب ملكهم على دونه لم يستقر وزال بغير إزالته فلم يحتسب عليه من ثلثه كما لو اتهب شيئا فرجع الواهب فيه قبل قبضه أو اشترى شيئا فيه غبطة بشرط الخيار ففسخ البائع أو وجد بالثمن عيبا ففسخ البيع أو تزوجت المرأة فطلقت قبل الدخول وإذا لم تكن وصية لم تحتسب عليه من الثلث لم يمنع الميراث كما لو ملكه بالميراث عند من سلمه أو كما لو كان ذلك في صحته فإن ملكه بعوض كالشراء فحكى الخبري عن أحمد أنه يعتق ويرث وهذا قول ابن الماجشون وأهل البصرة وقال القاضي في المجرد : إن ملكه بعوض وخرج من الثلث عتق وورث وإلا عتق منه بقدر الثلث وهذا قول مالك وقال الخبري وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وحكى غيره عن الشافعي أنه لا فرق عنده بين أن يملكه بعوض أو غيره وإنه إن خرج من الثلث عتق وإلا عتق منه بقدر الثلث ولا يرث في الحالين لأنه لو ورث لكان إعتاقه وصية لوارث فيبطل عتقه ويبطل ميراثه لبطلان عتقه فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه فصححنا عتقه ولم نورثه لئلا يفضي إلى ذلك ومذهب أبي حنيفة وصاحبيه في هذا كمذهبهم فيما إذا ملكه بغير عوض
ولنا على إعتاقه قول النبي صلى الله عليه و سلم [ من ملك ذا رحم محرم فهو حر ] ولأنه ملك وجد معه ما ينافيه فبطل كملك النكاح مع ملك الرقبة أعني فيما إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه وإذا أعتق ورث لأنه وجد سبب الميراث عريا عن الموانع فورث كما لو ورثه وقولهم أن عتقه وصية لا يصح لأن الوصية فعله والعتق ههنا يحصل من غير اختياره ولا إرادته ولأن رقبة العتق لا تحصل له وإنما تتلف ماليته وتزول فيصير ذلك كتلفه بقتل بعض رقيقه أو كإتلاف بعض ماله في بناء مسجد مثال ذلك مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة ثم مات المريض وخلف ابنا آخر ومائتين فإنه يعتق ويقاسم أخاه المائتين في قول الأكثرين وعند الشافعي فيما حكى عنه غير الخبري يعتق ولا يرث شيئا وعند صاحبي أبي حنيفة يعتق وله نصف التركة يحتسب عليه بقيمته ويبقى له خمسون وإن كان باقي التركة خمسين فعندنا يعتق وله نصف الخمسين وهو قول مالك وعند أبي حنيفة يعتق نصفه ويسعى في باقيه والخمسون كلها لأخيه وقال صاحباه تعتق ثلاثة أرباعه وعند الشافعي في قول غير الخبري يعتق نصفه ويرق نصفه ونصفه الرقيق والخمسون كلها لأخيه وإن كان باقي التركة ثلاثمائة فعندنا يعتق وله مائة وخمسون وعند الشافعي يعتق ولا يرث شيئا وعند صاحبي أبي حنيفة يعتق وله مائة فإن كان اشترى ابنه بمائة ومات وخلف ابنا آخر ومائة أخرى فعلى الرواية الأولى يعتق ويقاسم أخاه المائة الباقية وعلى ما حكاه القاضي يعتق منه ثلثاه ويرث أربعين ويعتق باقيه على أخيه ولا يرث بذلك الجزء شيئا لأن عتقه حصل بعد موت أبيه وعند الشافعي يعتق ثلثاه ولا يرث وقال أبو حنيفة يعتق ثلثاه ويسعى في باقيه ولا يرث وعند صاحبيه يعتق كله ولا يرث شيئا فإن كان قد تصدق قبل ذلك بثلثه أو حابى به لم يعتق لأن الثلث قد ذهب
فصل : وإن ملك من ورثته من لا يعتق عليه كبني عمه فأعتقهم في مرضه فعتقهم وصية لأنه حصل بفعله واختياره وحكمهم في العتق حكم الأجانب إن خرجوا من الثلث عتقوا وإلا عتق منهم بقدر الثلث وينبغي أن يعتقوا ولا يرثوا لأنهم لو ورثوا لكانت وصية لوارث فيبطل عتقهم ثم يبطل ميراثهم وقد قال أبو الخطاب في رجل ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه كان أعتقه في صحته عتق ولم يرث وهذا في معنى ما ذكرنا لأن إقراره لوارث غير مقبول فمنعنا ميراثه ليقبل إقراره له بالإعتاق
فصل : مريض اشترى أباه بألف لا مال له سواه فعلى رواية الخبري يعتق كله وعلى القول الآخر يعتق ثلثه على المعتق ويعتق باقيه على ابنه وهذا قول مالك وقال أبو حنيفة يعتق ثلثه ويسعى للابن في ثلثيه وعلى قول صاحبيه يعتق سدسه ويسعى في خمسة أسادسه وقيل : على قياس قول الشافعي يفسخ الشراء إلا أن يجيز الابن عتقه وقيل يعتق ثلثه ويفسخ البيع في ثلثيه وإن خلف الفين سواء عتق وورث سدسهما وبه قال مالك و أبو حنيفة وفي قول صاحبيه يعتق نصفه ويسعى في قيمة نصفه
فصل : وإذا وهب الإنسان أبوه أو وصى له به استحب له أن يقبله ولم يجب وهذا قول الشافعي ويحتمل أن يجب عليه قبوله لأن فيه إعتاقا لأبيه من غير التزام مال
ولنا أنه استجلاب ملك على الأب فلم يلزمه كما لو بذل له بعوض أو كما لو بذل له ابنه أو غيره من أقاربه ولأنه يلزمه ضرر بلحوق المنة به وتلزمه نفقته وكسوته
فصل : إذا وصى لوارثه وأجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الوارث فالثلث بينهما وإن وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتهما الثلث فأجاز سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصية لهما وإن ردوا بطلت وصية الوارث في المسألتين وللأجنبي السدس في الأولى والمعين الموصى له به في الثانية وهذا قول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم وإن كانت الوصيتان بثلثي ماله فأجاز الورثة لهما جازت لهما وإن عينوا نصيب الوارث بالرد وحده فللأجنبي الثلث كاملا لأنهم خصوا الوارث بالإبطال فالثلث كله للأجنبي وسقطت وصية الوارث فصار كأنه لم يوص له وإن أبطلوا الزائد عن الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما فالثلث الباقي بين الوصيين لكل واحد منهما السدس هذا الذي ذكره القاضي وهو قول مالك و الشافعي وذلك لأن الوارث يزاحم الأجنبي إذا أجاز الورثة الوصيتين فيكون لكل واحد منهما الثلث فإذا أبطلوا نصفهما بالرد كان البطلان راجعا إليهما وما بقي منهما بينهما كما لو تلف ذلك بغير الرد واختار أبو الخطاب أن الثلث جميعه للأجنبي وحكي نحو هذا عن أبي حنيفة لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان للأجنبي ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا إبطال ما زاد على السدس فإن صرح الورثة بذلك فقالوا أجزنا الثلث لكما ورددنا ما زاد عليه في وصيتكما أو قالوا رددنا من وصية كل واحد منكما نصفها وبقينا له نصفها كان ذلك آكد في جعل السدس لكل واحد منهما لتصريحهم به وإن قالوا أجزنا وصية الوارث كلها ورددنا نصف وصية الأجنبي فهو على ما قالوا لأن لهم أن يجيزوا لهما ويردوا عليهما فكان لهم أن يجيزوا لأحدهما ويردوا على الآخر وإن أجازوا للأجنبي جميع وصيته وردوا على الوارث نصف وصيته جاز كما قلنا وإن أرادوا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه فإن ردوا جميع وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي فعلى قول القاضي لهم ذلك لأن لهم أن يجيزوا الثلث لهما فيشتركان فيه ويكون لكل واحد منهما نصفه ثم إذا رجعوا فيما للوارث لم يرد الأجنبي على ما كان له في حالة الإجازة للوارث وعلى قول أبي الخطاب يتوفر الثلث كله للأجنبي لأنه إنما ينقص منه بمزاحمة الوارث فإذا زالت المزاحمة وجب توفير الثلث لأنه قد أوصى له به ولو خلف ابنين ووصى لهما بثلثي ماله ولأجنبي بالثلث فردا الوصية فقال أبو الخطاب عندي للأجنبي الثلث كاملا وعند القاضي له التسع ويجيء فيه من الفروع مثل ما ذكرنا في التي قبلها
فصل : وإن وصى بثلثه لوارث وأجنبي وقال إن ردوا وصية الوارث فالثلث كله للأجنبي كما وصى وإن أجازوا للوارث فالثلث بينهما لأن الوصية تتعلق بالشرط ولو قال أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان صح وإن قال وصيت بثلثي لفلان فإن قدم فلان الغائب فهو له صح فإن قدم الغائب قبل موت الموصي صار هو الوصي وبطلت وصية الأول سواء عاد إلى الغيبة أو لم يعد لأنه قد وجد شرط انتقال الوصية إليه فلم ينتقل عنه بعد ذلك وإن مات الموصي قبل قدوم الغائب فالوصية للحاضر سواء قدم الغائب بعد ذلك أو لم يقدم ذكره القاضي لأن الوصية ثبتت لوجود شرطها فلم تنقل عنه كما لو لم يقدم ويحتمل أن الغائب إن قدم بعد الموت كانت الوصية له لأنه جعلها له بشرط قدومه وقد وجد ذلك
فصل : وإن وصى لوارث فأجاز بعض باقي الورثة الوصية دون البعض نفذ في نصيب من أجاز دون من لم يجز وإن أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذت فيما أجازوا دون ما لم يجيزوا فإن أجاز بعضهم بعض الوصية وأجاز بعضهم جميعها أو ردها فهو على ما فعلوا من ذلك فلو خلف ثلاثة بنين وعبدا لا يملك غيره فوصى به لأحدهم أو وهبه إياه في مرض موته وأجازه له أخواه فهو له وإن أجاز له أحدهما وحده فله ثلثاه وإن أجازا له نصف العبد فله نصفه ولهما نصفه وإن أجازا أحدهما له نصف نصيبه ورد الآخر فله النصف كاملا : الثلث نصيبه والسدس من نصيب المجيز وإن أجاز كل واحد منهما له نصف نصيبه كمل له الثلثان وإن أجاز له أحدهما نصف نصيبه والآخر ثلاثة أرباع نصيبه كمل له ثلاثة أرباع العبد وإن وصى بالعبد لاثنين منهما فللثالث أن يجيز لهما أو يرد عليهما أو يجيز لهما بعض وصيتهما إن شاء متساويا وإن شاء متفاضلا أو يرد على أحدهما ويجيز للآخر وصيته كلها أو بعضها أو يجيز لأحدهما جميع وصيته وللآخر بعضها فكل ذلك جائز لأن الحق له فكيفما شاء فعل فيه

مسألة وفصول : قال : الوصية بأكثر من الثلث وإجازة الوارث لها
مسألة : قال : ومن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث فأجاز ذلك الورثة بعد موت الموصي جاز وإن لم يجيزوا رد إلى الثلث :
وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم فإن أجازوه جاز وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء والأصل في ذلك [ قول النبي صلى الله عليه و سلم لسعد حين قال أوصي بمالي كله ؟ قال لا قال فبالثلثين ؟ قال لا قال فبالنصف ؟ قال لا قال فبالثلث قال الثلث والثلث كثير ] وقوله عليه السلام [ إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم ] يدل على أنه لا شيء له في الزائد عليه وحديث عمران بن حصين في المملوكين الذين أعتقهم المريض ولم يكن له مال سواهم فدعا بهم النبي صلى الله عليه و سلم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا يدل أيضا على أنه لا يصح تصرفه فيما عدا الثلث إذا لم يجز الورثة ويجوز بإجازتهم لأن الحق لهم والقول في بطلان الوصية بالزائد عن الثلث كالقول في الوصية للوارث على ما ذكرنا وهل إجازتهم تنفيذا وعطية مبتدأة ؟ فيه اختلاف ذكرناه في الوصية للوارث والخلاف فيه مبني على أن الوصية به أو العطية له في مرض الموت المخوف صحيحة موقوفة على الإجازة أو باطلة فظاهر المذهب أنها صحيحة وإن الإجازة تنفيذ مجرد يكفي فيه قول المجيز أجزت ذلك أو أنفذته أو نحوه من الكلام ولا يفتقر إلى شروط الهبة ويتفرع عن هذا الخلاف أنه لو أعتق عبدا لا مال له سواه في مرضه أو وصى بإعتاقه فأعتقوه بوصيته فقد نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة فإن أجازوه عتق جميعه واختص عصبات الميت بولائه كله إذا قلنا بصحة إعتاقه ووصيته وإن قلنا هي باطلة والإجازة عطية مبتدأة اختص عصبات الميت بثلث ولائه وكان ثلثاه لجميع الورثة بينهم على قدر ميراثهم لأنهم باشروه بالإعتاق وكذلك لو تبرع بثلث ماله في مرضه ثم أعتق أو وصى بالإعتاق فالحكم فيه على ما ذكرنا ولو أوصى لابن وارثه بعد تبرعه بثلث ماله أو أعطاه عطية في مرضه فأجاز أبوه وصيته وعطيته ثم أراد الرجوع فيما أجازه فله ذلك إن قلنا هي عطية مبتدأة وليس له ذلك على القول بأنها إجازة مجردة ولو تزوج رجل ابنة عمه فأوصت له بوصية أو عطية في مرض موتها ثم ماتت وخلفته وأباه فأجاز أبوه وصيته وعطيته فالحكم فيه على ما ذكرنا ولو وقف في مرضه على ورثته فأجازوا الوقف صح إن قلنا إجازتهم تنفيذ ولم يصح إن قلنا هي عطية مبتدأة ولأنهم يكونون واقفين على أنفسهم ولا فرق في الوصية بين المرض والصحة وقد روى حنبل عن أحمد أنه قال إن أوصى في المرض فهو من الثلث وإن كان صحيحا فله أن يوصي بما شاء يعني به العطية قاله القاضي أما الوصية فإنها عطية بعد الموت فلا يجوز منها إلا الثلث على كل حال
فصل : ولا يعتبر الرد والإجازة إلا بعد موت الموصي فلو أجازوا قبل ذلك ثم ردوا أو أذنوا لموروثهم في حياته بالوصية بجميع المال أو بالوصية لبعض ورثته ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته فلهم الرد سواء كانت الإجازة في صحة الموصي أو مرضه نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وروي ذلك عن ابن مسعود وهو قول شريح و طاوس و الحكم و الثوري و الحسن بن صالح و الشافعي و أبي ثور و ابن المنذر و أبي حنيفة وأصحابه وقال الحسن وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد الملك بن يعلى و الزهري وربيعة و الأوزاعي و ابن أبي ليلى ذلك جائز عليهم لأن الحق للورثة فإذا رضوا بتركه سقط حقهم كما لو رضي المشتري بالعيب وقال مالك إن أذنوا له في صحته فلهم أن يرجعوا وإن كان ذلك في مرضه وحين يحجب عن ماله فذلك جائز عليهم
ولنا أنهم أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل النكاح أو أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع ولأنها حالة لا يصح فيها ردهم للوصية فلم يصح فيها إجازتهم كما قبل الوصية
فصل : وإذا وصى بأكثر من الثلث فأجاز الوارث الوصية وقال إنما أجزتها ظنا أن المال قليل فبان كثيرا فإن كانت للموصي بينة تشهد باعترافه بمعرفة قدر المال أو كان المال ظاهرا لا يخفى عليه لم يقبل قوله إلا على قول من قال الإجازة هبة مبتدأة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله وإن لم تشهد بينة باعترافه بذلك فالقول قوله مع يمينه لأن الإجازة تنزلت منزلة الإبراء فلا يصح في المجهول والقول قوله في الجهل به مع يمينه لأن الأصل عدم العلم ويحتمل أن لا يقبل قوله لأنه أجاز عقدا له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو أجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار وإن أوصى بمعين كعبد أو فرس يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها ثم قال ظننت المال كثيرا تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلا أو ظهر عليه دين لم أعلمه لم تبطل الوصية لأن العبد معلوم لا جهالة فيه ويحتمل أن يملك الفسخ لأنه قد يسمح بذلك ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة فملك الرجوع كالمسألة التي قبلها
فصل : ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف فأما الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه فلا تصح الإجازة منهم لأنها تبرع بالمال فلم تصح منهم كالهبة وأما المحجور عليه لفلس فإن قلنا الإجازة هبة لم تصح منه لأنه ليس له هبة ماله وإن قلنا هي تنفيذ صحت

مسألة وفصول : ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فلم يمت حتى صار الموصى له وارثا وفروع في صحة نكاح الأمة
مسألة : قال : ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فلم يمت الموصي حتى صار الموصى له غير وارث فالوصية له ثابتة لأن اعتبار الوصية بالموت :
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت فلو أوصى لثلاثة إخوة له متفرقين ولا ولد له ومات قبل أن يولد له ولد لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب إلا بالإجازة من الورثة وإن ولد له ابن صحت الوصية لهم جميعا من غير إجازة إذا لم تتجاوز الوصية الثلث وإن ولدت له بنت جازت الوصية لأخيه من أبيه وأخيه من أمه فيكون لهما ثلثا الموصى به بينهما نصفين ولا يجوز للأخ من الأبوين لأنه وارث وبهذا يقول الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر وأصحاب الرأي وغيرهم ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ولو أوصى لهم وله ابن فمات ابنه قبل موته لم تجز الوصية لأخيه من أبويه ولا لأخيه من أمه وجازت لأخيه من أبيه فإن مات الأخ من الأبوين قبل موته لم تجز الوصية للأخ من الأب أيضا لأنه صار وارثا
فصل : ولو أوصى لامرأة أجنبية أو أوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتهما إلا بالإجازة من الورثة وإن أوصى أحدهما للآخر ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير وارث إلا أنه إن طلقها في مرض موته فقياس المذهب أنها لا تعطى أكثر من ميراثها لأنه يتهم في أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية فلم ينفذ لها ذلك كما لو طلقها في مرض موته أو وصى لها بأكثر مما كانت ترث
فصل : وإن أعتق أمته في صحته ثم تزوجها في مرضه صح وورثته بغير خلاف نعلمه وإن أعتقها في مرضه ثم تزوجها وكانت تخرج من ثلثه فنقل المروذي عن أحمد أنها تعتق وترث وهذا اختيار أصحابنا وهو قول أبي حنيفة لأنها امرأة نكاحها صحيح ولم يوجد في حقها مانع من موانع الإرث وهي الرق والقتل واختلاف الدين فترث كما لو كان أعتقها في صحتها وقال الشافعي تعتق ولا ترث لأنها لو ورثت لكان إعتاقها وصية لوارث فيؤدي توريثها إلى إسقاط توريثها لأن ذلك يقتضي إبطال عتقها فيبطل نكاحها ثم يبطل إرثها فكان إبطال الإرث وحده وتصحيح العتق والنكاح أولى
فصل : وإن أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر فإن مات ولم يملك شيئا آخر تبين أن نكاحها باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي ويعتق منها ثلثها ويرق ثلثاها فإن كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق أربعة أسباعها وحساب ذلك أن تقول عتق منها شيء ولها بصداقها نصف شيء وللورثة شيئان فيجمع ذلك ويكون ثلاثة أشياء ونصف نبسطها فتكون سبعة لها منها ثلاثة ولهم أربعة ولا شيء للميت سواها فنجعل لنفسها منها ثلاثة أسباعها يكون حرا والباقي للورثة وإن أحب الورثة أن يدفعوا إليها حصتها من مهرها وهو سبعاه ويعتق منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها فلهم ذلك وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يحسب مهرها من قيمتها ولها ثلث الباقي وتسعى فيما بقي وهو ثلث قيمتها فإن كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها ولم يدخل بها عتق منها نصفها ورق نصفها لأن نصفها هو ثلث المال وإن دخل بها عتق منها ثلاثة أسباعها ولها ثلاثة أسباع مهرها وإنما قل العتق فيها لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها نقص المال به فيعتق منها ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها وحسابها أن تقول عتق منها شيء ولها بمهرها نصف شيء وللورثة شيئان يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها فالشيء سبعاها وسبعا نصف قيمتها وهو ثلاثة أسباعها فهو الذي عتق منها وتأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة أسباعه فإن كان يملك معها مثل قيمتها ولم يدخل بها عتق ثلثاها ورق ثلثها وبطل نكاحها وإن كان دخل بها عتق أربعة أسباعها ولها أربعة أسباع مهرها ويبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها وذلك يعدل مثلي ما عتق منها وحسابها أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها فيعتق منها بقدر سبعي الجميع وهو أربعة أسباعها وتستحق سبع الجميع بمهرها وهو أربعة أسباع مهرها وإن كان يملك معها مثلي قيمتها عتقت كلها وصح نكاحها لأنها تخرج من الثلث إن أسقطت مهرها وإن أبت أن تسقطه لم ينفذ عتقها ويبطل نكاحها فإن كان لم يدخل بها فينبغي أن يقضي بعتقها ونكاحها ولا مهر لها لأن إيجابه يفضي إلى إسقاطه وإسقاط عتقها ونكاحها فإسقاطه وحده أولى وإن كان قد دخل بها عملنا فيها على ما تقدم فيعتق ستة أسباعها ولها ستة أسباع مهرها ويبطل عتق سبعها ونكاحها ولو أعتقها ولم يتزوجها ووطئها كان العمل فيها في هذه المواضع كما لو تزوجها وهذا مذهب الشافعي وذكر القاضي في مثل هذه المسألة التي قبل الأخيرة ما يقتضي صحة عتقها ونكاحها مع وجوب مهرها فإنه قال فيمن أعتق في مرضه أمة قيمتها مائة وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهما مهر مثلها يصح العتق والصداق والنكاح لأن المائتين صداق مثلها وتزويج المريض بمهر المثل صحيح نافذ وهذا غير جيد فإن ذلك يفضي إلى نفوذ العتق في المرض من جميع المال ولا أعلم به قائلا ولو أنه أتلف المائتين أو أصدقهما لامرأة أجنبية ومات ولم يخلف شيئا لبطل عتق ثلثي الأمة فإذا أخذتهما هي كان أولى في بطلانه والصحيح ما ذكرنا إن شاء الله تعالى وقال أبو حنيفة فيما إذا ترك مثلي قيمتها وكان مهرها نصف قيمتها تعطى مهرها وثلث الباقي بحسب ذلك من قيمتها وهو نصفها وثلثها فيعتق ذلك وتسعى في سدسها الباقي ويبطل نكاحها فأما إن خلف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها ونكاحها وصداقها في قول الجميع لأن ذلك يخرج من الثلث وترث من الباقي في قول أصحابنا وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا ترث وهو مقتضى قول الخرقي لأنها لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث واعتبار الوصية بالموت
فصل : ولو أن امرأة مريضة أعتقت عبدا قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت وخلفت مائة اقتضى قول أصحابنا أن تضم العشرة التي في ذمته إلى المائة فيكون ذلك هو التركة ويرث نصف ذلك ويبقى للورثة خمسة وخمسون وهذا مذهب أبي حنيفة وقال صاحباه تحسب عليه قيمته أيضا وتضم إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي لا يرث شيئا وعليه أداء العشرة التي في ذمته لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث وهذا مقتضى قول الخرقي إن شاء الله تعالى
فصل : ولو تزوج المريض امرأة صداق مثلها خمسة فأصدقها عشرة لا يملك غيرها ثم مات وورثته بطلت المحاباة لأنها وصية لوارث ولها صداقها وربع الباقي بالميراث فإن ماتت قبله صحت المحاباة ويدخلها الدور فيقول لها مهرها وهو خمسة وشيء بالمحاباة يبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ثم رجع إليهم نصف مالها وهو ديناران ونصف شيء صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين أجبر وقابل يتبين أن الشيء ثلاثة فيكون لورثتها أربعة ولورثته ستة وإن خلفت مع ذلك دينارين عاد إلى الزوج من ميراثها ثلاثة ونصف شيء فصار له ثمانية ونصف إلا نصف شيء أجبر وقابل يخرج الشيء ثلاثة وخمسين فصار لورثته ستة وأربعة أخماس ولورثتها خمسة وخمس
فصل : وإذا أوصى بجارية لزوجها الحر فقبلها انفسخ النكاح لأن النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين وظاهر المذهب أن الموصى له إنما يملك بالقبول فحينئذ ينفسخ النكاح وفيه وجه آخر أنه إذا قبل تبينا أن الملك كان ثابتا من حين موت الموصي فتبين حينئذ أن النكاح انفسخ من حين موت الموصي وإن أتت بولد لم تخل من ثلاثة أحوال أحدها : أن تكون حاملا به حين الوصية ويعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ أوصى فالصحيح أنه يكون موصى له معها لأن للحمل حكما ولهذا تصح الوصية به وإذا صحت الوصية به منفردا صحت الوصية به مع أمه فيصير كما لو كان منفصلا فأوصى بهما جميعا وفيه وجه آخر لا حكم للحمل فلا يدخل في الوصية وإنما ثبت له الحكم عند انفصاله كأنه حدث حينئذ فعلى هذا إن انفصل في حياة الموصي فهو له كسائر كسبها وإن انفصل بعد موته وقبل القبول فهو للورثة على ظاهر المذهب وإن انفصل بعده فهو للموصى له
الحال الثاني : أن تحمل به بعد الوصية في حياة الموصي ويعلم ذلك بأن تضعه بعد ستة أشهر من حين أوصى لأنها ولدته لمدة الحمل بعد الوصية فيحتمل أنها حملته بعدها فلم يتناوله والأصل عدم الحمل حال الوصية فلا يثبته بالشك فيكون مملوكا للموصي إن ولدته في حياته وإن ولدته بعده وقلنا للحمل حكم فكذلك وإن قلنا لا حكم له فهو للورثة إن ولدته قبل القبول ولا بينة إن وضعته بعده وكل موضع كان الولد للموصى له فإنه يعتق عليه لأنه ابنه وعليه ولاء لأبيه لأنه عتق عليه بالقرابة وأمه أمة ينفسخ نكاحها بالملك ولا تصير أم ولد لأنها لم تعلق منه بحر في ملكه
الحال الثالث : أن تحمل بعد موت الموصي وقبل القبول ويعلم ذلك بأن تضعه لأكثر من ستة أشهر من حين الموت فإن وضعته قبل القبول أيضا فهو للوارث في ظاهر المذهب لأن الملك إنما ثبت للموصي له بعد القبول وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له وإن وان وضعته بعد القبول فكذلك لأن الظاهر أن للحمل حكما فيكون حادثا عن ملك الوارث وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له فعلى هذا يكون حرا لا ولاء عليه لأنها أم ولد لكونها علقت منه بحر في ملكه فتصير كما لو حملت به بعد القبول ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما قلناه وقال أبو حنيفة إذا وضعته بعد موت الموصي دخل في الوصية بكل حال لأنها تستقر بالموت وتلزم فوجب أن تسري إلى الولد كالاستيلاد
ولنا أنها زيادة منفصلة حادثة بعد عقد الوصية فلا تدخل فيها كالكسب وإذا أوصى بعتق جارية فولدت وتفارق الاستيلاد لأن له تغليبا وسراية وهذا التفريغ فيما إذا خرجت الجارية من الثالث وإن لم تخرج من الثلث ملك منها بقدر الثلث وانفسخ النكاح لأن ملك بعضها يفسخ النكاح كملك جميعها وكل موضع يكون الولد فيه لابنه فإنه يكون له منه ههنا بقدر ما ملك من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسرا وإن كان معسرا فقد عتق منه ما ملك وحده وكل موضع قلنا تكون أم ولد فإنها تصير أم ولد ههنا سواء كان موسرا أو معسرا على قول الخرقي كما إذا استولد الأمة المشتركة قال القاضي تصير منها أم ولد بقدر ما ملك منها وهذا مذهب الشافعي والله أعلم

مسألة وفصل : قال : فإن مات الموصى له قبل موت الموصي
مسألة : قال : فإن مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية :
هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وربيعة و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن تكون لولد الموصى له وقال عطاء إذا علم الموصي بموت الموصى له ولم يحدث فيما أوصى به شيئا فهو لوارث الموصى له لأنه مات قبل عقد الوصية فيقوم الوارث مقامه كما لو مات بعد موت الموصي وقبل القبول
ولنا أنها عطية صادفت المعطي ميتا فلم تصح كما لو وهب ميتا وذلك لأن الوصية عطية بعد الموت وإذا مات قبل القبول بطلت الوصية أيضا وإن سلمنا صحتها فإن العطية صادفت حيا بخلاف مسألتنا
فصل : ولا تصح الوصية لميت وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك إن علم أنه ميت فهي جائزة وهي لورثته بعد قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه لأن الغرض نفعه بها وبهذا يحصل له النفع فأشبه ما لو كان حيا
ولنا أنه أوصى لمن لا تصح الوصية له إذا لم يعلم حاله فلم تصح إذا علم حاله كالبهيمة وفارق الحي فإن الوصية تصح له في الحالين ولأنه عقد يفتقر إلى القبول فلم يصح للميت كالهبة إذا ثبت هذا فإذا أوصى بثلثه أو بمائة لاثنين حي وميت فللحي نصف الوصية سواء علم موت الميت أو جهله وهذا قول أبو حنيفة و إسحاق والبصريين وقال الثوري و أبو يوسف ومحمد : إذا قال هذه المائة لفلان وفلان فهي للحي منهما وإن قال بين فلان وفلان فوافقنا الثوري في أن نصفها للحي وعن الشافعي كالمذهبين وقال أبو الخطاب عندي أنه إذا علمه ميتا فالجميع للحي وإن لم يعلمه ميتا فللحي النصف وقد نقل عن أحمد ما يدل على هذا القول فإنه قال في رواية ابن القاسم إذا أوصى لفلان وفلان بمائة فبان أحدهما ميتا فللحي خمسون فقيل له أليس إذا قال ثلثي لفلان وللحائط أن الثلث كله لفلان ؟ فقال وأي شيء يشبه هذا الحائط له ملك ؟ فعلى هذا إذا شرك بين من تصح الوصية له ومن لا تصح مثل أن يوصي لفلان وللملك وللحائط أو لفلان الميت فالموصى به كله لمن تصح الوصية له إذا كان عالما بالحال لأنه إذا شرك بينهما في هذا الحال علم أنه قصد بالوصية كلها من تصح الوصية له وإن لم يعلم الحال فلمن تصح الوصية له نصفها لأنه قصد إيصال نصفها إليه وإلى الآخر النصف الآخر ظنا منه أن الوصية له صحيحة فإذا بطلت الوصية في حق أحدهما صحت في حق الآخر بقسطه كتفريق الصفقة ووجه القول الأول أنه جعل الوصية لاثنين فلم يستحق أحدهما جميعها كما لو كانا ممن تصح الوصية لهما فمات أحدهما أو كما لو لم يعلم الحال فأما إن وصى لاثنين حيين فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية لا نعلم في هذا خلافا وكذلك لو بطلت الوصية في حق أحدهما لرده لها أو لخروجه عن أن يكون من أهلها ولو قال أوصيت لكل واحد من فلان وفلان بنصف الثلث أو بنصف المائة أو بخمسين لم يستحق أحدهما أكثر من نصف الوصية سواء كان شريكه حيا أو ميتا لأنه عين وصيته في النصف فلم يكن له حق فيما سواه

مسألة وفصلان : قال : وإن رد الموصى له الوصية بعد موت الموصي
مسألة : قال : وإن رد الموصى له الوصية بعد موت الموصي بطلت الوصية :
لا يخلو إذا رد الوصية من أربعة أحوال أحدها : أن يردها قبل موت الموصي فلا يصح الرد ههنا لأن الوصية لم تقع بعد فأشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول فلا يكون محلا للرد كما قبل الوصية والثانية : أن يردها بعد الموت وقبل القبول فيصح الرد وتبطل الوصية لا نعلم فيه خلافا لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع الثالث : أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه فأشبه رده لسائر ملكه إلا أن يرضى الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة الرابعة : أن يرد بعد القبول وقبل القبض فينظر فإن كان الموصى به مكيلا أو موزونا صح الرد لأنه لا يستقر ملكه عليه قبل قبضه فأشبه رده قبل القبول وإن كان غير ذلك لم يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه فهو كالمقبوض ويحتمل أن يصح الرد بناء على أن القبض معتبر فيه ولأصحاب الشافعي في هذه الحال وجهان أحدهما : يصح الرد في الجميع ولا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما وهذا المنصوص عن الشافعي لأنهم لما ملكوا الرد من غير قبول ملكوا الرد من غير قبض ولأن ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض فصح رده كما قبل القبول والثاني : لا يصح الرد لأن الملك يحصل بالقبول من غير قبض
فصل : وكل موضع صح الرد فيه فإن الوصية تبطل بالرد وترجع إلى التركة فتكون للوراث جميعهم لأن الأصل ثبوت الحكم لهم وإنما خرج بالوصية فإذا بطلت الوصية رجع إلى ما كان عليه كأن الوصية لم توجد ولو عين بالرد واحدا وقصد تخصيصه بالمردود لم يكن له ذلك وكان لجميعهم لأن رده امتناع من تملكه فيبقى على ما كان عليه ولأنه لم يملك دفعه إلى أجنبي فلم يملك دفعه إلى وارث يخصه به وكل موضع امتنع الرد لاستقرار ملكه عليه فله أن يختص به واحدا من الورثة لأنه ابتداء هبة ويملك أن يدفعه إلى أجنبي فملك دفعه إلى وارث فلو قال رددت هذه الوصية لفلان قيل له ما أردت بقولك لفلان ؟ فإن أردت تمليكه إياها وتخصيصه بها فقبلها اختص بها وإن قال أردت ردها إلى جميعهم ليرضى فلان عادت إلى جميعهم إذا قبلوها فإن قبلها بعضهم دون بعض فلمن قبل حصته منها
فصل : ويحصل الرد بقوله رددت الوصية وقوله لا أقبلها وما أدى هذا المعنى قال أحمد : إذا قال أوصيت لرجل بألف فقال لا أقبلها فهي لورثته يعني لورثة الموصي

مسألة وفصل : فإن مات قبل أن يقبل أو يرد وفروع في الموصى له
مسألة : قال : فإن مات قبل أن يقبل أو يرد قام وارثه في ذلك مقامه إذا كان موته بعد موت الموصي :
اختلف أصحابنا فيما إذا مات الموصى له قبل القبول والرد بعد موت الموصي فذهب الخرقي إلى أن وارثه يقوم مقامه في القبول والرد لأنه حق ثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته لقوله عليه السلام [ من ترك حقه فلورثته ] وكخيار الرد بالعيب وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن الوصية تبطل لأنه عقد يفتقر إلى القبول فإذا مات من له القبول قبله بطل العقد كالهبة قال القاضي هو قياس المذهب لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل بالموت كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة وقال أصحاب الرأي تلزم الوصية في حق الوارث وتدخل في ملكه حكما بغير قبول لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصي وإنما الخيار للموصى له وإذا مات بطل خياره ودخل في ملكه كما لو اشترى شيئا على أن الخيار له فمات قبل انقضائه
ولنا على أن الوصية لا تبطل بموت الموصى له أنها عقد لازم من أحد الطرفين فلم تبطل بموت من له الخيار كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب له فلا يبطل بموت الآخر كالذي ذكرنا ويفارق الهبة والبيع قبل القبول من الوجهين اللذين ذكرناهما وهو أنه جائز من الطرفين ويبطل بموت الموجب له ولا يصح قياسه على الخيارات لأنه لم يبطل الخيار ويلزم العقد فنظيره في مسألتنا قول أصحاب الرأي
ولنا على إبطال قولهم أنه عقد يفتقر إلى قبول المتملك فلم يلزم قبل القبول كالبيع والهبة إذا ثبت هذا فإن الوارث يقوم مقام الموصى له في القبول والرد لأن كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل بالموت قام الوارث فيه مقامه فعلى هذا إن رد الوارث الوصية بطلت وإن قبلها صحت وثبت الملك بها وإن كان الوارث جماعة اعتبر القبول أو الرد من جميعهم فإن رد بعضهم وقيل بعض ثبت للقابل حصته وبطلت الوصية في حق من رد فإن كان فيهم من ليس من أهل التصرف قام وليه مقامه في القبول والرد وليس له أن يفعل إلا ما للمولى عليه الحظ فيه فإن فعل غيره لم يصح فإذا كان الحظ في قبولها فردها لم يصح رده وكان له قبولها بعد ذلك وإن كان الحظ في ردها فقبلها لم يصح قبوله لأن الولي لا يملك التصرف في حق المولى عليه بغير ما له الحظ فيه فلو أوصى لصبي بذي رحم له يعتق بملكه له وكان على الصبي ضرر في ذلك بأن تلزمه نفقة الموصى به لكونه فقيرا لا كسب له والمولى عليه موسر لم يكن له قبول الوصية وإن لم يكن عليه ضرر لكون الموصى به ذا كسب أو كون المولى عليه فقيرا لا تلزمه نفقته تعين قبول الوصية لأن في ذلك نفعا للمولى عليه لعتق قرابته وتحريره من غير ضرر يعود عليه فتعين ذلك والله أعلم
فصل : ولا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول في قول جمهور الفقهاء إذا كانت لمعين يمكن القبول منه لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين فاعتبر قبوله كالهبة والبيع قال أحمد : الهبة والوصية واحد فأما إن كانت لغير معين كالفقراء والمساكين ومن لا يملك حصرهم كبني هاشم وتميم أو على مصلحة كمسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لأن اعتبار القبول من جميعهم متعذر فيسقط اعتباره كالوقف عليهم ولا يتعين واحد منهم فيكتفي بقبوله ولذلك لو كان فيهم ذو رحم من الموصى به مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير لم يعتق عليه ولأن الملك لا يثبت للموصى لهم بدليل ما ذكرنا من المسألة وإنما ثبت لكل واحد منهم بالقبض فيقوم قبضه مقام قبوله أما الآدمي المعين فيثبت له الملك فيعتبر قبوله لكن لا يتعين القبول باللفظ بل يجزئ ما قام مقامه من الأخذ والفعل الدال على الرضا كقولنا في الهبة والبيع ويجوز القبول على الفور والتراخي ولا يكون إلا بعد موت الموصي لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق ولذلك لم يصح رده فإذا قبل ثبت الملك له من حين القبول في الصحيح من المذهب وهو قول مالك وأهل العراق وروي عن الشافعي
وذكر أبو الخطاب في المسألة وجها آخر أنه إذا قبل تبينا أن الملك يثبت حين موت الموصي وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن ما وجب انتقاله بالقبول وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب كالهبة والبيع ولأنه لا يجوز أن يثبت الملك فيه للوارث لأن الله تعالى قال { من بعد وصية يوصي بها أو دين } ولأن الإرث بعد الوصية ولا يبقى للميت لأنه صار جمادا لا يملك شيئا و للشافعي قول ثالث غير مشهور : إن الوصية تملك بالموت ويحكم بذلك قبل القبول لما ذكرناه
ولنا أنه تملك عين لمعين يفتقر إلى القبول فلم يسبق الملك القبول كسائر العقود ولأن القبول من تمام السبب والحكم لا يتقدم سببه ولأن القول لا يخلو من أن يكون شرطا أو جزءا من السبب والحكم لا يتقدم سببه ولا شرطه ولأن الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل فإن قيل : فلو قال لامرأته أنت طالق قبل موتي بشهر ثم مات تبينا وقوع الطلاق قبل موته بشهر قلنا ليس هذا شرطا في وقوع الطلاق وإنما تبين به الوقت الذي يقع فيه الطلاق ولو قال : إذا مت فأنت طالق قبله بشهر لم يصح وأما انتقاله من جهة الموجب في سائر العقود فإنه لا ينتقل إلا بعد القبول فهو كمسألتنا غير أن ما بين الإيجاب والقبول ثم يسير لا يظهر له أثر بخلاف مسألتنا قولهم : إن الملك لا يثبت للوارث ممنوع فإن الملك ينتقل إلى الوارث بحكم الأصل إلا أن يمنع منه مانع وقول الله تعالى { من بعد وصية يوصي بها أو دين } قلنا المراد به وصية مقبولة بدليل أنه لو لم يقبل لكان ملكا للوارث وقبل قبولها فليست مقبولة ويحتمل أن يكون المراد بقوله { فلكم الربع مما تركن من بعد وصية } أي لكم ذلك مستقر فلا يمنع هذا ثبوت الملك غير مستقر ولهذا لا يمنع الدين ثبوت الملك في التركة وهو آكد من الوصية وإن سلمنا أن الملك لا يثبت للوارث فإنه يبقى ملكا للميت كما إذا كان عليه دين وقولهم لا يبقى له ملك ممنوع فإنه يبقى ملكه فيما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه وقضاء ديونه ويجوز أن يتجدد له ملك في ديونه إذا قبل وفيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته بحيث تقضى ديونه وتنفذ وصاياه ويجهز إن كان قبل تجهيزه فهذا يبقى على ملكه لتعذر انتقاله إلى الوارث من أجل الوصية وامتناع انتقاله إلى الوصي قبل تمام السبب فإن رد الموصى له أو قبل انتقل حينئذ فإن قلنا بالأول وأنه ينتقل إلى الوارث فإنه يثبت له الملك على وجه لا يفيد إباحة التصرف كثبوته في العين المرهونة فلو باع الموصى به أو رهنه أو أعتقه أو تصرف بغير ذلك لم ينفذ شيء من تصرفاته ولو كان الوارث ابنا للموصى به مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لأجنبي فإذا ماتت انتقل الملك فيه إلى ابنه إلى حين القبول ولا يعتق عليه والله أعلم
فصل : فيما يختلف من الفروع باختلاف المذهبين :
من ذلك : أنه إذا حدث للموصى به نماء منفصل بعد موت الموصي وقبل القبول كالثمرة والنتاج والكسب فهو للورثة وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له ولو أوصى بأمة لزوجها فأولدها بعد موت الموصي وقبل القبول فولده رقيق للوارث وعلى الوجه الآخر يكون حر الأصل ولا ولاء عليه وأمه أم ولد لأنها علقت منه بحر في ملكه وإن مات الموصى له قبل القبول والرد فلوارثه قبولها فإن قبلها ملك الجارية وولدها وإن كان ممن يعتق الولد عليه عتق ولم يرث من ابنه شيئا وعلى الوجه الآخر تكون الجارية أم ولد ويرث الولد أباه فإن كان يحجب الوارث القابل حجبه وقال أكثر أصحاب الشافعي لا يرث الولد ههنا شيئا لأن توريثه يمنع كون القابل وارثا فيبطل قبوله فيفضي إلى الدور وإلى إبطال ميراثه فأشبه ما لو أقر الوارث بمن يحجبه عن الميراث وقد ذكرنا في الإقرار ما يدفع هذا وإن المقر به يرث فكذا ههنا ويعتبر قبول من هو وارث في حال اعتبار القبول كما يعتبر في الإقرار إقرار من هو وارث حال الإقرار والله أعلم
ومن ذلك : لو أوصي لرجل بابيه فمات الموصى له قبل القبول فقبل ابنه صح وعتق عليه الجد ولم يرث من ابنه شيئا لأن حريته إنما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث لغيره وعلى الوجه الآخر تثبت حريته من حين موت الموصي ويرث من ابنه السدس وقال بعض أصحاب الشافعي لا يرث أيضا لأنه لو ورث لاعتبر قبوله ولا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم بحريته وإذا لم يجز اعتباره لم يعتق فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه وهذا فاسد فإنه لو أقر جميع الورثة بمشارك لهم في الميراث ثبت نسبه وورث مع أنه يخرج المقرون به عن كونهم جميع الورثة ومن ذلك : أنه لو مات الموصى له فقبل وارثه لثبت الملك للوارث القابل ابتداء من جهة الموصي لا من جهة موروثه ولم يثبت للموصى له شيء فحينئذ لا تقضى ديونه ولا تنفذ وصاياه ولا يعتق من يعتق عليه وإن كان فيهم من يعتق على الوارث عتق عليه وكان ولاؤه له دون الموصى له وعلى الوجه الآخر يتبين أن الملك كان ثابتا للموصى له وأنه انتقل منه إلى وارثه فتنعكس هذه الأحكام فتقضى ديونه وتنفذ وصاياه ويعتق من يعتق عليه وله ولاؤه يختص به الذكور من ورثته ومن ذلك : أن الموصى به لو كان أمة فوطئها الوارث فأولدها صارت أم ولد له وولدها حر لأنه وطئها في ملكه وعليه قيمتها للموصى له إذا قبلها فإن قيل كيف قضيتم بعتقها ههنا وهي لا تعتق بإعتاقها ؟ قلنا الاستيلاد أقوى ولذلك يصح من المجنون والراهن والأب والشريك المعسر وإن لم ينفذ إعتاقهم وعلى الوجه الآخر يكون ولده رقيقا والأمة باقية على الرق وإن وطئها الموصى له قبل قبولها كان ذلك قبولا لها وثبت الملك له به لأنه لا يجوز إلا في الملك فإقدامه عليه دليل على اختياره الملك فأشبه ما لو وطئ من له الرجعة الرجعية أو وطئ من له الخيار في البيع الأمة المبيعة أو وطئ من له خيار فسخ النكاح امرأته =

10.

مجلد 10. المغني - ابن قدامة   المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد
 = فصل : وتصح الوصية مطلقة ومقيدة
فصل : وتصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول إن مت فثلثي للمساكين أو لزيد والمقيدة أن يقول : إن مت من مرضي هذا أو في هذه البلدة أو في سفري هذا فثلثي للمساكين فإن برأ من مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البلدة ثم مات بطلت الوصية المقيدة وبقيت المطلقة قال أحمد فيمن وصى وصية إن مات من مرضه هذا أو من سفره هذا ولم يغير وصيته ثم مات بعد ذلك فليس له وصية وبهذا قال الحسن و الثوري و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك إن قال قولا ولم يكتب كتابا فهو كذلك وإن كتب كتابا ثم صح من مرضه وأقر الكتاب فوصيته بحالها ما لم ينقضها
ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها فبطلت كما لو لم يكتب كتابا أو كما لو وصى لقوم فماتوا قبله ولأنه قيد وصيته بقيد فلا يتعداه كما ذكرنا وإن قال لأحد عبديه أنت حر بعد موتي وقال للآخر أنت حر إن مت في مرضي هذا فمات في مرضه فالعبدان سواء في التدبير وإن برأ من مرضه ذلك بطل تدبير المقيد وبقي تدبير المطلق بحاله ولو وصى لرجل بثلثه وقال إن مت قبلي فهو لعمرو صحت وصيته على حسب ما شرطه له وكذلك في سائر الشروط فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ المسلمون على شروطهم ]

مسألة وفصول : حكم الوصية بسهم من المال والأقوال فيها
مسألة قال : وإذا أوصى له بسهم من ماله أعطي السدس وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى يعطى سهما مما تصح منه الفريضة
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيما أوصى بسهم فروي عنه أن للموصى له السدس وروي ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال الحسن وإياس بن معاوية و الثوري والرواية الثانية أنه يعطى سهما مما تصح منه الفريضة فينظر كم سهما صحت منه الفريضة ويزاد عليها مثل سهم من سهامها للموصى له وهذا قول شريح قال ترفع السهام فيكون للمصى له سهم وقال القاضي هذا ما لم يزد على السدس فإن زاد السهم على السدس فله السدس لأنه متحقق وجه ذلك أن قوله سهما ينبغي أن ينصرف إلى سهام فريضته لأن وصيته منها فينصرف السهم إليها فكان واحدا من سهامها كما لو قال : فريضتي كذا وكذا سهما لك منها سهم وقال الخلال وصاحبه أقل سهما من سهام الورثة لأن أحمد قال في رواية أبي طالب و الأثرم : إذا أوصى له بسهم من ماله يعطى سهما من الفريضة قيل له نصيب رجل أو نصيب امرأة ؟ قال أقل ما يكون من السهام قال القاضي ما لم يزد على السدس وهذا قول أبي حنيفة وقال صاحباه إلا أن يزيد على الثلث فيكون له الثلث ووجه هذا القول أن سهام الورثة انصباؤهم فيكون له أقلها لأنه اليقين فإن زاد على السدس دفع إليه السدس لأنه أقل سهم يرثه ذو قرابة وقال أبو ثور يعطى سهما من أربعة وعشرين لأنها أكثر أصول الفرائض فالسهم منها أقل السهام وقال الشافعي و ابن المنذر يعطيه الورثة ما شاء ولأن ذلك يقع عليه اسم السهم فأشبه ما لو أوصى له بجزء أو حظ وقال عطاء و عكرمة لا شيء له
ولنا ما روى ابن مسعود [ أن رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي صلى الله عليه و سلم السدس ] ولان السهم في كلام العرب السدس قال إياس بن معاوية السهم في كلام العرب السدس فتنصرف الوصية إليه كما لو لفظ به ولأنه قول علي وابن مسعود ولا مخالف لهما في الصحابة ولأن السدس أقل سهم مفروض يرثه ذو قرابة فتنصرف الوصية إليه إذا ثبت هذا فإن السدس الذي يستحقه الموصى له يكون بمنزلة سدس مفروض فإن كانت المسألة كاملة الفروض أعيلت به وإن كانت عائلة زاد عولها به وإن كان فيها رد أو كانوا عصبة أعطي سدسا كاملا قال أحمد في رواية ابن منصور وحرب إذا أوصى الرجل بسهم من ماله يعطى السدس إلا أن تعول الفريضة فيعطى سهما مع العول فكان معنى الوصية أوصيت لك بسهم من يرث السدس فلو أوصى له بسهم في مسألة فيها زوج وأخت كان له السبع كما لو كان معهما جدة على الروايات الثلاث وكذلك لو كان في المسألة أم وثلاث أخوات متفرقات فإن كان معهم زوج فالمسألة من تسعة وللموصى له العشر على الروايات الثلاث وإن كان الورثة ثلاث أخوات متفرقات فللموصى له السدس على الروايات الثلاث وإن كانوا زوجا وأبوين وابنين فالمسألة من خمسة عشر وتعول بسدس آخر فتصير من سبعة عشر وكذلك على قول الخلال لأن أقل سهام الورثة سدس وعلى الرواية الأخرى يكون للوصي سهم واحد يزاد على خمسة عشر فتصير ستة عشر وإن كانوا زوجة وأبوين وابنا فالفريضة من أربعة وعشرين وتعول بالسدس الموصى به إلى ثمانية وعشرين وعلى الرواية الثانية يزاد عليها سهم واحد للموصى له فتكون من خمسة وعشرين وعلى قول الخلال يزاد عليها مثل سهم الزوجة فتكون من سبعة وعشرين وإن كانوا خمسة بنين فللوصي السدس كاملا وتصح من ستة على الروايات الثلاث فإن كان معهم زوجة صحت الفريضة من أربعين فنزيد عليها سهما للوصي على إحدى الروايات تصير أحدا وأربعين وعلى قول الخلال نزيد مثل نصيب الزوجة فتصير خمسة وأربعين وعلى الرواية الأولى نزيد عليها مثل سدسها ولا سدس لها فنضربها في ستة ثم نزيد عليها سدسها تكن مائتين وثمانين للوصي أربعون وللزوجة ثلاثون ولكل ابن اثنان وأربعون ولو خلف أبوين وابنين وأوصى لرجل بسدس ماله ولآخر بسهم جعلت ذا السهم كالأم وأعطيت صاحب السدس سدسا كاملا وقسمت الباقي بين الورثة والموصى له على سبعة فتصح من اثنين وأربعين لصاحب السدس سبعة ولصاحب السهم خمسة على الروايات الثلاث ويحتمل أن يعطى ذو السهم السبع كاملا كأنه أوصى له من غير وصية أخرى فيكون له ستة ويبقى تسعة وعشرون على ستة لا تنقسم فتضربها في اثنين وأربعين تكن مائتين واثنين وخمسين
فصل : وإن أوصى بجزء أو حظ أو نصيب أو شيء من ماله أعطاه الورثة ما شاء ولا أعلم فيه خلافا وبه قال أبو حنيفة و الشافعي و ابن المنذر وغيرهم لأن كل شيء جزء ونصيب وحظ وشيء وكذلك إن قال أعطوا فلانا من مالي أو ارزقوه لأن ذلك لا حد له في اللغة ولا في الشرع فكان على إطلاقه

مسألة وفصول : الوصية بمثل نصيب الورثة أو ضعفها أو بجزء مقدر وفروع أخرى
مسألة : وإذا أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيبا كأن أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته وهو ابن وأربع زوجات فتكون صحيحة من اثنين وثلاثين سهما للزوجات الثمن وهو أربعة وما بقي فللإبن فزد في سهام الفريضة مثل حظ امرأة من نسائه فتصير الفريضة من ثلاثة وثلاثين سهما للموصى له سهم ولكل امرأة سهم وما بقي فللإبن
وجملة ذلك أنه إذا أوصى بمثل نصيب أحد ورثته غير مسمى فإن كان الورثة يتساوون في الميراث كالبنين فله مثل نصيب أحدهم مزادا على الفريضة ويجعل كواحد منهم زاد فيهم وإن كانوا يتفاضلون كمسألة الخرقي فله مثل نصيب أقلهم ميراثا يزاد على فريضتهم وإن أوصى بنصيب وارث معين فله مثل نصيبه مزادا على الفريضة وهذا قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك و ابن أبي ليلى و زفر و داود : يعطى مثل نصيب المعين أو مثل نصيب أحدهم إذا كانوا يتساوون من أصل المال غير مزيد ويقسم الباقي بين الورثة لأن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال فلو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد فالوصية بجميع المال وإن كان له ابنان فالوصية بالنصف وإن كانوا ثلاثة فالوصية بثلث وقال مالك إن كانوا يتفاضلون نظر إلى عددهم فأعطي سهما من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم فاعتبر عدد رؤوسهم
ولنا أنه جعل وارثه أصلا وقاعدة حمل عليه نصيب الموصى له وجعله مثلا له وهذا يقتضي أن لا يزاد أحدهما على صاحبه ومتى أعطى من أصل المال فما أعطى مثل نصيبه ولا حصلت له التسوية والعبارة تقتضي التسوية وإنما جعل له مثل أقلهم نصيبا لأنه اليقين وما زاد فمشكوك فيه فلا يثبت مع الشك وقوله يعطى سهما من عددهم خلاف ما يقتضيه لفظ الموصي فإن هذا ليس بنصيب لأحد ورثته ولفظه إنما اقتضى نصيب أحدهم وتفاضلهم لا يمنع كون نصيب الأقل نصيب أحدهم فيصرفه إلى الوصي لقول الموصي وعملا بمقتضى وصيته وذلك أولى من اختراع شيء لا يقتضيه قول الموصي أصلا وقوله تعذر العمل بقول الموصي غير صحيح فإنه أمكن العمل به بما قلناه ثم لو تعذر العمل به لما جاز أن يوجب في مال حقا لم يأذن فيه ولم يأمر به وقد مثل الخرقي في هذه المسألة بما أغنى عن تمثيلها ولو قال أوصيت بمثل نصيب أقلهم ميراثا كان كما لو أطلق وكان ذلك تأكيد وإن قال أوصيت بمثل نصيب أكثرهم ميراثا فله ذلك مضافا إلى المسألة فيكون له في مسألة الخرقي ثمانية وعشرون تضم إلى الفريضة فيكون الجميع ستين سهما
فصل : وإن أوصى بنصيب وارث ففيها وجهان أحدهما تصح الوصية ويكون ذلك كالوصية بمثل نصيبه وهذا قول مالك وأهل المدينة واللؤلؤي وأهل البصرة و ابن أبي ليلى و زفر و داود والوجه الثاني لا تصح الوصية وهو الذي ذكره القاضي وهو قول أصحاب الشافعي و أبي حنيفة وصاحبيه لأنه أوصى بما هو حق للابن فلم يصح كما لو قال بدار ابني أو بما يأخذه ابني وجه الأول أنه أمكن تصحيح وصيته بحمل لفظه على مجازه فصح كما لو طلق بلفظ الكتابة أو أعتق وبيان إمكان التصحيح أنه أمكن تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي بمثل نصيب وارثي ولأنه لو أوصى بجميع ماله صح وإن تضمن ذلك الوصية بنصيب وراثه كلهم
فصل : وإن قال أوصيت لك بضعف نصيب ابني فله مثلا نصيبه وبهذا قال الشافعي وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الضعف المثل واستدل بقول الله تعالى { يضاعف لها العذاب ضعفين } أي مثلين وقوله { فآتت أكلها ضعفين } أي مثلين وإذا كان الضعفان مثلين فالواحد مثل ولنا أن الضعف مثلان بدليل قوله تعالى : { لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات } وقال : { فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا } وقال : { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون } ويروى عن عمر أنه أضعف الزكاة على نصارى بني تغلب فكان يأخذ من المائتين عشرة وقال الحذيفة وعثمان بن حنيف لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق فقال عثمان لو أضعفت عليها لاحتملت قال الأزهري الضعف المثل فما فوقه وأما قوله : أن الضعفين المثلين فقد روى ابن الأنباري عن هشام بن معاوية النحوي قال : العرب تتكلم بالضعف مثنى فتقول إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه أي مثلاه وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن يعني أن المفرد والمثنى في هذا بمعنى واحد قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : ضعف الشيء هو مثله وضعفاه هو مثلاه وثلاثة أضعافه ثلاثة أمثاله وعلى هذا
فصل : وإن قال أوصيت لك بضعفي نصيب ابني فله مثلا نصيبه وإن قال ثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله هذا الصحيح عندي وهو قول أبي عبيد وقال أصحابنا إن أوصى بضعفيه فله ثلاثة أمثاله وإن وصى بثلاثة أضعافه فله أربعة أمثاله وعلى هذا كلما زاده ضعفا زاد مرة وهذا قول الشافعي واحتجوا بقول أبي عبيدة وقد ذكرناه وقال أبو ثور ضعفاه أربعة أمثاله وثلاثة أضعافه ستة أمثاله لأنه قد ثبت أن ضعف الشيء مثلاه فتثنيته مثلا مفرده كسائر الأسماء
ولنا قول الله تعالى { فآتت أكلها ضعفين } قال عكرمة تحمل في كل عام مرتين وقال عطاء أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين ولا خلاف بين المفسرين فيما علمت في تفسير قوله تعالى { يضاعف لها العذاب ضعفين } أن المراد به مرتين وقد دل عليه قوله تعالى { نؤتها أجرها مرتين } ومحال أن يجعل أجرها على العمل الصالح مرتين وعذابها على العمل الفاحش ثلاث مرات فإن الله تعالى إنما يريد تضعيف الحسنات على السيئات وهذا هو المعهود من كرمه وفضله وأما قول أبي عبيدة فخالفه فيه غيره وأنكروا قوله قال ابن عرفة لا أحب قول أبي عبيدة في { يضاعف لها العذاب ضعفين } لأن الله تعالى قال في آية أخرى { نؤتها أجرها مرتين } فأعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين
وقد نقل معاوية بن هشام النحوي عن العرب أنهم ينطقون بالضعف مثنى ومفردا بمعنى واحد وموافقة العرب على لسانهم مع ما دل عليه كلام الله تعالى العزيز وقول المفسرين من التابعين وغيرهم أولى من قول أبي عبيدة المخالف لذلك كله مع مخالفة القياس ونسبة الخطأ إليه أولى من تخطئة ما ذكرناه وأما قول أبي ثور فظاهر الفساد لما فيه من مخالفة الكتاب والعرب وأهل العربية ولا يجوز التمسك بمجرد القياس المخالف للنقل فقد يشذ من العربية كلمات تؤخذ نقلا بغير قياس والله أعلم
فصل : وإن وصى بمثل نصيب من لا نصيب له مثل أن يوصي بنصيب ابنه وهو ممن لا يرث لكونه رقيقا أو مخالفا لدينه أو بنصيب أخيه وهو محجوب عن ميراثه فلا شيء للموصى له لأنه لا نصيب له فمثله لا شيء له
فصل : وإن أوصى لرجل بثلث ولآخر بربع ولآخر بخمس ولآخر بمثل وصية أحدهم فله الخمس وإن وصى لرجل بعشرة ولآخر بستة ولآخر بأربعة ولآخر بمثل وصية أحدهم فله أربعة لأنها اليقين وإن قال فلان شريكهم فله خمس ما لكل واحد منهم وإن وصى لأحدهم بمائة ولآخر بدار ولآخر بعبد ثم قال فلان شريكهم فله نصف ما لكل واحد منهم ذكرها الخبري لأنه ههنا يشارك كل واحد منهم منفردا والشركة تقتضي التسوية فلهذا كان له النصف بخلاف الأوليين فإنهم كلهم مشتركون وقال ابن القاسم له الربع في الجميع
فصل : ولو أوصى بمثل نصيب وارث لو كان فقدر الوارث موجودا وانظر ما للموصى له مع وجوده فهو له مع عدمه فإن خلف ابنين وأوصى بمثل نصيب ثالث فللموصى له الربع ولو وصى بمثل نصيب خامس لو كان فللموصى له السدس وعلى هذا أبدا ولو خلفت زوجا وأوصت بمثل نصيب أم لو كانت فللموصى له الخمس لأن للأم الربع لو كانت فيجعل له سهما مضافا إلى أربعة يكن خمسا فقس على هذا
مسألة : قال : وإذا خلف ثلاثة بنين وأوصى لآخر بمثل نصيب أحدهم كان للموصى له الربع :
هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشعبي و النخعي و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وعند مالك وموافقيه للموصى له الثلث والباقي بين الابنين وتصح من تسعة وقد دللنا على فساده ولو خلف ابنا واحدا وأوصى بمثل نصيبه فللموصى له النصف في حال الإجازة والثلث في حال الرد وعند مالك للموصى له في حال الإجازة جميع المال
فصل : فإن خلف بنتا وأوصى بمثل نصيبها فالحكم فيها كالحكم فيما لو كان ابنا عند من يرى الرد لأنها تأخذ المال كله بالفرض والرد ومن لا يرى الرد يقتضي قوله أن يكون له الثلث ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال ويقتضي قول مالك أن للموصى له النصف في حال الإجازة ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال فإن خلف ابنتين وأوصى بمثل نصيب إحداهما فهي من ثلاثة عندنا ويقتضي قول من لا يرى الرد أنها من أربعة لبيت المال الربع ولكل واحد منهم ربعه ويقتضي قول مالك أن الثلث للموصى له وللبنتين ثلثا ما بقي والباقي لبيت المال وتصح من تسعة فإن خلف جدة وحدها وأوصى بمثل نصيبها فقياس قولنا أن المال بينهما نصفين وقياس قول من لا يرى الرد أنها من سبعة لكل واحد منهما السبع والباقي لبيت المال وقياس قول مالك أن للموصى له السدس وللجدة سدس ما بقي والباقي لبيت المال
فصل : وإذا خلف ثلاثة بنين وأوصى لثلاثة بمثل أنصبائهم فالمال بينهم على ستة إن أجازوا وإن ردوا فمن تسعة للموصى لهم الثلث ثلاثة والباقي بين البنين على ثلاثة فإن أجازوا لواحد وردوا على اثنين فللمردود عليهما التسعان اللذان كانا لهما في حال الرد عليهم وفي المجاز له وجهان أحدهما له السدس الذي كان له في حال الإجازة للجميع وهذا قول أبي يوسف و ابن شريح فيأخذ السدس والتسعين من مخرجهما وهو ثمانية عشر يبقى أحد عشر بين البنين على ثلاثة لا يصح فيضرب عددهم في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين للمجاز له السدس تسعة ولكل واحد من صاحبه ستة ولكل ابن أحد عشر والوجه الثاني : إن يضم المجاز له إلى البنين ويقسم الباقي بعد التسعين عليهم وهم أربعة لا تنقسم فتضرب أربعة في تسعة تكن ستة وثلاثين فإن أجاز الورثة بعد ذلك للآخرين أتموا لكل واحد منهم تمام سدس المال فيصير المال بينهم أسداسا على الوجه الأول وعلى الوجه الآخر يضمون ما حصل لهم وهو أحد وعشرون من ستة وثلاثين إلى ما حصل لهما وهو ثمانية ويقتسمونه بينهم على خمسة ولا يصح فتضرب خمسة في ستة وثلاثين تكن مائة وثمانين ومنها تصح وإن أجاز أحد البنين لهم ورد الآخران عليهم فللمجيز السدس وهو ثلاثة من ثمانية عشر وللذين لم يجيزوا أربعة أتساع ثمانية تبقى سبعة بين الموصى لهم على ثلاثة أضربها في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين وإن أجاز واحد لواحد دفع إليه ثلث ما في يده من الفضل وهو ثلث سهم من ثمانية عشر فاضربها في ثلاثة تكن أربعة وخمسين والله أعلم
فصل : وإذا وصى لرجل بجزء مقدر ولآخر بمثل نصيب وارث من ورثته ففيها وجهان : أحدهما : يعطى الجزء لصاحبه ويقسم الباقي بين الورثة والموصى له كأنه ذلك الوارث إن أجازوا وإن ردوا قسمت الثلث بين الوصيين على حسب ما كان لهما في حال الإجازة والثلثان بين الورثة والوجه الثاني : أن يعطى صاحب النصيب مثل نصيب الوارث كأن لا وصية سواها وهذا قول يحيى بن آدم مثاله رجل أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة فعلى الوجه الأول للموصى له بالثلث الثلث وما بقي بين البنين والوصي على أربعة وتصح من ستة لصاحب الثلث سهمان وللآخر سهم فإن ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة والثلثان بين البنين على ثلاثة وتصح من تسعة وعلى الوجه الآخر لصاحب الثلث الثلث وللآخر الربع إن أجيز لهما وإن رد عليهما قسمت الثلث بينهما على سبعة والثلثان للورثة وتصح من ثلاثة وستين وإن كان الجزء يزيد على الثلث مثل أن أوصى لرجل بالنصف ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه ففيها وجه ثالث وهو أن يجعل لصاحب النصيب نصيبه من الثلثين وهو ربعه لأن الثلثين حق الورثة لا يؤخذ منها شيء إلا بإجازتهم ورضاهم فيكون صاحب النصيب كواحد منهم لا ننقص من السدس شيئا إلا بإجازته فعلى الوجه الأول لصاحب الجزء النصف والباقي بين الآخر والبنين على أربعة وتصح من ثمانية إن أجازوا وإن ردوا قسمت الثلث بين الوصيين على خمسة والثلثين بين البنين على ثلاثة وتصح من خمسة وأربعين وعلى الوجه الثاني لصاحب النصف النصف وللآخر الربع ويبقى الربع بين البنين وتصح من اثنين عشر وإن ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة وتصح من تسعة وعلى الوجه الثالث لصاحب النصف النصف وللآخر السدس ويبقى الثلث بين البنين على ثلاثة وتصح من ثمانية عشر وإن ردوا فالثلث بين الوصيين على أربعة وتصح من ستة وثلاثين وإن أوصى لصاحب الجزء بالثلثين فعلى الوجه الأول لصاحب النصف ربع الثلث سهم من اثني عشر إن أجازوا وإن ردوا قسمت الثلث بين الوصيين على تسعة وعلى الوجه الثاني يكون له الربع في حال الإجازة وفي الرد يكون الثلث بين الوصيين على خمسة وإن أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بمثل نصيب أحد ورثته فعلى الوجه الأول لا يصح للوصي الآخر شيء في إجازة ولا رد وعلى الثانييقسم الوصيان المال بينهما على خمسة في الإجازة والثلث على خمسة في الرد وعلى الثالث يقتسمان المال على سبعة في الإجازة والثلث على سبعة في الردة
فصل : وإن أوصى لرجل بمثل نصيب وارث ولآخر بجزء مما بقي من المال ففيها أيضا ثلاثة أوجه : أحدها : أن يعطى صاحب النصف مثل نصيب الوارث إذا لم يكن ثم وصية أخرى والثاني : أن يعطى مثل نصيبه من ثلثي المال والثالث : أن يعطى مثل نصيبه بعد أخذ صاحب الجزء وصيته وعلى هذا الوجه يدخلها الدور وعليه التفريع : ومثاله رجل خلف ثلاثة بنين وصى بمثل نصيب أحدهم ولآخر بنصف باقي المال فعلى الوجه الأول لصاحب النصف الربع وللآخر نصف الباقي وما بقي للبنين وتصح من ثمانية وعلى الثاني له السدس وللآخر نصف الباقي وتصح من ستة وثلاثين ولا تفريع على هذين الوجهين لوضوحهما وأما على الثالث فيدخلها الدور ولعملها طرق أحدها : أن تأخذ مخرج النصف فتسقط منه سهما يبقى سهم فهو النصيب ثم تزيد على عدد البنين واحدا تصير أربعة فتضربها في المخرج تكن ثمانية تنقصها سهما يبقى سبعة فهي المال للموصى له بالنصيب سهم وللآخر نصف الباقي وهو ثلاثة ولكل ابن سهم طريق آخر : أن تزيد على سهام البنين نصف سهم وتضربها في المخرج تكن سبعة طريق ثالث : ويسمى المنكوس أن تأخذ سهام البنين وهي ثلاثة فتقول هي بقية مال ذهب نصفه فإذا أردت تكميله فزد عليه مثله ثم زد عليها مثل سهم ابن تكن سبعة طريق رابع : أن تجعل المال سهمين ونصيبا وتدفع النصيب إلى صاحبه وإلى الآخر سهما يبقى سهم للبنين يعدل ثلثه فالمال كله سبعة وبالجبر تأخذ مالا فتلقي منه نصيبا يبقى مال إلا نصيبا وتدفع نصف الباقي إلى الوصي الآخر يبقى نصف مال إلا نصف نصيب يعدل ثلاثة أنصباء فأجبره بنصف نصيب وزده على الثلاثة يبقى نصفا كاملا يعدل ثلاثة ونصفا فالمال كله سبعة

فصول : تقسيم الوصية والاستثناء فيها
فصل : فإن كانت الوصية الثانية بنصف ما يبقى من الثلث أخذت مخرج النصف والثلث وهو ستة نقصت منها واحدا يبقى خمسة فهي النصيب ثم تزيد واحدا على سهام البنين وتضربها في المخرج تكن أربعة وعشرين تنقصها ثلاثة يبقى أحد وعشرون فهو المال فتدفع إلى صاحب النصيب خمسة يبقى من الثلث اثنان تدفع منهما سهما إلى الوصي الآخر يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وبالطريق الثاني تزيد على سهام البنين نصفا وتضربها في المخرج تكن أحدا وعشرين وبالثالث تعمل كما عملت في الأولى فإذا بلغت سبعة ضربتها في ثلاثة من أجل أن الوصية الثانية بنصف الثلث وبالرابع تجعل الثلث سهمين ونصيبا تدفع النصيب إلى صاحبه وإلى الآخر سهما يبقى من المال خمسة أسهم ونصيبان تدفع نصيبين إلى ابنين يبقى خمسة للثالث فهي النصيب فإذا بسطتها كانت أحدا وعشرين وبالجبر تأخذ مالا فتلقي منه ثلثه نصيبا وتدفع إلى الآخر نصف باقي الثلث يبقى من المال خمسة أسداسه إلا نصف نصيب أجبره بنصف نصيب وزده على سهام البنين يصير ثلاثة ونصفا تعدل خمسة أسداس أقلب وحول يصير النصيب خمسة وكل سهم ستة تكن أحدا وعشرين
فصل : فإن أوصى لثالث بربع المال فخذ المخارج وهي اثنان وثلاثة وأربعة واضرب بعضها في بعض تكن أربعة وعشرين وزد على عدد البنين واحدا تصر أربعة واضربها في أربعة وعشرين تكن ستة وتسعين انقص منها ضرب نصف سهم في أربعة وعشرين وذلك اثني عشر يبقى أربعة وثمانون فهي المال ثم انظر الأربعة وعشرين فانقص منها سدسها لأجل الوصية الثانية وربعها لأجل الوصية يبقى أربعة عشر فهي النصيب فادفعها إلى الموصى له بالنصيب ثم ادفع إلى الثاني نصف ما يبقى من الثلث وهو سبعة وإلى الثالث ربع المال أحدا وعشرين يبقى اثنان وأربعون لكل ابن أربعة عشر وبالطريق الثاني تزيد على عدد البنين نصف سهم وتضرب ثلاثة ونصف في أربعة وعشرين تكن أربعة وثمانين وبالطريق الثالث تعمل في هذه كما عملت في التي قبلها فإذا بلغت أحدا وعشرين ضربتها في أربعة من أجل الربع تكن أربعة وثمانين وبطريق النصيب تفرض المال ستة أسهم وثلاثة أنصباء تدفع نصيبا إلى صاحب النصيب وإلى الآخر سهما وإلى صاحب الربع سهما ونصفا وثلاثة أرباع نصيب ويبقى من المال نصيب وربع وثلاثة أسهم ونصف للورثة يعدل ثلاثة أنصباء فأسقط نصيبا وربعا بمثلها يبقى ثلاثة أسهم ونصف يعدل نصيبا وثلاثة أرباع فالنصيب إذا سهمان فأبسط الثلاثة إلا نصيبا تكن ستة فصار المال اثني عشر ومنها يصح لصاحب النصيب سهمان وللآخر نصف باقي الثلث سهم ولصاحب الربع ثلاثة تبقى ستة لكل ابن سهمان وهذا أخصر وأحسن وبالجبر تأخذ مالا تدفع منه نصيبا يبقى مال إلا نصيبا تدفع نصف باقي ثلثه وهو سدس إلا نصف نصيب يبقى من المال خمسة أسداس إلا نصف نصيب تدفع منها ربع المال يبقى ثلث وربعه إلا نصف نصيب يعدل ثلاثة أنصباء اجبر وقابل وقلب وحول يكن النصيب سبعة والمال اثنين وأربعين ثم تضربها في اثنين ليزول الكسر يرجع إلى أربعة وثمانين
فصل : فإن كانت الوصية الثالثة بربع ما بقي من المال بعد الوصيتين الأوليين فاعملها بطريق النصيب كما ذكرنا يبقى معك ثلاثة أسهم وثلاثة أرباع تعدل نصيبا ونصفا أبسطهما أرباعا تكن السهام خمسة عشر والأنصباء ستة توافقهما وتردهما إلى وفقيهما تصير خمسة أسهم تعدل نصيبين اقلب واجعل النصيب خمسة والسهم اثنين وابسط ما معك يصر سبعة وعشرين فادفع خمسة إلى صاحب النصيب وإلى الآخر نصف باقي الثلث سهمين وإلى الآخر ربع الباقي خمسة يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وهذا الطريق أخصر وإن عملت بالطريق الثاني أخذت أربعة وعشرين فنقصت سدسها وربع الباقي يبقى خمسة عشر فهي النصيب ثم زدت على عدد البنين سهما ونقصت نصفه وربع الباقي منه يبقى ثلاثة أثمان ردها على سهام البنين تكن ثلاثة وثلاثة أثمان تضربها في أربعة وعشرين تكن أحدا وثمانين ومنها تصح وبالجبر تفضي إلى ذلك أيضا
فصل : وإن خلف أما وأختا وعما وأوصى لرجل بمثل نصيب العم وسدس ما يبقى ولآخر بمثل نصيب الأم وربع ما يبقى ولآخر بمثل نصيب الأخت وثلث ما يبقى فاعملها بالمنكوس وقل أصل المسألة ستة فابدأ بآخر الوصايا فقل هذا مال ذهب ثلثه فزد عليه نصف ثلاثة ومثل نصيب الأخت ثلاثة صارت اثني عشر ثم قل هذا بقية مال ذهب ربعه فزد عليه ثلثه ومثل نصيب الأم ستة صار ثمانية ثم قل هذا بقية مال ذهب سبعة فزد عليه سدسه ونصيب العم صار اثنين وعشرين ومنه تصح
فصل : في الاستثناء إذا خلف ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع المال فخذ مخرج الكسر أربعة وزد عليها سهما تكن خمسة فهذا النصيب وزد على عدد البنين واحدا واضربه في مخرج الكسر تكن ستة عشر تدفع إلى الوصي خمسة وتستثني منه أربعة يبقى لهم سهم ولكل ابن خمسة وإن شئت خصصت كل ابن بربع وقسمت الربع الباقي بينه وبينهم على أربعة فإن قال إلا ربع الباقي بعد النصيب فزد على سهام البنين سهما وربعا واضربه في أربعة تكن سبعة عشر للوصي سهمان ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالا وتدفع منه نصيبا إلى الموصى له وتستثني منه ربع الباقي وهو ربع مال إلا ربع نصيب صار معك مال وربع إلا نصيبا وربعا يعدل أنصباء البنين وهي ثلاثة أجبر وقابل يخرج النصيب خمسة والمال سبعة عشر فإن قال إلا ربع الباقي بعد الوصية جعلت المخرج ثلاثة وزدت عليه ثلثه صار أربعة فهو النصيب وتزيد على عدد البنين نصيبا وسهما وتضربه في ثلاثة تكن ثلاثة عشر فهو المال وإن شئت قلت المال كله ثلاثة أنصباء ووصية والوصية هي نصيب إلا ربع الباقي بعدها وذلك ثلاثة أرباع نصيب فيبقى ربع نصيب فهو الوصية وتبين أن المال كله ثلاثة وربع ابسطها تكن ثلاثة عشر ولهذه المسائل طرق سوى ما ذكرنا والله أعلم
فصل : وإن قال أوصيت لك بمثل نصيب أحد بني إلا ثلث ما يبقى من الثلث فخذ مخرج الكسر ثلث الثلث وهو تسعة وزد عليها سهما تكن عشرة فهي النصيب وزد على أنصباء البنين سهما وثلثا واضرب ذلك في تسعة تكن تسعة وثلاثين ادفع عشرة إلى الوصي واستثن منه ثلث بقية الثلث سهم يبقى له تسعة ولكل ابن عشرة وإن قال إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية جعلت المال ستة وزدت عليها سهما صارت سبعة فهذا هو النصيب وزدت على أنصباء البنين سهما ونصفا وضربته في ستة صار سبعة وعشرين ودفعت إلى الوصي سبعة وأخذت واحدة من نصف بقية الثلث بقي معه ستة وبقي أحد وعشرون لكل ابن سبعة وإنما كان كذلك لأن الثلث بعد الوصية هو النصف بعد النصيب ومتى أطلق الاستثناء فلم يقل بعد النصيب ولا الوصية فعند الجمهور يحمل على ما بعد النصيب وعند محمد بن الحسن والبصريين يكون بعد الوصية
فصل : فإن قال إلا خمس ما يبقى من المال بعد النصيب ولآخر بثلث ما يبقى من المال بعد وصية الأول فخذ الجميع خمسة وزد عليها خمسها تكن ستة انقص ثلثها من أجل الوصية بالثلث يبقى أربعة فهي النصيب ثم خذ سهما وزد عليه خمسه وانقص من ذلك ثلثه يبق أربعة أخماس زدها على أنصباء البنين واضربها في خمسة تصر تسعة عشر فهي المال ادفع إلى الأول أربعة واستثن منه خمس الباقي ثلاثة يبق معه سهم فادفع إلى الآخر ثلث الباقي ستة يبقى اثنا عشر لكل ابن أربعة وبالجبر خذ مالا وألق منه نصيبا واسترجع منه خمس الباقي يصر معك مال وخمس إلا نصيبا وخمسا الق منه ثلث ذلك يبق أربعة أخماس مال إلا أربعة أخماس نصيب تعدل ثلاثة أنصباء اجبر وقابل وابسط يكن المال تسعة عشر والنصيب أربعة وإن شئت قلت أنصباء البنين ثلاثة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه نصفه يصر أربعة أنصباء ونصفا ووصية والوصية هي نصيب إلا خمس الباقي وهو نصف نصيب وخمس نصيب وخمس وصية أسقطه من النصيب يبقى خمس نصيب وعشر نصيب إلا خمس وصية تعدل وصية اجبر وقابل وابسط تصر ثلاثة من النصيب تعدل اثني عشر سهما من الوصية وهي تتفق بالأثلاث فردها على وفقها يصير سهما يعدل أربعة فالوصية سهم والنصيب أربعة فابسطها تكن أربعة عشر فإن كان الاستثناء بعد الوصية قلت المال أربعة أسهم ونصف ووصية وهي نصيب إلا خمس الباقي وهو تسعة أعشار نصيب يبقى عشر نصيب فهو الوصية فابسط الكل أعشارا تكن إلا نصبا خمسة وأربعين والوصية سهم وإن كان استثنى خمس المال كله فالوصية عشر نصيب إلا خسم وصية أجبر يصر العشر يعدل وصية وخمسا ابسط يصير النصيب ستين والوصية خمسة والمال كله مائتان وخمسة وسبعون ألق منها ستين واسترجع منه خمس المال وهو خمسة وخمسون يبقى له خمسة وللآخر ثلثا الباقي تسعون ويبقى مئة وثمانون لكل ابن ستون وترجع بالاختصار إلى خمسها وذلك خمسة وخمسون للوصي الأول سهم وللثاني ثمانية عشر لكل ابن اثنتا عشر وبالجبر تأخذ مالا تلقي منه نصيبا وتزيد على المال خمسه يصير مالا وخمسا إلا نصيبا ألق ثلث ذلك يبق أربعة أخماس مال إلا ثلثي نصيب يعدل ثلاثة اجبر وقابل وابسط يكن المال ثمانية عشر وثلثا اضربها في ثلاثة ليزول الكسر بصر خمسة وخمسين وإن كان استثنى الخمس كله وأوصى بالثلث كله فخذ مخرج الكسرين خمسة عشر وزد عليها خمسها ثم انقص ثلث المال كله يبق ثلاثة عشر فهي النصيب وزد على أنصباء البنين سهما واضربه في المال يكن ستين وهو المال وإن كان استثنى خمس الباقي وأوصى بثلث المال كله فالعمل كذلك إلا أنك تزيد على سهام البنين سهما وخمسا وتضربها تكن ثلاثة وستين وإن كان استثنى خمس ما بقي من الثلث زدت على الخمسة عشر سهما واحدا فصار ستة عشر ثم نقصت ثلث المال كله بقي أحد عشر فهو النصيب ثم زدت سهام البنين سهما وخمسا وضربتها في خمسة عشر تكن ثلاثة وستين تدفع إلى الوصي الأول أحد عشر وتستثني منه خمس بقية الثلث سهمين يبقى معه تسعة وتدفع إلى صاحب الثلث إحدى وعشرين يبقى ثلاثة وثلاثون لكل ابن أحد عشر فإن كانت الوصية الثانية بثلث باقي المال زدت على الخمسة عشر واحدا ثم نقصت ثلث الستة عشر ولا ثلث لها فاضربها في ثلاثة تكن ثمانية وأربعين انقص ثلثها يبقى اثنان وثلاثون فهي النصيب وخذ سهما وزد عليه خمسه ثم انقص ثلث ذلك من أجل الوصية بثلث الباقي يبقى أربعة أخماس زدها على سهام الورثة واضربها في خمسة وأربعين تكن مائة وإحدى وسبعين منها تصح
فصل : فإن خلف أربعة بنين وأوصى لرجل بثلث ماله إلا نصيب أحدهم أو أوصى له بتكملة الثلث على نصيب أحدهم فله التسع وحسابها أن تدفع إلى الوصي وابن ثلث المال يبقى ثلثاه لثلاثة بنين لكل واحد تسعان فعلمت أن نصيب الابن من الثلث تسعان يبقى تسع للوصي وإن وصى لآخر بخمس ما يبقى من المال بعد الوصية الأولى عزلت ثلث المال ثم أخذت منه نصيبا ورددته على الثلثين ودفعت إلى الوصي الثاني خمس ذلك يبقى من المال ثلثه وخمسه وأربعة أخماس نصيب للورثة فأسقط أربعة أخماس نصيب بمثلها يبقى له ثلاثة وخمس تعدل ثلثا وخمسا فنصف المال إذا يعدل ثلاثة أنصباء والمال كله ستة للوصيين والبنيين لكل واحد سهم
طريق آخر : سهام البنين أربعة وهي بقية مال ذهب خمسه فرد عليه ربعه للوصي الثاني صارت خمسة ثم زد على سهم ابن ما يكمل به الثلث وهو سهم آخر فصارت ستة وإن شئت فرضت المال خمسة أسهم وتكملة ودفعت التكملة إلى صاحبها وخمس الباقي إلى صاحبه ويبقى لكل ابن سهم وقد علمت أن سهم ابن مع التكملة ثلث المال وإن الباقي بعدهما الثلثان وهي أربعة أسهم فقابل بهما نصف الأربعة وهي سهمان فتبين أن التكملة سهم
فصل : وإن أوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث ولآخر بدرهم فاجعل المال تسعة دراهم وثلاثة أيضا فادفع إلى الوصي الأول نصيبا وإلى الثاني والثالث درهمين بقي سبعة ونصيبان ادفع نصيبين إلى ابنين يبقى سبعة للابن الثالث فالنصيب سبعة والمال ثلاثون فإن كانت الوصية الثالثة بدرهمين فالنصيب ستة والمال سبعة وعشرون
فصل : وإن ترك ستمائة ووصى لأجنبي بمائة ولآخر بتمام الثلث فلكل واحد منهما مائة فإن رد الأول وصيته فللآخر مائة وإن وصى للأول بمائتين وللآخر بباقي الثلث فلا شيء للثاني سواء رد الأول وصيته أو أجازها وهذا قياس قول الشافعي وأهل البصرة وقال أهل العراق إن رد الأول فللثاني مائتان في المسألتين
ولنا أن المائتين ليست باقي الثلث ولا تتمته فلا يكون موصى بها للثاني كما لو قبل الأول ولو وصى لوارث بثلثه ولآخر بتمام الثلث فلا شيء للثاني وعلى قول أهل العراق له الثلث كاملا
فصل : وإن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة ولم يزد الثلث على مائة بطلت وصية التمام وإن زاد على مائة وأجاز الورثة أمضيت وصاياهم على ما أوصى لهم به وإن ردوا ففيه وجهان أحدهما : يرد كل واحد منهما إلى نصف وصيته لأن الوصايا رجعت إلى نصفها فيدخل النقص على كل واحد بقدر ماله في الوصية كسائر الوصايا والثاني : لا شيء لصاحب التمام حتى تكمل المائة لصاحبها ثم يكون الثلث بين الوصيين الآخرين نصفين ويزاحم صاحب المائة صاحب التمام ولا يعطيه شيئا لأنه إنما يستحق بعد تمام المائة لصاحبها وما تمت له ويجوز أن يزاحم به ولا يعطيه كالأخ من الأبوين يزاحم الجد بالأخ من الأب ولا يعطيه شيئا

مسألة وفصول : حكم ما إذا لم يجز الورثة الوصية وفروع في الإجازة والرد
مسألة : قال : وإذا أوصى لزيد بنصف ماله ولعمرو بربع ماله ولم يجز ذلك الورثة فالثلث بينهما على ثلاثة أسهم : لعمرو سهم ولزيد سهمان
وجملته أنه إذا أوصى بأجزاء من المال أخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على الورثة وإن لم يجيزوا قسمت الثلث بين الأوصياء على قدر سهامهم في حال الإجازة وقسمت الثلثين على الورثة ولا فرق بين أن يكون الموصى لهم من تجاوز وصيته الثلث أو لا هذا قول الجمهور منهم الحسن و النخعي و مالك و ابن أبي ليلى و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة و أبو ثور و ابن المنذر : لا يضرب الموصى له في حال الرد بأكثر من الثلث لأن ما جاوز الثلث باطل فكيف يضرب به ؟
ولنا أنه فاضل بينهما في الوصية فلم تجز التسوية كما لو وصى بثلث وربع أو بمائة ومائتين وماله أبعمائة وهذا يبطل ما ذكروه ولأنها وصية صحيحة ضاق عنها الثلث فتقسم بينهم على قدر الوصايا كالثلث والربع وليس الأمر على ما قالوه في بطلان الوصية فإن الوصية صحيحة على ما ذكرناه فيما مضى فعلى هذا إذا أوصى لزيد بنصف ماله ولعمرو بربعه فللموصى لهما ثلاثة أرباع المال إن أجاز الورثة ويبقى لهم الربع وإن ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة والمسألة كلها من تسعة وإن أجازوا لأحدهما دون صاحبه ضربت مسألة الرد في مسألة الإجازة وأعطيت المجاز له سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد والمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروبا في مسألة الإجازة وإن أجاز بعض الورثة لهما ورد الباقون عليهما أعطيت المجيز سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد ومن لم يجز سهمه من مسألة الرد مضروبا في مسألة الإجازة وقسمت الباقي بين الوصيين على ثلاثة وإن اتفقت المسألتان ضربت وفق إحداهما في الأخرى ومن له سهم من إحدى المسألتين مضروب في وفق الأخرى وإن دخلت إحدى المسألتين في الأخرى اجتزأت بأكثرهما ففي مسألة الخرقي هذه إذا كان الورثة أما وثلاث أخوات متفرقات فأجازوا فالمسألة من أربعة : للوصيين ثلاثة يبقى سهم على ستة تضربها في أربعة تكن أربعة وعشرين وإن ردوا فللوصيين الثلث ثلاثة ويبقى ستة على المسألة وهي ستة وتصح من تسعة وإن أجازوا لصاحب النصف وحده ضربت وفق التسعة في أربعة وعشرين تكن اثنين وسبعين لصاحب النصف وحده ضربت وفق التسعة في أربعة وعشرين تكن اثنين وسبعين لصاحب النصف اثنا عشر في ثلاثة ستة وثلاثون وللآخر سهم في ثمانية ثمانية يبقى ثمانية وعشرون للورثة وإن أجازت الأم لهما ورد الباقون عليهما أعطيت الأم سهما في ثلاثة والباقين خمسة أسهم في ثمانية صار الجميع ثلاثة وأربعين يبقى تسعة وعشرون بين الوصيين على ثلاثة وإن أجازت الأخت من الأبوين وحدها فلها تسعة والباقي الورثة أربعة وعشرون ويبقى تسعة وثلاثون لهما على ثلاثة لصاحب النصف ستة وعشرون وللآخر ثلاثة عشر
فصل : إذا جاوزت الوصايا المال فاقسم المال بينهم على قدر وصاياهم مثل العول واجعل وصاياهم كالفروض التي فرضها الله تعالى للورثة إذا زادت على المال وإن ردوا قسمت الثلث بينهم على تلك السهام وهذا قول النخعي و مالك و الشافعي قال سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ثنا عاصم الثقفي قال : قال لي إبراهيم النخعي ما تقول في رجل أوصى بنصف ماله وثلث ماله وربع ماله ؟ قلت لا يجوز قال : فإنهم قد أجازوا قلت لا أدري ؟ قال : امسك اثني عشر : فأخرج نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة فاقسم المال على ثلاثة عشر فلصاحب النصف ستة ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة وكان أبو حنيفة يقول : يأخذ أكثرهم وصية مما يفضل به على من دونه ثم يقتسمون الباقي إن أجازوا وفي الرد لا يضرب لأحدهم بأكثر من الثلث وإن نقص بعضهم عن الثلث أخذ أكثرهم ما يفضل به على من دونه ومثال ذلك رجل أوصى بثلثي ماله ونصفه وثلثه فالمال بينهم على تسعة في الإجازة والثلث بينهم كذلك في الرد كمسألة فيها زوج وأختان لأب وأختان لأم وقال أبو حنيفة : صاحب الثلثين يفضلهما بسدس فيأخذه وهو وصاحب النصف يفضلان صاحب الثلث بسدس فيأخذانه بينهما نصفين ويقتسمون الباقي بينهم أثلاثا وتصح من ستة وثلاثين : لصاحب الثلثين سبعة عشر ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب الثلث ثمانية وإن ردوا قسم بينهم على ثلاثة ولو أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بثلثه فالمال بينهما على أربعة إن أجازوا والثلث بينهما كذلك في حال الرد وعند أبي حنيفة إن أجازوا فلصاحب المال الثلثان يتفرد بهما ويقاسم صاحب الثلث فيحصل له خمسة أسداس ولصاحب الثلث السدس وإن ردوا اقتسما الثلث نصفين فلا يحصل لصاحب الثلث إلا السدس في الإجازة والرد جميعا ولو جعل مكان الثلث سدسا لكان لصاحب المال خمسة أسداسه في الإجازة ويقاسم صاحب السدس فيأخذ نصفه ويبقى لصاحب السدس نصفه سهم من اثني عشر وفي الرد يقتسمان الثلث بينهما أثلاثا فيجعل لصاحب السدس التسع سهم من تسعة وذلك أكثر مما حصل له في الإجازة وهذا دليل على فساد هذا القول لزيادة سهم الموصى له في الرد على حالة الإجازة ومتى كان للموصى له حق في حال الرد لا ينبغي أن يتمكن الوارث من تغييره ولا تنقيصه ولا أخذه منه ولا صرفه إلى غيره مع أن ما ذهب إليه الجمهور نظيره مسائل العول في الفرائض والديون على المفلس وما ذكروه لا نظير له مع أن فرض الله تعالى للوارث آكد من فرض الموصي ووصيته ثم إن صاحب الفضل في الفرض المفروض لا ينفرد بفضله فكذا في الوصايا
فصل : وإذا خلف ابنين وأوصى لرجل بماله كله ولآخر بنصفه فالمال بين الوصيين على ثلاثة إن أجازا لأنك إذا بسطت المال من جنس الكسر كان نصفين فإذا ضممت النصف الآخر صارت ثلاثة فيقسم المال على ثلاثة ويصير النصف ثلثا كمسألة فيها زوج وأم وثلاث أخوات متفرقات فإذا ردوا فالثلث بينهما على ثلاثة وإن أجازوا لصاحب النصف وحده فلصاحب المال التسعان ولصاحب النصف النصف في أحد الوجهين لأنه موصى له به وإنما منعه أخذه في حال الإجازة لهما مزاحمة صاحبه فإذا زالت مزاحمته أخذ جميع وصيته والثاني : ليس له إلا الثلث الذي كان له في حال الإجازة لهما لأن ما زاد على ذلك إنما كان حقا لصاحب المال أخذه الورثة منه بالرد عليه فأخذه الوارثان وإن أجاز لصاحب الكل وحده فله ثمانية أتساع على الوجه الأول والتسع للآخر وعلى الوجه الثاني ليس له إلا الثلثان اللذان كانا له حال الإجازة لهما والتسعان للورثة فإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر فلا شيء للمجيز وللآخر الثلث والثلثان بين الوصيين على أربعة وإن أجاز أحدهما لصاحب المال وحده فللآخر التسع وللابن الآخر الثلث والباقي لصاحب المال في أحد الوجهين وفي الآخر له أربعة أتساع والتسع الباقي للمجيز وإن أجاز لصاحب النصف وحده دفع إليه نصف ما يتم به النصف وهو تسع ونصف سدس في أحد الوجهين وفي الآخر يدفع إليه التسع فيصير له تسعان ولصاحب المال تسعان وللمجيز تسعان والثلث للذي لم يجز وتصح من تسعة وعلى الوجه الأول تصح من ستة وثلاثين للذي لم يجز اثنا عشر وللمجيز خمسة ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب المال ثمانية وذلك لأن مسألة الرد من تسعة لصاحب النصف منها سهم فلو أجاز له الابنان كان له تمام النصف ثلاثة ونصف فإذا أجاز له أحدهما لزمه نصف ذلك وهو سهم وثلاثة أرباع سهم فيضرب مخرج الربع في تسعة يكن ستة وثلاثين

مسألة وفصول : إذا أوصى لولد فلان فهو للذكر والأنثى بالسوية وإن أوصى لبنات فلان دخل فيه البنات دون غيرهن
مسألة : قال : وإذا أوصى لولد فلان فهو للذكر والأنثى بالسوية وإن قال لبنيه فهو للذكور دون الإناث :
أما إذا أوصى لولده أو لولد فلان للذكور والإناث والخناثى لا خلاف في ذلك لأن الاسم يشمل الجميع قال الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } وقال تعالى : { ما اتخذ الله من ولد } نفى الذكر والأنثى جميعا وإن قال : لبني أو بني فلان فهو للذكور دون الإناث والخناثى هذا قول الجمهور وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن و إسحاق و أبو ثور هو للذكر والأنثى جميعا لأنه لو أوصى لبني فلان وهم قبيلة دخل فيه الذكر والأنثى وقال الثوري إن كانوا ذكورا وأناثا فهو بينهم وإن كن بنات لا ذكر معهن فلا شيء لهن لأنه متى اجتمع الذكور والأناث غلب لفظ التذكير ودخل فيه الإناث كلفظ المسلمين والمشركين
ولنا أن لفظ البنين يختص الذكور قال الله تعالى { أصطفى البنات على البنين } وقال تعالى : { أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين } وقال : { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين } وقال : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } وقد أخبر أنهم لا يشتهون البنات فقال : { ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون * وإذا بشر أحدهم بالأنثى } الآية وإنما دخلوا في الاسم إذا صاروا قبيلة لأن الاسم نقل فيهم عن الحقيقة إلى العرف ولهذا تقول المرأة أنا من بني فلان إذا انتسبت إلى القبيلة ولا تقول ذلك إذا انتسبت إلى أبيها
فصل : وإن أوصى لبنات فلان دخل فيه الإناث دون غيرهن لا نعلم فيه خلافا ولا دخل فيهن الخنثى المشكل لأنا لا نعلم كونه أنثى
فصل : وإن أوصى لولد فلان أو لبني فلان ولم يكونوا قبيلة فهو لولده لصلبه وأما أولاد أولاده فإن كانت قرينة تدل على دخولهم مثل أن يوصي لولد فلان وليس له إلا أولاد أولاده أو قال ولا يعطي ولد البنات شيئا أو قال إلا ولد فلان أو فضلوا ولد فلان على غيرهم ونحو ذلك دخلوا لأن اللفظ يحتملهم والقرينة صارفة له إليهم فصار كالتصريح بهم وإن دلت القرينة على إخراجهم فلا شيء لهم وإن انتفت القرائن لم يدخلوا في الوصية لأن اسم الولد حقيقة عبارة عن ولد الصلب فإن قيل فقد دخلوا في قول الله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } قلنا إنما دخلوا فيه إذا لم يكن ثم ابن من ولد الصلب ودخلوا مع الإناث على أنهم إنما يرثون ما فضل عن البنات على ما ذكر تفصيله في الفرائض ولا يمكن ذلك ها هنا فانتفى دخولهم ويحتمل أن يدخل ولد البنين في الوصية إذا لم تكن قرينة تخرجهم لأنهم دخلوا في اسم الولد في كل موضع ذكره الله تعالى من الإرث والحجب وغيره
فصل : وإن وصى لولد فلان أو بني فلان وهم قبيلة كبني هاشم وبني تميم دخل فيهم الذكر والأنثى والخنثى ويدخل ولد الرجل معه ولا يدخل فيه ولد بناتهم لأن ذلك اسم للقبيلة ذكرها وأنثاها قال الله تعالى : { يا بني آدم } { ولقد كرمنا بني آدم } يريد الجميع وقال : { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب } وروي أن جواري من الأنصار قلن شعر :
( نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار )
ويقال امرأة من بني هاشم لا يدخل ولد البنات فيهم لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة
فصل : وإن أوصى لأخواته فهو للإناث خاصة وإن أوصى لاخوته دخل فيه الذكر والأنثى جميعا لأن الله تعالى قال : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء } وقال : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } وأجمع العلماء على حجبها بالذكر والأنثى وإن قال لعمومته فالظاهر أنه مثل الأخوة يشمل الذكر والأنثى لأنهم أخوة أبيه وإن قال لبني إخوته أو لبني عمه فهو للذكور دون الإناث إذا لم يكونوا قبيلة والفرق بينهما أن الأخوة والعمومة ليس لهما لفظ موضوع يشمل الذكر والأنثى سوى هذا اللفظ وبنو الاخوة والعم لهم لفظ يشمل الجميع وهو لفظ الأولاد فإذا عدل عن اللفظ العام إلى لفظ البنين دل على إرادة الذكور ولأن لفظ العمومة أشبه بلفظ بني الأخوة والعم يشبه بني فلان وقد دللنا عليهما والحكم في تناول اللفظ للبعيد من العمومة وبني العم والأخوة حكم ما ذكرنا في ولد الولد مع القرينة وعدمها

فصول : ألفاظ الجموع والأيامى والأرامل والجماعة
فصل : وألفاظ الجموع على أربعة اضرب أحدها : ما يشمل الذكر والأنثى بوضعه كالأولاد والذرية والعالمين وشبهه والثاني : موضوع للذكور ويدخل فيه الإناث إذا اجتمعوا كلفظ المسلمين والمؤمنين والقانتين والصابرين والصادقين واللذين والمشركين والفاسقين ونحوه وكذلك ضمير المذكر كالواو في قاموا والتاء والميم في قمتم وهم مفردة وموصولة والكاف والميم في لكم وعليكم ونحوه فهذا متى اجتمع الذكور وعليه الإناث وغلب لفظ التذكير فيه ودخل فيه الذكر والأنثى الثالث : ضرب يختص الذكور كالبنين والذكور والرجال والغلمان فلا يدخل فيه إلا الذكور الرابع : لفظ يختص النساء كالنساء والبنات والمؤمنات والصادقات والضمائر الموضوعة لهن فلا يتناول غير الإناث
فصل : وإن وصى للأرامل فهو للنساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو غيره قال أحمد في رواية حرب وقد سئل عن رجل أوصى لأرامل بني فلان فقال قد اختلف الناس فيها فقال قوم هو للرجال والنساء والذي يعرف في كلام الناس أن الأرامل النساء وقال الشعبي و إسحاق هو للرجال والنساء وأنشد أحدهما
( هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر ؟ )
وقال الآخر
( أحب أن أصطاد ظبيا سحبلا ... رعى الربيع والشتاء أرملا )
ولنا أن المعروف في كلام الناس أنه النساء فلا يحمل لفظ الموصي إلا عليه ولأن الأرامل جمع أرملة فلا يكون جمعا للمذكر لأن ما يختلف لفظ الذكر والأنثى في واحدة يختلف في جمعه وقد أنكر ابن الأنباري على قائل القول الآخر وخطأه فيه والشعر الذي احتج به حجة عليه فإنه لو كان لفظ الأرامل يشمل الذكر والأنثى لقال حاجتهم إذ لا خلاف بين أهل اللسان في أن اللفظ متى كان للذكر والأنثى ثم رد عليه ضمير غلب فيه لفظ التذكير وضميره فلما رد الضمير على الإناث علم أنه موضوع لهن على الإنفراد وسمى نفسه أرملا تجوزا تشبيها بهن ولذلك وصف نفسه بأنه ذكر ويدل على إرادة المجاز أن اللفظ عند إطلاقه لا يفهم منه إلا النساء ولا يسمى به في العرف غيرهن وهذا دليل على أنه لم يوضع لغيرهن ثم لو ثبت أنه في الحقيقة للرجال والنساء لكن قد خص به أهل العرف النساء وهجرت به الحقيقة حتى صارت مغمورة لا تفهم من لفظ المتكلم ولا يتعلق بها حكم كسائر الألفاظ العرفية
فصل : فأما لفظ الأيامى فهو كالأرامل إلا أنه لكل امرأة لا زوج لها قال الله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } وفي بعض الحديث [ أعوذ بالله من بوار الأيم ] وقال أصحابنا : هو للرجال والنساء الذين لا أزواج لهم لما روي عن سعيد بن المسيب قال : آمت حفصة بنت عمر من زوجها وآم عثمان من رقية وقال الشاعر :
( فإن تنكحي انكح وإن تتأيمي ... وإن كنت أفتى منكم أتأيم )
ولنا أن العرف يخص النساء بهذا الإسم والحكم للإسم العرفي وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أعوذ بالله من بوار الأيم ] إنما أراد به المرأة فإنها التي توصف بهذا ويضر بوارها
فصل : والعزاب هم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء يقال رجل عزب وامرأة عزبة وإنما سمي عزبا لانفراده وكل شيء انفرد فهو عزب قال ذو الرمة يصف ثورا من الوحش انفرد :
( يجلو البوارق عن مجلمز لهق ... كأنه منقبي يلمق عزب )
ويحتمل أن يختص العزب بالرجال لأنه في العرف كذلك والثيب والبكر يشترك فيه الرجل والمرأة قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب الجلد والرجم ] والعانس من الرجال والنساء الذي كبر ولم يتزوج قال قيس بن رفاعة الواقفي :
( فينا الذي هو ما إن طر شاربه ... والعانسون وفينا المرد والشيب )
والكهول الذين جاوزوا الثلاثين قال الله تعالى : { ويكلم الناس في المهد وكهلا } قال المفسرون ابن ثلاثين مأخوذ من قولهم اكتهل النبات إذا تم وقوي ثم لا يزال كهلا حتى يبلغ خمسين ثم يشيخ ثم لا يزال شيخا حتى يموت

مسألة وفصول : قال : والوصية بالحمل وللحمل جائزة وفروع في الوصية بالحمل
فصل : وإذا أوصى لجماعة لا يمكن حصرهم واستيعابهم كالقبيلة العظيمة والفقراء والمساكين صح وأجزأ الدفع إلى واحد منهم وبه قال الشافعي في أحد الوجهين إلا أنه قال يدفع إلى ثلاثة منهم لأنه أقل الجمع وقال أبو حنيفة : لا تصح الوصية للقبيلة التي لا يمكن حصرها لأنها يدخل فيها الأغنياء والفقراء وإذا وقعت للأغنياء لم تكن قربة وإنما تكون حقا لآدمي وحقوق الآدميين إذا دخلت فيها الجهالة لم تصح كما لو أقر لمجهول
ولنا أن كل وصية صحت لجماعة محصورين صحت لهم وإن لم يكونوا محصورين كالفقراء وما ذكروه غير صحيح فإن الوصية للأغنياء قربة وقد ندب النبي صلى الله عليه و سلم إلى الهدية وإن كانت لغني وأما جواز الدفع إلى واحد فمبني على الدفع في الزكاة وقد مضى الكلام فيه هناك
مسألة : قال : والوصية بالحمل وللحمل جائز إذا أتت به لأقل من ستة أشهر منذ تكلم بالوصية :
أما الوصية بالحمل فتصح إذا كان مملوكا بأن يكون رقيقا أو حمل بهيمة مملوكة له لأن الغرر والخطر لا يمنع صحة الوصية فجرى مجرى إعتاق الحمل فإن انفصل ميتا بطلت الوصية وإن انفصل حيا وعلمنا وجوده حال الوصية أو حكمنا بوجوده صحت الوصية وإن لم يكن كذلك لم تصح لجواز مع الغرر وأما الوصية للحمل فصحيحة أيضا لا نعلم فيه خلافا وبذلك قال الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وذلك لأن الوصية جرت مجرى الميراث من حيث كونها انتقال المال من الإنسان بعد موته إلى الموصى له بغير عوض كانتقاله إلى وارثه وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله سبحانه : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } : وقال سبحانه : { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله } والحمل يرث فتصح الوصية له ولأن الوصية أوسع من الميراث فإنها تصح للمخالف في الدين والعبد بخلاف الميراث فإذا ورث الحمل فالوصية له أولى ولأن الوصية تتعلق بخطر وغرر فتصح للحمل كالعتق فإن انفصل الحمل ميتا بطلت الوصية لأنه لا يرث ولأنه يحتمل أن لا يكون حيا حين الوصية فلا تثبت له الوصية والميراث بالشك وسواء مات لعارض من ضرب البطن أو ضرب دواء أو غيره لما بينا من أنه لا يرث وإن وضعته حيا صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حال الوصية نقل الخرقي إذا أتت به لأقل من ستة أشهر وليس ذلك شرطا في كل حال لكن إن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد يطؤها فأتت به لستة أشهر فما دون علمنا وجوده حين الوصية وإن أتت به لأكثر منها لم تصح الوصية له لاحتمال حدوثه بعد الوصية وإن كانت بائنا فأتت به لأكثر من أربع سنين من حين الفرقة وأكثر من ستة أشهر من حين الوصية لم تصح الوصية له وإن أتت به لأقل من ذلك صحت الوصية له لأن الولد يعلم وجوده إذا كان لستة أشهر ويحكم بوجوده إذا أتت به لأقل من أربع سنين من حين الفرقة وهذا مذهب الشافعي وإن وصى لحمل امرأة من زوجها أو سيدها صحت الوصية له مع اشتراط الحاقة به وإن كان منتفيا باللغان أو دعوى الإستبراء لم تصح الوصية له لعدم نسبه المشروط في الوصية فأما إن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد إلا أنه لا يطؤها لكونه غائبا في بلد بعيد أو مريضا مرضا يمنع الوطء أو كان أسيرا أو محبوسا أو علم الورثة أنه لم يطأها وأقروا بذلك فإن أصحابنا لم يفرقوا بين هذه الصور وبين ما إذا كان يطؤها لأنهما لم يفترقا في لحوق النسب بالزوج والسيد فكانت في حكم من يطؤها ويحتمل أنه متى أتت به في هذه الحال لوقت يغلب على الظن أنه كان موجودا حال الوصية مثل أن تضعه لأقل من غالب مدة الحمل أو تكون أمارات الحمل ظاهرة أو أتت به على وجه يغلب على الظن أنه كان موجودا بامارات الحمل بحيث ثحكم لها بكونها حاملا صحت الوصية له لأنه يثبت له أحكام الحمل من غير هذا الحكم وقد انتفت أسباب حدوثه ظاهرا فينبغي أن تثبت له الوصية والحكم بالحاقه بالزوج والسيد في هذا الصور إنما كان احتياطا للنسب فإنه يلحق بمجرد الاحتمال وإن كان بعيدا ولا يلزم من إثبات النسب بمطلق الاحتمال نفي استحقاق الوصية فإنه لا يحتاط لإبطال الوصية كما يحتاط لإثبات النسب فلا يلزم إلحاق ما لا يحتاط له بما يحتاط مع ظهور ما يثبته ويصححه
فصل : وإن وصى بأصل الموجود اعتبر وجوده في حمل الأمة بما يعتبر وجود الحمل الموصى له وإن كان حمل بهيمة اعتبر وجوده بما يثبت به وجوده في سائر الأحكام
فصل : وإذا أوصى لما تحمل هذه المرأة لم يصح وقال بعض أصحاب الشافعي : يصح كما تصح الوصية بما تحمل هذه الجارية
ولنا أن الوصية تمليك فلا تصح للمعدوم بخلاف الموصى به فإنه يملك فلم يعتبر وجوده ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث ولو مات إنسان لم يرثه من الحمل إلا من كان موجودا كذلك الوصية ولو تجدد الميت مال بعد موته بأن يسقط في شبكته صيد لورثته ورثته ولذلك قضينا بثبوت الإرث في ديته وهي تتجدد بعد موته فجاز أن تملك بالوصية فإن قيل فلو وقف على من يحدث من ولده أو ولده فلان صح فالوصية أولى لأنها تصح بالمعدوم والمجهول بخلاف الوقف قلنا : الوصية أجريت مجرى الميراث ولا يحصل الميراث إلا لموجود فكذا الوصية والوقف يراد للدوام فمن ضرورته إثباته للمعدوم
فصل : وإذا أوصى لحمل امرأة فولدت ذكرا فالوصية لهما بالسوية لأن ذلك عطية وهبة فأشبه ما لو وهبهما شيئا بعد ولادتهما وإن فاضل بينهما فهو على ما قال كالوقف وإن قال : إن كان في بطنها غلام فله ديناران وإن كان فيه جارية فلها دينار فولدت غلاما ودارية فلكل واحد منهما ما وصى له به لأن الشرط وجد فيه وإن ولدت أحدهما منفردا فله وصيته ولو قال : إن كان حملها أو إن كان ما في بطنها غلاما فله ديناران وإن كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما منفردا فله وصيته وإن ولدت غلاما وجارية فلا شيء لهما لأن أحدهما ليس هو جميع ولا كل ما في البطن وبهذا قال أصحاب الرأي وأصحاب الشافعي و أبو ثور

فصول : الوصية بثمرة الشجرة ونخلة الدار وإجارة العبد وحلم نفقة العبد الموصى بخدمته
فصل : وإن أوصى بثمرة شجرة أو بستان أو غلة دار أو خدمة عبد صح سواء وصى بذلك في مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله هذا قول الجمهور منهم مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وقال أبي أبي ليلى : لا تصح الوصية بالمنفعة لأنها معدومة
ولنا أنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فتصح الوصية بها كالأعيان ويعتبر خروج ذلك من ثلث المال نص عليه أحمد في سكنى الدار وهو قول كل من قال بصحة الوصية بها فان لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث وبهذا قال الشافعي وقال مالك : إذا أوصى بخدمة عبده سنة فلم يخرج من الثلث فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته سنة وبين تسليم ثلث المال وقال أصحاب الرأي و أبو ثور : إذا أوصى بخدمة عبده سنة فإن العبد يخدم الموصى له يوما والورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة فإن أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا
ولنا أنها وصية صحيحة فوجب تنفيذها على صفتها إن خرجت من الثلث أو بقدر ما يخرج من الثلث منها كسائر الوصايا أو كالأعيان إذا ثبت هذا فمتى أريد تقويمها فإن كانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظركم قيمتها وإن كانت الوصية مطلقة في الزمان كله فقد قيل تقوم الرقبة بمنفعتها جميعا ويعتبر خروجهما من الثلث لأن عبدا لا منفعة له وشجرا لا ثمر له لا قيمة له غالبا وقيل تقوم الرقبة على الورثة والمنفعة على الموصى له وصفة ذلك أن يقوم العبد بمنفعته فإذا قيل قيمته مائة قيل كم قيمته لا منفعة فيه ؟ فإذا قيل عشرة علمنا أن قيمة المنفعة تسعون
فصل : وإن أراد الموصى له إجارة العبد أو الدار في المدة التي أوصى له بنفعها جاز وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز إجازة المنفعة المستحقة بالوصية لأنه إنما أوصى له بإستيفائه
ولنا أنها منمفعة يملكها ملكا تاما فملك أخذ العوض عنها بالأعيان كما لو ملكها بالإجارة وإن أراد الموصى له إخراج العبد عن البلد فله ذلك وبه قال أبو ثور وقال أصحاب الرأي لا يخرجه إلا أن يكون أهله في غير البلد فيخرجه إلى أهله ولنا أنه مالك لنفعه فملك إخراجه كالمستأجر
فصل : وإذا أوصى له بثمرة شجرة مدة أو بما يثمر أبدا لم يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على سقيها لأنه لا يجبر على سقي ملكه ولا سقي ملك غيره وإن أراد أحدهما سقيها على وجه لا يضر بصاحبه لم يملك الآخر منعه وإذا يبست الشجرة كان حطبها للوارث وإن وصى له بثمرتها سنة بعينها فلم تحمل تلك السنة فلا شيء للموصى له وإن قال لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها أول عام تثمر وكذلك إذا أوصى له بما تحمل جاريته أو شاته وإن وصى لرجل بشجرة ولآخر بثمرتها صح وكان صاحب الرقبة قائما مقام الوارث وله ماله وإن وصى له بلبن شاة وصوفها صح كما تصح الوصية بثمرة الشجرة وإن وصي بلبنها خاصة أو صوفها خاصة صح ويقوم الموصى به دون العين
فصل : فأما نفقة العبد الموصى بخدمته وسائر الحيوانات الموصى بنفعها فيحتمل أن تجب على صاحب الرقبة هذا الذي ذكره الشريف أبو جعفر مذهبا ل أحمد وهو قول أبي ثور وظاهر مذهب الشافعي لأن النفقة على الرقبة فكانت على صاحبها كالعبد المستأجر وكما لو لم يكن له منفعة قال الشريف : ولأن الفطرة تلزمه والفطرة تتبع النفقة ووجوب التابع على إنسان دليل على وجوب المتبوع عليه ويحتمل أن يجب على صاحب المنفعة وهو قول أصحاب الرأي والاصطخري وهو أصح إن شاء الله لأنه يملك نفعه على التأبيد فكانت النفقة عليه كالزوج ولأن نفعه له فكان عليه ضره كالمالك لهما جميعا يحققه أن إيجاب النفقة على من لا نفع له ضرر مجرد فيصير معنى الوصية أوصيت لك بنفع عبدي وأبقيت على ورثتي ضره وإن وصى بنفعه لإنسان ولآخر برقبته كان معناه أوصيت لهذا بنفعه ولهذا بضره والشرع ينفي هذا بقوله : [ لا ضرر ولا ضرار ] ولذلك جعل الخراج بالضمان ليكون ضره على من له نفعه وفارق المستأجر فان نفعه في الحقيقة للمؤجر لأنه يأخذ الأجر عوضا عن منافعه وقيل تجب نفقته في كسبه وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة لأن كسبه من منافعه فإذا صرف في نفقته فقد صرف المنفعة الموصى بها إلى النفقة فصار كما لو صرف إليه شيء من ماله سواه
فصل : وإذا أعتق الورثة العبد عتق ومنفعته باقية للموصى له بها ولا يرجع على المعتق بشيء وإن أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق لأنالعتق للرقبة وهو لا يملكها وإن وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد وأسقطها عنه فللورثة الانتفاع به لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده وإن أراد صاحب الرقبة بيع العبد فله ذلك ويباع مسلوب المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه وقيل : لا يجوز بيعه من مالك منفعته دون غيره لأن ما لا منفعة فيه لا يصح بيعه كالحشرات والميتات وقيل : يجوز بيعه من مالك منفعته دون غيره لأن مالك منفعته يجتمع له الرقبة والمنفعة فينتفع بذلك بخلاف غيره ولذلك جاز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لصاحب الشجرة دون غيره وكذلك بيع الزرع لصاحب الأرض
ولنا أنه عبد مملوك تصح الوصية به فصح بيعه كغيره ولأنه يمكنه اعتاقه وتحصيل ولائه وجر ولاء من ينجر ولاؤه بعتقه بخلاف الحشرات : وإن وصى لرجل برقبة عيد ولآخر بنفعه صح وقام الموصى له بالرقبة مقام الوارث فيما ذكرنا وبهذا قال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي
فصل : وإذا أوصى لرجل بمنفعة أمته فأتت بولد من زوج أو زنا فهو مملوك حكمه حكم أمه لأن الولد يتبع الأم في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة ويحتمل أن يكون لمالك الرقبة لأن ذلك ليس من النفع الموصى به ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها وإن وطئت بشبهة فأوجب المهر على الواطئ لصاحب المنفعة عند أصحابنا وعندي أنه لصاحب الرقبة لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها منفردة ولا مع غيرها ولا يجوز نقلها مفردة عن الرقبة بغير التزويج وإنما هي تابعة للرقبة فتكون لصاحبها ولا يستحق صاحب المنفعة أخذ بدلها وإن أتت بولد فهو حر وتجب قيمته يوم وضعه لصاحب الرقبة في أحد الوجهين وفي الآخر يشترى بها عبد يقوم مقامه وليس للوارث ولا لصاحب المنفعة وطؤها لأن صاحب المنفعة لا يملك رقبتها ولا هو زوج لها ولا يباح الوطء بغيرهما لقول الله عز و جل { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } وصاحب الرقبة لا يملكها ملكا تاما ولا يأمن أن تحبل منه فربما افضى إلى إهلاكها وأيهما وطئها فلا حد عليه لأنه وطء بشبهة لوجود الملك لكل واحد منهما فيها وولده حر لأنه من وطء شبهة فإن كان الواطئ مالك المنفعة لم تصر أم ولد له لأنه لا يملكها وعليه قيمة ولدها يوم وضعه وحكمها على ما ذكرنا فيما إذا وطئها غيرهما بشبهة وإن كان الواطئ مالك الرقبة صارت أم ولد له لأنها علقت منه بحر في ملكه وفي وجوب قيمته عليه الوجهان وأما المهر فعندي أنه إن كان الواطئ مالكا للرقبة فلا مهر عليه وله المهر على صاحب المنفعة إذا كان هو الواطئ وعند أصحابنا وأصحاب الشافعي بعكس ذلك فيهما وقد تقدم تعليل ذلك ويحتمل أن يجب الحد على صاحب المنفعة إذا وطئ لأنه لا يملك إلا المنفعة فلزمه الحد كالمستأجر فعلى هذا يكون ولده مملوكا
فصل : وليس لواحد منهما تزويجها لأن مالك المنفعة لا يملك رقبتها ومالك الرقبة لا يملك تزويجها لما فيه من ضرر صاحب المنفعة بتزويجها فإن طلبت ذلك لزم تزويجها لأنه لحقها وحقها في ذلك مقدم عليها بدليل أنها لو طلبته من سيدها الذي يملك رقبتها ونفعها أجبر عليه وقدم حقها على حقه وكذلك إن اتفقا على تزويجها قبل طلبها جاز ووليها في الموضعين مالك رقبتها لأنه مالكها والكلام في مهرها وولدها على ما تقدم في الفصل الذي قبله
فصل : وإن قتل العبد الموصى بنفعه وجبت قيمته يشترى بها ما يقوم مقام الموصى به لأن كل حق تعلق بالعين تعلق ببدلها إذا لم يبطل سبب استحقاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لأن سبب الاستحقاق يبطل بتلفها ويحتمل أن تجب القيمة للوارث أو مالك الرقبة وتبطل الوصية لأن القيمة بدل الرقبة فتكون لصاحبها وتبطل الوصية بالمنفعة كما تبطل بالإجارة
فصل : وإذا أوصى لرجل بحب زرعه ولآخر بنبته صح والنفقة بينهما لأن كل واحد منهما تعلق حقه بالزرع فإن امتنع أحدهما من الإنفاق فهما بمنزلة الشريكين في أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من سقيه والإنفاق عليه فيخرج في ذلك وجهان أحدهما : يجبر على الإنفاق عليه هذا قول أبي بكر لأن في ترك الإنفاق ضررا عليهما وإضاعة المال وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم [ لا ضرر ولا ضرار ] ونهى عن إضاعة المال والوجه الآخر : لا يجبر لأنه لا يجبر على الإنفاق على مال نفسه ولا مال غيره إذا كان كل واحد منهما منفردا فكذلك إذا اجتمعا واصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلى مباناته فامتنع وينبغي أن تكون النفقة بينهما على قدر قيمة حق كل واحد منهما كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع
فصل : وإن أوصى له بخاتم ولآخر بفصه صح وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا بإذن صاحبه وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وإن اتفقا على بيعه أو اصطلحا على لبسه جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما
فصل : وإن أوصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران صح فإن أراد الورثة بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار فله منعهم منه لأنه يجوز أن ينقص أجره عن الدينار وإن كانت الدار لا تخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه وعليهم وترك الثلث فإن كانت غلته دينارا أو أقل فهو للموصى له وإن كانت أكثر فله دينار والباقي للورثة
وتصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالعبد الآبق والجمل الشارد والطير في الهواء والسمك في الماء لأن الوصية إذا صحت بالمعدوم فبذلك أولى ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصى به فإن قدر عليه أخذه وسلمه إذا خرج من الثلث وللوصي السعي في تحصيله فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث

مسألة وفصول : الوصية لرجل بمعين من ماله ثم الوصية له ولآخر والرجوع عنه وبيان ذلك
مسألة : قال : وإذا أوصى بجارية لبشر ثم أوصى بها لبكر فهي بينهما :
وجملة ذلك أنه إذا أوصى لرجل بمعين من ماله ثم وصى به لآخر أو وصى له بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما ولا يكون ذلك رجوعا في الوصية الأولى وبهذا قال ربيعة و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وأصحاب الرأي وقال جابر بن زيد و الحسن و عطاء و طاوس و داود : وصيته للآخر منهما لأنه وصى للثاني بما وصى به للأول فكان رجوعا كما لو قال ما وصيت به لبشر فهو لبكر ولأن الثانية تنافي الأول فإذا أتى بها كان رجوعا كما لو قال : هذا لورثتي
ولنا أنه وصى لهما بها فاستويا فيها كما لو قال لهما : وصيت لكما بالجارية وما قاسوا عليه صرح فيه بالرجوع عن وصيته لبشر وفي مسألتنا يحتمل أنه قصد التشريك فلم تبطل وصية الآخر بالشك
فصل : وإن قال : ما أوصيت به لفلان فنصفه لفلان أو ثلثه كان رجوعا في القدر الذي وصى به للثاني خاصة وباقيه للأول
فصل : وأجمع أهل العلم على أن للوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق والأكثرون على جواز الرجوع في الوصية به أيضا روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال يغير الرجل ما شاء من وصيته وبه قال عطاء و جابر بن زيد و الزهري و قتادة و مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور وقال الشعبي و ابن سيرين و ابن شبرمة و النخعي : يغير منها ما شاء إلا العتق لأنه اعتاق بعد الموت فلم يملك تغييره كالتدبير
ولنا أنها وصية فملك الرجوع عنها كغير العتق ولأنها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه وفارق التدبير فإنه تعليق على شرط فلم يملك تغييره كتعليقه على صفة في الحياة
فصل : ويحصل الرجوع بقوله رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غيرتها أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان أو فهو لورثتي أو في ميراثي وإن أكله أو أطعمه أو أتلفه أو وهبه أو تصدق به أو باعه أو كان ثوبا غير مفصل ففصله ولبسه أو جارية فأحبلها أو ما أشبه هذا فهو رجوع قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أنه إذا أوصى لرجل بطعام فأكله أو بشيء فأتلفه أو تصدق به أو وهبه أو بجارية فأحبلها أو أولدها أن يكون رجوعا وحكي عن أصحاب الرأي أن بيعه ليس برجوع لأنه أخذ بدله بخلاف الهبة
ولنا أنه أزال ملكه عنه فكان رجوعا كما لو وهبه وأن عرضه على البيع أو وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له أو كاتبه أو وصى بإعتاقه أو دبره كان رجوعا لأنه يدل على اختياره للرجوع بعرضه على البيع وإيجابه للهبة ووصيته ببيعه أو اعتاقه لكونه وصى بما ينافي الوصية الأولى والكتابة بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه ينجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له وإن رهنه كان رجوعا لأنه علق به حقا يجوز بيعه فكان أعظم من عرضه على البيع وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع وهو وجه لأصحاب الشافعي لأنه لا يزيل الملك فأشبه إجارته وكذلك الحكم في الكتابة

فصول : الوصية بشيء معين ثم خلطه بغيره
فصل : وإن وصى بحب ثم طحنه أو بدقيق فعجنه أو بعجين فخبزه أو بخبزه ففته أو جعله فتيتا كان رجوعا لأنه أزال اسمه وعرضه للاستعمال فدل على رجوعه وبهذا قال الشافعي وإن وصى بكتان أو قطن فغزله أو بغزل فنسجه أو بثوب فقطعه أو بنقرة فضربها أو شاة فذبحها كان رجوعا وبهذا قال أصحاب الرأي و الشافعي في ظاهر مذهبه واختار أبو الخطاب أنه ليس برجوع وهو قول أبي ثور لأنه لا يزيل الاسم ولنا أنه عرضه للاستعمال فكان رجوعا كالتي قبلها ولا يصح قوله أنه لا يزل الاسم فإن الثوب لا يسمى غزلا والغزل لا يسمى كتانا
فصل : وإن وصى بشيء معين ثم خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعا لأنه يتعذر بذلك تسليمه فيدل على رجوعه فإن خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعا لأنه يمكن تسليمه وإن وصى بقفيز قمح من صبرة ثم خلطها بغيرها لم يكن رجوعا سواء خلطها بمثلها أو بخير منها أو دونها لأنه كان مشاعا وبقي مشاعا وقيل أن خلطه بخير منه كان رجوعا لأنه لا يمكنه تسليم الموصى به إلا بتسليم خير منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم بخلاف ما إذا خلطه بمثله أو دونه
فصل : وإذا حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من غير فعل الموصي مثل أن سقط الحب في الأرض فصار زرعا أو انهدمت الدار فصارت فضاء في حياة الموصي بطلت الوصية بها لأن الباقي لا يتناوله الاسم وإن كان انهدام الدار لا يزيل اسمها سلمت إليه دون ما انفصل منها لأن الاسم حين الاستحقاق يقع على المتصل دون المنفصل ويتبع الدار في الوصية ما يتبعها في البيع
فصل : وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا في أحد الوجهين وهو قول أبي حنيفة في إحدى الروايتين ولأنه عقد فلا يبطل بالجحود كسائر القعود والثاني : يكون رجوعا لأنه يدل على أنه لا يريد إيصاله وطئها لم يكن رجوعا لأن ذلك لا يزيل الملك ولا الاسم ولا يدل على الرجوع ويحتمل أن وطء الأمة رجوع لأنه يعرضها للخروج عن جواز النقل والأول أولى لأنه انتفاع لا يزيل الملك في الحال ولا يفضي إليه يقينا فأشبه لبس الثوب فإنه ربما أتلفه وليس برجوع
فصل : نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال : هذا ثلثي لفلان ويعطى فلان منه مائة في كل شهر إلى أن يموت فهو للآخر منهما ويعطى هذا مائة في كل شهر فإن مات وفضل شيء رد إلى صاحب الثلث فحكم الوصية وانفاذها على ما أمر به الموصي

مسألة وفصول : الحكم بثبوت الوصية بكتابتها
مسألة : قال : ومن كتب وصية ولم يشهد فيها حكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها :
نص أحمد على هذا في رواية إسحاق بن إبراهيم فقال من مات فوجدت وصيته مكتوبة عند رأسه ولم يشهد فيها وعرف خطه وكان مشهور الخط يقبل ما فيها وروي عن أحمد أنه لا يقبل الخط في الوصية ولا يشهد على الوصية المختومة حتى يسمعها الشهود منه أو تقرأ عليه فيقر بما فيها وبهذا قال الحسن و أبو قلابة و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي لأن الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة بالإجماع فكذا ههنا وأبلغ من هذا أن الحاكم لو رأى حكمه بخطه تحته ختمه ولم يذكر أنه حكم به أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة لم يجز للحاكم انفاذ الحكم بما وجده ولا للشاهد الشهادة بما رأى خطه به فههنا أولى وقد نص أحمد على هذا في الشهادة ووجه قول الخرقي قول النبي صلى الله عليه و سلم [ ما من امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ] ولم يذكر شهادته وما ذكرناه في الفصل الأول الذي يلي هذا ولأن الوصية يتسامح فيها ولهذا صح تعليقها على الخطر والغرر وصحت للحمل به وبما لا يقدر على تسليمه وبالمعدوم والمجهول فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية الحديث
فصل : وإن كتب وصيته وقال اشهدوا علي بما في هذه الورقة أو قال هذه وصيتي فاشهدوا علي بها فقد حكي عن أحمد أن الرجل إذا كتب وصيته وختم عليها وقال للشهود اشهدوا علي بما في هذا الكتاب لا يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه أو يقرأ عليه فيقر بما فيه وهو قول من سمينا في المسألة الأولى ويحتمل كلام الخرقي جوازه لأنه إذا قبل خطه المجرد فهذا أولى وممن قال ذلك عبد الملك بن يعلى و مكحول و نمير بن إبراهيم و مالك و الأوزاعي و محمد بن مسلمة و أبو عبيد و إسحاق
واحتج أبو عبيد بكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عماله وأمرائه في أمر ولايته وأحكامه وسننه ثم ما عملت به الخلفاء الراشدون المهديون بعده من كتبهم إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج والأموال يبعثون بها مختومة لا يعلم حاملها ما فيها وامضوها على وجوهها وذكر استخلاف سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز بكتاب كتبه وختم عليه ولا نعلم أحدا أنكر ذلك مع شهرته وانتشاره في علماء العصر فكان اجماعا ووجه الأول أنه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه فلم يجز أن يشهد عليه ككتاب القاضي إلى القاضي فأما ما ثبت من الوصية بشهادة أو إقرار الورثة به فإنه يثبت حكمه ويعمل به ما لم يعلم رجوعه عنه وإن طالت مدته وتغيرت أحوال الموصى به مثل أن يوصي في مرض فيبرأ منه ثم يموت بعد أو يقتل لأن الأصل بقاؤه فلا يزول حكمه بمجرد الإحتمال والشك كسائر الأحكام
فصل : ويستحب أن يكتب الموصي وصيته ويشهد عليها لأنه أحفظ لها وأحوط لما فيها وقد صح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ] وروي عن أنس أنه قال : كانوا يكتبون في صدور وصاياهم { بسم الله الرحمن الرحيم } هذا ما أوصى به فلان أن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله { وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور } وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأوصاهم به إبراهيم بنيه ويعقوب { يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } أخرجه سعيد عن فضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس
وروي عن ابن مسعود أنه كتب { بسم الله الرحمن الرحيم } هذا ذكر ما أوصى به عبد الله بن مسعود أن حدث بي حادث الموت من مرضي هذا أن مرجع وصيتي إلى الله وإلى رسوله ثم إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله وأنهما في حل وبل فيما وليا وقضيا وأنه لا تزوج امرأة من بنات عبد الله إلا بإذنهما وروى ابن عبد البر قال : كان في وصية أبي الدرداء { بسم الله الرحمن الرحيم } هذا ما أوصى به أبو الدرداء أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الله يبعث من في القبور وأنه يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت على ذلك يحيا ويموت إن شاء الله وأوصى فيما رزقه الله تعالى بكذا وكذا وإن هذه وصيته إن لم يغيرها

مسألة : قال : وما أعطى في مرضه الذي مات فيه فهو من الثلث
مسألة : قال : وما أعطى في مرضه الذي مات فيه فهو من الثلث :
وجملة ذلك أن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة والهبة المقبوضة والصدقة والوقف والابراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال لا نعلم في هذا خلافا وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهي من ثلث المال في قول جمهور في قول جمهور العلماء وحكي عن أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال وليس بصحيح لما روي أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم ] رواه ابن ماجة وهذا يدل بمفهومه على أنه ليس له أكثر من الثلث وروى عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له في مرضه لا مال له غيرهم فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فاعتق اثنين وأرق أربعة متفق عليه وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى ولأن هذه الحال الظاهر منها الموت فكانت عطية فيها في حق ورثته لا تتجاوز الثلث كالوصية

فصل : الأشياء التي تماثل الوصية فيها العطايا
فصل : وحكم العطايا في مرض الموت المخوف حكم الوصية في خمسة أشياء أحدها : أن يقف نفوذها على خروجها من الثلث أو إجازة الورثة الثاني : أنها لا تصح لوارث إلا بإجازة بقية الورثة الثالث : أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة ولأن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن أفضل الصدقة قال : [ إن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ] متفق عليه ولفظه قال : قال رجل يا رسول الله أي الصدقة أفضل ؟ الرابع : أنه يزاحم بها الوصايا في الثلث الخامس : أن خروجها من الثلث معتبر حال الموت لا قبله ولا بعده ويفارق الوصية في ستة أشياء أحدها : أنها لازمة في حق المعطي ليس له الرجوع فيها وإن كثرت ولأن المنع على الزيادة من الثلث إنما كان لحق الورثة لا لحقه فلم يملك إجازتها ولا ردها وإنما كان له الرجوع في الوصية لأن التبرع بها مشروط بالموت فلم يملك إجازتها ولا ردها وإنما كان له الرجوع في الوصية لأن التبرع مشروط بالموت ففيما قبل الموت لم يوجد التبرع ولا العطية بخلاف العطية في المرض فإنه قد وجدت العطية منه والقبول من المعطى والقبض فإنه كالوصية إذا قبلت بعد الموت وقبضت الثاني : أن قبولها على الفور في حال حياة المعطي وكذلك ردها والوصايا لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعد الموت لما ذكرنا من أن العطية تصرف في الحال فتعتبر شروطه وقت وجوده والوصية تبرع بعد الموت فتعتبر شروطه بعد الموت الثالث : أن العطية تفتقر إلى شروطها المشروطة لها في الصحة من العلم وكونها لا يصح تعليقها على شرط وغرر في غير العتق والوصية بخلافه الرابع : أنها تقدم على الوصية وهذا قول الشافعي وجمهور العلماء وبه قال أبو حنيفة و أبو يوسف وزفر إلا في العتق فإنه حكي عنهم تقديمه لأن العتق يتعلق به حق الله تعالى ويسري وقفه وينفذ في ملك الغير فيجب تقديمه
ولنا أن العطية لازمة في حق المريض فقدمت على الوصية كعطية الصحة وكما لو تساوى الحقان الخامس : أن العطايا إذا عجز العتق عن جميعها بدئ بالأول فالأول سواء كان الأول عتيقا أو غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد وإن كانت من أجناس وكانت المحاباة متقدمة قدمت وإن تأخرت سوي بينها وبين العتق وإنما كان كذلك لأن المحاباة حق آدمي على وجه المعاوضة فقدمت إذا تقدمت كقضاء الدين وإذا تساوى جنسها سوي بينها لأنها عطايا من جنس واحد تعتبر من الثلث فسوي بينها كالوصية وقال أبو يوسف و محمد : يقدم العتق تقدم أو تأخر
ولنا أنهما عطيتان منجزتان فكانت أولاهما أولى كما لو كانت الأولى محاباة عند أبي حنيفة أو عتقا عند صاحبيه ولأن العطية المنجزة لازمة في حق المعطي فإذا كانت خارجة من الثلث لزمت في حق الورثة فلو شاركتها الثانية لمنع ذلك لزومها في حق المعطي لأنه يملك الرجوع عن بعضها بعطية أخرى بخلاف الوصايا فإنها غير لازمة في حقه وإنما تلزم بالموت في حال واحدة فاستويا لاستوائهما في حال لزومهما بخلاف المنجزتين وما قاله في المحاباة غير صحيح فإنها بمنزلة الهبة ولو كانت بمنزلة المعاوضة أو الدين لما كانت من الثلث فأما إن وقعت دفعة واحدة كأن وكل جماعة في هذه التبرعات فأوقعوها دفعة واحدة فإن كانت كلها عتقا أقرعنا بينهما فكملنا العتق كله في بعضهم وإن كانت كلها من غير العتق قسمنا بينهم على قدر عطاياهم لأنهم تساووا في الاستحقاق فقسم بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس وإنما خولف هذا الأصل في العتق لحديث عمران بن حصين ولأن القصد بالعتق يكمل الأحكام ولا تكمل الأحكام إلا بتكميل العتق بخلاف غيره ولأن في قسمة العتق عليهم إضرارا بالورثة والميت والعبيد على ما يذكر في موضعه وإن وقعت دفعة واحدة وفيها عتق وغير ففيه روايتان أحدهما : يقدم العتق لتأكيده والثانية : يسوى بين الكل لأنها حقوق تساوت في استحقاقها فتساوت في تنفيذها كما لو كانت من جنس واحد وذلك لأن استحقاقها حصل في حالة واحدة
السادس : أن الواهب إذا مات قبل تقبيضه الهبة المنجزة كانت الخيرة للورثة إن شاءوا قبضوا وإن شاءوا منعوا والوصية تلزم بالقبول بعد الموت بغير رضاهم

فصول : العتق والمحاباة
فصل : إذا قال المريض : إذا أعتقت سعدا فسعيد حر ثم أعتق سعدا عتق سعيد أيضا إن خرجا من الثلث وإن لم يخرج من الثلث إلا أحدهما عتق سعد وحده ولم يقرع بينهما لوجهين أحدهما : أن سعدا سبق بالعتق والثاني : أن عتقه شرط لعتق سعيد فلو رق بعضه لفات إعتاق سعيد أيضا لفوات شرطه وإن بقي من الثلث ما يعتق به بعض سعيد عتق تمام الثلث منه وإن قال : إن أعتقت سعدا فسعيد وعمرو حران ثم أعتق سعدا ولم يخرج من الثلث إلا أحدهم عتق سعد وحده لما ذكرنا وإن خرج من الثلث اثنان أو واحد وبعض آخر عتق سعد وأقرع بين سعيد وعمرو فيما بقي من الثلث لأن عتقهما في حال واحدة وليس عتق أحدهما شرطا في عتق الآخر ولو خرج من الثلث اثنان وبعض الثالث أقرعنا بينهما لتكميل الحرية في أحدهما وحصول التشقيص في الآخر وإن قال : إن أعتقت سعدا فسعيد حر أو فسعيد وعمرو حران في حال اعتاقي سعدا فالحكم سواء لا يختلف لأن عتق سعد شرط لعتقهما فلو رق بعضه لفات شرط عتقهما فوجب تقديمه وإن كان الشرط في الصحة والإعتاق في المرض فالحكم على ما ذكرنا
فصل : وإن قال : إن تزوجت فعبدي حر فتزوج في مرضه بأكثر من مهر المثل فالزيادة محاباة معتبرة من الثلث وإن لم تخرج من الثلث إلا المحاباة أو العبد فالمحاباة أولى لأنها وجبت قبل العتق لكون التزويج شرطا في عتقه فقد سبقت عتقه ويحتمل أن يتساويا لأن التزويج سبب لثبوت المحاباة وشرط للعتق فلا يسبق وجود أحدهما صاحبه فيكونان سواء ثم هل يقدم العتق على المحاباة ؟ على روايتين وهذا فيما إذا ثبتت المحاباة بأن لا ترث المرأة الزوج أما لوجود مانع من الإرث أو لمفارقته إياها في حياته إما بموتها أو طلاقها أو نحوه فإما أن ورثته تبينا أنها غير ثابتة لها إلا بإجازة الورثة فينبغي أن يقدم العتق عليها لأنه لازم غير موقوف على الإجازة فيكون متقدما وإن قال : أنت حر في حال تزويجي فتزوج وأصدق أكثر من مهر المثل فعلى القول الأول يتساويان لأن التزويج جعل جعالة لإيقاع العتق كما في عتق سعد وسعيد وبطلان المحاباة لا يبطل التزويج ولا يؤثر فيه وعلى الاحتمال الذي ذكرته يكون العتق سابقا لأن المحاباة إنما ثبتت بتمام التزويج والعتق قبل تمامه فيكون سابقا على المحاباة فيتقدم لهذا المعنى سيما إذا تأكد بقوته وكونه لغير وارث
فصل : إذا أعتق المريض شقصا من عبد ثم أعتق شقصا من آخر ولم يخرج من الثلث إلا العبد الأول عتق وحده لأنه يعتق حين يلفظ بإعتاق شقصه وإن خرج الأول وبعض الثاني عتق ذلك وإن أعتق الشقصين دفعة واحدة فلم يخرج من الثلث إلا الشقصان عتقا ورق باقي العبدين وإن لم يخرج إلا أحدهما أقرع بينهما وإن خرج عتق الشقصان وباقي أحد العبدين ففيه وجهان أحدهما : يكمل العتق من أحدهما بالقرعة بينهما كما لو أعتق العبدين فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما والثاني : يقسم ما بقي من الثلث بينهما بغير قرعة لأنه أوقع عتقا مشقصا فلم يكمله بخلاف ما إذا أعتق العبدين ولهذا إذا لم يخرج من الثلث إلا الشقصان أعتقناهما ولم يقرع بينهما ولم يكمله من أحدهما ولو أوصى بإعتاق النصيبين وأن يكمل عتقهما من ثلثه ولم يخرج من الثلث إلا النصيبان وقيمة باقي أحدهما أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته كمل العتق فيه لأن الموصي أوصى بتكميل العتق فجرى مجرى إعتاقهما بخلاف التي قبلها
فصل : وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض كالهبة والميراث عتق وورث المريض إذا مات وبهذا قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم يعتق ولا يرث لأن عتقه وصية فلا يجتمع مع الميراث وهذا لا يصح لأنه لو كان وصية لاعتبر من الثلث كما لو اشتراه وجعل أهل العراق عتق المرهون وصية يعتبر خروجه من الثلث فإن خرج من الثلث عتق وورث وإن لم يخرج من الثلث يسعى في قيمة باقيه ولم يرث في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف و محمد يحتسب بقيمته من ميراثه فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه
ولنا أن الوصية هي التبرع بماله بعطية أو إتلاف أو التسبب إلى ذلك ولم يوجد واحد منهما لأن العتق ليس من فعله ولا يقف على اختياره وقبول الهبة ليس بعطية ولا إتلاف لماله وإنما هو تحصيل شيء يتلف بتحصيله فأشبه قبوله لشيء لا يمكنه حفظه أو لما يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرف فيه وفارق الشراء فإنه تضييع لماله في ثمنه وقال القاضي هذا الذي ذكرناه قياس قول أحمد لأنه قال في مواضع إذا وقف في مرضه على ورثته صح ولم يكن وصية لأن الوقف ليس بمال لأنه لا يباع ولا يورث قال الخبري هذا قول أحمد و ابن الماجشون وأهل البصرة ولم يذكر فيه عن أحمد خلافا فأما إن اشترى من يعتق عليه فقال القاضي إن حمله الثلث عتق وورثه وهذا قول مالك و أبي حنيفة وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ويرث بقدر ما فيه من الحرية وباقيه على الرق فإن كان الوارث ممن يعتق عليه إذا ملكه عتق عليه إذا ورثه وقال أبو يوسف و محمد لا وصية لوارث ويحتسب بقيمته من ميراثه فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه وقال بعض أصحاب مالك يعتق من رأس المال ويرث كالموهوب والموروث وهو قياس قوله لكونه لم يجعل الوقف وصية وإجازة للوارث فهذا أولى لأن العبد لا يملك رقبته فيجعل ذلك وصية له ولا يجوز أن يجعل الثمن وصية له لأنه لم يصل إليه ولا وصية للبائع لأنه قد عاوض عنه وإنما هو كبناء مسجد وقنطرة في أنه ليس بوصية لمن ينتفع به فلا يمنعه ذلك لميراث واختلف أصحاب الشافعي في قياس قوله فقال بعضهم إذا حمله الثلث عتق وورث لأن عتقه ليس بوصية له على ما ذكرنا وقيل يعتق ولا يرث لأنه لو ورث لصارت وصية لوارث فتبطل وصيته ويبطل عتقه وإرثه فيفضي توريثه إلى إبطال توريثه فكان إبطال توريثه أولى وقيل على مذهبه شراؤه باطل لأن ثمنه وصية والوصية تقف على خروجها من الثلث أو إجازة الورثة والبيع عنده لا يجوز أن يكون موقوفا ومن مسائل ذلك مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة وخلف مائتي درهم وابنا آخر فإنه يعتق وله مائة ولأخيه مائة وهذا قول مالك و أبو حنيفة و الشافعي وقيل على قول الشافعي لا يرث والمائتان كلها للابن الحر وقال أبو يوسف و محمد يرث نصف نفسه ونصف المائتين ويحتسب بقيمة نصف الباقي من ميراثه وإن كان قيمته مائتين وبقية التركة مائة عتق من رأس المال والمائة بينه وبين أخيه وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة يعتق منه نصفه لأنه قدر ثلث التركة ويسعى في قيمة باقيه ولا يرث لأن المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلا في أربعة مواضع الرجل : يعتق أمته على أن تتزوجه والمرأة : تعتق عبدها على أن يتزوجها فيأبيان ذلك والعبد المرهون يعتقه سيده والمشتري للعبد يعتقه قبل قبضه وهما معسران ففي هذه المواضع يسعى كل واحد في قيمته وهو حر يرث وقال أبو يوسف و محمد يرث نصف التركة وذلك ثلاثة أرباع رقبته ويسعى في ربع قيمته لأخيه وإن وهب له ثلاث أخوات متفرقات لا مال له سواهن ولا وارث عتقن من رأس المال وهذا قول مالك وإن كان اشتراهن فكذلك فيما ذكره الخبري عن أحمد وهو قول ابن الماجشون وأهل البصرة وبعض أصحاب مالك وعلى قول القاضي يعتق ثلثهن في أحد الوجهين وهو قول مالك وفي الآخر يعتقن كلهن لكون وصية من لا وارث له جائزة في جميع ماله في أصح الروايتين وإن ترك مالا يخرجن من ثلثه عتقن وورثن وقال أبو حنيفة إذا اشتراهن أو وهبن له ولا مال له سواهن ولا وارث عتقن وتسعى كل واحد من الأخت للأب والأخت للأم في نصف قيمتها للأخت من الأب والأم وإنما لم يرثا لأنهما لو ورثا لكان لهما خمسا الرقاب وذلك رقبة وخمس بينهما نصفين فكان يبقى عليهما سعاية وإذا بقيت عليهما سعاية لم يرثا وكانت لهما الوصية وهي رقبة بينهما نصفين وأما الأخت للأبوين فإذا ورثت عتقت لأن لها ثلاثة أخماس الرقاب وذلك أكثر من قيمتها فورثت وبطلت وصيتها وقال أبو يوسف و محمد تبعض وتسعى كل واحدة من الأخت للأب والأخت من الأم للأخت من الأبوين في خمسي قيمتها لأن كل واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة وعلى قول الشافعي يعتقن

فصول : حكم ما إذا اشترى المريض أباه
فصل : وإن اشترى المريض أباه بألف لا مال له سواه ثم مات وخلف ابنا فعلى القول الذي حكاه الخبري يعتق كله على المريض وله ولاؤه وعلى قول القاضي يعتق ثلثه بالوصية ويعتق باقيه على الإبن لأنه جده ويكون ثلث ولائه للمشتري وثلثاه لابنه وهذا قول مالك وقيل هو مذهب للشافعي وقال أبو حنيفة يعتق ثلثه بالوصية ويسعى للإبن في قيمة ثلثيه
وقال أبو يوسف و محمد يعتق سدسه لأنه ورثه ويسعى في خمسة أسداس قيمته للابن ولا وصية له وقيل على قول الشافعي يفسخ البيع إلا أن يجيز الابن عتقه وقيل يفسخ في ثلثيه ويعتق في ثلثه وللبائع الخيار لتفرق الصفقة عليه وقيل لا خيار له لأنه متلف فإن ترك ألفين سواه عتق كله وورث سدس الالفين والباقي للابن وبهذا قال مالك و أبو حنيفة وقيل نحوه على قول الشافعي وقيل على قوله يعتق ولا يرث وقيل شراؤه مفسوخ
وقال أبو يوسف و محمد يرث الأب سدس التركة وهو خمسمائة يحتسب بها من رقبته ويسعى في نصف قيمته ولا وصية له وإن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره ومات وخلف أباه عتق كله بالشراء في الوجه الأول وفي الثاني يعتق ثلثه بالوصية وثلثاه على جده عند الموت وولاؤه بينهما أثلاثا وبهذا قال مالك وقول الشافعي فيه على ما ذكرنا في مسألة الأب وقال أبو حنيفة : يعتق ثلثه بالوصية ويسعى في قيمة ثلثيه للأب ولا يرث
وقال أبو يوسف و محمد يرث خمسة أسداسه ويسعى في قيمة سدسه وإن ترك ألفين سواه عتق كله وورث خمسة أسداس الألفين وللأب السدس وبهذا قال مالك و أبو حنيفة وقال أبو يوسف و محمد : للأب سدس التركة خمسمائة وباقيها للابن يعتق منها ويأخذ ألفا وخمسمائة وإن خلف مالا يخرج المبيع من ثلثه فعلى الوجه الأول يعتق كله ويرث منه كأنه حر الأصل وعلى الوجه الثاني يعتق منه بقدر ثلث التركة ويرث بقدر ما فيه من الحرية فإن لم يخلف المشتري أبا حرا ولكن خلف أخا حرا ولم يترك مالا عتق من رأس المال على الوجه الأول ويعتق ثلثه على الثاني ويرث الأخ ثلثيه وقال أبو يوسف و محمد يعتق كله ولا سعاية وإن خلف ألفين سواه عتق وورث الألفين ولا شيء للأخ في الأقوال كلها إلا ما قيل على قول الشافعي أنه يعتق ولا يرث وقيل شراؤه باطل فإن اشترى ابنيه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلثا ألف وخلف ابنا آخر فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال ويستقر ملك البائع على قدر قيمته من الثمن وله ثلث الباقي لأن المشتري حاباه به ولم يبق من التركة سواه فيكون له ثلثه وهو تسع ألف ويرد التسعين فتكون بين الأبنين وعلى الوجه الثاني يعتق ثلثه ويرث أخوه ثلثه فيعتق عليه وللبائع ثلث المحاباة ويرث ثلثيها فيكون ميراثا
وقال أبو حنيفة الثلث للبائع ويسعى المشتري في قيمته لأخيه وقال أبو يوسف و محمد يسعى في نصف رقبته ويرث نصفها وقال الشافعي المحاباة مقدمة لتقديمها ويرث الإبن الحر أخاه فيملكه وقيل يفسخ البيع في ثلثيه ويعتق ثلثه ولا تقدم المحاباة لأن في تقديمها تقرير ملك الأب على ولده وقيل يفسخ البيع في جميعه فإن كانت قيمته ثلث الألف فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال وتنفذ المحاباة في ثلث الباقي وهو تسعا ألف ويرد البائع أربعة أتساع ألف فتكون بين الإبنين وعلى الوجه الآخر يحتمل وجهين
أحدهما : تقديم العتق على المحاباة فيعتق جميعه ويرد البائع ثلثي الألف فيكون بينهما والثاني أن يعتق ثلثه ويكون للبائع تسعا ألف ويرد أربعة أتساعها كما قلنا في الوجه الأول وقال أبو حنيفة للبائع بالمحاباة الثلث ويرد الثلث ويسعى الابن في قيمته لأخيه وفي قول أبي يوسف و محمد يرد البائع ثلث الألف فيكون للابن الحر ويعتق الآخر بنصيبه من الميراث وقيل على قول الشافعي يرد البائع ثلث الألف فيكون ذلك مع الابن المشتري للحر وقيل غير ذلك وإن اشتراه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلاثة آلاف فمن أعتقه من رأس المال جعله حرا ومن جعل ذلك وصية له أعتق ثلثه بالشراء ويعتق باقيه على أخيه إلا في قول الشافعي ومن وافقه فإن الحر يملك بقية أخذه فيملك من رقبته قدر ثلثي الثمن وذلك تسعا رقبة لأنه يجعل ثمنه من الثلث دون قيمته وقيل يفسخ البيع في ثلثيه وقيل في جميعه وقال أبو حنيفة يسعى لأخيه في قيمة ثلثيه
وقال أبو يوسف و محمد يسعى له في نصف قيمته فإن ترك ألفين سواه عتق كله لأن التركة هي الثمن مع الألفين والثمن يخرج من الثلث فيعتق ويرث نصف الألفين وهو قول الشافعي وقيل : يعتق ولا يرث وعند أبي حنيفة وأصحابه التركة قيمته مع الألفين وذلك خمسة آلاف فعلى قول أبي حنيفة يعتق منه قدر ثلث ذلك وهو ألف وثلثا ألف ويسعى لأخيه في الألف وثلث ألف وفي قول صاحبيه يعتق منه نصف ذلك وهو خمسة أسداسه ويسعى لأخيه في خمسمائة والألفان لأخيه في قولهم جميعا ولو اشترى المريض ابني عم له بألف لا يملك غيره وقيمة كل واحد منهما ألف فأعتق أحدهما ثم وهبه أخاه ثم مات وخلفهما وخلف مولاه فإن قياس قول القاضي إن شاء الله أن يعتق ثلثا المعتق إلا أن يجيز المولى عتق جميعه ثم يرث بثلثيه ثلثي بقية التركة فيعتق منه ثمانية أتساعه ويبقى تسعة وثلث أخيه للمولى ويحتمل أن يعتق كله ويرث أخاه فيعتقان جميعا لأنه يصير بالاعتاق وارثا لثلثي التركة فتنفذ إجازته في إعتاق باقيه فتكمل له الحرية ثم يكمل الميراث له وفي قياس قول أبي الخطاب يعتق ثلثاه ولا يرث لأنه لو ورث لكان اعتاقه وصية له فيبطل اعتاقه ثم يبطل إرثه فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه وهذا قول ل الشافعي ويبقى ثلثه وابن العم الآخر للمولى وقال أبو حنيفة يعتق ثلثا المعتق ويسعى في قيمة ثلثه ولا يرث وقال أبو يوسف و محمد يعتق كله ويعتق عليه أخوه بالهبة ويكونان أحق بالميراث من المولى فإن كان للميت مال سواهما أخذا ذلك المال بالميراث ويغرم بالمعتق لأخيه الموهوب نصف قيمته ونصف قيمة أخيه لأن عتق الأول وصية له ولا وصية لوارث وقد صار وارث مع أخيه فورث نصف قيمة نفسه ونصف قيمة أخيه وورث أخوه الباقي وكان أخوه الموهوب له هبة من المريض فعتق بقرابته منه ولم يعتق من المريض فلم يكن عتقه وصية بل استهلكها بالعتق الذي جرى فيها فيغرم الأول نصف قيمته ونصف قيمة أخيه لأخيه وأما قول أبي حنيفة : فإن كان الميت لم يدع وارثا غيرهما عتقا وغرم الأول لأخيه نصف قيمة أخيه ولم يغرم له نصف قيمة نفسه لأنه إذا لم يدع وارثا جازت وصيته لأنهما لا يرثان ولا يعتقان حتى تجوز وصية الأول لأنه متى بقيت عليه سعاية لم يرث واحد منهما ولم يعتق فلا بد من أن ينفذ للمعتق وصية ليصير حرا فيعتق أخوه بعتقه وقد جازت له الوصية في جميع رقبته لأن الميت إذا لم يدع وارثا جازت وصيته بجميع ماله ويرثان جميعا ويرجع الثاني على الأول بنصف قيمته لأنه يقول قد صرت أنا وأنت وارثين فلا تأخذ من الميراث شيئا دوني وقد كانت رقبتي لك وصية وعتقت من قبلك فاضمن لي نصف رقبتي فإن كان معسرا وهناك مال غيرهما أخذ الثاني نصفه ثم أخذ من النصف الثاني نصف قيمة نفسه وكان ما بقي ميراثا لأخيه الأول
فصل : وإذا كان للمريض ثلاثة آلاف فتبرع بألف ثم اشترى أباه مما بقي وله ابن فعلى قول من قال ليس الشراء بوصية يعتق الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت وما بقى فللأب سدسه وباقيه للابن على قول القاضي ومن جعله وصية لا يعتق أب لأن تبرع المريض إنما ينفذ في الثلث ويقدم الأول فالأول وإذا قدم التبرع لم يبق من الثلث شيء ويرثه الابن فيعتق عليه ولا يرث لأنه إنما عتق بعد الموت وإن وهب له أبوه عتق وورث لأن الهبة ليست بوصية وكذلك إن ورثه وإن اشترى أباه ثم أعتقه لم يعتق على قول القاضي لأنه إذا لم يعتق بالملك وهو أقوى من الإعتاق بالقول بدليل نفوذه في حق الصبي والمجنون فأولى أن لا ينفذ بالقول
فصل : وإن ملك المريض من يرثه ممن لا يعتق عليه كابن عمه فأعتقه في مرضه كان اعتاقه وصية معتبرة من الثلث بدليل أن النبي صلى الله عليه و سلم أقرع بين العبيد الذين أعتقهم مالكهم عند موته ولم يكن له مال سواهم فاعتبر عتقهم من الثلث فعلى هذا يعتبر خروج المعتق من الثلث فإن خرج من الثلث عتق ولم يرث ذكره أبو الخطاب في مريض ملك ابن عمه في مرضه فأقر بأنه كان أعتقه في صحته عتق ولم يرث لأنه لو ورث لكان إقراره لوارث فلا يقبل فيؤدي توريثه إلى إبطال عتقه ثم يبطل ميراثه فكان اعتاقه من غير توريث أولى ومقتضى قول القاضي أنه يعتق ويرث لأنه حر حين موت موروثه ليس بقاتل ولا مخالف لدينه ويرث كما لو ورثه وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ولا يرث على القول الأول وعلى قول القاضي ينبغي أن يرث بقدر ما فيه من الحرية على ما يذكر في المعتق بعضه

مسألة وفصول : ما لزم المريض في مرضه من حق فهو في رأس المال وأحكام تصرفات المريض والأمراض المخوفة
فصل : وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه وإسقاطه كأرش الجناية وجناية عبده وما عارض عليه بثمن المثل وما يتغابن الناس بمثله فهو من رأس المال لا نعلم فيه خلافا وهذا عند الشافعي وأصحاب الرأي وكذلك النكاح بمهر المثل جائز من رأس المال لأنه صرف لماله في حاجة نفسه فيقدم بذلك على وارثه وكذلك لو اشترى جارية يستمتع بها كثيرة الثمن بثمن مثلها أو اشترى من الأطعمة التي لا يأكل مثله منها جاز وصح شراؤه لأنه صرف لماله في حاجته وإن كان عليه دين أو مات وعليه دين قدم بذلك على وارثه لقول الله تعالى : { من بعد وصية يوصى بها أو دين }
فصل : فأما إن قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بسائر الديون صح قضاؤه ولم يكن لسائر الغرماء الاعتراض عليه وإن لم يف بها ففيه وجهان : أحدهما : أن لسائر الغرماء الرجوع عليه ومشاركته فيما أخذه وهو قول أبي حنيفة لأن حقوقهم تعلقت بماله بمرضه فمنعت تصرفه فيه بما ينقص ديونهم كتبرعه ولأنه لو وصى بقضاء بعض ديونه لم يجز فكذلك إذا قضاها والثاني : أنهم لا يملكون الاعتراض عليه ولا مشاركته وهو قياس قول أحمد ومنصوص الشافعي لأنه أدى واجبا عليه فصح كما لو اشترى شيئا فأدى ثمنه أو باع بعض ماله وسلمه ويفارق الوصية فإنه لو اشترى ثيابا مثمنة صح ولو وصى بتكفينه في ثياب مثمنة لم يصح يحقق هذا أن إيفاء ثمن المبيع قضاء لبعض غرمائه وقد صح عقيب البيع فكذلك إذا تراخى إذ لا أثر لتراخيه
فصل : وإذا تبرع المريض أو أعتق ثم أقر بدين لم يبطل تبرعه نص عليه أحمد فيمن أعتق عبده في مرضه ثم أقر بدين عتق العبد ولم يرد إلى الرق وهذا لأن الحق يثبت بالتبرع في الظاهر فلم يقبل إقراره فيما يبطل به حق غيره
فصل : ويعتبر في المريض الذي هذه أحكامه شرطان : أحدهما : أن يتصل بمرضه الموت ولو صح في مرضه الذي أعطى فيه ثم مات بعد ذلك فحكم عطيته حكم عطية الصحيح لأنه ليس بمرض الموت الثاني : أن يكون مخوفا والأمراض على أربعة أقسام :
الضرب الأول : غير مخوف : مثل وجع العين والضرس والصداع اليسير وحمى ساعة فهذا حكم صاحبه حكم الصحيح لأنه لا يخاف منه في العادة
الضرب الثاني : الأمراض الممتدة كالجذام وحمى الربع والفالج في انتهائه والسل في ابتدائه والحمى الغب فهذا الضرب إن أضنى صاحبها على فراشه فهي مخوفة وإن لم يكن صاحب فراش بل كان يذهب ويجيء فعطاياه من جميع المال قال القاضي : هذا تحقيق المذهب فيه وقد روى حرب عن أحمد في وصية المجذوم والمفلوج من الثلث وهو محمود على أنهما صارا صاحبي فراش وبه يقول الأوزاعي و الثوري و مالك و أبو حنيفة وأصحابه و أبو ثور وذكر أبو بكر وجهين في صاحب الأمراض الممتدة أن عطيته من صلب المال وهو مذهب الشافعي لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه وإن كان لا يبرأ فهو كالهرم
ولنا أنه مريض صاحب فراش يخشى التلف فأشبه صاحب الحمى الدائمة وأما الهرم فإن صار صاحب فراش فهو كمسألتنا
الضرب الثالث : من تحقق تعجيل موته فينظر فيه فإن كان عقله قد اختل مثل من ذبح أو أبينت حشوته فهذا لا حكم لكلامه ولا لعطيته لأنه لا يبقى له عقل ثابت وإن كان ثابت العقل كمن خرقت حشوته أو اشتد مرضه ولم يتغير عقله صح تصرفه وتبرعه وكان تبرعه من الثلث فإن عمر رضي الله عنه خرقت حشوته فقبلت وصيته ولم يختلف في ذلك وعلي رضي الله عنه بعد ضرب ابن ملجم أوصى وأمر ونهى فلم يحكم ببطلان قوله
الضرب الرابع : مرض مخوف لا يتعجل موت صاحبه يقينا لكنه يخاف ذلك كالبرسام وهو بخار يرقى إلى الرأس ويؤثر في الدماغ فيختل العقل والحمى الصالب والرعاف الدائم لأنه يصفي الدم فيذهب القوة وذات الجنب وهو قرح بباطن الجنب ووجع القلب والرئة فإنها لا تسكن حركتها فلا يندمل جرحها والقولنج وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأمعاء ولا ينزل عنه فهذه كلها مخوفة سواء كان معها حمى أو لم يكن وهي مع الحمى أشد خوفا فإن ثاوره الدم واجتمع في عضو كان مخوفا لأنه من الحرارة المفرطة وإن هاجت به الصفراء فهي مخوفة لأنه تورث يبوسة وكذلك البلغم إذا هاج لأنه من شدة البرودة وقد تغلب على الحرارة الغريزية فتطفئها والطاعون مخوف لأنه من شدة الحرارة إلا أنه يكون في جميع البدن وأما الإسهال فإن كان منخرقا لا يمكنه منعه ولا إمساكه فهو مخوف وإن كان ساعة لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه وإن لم يكن منخرقا لكنه يكون تارة وينقطع أخرى فإن كان يوما أو يومين فليس بمخوف لأن ذلك قد يكون من فضلة الطعام إلا أن يكون معه زحير وتقطيع كأن يخرج متقطعا فإنه يكون مخوفا لأن ذلك يضعف وإن دام الإسهال فهو مخوف سواء كان معه زحير أو لم يكن والمعرفة ولا يقبل إلا قول طبيبين مسلمين ثقتين بالغين لأن ذلك يتعلق به حق الوارث وأهل العطايا فلم يقبل فيه إلا ذلك وقياس قول الخرقي أنه يقبل قول الطبيب العدل إذا لم يقدر على طبيبين كما ذكرنا في باب الدعاوى فهذا الضرب وما أشبهه عطاياه صحيحة لما ذكرناه من قصة عمر رضي الله عنه فإنه لما جرح سقاه الطبيب لبنا فخرج من جرحه فقال له الطبيب : اعهد إلى الناس فعهد إليهم ووصى فاتفق الصحابة على قبول عهده ووصيته وأبو بكر لما اشتد مرضه عهد إلى عمر فنفذ عهده
مسألة : قال : وكذلك الحامل إذا صار لها ستة أشهر
يعني عطيتها من الثلث وهذا قول مالك وقال إسحاق إذا أثقلت لا يجوز لها إلا الثلث ولم يحد وحكاه ابن المنذر عن أحمد وقال سعيد بن المسيب و عطاء و قتادة : عطية الحامل من الثلث وقال أبو الخطاب عطية الحامل من رأس المال ما لم يضربها المخاض فإذا ضربها المخاض فعطيتها من الثلث وبهذا قال النخعي و مكحول و يحيى الأنصاري و الأوزاعي و الثوري و العنبري و ابن المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنها قبل ضرب المخاض لا تخاف الموت ولأنها إنما تخاف الموت إذا ضربها الطلق فأشبهت صاحب الأمراض الممتدة قبل أن يصير صاحب فراش وقال الحسن و الزهري : عطيتها كعطية الصحيح وهو القول الثاني ل الشافعي لأن الغالب سلامتها ووجه قول الخرقي أن ستة الأشهر وقت يمكن الولادة فيه وهي من أسباب التلف والصحيح إن شاء الله أنها إذا ضربها الطلق كان مخوفا لأنه ألم شديد يخاف منه التلف فأشبهت صاحب سائر الأمراض المخوفة وأما قبل ذلك فلا ألم بها واحتمال وجوده خلاف العادة فلا يثبت الحكم باحتماله البعيد مع عدمه كالصحيح فأما عبد الولادة فإن بقيت المشيمة وحصل ثم ورم أو ضربان شديد فهو مخوف وإن لم يكن شيء من ذلك فقد روي عن أحمد في النفساء إن كانت ترى الدم فعطيتها من الثلث ويحتمل أنه أراد بذلك إذا كان معه ألم للزومه لذلك في الغالب ويحتمل أن يحمل على ظاهره فإنها إذا كانت ترى الدم كانت كالمريض وحكمها بعد السقط كحكمها بعد وضع الولد التام وإن أسقطت مضغة أو علقة فلا حكم له إلا أن يكون ثم مرض أو ألم وهذا كله مذهب الشافعي إلا أن مجرد الدم عنده ليس بمخوف
فصل : ويحصل الخوف بغير ما ذكرناه في مواضع خمسة تقوم مقام المرض : أحدها : إذا التحم الحرب واختلطت الطائفتان للقتال وكانت كل طائفة مكافئة للأخرى أو مقهورة فأما القاهرة منهما بعد ظهورها فليست خائفة وكذلك إذا لم يختلطوا بل كانت كل واحدة منهما متميزة سواك كان بينهما رمي بالسهام أو لم يكن فليست حالة خوف ولا فرق بين كون الطائفتين متفقتين في الدين أو مفترقتين وبه قال مالك و الأوزاعي و الثوري ونحوه عن مكحول وعن الشافعي قولان : أحدهما : كقول الجماعة والثاني : ليس بمخوف لأنه ليس بمريض
ولنا أن توقع التلف ههنا كتوقع المرض أو أكثر فوجب أن يلحق به ولأن المرض إنما جعل مخوفا لخوف صاحبه التلف وهذا كذلك قال : أحمد إذا حضر القتال كان عتقه من الثلث وعنه إذا التحم الحرب فوصيته من المال كله فيحتمل أن يجعل هذا رواية ثانية وتسمى العطية وصية تجوزا لكونها في حكم الوصية ولكونها عند الموت ويحتمل أن يحمل على حقيقته في حصة الوصية من المال كله لكن يقف الزائد على الثلث على إجازة الورثة فإن حكم وصية الصحيح وخائف التلف واحد الثانية : إذا قدم ليقتل فهي حالة خوف سواء أريد قتله للقصاص أو لغيره ول الشافعي فيه قولان : أحدهما : أنه مخوف والثاني : إن جرح فهو مخوف وإلا فلا لأنه صحيح البدن والظاهر العفو عنه
ولنا أن التهديد بالقتل جعل إكراها يمنع وقوع الطلاق وصحة البيع ويبيح كثيرا من المحرمات ولولا الخوف لم تثبت هذه الأحكام وإذا حكم للمريض وحاضر الحرب بالخوف مع ظهور السلامة وبعد وجود التلف فمع ظهور التلف وقربه أولى ولا عبرة بصحة البدن فإن المرض لم يكن مصبتا لهذا الحكم لعينه بل لخوف إفضائه إلى التلف فثبت الحكم ههنا بطريق التنبيه لظهور التلف
الثالثة : إذا ركب البحر فإن كان ساكنا فليس بمخوف وإن تموج واضطرب وهبت الريح العاصف فهو مخوف فإن الله تعالى وصفهم بشدة الخوف بقوله سبحانه : { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين }
الرابعة : الأسير والمحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف عطيته من الثلث وإلا فلا وهذا قول أبي حنيفة و مالك و ابن أبي ليلى وأحد قولي الشافعي وقال الحسن : لما حبس الحجاج إياس بن معاوية : ليس له من ماله إلا الثلث وقال أبو بكر عطية الأسير من الثلث ولم يفرق وبه قال الزهري و الثوري و إسحاق وحكاه ابن المنذر عن أحمد وتأول القاضي ما روي عن أحمد في هذا على ما ذكرناه من التفصيل ابتداء وقال الشعبي و مالك : الغازي عطيته من الثلث وقال مسروق إذا وضع رجله في الغرز وقال الأوزاعي المحصور في سبيل الله والمحبوس ينتظر القتل أو تفقأ عيناه هو في ثلثه والصحيح إن شاء الله ما ذكرنا من التفصيل لأن مجرد الحبس والأسر من غير خوف القتل ليس بمرض ولا هو في معنى المرض في الخوف فلم يجز إلحاقه به وإذا كان المريض الذي لا يخاف التلف عطيته من رأس ماله فغيره أولى
الخامسة : إذا وقع الطاعون ببلدة فعن أحمد أنه مخوف ويحتمل أنه ليس بمرض وإنما يخالف المرض والله أعلم
فصل : ويعتبر خروج العطية من الثلث حال الموت فمهما خرج من الثلث تبينا أن العطية صحت فيه حال العطية فإن نما المعطى أو كسب شيئا قسم بين الورثة وبين صاحبه على قدر مالهما فللعبد من كسبه بقدر ما عتق منه وباقيه لسيده فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية لذلك ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد من الكسب وينقص بذلك قدر المعتق منه فيستخرج ذلك بالجبر فيقال عتق من العبد شيء وله من كسبه شيء لأن كسبه مثله وللورثة من العبد وكسبه شيئان لأن لهم مثلي ما عتق منه وقد عتق منه شيء ولا يحسب على العبد ما حصل له من كسبه لأنه استحقه بجزئه الحر لا من جهة سيده فصار للعبد شيئان وللورثة شيئان من العبد وكسبه فيقسم العبد وكسبه نصفين يعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما وإن كسب مثلي قيمته فله من كسبه شيئان صار له ثلاثة أشياء ولهم شيئان فيقسم العبد وكسبه أخماسا يعتق منه ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس كسبه وللورثة خمسان وخمسا كسبه وإن كسب ثلاثة أمثال قيمته فله ثلاثة أشياء من كسبه مع ما عتق منه ولهم شيئان فيعتق منه ثلثاه وله ثلثا كسبه ولهم الثلث منهما وإن كسب نصف قيمته عتق منه شيء وله نصف شيء ولهم شيئان فالجميع ثلاثة أشياء ونصف إذا بسطتها أنصافا صارت سبعة له ثلاثة أسباعها فيعتق ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباق لهم فإن كانت قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له من كل دينار شيئا فقل عتق منه مائة شيء وله من كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شيء ويعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من ثلثمائة وتسعة وله من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا جزء من نفسه ومائتان من كسبه وإن كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرفا في الدين ولم يعتق منه شيء لأن الدين مقدم على التبرع وإن لم يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرف من العبد وكسبه ما يقضي به الدين وما بقي منهما يقسم على ما يعمل في العبد الكامل وكسبه فلو كان على السيد دين كقيمته صرف فيه نصف العبد ونصف كسبه وقسم النصف الباقي بين الورثة والعتق نصفين وكذلك بقية الكسب وإن كسب العبد مثل قيمته وللسيد مال مثل قيمته قسمت العبد ومثلي قيمته على الأشياء الأربعة فلكل شيء ثلاثة أرباع فيعتق من العبد ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه ولو أعتق عبدا قيمته عشرون ثم أعتق عبدا قيمته عشرة فكسب كل واحد منهما مثل قيمته لكملت الحرية في العبد الأول فيعتق منه شيء وله من كسبه شيء وللورثة شيئان ويقسم العبدان وكسبهما على الأشياء الأربعة فيكون لكل شيء خمسة عشر فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه والباقي لهم وإن بدأ بعتق الأدنى عتق كله وأخذ كسبه ويستحق الورثة من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق وهو نصفه ونصف كسبه ويرق ثلاثة أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما أعتق منهما وإن أعتق العبدين دفعة واحدة قرعنا بينهما فمن خرجت له قرعة الحرية فحكمه كما لو بدأ بإعتاقه

فصول : فروع في العتق
وإن أعتق ثلاثة أعبد قيمتهم سواء وعليه دين بقدر قيمة أحدهم وكسب أحدهم مثل قيمته أقرعنا بينهم لإخراج الدين فإن وقعت على غير المكتسب عتق كله والمكتسب وماله للورثة وإن وقعت قرعة الحرية على المكتسب عتق منه ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه وباقيه وباقي المكتسب لقضينا الدين بنصفه ونصف كسبه ثم أقرعنا بين باقيه وبين العبدين الآخرين في الحرية فإن وقعت على غيره عتق كله وللورثة ما بقي وإن وقعت على المكتسب عتق باقيه وأخذ باقي كسبه ثم نقرع بين العبدين لاتمام الثلث فمن وقعت عليه القرعة عتق ثلثه وبقي ثلثاه والعبد الآخر للورثة ولو كان العبد موهوبا لإنسان كان له من العبد وكسبه مثل ما للعبد من كسبه ونفسه في هذه المسائل كلها
فصل : وإن أعتق عبدين متساويي القيمة بكلمة واحدة ولا مال له غيرهما فمات أحدهما قرع بين الحي والميت فإن وقعت على الميت فالحي رقيق وتبين أن الميت نصفه حر لأن مع الورثة مثلي نصفه وإن وقعت على الحي عتق ثلثه ولا يحسب الميت على الورثة لأنهم لم يصل إليهم
فصل : رجل أعتق عبدا لا مال له سواه قيمته عشرة فمات قبل سيده وخلف عشرين فهي لسيده بالولاء وتبين أنه مات حرا وكذلك إن خلف أربعين وبنتا وإن خلف عشرة عتق منه شيء وله من كسبه شيء ولسيده شيئان وقد حصل في يد سيده عشرة تعدل شيئين فتبين أن نصفه حر ونصفه رقيق والعشرة يستحقها السيد نصفها بحكم الرق ونصفها بالولاء فإن خلف العبد ابنا فله من رقبته شيء ومن كسبه شيء يكون لأبيه بالميراث ولسيده شيئان فتقسم العشرة على ثلاثة للابن ثلثها وللسيد ثلثاها وتبين أنه عتق من العبد ثلثه وإن خلف بنتا فلها نصف شيء وللسيد شيئان فصارت العشرة على خمسة للبنت خمسها وللسيد أربعة أخماسها تعدل شيئين فتبين أن خمسي العبد مات حرا وإن خلف العبد عشرين وابنا فله من كسبه شيئان يكونان لأبيه ولسيده شيئان فصارت العشرون بين السيد وبين ابنه نصفين وتبين أنه عتق منه نصفه فإن مات الابن قبل موت السيد وكان ابن معتقه ورثه السيد لأنا تبينا أن أباه مات حرا لكون السيد ملك عشرين وهي مثلا قيمته فعتق وجر ولاء ابنه إلى يده فورثه وإن لم يكن ابنه معتقه لم ينجر ولاؤه ولم يرثه سيد أبيه وكذلك الحكم لو خلف هذا الابن عشرين ولم يخلف أبوه شيئا أو ملك السيد عشرين من أي جهة كانت وإن لم يملك عشرين لم ينجر ولاء الابن إليه لأن أباه لم يعتق وإن عتق بعضه جر من ولاء ابنه بقدره فلو خلف الابن عشرة وملك السيد خمسة فإنك تقول عتق من العبد شيء ويجر من ولاء أبيه مثل ذلك ويحصل له من ميراثه شيء مع خمسته وهما يعدلان شيئين وباقي العشرة لمولى أمه فيقسم بين السيد ومولى الأم نصفين وتبين أنه قد عتق من العبد نصفه وحصل للسيد خمسه من ميراث ابنه وكانت له خمسة وذلك مثلا ما عتق من العبد فإن مات الابن في حياة أبيه قبل موت سيده وخلف مالا وحكمنا بعتق الأب أو عتق بعضه ورث مال ابنه إن كان حرا أو بقدر ما فيه من الحرية إن كان بعضه حرا ولم يرث سيده منه شيئا وفي هذه المسائل خلاف تركت ذكره كراهة التطويل

فصول : المحاباة في المرض والتزويج والمخالعة
فصل : في المحاباة في المرض وهي أن يعاوض بماله ويسمح لمن عاوضه ببعض عوضه وهي على أقسام : القسم الأول : المحاباة في البيع والشراء ولا يمنع ذلك صحة العقد في قول الجمهور وقال أهل الظاهر العقد باطل
ولنا عموم قول الله تعالى : { وأحل الله البيع } ولانه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض فلو باع في مرضه عبدا لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعشرة فقد حابى المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة بأكثر من الثلث فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع وإن لم يجيزوا فاختار المشتري فسخ البيع فله ذلك لأن الصفقة تبعضت عليه وإن اختار إمضاء البيع فالصحيح عندي أنه يأخذ نصف المبيع بنصف الثمن ويفسخ البيع في الباقي وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني أنه يأخذ ثلثي المبيع بالثمن كله إلى هذا أشار القاضي في نحو هذه المسألة لأنه يستحق الثلث بالمحاباة والثلث الآخر بالثمن وقال أهل العراق يقال له إن شئت أديت عشرة أخرى وأخذت المبيع وإن شئت فسخت ولا شيء لك وعند مالك له أن يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة ويسميه أصحابه خلع الثلث
ولنا أن فيما ذكرناه مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميعه فصح ذلك كما لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في إحداهما لعيب أو غيره أو كما لو اشترى شقصا وسيفا فأخذ الشفيع الشقص أو كالشفعاء يأخذ كل واحد منهم جزءا من المبيع بقسطه أو كما لو اشترى قفيزا يساوي ثلاثين بقفيز قيمته عشرة وأما الوجه الذي اختاره القاضي فلا يصح لأنه أوجب له المبيع بثمن فيأخذ بعضه بالثمن كله فلا يصح كما لو قال بعتك هذا بمائة فقال قبلت نصفه بها ولأنه إذا فسخ البيع في بعضه وجب أن يفسخه في قدره من ثمنه ولا يجوز فسخ البيع فيه مع بقاء ثمنه كما لا يجوز فسخ البيع في الجميع مع بقاء ثمنه
وأما قول أهل العراق فإن فيه إجبار الورثة على المعاوضة على غير هذا الوجه الذي عاوض مورثهم وإذا فسخ البيع لم يستحق شيئا لأن الوصية إنما حصلت في ضمن البيع فإذا بطل البيع زالت الوصية كما لو وصى لرجل بعينه أن يحج عنه بمائة وأجر مثله خمسون فطلب الخمسين الفاضلة بدون الحج وإن اشترى عبدا يساوي عشرة بثلاثين فإنه يأخذ نصفه بنصف الثمن وإن باع العبد الذي يساوي ثلاثين بخمسة عشر جاز والبيع في ثلثه بثلثي الثمن وعلى قول القاضي للمشتري خمسة أسداسه بكل الثمن وطريق هذا أن تنسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته فيصح البيع في قدر تلك النسبة وهو خمسة أسداسه وعلى الوجه الأول يسقط الثمن من قيمة المبيع وينسب الثلث إلى الباقي فيصح البيع في قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن فإن خلف البائع عشرة أخرى فعلى الوجه الأولى يصح البيع في ثمانية أتساعه بثمانية أتساع الثمن وعلى الوجه الثاني يأخذ المشتري نصفه وأربعة أتساعه بجميع الثمن ويرد نصف تسعه وإن باع قفيز حنطة يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة أو بقفيز يساوي خمسة عشر تعين الوجه الذي اخترناه في قول القاضي ومن وافقه لأن المساواة ههنا شرط في صحة البيع ولا تحصل بغير هذا الوجه وطريق حسابها بالجبر فيما إذا باعه بما يساوي ثلث قيمته أن نقول يجوز البيع في شيء من الأرفع بشيء من الأدون وقيمته ثلث شيء فتكون المحاباة بثلثي شيء القهما من الأرفع يبق قفيز إلا ثلثي شيء يعدل مثلي المحاباة وذلك شيء وثلث شيء فإذا جبر به عدل شيئين فالشيء نصف القفيز
فصل : القسم الثاني : المحاباة في التزويج إذا تزوج في مرضه امرأة صداق مثلها خمسة فأصدقها عشرة لا يملك سواها ثم مات فإن ورثته بطلت المحاباة إلا أن يجيزها سائر الورثة وإن لم ترثه لكونها مخالفة له في الدين أو غير ذلك فلها مهرها وثلث ما حاباها به وإن ماتت قبله فورثها ولم تخلف مالا سوى ما أصدقها دخلها الدور فتصح المحاباة في شيء فيكون له خمسة بالصداق وشيء بالمحاباة ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ثم رجع إليهم بالميراث نصف مالها وهو اثنان ونصف ونصف شيء صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين أجبر وقابل يخرج الشيء ثلاثة فكان لها ثمانية رجع إلى ورثة الزوج نصفها أربعة صار لهم ستة ولورثتها أربعة فإن ترك الزوج خمسة أخرى قلت يبقى مع ورثة الزوج اثنا عشر ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء خمسة فجازت لها المحاباة جميعها ورجع جميع ما حاباها به إلى ورثة الزوج وبقي لورثتها صداق مثلها وإن كان للمرأة خمسة ولم يكن للزوج شيء قلت يبقى مع ورثة الزوج عشرة إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء أربعة فيكون لها بالصداق تسعة مع خمسها أربعة عشر رجع إلى ورثة الزوج نصفها مع الدينار الذي بقي لهم صار لهم ثمانية ولورثتها سبعة وإن كان عليها دين ثلاثة قلت يبقى مع ورثة الزوج ستة إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء ديناران وخمسان والباب في هذا أن النظر ما يبقى في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشيء الذي صحت المحاباة فيه وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا والشيء هو خمسا شيئين ونصف وإن شئت أسقطت خمسة وأخذت نصف ما بقي
فصل : القسم الثالث : أن يخالعها في مرضها بأكثر من مهرها فمذهب أحمد أن لورثتها أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها يكون له الأقل من العوض أو ميراثه منها وبهذا قال أبو حنيفة إن خالعها بعد دخوله بها وماتت قبل انقضاء عدتها لأنها متهمة في أنها قصدت إيصال أكثر من ميراثه إليه وعند مالك أن زاد على مهر المثل فالزيادة مردودة وعن مالك أن خلع المريضة باطل وقال الشافعي : الزيادة على مهر المثل محاباة تعتبر من الثلث
وقال أبو حنيفة : إن خالعها قبل دخوله بها أو مات بعد انقضاء عدتها فالعوض من الثلث ومثال ذلك امرأة اختلعت من زوجها بثلاثين لا مال لها سواها وصداق مثلها اثنا عشر فله خمسة عشر سواء قل صداقها أو كثر لأنها قدر ميراثه وعند الشافعي له ثمانية عشر اثنا عشر لأنها قدر صداقها وثلث باقي المال بالمحاباة وهو ستة وإن كان صداقها ستة فله أربعة عشر لأن ثلث الباقي ثمانية مريض تزوج امرأة على مائة لا يملك غيرها ومهر مثلها عشرة ثم مرضت فاختلعت منه بالمائة ولا مال لها سواها فلها مهر مثلها ولها شيء بالمحاباة والباقي له ثم رجع إليه نصف مالها بالمحاباة وهو خمسة ونصف شيء صار مع ورثته خمسة وتسعون إلا نصف شيء يعدل شيئين فبعد الجبر يخرج الشيء ثمانية وثلاثين فقد صح لها بالصداق والمحاباة ثمانية وأربعون وبقي مع ورثته اثنان وخمسون فرجع إليهم بالخلع أربعة وعشرون فصار معهم ستة وسبعون وبقي للمرأة أربعة وعشرون وعند الشافعي يرجع إليهم صداق المثل وثلث شيء بالمحاباة فصار بأيديهم مائة إلا ثلثي شيء يعدل شيئين فالشيء ثلاثة أثمانها وهو سبعة وثلاثون ونصف فصار لها ذلك ومهر المثل رجع إليه مهر المثل وثلث الباقي اثنا عشر ونصف فيصير بأيد ورثته خمسة وسبعون وهو مثلا محاباتها وعند أبي حنيفة يرجع إليهم ثلث العشرة وثلث الشيء فصار معهم ثلاثة وتسعون وثلث إلا ثلثي شيء فالشيء ثلاثة أثمانها وهو خمسة وثلاثون مع العشرة صار لها خمسة وأربعون رجع إلى الزوج ثلثها صار لورثتها ثلاثون ولورثته سبعون هذا إذا ماتت بعد انقضاء عدتها وإن تركت المرأة مائة أخرى فعلى قولنا يبقى مع ورثة الزوج مائة وخمسة وأربعون إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء خمسا ذلك وهو ثمانية وخمسون وهو الذي صحت المحاباة فيه فلها ذلك وعشرة بالمثل صار لها مائة وثمانية وستون رجع إلى الزوج نصفها أربعة وثمانون وكان الباقي معه اثنان وثلاثون صار له مائة وستة عشر ولورثتها أربعة وثلاثون

فصول : هبة الرجل لأخيه والمريض لمريض آخر
فصل في الهبة :
رجل وهب أخاه مائة لا يملك غيرها فقبضها ثم مات وخلف بنتا قد صحت الهبة في شيء والباقي للواهب ورجع إليه بالميراث نصف الشيء الذي جازت الهبة فيه صار معه مائة إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء خمسا ذلك أربعون رجع إلى الواهب نصفها عشرون صار معه ثلاثون وبقي لورثة أخي الواهب عشرون وطريقها بالباب أن تأخذ عددا لثلثه نصف وهو ستة فتأخذ ثلثه اثنين وتلقى نصفه سهما يبقى سهم فهو للموهوب له ويبقى للواهب أربعة فتقسم المائة سهم على خمسة والسهم الذي أسقطته لا يذكر لأنه يرجع على جميع السهام الباقية بالسوية فيجب إطراحه كالسهام الفاضلة عن الفروض في مسألة الرد وشبه هذه المسألة من مسائل الرد أم وأختان فللأختين أربعة وللأم سهم يسقط ذكر السهم السادس ولو كان ترك اثنتين ضربت ثلاثة في ثلاثة صارت تسعة وأسقطت منها سهما يبقى سهمان فهي التي تبقى لورثة الموهوب له ويبقى ستة للواهب وهي مثلا ما جازت الهبة فيه وإن خلف امرأة وبنتا فمسألتها من ثمانية تضربها في ثلاثة تكن أربعة وعشرين تسقط منها الثلاثة التي ورثها الواهب يبقى أحد وعشرون فهي المال وتأخذ ثلث الأربعة والعشرين وهي ثمانية تلقى منها الثلاثة يبقى خمسة فهي الباقية لورثة الموهوب له والباقي للواهب فتقسم المائة على هذه السهام
فصل : فإن وهب مريض مريضا مائة لا يملك سواها ثم عاد الموهوب له فوهبها للأول ولا يملك سواها فبالباب نضرب ثلاثة في ثلاثة ونسقط منها سهما يبقى ثمانية فاقسم المائة عليها لكل سهم خمسة وعشرون ثم خذ ثلثها ثلاثة أسقط منها سهما يبقى سهمان فهو للموهوب الأول وذلك هو الرابع وبالجبر قد صحت الهبة في شيء ثم صحت الهبة الثانية في ثلثه بقي للموهوب الأول ثلثا شيء وللواهب مائة إلا ثلثي شيء يعدل شيئين أجبر وقابل يخرج الشيء سبعة وثلاثين ونصفا رجع إلى الواهب ثلثها اثنا عشر ونصف وبقي للموهوب له خمسة وعشرون فإن خلف الواهب مائة أخرى فقد بقي مع الواهب مائتان إلا ثلثي شيء تعدل شيئين فالشيء ثلاثة أثمانها وذلك خمسة وسبعون رجع إلى الواهب ثلثها بقي مع ورثته خمسون
فصل : فإن وهب رجل رجلا جارية فقبضها الموهوب له ووطئها ومهرها ثلث قيمتها ثم مات الواهب ولا شيء له سواها وقيمتها ثلاثون ومهرها عشرة فقد صحت الهبة في شيء وسقط عنه من مهرها ثلث شيء وبقي للواهب أربعون إلا شيئا وثلثا يعدل شيئين أجبر وقابل يخرج الشيء خمس ذلك وعشره وهو اثنا عشر وذلك خمسا الجارية فقد صحت الهبة فيه ويبقى للواهب ثلاثة أخماسها وله على الموهوب له ثلاثة أخماس مهرها ستة ولو وطئها أجنبي فكذلك ويكون عليه مهرها ثلاثة أخماسه للواهب وخمساه للموهوب له إلا أن نفوذ الهبة فيما زاد على الثلث منهما موقوف على حصول المهر من الواطئ فإن لم يحصل منه شيء لم تزد الهبة على ثلثها وكلما حصل منه شيء نفذت الهبة في الزيادة بقدر ثلثه وإن وطئها الواهب فعليه من عقرها بقدر ما جازت الهبة فيه وهو ثلث شيء يبقى معه ثلاثون إلا شيئا يعدل شيئين فالشيء تسعة وهو خمس الجارية وعشرها وسبعة أعشارها لورثة الواطئ وعليهم عقر الذي جازت الهبة فيه فإن أخذ من الجارية بقدرها صار له خمساها
فصل : وإن وهب مريض رجلا عبدا لا يملك غيره فقتل العبد الواهب قيل للموهوب له إما أن تفديه وإما أن تسلمه فإن اختار تسليمه سلمه كله نصفه بالجناية ونصفه لانتقاص الهبة فيه وذلك لأن العبد كله قد صار إلى ورثة الواهب وهو مثلا نصفه فتبين أن الهبة جازت في نصفه وإن اختار فداءه ففيه روايتان :
إحداهما : يفديه بأقل الأمرين من قيمة نصيبه منه أو أرش جنايته والأخرى : يفديه بقدر ذلك من أرش جنايته بالغة ما بلغت فإن كانت قيمته دية فإنك تقول صحت الهبة في شيء وتدفع إليهم نصف العبد وقيمة نصفه وذلك يعدل شيئين فتبين أن الشيء نصف العبد وإن كانت قيمته ديتين واختار دفعه فإن الهبة تجوز في شيء وتدفع إليهم نصفه يبقى معهم عبد إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء خمساه ويرد إليهم ثلاثة أخماسه لانتقاص الهبة وخمسا من أجل جنايته فيصير لهم أربعة أخماسه وذلك مثلا ما جازت الهبة فيه وإن اختار فداءه بخمسي الدية ويبقى لهم ثلاثة أخماسه وخمسا الدية وهي بمنزلة خمس منه ويبقى له خمساه وإن كانت قيمته نصف الدية أو أقل وقلنا نفديه بأرش جنايته نفذت الهبة في جميعه لأن أرشها أكثر من مثلي قيمته أو مثليها وإن كانت قيمته ثلاثة أخماس الدية فاختار فداءه بالدية فقد صحت الهبة في شيء ويفديه بشيء وثلثين فصار مع الورثة عبد وثلثا شيء يعدل شيئين فالشيء ثلاثة أرباع فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد ويرجع إلى الواهب ربعه مائة وخمسون وثلاثة أرباع الدية سبعمائة وخمسون صار الجميع ثلاثمائة وهو مثلا ما صحت الهبة فيه فإن ترك الواهب مائة دينار فاضممها إلى قيمة العبد فإن اختار دفع العبد ثلثه وربعه وذلك قدر نصف جميع المال بالجناية وباقيه لانتقاص الهبة فيصير العبد والمائة وذلك مثلا ما جازت الهبة فيه وإن اختار الفداء فقد علمت أنه يفدي ثلاثة أرباعه إذا لم يترك شيئا فزد على ذلك ثلاثة أرباع المائة يصير ذلك سبعة أثمان العبد فيفديه بسبعة أثمان الدية

فصلان : المريض الذي يعتق عبدا أو عبدين دفعة واحدة
فصل : مريض أعتق عبدا لا مال له سواه قيمته مائة فقطع أصبع سيده خطأ فإنه يعتق نصفه وعليه نصف قيمته ويصير للسيد نصفه ونصف قيمته وذلك مثلا ما عتق منه وأوجبنا نصف قيمته عليه لأن عليه من أرش جنايته بقدر ما عتق منه وحسابها أن تقول عتق منه شيء وعليه شيء للسيد فصار مع السيد عبد إلا شيئا وشيء يعدل شيئين فأسقط شيئا بشيء بقي ما معه من العبد يعدل شيئا مثل ما عتق منه ولو كانت قيمة العبد مائتين عتق خمساه لأنه يعتق منه شيء وعليه نصف شيء للسيد فصار للسيد نصف الشيء وبقية العبد يعدل شيئين فيكون بقية العبد يعدل شيئا ونصفا وهو ثلاثة أخماسه والشيء الذي عتق خمساه وإن كانت قيمته خمسين أو أقل عتق كله لأنه يلزمه مائة وهي مثلاه أو أكثر وإن كانت قيمته ستين قلنا عتق منه شيء وعليه شيء وثلثا شيء للسيد مع بقية العبد يعدل شيئين فبقية العبد إذا ثلث شيء فيعتق منه ثلاثة أرباعه وعلى هذا القياس إلا أن ما زاد في العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء ما يقابله من القيمة كما إذا دبر عبدا وله دين في ذمة غريم له فكلما اقتضى من القيمة شيئا عتق من الموقوف بقدر ثلثه
فصل : فإن أعتق عبدين دفعة واحدة قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون فجنى الأدنى على الأرفع جناية نقصته ثلث قيمته وأرشها كذلك في حياة سيدهما ثم مات أقرعنا بين العبدين فإن وقعت على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه أربعة أخماس أرش جنايته وبقي لورثة سيده خمسة وأرش جنايته والعبد الآخر وذلك مائة وستون وهو مثلا ما عتق منه وحسابها أن تقول عبد عتق منه شيء وعليه نصف شيء لأن جنايته بقدر نصف قيمته بقي للسيد نصف شيء وبقية العبدين تعدل شيئين فعلمت أن بقية العبدين شيء ونصف فإذا أضفت إلى ذلك الشيء الذي عتق صارا جميعا يعدلان شيئين ونصفا فالشيء الكامل خمساهما وذلك أربعة أخماس أحدهما وإن وقعت قرعة الحرية على المجني عليه عتق ثلثه وله ثلث أرش جنايته يتعلق برقبة الجاني وذلك تسع الدية لأن الجناية على من ثلثه حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق والواجب له من الأرش يستغرق قيمة الجاني فيستحقه بها ولا يبقى لسيده مال سواه فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه وإن أعتق عبدين قيمة أحدهما خمسون وقيمة الآخر ثلاثون فجنى الأدنى على الأرفع فنقصه حتى صارت قيمته أربعين أقرعنا بينهما فإن خرجت القرعة للأدنى عتق منه شيء وعليه ثلاث شيء فبعد الجبر تبين أن العبدين شيئان وثلثان فالشيء ثلاثة أثمانها وقيمتهما سبعون فثلاثة أثمانها سبعة وعشرون وربع وهي من الأدنى نصفه وخمساه ونصف سدس عشره وإن وقعت على الآخر عتق ثلثه وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني فيأخذه بها أو يفديه المعتق وقد يقيت فروع كثيرة وفيما ذكرنا ما يستدل به على غيره إن شاء الله تعالى وكل موضع زاد العتق على ثلث العبدين من أجل وجوب الأرش للسيد تكون الزيادة موقوفة على أداء الأرش كما ذكرنا من قبل والله أعلم

مسألة وفصل : وصية الصبي والمجنون وحكمها
مسألة : قال : ومن جاوز العشر سنين فوصيته جائزة إذا وافق الحق
هذا المنصوص عن أحمد فإنه قال في رواية صالح وحنبل تجوز وصيته إذا بلغ عشر سنين قال أبو بكر لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته ومن له دون السبع لا تصح وصيته وما بين السبع والعشر فعلى روايتين وقال ابن أبي موسى لا تصح وصية الغلام لدون العشر ولا الجارية قولا واحدا وما زاد على العشر فتصح على المنصوص وفيه وجه آخر لا تصح حتى يبلغ وقال القاضي و أبو الخطاب : تصح وصية الصبي إذا عقل وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية الصبي وهو قول عمر بن عبد العزيز و شريح و عطاء و الزهري و إياس و عبد الله بن عتبة و الشعبي و النخعي و مالك و إسحاق قال إسحاق : إذا بلغ اثنتي عشرة وحكاه ابن المنذر عن أحمد وعن ابن عباس لا تصح وصيته حتى يبلغ وبه قال الحسن و مجاهد وأصحاب الرأي ولل شافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأنه تبرع بالمال فلا يصح من الصبي كالهبة والعتق ولأنه لا يقبل إقراره فلا تصح وصيته كالطفل
ولنا ما روي أن صبيا من غسان له عشر سنين أوصى لأخوال له فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجاز وصيته رواه سعيد وروى مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عمرو بن سليم أخبره أنه قيل لعمر بن الخطاب أن ههنا غلاما يفاعا لم يحتلم وورثته بالشام وهو ذو مال وليس له ههنا إلا ابنة عم له فقال عمر فليوص لها فأوصى لها بمال يقال له بئر جشم قال عمرو بن سليم فبعث ذلك المال بثلاثين ألفا وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمرو بن سليم قال أبو بكر وكان الغلام ابن عشرة أو اثني عشرة سنة وهذه قصة انتشرت فلم تنكر ولأنه تصرف تمحض نفعا للصبي فصح منه كالإسلام والصلاة وذلك لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه وماله فلا يلحقه ضرر في عاجل دنياه ولا أخراه بخلاف الهبة والعتق والمنجز فإنه يفوت من ماله ما يحتاج إليه وإذا ردت رجعت إليه وههنا لا يرجع إليه بالرد والطفل لا عقل له ولا يصح إسلامه ولا عبادته وقوله إذا وافق الحق يعني إذا وصى بوصية يصح مثلها من البالغ صحت منه وإلا فلا قال شريح و عبد الله بن عتبة وهما قاضيان : من أصاب الحق أجزنا وصيته
فصل : فأما الطفل وهو من له دون السبع والمجنون والبرسم فلا وصية لهم وهذا قول أكثر أهل العلم منهم حميد بن عبد الرحمن و مالك و الأوزاعي و الشافعي رضي الله عنهم وأصحاب الرأي ومن تبعهم ولا نعلم أحدا خالفهم إلا إياس بن معاوية قال في الصبي والمجنون إذا وافقت وصيتهم الحق جازت وليس بصحيح فإنه لا حكم لكلامهما ولا تصح عبادتهما ولا شيء من تصرفاتهما فكذا الوصية بل أولى فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض نفع لا ضرر فيها فلأن لا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه أولى ولأنها تصرف يفتقر إلى إيجاب وقبول فلا يصح منهما كالبيع والهبة

فصل : وصية المحجور عليه لسفه
فصل : فأما المحجور عليه لسفه فإن وصيته تصح في قياس قول أحمد قال الخبري : وهو قول الأكثرين وقال أبو الخطاب في وصيته وجهان
ولنا أنه عاقل نصح وصيته كالصبي العاقل ولأن وصيته تمحضت نفعا له من غير ضرر فصحت كعباداته وأما الذي يجن أحيانا ويفيق أحيانا فإن وصى حال جنونه لم تصح وإن وصى في حال عقله صحت وصيته لأنه بمنزلة العقلاء في شهادته ووجوب العبادة عليه فكذلك في وصيته وتصرفاته ولا تصح وصية السكران وقال أبو بكر فيه قولان يعني وجهين
ولنا أنه ليس بعاقل فلا تصح وصيته كالمجنون وأما إيقاع طلاقه فإنما أوقعه من أوقعه تغليظا عليه لارتكابه المعصية فلا يتعدى هذا إلى وصيته فإنه لا ضرر عليه فيها إنما الضرر على وارثه وأما الضعيف في عقله فإن منع ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه وإلا فهو كالعاقل
فصل : وتصح وصية الأخرس إذا فهمت إشارته لأنها أقيمت مقام نطقه في طلاقه ولعانه وغيرهما فإن لم تفهم إشارته فلا حكم لها وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي وغيرهما فأما الناطق إذا اعتقل لسانه فعرضت عليه وصيته فأشار بها وفهمت إشارته لم تصح وصيته ذكره القاضي و ابن عقيل وبه قال الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة وقال الشافعي و ابن المنذر : تصح وصيته لأنه غير قادر على الكلام أشبه الأخرس واحتج ابن المنذر بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى وهو قاعد فأشار إليهم فقعدوا رواه البخاري وخرجه ابن عقيل وجها إذا اتصل باعتقال لسانه الموت
ولنا أنه غير مأيوس من نطقه فلم تصح وصيته بإشارته كالقادر على الكلام والخبر لا يلزم فإن النبي صلى الله عليه و سلم كان قادرا على الكلام ولا خلاف في ان إشارة القادر لا تصح بها وصية ولا إقرار ففارق الأخرس لأنه مأيوس من نطقه

فصل : وصية الأخرس
فصل : وإن وصى عبد أو مكاتب أو مدبر أو أم ولد وصية ثم ماتوا على الرق فلا وصية لهم لأنه لا مال لهم وإن أعتقوهم ثم ماتوا ولم يغيروا وصيتهم صحت لأنه لهم قولا صحيحا وأهلية تامة وإنما فارقوا الحر بأنهم لا مال لهم والوصية تصح مع عدم المال كما لو وصى الفقير الذي لا شيء له ثم استغنى وإن قال أحدهم متى عتقت ثم مت فثلثي لفلان وصية فعتق ومات صحت وصيته وبه قال أبو يوسف و محمد و أبو ثور ولا أعلم عن غيرهم خلافهم

فصول : ما يصح بالوصية وما لا يصح
فصل : وتصح وصية المسلم للذمي والذمي للمسلم والذمي للذمي روي إجازة المسلم للذمي عن شريح و الشعبي و الثوري و الشافعي رضي الله عنه و إسحاق وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وقال محمد بن الحنفية و عطاء و قتادة في قوله تعالى : { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } هو وصية المسلم لليهودي والنصراني وقال سعيد : حدثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة أن صفية بنت حيي باعت حجرتها من معاوية بمائة ألف وكان لها أخ يهودي فعرضت عليه أن يسلم فيرث فأبى فأوصت له بثلث المائة ألف ولأنه تصح له الهبة فصحت الوصية له كالمسلم وأنها صحت وصية المسلم للذمي فوصية الذمي للمسلم والذمي للذمي أولى ولا تصح إلا بما تصح به وصية المسلم للمسلم ولو أوصى لوارثه أو لأجنبي بأكثر من ثلثه وقف على إجازة الورثة كالمسلم سواء
فصل : وتصح الوصية للحربي في دار الحرب نص عليه أحمد وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي رضي الله عنه وقال بعضهم : لا تصح وهو قول أبي حنيفة لأن الله تعالى قال : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم } - إلى قوله - { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين } الآية فبدل ذلك على أن من قاتلنا لا يحل بره
ولنا : أنه تصح هبته فصحت الوصية له كالذمي وقد روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى عمر حلة من حرير فقال يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال : إني لم أعطكها لتلبسها فكساها عمر أخا مشركا له بمكة ] و [ عن أسماء بنت أبي بكر قالت : أتتني أمي وهر راغبة - تعني عن الإسلام - فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : يا رسول الله أتتني أمي وهي راغبة أفأفصلها ؟ قال : نعم ] وهذان فيهما صلة أهل الحرب وبرهم والآية حجة لنا فيمن لم يقاتل فأما المقاتل فإنه نهي عن تولية لا عن بره والوصية له وإن احتج بالمفهوم فهو لا يراه حجة ثم قد حصل الإجماع على جواز الهبة والوصية في معناها فأما المرتد فقال أبو الخطاب تصح الوصية له كما تصح هبته وقال ابن أبي موسى : لا تصح لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو كالميت ولأن ملكه يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة فلا يثبت له الملك بالوصية
فصل : ولا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد مسلم لأنه لا يجوز هبتهما له ولا بيعهما منه وإن أوصى له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي بطلت الوصية وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول بطلت عند من يرى أن الملك لا يثبت إلا بالقبول لأنه لا يجوز أن يبتدئ الملك على مسلم ومن قال يثبت الملك بالموت قبل القبول قال الوصية صحيحة لأننا نتبين أن الملك يثبت بالموت لأنه أسلم بعد أن ملكه ويحتمل أن لا يصح أيضا لأنه يأتي بسبب لولاه لم يثبت الملك فمنع منه كابتداء الملك
فصل : ولا تصح الوصية بمعصية وفعل محرم مسلما كان الموصي أو ذميا فلو وصى ببناء كنيسة أو بيت نار أو عمارتهما أو الإنفاق عليهما كان باطلا وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه و أبو ثور وقال أصحاب الرأي يصح فأجاز أبو حنيفة الوصية بأرضه تبنى كنيسة وخالفه صاحباه وأجاز أصحاب الرأي أن يوصي بشراء خمر أو خنازير ويتصدق بها على أهل الذمة وهذه وصايا باطلة وأفعال محرمة لأنها معصية فلم تصح الوصية بها كما لو وصى بعبده أو أمته للفجور وإن وصى لكتب التوراة والإنجيل لم تصح لأنها كتب منسوخة وفيها تبديل والاشتغال بها غير جائز وقد غضب النبي صلى الله عليه و سلم حين رأى مع عمر شيئا مكتوبا من التوراة وذكر القاضي أنه لو أوصى لحصر البيع وقناديلها وما شاكل ذلك ولم يقصد إعظامها بذلك صحت الوصية لأن الوصية لأهل الذمة فإن النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة والصحيح أن هذا مما لا تصح الوصية به لأن ذلك إنما هو إعانة لهم على معصيتهم وتعظيم لكنائسهم ونقل عن أحمد كلام يدل لصحة الوصية من الذمي بخدمة الكنيسة والأول أولى وأصح وإن وصى ببناء بيت يسكنه المجتازون من أهل الذمة وأهل الحرب صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية

مسألة : قال : ومن أوصى لأهل قرية لم يعط للكفار إلا أن يذكرهم
مسألة : قال : ومن أوصى لأهل قرية لم يعط من فيها من الكفار إلا أن يذكرهم
يعني به المسلم إذا أوصى لأهل قريته أو لقرابته بلفظ عام يدخل فيه مسلمون وكفار فهي للمسلمين خاصة ولا شيء للكفار وقال الشافعي رضي الله عنه يدخل فيه الكفار لأن اللفظ يتناولهم بعمومه ولأن الكافر لو أوصى لأهل قريته أو قرابته دخل فيه المسلم والكافر فكذلك المسلم
ولنا أن الله تعالى قال : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فلم يدخل فيه الكفار إذا كان الميت مسلما وإذا لم يدخلوا في وصية الله تعالى من عموم اللفظ فكذلك في وصية المسلم ولأن ظاهر حاله أنه لا يريد الكفار لما بينه وبينهم من عداوة الدين وعدم الوصلة المانع من الميراث ووجوب النفقة على فقيرهم ولذلك خرجوا من عموم اللفظ في الأولاد والاخوة والأزواج وسائر الألفاظ العامة في الميراث فكذا ههنا لأن الوصية أجريت مجرى الميراث وإن صرح بهم دخلوا في الوصية لأن صريح المقال لا يعارض بقرينة الحال وإن وصى لهم وأهل القرية كلهم كفار أو وصى لقرابته وكلهم كفار دخلوا في الوصية لأنه لا يمكن تخصيصهم إذ في إخراجهم رفع اللفظ بالكلية وإن كان فيها مسلم واحد والباقي كفار دخلوا في الوصية لأن إخراجهم بالتخصيص ههنا بعيد وفيه مخالفة الظاهر من وجهين : أحدهما : مخالفة لفظ العموم والثاني : حمل اللفظ الدال على الجمع على المفرد وإن كان أكثر أهلها كفارا فظاهر كلام الخرقي أنه للمسلمين لأنه أمكن حمل اللفظ عليهم وصرفه إليهم والتخصيص يصح وإن كان بإخراج الأكثر ويحتمل أن يدخل الكفار في الوصية لأن التخصيص في مثل هذا بعيد فإن تخصيص الصورة النادرة قريب وتخصيص الأكثر بعيد يحتاج فيه إلى دليل قوي والحكم في سائر ألفاظ العموم مثل أن يوصي لاخوته أو عمومته أو بني عمه أو لليتامى أو للمساكين كالحكم في ما إذا أوصى لأهل قريته فأما ان أوصى بذلك كافر فإن وصيته تتناول أهل دينه لأن لفظه يتناولهم وقرينة حاله إرادتهم فأشبه وصية المسلم التي يدخل فيها أهل دينه وهل يدخل في وصيته المسلمون ؟ نظرنا فإن وجدت قرينة دالة على دخولهم مثل أن لا يكون في القرية إلا مسلمون دخلوا في الوصية وكذلك ان لم يكن فيها إلا كافر واحد وسائر أهلها مسلمون وإن انتفت القرائن ففي دخولهم وجهان : أحدهما لا يدخلون كما لم يدخل الكفار في وصية المسلم الثاني : يدخلون لأن عموم اللفظ يتناولهم وهم أحق بوصيته من غيرهم فلا يصرف اللفظ عن مقتضاه ومن هو احق بحكمه إلى غيره وإن كان في القرية كافر من غير أهل دين الموصي لم يدخل في وصيته لأن قرينة حال الموصي تخرجه ولم يوجد فيه ما وجد في المسلم من الأولوية فبقي خارجا بحاله ويحتمل أن لا يخرج بناء على توريث الكفار بعضهم من بعض على اختلاف دينهم

مسألة وفصلان : الوصية بكل المال ولا عطية له جائزة
مسألة : قال : ومن أوصى بكل ماله ولا عصبة له ولا مولى له فجائز وقد روى عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى لا يجوز إلا الثلث
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في من لم يخلف من وراثه عصبة ولا ذا فرض فروي عنه أن وصيته جائزة بكل ماله ثبت هذا عن ابن مسعود وبه قال عبيدة السلماني و مسروق و إسحاق وأهل العراق والرواية الأخرى لا يجوز إلا الثلث وبه قال مالك و الأوزاعي و ابن شبرمة و الشافعي و العنبري لأن له من يعقل عنه فلم تنفذ وصيته في أكثر من ثلثه كما لو ترك وارثا
ولنا أن المنع من الزيادة على الثلث إنما كان لتعلق حق الورثة بدليل قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ] وها هنا لا وارث له يتعلق حق بماله فأشبه حال الصحة ولأنه لم يتعلق بماله حق وارث ولا غريم أشبه حال الصحة أو أشبه الثلث
فصل : وإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله كبنت أو أم لم يكن له الوصية بأكثر من الثلث لأن سعدا قال للنبي صلى الله عليه و سلم : لا يرثني إلا ابنتي فمنعه النبي صلى الله عليه و سلم من الزيادة على الثلث ولأنها تستحق جميع المال بالفرض فأشبهت العصبة وإن كان لها زوج أو للرجل امرأة فكذلك لأن الوصية تنقص حقه لأنه إنما يستحق فرضه بعد الوصية لقوله تعالى : { من بعد وصية يوصى بها أو دين } فأما ذو الأرحام فظاهر كلام الخرقي أنه لا يمنع الوصية بجميع المال لقوله ولا عصبة له ولا مولى له وذلك لأن ذا الرحم ارثه كالفضلة والصلة ولذلك لا يصرف إليه شيء إلا عند عدم الرد والمولى لا تجب نفقته ويحتمل أن لا تنفذ وصيته بأكثر من ثلثه لأن له وارثا فيدخل في معنى قوله عليه السلام : [ إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ] ولأنهم ورثة يستحقون ماله بعد موته وصلته لهم في حياته فأشبهوا ذوي الفروض والعصبات وتقديم غيرهم عليهم لا يمنع مساواتهم لهم في مسألتنا كذوي الفروض الذين يحجب بعضهم بعضا والعصبات
فصل : فإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله وقال أوصيت لفلان بثلثي على أنه لا ينقص ذا الفرض شيئا من فرضه أو خلف امرأة وقال أوصيت لك بما فضل من المال عن فرضها صح في المسألة الأولى لأن ذا الفرض يرث المال كله لولا الوصية فلا فرق في الوصية بين أن يجعلها من رأس المال أو من الزائد على الفرض وأما المسألة الثانية : فتنبني على الوصية بجميع المال فإن قلنا تصح ثم صحت ها هنا لأن الباقي عن فرض الزوجة مال لا وارث له فصحت الوصية به كما لو تكن زوجة وإن قلنا لا تصح ثم ها هنا مثله لأن بيت المال جعل كوارث فصار كأنه ذو ورثة يستغرقون المال إذا عين الوصية من نصيب العصبة منهم فعلى هذا يعطى الموصى له الثلث من رأس المال ويسقط تخصيصه

مسألة وفصول : وصية الرجل لعبده وأمته
مسألة : قال : ومن أوصى لعبده بثلث ماله فإن كان العبد يخرج من الثلث عتق وما فضل من الثلث بعد عتقه فهو له وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث إلا أن يجيز الورثة
وجملة ذلك أنه أوصى لعبده بجزء شائع من ماله كثلث أو ربع أو سدس صحت الوصية فإن خرج العبد من الوصية عتق واستحق باقيها وإن لم يخرج عتق منه بقدر الوصية وبهذا قال الحسن و ابن سيرين و أبو حنيفة إلا أنهم قالوا إن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه وقال الشافعي رضي الله عنه الوصية باطلة إلا أن يوصي بعتقه لأنه أوصى بمال يصير للورثة فلم يصح كما لو وصى له بمعين
ولنا أن الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها لأنه من جملة الثلث الشائع والوصية له بنفسه تصح ويعتق وما فضل يستحقه لأنه يصير حرا فيملك الوصية فيصير كأنه قال اعتقوا عبدي من ثلثي وأعطوه ما فضل منه وفارق ما إذا أوصى بمعين لأنه لا يتناول شيئا منه
فصل : فإن وصى له بمعين من ماله كثوب أو دار أو بمائة درهم فالوصية باطلة في قول الأكثرين وبه يقول الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى عن أحمد أنها تصح وهو قول مالك و أبي ثور وقال الحسن و ابن سيرين إن شاء الورثة أجازوا إن شاءوا ردوا
ولنا أن العبد يصير ملكا للورثة فما وصى به له فهو لهم فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه فلا فائدة فيه وفارق ما إذا أوصى له بمشاع لما ذكرناه
فصل : وإن وصى له برقبته فهو تدبير يعتق ان حمله الثلث وبهذا قال مالك وأصحاب الرأي وقال أبو ثور الوصية باطلة لأنه لا يملك رقبته
ولنا أنه أوصى له بمن لا يملكه على الدوام فصح كما لو وصى بأبيه ولأن معنى الوصية له برقبته عتقه لعلمه بأنه لا يملك رقبته فصارت الوصية به كناية عن إعتاقه بعد موته وإن وصى له ببعض رقبته فهو تدبير لذلك الجزء وهل يعتق جميعه إذا حمله الثلث ؟ على روايتين ذكرهما الخرقي فيما إذا دبر بعض عبده وهو مالك لكله وقال أصحاب الرأي يسعى في قيمة باقيه وهذا شيء يأتي في باب العتق إن شاء الله تعالى
فصل : وإن وصى لمكاتبه وارثه أو مكاتب أجنبي صح سواء أوصى له بجزء شائع أو معين لأن ورثته لا يستحقون المكاتب ولا يملكون ماله وإن وصى لأم ولده صحت الوصية لأنها حرة حين لزوم الوصية وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه وصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف أربعة آلاف رواه سعيد وروي ذلك عن عمران بن حصين وبه قال ميمون بن مهران و الزهري و يحيى الأنصاري و مالك و الشافعي و إسحاق وإن وصى لمدبره صح لأنه يصير حرا حين لزوم الوصية فصحت الوصية له كأم الولد وإن لم يخرج من الثلث هو والوصية جميعا قدم عتقه على الوصية لأنه أنفع وقال القاضي يعتق بعضه ويملك من الوصية بقدر ما عتق منه ولنا أنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو وصى لعبده القن بمشاع من ماله
فصل : وإن أوصى لعبد غيره صح وتكون الوصية والقبول في ذلك إلى العبد لأن العقد مضاف إليه فأشبه ما لو وهبه شيئا فإذا قبل ثبت لسيده لأنه من كسب عبده وكسب العبد لسيده ولا تفتقر في القبول إلى إذن السيد لأنه كسب فصح من غير إذن سيده كالاحتطاب وهذا قول أهل العراق و الشافعي ولأصحابه وجه أن القبول يفتقر إلى إذن السيد لأنه كسب فصح من غير إذن سيده كالاحتطاب وهذا قول أهل العراق و الشافعي ولأصحابه وجه أن القبول يفتقر إلى إذن السيد لأنه تصرف من العبد فأشبه بيعه وشراءه
ولنا أنه تحصيل مال بغير عوض فلم يفتقر إلى إذنه كقبول الهبة وتحصيل المباح وإن وصى لعبد وارثه فهي كالوصية لوارثه يقف على إجازة الورثة وبه قال الشافعي و أبو حنيفة وقال مالك إن كان يسيرا جاز لأن العبد يملك وإنما لسيده أخذه من يده فإذا وصى له بشيء يسير علم أنه قصد بذلك العبد دون سيده
ولنا أنها وصية لعبد وارثه فأشبهت الوصية بالكثير وما ذكروه من ملك العبد ممنوع ولا اعتبار به فإنه مع هذا القصد يستحق سيده أخذه فهو كالكثير
فصل : وإذا أوصى بعتق أمته على أن لا تتزوج ثم مات فقالت لا أتزوج عتقت فإن تزوجت بعد ذلك لم يبطل عتقها وهذا مذهب الأوزاعي و الليث و أبي ثور و ابن المنذر وأصحاب الرأي وذلك لأن العتق إذا وقع لا يمكن رفعه وإن وصى لأم ولده بألف على أن لا تتزوج أو على أن تثبت مع ولده ففعلت وأخذت الألف ثم تزوجت وتركت وله ففيها وجهان : أحدهما : تبطل وصيتها لأنه فات الشرط ففاتت الوصية وفارق العتق فإنه لا يمكن رفعه والثاني : لا تبطل وصيتها وهو قول أصحاب الرأي لأن وصيتها صحت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها كالأولى

فصل : وصية القاتل والروايات فيه
فصل : واختلف أصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه فقال ابن حامد تجوز الوصية له واحتج بقول أحمد فيمن جرح رجلا خطأ فعفا المجروح فقال أحمد : يعتبر من ثلثه قال وهذه وصية لقاتل وهذا قول مالك و أبي ثور و ابن المنذر وأظهر قولي الشافعي رضي الله عنه لأن الهبة له تصح فصحت الوصية له كالذمي وقال أبو بكر : لا تصح الوصية له فإن أحمد قد نص على أن المدبر إذا قتل سيده بطل تدبيره والتدبير وصية وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من الوصية فالوصية أولى ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه
وقال أبو الخطاب : إن وصى له بعد جرحه صح وإن وصى له قبله ثم طرأ القتل على الوصية أبطلها جمعا بين نصي أحمد في الموضعين وهو قول الحسن بن صالح وهذا قول حسن لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها ولم يطرأ عليها ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت فإن القتل طرأ عليها فأبطلها لأنه يبطل ما هو آكد منها يحققه أن القتل إنما منع الميراث لكونه بالقتل استعجل الميراث الذي انعقد سببه فعورض بنقيض قصده وهو منع الميراث دفعا لمفسدة قتل الموروثين ولذلك بطل التدبير بالقتل الطارئ عليه أيضا وهذا المعنى متحقق في القتل الطارئ على الوصية فإنه ربما استعجلها بقتله وفارق القتل قبل الوصية فإنه لم يقصد به استعجال مال لعدم انعقاد سببه والموصي راض بالوصية له بعد صدور ما صدر منه في حقه ولا فرق بين العمد والخطأ في هذا كما لا يفترق الحال بذلك في الميراث وعلى هذا متى دبر عبده بعد جرحه إياه صح تدبيره

مسألة وفصول : قول الرجل أحد عبدي حر
مسألة : قال : وإذا قال : أحد عبدي حر أقرع بينهما فمن تقع عليه القرعة فهو حر إذا خرج من الثلث
وجملة ذلك أنه إذا أعتق عبدا غير معين فإنه يقرع بينهما فيخرج الحر بالقرعة وقال أبو حنيفة و الشافعي رضي الله عنهما له تعيين أحدهما بغير قرعة لأنه عتق مستحق في غير معين فكان التعيين إلى المعتق كالعتق في الكفارة وكما لو قال لورثته اعتقوا عني عبدا
ولنا أنه عتق استحقه واحد من جماعة معينين فكان إخراجه بالقرعة كما لو أعتقهما فلم يخرج من ثلثه إلا أحدهما ودليل الحكم في الأصل حديث عمران بن حصين فأما العتق في الكفارة فإنه لم يستحقه أحد إنما استحق على المكفر التكفير وأما إذا قال اعتقوا عني عبدا فإن لم يضفه إلى عبيده ولا إلى جماعة سواهم فهو كالمعتق في الكفارة وإن قال اعتقوا أحد عبيدي احتمل أن نقول بإخراجه بالقرعة كمسألتنا واحتمل أن يرجع فيه إلى اختيار الورثة وسيأتي الورثة وأصل الوجهين ما لو وصى لرجل بعبد من عبيده هل يعطى أحدهم بالقرعة أو يرجع إلى اختيار الورثة وسيأتي الكلام عليها والفرق بين مسألتنا وبين هذه المسألة على هذا الوجه أنه جعل الأمر إلى الورثة حيث أمرهم بالاعتاق فكانت الخيرة إليهم وفي مسألتنا لم يجعل لهم من الأمر شيئا فلا يكون لهم خيرة
فصل : ونقل صالح عن أبيه فيمن له غلامان اسمهما واحد فقال فلان حر بعد موتي وله مائتا درهم ولم يعينه يقرع بينهما فيعتق من خرجت له القرعة وليس له من المائتين شيء ووجه ذلك والله أعلم أن الوصية بالمائتين وقعت لغير معين ولا تصح الوصية إلا لمعين وقال القاضي يجب أن تصح هذه الوصية لأن مستحقها حر في حال استحقاقها ونقل عن أحمد فيمن قال اعتقوا رقبة عني فلا يعتق عنه إلا مسلم وذلك لأن المطلق في كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ولما أمر الله تعالى بتحرير رقبة لم يتناول إلا المسلم فكذلك الآدمي

مسألة وفصول : من أوصى بشراء عبد وفروع
مسألة : قال : وإذا أوصى أن يشتري عبد زيد بخمسمائة فيعتق فلم يبعه سيده فالخمسمائة للورثة وإن اشتروه بأقل فما فضل فهو للورثة
أما إذا تعذر شراؤه إما لامتناع سيده من بيعه أو من بيعه بالخمسمائة وإما لموته أو لعجز الثلث عن ثمنه فالثمن للورثة لأن الوصية بطلت لتعذر العمل بها فأشبه ما لو وصى لرجل فمات قبل موت الموصي أو بعده ولم يدع وارثا ولا يلزمهم شراء عبد آخر لأن الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره وأما إن اشتروه بأقل فالباقي للورثة وقال الثوري يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد لأنه قصد إرفاقه بالثمن ومحاباته به فأشبه ما لو قال بيعوه عبدي بخمسمائة وقيمته أكثر منها وكما لو أوصى أن يحج عنه فلأن حجة بخمسمائة وقال إسحاق يجعل بقيمة الثمن في العتق كما لو أوصى أن يحج عنه بخمسمائة رد ما فضل في الحج
ولنا أنه أمر بشرائه بخمسمائة فكان ما فضل من الثمن راجعا إليه كما لو وكل في شرائه في حياته وفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه رجل بخمسمائة لأن القصد ثم إرفاق الذي يحج بالفضلة وفي مسألتنا المقصود العتق ويفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة لغير معين لأن الوصية ثم للحج مطلقا فصرف جميعها فيه وههنا لمعين فلا تتعداه وقوله إنه قصد إرفاق زيد بالثمن ومحاباته به فنقول الصحيح أنه إن كانت ثم قرينة تدل على ذلك إما لكون البائع صديقا له أو ذا حاجة أو من أهل الفضل الذين يقصدون بهذا أو عين هذا الثمن وهو يعلم حصول العبد بدونه لقلة قيمته فإنه يدفع جميع الثمن إلى زيد كما لو صرح بذلك فقال وادفعوا إليه جميعها وإن بذله بدونها وإن انعدمت هذه القرائن فالظاهر أنه إنما قصد العتق وقد حصل فكان الفاضل عائدا إليه كما لو أمره بالشراء في حياته
فصل : وإن وصى أن يشترى عبد بألف فيعتق عنه فلم يخرج من ثلثه اشتري عبد بما يخرج من الثلث وبه قال الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة تبطل الوصية لأنه أمر بشراء عبد بألف فلا يجوز للمأمور الشراء بدونه كالوكيل
ولنا أنها وصية يجب تنفيذها إذا احتملها الثلث فإذا لم يحتملها وجب تنفيذها فيما حمله كما لو وصى بعتق عبده يحمله الثلث وفارق الوكالة فإنه لو وكله في إعتاق عبد لم يملك اعتاق بعضه ولو أوصى بإعتاق عبد لأعتق منه ما يحتمله الثلث فإما إن حمله الثلث فاشتراه وأعتقه ثم ظهر على الميت دين يستغرق المال فالوصية باطلة ويرد العبد إلى الرق إن كان اشتراه بعين المال لأننا تبينا أن الشراء باطل بكونه اشترى بمال مستحق للغرماء بغير إذنهم وإن كان الشراء في الذمة صح الشراء ونفذ العتق وعلى المشتري غرامة ثمنه ولا يرجع به على أحد لأن البائع ما غره إنما غره الموصي ولا تركة له فيرجع عليها وهذا مذهب الشافعي ويحتمل أن يشارك الغرماء في التركة ويضرب معهم بقدر دينه لأن الدين لزمه بتغرير الموصى فيرجع به عليه فإذا كان ميتا لزمه في تركه كأرش جنايته
فصل : وإن وصى بشراء عبد وأطلق أو وصى ببيع عبده وأطلق فالوصية باطلة لأن الوصية لا بد لها من مستحق ولا مستحق ههنا وإن وصى ببيعه بشرط العتق صحت الوصية وبيع كذلك لأن في البيع ههنا نفعا للعبد بالعتق فإن لم يوجد من يشتريه كذلك بطلت الوصية لتعذرها كما لو وصى بشراء عبد ليعتق فلم يبعه سيده وإن وصى ببيعه لرجل بعينه بثمن معلوم بيع به لأنه قد قصد إرفاقه بذلك في الغالب وإن لم يسم ثمنا بيع بقيمته وتصح الوصية لكونه قصد إيصال العبد بعينه إلى رجل بعينه فيحتمل أن يتعلق الغرض بإرفاق العبد بإيصاله إلى من هو معروف بحسن الملكة وإعتاق الرقاب ويحتمل أن يريد إرفاق المشتري لمعنى يحصل له من العبد فإن تعذر بيعه لذلك الرجل أو أبي أن يشتريه بالثمن أو بقيمته إن لم يعين الثمن بطلت الوصية لما ذكرنا
مسألة : قال : وإذا أوصى لرجل بعبد لا يملك غيره وقيمته مائة ولآخر بثلث ماله وملكه غير العبد مائتا درهم فأجاز الورثة ذلك لمن أوصى له بالثلث ثلث المائتين وربع العبد ولمن أوصي له بالعبد ثلاثة أرباعه وإن لم يجز الورثة ذلك فلمن أوصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد لأن وصيته في الجميع ولمن أوصى له بالعبد نصفه لأن وصيته في الجميع ولمن أوصى له بالعبد نصفه لأن وصيته في العبد
وجملته أنه إذا أوصى لرجل بمعين من ماله ولآخر بجزء مشاع منه كثلث المال وربعه فأجيز لهما انفرد صاحب المشاع بوصيته من غير المعين ثم شارك صاحب المعين فيه فيقتسمانه بينهما على قدر حقيهما فيه ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية كمسائل العول وكما لو أوصى لرجل بماله ولآخر بجزء منه فأما في حال الرد فإن كانت وصيتهما لا تجاوز الثلث مثل أن يوصي لرجل بسدس ماله ولآخر بمعين قيمته سدس المال فهي كحال الإجازة سواء إذ لا أثر للرد وإن جاوزت ثلثه رددنا وصيتهما إلى الثلث وقسمناه بينهما على قدر وصيتهما إلا أن صاحب المعين يأخذ نصيبه من المعين والآخر يأخذ حقه من جميع المال هذا هو قول الخرقي وسائر الأصحاب ويقوى عندي أنهما في حال الرد يقتسمان الثلث على حسب مالهما في الإجازة وهذا قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة و مالك في الرد يأخذ صاحب المعين نصيبه منه ويضم الآخر سهامه إلى سهام الورثة ويقتسمون الباقي على خمسة في مثل مسألة الخرقي لأن له السدس وللورثة أربعة أسداس وهو مثل قول الخرقي إلا أن الخرقي يعطيه السدس من جميع المال وعندهما أنه يأخذ خمس المائتين وعشر العبد واتفقوا على أن كل واحد من الوصيين يرجع إلى نصف وصيته لأن كل واحد منهما قد أوصي له بثلث المال وقد رجعت الوصيتان إلى الثلث وهو نصف الوصيتين فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ما له في الوصية وفي قول الخرقي رحمة الله عليه يأخذ كل واحد منهما نصف وصيته من المحل الذي وصى له منه وصاحب الثلث يأخذ سدس الجميع لأنه وصي له بثلث الجميع وأما على قولنا فإن وصية صاحب العبد دون وصية صاحب الثلث لأنه وصى له بشيء شرك معه غيره فيه كله وصاحب الثلث أفرده بشيء لم يشاركه فيه غيره فوجب أن يقسم بينهما الثلث حالة الرد على حسب مالهما في حال الإجازة كما في سائر الوصايا ففي مسألتنا هذه لصاحب الثلث ثلث المائتين ستة وستون وثلثان لا يزاحمه الآخر فيها ويشتركان في العبد لهذا ثلثه وللآخر جميعه فأبسطه من جنس الكسر وهو الثلث يصير العبد ثلاثة واضمم إليها الثلث الذي للآخر يصير أربعة ثم اقسم العبد على أربعة أسهم يصير الثلث ربعا كما في مسائل العول وفي حال الرد ترد وصيتهما إلى ثلث المال وهو نصف وصيتهما فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته فيرجع صاحب الثلث إلى سدس الجميع ويرجع صاحب العبد إلى نصفه وفي قولنا يضرب مخرج الثلث في مخرج الربع يكن اثنا عشر ثم في ثلاثة تكن ستة وثلاثين فلصاحب الثلث ثلث المائتين وهو ثمانية من أربعين وربع العبد وهو ثلاثة أسهم صار له أحد عشر ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه وذلك تسعة أسهم فيضمها إلى سهام صاحب الثلث صار الجميع عشرين سهما ففي حال الرد نجعل الثلث عشرين سهما والمال كله ستون فلصاحب العبد تسعة من العبد وهو ربعه وخمسه ولصاحب الثلث ثمانية من الأربعين وهي خمسها وثلاثة من العبد وذلك عشره ونصف عشره وإن كانت وصية صاحب المشاع بالنصف فله في حال الإجازة مائة وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه وفي الرد لصاحب المشاع خمس المائتين وخمس العبد ولصاحب العبد خمساه وعلى الوجه الآخر لصاحب المشاع ربع المائتين وسدس العبد ولصاحب العبد ثلثه وطريقها أن تنسب الثلث إلى ما حصل لهما في الإجازة ثم تعطي كل واحد مما حصل له في الإجازة مثل تلك النسبة وعلى الوجه الأول تنسب الثلث إلى وصيتهما ثم تعطي كل واحد في الرد مثل الخارج بالنسبة وبيانه في هذه المسألة أن نسبة الثلث إلى وصيتهما بالخمسين لأن النصف والثلث خمسة من ستة فالثلث خمساها فلصاحب العبد خمسا العبد لأنه وصيته ولصاحب النصف الخمس لأنه خمسا وصيته وعلى الوجه الآخر قد حصل لهما في الإجازة الثلثان ونسبة الثلث إليهما بالنصف فلكل واحد منهما مما حصل له في الإجازة نصفه وقد كان لصاحب المشاع من المائتين نصفها فله ربعها وكان له من العبد ثلثه فصار له سدسه وكان لصاحب العبد ثلثاه فصار له ثلثه وإن كانت المسألة بحالها وملكه غير العبد ثلاثمائة ففي الإجازة لصاحب المشاع مائة وخمسون وثلث العبد ولصاحب العبد أربعة أتساعه على الوجه الأول وعلى الوجه الثاني لصاحب العبد أربعة وسدسه وللآخر ثمنه ونصف سدسه ومن المال ثمانون وهي ربعها وسدس عشرها وإن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بالعبد ففي الإجازة لصاحب العبد نصفه والباقي كله وللآخر وفي الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب العبد خمسه وهو ربع العبد وسدس عشره وللآخر أربعة أخماسه فله من العبد مثل ما حصل لصاحبه ومن كل مائة مثل ذلك وهو ثمانون دينارا ولو خلف عبدا قيمته مائة ومائتين ووصى لرجل بمائة وبالعبد كله ووصى بالعبد لآخر ففي حال الإجازة يقسم العبد بينهما نصفين وينفرد صاحب الثلث بثلث الباقي وفي الرد للموصى له بالعبد ثلثه وللآخر ثلثه وثلث المائة وعلى الوجه الآخر لصاحب العبد ربعه وللآخر ربعه ونصف المائة يرجع كل واحد منهما إلى نصف وصيته فإن لم تزد الوصيتان على الثلث كرجل خلف خمسمائة وعبدا قيمته مائة ووصى لرجل بسدس ماله ولآخر بالعبد فلا أثر للرد ههنا ويأخذ صاحب المشاع سدس المال وسبع العبد والآخر ستة أسباعه وإن وصى لصاحب المشاع بخمس المال فله مائة وسدس العبد ولصاحب العبد خمسة أسداسه ولا أثر للرد أيضا لأن الوصيتين لم يخرج بهما من المال أكثر من ثلثه

مسألة وفصول : وصية الرجل لقرابته وأهل بيته وعشيرته ولجيرانه وأهل دربه
مسألة : قال : ومن أوصى لقرابته فهو للذكر والأنثى بالسوية ولا يجاوز بها أربعة آباء لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذي القربى
وجملته أن الرجل إذا أوصى لقرابته أو لقرابة فلان كانت الوصية لأولاده وأولاد أبيه وأولاد جده وأولاد جد أبيه ويستوي فيه الذكر والأنثى ولا يعطى من هو أبعد منهم شيئا فلو وصى لقرابة النبي صلى الله عليه و سلم أعطى أولاده وأولاد عبد المطلب وأولاد هاشم ولم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل شيئا لأن الله تعالى لما قال : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى } يعني أقرباء النبي صلى الله عليه و سلم أعطى النبي صلى الله عليه و سلم هؤلاء الذين ذكرناهم ولم يعط من هو أبعد منهم كبني عبد شمس ونوفل شيئا إلا أنه أعطى بني المطلب وعلل عطيتهم بأنهم لم يفارقوا بني هاشم في جاهلية ولا إسلام ولم يعط قرابة أمه وهم بنو زهرة شيئا ولم يعط منهم إلا مسلما فحمل مطلق كلام الموصي على ما حمل عليه المطلق من كلام الله تعالى وفسر بما فسر به ويسوي بين قريبهم وبعيدهم وذكرهم وأنثاهم لأن الوصية لهم سواء ويدخل في الوصية الكبير والصغير والغني والفقير ولا يدخل الكفار لأنهم لم يدخلوا في المستحق من قربى النبي صلى الله عليه و سلم وقد نقل عبد الله وصالح عن أبيهما رواية أخرى أنه يصرف إلى قرابة أمه إن كان يصلهم في حياته كأخواله وخالاته وإخوته من أمه وإن كان لا يصلهم لم يعطوا شيئا لأن عطيته لهم في حياته قرينة دالة على صلته لهم بعد مماته وإلا فلا وعنه رواية أخرى أنه يجاوز بها أربعة آباء ذكرها ابن أبي موسى في الإرشاد وهذه الرواية تدل على أن لفظه لا يتقيد بالقيد الذي ذكرناه فعلى هذا يعطي كل من يعرف بقرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينسبون إلى الأب الأدنى الذي ينسب إليه وهذا مذهب الشافعي لأنهم قرابته فيتناولهم الاسم ويدخلون في عمومه وإعطاء النبي صلى الله عليه و سلم لبعض قرابته تخصيص لا يمنع من العموم في غير ذلك الموضع وقد قال أبو حنيفة : قرابته كل ذي رحم محرم فيعطى من أدناهم اثنان فصاعدا فإذا كان له عمان وخالان فالوصية لعميه وإن كان له عم وخالان فلعمه النصف ولخاليه النصف وقال قتادة : للأعمام الثلثان وللأخوال الثلث وبه قال الحسن قال ويزاد الأقرب بعض الزيادة وقال مالك يقسم على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد ولنا أن هذا الاسم له عرف في الشرع وهو ما ذكرناه فيجب حمله عليه وتقديمه على العرف اللغوي كالوضوء والصلاة والصوم والحج ولا وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم فإن اسم القرابة يقع على غيرهم عرفا وشرعا وقد تحرم على الرجل ربيبته وأمهات نسائه وحلائل آبائه وأبنائه ولا قرابة لهم وتحل له ابنة عمه وعمته وابنة خاله وخالته وهن من أقاربه وما ذكره من التفصيل لا يقتضيه اللفظ ولا يدل عليه دليل فالمصير إليه تحكم فأما إن كان في لفظه ما يدل على إرادة قرابة أمه كقوله وتفضل قرابتي من جهة أبي على قرابتي من جهة أمي أو قوله إلا ابن خالتي فلانا أو نحو ذلك أو قرينة تخرج بعضهم عمل بما دلت عليه القرينة لأنها تصرف اللفظ عن ظاهره إلى غيره
فصل : فإن وصى لأقرب أقاربه أو أقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما لم يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب فيقدم الأب على كل من أدلى به من الأجداد والأخوة والأعمام والابن مقدم عليهم وعلى كل من أدلى به ويستوى الأب والابن لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه من غير واسطة ويحتمل أن يقدم الابن لأنه يسقط تعصيب الأب والأول أولى لأن إسقاط تعصيبه لا يمنع مساواته في القرب ولا كونه أقرب منه بدليل أن ابن الابن يسقط تعصيبه مع بعده ويقدم الابن على الجد والأب على ابن الابن وقال أصحاب الشافعي رضي الله عنه يقدم ابن الابن على الأب في أحد الوجهين لأنه يسقط تعصيبه
ولنا أن الأب يدلي بنفسه ويلي ابنه من غير حاجز ولا يسقط ميراثه بحال بخلاف ابن الابن والأب والأم سواء وكذلك الابن والبنت والجد أبو الأب وأبو الأم وأم الأب وأم الأم كلهم سواء ثم من بعد الأولاد أولاد البنين وإن سلفوا الأقرب فالأقرب الذكور والاناث وفي أولاد البنات وجهان بناء على دخولهم في الوقف ثم من بعد الولد الأجداد الأقرب منهم فالأقرب لأنهم العمود الثاني ثم الاخوة والأخوات لأنهم ولد الأب أو من ولد الأم ثم ولدهم وإن سلفوا ولا شيء لولد الأخوات إذا قلنا لا يدخل ولد البنات وإذا تساوت درجتهم فأولاهم ولد الأبوين ويسوى بين ولد الأب وولد الأم لأنهما على درجة واحدة وكذلك ولداهما والأخ للأب أولى من ابن الأخ من الأبوين كما في الميراث ثم بعدهم الأعمام ثم بنوهم وإن سلفوا ويستوي العم من الأب والعم من الأم وكذلك أبناؤهما وعلى هذا الترتيب ذكره القاضي وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه إلا أنه يرى دخول ولد البنات والأخوات والأخوال والخالات وهذا القول إنما يخرج في مذهب أحمد على الرواية الثالثة التي تجعل القرابة فيها كل من يقع عليهم اسم القرابة فأما على الرواية التي اختارها الخرقي وأن القرابة اسم لمن كان من أولاد الآباء فلا يدخل فيه الأم ولا أقاربها لأن من لم يكن من القرابة لم يكن أقرب القرابة فعلى هذا تتناول الوصية من كان أقرب من أولاد الموصي وأولاد آبائه إلى أربعة آباء ولا يعدوهم ذلك وإن وصى لجماعة من أقرب الناس إليه أعطي لثلاثة من أقرب الناس إليه وإن وجد أكثر من ثلاثة في درجة واحدة كالاخوة فالوصية لجميعهم لأن بعضهم ليس بأولى من بعض والاسم يشملهم وإن لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة كملت من الثانية وإن كانت الدرجة الثانية جماعة سوى بينهم لما ذكرنا في الدرجة الأولى وإن لم يكمل من الثانية فمن الثالثة فإذا وجد ابن وأخ وعم فالوصية بينهم أثلاثا وكذلك إن كان ابن وأخوان وإن كان ابن وثلاثة إخوة دخل جميعهم في الوصية وينبغي أن يكون للابن ثلث الوصية ولهم ثلثاها فإن كان الابن وارثا سقط حقه من الوصية إن لم يجز له والباقي للاخوة وإن وصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصب في الجملة سواء كانوا ممن يرث في الحال أو لم يكن ويسوى بين قريبهم وبعيدهم لشمول اللفظ لهم ولا خلاف في أنهم لا يكونون من جهة الأم بحال
مسألة : قال : وإن قال لأهل بيتي أعطي من قبل أبيه وأمه
يعني تعطي أمه وأقاربها الأخوال والخالات وآباء أمه وأولادهم وكل من يعرف بقرابته والمنصوص عن أحمد فيما وقفنا عليه التسوية بين هذا اللفظ ولفظ القرابة فإنه قال في رواية عبد الله إذا أوصى بثلث ماله لأهل بيته هو بمثابة قوله لقرابتي وحكاه ابن المنذر عن أحمد وقال أحمد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تحل الصدقة لي ولأهل بيتي ] فجعل سهم ذي القربى لهم عوضا عن الصدقة التي حرمت عليهم فكان ذوو القربى الذي سماهم الله تعالى هم أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة وذكر حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أذكركم الله في أهل بيتي ] قال قلنا من أهل بيته نساؤه ؟ قال : لا أصله وعشيرته الذين حرمت عليهم الصدقة : آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس وقال القاضي : قال ثعلب أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم كالأجداد والأعمام وأولادهم ويستوي فيه الذكور والإناث وذكر القاضي أن أولاد الرجل لا يدخلون في اسم القرابة ولا أهل بيته وليس هذا بشيء فإن ولد النبي صلى الله عليه و سلم من أهل بيته وأقاربه الذين حرموا الصدقة وأعطوا من سهم ذي القربى وهم من أقرب أقاربه فكيف لا يكونون من أقاربه وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لفاطمة وولديها وزوجها : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ] ولو وقف على أقارب رجل أو أوصى لأقاربه دخل فيه ولده بغير خلاف علمته و الخرقي عدهم في القرابة بقوله لا يجاوز بها أربعة آباء لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذي القربى فجعل هاشما الأب الرابع ولا يكون رابعا إلا أن يعد النبي صلى الله عليه و سلم أبا لأن هاشما إنما هو رابع النبي صلى الله عليه و سلم
فصل : وإن وصى لآله فهو مثل قرابته فإن في بعض ألفاظ زيد بن أرقم من آل رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أصله وعشيرته الذين حرموا الصدقة بعده : آل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل والأصل في آل أهل فقلبت الهاء همزة كما قالوا أهرقت الماء وأرقته ومدت لئلا تجتمع همزتان
وإن أوصى لعترته فقد توقف أحمد في ذلك وهو في عرف الناس عشيرته الأدنون وولده الذكور والاناث وإن سفلوا فتصرف الوصية إليهم وبذلك فسره ابن قتيبة قال : ويدل على ذلك قول أبي بكر رضي الله عنه نحن عترة النبي صلى الله عليه و سلم وبيضته التي تفقت عنه وقال ثعلب و ابن الأعرابي : العترة الأولاد وأولاد الأولاد ولم يدخلا في ذلك العشيرة والأول أصح وأشهر في عرف الناس مع أنه قد دل على صحته قول أبي بكر رضي الله عنه في محفل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فلم ينكره أحد وهم أهل اللسان فلا يعول على ما خالفه
وإن وصى لقومه أو لنسبائه فقال أبو بكر هذا بمثابة أهل بيته وقال القاضي إذا قال لرحمي أو لأرحامي أو لأنسابي أو لمناسبي صرف إلى قرابته من قبل أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس فعلى هذا يصرف إلى كل من يرث بفرض أو تعصيب أو بالرحم في حال من الأحوال وقول أبي بكر في المناسبين أولى من قول القاضي لأن ذلك في العرف يطلق على من كان من العشيرة التي ينتسبان إليها وإذا كان كل واحد منهما ينتسب إلى قبيلة غير قبيلة صاحبه فليس بمناسب له
فصل : فإن وصى لمواليه وله موال من فوق وهم معتقوه فالوصية لهم لأن الاسم يتناولهم وقد تعينوا بوجودهم دون غيرهم وإن لم يكن له إلا موال من أسفل فهو لهم كذلك وإن اجتمعوا فالوصية لهم جميعا يستوون فيها لأن الاسم يشمل جميعهم وقال أصحاب الرأي الوصية باطلة لأنها لغير معين وقال أبو ثور يقرع بينهما لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر وقال ابن القاسم هي للمولى من أسفل ولأصحاب الشافعي أربعة أوجه كقولنا وقول أصحاب الرأي والثالث : هي للموالي من فوق لأنهم أقوى بدليل أنهم عصبة ويرثونه بخلاف عتقائه والرابع : يقف الأمر حتى يصطلحوا
ولنا أن الاسم يتناول الجميع حقيقة وعرفا فدخلوا في الوصية كما لو وصى لاخوته وقولهم غير معين غير صحيح فإن من التعميم يحصل التعيين ولذلك لو حلف لأكملت موالي حنث بكلام أيهم كان وقولهم إن المولى من فوق أقوى قلنا مع شمول الاسم لهم يدخل فيه الأقوى والأضعف كاخوته ولا شيء لابن العم ولا للناصر ولا لغير من ذكرنا لأن الاسم إن لم يتناولهم حقيقة لم يتناولهم عرفا والأسماء العرفية تقدم على الحقيقة ولا يستحق مولى ابنه مع وجود مواليه وقال زفر يستحق ولا يصح لأن مولى ابنه ليس بمولى له حقيقة إذا كان له مولى سواه فإن لم يكن له مولى فقال الشريف أبو جعفر يكون لموالي أبيه وقال أبو يوسف و محمد لا شيء له لأنه ليس بمولى له واحتج الشريف بأن الاسم يتناول موالي أبيه مجازا فإذا تعذرت الحقيقة وجب صرف الاسم إلى مجازه والعمل به تصحيحا لكلام المكلف عند إمكان تصحيحه ولأن الظاهر إرادته المجاز لكونه محملا صحيحا وإرادة الصحيح أغلب من إرادة الفاسد فإن كان له موالي وموالي أب حين الوصية ثم انقرض مواليه قبل الموت لم يكن لموالي الأب شيء على مقتضى ما ذكرناه لأن الوصية كانت لغيرهم فلا تعود إليهم إلا بعقد ولم يوجد ولا يشبه هذا قوله أوصيت لأقرب الناس إلي وله ابن وابن ابن فمات الابن حيث يستحق ابن الابن وإن كان لا يستحق مع حياة الابن شيئا لأن الوصية ههنا لموصوف بصفة وجدت في ابن الابن كوجودها في الابن حقيقة وفي المولى يقع الاسم على مولى نفسه حقيقة وعلى مولى أبيه مجازا فمع وجودهم جميعا لا يحمل اللفظ إلا على الحقيقة وهذه الصفة توجد في مولى أبيه قال الشريف ويدخل في الوصية للموالي مدبره وأم ولده لأن الوصية إنما تستحق بعد الموت وهم حينئذ موالي في الحقيقة
فصل : وإن وصى لجيرانه فهم أهل أربعين دارا من كل جانب نص عليه أحمد وبه قال الأوزاعي و الشافعي وقال أبو حنيفة الجار الملاصق لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الجار أحق بصقبه ] يعني الشفعة وإنما تثبت للملاصق ولأن الجار مشتق من المجاورة وقال قتادة : الجار الدار والداران
وروي عن علي رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ] قال من سمع النداء وقال سعيد بن عمرو بن جعدة من سمع الإقامة وقال أبو يوسف الجيران أهل المحلة في مسجدين صغيرين متقاربين فالجميع جيران وإن كانا عظيمين فكل أهل مسجد جيران وأما الأمصار التي فيها القبائل فالجوار على الأفخاذ
ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الجار أربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وهكذا ] وهذا نص لا يجوز العدول عنه إن صح وإن لم يثبت الخبر فالجار هو المقارب ويرجع في ذلك إلى العرف
فصل : وإن وصى لأهل دربه أو سكته فهم أهل المحلة الذين طريقهم في دربه
فصل : وإن وصى لأصناف الزكاة المذكورين في القرآن فهم الذين يستحقون من الزكاة وينبغي أن يجعل لكل صنف ثمن الوصية كما لو وصى لثمان قبائل والفرق بين هذا وبين الزكاة حيث يجوز الاقتصار على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها بيان من يجوز الدفع إليه والوصية أريد بها بيان من يجب الدفع إليه ويجوز الاقتصار من كل صنف على واحد لأنه لا يمكن استيعابهم وحكي هذا عن أصحاب الرأي وعن محمد بن الحسن أنه قال : لا يجوز الدفع إلى أقل من اثنين
وحكى أبو الخطاب رواية ثانية عن أحمد أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة من كل صنف وهو مذهب الشافعي وأصل هذا الاختلاف في الزكاة وقد ذكرناه ولا يجوز الصرف إلا إلى المستحق من أهل بلده وإن وصى للفقراء وحدهم دخل فيه المساكين وإن أوصى للمساكين دخل فيه الفقراء لأنهم صنف واحد فيما عدا الزكاة إلا أن يذكر الصنفين جميعا فيدل على ذلك أنه أراد المغايرة بينهما ويستحب تعميم من أمكن منهم والدفع إليهم على قدر الحاجة والبداية بأقارب الموصي على ما ذكرنا في باب الزكاة
فصل : وإن أوصى بشيء لزيد وللمساكين فلزيد نصف الوصية وبهذا قال أبو حنيفة و محمد وعن محمد لزيد ثلثه وللمساكين ثلثاه لأن أقل الجمع اثنان وقال الشافعي يكون كأحدهم إن عمهم أعطاه كواحد منهم وإن قسم على ثلاثة منهم جعله كأحدهم وحكى أصحابه وجهين آخرين أحدهما كمذهبنا والثاني له ربع الوصية لأن أقل الجمع ثلاثة فإذا انضم إليهم صاروا أربعة
ولنا أنه جعل الوصية لجهتين فوجب أن يقسم بينهما كما لو قال لزيد وعمرو ولأنه لو وصى لقريش وتميم لم يشارك بينهم على قدر عددهم ولا على قدر من يعطى منهم بل يقسم بينهم نصفين كذلك ههنا وإن كان زيد مسكينا لم يدفع إليه من سهم المساكين شيء وبه قال الحسن و إسحاق لأن عطفهم عليه يدل على المغايرة بينهما إذ الظاهر المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ولأن تجويز ذلك يقضي إلى تجويز دفع الجميع إليه ولفظه يقتضي خلاف ذلك فأما إن كانت الوصية لقوم يمكن استيعابهم وحصرهم مثل أن يقول هذا لزيد واخوته فيحتمل أنه يكون كأحدهم لأنه شرك بينه وبينهم على وجه لا يجوز الاخلال ببعضهم فتساووا فيه كما لو قال هذا لكم ويحتمل أن يكون كالتي قبلها

فصلان : حكم الوصية بالثلث في أبواب البر
فصل : وإن قال اشتروا بثلثي رقابا فأعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين لأنه وصى بالشراء لا بالدفع إليهم فإن اتسع الثلث لثلاثة لم يجز أن يشتري أقل منهما لأنها أقل الجمع وإن قدرت على أن تشتري أكثر من ثلاثة بثمن ثلاثة غالية كان أولى وأفضل لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من أعتق امرأ مسلما أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار ] ولأنه يفرج عن نفس زائدة فكان أفضل من عدم ذلك وإن أمكن شراء ثلاثة رخيصة وحصة من الرابعة بثمن ثلاثة غالية فالثلاثة أولى ل [ أن النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن أفضل الرقاب قال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ] والقصد من العتق تكميل الأحكام من الولاية والجمعة والحج والجهاد وسائر الأحكام التي تختلف بالرق والحرية ولا يحصل ذلك إلا بإعتاق جميعه وهذا التفضيل والله أعلم من النبي صلى الله عليه و سلم للغالية إنما يكون مع التساوي في المصلحة فأما إن ترجح بعضهم بدين وعفة وصلاح ومصلحة له في العتق بأن يكون مضرورا بالرق فله صلاح في العتق وغيره له مصلحة في الرق ولا مصلحة له في العتق وربما تضرر به من فوات نفقته وكفالته ومصالحه وعجزه بعد العتق عن الكسب وخروجه عن الصيانة والحفظ فإن إعتاق من كثرت المصلحة في إعتاقه أفضل وأولى وإن قلت قيمته ولا يسوغ إعتاق من في اعتاقه مفسدة لأن مقصود الموصي تحصيل الثواب والأجر ولا أجر في اعتاق هذا ولا يجوز أن يعتق إلا رقبة مسلمة لأن الله تعالى لما قال : { فتحرير رقبة } لم يتناول إلا المسلمة ومطلق كلام الآدمي محمول على مطلق كلام الله تعالى ولا يجوز إعتاق معيبة عيبا يمنع الأجزاء في الكفارة لما ذكرنا والله أعلم
فصل : ونقل المرذوي عن أحمد فيمن أوصى بثلثه في أبواب البر يجزأ ثلاثة أجزاء أجزاء في الجهاد وجزءا يتصدق به في قرابته وجزءا في الحج وقال في رواية أبي داود الغزو يبدأ به وحكي عنه أنه جعل جزءا في فداء الأسرى وهذا والله أعلم ليس على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز صرفه في جهات البر كلها لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولا يجوز تخصيص العموم بغير دليل وربما كان غير هذه الجهات أحوج من بعضها وأحق وقد تدعو الحاجة إلى تكفين ميت وإصلاح طريق وفك أسير وإعتاق رقبة وقضاء دين وإغاثة ملهوف أكثر من دعائها إلى حج من لا يجب عليه الحج فيكلف وجوب ما لم يكن عليه واجبا وتعبا كان الله قد أراحه منه من غير مصلحة تعود على أحد من خلق الله فتقديم هذا على ما مصلحته ظاهرة والحاجة إليه داعية بغير دليل تحكم لا معنى له
وإذا قال ضع ثلثي حيث يريك الله فله صرفه في أي جهة من جهات القرب رأى وضعه فيها عملا بمقتضى وصية وذكر القاضي أنه يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين والأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه فإن لم يجد فإلى محارمه من الرضاع فإن لم يكن فإلى جيرانه وقال أصحاب الشافعي : يجب ذلك لأنه رده إلى اجتهاده فيما فيه الحظ وهذا أحظ
ولنا أنه قد يرى غير هذا أهم منه وأصلح فلا يجوز تقييده بالتحكم ونقل أبو داود عن أحمد أنه سئل عن رجل أوصى بثلثه في المساكين وله أقارب محاويج لم يوص لهم بشيء ولم يرثوا فإنه يبدأ بهم فإنهم أحق قال وسئل عن النصراني يوصي بثلثه للفقراء من المسلمين أيعطى اخوته وهم فقراء ؟ قال : نعم هم أحق يعطون خمسون درهما لا يزادون على ذلك يعني لا يزاد كل واحد منهم على ذلك لأنه القدر الذي يحصل به الغنى

فصول : الوصية بالحج وغيره من الواجبات
مسألة : قال : وإذا وصى أن يحج عنه بخمسمائة فما فضل رد في الحج
وجملته أنه إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال وجب صرف جميع ذلك في الحج إذا حمله الثلث لأنه وصى بجميعه في جهة قربة فوجب صرفه فيها كما لو وصى به في سبيل الله وليس للولي أن يصرف إلى من يحج أكثر من نفقة المثل لأنه أطلق له التصرف في المعاوضة فاقتضى ذلك عوض المثل كالوكيل في البيع ثم لا يخلو إما أن يكون بقدر نفقة المثل لحجة واحدة فيصرف فيها أو ناقصا عنها فيحج به من حيث يبلغ في ظاهر منصوص أحمد فإنه قال في رواية حنبل في رجل أوصى أن يحج عنه ولا تبلغ النفقة فقال يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من أهل مدينته وهذا قول العنبري
وقال القاضي يعان به في الحج وهو قول سوار القاضي حكاه عنه العنبري وعن أحمد أنه مخير في ذلك قال في رواية أبي داود في امرأة أوصت بحج لا يجب عليها أرى أن يؤخذ ثلث مالها فيعان به في الحج أو يحج من حيث يبلغ الحال الثالث : أن يفضل عن الحجة فيدفع في حجة ثانية ثم في ثالثة إلى أن ينفد أو يبقى ما لا يبلغ حجة فيحج عنه من حيث يبلغ على ما ذكرنا من الخلاف فيه ولا يستنيب في الحج مع الإمكان إلا من بلد المحجوج عنه لأنه نائب عن الميت وقائم مقامه فينوب عنه من موضع لو حج المنوب عنه لحج منه فإن كان الموصى به لا يحمله الثلث لم يخل من أن يكون الحج فرضا أو تطوعا فإن كان فرضا أخذ أكثر الأمرين من الثلث أو القدر الكافي لحج الفرض فإن كان الثلث أكثر أخذ ثم يصرف منه في الفرض قدر ما يكفيه ثم يحج بالباقي تطوعا حتى ينفذ كما ذكرنا من قبل وإن كان الثلث أقل تمم قدر ما يكفي الحج من رأس المال وبهذا قال عطاء و طاوي و الحسن وسعيد بن المسيب و الزهري و الشافعي و إسحاق قال سعيد بن المسيب و الحسن كل واجب من رأس المال وقال ابن سيرين و النخعي و الشعبي و حماد بن أبي سليمان و الثوري و أبو حنيفة و داود بن أبي هند : إن وصى بالحج فمن ثلثه وإلا فليس على ورثته شيء فعلى قولهم إن لم يفت الثلث بالموصى به وإلا لم يزد على الثلث لأن الحج عبادة فلا تلزم الوارث كالصلاة
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه ؟ قال : نعم قال : فدين الله أحق أن يقضى ] والدين من رأس المال فما هو أحق منه أولى ولأنه واجب فكان من رأس المال كدين الآدمي وإن كان تطوعا أخذ الثلث لا غير إذا لم يجز الورثة ويحج به على ما ذكرنا فيما مضى
فصل : وإذا أوصى بحج واجب أو غيره من الواجبات كقضاء دين وزكاة وإخراج كفارة لم يخل من أربعة أحوال : أحدها : أن يوصي بذلك من صلب ماله فهذا تأكيد لما وجب بالشرع ويحج عنه من بلده وإن لم يف ماله بذلك أخذ ماله كله يدفع في الواجب كما لو لم يوص الثاني : أن يوصي بأداء الواجب من ثلث ماله فيصح أيضا فإن لم تكن له وصية غير هذه لم تفد شيئا ويؤدي من المال كله كما لو لم يوص وإن كان قد أوصى بتبرع لجهة أخرى قدم الواجب وإن فضل من الثلث شيء فهو للتبرع وإن لم يفضل شيء سقطت وإن لم يف الثلث بالواجب أتم من رأس المال هكذا ذكر القاضي وقال أبو الخطاب يزاحم بالواجب أصحاب الوصايا فيحتمل أنه أراد مثل ما ذكر القاضي ويحتمل أنه أراد أن الثلث يقسم بين الوصايا كلها الواجب والتبرع بالحصص فما حصل للواجب أتم من رأس المال فيدخله الدور وتعمل بالجبر فتقول في رجل أوصى بحجة واجبة كفايتها عشرة من ثلثه ووصى بصدقة تطوع عشرة ومات فلم يخلف إلا ثلاثين فاعزل تتمة الواجب من المال وهي شيء مجهول وخذ ثلث الباقي عشرة إلا ثلث شيء واقسمه بين الوصيين لكل واحد خمسة إلا سدس شيء اضمم الشيء الذي عزلته إلى ما حصل للحجة فصار شيئا وخمسة إلا سدس شيء يعدل عشرة وخذ من الشيء سدسه فاجبر به بعض الخمسة يبقى خمسة أسداس شيء يعدل عشرة وخذ من الشيء سدسه فأجبر به بعض الخمسة يبقى خمسة أسداس شيء يعدل خمسة فالشيء إذا ستة ومتى أخذت ستة من ثلاثين بقي أربعة وعشرون ثلثها ثمانية لصاحب الصدقة نصفها أربعة وللواجب أربعة مع الستة صار الجميع عشرة فإن كان عليه أيضا دين خمسة عزلت تتمة الحج شيئا وتتمة الدين نصف شيء بقي ثلث المال عشرة إلا نصف شيء واقسمه بين الوصايا فيحصل للحج أربعة إلا خمس شيء اضمم إليها تتمة يصير شيئا وأربعة إلا خمس شيء يعدل عشرة وبعد الجبر يصير أربعة أخماس شيء تعدل ستة فرد على الستة ربعها تصبر سبعة ونصفا يعدل شيئا فالشيء سبعة ونصف ونصف الشيء ثلاثة ونصف وربع وبقية المال ثمانية عشر وثلاثة أرباع ثلثها ستة وربع للدين خمسها واحد وربع إذا ضممت إليه تتمة كمل خمسة وللحج اثنان ونصف تكمل به تتمة وللصدقة اثنان ونصف وفي عملها طريق آخر وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ثم ما بقي من الواجب أخذه من الورثة وصاحب التبرع بالقسط ففي المسألة الأولى يحصل للواجب خمسة يبقى له خمسة يأخذ من صاحب التبرع دينارا ومن الورثة أربعة وفي المسألة الثانية حصل للحج أربعة وبقي له ستة وحصل للدين ديناران وبقي له ثلاثة فيأخذان ما بقي لهما من الورثة ثلاثة ومن صاحب التبرع ثلاثة فيأخذ صاحب الحجة من الورثة أربعة ومن صاحب التبرع دينارين ويأخذ صاحب الدين دينارين من الورثة ودينارا من صاحب التبرع الثالث : أن يوصي بالواجب ويطلق فهو من رأس المال فيبدأ بإخراجه قبل التبرعات والميراث فإن كان ثم وصية تبرع فلصاحبها ثلث الباقي وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي وذهب بعضهم إلى أن الواجب من الثلث كالقسم الذي قبله لأنه إنما يملك الوصية بالثلث
ولنا أن الحج كان واجبا من رأس المال وليس في وصيته ما يقتضي تغييره فيبقى على ما كان عليه كما لو لم يوص به وقولهم لا تملك الوصية إلا بالثلث قلنا في التبرع فأما في الواجبات فلا تنحصر في الثلث ولا تتقيد به القسم الرابع : أن يوصي بالواجب ويقرن الوصية بالتبرع مثل أن يقول حجوا عني وأدوا ديني وتصدقوا عني ففيه وجهان : أصحهما : أن الواجب من رأس المال لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على الاقتران في الحكم ولا في كيفيته ولذلك قال الله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } والأكل غير واجب والإيتاء واجب ولأنه ههنا قد عطف غير الواجب عليه فكما لم يستويا في الوجوب لا يلزم استواؤهما في محل الإخراج والثاني : أنه من الثلث لأنه قرن به ما مخرجه من الثلث
مسألة : قال : وإن قال حجة بخمسمائة فما فضل فهو لمن يحج
وجملته أنه إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال حجة واحدة وكان فيه فضل عن قدر ما يحج به فهو لمن يحج لأنه قصد إرفاقه بذلك فكأنه صرح فإن قال حجوا عني حجة واحدة بخمسمائة وما فضل منها فهو لمن يحج ثم إن عين من يحج عنه فقال يحج عني فلان بخمسمائة صرف ذلك إليه وإن لم يعين أحدا فللوصي صرفها إلى من شاء لأنه فوض إليه الاجتهاد إلا أنه لا يملك صرفها إلى وارث إذا كان فيها فضل إلا بإذن الورثة وإن لم يكن فيها فضل جاز لأنها لا محاباة فيها ثم ينظر فإن كان الحج للموصي به تطوعا فجميع القدر الموصى به من الثلث وإن كان واجبا فالزائد عن نفقة المثل معتبر من الثلث وإن لم يف الموصى به بالحج الواجب أتم من رأس المال وإن كان تطوعا فإنه يحج به من حيث يبلغ على ما مضى
فصل : وإن عين رجلا أن يحج فأبى أن يحج بطل التعيين ويحج عنه بأقل ما يمكن إنسان ثقة سواه ويصرف الباقي إلى الورثة ولو قال المعين اصرفوا الحجة إلى من يحج وادفعوا الفضل إلي لأنه موصى به لي لم يصرف إليه شيء لأنه إنما أوصي له بالزيادة بشرط أن يحج فإذا لم يفعل لم يوجد الشرط ولم يستحق شيئا
مسألة : قال : وإن قال حجوا عني حجة فما فضل رد إلى الورثة
أما إذا أوصى بحجة ولم يذكر قدرا من المال فإنه لا يدفع إلى من يحج إلا قدر نفقة المثل لما ذكرناه وإن فضل عن ذلك فهو للورثة وهذا ينبني على أن الحج لا يجوز الاستئجار عليه إنما ينوب عنه فيه نائب فما ينفق عليه يحتاج إليه فهو من مال الموصي وما بقي رده على ورثته وإن تلف المال في الطريق فهو من مال الموصي وليس على النائب إتمام المضي إلى الحج عنه وعلى الرواية الأخرى يجوز الاستئجار عليه فلا يستأجر إلا ثقة بأقل ما يمكن وما فضل فهو لمن يحج لأنه ملك ما أعطى بعقد الإجازة وإن تلف المال في الطريق بعد قبض الأجير له فهو من ماله ويلزمه إتمام الحج وإن قال حجوا عني ولم يقل حجة واحدة لم يحج عنه إلا حجة واحدة لأنه أقل ما يقع عليه الاسم فإن عين مع هذا من يحج عنه فقال يحج عني فلان فإنه يدفع إليه قدر نفقته من بلده إذا خرج من الثلث فإن أبى الحج إلا بزيادة تصرف إليه فينبغي أن يصرف إليه أقل قدر يمكن أن يحج به غيره وإن أبي الحج وكان واجبا استنيب غيره بأقل ما يمكن استنابته به وإن كان تطوعا احتمل بطلان الوصية لأنه عين لها جهة فإذا لم تقبلها بطلت الوصية كما لو قال بيعوا عبدي لفلان بمائة فأبى شراءه ويحتمل أن لا تبطل ويستناب غيره لأنه قصد القربة والتعيين فإذا بطل التعيين لم تبطل القربة كما لو قال بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبل فلان فإنه يباع لغيره ويتصدق به
فصل : وإذا أوصى لرجل أن يخرج عنه حجة لم يكن للوصي الحج بنفسه نص عليه أحمد كما لو قال تصدق علي لم يجز أن يتصدق على نفسه وإن قال حج عني بما شئت صح وله ما شاء إلا أن لا يجيز الورثة فله الثلث
فصل : إذا أوصى أن يحج عنه زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث ولسعد بثلث ماله فأجاز الورثة أمضيت على ما قال الموصي وإن لم يفضل عن المائة شيء فلا شيء لعمرو لأنه إنما أوصى له بالفضل ولا فضل وإن رد الورثة قسم الثلث بينهم نصفين لسعد السدس ولزيد مائة وما فضل من الثلث فلعمرو فإن لم يفضل شيء فلا شيء لعمرو لأنه إنما أوصى له بالزيادة ولا زيادة ولا تمنع المزاحمة به ولا يعطى شيئا كولد الأب مع الأخ من الأبوين في مزاحمة الجد ويحتمل أنه متى كان في الثلث فضل عن المائة أن يرد كل واحد منهم إلى نصف وصيته لأن زيدا إنما استحق المائة بالإجازة فمع الرد يجب أن يدخل عليه من النقص بقدر وصيته كسائر الوصايا وقد ذكرنا نظير هذه المسألة فيما تقدم فإن امتنع زيد من الحج وكانت الحجة واجبة استنيب ثقة غيره في الحج بأقل ما يمكن وتمام المائة للورثة ولعمرو ما فضل فإن كانت الحجة تطوعا ففي بطلان بهما وجهان ذكرناهما فيما مضى
فصل : وإن أوصى لزيد بعبد بعينه ولعمرو ببقية الثلث قوم العبد يوم موت الموصي لأنه حال نفوذ الوصية ودفع إلى زيد ودفع بقية الثلث إلى عمرو فإن لم يبق من الثلث شيء بطلت وصية عمرو وإن مات العبد بعد موت الموصي أو رد زيد وصيته بطلت ولم تبطل وصية عمرو وهكذا إن مات زيد قبل موت الموصي أو بعده وإن مات العبد قبل موت الموصي قومنا التركة حال موت الموصي بدون العبد ثم يقوم العبد لو كان حيا فإن بقي من الثلث بعد قيمته شيء فهو لعمرو وإلا بطلت وصيته ولو قال لأحد عبديه أنت مدبر ثم قال لآخر أنت مدبر في زيادة الثلث عن قيمة الأول ثم بطل تدبير الأول لرجوعه فيه أو خروجه مستحقا أو غير ذلك فهي كالتي قبلها على ما ذكرنا

مسائل وفصول : من أوصى بثلث ماله لرجل فقتل عمدا والتخصيص بالوصية
مسألة : قال : ومن أوصى بثلث ماله لرجل فقتل عمدا أو خطأ وأخذت الدية فلمن أوصى له بالثلث ثلث الدية في احدى الروايتين والأخرى ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شيء
اختلفت الرواية عن أحمد فيمن أوصى بثلث ماله أو جزء منه مشاع فقتل الموصي وأخذت ديته هلل للوصي منها شيء أو لا ؟ فنقل مهنا عن أحمد أنه يستحق منها وروي ذلك عن علي رضي الله عنه في دية الخطأ وهو قول الحسن و مالك ونقل ابن منصور عن أحمد لا يدخل الدية في وصيته وروي ذلك عن مكحول وشريك و أبي ثور و داود وهو قول إسحاق وقال مالك في دية العمد لأن الدية إنما تجب للورثة بعد موت الموصي بدليل أن سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله لأن الحكم لا يتقدم سببه ولا يجوز أن تجب للميت بعد موته لأنه بالموت تزول أملاكه الثابتة له فكيف يتجدد له ملك ؟ فلا يدخل في الوصية لأن الميت إنما يوصي بجزء من ماله لا بمال ورثته ووجه الرواية الأولى أن الدية تجب للميت لأنها بدل نفسه ونفسه له فكذلك بدلها ولأن بدل أطرافه في حال حياته له فكذلك بدلها بعد موته ولهذا تقضى منها ديونه ويجهز منها إن كان قبل تجهيزه وإنما يزول من أملاكه ما استغنى عنه فأما ما تعلقت به حاجته فلا ولأنه يجوز أن يتجدد له ملك بعد الموت كمن نصب شبكة فسقط فيها صيد بعد موته فإنه يملك بحيث تقضى ديونه منه ويجهز فكذلك ديته لأن تنفيذ وصيته من حاجته فأشبهت قضاء ديته
فصل : فإن كانت الوصية بمعين فعلى الرواية الأولى يعتبر خروجه من ثلث ماله وديته وعلى الأخرى يعتبر خروجه من أصل ماله دون ديته لأنها له ليست من ماله
فصل : وإن أوصى ثم استفاد مالا قبل الموت فأكثر أهل العلم يقولون أن الوصية تعتبر من جميع ما يخلفه من التلاد والمستفاد ويعتبر ثلث الجميع هذا قول النخعي و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي وسواء علم أو لم يعلم وحكي عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك : لا يدخل في وصيته إلا ما علم إلا المدبر فإنه يدخل في كل شيء :
ولنا أنه من ماله فدخل في وصيته كالمعلوم
مسألة : قال : وإذا أوصى إلى رجل ثم أوصى بعده إلى آخر فهما وصيان إلا أن يقول قد أخرجت الأول
معنى أوصى إلى رجل أي جعل له التصرف بعد موته فيما كان له التصرف فيه من قضاء ديونه واقتضائها ورد الودائع واستردادها وتفريق وصيته والولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من الصبيان والمجانين ومن لم يؤنس رشده والنظر لهم في أموالهم بحفظها والتصرف فيها بما لهم الحظ فيه فأما من لا ولاية له عليهم كالعقلاء الراشدين وغير أولاده من الأخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد فلا تصح الوصية عليهم لأنه لا ولاية للموصى عليهم في الحياة فلا يكون ذلك لنائبه بعد الممات ولا نعلم في هذا كله خلافا وبه يقول مالك و أبو حنيفة و الشافعي إلا أن أبا حنيفة و الشافعي قالا للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل لأن له ولادة وتعصيبا فأشبه الأب ولأصحاب الشافعي في الأم عند عدم الأب والجد وجهان : أحدهما : أن لها ولاية لأنها أحد الأبوين فأشبهت الأب
ولنا أن الجد يدلي بواسطة فأشبه الأخ والعم وفارق الأب فإنه يدلي بنفسه ويحجب الجد ويخالفه في ميراثه وحجبه فلا يصح إلحاقه به ولا قياسه عليه وأما المرأة فلا تلي لأنها قاصرة لا تلي النكاح بحال فلا تلي مال غيرها كالعبد ولأنها لا تلي بولاية القضاء فكذلك بالنسب
إذا ثبت هذا فإنه إذا أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر فهما وصيان إلا أن يقول قد أخرجت الأول أو قد عزلته لما ذكرنا فيما إذا أوصى بجارية لبشر ثم أوصى بها لبكر ولأنه قد وجدت الوصية إليهما من غير عزل واحد منهما فكانا وصيين كما لو أوصى إليهما دفعة واحدة فأما ان أخرج الأول انعزل وكان الثاني هو الوصي كما لو عزله بعد الوصية إلى الثاني
فصل : ويجوز أن يوصي إلى رجل بشيء دون شيء مثل أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته دون غيرها أو بقضاء ديونه أو بالنظر في أمر أطفاله حسب فلا يكون له غير ما جعل إليه ويجوز أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته وإلى آخر بقضاء ديونه وإلى آخر بالنظر في أمر أطفاله فيكون لكل واحد منهم ما جعل إليه دون غيره ومتى أوصى إليه بشيء لم يصر وصيا في غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يصير وصيا في كل ما يملكه الوصي لأن هذه ولاية تنتقل من الأب بموته لا تتبعض كولاية الجد ولنا أنه استفاد التصرف بالاذن من جهة الآدمي فكان مقصورا على ما أذن فيه كالوكيل وولاية الجد ممنوعة ثم تلك ولاية استفادها بقرابته وهي لا تتبعض والاذن يتبعض فافترقا
فصل : ويجوز أن يوصي إلى رجلين معا في شيء واحد ويجعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فيقول أوصيت إلى كل واحد منكما أن ينفرد بالتصرف لأنه جعل كل واحد منهما وصيا منفردا وهذا يقتضي تصرفه على الانفراد وله أن يوصي إليهما ليتصرفا مجتمعين وليس لواحد منهما الانفراد بالتصرف ولأنه لم يجعل ذلك إليه ولم يرض بنظره وحده وهاتان الصورتان لا أعلم فيهما خلافا وإن أطلق فقال أوصيت إليكما في كذا فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف وبه قال مالك و الشافعي وقال أبو يوسف له ذلك لأن الوصية والولاية لا تتبعض فملك كل واحد منهما الانفراد بها كالأخوين في تزويج أختهما
وقال أبو حنيفة ومحمد يستحسن على خلاف القياس فيبيح أن ينفرد كل واحد منهما بسبعة أشياء : كفن الميت وقضاء دينه وإنفاذ وصيته ورد الوديعة بعينها وشراء ما لا بد للصغير منه من الكسوة والطعام وقبول الهبة له والخصومة عن الميت فيما يدعى له أو عليه لأن هذه يشق الاجتماع عليها ويضر تأخيرها فجاز الانفراد بها
ولنا أنه بينهما في النظر فلم يكن لأحدهما الانفراد كالوكيلين وما قاله أبو يوسف نقول به فإنه جعل الولاية إليهما باجتماعهما فليست متبعضة كما لو وكل وكيلين أو صرح للوصيين بأن لا يتصرفا إلا مجتمعين ثم يبطل ما قاله بهاتين الصورتين ويبطل ما قاله أبو حنيفه بهما أيضا وإذا تعذر اجتماعهما أقام الحاكم أمينا مقام الغائب

فصل : فيمن تصح الوصية إليه ومن لا تصح
فصل : فيمن تصح الوصية إليه ومن لا تصح
تصح الوصية إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل إجماعا ولا تصح إلى مجنون ولا طفل ولا وصية مسلم إلى كافر بغير خلاف نعلمه لأن المجنون والطفل ليسا من أهل التصرف في أموالهما فلا يليان على غيرهما والكافر ليس من أهل الولاية على مسلم وتصح الوصية إلى المرأة في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن شريح وبه قال مالك و الثوري و الأوزاعي و الحسن بن صالح و إسحاق و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي ولم يجزه عطاء لأنها لا تكون قاضية فلا تكون وصية كالمجنون
ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة فأشبهت الرجل وتخالف القضاء فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد بخلاف الوصية وتصح الوصية إلى الأعمى وقال أصحاب الشافعي فيه وجه أنه لا تصح الوصية إليه بناء منهم على أنه لا يصح بيعه ولا شراؤه فلا يوجد فيه معنى الولاية وهذا لا يسلم لهم مع أنه يمكنه التوكيل في ذلك وهو من أهل الشهادة والولاية في النكاح والولاية على أولاده الصغار فصحت الوصية إليه كالبصير وأما الصبي العاقل فلا أعلم فيه نصا عن أحمد فيحتمل أنه لا تصح الوصية إليه لأنه ليس من أهل الشهادة والإقرار ولا يصح تصرفه إلا بإذن فلم يكن من أهل الولاية بطريق الأولى ولأنه مولى عليه فلا يكون واليا كالطفل والمجنون وهذا مذهب الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله وقال القاضي قياس المذهب صحة الوصية إليه لأن أحمد قد نص على صحة وكالته وعلى هذا يعتبر أن يكون قد جاوز العشر وأما الكافر فلا تصح وصية مسلم إليه لأنه لا يلي على مسلم ولأنه ليس من أهل الشهادة ولا العدالة فلم تصح الوصية إليه كالمجنون والفاسق وأما وصية الكافر إليه فإن لم يكن عدلا في دينه لم تصح الوصية إليه لأن عدم العدالة في المسلم يمنع صحة الوصية إليه فمع الكفر أولى وإن كان عدلا في دينه ففيه وجهان : أحدهما : تصح الوصية إليه وهو قول أصحاب الرأي لأنه يلي بالنسب فيلي الوصية كالمسلم والثاني : لا تصح وهو قول أبي ثور لأنه فاسق فلم تصح الوصية إليه كفاسق المسلمين ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وأما وصية الكافر إلى المسلم فتصح إلا أن تكون تركته خمرا أو خنزيرا وأما العبد فقال أبو عبد الله بن حامد تصح الوصية إليه سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره وبه قال مالك وقال النخعي و الأوزاعي و ابن شبرمة تصح الوصية إلى عبد نفسه ولا تصح إلى عبد غيره وقال أبو حنيفة تصح الوصية إلى عبد نفسه إذا لم يكن في ورثته رشيد وقال أبو يوسف و محمد و الشافعي لا تصح الوصية إلى عبد بحال لأنه لا يكون وليا على ابنه بالنسب فلا يجوز أن يلي الوصية كالمجنون
ولنا أنه يصح استنابته في الحياة فصح أن يوصي إليه كالحر وقياسهم يبطل بالمرأة والخلاف في المكاتب والمدبر والمعتق بعضه كالخلاف في العبد القن وقد نص الخرقي على أن الوصية إلى أم ولده جائزة وقد نص عليه أحمد أيضا لأنها تكون حرة عند نفوذ الوصية من أصل المال وأما الفاسق فقد روي عن أحمد ما يدل على أن الوصية إليه لا تصح وهو قول مالك و الشافعي وعن أحمد ما يدل على صحة الوصية إليه فإنه قال في رواية ابن منصور إذا كان متهما لم تخرج من يده وقال الخرقي إذا كان الوصي خائنا ضم إليه أمين وهذا يدل على صحة الوصية إليه ويضم الحاكم إليه أمينا وقال أبو حنيفة تصح الوصية إليه وينفذ تصرفه وعلى الحاكم عزله لأنه بالغ عاقل فصحت الوصية إليه كالعدل ووجه الأولى أنه لا يجوز إفراده بالوصية فلم تجز الوصية إليه كالمجنون وعلى أبي حنيفة لا يجوز إقراره على الوصية فأشبه ما ذكرنا

مسألة وفصل : الشروط الواجبة في الوصي
فصل : ويعتبر وجود هذه الشروط في الوصي حال العقد والموت في أحد الوجهين وفي الآخر يعتبر حال الموت حسب كالوصية له وهو قول بعض أصحاب الشافعي
ولنا أنها شروط لعقد فتعتبر حال وجوده كسائر العقود فأما الوصية له فهي صحيحة وإن كان وارثا وإنما يعتبر عدم الإرث وخروجها من الثلث للنفوذ واللزوم فاعتبرت حالة اللزوم بخلاف مسألتنا فإنها شروط لصحة العقد فاعتبرت حالة العقد ولا ينفع وجودها بعده وعلى الوجه الثاني لو كانت الشروط كلها منتفية أو بعضها حال العقد ثم وجدت حالة الموت لصحت الوصية إليه
فصل : وإذا قال أوصيت إلى زيد فإن مات فقد أوصيت إلى عمرو صح ذلك رواية واحدة ويكون كل واحد منهما وصيا إلا أن عمرا وصي بعد زيد لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال في جيش مؤتة : أميركم زيد فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة والوصية في معنى التأمير وإن قال أوصيت إليك فإذا كبر ابني كان وصيي صح لذلك فإذا كبر ابنه صار وصيه وعلى هذا لو قال وصيت لك فإن تاب ابني عن فسقه أو قدم من غيبته أو صح من مرضه أو اشتغل بالعلم أو صالح أمه أو رشد فهو وصيي صحت الوصية إليه ويصير وصيا عند وجود هذه الشروط

مسألة وفصل : جعل أمين مع الوصي إذا كان خائنا
مسألة : قال : وإذا كان الوصي خائنا جعل معه أمين
ظاهر هذا صحة الوصية في الفاسق ويضم إليه أمين وكذلك إن كان عدلا فتغيرت حاله إلى الخيانة لم يخرج منها ويضم إليه أمين ونقل ابن منصور عن أحمد نحو ذلك قال إذا كان الوصي متهما لم يخرج من يده ونقل المروذي عن أحمد فيمن أوصى إلى رجلين ليس أحدهما بموضع للوصية فقال للآخر أعطني لا يعطيه شيئا ليس هذا بموضع للوصية فقيل له أليس المريض قد رضي به ؟ فقال : وإن رضي به فظاهر هذا إبطال الوصية إليه وحمل القاضي كلام الخرقي وكلام أحمد في إبقائه في الوصية على أن خيانته طرأت بعد الموت فأما إن كانت خيانته موجودة حال الوصية إليه لم تصح لأنه لا يجوز تولية الخائن على يتيم في حياته فكذلك بعد موته ولأن الوصية ولاية وأمانة والفاسق ليس من أهلهما فعلى هذا إذا كان الوصي فاسقا فحكمه حكم من لا وصي له وينظر في ماله الحاكم وإن طرأ فسقه بعد الوصية زالت ولايته وأقام الحاكم مقامه أمينا هذا اختيار القاضي وهو قول الثوري و الشافعي و إسحاق وعلى قول الخرقي لا تزول ولايته ويضم إليه أمين ينظر معه وروي ذلك عن الحسن و ابن سيرين لأنه أمكن حفظ المال بالأمين وتحصيل نظر الوصي بإبقائه في الوصية فيكون جمعا بين الحقين وإن لم يمكن حفظ المال بالأمين تعين إزالة يد الفاسق الخائن وقطع تصرفه لأن حفظ المال على اليتيم أولى من رعاية قول الموصي الفاسد
وأما تلفريق بين الفسق الطارئ وبين المقارن فبعيد الشروط تعتبر في الدوام كاعتبارها في الابتداء سيما إذا كانت لمعنى يحتاج إليه في الدوام ولو لم يكن بد من التفريق لكان اعتبار العدالة في الدوام أولى من قبل أن الفسق إذا كان موجودا حال الوصية فقد رضي به الموصي مع علمه بحاله وأوصى إليه راضيا بتصرفه مع فسقه فيشعر ذلك بأنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط فيه وخيانته في ماله بخلاف ما إذا طرأ الفسق فإنه لم يرض به على تلك الحال والاعتبار برضاه ألا ترى أنه لو أوصى إلى واحد جاز له التصرف وحده ولو وصى إلى اثنين لم يجز للواحد التصرف
فصل : وأما العدل الذي يعجز عن النظر لعلة أو ضعف فإن الوصية تصح إليه ويضم إليه الحاكم أمينا ولا يزيل يده عن المال ولا نظره لأن الضعيف أهل للولاية والأمانة فصحت الوصية إليه وهكذا إن كان قويا فحدث فيه ضعف أو علة ضم الحاكم إليه يدا أخرى ويكون الأول هو الوصي دون الثاني وهذا معاون لأن ولاية الحاكم إنما تكون عند عدم الوصي وهذا قول الشافعي و أبي يوسف ولا أعلم لهما مخالفا

فصل : تغير حال الموصي بجنون أو سفه
فصل : وإذا تغيرت حال الوصي يجنون أو كفر أو سفه زالت ولايته وصار كأنه لم يوص إليه ويرجع الأمر إلى الحاكم فيقيم أمينا ناظرا للميت في أمره وأمر أولاده من بعده كما لو لم يخلف وصيا وإن تغيرت حاله بعد الوصية وقبل الموت ثم عاد فكان عند الموت جامعا لشروط الوصية صحت الوصية إليه لأن الشروط موجودة حال العقد والموت فصحت الوصية كما لو لم تتغير حاله ويحتمل أن تبطل لأن كل حالة منها حالة للقبول والرد فاعتبرت الشروط فيها فأما إن زالت بعد الموت وانعزل ثم عاد فكمل الشروط لم تعد وصيته لأنها زالت فلا تعود إلا بعقد جديد

فصول : صحة قبول الوصية وردها في حياة الموصي
فصل : ويصح قبول الوصية وردها في حياة الموصي لأنها إذن في التصرف فصح قبوله بعد العقد كالوكيل بخلاف الوصية له فإنها تمليك في وقت فلم يصح القبول قبل الوقت ويجوز تأخير القبول إلى ما بعد الموت لأنها نوع وصية فصح قبولها بعد الموت كالوصية له ومتى قبل صار وصيا وله عزل نفسه متى شاء مع القدرة والعجز في حياة الموصي وبعد موته بمشهد منه وفي غيبته وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز له ذلك بعد الموت بحال ولا يجوز في حياته إلا بحضرته لأنه غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الإيصاء إلى غيره وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد رواية عن أحمد ليس له عزل نفسه بعد الموت لذلك ولنا أنه متصرف بالإذن فكان له عزل نفسه كالوكيل
فصل : ويجوز أن يجعل للوصي جعلا لأنها بمنزلة الوكالة والوكالة تجوز بجعل فكذلك الوصية وقد نقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يوصي إلى الرجل ويجعل له دراهم مسماة فلا بأس ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة لأنه نائب عنهم ومقاسمته للورثة على الموصى له لا تجوز لأنه ليس بنائب عنه
فصل : وإذا أوصى إلى رجل وأذن له أن يوصي إلى من يشاء نحو أن يقول أذنت لك أن توصي إلى من شئت أو كل من أوصيت إليه فقد أوصيت إليه أو فهو وصيي صح وله أن يوصي إلى من شاء لأنه رضي باجتهاده واجتهاد من يراه فصح كما لو وصى إليهما معا وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن الشافعي أنه قال في أحد القولين ليس له أن يوصي لأنه يلي بتولية فلا يصح أن يوصي كالوكيل
ولنا أنه مأذون له في الإذن في التصرف فجاز له أن يأذن لغيره كالوكيل إذا أمر بالتوكيل والوكيل حجة عليه من الوجه الذي ذكرناه فأما إن أوصى إليه وأطلق ولم يأذن له في الإيصاء ولا نهاه عنه ففيه روايتان : إحداهما : له أن يوصي إلى غيره وهو قول مالك و أبو حنيفة و الثوري و أبي يوسف لأن الأب أقامه مقام نفسه فكان له الوصية كالأب والثانية : ليس له ذلك وهو اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي و إسحاق وهو الظاهر من مذهب الخرقي لقوله ذلك في الوكيل لأنه يتصرف بتولية فلم يكن له التفويض كالوكيل ويخالف الأب لأنه يلي بغير تولية

مسألة : قال : وإن كانا وصيين فمات أحدهما
مسألة : قال : وإن كانا وصيين فمات أحدهما أقيم مقام الميت أمين
وجملة ذلك أنه يجوز للرجل الوصية إلى اثنين فمتى أوصى إليهما مطلقا لم يجز لواحد منهما الانفراد بالتصرف فإن مات أحدهما أو جن أو وجد منه ما يوجب عزله أقام الحاكم مقامه أمينا لأن الموصي لم يرض بنظر هذا الباقي منهما وحده فإن أراد الحاكم رد النظر إلى الباقي منهما لم يكن له ذلك وذكر أصحاب الشافعي وجها في جوازه لأن النظر لو كان له لموت الموصي عن غير وصية كان له رده إلى واحد كذلك ههنا فيكون ناظرا بالوصية من الموصي والأمانة من جهة الحاكم
ولنا أن الموصي لم يرض بتصرف هذا وحده فوجب ضم غيره إليه لأن الوصية مقدمة على نظر الحاكم واجتهاده وإن تغيرت حالهما جميعا بموت أو غيره فللحاكم أن ينصب مكانهما وهل له نصب واحد ؟ فيه وجهان : أحدهما : له ذلك لأنه لما عدم الوصيان صار الأمر إلى الحاكم بمنزلة ما لم يوص ولو لم يوص لاكتفى بواحد كذا ههنا ويفارق ما إذا كان أحدهما حيا لأن الموصي بين أنه لا يرضى بهذا وحده بخلاف ما إذا ماتا معا والثاني : لا يجوز أن ينصب إلا اثنين لأن الموصي لم يرض بواحد فلم يقتنع به كما لو كان أحدهما حيا فأما إن جعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فمات أحدهما أو خرج من الوصية لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه أمينا لأن الباقي منهما له النظر بالوصية فلا حاجة إلى غيره وإن ماتا معا أو خرجا عن الوصية فللحاكم أن يقيم واحدا يتصرف وإن تغيرت حال أحد الوصيين تغييرا لا يزيله عن الوصية كالعجز عنها لضعف أو علة ونحو ذلك وكانا ممن لكل واحد منهما التصرف منفردا فليس للحاكم أن يضم إليهما أمينا لأن الباقي منهما يكفي إلا أن يكون الباقي منهما التصرف منفردا فليس للحاكم أن يضم إليهما أمينا لأن الباقي منهما يكفي إلا أن يكون الباقي منهما يعجز عن التصرف وحده لكثرة العمل ونحوه فله أن يقيم أمينا وإن كانا ممن ليس لأحدهما التصرف على الانفراد فعلى الحاكم أن يقيم مقام من ضعف عنها أمينا يتصرف معه على كل حال فيصيرون ثلاثة : الوصيان والأمين معهما ولكل واحد منهم التصرف وحده

فصل : وإن اختلف الوصيان
فصل : وإذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما ولم يقسم بينهما وجعل في مكان تحت أيديهما جميعا لأن الموصي لم يأمن أحدهما على حفظه ولا التصرف فيه وقال مالك يجعل عند أعدلهما وقال أصحاب الرأي يقسم بينهما وهو المنصوص عن الشافعي إلا أن أصحابه اختلفوا في مراده بكلامه فقال بعضهم إنما أراد إذا كان كل واحد منهما موصى إليه على الانفراد وقال بعضهم بل هو عام فيهما
ولنا أن حفظ المال من جملة الموصى به فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالتصرف ولأنه لو جاز لكل واحد منهما أن ينفرد بحفظ بعضه لجاز له أن ينفرد بالتصرف في بعضه

فصلان : الدخول بالوصية
فصل : لا بأس بالدخول في الوصية فإن الصحابة رضي الله عنهم كان بعضهم يوصي إلى بعض فيقبلون الوصية فروي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر وأوصى إلى الزبير ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان وابن مسعود والمقداد وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود وآخر وروي عن ابن عمر أنه كان وصيا لرجل وفي وصية ابن مسعود أن حدث بي حادث الموت من مرضي هذا أن مرجع وصيتي إلى الله سبحانه ثم إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله ولأنها وكالة وأمانة فأشبهت الوديعة والوكالة في الحياة وقياس مذهب أحمد أن ترك الدخول فيها أولى لما فيها من الخطر وهو لا يعدل بالسلامة شيئا ولذلك كان يرى ترك الالتقاط وترك الإحرام قبل الميقات أفضل تحريا للسلامة واجتنابا للخطر وقد روي حديث يدل على ذلك وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي ذر : [ إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ] أخرجه مسلم
فصل : فإن مات رجل لا وصي له ولا حاكم في بلده فظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه يجوز لرجل من المسلمين أن يتولى أمره ويبيع ما دعت الحاجة إلأى بيعه فإن صالحا نقل عنه في رجل بأرض غربة لا قاضي بها مات وخلف جواري ومالا لرجل من المسلمين بيع ذلك ؟ فقال : أما المنافع والحيوان فإن اضطروا إلى بيعه ولم يكن قاض فلا بأس وأما الجواري فأحب إلي أن يتولى بيعهن حاكم من الحكام وإنما توقف عن بيع الإماء على طريق الاختيار احتياطا لأن بيعهن يتضمن إباحة فرج وأجاز بيع ذلك لأنه موضع ضرورة

فصول : الوصية بتفريق المال وسداد الدين
فصل : وإذا أوصى إليه بتفريق مال لم يكن له أخذ شيء منه نص عليه أحمد فقال إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو يحتاج إليه فلا يأكل منه شيئا إنما أمر بتنفيذه وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك أن تضع ثلثي حيث شئت أو حيث رأيت فله أخذه لنفسه وولده ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا لأنه يتناوله لفظ الموصي ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال فإن دلت على أنه أراد أخذه منه مثل أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك أو عادته الأخذ من مثله فله الأخذ منه وإلا فلا ويحتمل أن له إعطاء ولده وسائر أقاربه إذا كانوا مستحقين دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق وقد فرق فيمن يستحق فأشبه ما لو دفع إلى أجنبي
ولنا أنه تمليك ملكه بالإذن فلا يجوز أن يكون قابلا كما لو وكله في بيع سلعة لم يجز له بيعها من نفسه
فصل : وإن وصى إليه بتفريق ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم فعنه روايتان : إحداهما : يخرج الثلث كله مما في يده نقلها أبو طالب لأن حق الموصى له متعلق بأجزاء التركة فجاز أن يدفع إليه مما في يده كما يدفع إلى بعض الورثة والأخرى : يدفع إليه ثلث ما في يده ولا يعطيهم شيئا مما في يده حتى يخرجوا ثلث ما في أيديهم نقلها أبو الحارث لأن صاحب الدين إذا كان للمدين في يديه مال لم يملك استيفاءه مما في يديه كذا ههنا ويمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين فالرواية الأولى محمولة على ما إذا كان المال جنسا واحدا فللموصي أن يخرج الثلث كله مما في يديه لأنه لا فائدة في انتظار إخراجهم مما في أيديهم مع اتحاد الجنس والرواية الثانية محمولة على ما إذا كان المال أجناسا فإن الوصية تتعلق بثلث كل جنس فليس له أن يخرج عوضا عن ثلث ما في أيديهم مما في يده لأن معاوضة لا تجوز إلا برضاهم والله أعلم
فصل : إذا علم الوصي أن على الميت دينا إما بوصية الميت أو غيرها فقال أحمد لا يقضيه إلا ببينة قيل له فإن كان ابن الميت يصدقه ؟ قال : يكون ذلك في حصة من أقر بقدر حصته وقال فيمن استودع رجلا ألف درهم وقال إن أنا مت فادفعها إلى ابني الكبير وله ابنان أو قال ادفعها إلى أجنبي فقال إن دفعها إلى أحد الابنين ضمن للآخر قدر حصته وإن دفعها إلى الآخر ضمن ولعل هذا من أحمد فيما إذا لم يصدق الورثة الوصي ولم يقروا فلا يقبل قوله عليهم وليس له الدفع بغير إذنهم لأن قوله أقر عندي وأذن لي إثبات ولاية فلا يقبل قوله فيه ولا شهادته لأنه يشهد لنفسه بالولاية وقد نقل أبو داود في رجل أوصى أن لفلان علي كذا ينبغي للوصي أن ينفذه ولا يحل له أن لم ينفذ فهذه المسألة محمولة على أن الورثة يصدقون الوصي أو المدعي أو له بينة بذلك جمعا بين الروايتين وموافقة للدليل قيل ل أحمد فإن علم الموصى إليه لرجل حقا على الميت فجاء الغريم يطالب الوصي وقدمه إلى القاضي ليستحلفه ان مالي في يديك حق فقال لا يحلف ويعلم القاضي بالقضية فإن أعطاه القاضي فهو أعلم فإن ادعى رجل دينا على الميت وأقام به بينة فهل يجوز للوصي قبولها وقضاء الدين بها من غير حضور حاكم فكلام أحمد يدل على روايتين
إحداهما : قال لا يجوز الدفع إليه بدعواه إلا أن تقوم البينة فظاهر هذا أنه جوز الدفع بالبينة من غير حكم حاكم لأن البينة له حجة وقال في موضع آخر إلا أن يثبت ببينة عند الحاكم بذلك فأما إن صدقهم الورثة على ذلك قبل لأنه إقرار منهم على أنفسهم

مسألة : عتق المريض في مرضه أو بعد موته عبدين
مسألة : قال : ومن أعتق في مرضه أو بعد موته عبدين لا يملك غيرهما وقيمة أحدهما مائتان والآخر ثلاثمائة فلم يجز الورثة أقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان عتق منه خمسة أسداسه وهو ثلث الجميع وإن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه لأن جميع ملك الميت خمسمائة درهم وهو قيمة العبدين فضرب في ثلاثة فأخذ ثلثه خمسمائة فأما إن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان ضربناه في ثلاثة فصيرناه ستمائة فصار العتق منه خمسة أسداسه وكذلك يفعل الآخر إذا وقعت عليه القرعة وكل شيء يأتي من هذا الباب فسبيله أن يضرب في ثلاثة ليخرج بلا كسر
هذه المسألة دالة على أحكام أربعة : منها : أن حكم العتق في مرض الموت حكم الوصية لا يجوز منه إلا ثلاث المال إلا أن يجيزه الورثة وهذا قول جمهور الفقهاء وحكي عن مسروق فيمن أعتق عبده في مرض موته ولا مال له : غيره أجيزه برمته شيء جعله لله لا أرده وهذا قول شاذ يخالف الأثر والنظر فإنه قد صح [ عن عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم النبي صلى الله عليه و سلم فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا ] رواه مسلم و أبو داود ولأنه تبرع في مرض موته فأشبه سائر العطايا والصدقات
الثاني : أن العتق إذا كان في أكثر من واحد فلم يحملهم الثلث كملنا الثلث في واحد بالقرعة وإن كانوا جماعة كملنا العتق في بعضهم بالقرعة بدليل حديث عمران بن حصين المذكور
الثالث : أنه إذا لم يخرج من الثلث إلا جزء من عبد عتق ذلك الجزء خاصة ورق باقيه على ما سنذكره في العتق إن شاء الله تعالى
الرابع : إثبات القرعة ومشروعيتها بدليل حديث عمران وفعل النبي صلى الله عليه و سلم في الأعبد الذين أقرع بينهم فأما كيفية تكميل العتق فإن العبيد إن تساوت قيمتهم وكان لهم ثلث صحيح كستة أعبد قيمة كل اثنين منهم ثلث المال جعلنا كل اثنين منهم ثلثا وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم فاللذان يقع لهما سهم الحرية يعتقان ويرق الآخرون وإن كان فيهم كسر كمسألة الخرقي أقرعت بين العبدين فأيهما وقعت عليه قرعة الحرية ضربت قيمته في ثلاثة أسهم فما بلغ نسبت إليه قيمة العبدين جميعا فمهما خرج بالنسبة فهو القدر الذي يعتق منه ففي هذه المسألة إذا وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان ضربتهما في ثلاثة صارت ستمائة ونسبت منها قيمة العبدين معا وهي خمسمائة تجدها خمسة أسداسها فيعتق منه خمسة أسداسه وإن وقعت على الآخر عتق خمسة أتساعه وتمام شرح ذلك يأتي في باب العتق إن شاء الله

مسألة وفصل : الوصية بغير المعين
مسألة : قال : وإذا أوصى بعبد من عبيده لرجل ولم يسم العبد كان له أحدهم بالقرعة إذا كان يخرج من الثلث وإلا ملك منه بقدر الثلث
وجملة ذلك أن الوصية بغير معين كعبد من عبيده وشاة من غنمه تصح وقد ذكرنا أن الوصية بالمجهول تصح فيما مضى وبه يقول مالك و الشافعي و إسحاق واختلفت الرواية فيما يستحقه الموصى له فروي أنه يستحق أحدهم بالقرعة ويشبه أن يكون قول إسحاق ونقل ابن منصور أنه يعطى أحسنهم يعني يعطيه الورثة ما أحبوا من العبيد وهو قول الشافعي وقال مالك قولا يقتضي أنه إذا أوصى بعبد وله ثلاثة أعبد فله ثلثهم وإن كانوا أربعة فله ربعهم فإنه قال إذا أوصى بعشر من إبله وهي مائة يعطى عشرها والنخل والرقيق والدواب على ذلك والصحيح أنه يعطى عشرة بالعدد لأنه الذي تناوله لفظه ولفظه هو المقتضى فلا يعدل عنه ولكن يعطى واحدا بالقرعة لأنه يستحق واحدا غير معين فليس واحد بأولى من واحد فوجب المصير إلى القرعة كما لو أعتق واحدا منهم وعلى ما نقل ابن منصور يعطيه الورثة من عبيده ما شاءوا من صحيح أو معيب جيد أو رديء لأنه يتناوله اسم العبد فأجزأ كما لو وصى له بعبد ولم يضفه إلى عبيده وإن لم يكن له إلا عبد واحد تعينت الوصية فيه وكذلك إن كان له عبيد فماتوا كلهم إلا واحدا تعينت الوصية فيه لتعذر تسليم الباقي وإن تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي أو قتلوا بطلت الوصية لأنها إنما تلزم بالموت ولا رقيق له حينئذ وإن تلفوا بعد موته بغير تفريط من الورثة بطلت الوصية لأن التركة عند الورثة غير مضمونة لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم وإن قتلهم قاتل فللموصى له قيمة أحدهم مبنيا على الروايتين فيمن يستحقه منهم في الحياة ولو قال أوصيت لك بعبد من عبيدي ولا عبيد له لم تصح الوصية لأنه أوصى له بلا شيء فهو كما لو قال أوصيت لك بما في كيسي ولا شيء فيه أو بداري ولا دار له فإن اشترى قبل موته عبيدا احتمل أن لا تصح الوصية لأنها وقعت باطلة فلم تصح كما لو قال أوصيت لك بما في كيسي ولا شيء فيه ثم جعل في كيسه شيئا ولأن الوصية تقتضي عبدا من الموجودين له حال الوصية : ويحتمل أن تصح كما لو وصى له بألف لا يملكه ثم ملكه أو وصى له بثلث عبيده ثم ملك عبيدا آخرين
وقد روى ابن منصور عن أحمد في رجل قال في مرضه اعطوا فلانا من كيسي مائة درهم فلم يوجد في كيسه شيء يعطى مائة درهم فلم تبطل الوصية لأنه قصد إعطاءه مائة درهم وظنها في الكيس فإذا لم تكن في الكيس أعطي من غيره فكذلك يخرج في الوصية بعبد من عبيده إذا لم يكن له عبيد أن يشتري له من تركته عبد ويعطى إياه
فصل : وإن وصى لرجل بعبد صحت الوصية ويشترى له عبد أي عبد كان وإن كان له عبيد أعطاه الورثة ما شاؤوا ولا قرعة ههنا لأنه لم يضف الرقيق إلى نفسه ولا جعله واحدا من عدد محصور فلم يستحق الموصى له أكثر من أقل من يسمى عبدا كما لو أقر له بعبد قال القاضي : ولهم أن يعطوه ما شاؤوا من ذكر أو أنثى والصحيح عندي أنه لا يستحق إلا ذكرا فإن الله تعالى فرق بين العبيد والإماء بقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } والمعطوف يغاير المعطوف عليه ظاهرا ولأنه في العرف كذلك فإنه لا يفهم من إطلاق اسم العبد إلا الذكر ولو وكله في شراء عبد لم يكن له شراء أمة فلا تنصرف وصيته إلا إلى الذكر وإن وصى له بأمة أو جارية لم يكن له إلا أنثى وليس له أن يعطيه خنثى مشكلا لأنه لا يعلم كونه ذكرا ولا أنثى وإن وصى له بواحد من رقيقه أو برأس مما ملكت يمينه دخل في وصيته الذكر والأنثى والخنثى

فصول : الوصية باسم الجنس وبكنايات العدد
فصل : وإن وصى له بشاة من غنمه فالحكم فيها كالحكم في الوصية بعبد من عبيده ويقع هذا الاسم على الضأن والمعز قال أصحابنا ويتناول الصغيرة والكبيرة والذكر والأنثى لأن الشاة اسم يتناول جميع ذلك بدليل قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ في أربعين شاة شاة ] يريد الذكور والإناث والصغار والكبار وعندي أنه لا يتناول إلا أنثى كبيرة إلا أن يكون في بلد عرفهم يتناول ذلك فأما من لا يتناول عرفهم إلا الإناث فإن وصيته لا تتناول إلا ما يسمى في عرفهم لأن ظاهرحاله إرادة ما يتعارفونه وإن وصى بكبش لم يتناول إلا الذكر الكبير من الضأن والتيس لا يقع إلا على الذكر الكبير من المعز وإن وصى بعشرة من الغنم يتناول عشرة من الذكور والإناث والصغار والكبار أن
فصل : وإن وصى بجمل لم يكن إلا ذكرا وإن وصى بناقة لم تكن إلا أنثى وإن قال عشرة من إبلي وقع على الذكر والأنثى جميعا ويحتمل أنه إن قال عشرة بالهاء فهو للذكور وإن قال عشر فهو للإناث وكذلك في الغنم لأن العدد في العشرة إلى الثلاثة للمذكر بالهاء وللمؤنث بغيرها قال الله تعالى : { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام } وإن قال أعطوه بعيرا ففيه وجهان : أحدهما : هو للذكر وحده لأنه في العرف اسم له وحده والثاني : هو للذكر والأنثى لأنه في لسان العرب يتناولهما جميعا تقول العرب حلبت البعير تريد الناقة فالجمل في لسانهم كالرجل من بني آدم والناقة كالمرأة والبكرة كالفتاة وكذلك القلوص والبعير كالإنسان
فصل : وإن وصى له بثور فهو ذكر وإن وصى له ببقرة فهي أنثى وإن وصى بدابة فهي واحدة من الخيل والبغال والحمير يتناول الذكر والأنثى لأن الاسم في العرف يقع على جميع ذلك وإن قرن به ما يصرفه إلى أحدهما مثل أن قال دابة يقاتل عليها أو يسهم لها انصرف إلى الخيل وإن قال دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال لأنه لا نسل لها وخرج منه الذكور كذلك وإن وصى له بحمار فهو ذكر وإن وصى باتان فهي أنثى فإن وصى بحصان فهو ذكر وإن وصى بفرس تناول الذكر والأنثى وفي جميع ذلك إذا كان له أعداد من جنس ما وصى له به فعلى قول الخرقي يكون له ذلك بالقرعة وعلى رواية ابن منصور يعطيه الورثة ما شاؤوا ولا يستحق للدابة سرجا ولا للبعير رحلا إلا أن يذكره في الوصية

فصل : صحة الوصية بكلب يباح اقتناؤه
فصل : وإن وصى بكلب يباح اقتناؤه صحت الوصية لأن فيه نفعا مباحا وتقر اليد عليه والوصية تبرع فتصح في المال وفي غير المال من الحقوق ولأنه تصح هبته فتصح الوصية به كالمال وإن كان مما لا يباح اقتناؤه لم تصح الوصية به سواء قال كلبا من كلابي أو قال من مالي لأنه لا يصح ابتياع الكلب لأنه لا قيمة له بخلاف الشاة فإن كان له كلب ولا مال له سواه فله ثلثه وإن كان له مال سواه فقد قيل للموصى له جميع الكلب وإن قل المال لأن قليل المال خير من الكلب لكونه لا قيمة له وقيل للموصى له به ثلثه وإن كثر المال لأن موضوع الوصية على أن يسلم ثلثا التركة للورثة وليس في التركة شيء من جنس الموصى به وإن وصى لرجل بكلابه ولآخر بثلث ماله فللموصى له بالثلث الثلث وللموصى له بالكلاب ثلثها وجها واحدا لأن ما حصل للورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله من حق الموصى له وهو الثلث فلا يحسب عليهم في حق الكلاب ولو وصى بثلث ماله ولو يوص بالكلاب دفع إليه ثلث المال ولم يحتسب بالكلاب على الورثة لأنها ليست بمال وإذا قسمت الكلاب بين الوارث والموصى له أو بين اثنين موصى لهما بها قسمت على عددها لأنها لا قيمة لها فإن تشاحوا في بعضها فينبغي أن يقرع بينهم فيه وإن وصى له بكلب وللموصى كلاب يباح اتخاذها ككلاب الصيد والماشية والحرث فله واحد منها بالقرعة أو ما أحب الورثة على الرواية الأخرى وإن كان له كلب يباح وكلب للهراش فله الكلب المباح ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كنحو مما ذكرنا إلا أنه يجعل للموصى له بكلب ما أحب الورثة دفعه إليه ولا تصح الوصية بكلب الهراش ولا كلب غير الكلاب الثلاثة وفي الوصية بالجرو الصغير وجهان بناء على جواز تربيته للصيد أو للماشية وقد سبق ذكر ذلك ولا تصح الوصية بخنزير ولا بشيء من السباع التي لا تصلح للاصطياد كالأسد والنمر والذئب لأنها لا منفعة فيها ولا تصح الوصية بشيء لا منفعة فيه من غيرها

فصول : صحة الوصية بطبل الحرب والقوس والعود
فصل : وإن وصى له بطبل حرب صحت الوصية به لأن فيه منفعة مباحة وإن كان بطبل لهو لم تصح لعدم المنفعة المباحة به وإن كان مع ذلك إذا فصل صلح للحرب لم تصح الوصية به أيضا لأن منفعته في الحال معدومة فإن كان يصلح لهما جميعا صحت الوصية به لأن المنفعة قائمة به وإن وصى له بطبل وأطلق وله طبلان تصح الوصية بأحدهما دون الآخر انصرفت الوصية إلى ما تصح الوصية به وإن كان له طبول تصح الوصية بجميعها فله أخذها بالقرعة أو ما شاء الورثة على اختلاف الروايتين وإن وصى بدف صحت الوصية به لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ اعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف ] ولا تصح الوصية بمزمار ولا طنبور ولا عود من عيدان اللهو لأنها محرمة سواء كانت فيه الأوتار أو لم تكن لأنه مهيأ لفعل المعصية دون غيرها فأشبه ما لو كانت فيه الأوتار
فصل : ولو أوصى له بقوس صحت الوصية فإن فيه منفعة مباحة سواء كان قوس نشاب وهو الفارسي أو نبل وهو العربي أو قوس يمجرى أو قوس زنبور أو جوخ أو ندف أو بندق فإن لم يكن له إلا قوس واحد من هذه القسي تعينت الوصية فيه وإن كانت له هذه جميعها وكان في لفظه أو حاله قرينة تصرف إلى أحدها انصرف إليه مثل أن يقول قوسا يندف به أو يتعيش به أو ما أشبه ذلك فهذا يصرفه إلى قوس الندف وإن قال يغزو به خرج من قوس الندف والبندق وإن كان الموصى له ندافا لا عادة له بالرمي أو بندقانيا لا عادة له بالرمي بشيء سواه أو يرمي بقوس لا يرمي بسواه انصرفت الوصية إلى القوس الذي يستعمله عادة لأن ظاهر حال الموصي أنه قصد نفعه بما جرت عادته بالانتفاع به وإن انتفت القرائن فاختار أبو الخطاب أن له واحدا من جميعها بالقرعة أو ما يختاره الورثة لأن اللفظ يتناول جميعها والصحيح أن وصيته لا تتناول قوس الندف ولا البندق ولا العربية في بلد لا عادة لهم بالرمي بها وهذا مذهب الشافعي إلا أنه لا يذكر العربية ويكون له واحد مما عدا هذه لأن هذه لا يطلق عليها اسم القوس في العادة بين غير أهلها حتى يصفها فيقول : قوس القطن أو الندف أو قوس البندق وأما العربية فلا يتعارفها غير طائفة من العرب فلا يخطر ببال الموصي غالبا ويعطى القوس معمولة بها لأنها لا تسمى قوسا إلا كذلك ولا يستحق وترها لأن الاسم يقع عليها دونه وفيه وجه آخر أنه يعطاها بوترها لأنها لا ينتفع بها إلا به فكان كجزء من أجزائها
فصل : وإن وصى له بعود وله عود لهو وغيره لم تصح الوصية لأن إطلاقها ينصرف إلى عود اللهو ولا تصلح الوصية به لعدم النفع المباح فيه وإن لم يكن له إلا عيدان قسي أو عود يتبحر به أو غيره من العيدان المباحة صحت الوصية وانصرفت إليها لعدم غيرها وتعينها مع إباحتها وإن وصى له بجرة فيها خمر صحت الوصية بالجرة وبطلت في الخمر لأن في الجرة نفعا مباحا والخمر لا نفع فيه مباح فصحت الوصية بما فيه المنفعة المباحة كما لو وصى له بخمر وخل وإن وصى له بخمر في جرة لم تصح لأن الذي أضاف الوصية إليه الخمر ولا تصح الوصية به

مسألة وفصل : وإذا أوصى له بشيء بعينه فتلف أو هلك بعضه بعد موت الموصي
مسألة : قال : وإذا أوصى له بشيء بعينه فتلف بعد موت الموصي لم يكن للموصى له شيء وإن تلف المال كله إلا الموصى به فهو للموصى له
أجمع أهل العلم ممن علمنا قوله على أن الموصى به إذا تلف قبل موت الموصى أو بعده فلا شيء للموصى له كذلك حكاه ابن المنذر فقال أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أوصى له بشيء فهلك ذلك الشيء أن لا شيء له في سائر مال الميت وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية لا غير وقد تعلقت بمعين وقد ذهب فذهب حقه كما لو تلف في يده والتركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريطهم فلم يضمنوا شيئا وإن تلف المال كله سواه فهو للموصى له لأن حق الورثة لم يتعلق به لتعيينه للموصى له وذلك يملك أخذه بغير رضاهم وإذنهم فكان حقه فيه دون سائر المال وحقوقهم في سائر المال دونه فأيهما تلف حقه لم يشارك الآخر في حقه كما لو كان التلف بعد أن أخذه الموصى له وقبضه وكالورثة إذا اقتسموا ثم تلف نصيب أحدهم قال أحمد فيمن خلف مائتي دينار وعبدا قيمته مائة ووصى لرجل بالعبد فسرقت الدنانير بعد الموت فالعبد للموصى له به
فصل : وإن وصى له بمعين فاستحق بعضه أو هلك فله ما بقي منه إن حمله الثلث وإن وصى له بثلث عبد أو ثلث دار فاستحق الثلثان منه فالثلث للموصى له وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي لأنه لم يوص له من الباقي بأكثر من ثلاثة وقد شرك بينه وبين ورثته في استحقاقه

مسألة : من أوصي له بشيء فلم يأخذه زمانا قوم وقت الموت
مسألة : قال : ومن أوصي له بشيء فلم يأخذه زمانا قوم وقت الموت لا وقت الأخذ
وجملته أن الاعتبار في قيمة الموصى به وخروجها من الثلث أو عدم خروجها بحالة الموت لأنها حال لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا فينظر فإن كان الموصى به وقت الموت ثلث التركة أو دونه نفذت الوصية واستحقه الموصى له كله فإن زادت قيمته حتى صار معادلا لسائر المال أو أكثر منه أو هلك المال كله سواه فهو للموصى له لا شيء للورثة فيه فإن كان حين الموت زائدا عن الثلث فللموصى له من قدر ثلث المال فإن كان نصف المال فللموصى له ثلثاه وإن كان ثلثيه فللموصى له نصفه وإن كان نصف المال وبثلثه فللموصى له خمساه فإن نقص بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر المال أو زاد فليس للموصى له سوى ما كان له حين الموت فلو وصى بعبد قيمته مائة وله مائتان فزادت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائتين فهو للموصى له كله وإن كانت قيمته حين الموت مائتين فللموصى له ثلثاه لأنهما ثلث المال فإن نقصت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائة لم يزد حق الموصى له عن ثلثه شيئا إلا أن يجيز الورثة وإن كانت قيمته أربعمائة فللموصى له نصفه لا يزاد حقه عن ذلك سواء نقص العبد أو زاد أو نقص المال أو زاد

فصل : والعطايا في مرض الموصي يعتبر خروجها من الثلث
فصل : والعطايا في مرضه يعتبر خروجها من الثلث حين الموت نقل صالح بن أحمد عن أبيه فيمن له ألف درهم وعبد قيمته ألف فأعتق العبد في مرض موته وأنفق الدراهم عتق من العبد ثلثه فاعتبر ماله حين الموت من العبد لا فيما قبله فلما لم يكن له حين الموت إلا العبد لم يعتق منه إلا ثلثه ولو لم يتلف الألف لعتق منه ثلثاه ولو زاد ماله قبل موته حتى بلغ ألفين لعتق العبد كله لخروجه من الثلث وإن كسب العبد شيئا كان كسبه بينه وبين الورثة على قدر ما فيه من الحرية والرق ويدخله الدور وقد ذكرنا ذلك فيما مضى وإن تلف من التركة شيء بفعل مضمون على الورثة حسب عليهم من التركة

فصول : وإن وصى بمعين حاضر وسائر ماله دين وإذا كان الدين مثل العين
فصل : وإن وصى بمعين حاضر وسائر ماله دين أو غائب فليس للوصي أخذ المعين قبل قدوم الغائب أو استيفاء الدين لأنه ربما تلف فلا تنفذ الوصية في المعين كله وظاهر كلام الخرقي أن للوصي ثلث المعين ذكره في المدبر وقيل لا يدفع إليه شيء لأن الورثة شركاؤه في التركة فلا يحصل له شيء ما لم يحصل للورثة مثله ولم يحصل لهم شيء وهذا وجه لأصحاب الشافعي والصحيح أن له الثلث لأن حقه فيه مستقر فوجب تسليمه إليه لعدم الفائدة في وقفه كما لو لم يخلف غير المعين ولأنه لو تلف سائر المال لوجب تسليم ثلث المعين إلى الوصي وليس تلف المال سببا لاستحقاق الوصية وتسليمها ولا يمنع نفوذ الوصية في الثلث المستقر وإن لم ينتفع الورثة بشيء كما لو أبرأ معسرا من دين عليه وقال مالك يخير الورثة بين دفع العين الموصى بها وبين جعل وصيته بثلث المال لأن الموصي كان له أن يوصي بثلث ماله فعدل إلى المعين وليس له ذلك لأنه يؤدي إلى أن يأخذ الموصى له المعين فينفرد بالتركة على تقدير تلف الباقي قبل وصوله إلى الورثة فيقال للورثة إن رضيتم بذلك وإلا فعودوا إلى ما كان له أن يوصي به وهو الثلث
ولنا أنه أوصى بما لا يزيد على الثلث لأجنبي فوقع لازما كما لو وصى له بمشاع وما قاله لا يصح لأن جعل حقه في قدر الثلث إشاعة وإبطال لما عينه فلا يجوز إسقاط ما عينه الموصي للموصى له ونقل حقه إلى ما لم يوص به كما لو وصى له بمشاع لم يجز نقله إلى معين وكما لو كان المال كله حاضرا أو غائبا إذا ثبت هذا فإن للموصى له ثلث المعين الحاضر وكلما اقتضى من دينه شيء أو حضر من الغائب شيء فللموصى له بقدر ثلثه من الموصى به كذلك حتى يكمل للموصى له الثلث أو يأخذ المعين كله فلو خلف تسعة عينا وعشرين دينا وابنا ووصى بالتسعة لرجل فللوصي ثلثها ثلاثة وكلما اقتضي من الدين شيء فللوصي ثلثه فإذا اقتضى ثلثه فله من التسعة واحد حتى يقتضي ثمانية عشر فيكمل له التسعة وإن جحد الغريم أو مات أو يئس من استيفاء الدين أخذ الورثة الستة الباقية من العين ولو كان الدين تسعة فإن الابن يأخذ ثلث العين ويأخذ الوصي ثلثها ويبقى ثلثها موقوفا كلما استوفي من الدين شيء فللوصي من العين قدر ثلثه فإذا استوفى الدين كله كمل للموصى له ستة وهي ثلث الجميع وإن كانت الوصية بنصف العين أخذ الوصي ثلثها وأخذ الابن نصفها وبقي سدسها موقوفا فمتى اقتضى من الدين مثليه كملت الوصية
فصل : فإن كان الدين مثل العين فوصى لرجل بثلثه فلا شيء له قبل استيفاء الوصية فكلما اقتضى منه شيء فله ثلثه وللابن ثلثاه وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر هو أحق بما يخرج من الدين حتى يستوفي وصيته وهذا قول أهل العراق لأن ذلك يخرج من ثلث المال الحاضر
ولنا أن الورثة شركاؤه في الدين وليس معهم شركة في العين فلا يختص بم خرج منه دونهم كما لو كان شريكه في الدين وصيا آخر أو كما لو وصى لرجل بالعين وله ولآخر بالدين فإن المنفرد بوصية الدين لا يختص بما خرج منه له دون صاحبه كذا ههنا
فصل : ولو وصى لرجل بثلث ماله وله مائتان دينا وعبد يساوي مائة ووصى لآخر بثلث العبد اقتسما ثلث العبد نصفين وكلما اقتضي من الدين شيء فللموصى له بثلث المال ربعه وله وللآخر من العبد بقدر ربع ما استوفي بينهما نصفين فإذا استوفى الدين كله كمل للوصين نصف العبد ولصاحب الثلث ربع المائتين وذلك هو ثلث المال وإن استوفي الدين قبل القسمة قسمنا بينهما كذلك للموصى له بالثلث ربع المائتين وربع العبد وللموصى له بثلث العبد ربعه لأن الوصيتين أربعة أتساع المال والجائز منهما ثلث المال وهو ثلاثة أتساع وذلك ثلاثة أرباع وصيتهما فرددنا كل واحد منهما إلى ثلاثة أرباع وصيته وهي ربع المال كله لصاحب ثلثه وربع العبد لصاحب ثلثه وفي المسألة أقوال سوى ما قلناه تركناها لطولها وهذا أسدها إن شاء الله إلا أننا أدخلنا النقص على كل واحد منهما بقدر ما له في الوصية وكملنا لهما الثلث وإن أجيز لهما أخذ كل واحد منهما ما بقي من وصيته وهو ربعها فيكمل ثلث المال لصاحبه وثلث العبد للآخر

فصلان : حكم ما إذا خلف اثنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا
فصل : وإن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحد ابنيه وهو معسر ووصى لأجنبي بثلث ماله فان الوصي والابن الذي لا دين عليه يقتسمان العشرة العين نصفين ويسقط عن المدين ثلثا دينه ويبقى لهما عليه ثلثه فإن كانت الوصية بالربع قسمت العشرة العين بينهما أخماسا للموصي خمساها أربعة وللابن ستة وسقط عن المدين ثلاثة أرباع دينه وبقي عليه ربعه فإذا استوفي قسم بينهما أخماسا كما قسم العين لأن الوصية بالربع وهو ثمنان وبقي ستة أثمان لكل ابن ثلاثة أثمان فصار نصيب الوصي والابن الذي لا دين عليه خمسة أثمان للابن ثلاثة وللوصي سهمان فلذلك قسمنا العين وما حصل لهما من الدين بينهما أخماسا وسقط عن المدين ثلاثة أرباع ما عليه لأنه له ثلاثة أثمان وهي ثلاثة أرباع النصف الذي عليه
فصل : ونماء العين الموصى بها إن كان متصلا كالسمن وتعليم صنعة فهو تابع للعين ويكون للموصى له إذا احتمله الثلث وإن كان منفصلا كالولد والثمرة في حياة الموصي فهو له يصير إلى ورثته لأنه ملكه وما حدث بعد الموت وقبل القبول فينبني على الملك في الموصى له والصحيح أنه للورثة والآخر هو للموصى له فيكون النماء لمن الملك له والله أعلم بالصواب

مسألة : قال : ومن أوصى بوصايا فيها عتائق
مسألة : قال : وإذا أوصى بوصايا فيها عتاقة فلم يف الثلث بالكل تحاصوا في الثلث وأدخل النقص على كل واحد منهم بقدر ما له في الوصية
أما إذا خلت الوصايا من العتق وتجاوزت الثلث ورد الورثة الزيادة فإن الثلث يقسم بين الموصى لهم على قدر وصاياهم ويدخل النقص على كل واحد بقدر ما له من الوصية على مثال مسائل العول إذا زادت الفروض عن المال فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولآخر بمعين قيمته خمسون ووصى بفداء أسير بثلاثين ولعمارة مسجد بعشرين وثلث ماله مائة جمعت الوصايا كلها فوجدتها ثلاثمائة ونسبت منها الثلث فتجده ثلثها فتعطى كل واحد منهم ثلث وصيته فلصاحب الثلث ثلث المائة وكذلك لصاحب المائة ويرجع صاحب الخمسين إلى ثلثها ولفداء الأسير عشرة ولعمارة المسجد ستة وثلثان فأما إن كان فيها عتق فعن أحمد فيها روايتان : إحداهما : أن يقسم الثلث بين جميع الوصايا بالعتق وغيره سواء ويقسم بينهم على ما ذكرنا وهذا قول ابن سيرين و الشعبي و أبي ثور لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فتساووا فيه كسائر الوصايا والرواية الثانية يقدم العتق ويبدأ به فإن فضل منه شيء قسم بين سائر أهل الوصايا على قدر وصاياهم وروي هذا عن عمر وبه يقول شريح و مسروق و عطاء الخراساني و قتادة و الزهري و مالك و الثوري و إسحاق لأن فيه حقا لله تعالى وحقا لآدمي فكان آكد ولأنه لا يلحقه فسخ ويلحق غيره ذلك ولأنه أقوى بدليل سرايته ونفوذه من الراهن والمفلس وروي عن الحسن و الشافعي كالراويتين

فصلان : العطايا المعلقة بالموت
فصل : والعطايا المعلقة بالموت كقوله إذا مت فاعطوا فلانا كذا أو أعتقوا فلانا ونحوه وصايا حكمها حكم غيرها من الوصايا في التسوية بين مقدمها ومؤخرها والخلاف في تقديم العتق منها بخلاف العطايا المنجزة فإنه يقدم الأول منها فالأول لأنها تلزم بالفعل والمؤخرة تلزم بالموت فتتساوى كلها
فصل : وإذا أوصى بعتق عبده لزم الوارث اعتاقه فإن أبي أجبره الحاكم عليه لأنه حق وجب عليه فأجبر عليه كتنفيذ الوصية بالعطية فإن اعتقه الوارث أو الحاكم فهو حر من حين اعتقه لأنه حينئذ عتق وولاؤه للموصي لأنه السبب وهؤلاء نواب عنه ولهذا لزمهم إعتاقه كرها وإن كانت الوصية بعتقه إلى غير الوارث كان الإعتاق إليه لأنه نائب الموصي في إعتاقه فلم يملك ذلك غيره إذا لم يمتنع منه كالوكيل في الحياة

مسألة : حكم ما إذا أوصى بفرس في سبيل الله وألف درهم تنفق عليه
مسألة : قال : ومن أوصى بفرس في سبيل الله وألف درهم تنفق عليه فمات الفرس كانت الألف للورثة وإن أنفق بعضها رد الباقي إلى الورثة
إنما كان كذلك لأنه عين للوصية جهة فإذا فاتت عاد الموصى به إلى الورثة كما لو أوصى بشراء عبد زيد يعتق فمات العبد أو لم يبعه سيده وإن أنفق بعض الدراهم ثم مات الفرس بطلت الوصية في الباقي كما لو وصى بشراء عبدين فمات أحدهما قبل شرائه قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل أوصى بألف درهم في السبيل أيجعل في الحج منها شيء ؟ فقال : لا إنما يعرف الناس السبيل الغزو

فصل : وإذا قال عبدي يخدم فلانا سنة
فصل : وإذا قال يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو حر صحت الوصية فإن قال الموصى له بالخدمة لا أقبل الوصية أو قال قد وهبت الخدمة له لم يعتق في الحال وبهذا قال الشافعي وقال مالك إن وهب الخدمة للعبد عتق في الحال
ولنا أنه أوقع العتق بعد مضي السنة فلم يقع قلبه كما لو رد الوصية

فصل : تقسيم ما إذا أوصى لعمه بثلث ماله ولخاله بعشرة وطريقة ذلك
فصل : وإذا أوصى لعمه بثلث ماله ولخاله بعشره فردت وصيتهما فتحاصا في الثلث فأصاب الخال ستة فاضرب الذي أصابه في وصيته وذلك ستة في عشرة تكن ستين واقسمه على الفاضل بينهما يخرج بالقسم خمسة عشر فهي الثلث وإن شئت قلت قد أصاب الخال ثلاثة أخماس وصيته يبقى من الثلث خمساه وهي تعدل ما أصاب الخال فزد على ما أصاب الخال مثل نصفه وهو ثلثه يصر تسعة فهي للذي أصاب العم وإن قال أصاب العم الربع فقد أصابه ثلاثة أرباع وصيته وبقي من الثلث نصف سدس يعدل ثلاثة أرباع وصية الخال وذلك سبعة ونصف وللعم ثلاثة أمثالها اثنان وعشرون ونصف والمال كله تسعون وإن قال أصاب الخال خمس المال فقد بقي من الثلث خمساه للعم فيكون الحاصل للخال خمسا وصيته أيضا وذلك أربعة دنانير ووصية العم مثل ثلثيها ديناران وثلثان والثلث كله ستة وثلثان والمال كله عشرون فإن كان معهما وصية بسدس المال وأصاب الخال ستة فهي ثلاثة أخماس وصيته فلكل واحد من الآخرين ثلاثة أخماس وصيته وذلك تسعة أعشار الثلث يبقى منه عشرة تعدل ما حصل للعم وهو ستة فالثلث ستون وإن أصاب صاحب السدس عشر المال فقد أصاب صاحب الثلث خمسه يبقى من الثلث أيضا عشره فهو وصية الخال وذلك ثلاثة أخماس وصيته ستة فيكون الثلث ستين كما ذكرنا نوع آخر خلف ثلاثة بنين ووصى لعمه بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث وصية خاله ولخاله بمثل نصيب أحدهم إلا ربع وصية عمه فاضرب مخرج الثلث في مخرج الربع يكن اثني عشر أنقصها سهما يبقى أحد عشر أيفهي نصيب ابن أنقصها سهمين يبقى تسعة فهي وصية الخال وإن نقصتها ثلاثة بقي ثمانية فهي وصية العم وبالجبر تحمل مع العم أربعة دراهم ومع الخال ثلاثة دنانير ثم تزيد على الدراهم دينارا وعلى الدنانير درهما يبلغ كل واحد منهما نصيبا أجبر وقابل وأسقط المشترك يبقى معك ديناران تعدل ثلاثة دراهم فاقلب وحول تصر الدراهم ثمانية والدنانير تسعة كما قلنا : وإن أوصى لعمه بعشرة إلا ربع وصية خاله ولخاله بعشرة إلا خمس وصية عمه فاضرب مخرج الربع في مخرج الخمس يكن عشرين أنقصها سهما تكن تسعة عشر فهي المقسوم عليه ثم اجعل مع الخال أربعة وانقصها سهما يبقى ثلاثة اضربها في العشرة ثم فيما مع العم وهو خمسة يكن مائة وخمسين اقسمها على تسعة عشر يخرج سبعة وسبعة عشر جزءا من تسعة عشر فهي وصية عمه واجعل مع العم خمسة وانقصها سهما واضربها في عشرة ثم في أربعة تكن مائة وستين واقسمها تكن ثمانية وثمانية أجزاء فهي وصية خاله
طريق آخر : تنقص من العشرة ربعها وتضرب الباقي في العشرين ثم تقسمها على تسعة عشر وتنقص منها خمسها وتضرب الباقي في عشرين وتقسمها وبالجبر تجعل وصية الخال ستا ووصية العم عشرة إلا ربع شيء فخذ خمسها فزده على الشيء وهو سهمان لا نصف عشر شيء يعدل عشرة فأسقط المشترك من الجانبين تصر ثمانية وثمانية أجزاء من تسعة عشر إذا أسقطت ربعها من العشرة بقيت سبعة وسبعة عشر جزءا وإن وصى لعمه بعشرة إلا نصف وصية خاله ولخاله بعشرة إلا ثلث وصية جده ولجده بعشرة إلا ربع وصية عمه فوصية عمه ستة وخمسان ووصية خاله سبعة وخمس ووصية جده ثمانية وخمسان وبابها أن تضرب المخارج بعضها في بعض فتضرب اثنين في ثلاثة في أربعة تكن أربعة وعشرين تزيدها واحدا تكن خمسة وعشرين فهذا هو المقسوم عليه ثم تنقص من الاثنين واحدا وتضرب واحدا في ثلاثة ثم تزيدها واحدا وتضربها في أربعة تكن ستة عشر ثم اضربها في عشرة تكن مائة وستين واقسمها على خمسة وعشرين يخرج بالقسم ستة وخمسان فهي وصية العم وانقص الثلاثة واحد يبقى اثنان اضربها في الأربعة تكن ثمانية زدها واحدا واضربها في اثنين ثم في عشرة تكن مائة وثمانين واقسمها على خمسة وعشرين ثم انقص من الأربعة واحدا واضرب ثلاثة في اثنين ثم زدها واحدا تكن سبعة اضربها في ثلاثة ثم في عشرة تكن مائتين وعشرة مقسومة على خمسة وعشرين
طريق آخر : تجعل مع العم أربعة أشياء ومع الخال دينارين ومع الجد ثلاثة دراهم ثم تضم إلى ما مع العم دينارا أو إلى ما مع الخال درهما وتقابل ما مع أحدهما بما مع الآخر وتسقط المشترك فيصير أربعة أشياء تعدل دينارا ودرهما فاسقط لفظة الأشياء واجعل مكانها دينارا أو درهما ثم قابل ما مع الخال بما مع الجد بعد الزيادة وهو ديناران ودرهم مع الخال ثلاثة دراهم وربع درهم وربع دينار مع الجد فإذا أسقطت المشترك بقي درهمان وربع معادلة للدينار وثلاثة أرباع فابسط الكل أرباعا تصر سبعة أرباع من الدينار تعدل تسعة من الدراهم فاقلب واجعل الدراهم سبعة والدينار تسعة ثم ارجع إلى ما فرضت فتجد مع العم درهما ودينارا بستة عشر ومع الخال ثمانية عشر ومع الجد أحد وعشرون والعشرة الكاملة خمس وعشرون والستة عشر منها ستة وخمسان والثمانية عشر سبعة وخمس والأحد وعشرون ثمانية وخمسان فإن كان معهم أخ ووصية الجد عشرة إلا ربع ما مع الأخ ووصية الأخ عشرة إلا خمس ما مع العم فبهذه الطريق تجعل مع العم خمسة أشياء ومع الخال دينارين ومع الجد ثلاثة دراهم ومع الأخ أربعة أفلس ثم تقابل ما مع العم بما مع الخال كما ذكرنا وتجعل الأشياء دينارا ودرهما ثم تقابل ما مع الخال بما مع الجد فتجعل الدينارين درهمين وفلسا ثم تقابل ما مع الجد بما مع الأخ فتخرج الفلس ستة وعشرين والدراهم أحدا وثلاثين والدينار أربعة وأربعين فتبين أن مع العم خمسة وسبعين ومع الخال ثمانية وثمانين ومع الجد ثلاثة وتسعين ومع الأخ مائة وأربعة إذا زدت على ما مع كل واحد ما استثنيته منه صار معه مائة وتسع عشرة وهي العشرة الكاملة فصارت وصية العم ستة وستة وثلاثين جزءا ووصية الخال سبعة وسبعة وأربعين جزءا ووصية الجد سبعة وسبعة وتسعين جزءا ووصية الأخ ثمانية وثمانية وثمانين جزءا وبطريق الباب تضرب المخارج بعضها في بعض تكون مائة وعشرين تنقصها واحدا يبقى مائة وتسعة عشر فهذا المقسوم عليه ثم تنقص الاثنين واحدا وتضربه في ثلاثة ثم تزيدها واحدا وتضربها في أربعة تكن ستة عشر تنقصها واحدا وتضربها في خمسة تكن خمسة وسبعين فهذه وصية العم تضربها في عشرة ثم تقسمها على تسعة عشر تكن ست وثلاثين جزءا ثم تنقص الثلاثة واحدا وتضربها في أربعة وتزيدها واحدا وتضربها في خمسة تكن خمسة وأربعين تنقصها واحدا وتضربها في اثنين تكن ثمانية وثمانين فهذه وصية الخال ثم تنقص الأربعة واحدا وتضربها في خمسة تكن خمسة عشر وتزيدها واحدا وتضربها في اثنين تكن اثنين وثلاثين تنقصها واحدا وتضربها في ثلاثة تكن ثلاثة وتسعين فهذه وصية الجد ثم تنقص الخمسة واحدا وتضربها في اثنين تكن ثمانية تزيدها واحدا وتضربها في ثلاثة تكن سبعة وعشرين تنقصها واحدا وتضربها في أربعة تكن مائة وأربعة فهي وصية الأخ وفي ذلك تضرب العدد الذي مع كل واحد منهم وتقسمه على تسعة عشر فالخارج بالقسم هو وصيته ولو وصى لعمه بعشرة ونصف وصية خاله ولخاله بعشرة وثلث وصية عمه كانت وصية العم ثمانية عشر ووصية الخال ستة عشر وبابها أن تضرب أحد المخرجين في الآخر وانقصه واحدا فهو المقسوم عليه ثم تزيد مخرج النصف واحدا وتضربه في مخرج الثلث ثم في عشرة تكن تسعين مقسومة على خمسة عشر تكن ثمانية عشر ثم تزيد مخرج الثلث واحدا وتضربه في مخرج النصف ثم في عشرة تكن ثمانين مقسومة على خمسة فإن كان معهما آخر ووصى للخال بعشرة وربع وصيته ووصي له بعشرة وربع وصية العم ضربت المخارج ونقصتها واحدا تكن ثلاثة وعشرين فهي المقسوم عليه ثم تزيد الاثنين واحدا وتضربها في ثلاثة تكن تسعة فزدها واحدا واضربها في أربعة تكن أربعين في عشرة ثم اقسمها تخرج سبعة عشرة وتسعة أجزاء فهي وصية العم ثم تصنع في الباقين كما ذكرنا فتكون وصية الخال أربعة عشر وثمانية عشر جزءا ووصية الثالث أربعة عشر وثمانية أجزاء وإن شئت بعد ما عملت وصية العم فاضرب الزائد من وصيته في اثنين فهو وصية الخال واضرب الزائد عن العشرة من وصية الخال في ثلاثة فهي وصية العم ومتى عرفت ما مع واحد منهم أمكنك معرفة ما مع الآخرين والله أعلم وهذا القدر من هذا الفن يكفي فإن الحاجة إليه قليلة وفروعه كثيرة طويلة وغيرها أهم منها والله تعالى يوفقنا لما يرضيه أنه على ما يشاء قدير

كتاب الفرائض
روى أبو داود بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة ] وعن أبي هريرة : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينتزع من أمتي ] أخرجه ابن ماجة ويروى عن عبد الله [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وأن العلم سيقبض حتى يختلف الرجلان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما ] وروى سعيد بن جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن إبراهيم قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعلموا الفرائض فإنها من دينكم وعن جرير عن عاصم الأحول عن مروق العجلي قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلموا القرآن وقال : حدثنا أبو الأحوص أخبرنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : من تعلم القرآن فليتعلم الفرائض
وروى جابر بن عبد الله قال : [ جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بابنتيها من سعد فقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما ولا ينكحان إلا ولهما مال قال : فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عمهما فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك ] رواه أحمد في مسنده

مسألة حجب الأخ والأخت بالابن وابن الابن وبالأب
مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : ولا يرث أخ ولا أخت لأب وأم أو لأب مع ابن ولا مع ابن ابن وإن سفل ولا مع اب
أجمع أهل العلم على هذا بحمد الله وذكر ذلك ابن المنذر وغيره والأصل في هذا قول الله تعالى : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } الآية والمراد بذلك الأخوة والاخوات من الأبوين أو من الأب بلا خلاف بين أهل العلم ولأنه قال وهو يرثها إن لم يكن لها ولد وهذا حكم العصبة واقتضت الآية أنهم لا يرثون مع الولد والوالد لأن الكلالة من لا ولد ولا والد خرج من ذلك البنات والأم لقيام الدليل عللا ميراثهم معهما بقي ما عداهما على ظاهره فيسقط ولد الأبوين ذكرهم وأنثاهم بثلاثة بالابن وابن الابن وإن سفل وبالأب ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة وبالأخ من الأبوين لما روي عن علي رضي الله عنه [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى بالدين قبل الوصية ] ولأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات ويرث الرجل لأبيه وأمه دون أخيه أخرجه الترمذي

مسألة حجب الأخ والأخت لأم بالولد وولد الابن والأب والجد
مسألة : قال : ولا يرث أخ ولا أخت لأم مع ولد ذكرا كان الولد أو أنثى ولا مع ولد الابن ولا مع أب ولا مع جد
وجملة ذلك أن ولد الأم ذكرهم وأنثاهم يسقطون بأربعة : بالولد وولد الابن والأب والجد أب الأب وإن علا أجمع على هذا العلم فلا نعلم أحدا منهم خالف هذا إلا رواية شذت عن ابن عباس في أبوين وأخوين لأم للأم الثلث وللأخوين الثلث وقيل عنه لهما ثلث الباقي وهذا بعيد جدا قال ابن عباس : يسقط الأخوة كلهم بالجد فكيف يورث ولد الأم مع الأب ؟ ولا خلاف بين أهل العلم في أن ولد الأم يسقطون بالجد فكيف يرثون مع الأب ؟ والأصل في هذه الجملة قول الله تعالى : { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } والمراد بهذه الآية الأخ والأخت من الأم بإجماع أهل العلم وفي قراءة سعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت من أم والكلالة في قول الجمهور من ليس له ولد ولا والد فشرط في توريثهم عدم الولد والوالد والولد يشمل الذكر والأنثى والوالد يشمل الأب والجد

فصل بيان الكلالة ومعناها وأقوال العلماء فيها
فصل : اختلف أهل العلم في الكلالة فقيل : الكلالة إسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين
نص أحمد على هذا وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : الكلالة من عدا الولد والوالد واحتج من ذهب إلى هذا بقول الفرزدق في بني أمية :
( ورثتم قناة المجد لا عن كلالة ... عن ابني مناف عبد شمس وهاشم )
واشتقاقه من الأكليل الذي يحيط بالرأس ولا يعلو عليه فكأن الورثة ما عدا الولد والوالد قد أحاطوا بالميت من حوله لا من طرفيه أعلاه وأسفله كاحاطة الأكليل بالرأس فأما الوالد والود فهما طرفا الرجل فإذا ذهبا كان بقية النسب كلالة قال الشاعر :
( فكيف بأطرافي إذا ما شتمتني ... وما بعد شتم الوالدين صلوح )
وقالت طائفة : الكلالة اسم للميت نفسه الذي لا ولد له ولا والد يروى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وقيل الكلالة قرابة الأم واحتجوا بقول الفرزدق الذي أنشدناه عنى أنكم ورثتم الملك عن آبائكم لا عن أمهاتكم ويروى عن الزهري أنه قال : الميت الذي لا ولد له ولا والد كلالة ويسمى وارثة كلالة والآيتان في سورة النساء والمراد بالكلالة فيهما الميت ولا خلاف في أن اسم الكلالة يقع على الاخوة من الجهات كلها وقد دل على صحة ذلك قول جابر يا رسول الله كيف الميراث ؟ إنما يرثني كلالة فجعل الوارث هو الكلالة ولم يكن لجابر يومئذ ولد ولا والدة وممن ذهب إلى أنه يشترط في الكلالة عدم الولد والوالد زيد وابن عباس و جابر بن زيد و الحسن و قتادة و النخعي وأهل المدينة والبصرة والكوفة ويروى عن ابن عباس أنه قال : الكلالة من لا ولد له ويروى ذلك عن عمر والصحيح عنهما كقول الجماعة

مسألة الأخوات للبنات عصبة لهن ما فضل وليست لهن معهن فريضة مسماة
مسألة : قال : والأخوات مع البنات عصبة لهن ما فضل وليست لهن معهن فريضة مسماة
العصبة : هو الوارث بغير تقدير وإذا كان معه ذو قرض أخذ ما فضل عنه أقل أو أكثر وإن انفرد أخذ الكل وإن استغرقت الفروض المال سقط والمراد بالأخوات ههنا الأخوات من الأبوين أو من الأب لأنه قد ذكر أن ولد الأم لا ميراث لهم مع الولد وهذا قول عامة أهل العلم يروى ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود ومعاذ وعائشة رضي الله عنهم وإليه ذهب عامة الفقهاء إلا ابن عباس ومن تابعه فإنه يروى عنه أنه كان لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة فقال في بنت وأخت : للبنت النصف ولا شيء للأخت فقيل له أن عمر قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف فقال ابن عباس أنتم أعلم أم الله ؟ يريد قول الله سبحانه : { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } فإنما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد والحق فيما ذهب إليه الجمهور فـ [ إن ابن مسعود قال في بنت وبنت ابن وأخت لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه و سلم : للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت ] رواه البخاري وغيره واحتجاج ابن عباس لا يدل على ما ذهب إليه بل يدل على أن الأخت لا يفرض لها النصف مع الولد ونحن نقول به فإن ما نأخذه مع البنت ليس بفرض وإنما هو التعصيب كميراث الأخ وقد وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قول الله تعالى : { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وعلى قياس قوله ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه منها عدم ولدها وهو خلاف الإجماع ثم أن النبي صلى الله عليه و سلم وهو المبين لكلام الله تعالى قد جعل للأخت مع البنت وبنت الابن الباقي عن فرضهما وهو الثلث ولو كانت ابنتان وبنت وبنت ابن لسقطت بنت الابن وكان للأخت الباقي وهو الثلث فإن كان معهم أم فلها السدس ويبقى للأخت السدس فإن كان بدل الأم زوج فالمسألة من اثني عشر للزوج الربع واللابنتين الثلثان ويبقى للأخت نصف السدس فإن كان معهم أم عالت المسألة وسقطت الأخت

مسألة بنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات
مسألة : قال : وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات
أجمع أهل العلم على أن بنات الابن بمنزلة البنات عند عدمهن في إرثهن وحجبهن لمن يحجبه البنات وفي جعل الأخوات معهن عصبات وفي أنهن إذا استكملن الثلثين سقط من أسفل منهن من بنات الأبن وغير ذلك والأصل في ذلك قول الله عز و جل : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } وولد البنين أولاد قال الله تعالى : { يا بني آدم } يخاطب بذلك أمة محمد صلى الله عليه و سلم وقال : { يا بني إسرائيل } يخاطب بذلك من في عصر النبي صلى الله عليه و سلم منهم وقال الشاعر :
( بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد )

مسألة سقوط بنات الابن إلا إذا عصبهن الذكر
مسألة : قال : فان كن بنات وبنات ابن فللبنات الثلثان وليس لبنات الابن شيء إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين
اجمع اهل العلم على ان فرض الأبنتين الثلثان إلا رواية شاذة عن ابن عباس أن فرضهما النصف لقول الله تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } فمفهومه أن ما دون الثلاث ليس لهما الثلثان والصحيح قول الجماعة فان النبي صلى الله عليه و سلم قال لأخي سعد بن الربيع : [ أعط ابنتي سعد الثلثين ] وقال الله تعالى في الأخوات : { فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } وهذا تنبيه على أن للبنتين الثلثين لأنهما أقرب ولأن كل من يرث الواحد منهم النصف فللاثنتين منهم الثلثان كالأخوات من الأبوين والأخوات من الأب وكل عدد يختلف فرض واحدهم وجماعتهم فللاثنتين منهم مثل فرض الجماعة كولد الأم والأخوات من الأبوين أو من الأب فأما الثلاث من البنات فما زاد فلا خلاف في أن فرضهن الثلثان وأنه ثابت بقول الله تعالى : { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك }
واختلف فيما ثبت به فرض الابنتين فقيل ثبت بهذه الآية والتقدير : فان كن نساء اثنتين وفوق صلة كقوله : { فاضربوا فوق الأعناق } أي ابنتي الأعناق وهذا دل على هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم حين نزلت هذه الآية ارسل إلى أخي سعد بن الربيع [ أعط ابنتي سعد الثلثين ] وهذا من النبي صلى الله عليه و سلم تفسير للآية وبيان لمعناها واللفظ إذا فسر كان الحكم ثابتا بالمفسر لا بالتفسير ويدل على ذلك أيضا أن سبب نزول بنتي سعد بن الربيع وسؤال أمهما عن شأنهما في ميراث أبيهما وقيل بل ثبت بهذه السنة الثابتة وقيل بل ثبت بالتنبيه الذي ذكرناه وقيل بل ثبت بالإجماع وقيل بالقياس وفي الجملة فهذا حكم قد أجمع عليه وتواردت عليه الأدلة التي ذكرناها كلها فلا يضرنا أيها أثبته وأجمع أهل العلم على أن بنات الصلب متى استكملن الثلثين سقط بنات الابن ما لم يكن بإزائهن أو أسفل منهن ذكر يعصبهن وذلك لأن الله تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين قليلات كن أو كثيرات وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد وقد ذهب الثلثان لولد الصلب فلم يبق لهن شيء ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب لأنهن دون درجتين فإن كان مع بنات الابن ابن في درجتهن كاخيهن أو ابن عمهن أو أنزل منهن كابن أخيهن أو ابن عمهن أو ابن ابن ابن عمهن عصبهن في الباقي فجعل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا قول عامة العلماء : يروى ذلك عن علي وزيد وعائشة رضي الله عنهم وبه قال مالك و الثوري و الشافعي رضي الله عنهم و إسحاق وأصحاب الرأي وبه قال سائر الفقهاء إلا ابن مسعود ومن تبعه فإنه خالف الصحابة في ست مسائل من الفرائض هذه إحداهن فجعل الباقي للذكر دون أخواته وهو قول أبي ثور لأن النساء من الأولاد لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو انفردن وتوريثهن ههنا يفضي إلى توريثهن أكثر من ذلك
ولنا قول الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } وهؤلاء يدخلون في عموم هذا اللفظ بدليل تناوله لهم لو لم يكن بنات وعدم البنات لا يوجب لهم هذا الإسم ولأن كل ذكر وأنثى يقتسمون المال إذا لم يكن معهم ذو فرض فيجب أن يقتسما الفاضل عنه كأولاد الصلب والأخوة مع الأخوات وما ذكروه فهو في الاستحقاق للفرض فأما في مسألتنا فإنما يستحقون بالتعصيب فكان معتبرا بأولاد الصلب والإخوة والأخوات ثم ويبطل ما ذكروه بما إذا خلف ابنا وست بنات فإنهن يأخذن ثلاثة أرباع المال وإن كن ثمانيا أخذن أربعة أخماسه وإن كن عشرا أخذن خمسة أسداسه وكلما زدن في العدد زاد استحقاقهن

فصل تعصيب ابن الابن لمن في درجته مثل اخواته وبنات عمه
فصل : وابن ابن الابن يعصب من في درجته من أخواته وبنات عمه وبنات ابن عم أبيه على كل حال ويعصب من هو أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه ومن فوقهن بشرط أن لا يكن ذوات فرض ويسقط من هو أنزل منه كبناته وبنات أخيه وبنات ابن عمه فلو خلف الميت خمس بنات ابن بعضهن أنزل من بعض لا ذكر معهن وعصبة وكان للعليا النصف وللثانية السدس وسقط سائرهن والباقي للعصبة فإن كان مع العليا أخوها أو ابن عمها فالمال بينهما على ثلاثة وسقط سائرهن فإن كان مع الثانية عصبها وكان للعليا النصف والباقي بينه وبين الثانية على ثلاثة فإن كان مع الثالثة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه وبين الثالثة على ثلاثة فإن كان مع الرابعة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه الثالثة والرابعة على أربعة فإن كان مع الخامسة فالباقي بعد فرض الأولى والثانية بينه وبين الثالثة والرابعة والخامسة على خمسة وتصح من ثلاثين وإن كان أنزل من الخامسة فكذلك ولا اعلم في هذا خلافا بين القائلين بثبوت تعصيب بنات الابن مع بني الابن بعد استكمال الثلثين

مسألة بنات الابن مع بنت الصلب
مسألة : قال : فإن كانت ابنة واحدة وبنات ابن فلابنة الصلب النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين
في هذه المسألة ثلاثة أحكام أحدها : أن للبنت الواحدة النصف ولا خلاف في هذا بين علماء المسلمين لقوله تعالى : { وإن كانت واحدة فلها النصف } ولأن النبي صلى الله عليه و سلم في بنت وبنت ابن وأخت ان للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت
الثاني : أنه إذا كان مع البنت الواحدة بنت ابن أو بنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين وهذا أيضا مجمع عليه بين العلماء والأصل فيه قول الله تعالى : { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف } ففرض للبنات كلهن الثلثين وبنات الصلب وبنات الابن كلهن نساء من الأولاد فكان لهن الثلثان بفرض الكتاب لا يزدن عليه واختصت بنت الصلب بالنصف لأنه مفروض لها والإسم متناول لها حقيقة فيبقى تمام الثلثين ولهذا قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين وقد روى هزيل بن شرحبيل الأودي قال : سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال : للبنت النصف وما بقي فللأخت فأتى ابن مسعود وأخبره بقول ابي موسى فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ولكن أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه و سلم للبنت النصف ولابنه الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فاتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني عن شيء ما دام الحبر فيكم متفق عليه بنحو من هذا المعنى
الحكم الثالث : إذا كان مع بنات الابن ذكر في درجتهن فإنه يعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين في قول جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم إلا ابن مسعود فيمن تابعه فإنه خالف الصحابة فيها وهذه المسالة الثانية التي انفرد فيها عن الصحابة فقال لبنات الابن الأضر بهن من المقاسمة أو السدس فإن كان السدس أقل مما يحصل لهن بالمقاسمة فرضه لهن وأعطى الباقي للذكر وإن كان الحاصل لهن بالمقاسمة أقل قاسم بهن وبنى ذلك على أصله في أن بنت الابن لا يعصبها أخوها إذا استكمل البنات الثلثين إلا أنه ناقص في المقاسمة إذا كان أضر بهن وكان ينبغي أن يعطيهن السدس على كل حال
ولنا قول الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } ولأنه يقاسمها لو لم يكن غيرهما فقاسمهما مع بنت الصلب كما لو كانت المقاسمة أضر بهن وأصله الذي بنى عليه فاسد كما قدمنا

حكم بنات ابن الابن مع بنات الابن حكم بنات الابن مع بنات الصلب
فصل : حكم بنات ابن الابن مع بنات الابن حكم بنات الابن مع بنات الصلب في جميع ما ذكرنا في هاتين المسألتين وفي أنه متى استكمل من فوق السفلى الثلثين سقطت إذا لم يكن لها من يعصبها سواء كمل الثلثان لمن في درجته واحدة أو للعليا أو التي تليها وكذلك كل من نزلت درجته مع من هو أعلى منه وقد مثلنا ذلك في المسألة التي ذكرنا في آخر المسألة التي قبل هذه

مسألة الأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم
مسألة : قال : والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم إذا لم يكن أخوات لأب وأم فإن كان أخوات لأب وأم وأخوات لأب فللأخوات من الأب والأم الثلثان وليس للأخوات من الأب شيء إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كانت أخت واحدة لأب وأم وأخوات لأب فللأخت للأب والأم والنصف وللأخوات من الأب واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين
وهذه الجملة كلها مجمع عليها بين علماء الأمصار إلا ما كان من خلاف ابن مسعود ومن تبعه لسائر الصحابة والفقهاء في ولد الأب إذا استكمل الأخوات من الأبوين الثلثين فإنه جعل الباقي للذكر من ولد الأب دون الاناث فإن كانت أخت واحدة من أبوين واخوة وأخوات من أب جعل للأناث من ولد الأب الأضر بهن من المقاسمة أو السدس وجعل الباقي للذكور كفعله في ولد الابن مع البنات على ما مر تفصيله وشرحه وقد سبق ذكر حجته وجوابها بما يغني عن إعادته فأما فرض الثلثين للأختين فصاعدا والنصف للواحدة المفردة قثابت بقول الله تعالى : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } والمراد بهذه الآية ولد الابوين وولد الأب بإجماع أهل العلم وروى جابر قال : قلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي ولي أخوات ؟ قال فنزلت آية الميراث { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك } رواه أبو داود وروى [ أن جابرا اشتكى وعنده سبع أخوات فقال النبي صلى الله عليه و سلم : قد أنزل الله في أخواتك ] فبين لهن الثلثين وما زاد على الأختين في حكمهما لأنه إذا كان للأختين الثلثان فالثلاث أختان فصاعدا وأما سقوط الأخوات من الأب باستكمال ولد الأبوين الثلثين فلأن الله تعالى إنما فرض للأخوات الثلثين فإذا أخذه ولد الأبوين لم يبق مما فرضه الله تعالى للأخوات شيء يستحقه ولد الأب فإن كانت واحدة من الأبوين فلها النصف بنص الكتاب وبقي من الثلثين المفروضة للأخوات سدس يكمل به الثلثان فيكون للأخوات للأب ولذلك قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين فإن كان ولد الأب ذكورا وإناثا فالباقي بينهم لقول الله تعالى : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } ولا يفارق ولد الأب مع ولد الأبوين ولد لابن مع ولد الصلب إلا في أن بنت الابن يعصبها ابن أخيها ومن هو أنزل منها والأخت من الأب لا يعصبها إلا أخوها فلو استكمل الأخوات من الأبوين الثلثين وثم أخوات من أب وابن أخ لهن لم يكن للأخوات للأب شيء وكان الباقي لابن الأخ لأن ابن الابن وان نزل ابن وابن الأخ ليس بأخ

فصل الذكور يعصبون أخواتهم
فصل : أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم فيمنعونهن الفرض ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين وهم الابن وابن الابن وان نزل والأخ من الأبوين والأخ من الأب وسائر العصبات ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث وهم بنو الأخ والأعمام وبنوهم وذلك لقول الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فهذه الآية تناولت الأولاد وأولاد الابن وقال تعالى : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } فتناولت ولد الأبوين وولد الأب وإنما اشتركوا لأن الرجال والنساء كلهم وارث فلو فرض للنساء فرض أفضى إلى تفضيل الأنثى على الذكر أو مساواتها إياه أو إسقاطه بالكلية فكانت المقاسمة أعدل وأولى وسائر العصبات ليس أخواتهم من أهل الميراث فإنهن لسن بذوات فرض ولا يرثن منفردات فلا يرثن مع إخواتهن شيئا وهذا لا خلاف فيه بحمد الله ومنته

مسألة ميراث الأم الثلث إذا لم يكن ولد ولا ولد ابن
مسألة : قال : وللأم الثلث إذا لم يكن إلا أخ واحد أو أخت واحدة ولم يكن ولد ولا ولد ابن فإن كان له ولد أو أخوان أو أختان فليس لها إلا السدس
وجملة ذلك أن للأم ثلاثة أحوال : حال ترث فيها الثلث بشرطين أحدهما : عدم الولد وولد الابن من الذكور والإناث والثاني : عدم الابنين فصاعدا من الأخوة والأخوات من أي الجهات كانوا ذكورا أو اناثا أو ذكورا وإناثا فلها في هذه الحال الثلث بلا خلاف نعلمه بين أهل العلم الحال الثني : لها السدس إذا لم يجتمع الشرطان بل كان للميت ولدا أو ولد ابن أو اثنان من الأخوة والأخوات في قول جمهور الفقهاء وقال ابن عباس لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس من الأخوة والأخوات إلا ثلاثة وحكي ذلك عن معاذ لأن الله تعالى قال : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } وأقل الجمع ثلاثة ورأى ان ابن عبا س قال لعثمان رضي الله عنه : ليس الأخوان إخوة في لسان قومك فلم تحجب بهما الأم ؟ فقال لا أستطيع أن أرد شيئا كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به
ولنا قول عثمان هذا فإنه يدل على أنه إجماع ثم قبل مخالفة ابن عباس ولأن كل حجب يتعلق بعدد كان أوله اثنين كحجب البنات بنات الابن والأخوات من الأبوين الأخوات من الأب والأخوة تستعمل في الأثنين قال الله تعالى : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } وهذا الحكم ثابت في أخ وأخت ومن أهل اللغة من يجعل الاثنين جمعا حقيقة ومنهم من يستعمله مجازا فيصرف إليه بالدليل ولا فرق في حجبها بين الذكر والأنثى لقوله تعالى : { إخوة } وهذا يقع على الجميع بدليل قوله : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء } ففسرهم بالرجال والنساء
الحال الثالث : إذا كان زوج وأبوان أو امرأة وأبوان فللأم الثلث الباقي بعد فرض الزوجين وهذه يأتي ذكرها إن شاء اله تعالى

مسألة ليس للأب مع الولد الذكر أو ولد الأب إلا السدس
مسألة : قال : وليس للأب مع الولد الذكر أو ولد الابن إلا السدس فإن كن بنات كان له ما فضل
يعني ـ والله أعلم ـ كان له ما فضل بعد أن يفرض له السدس فيكون له ثلاثة أحوال : حال : يرث فيها بالفرض وهي مع الابن أو أبن الابن وإن سفل فليس له إلا السدس والباقي للابن ومن معه لا نعلم في هذا خلافا وذلك لقول الله تعالى : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد }
الحال الثانية : يرث فيها بالتعصيب المجرد وهي مع غير الولد فيأخذ المال ان انفرد وإن كان معه دو فرض غير الولد كزوج أو أم أو جدة فلذي الفرض فرضه وباقي المال له لقول الله تعالى : { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } : فأضاف الميراث إليهما ثم جعل للأم الثلث فكان الباقي للأب ثم قال : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } فجعل للأم مع الأخوة السدس ولم يقطع إضافة الميراث إلى الأبوين ولا ذكر للأخوة ميراثا فكان الباقي كله للأب الحالة الثالثة : يجتمع له الأمران الفرض والتعصيب وهي مع إناث الولد أو ولد الابن فله السدس لقوله تعالى : { لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ولهذا كان للأب السدس مع البنت بالإجماع ثم يأخذ ما بقي بالتعصيب لما روى ابن عباس قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر ] متفق عليه والأب أولى رجل بعد الابن وابنه وأجمع أهل العلم على هذا كله فليس فيه بحمد الله اختلاف نعلمه

فصل الجد كالأب في أحواله الثلاث
فصل : والجد كالأب في أحواله الثلاث وله حال رابع مع الأخوة يذكر في بابه ويسقط بالأب لأنه يدلي به فيسقط به كالأخوة وكذلك كل جد يسقط بابنه لكونه يدلي به وينقص الجد عن رتبة بالأب في زوج وأبوين أو امرأة وأبوين للأم فيهما ثلث جميع المال وباقيه للجد بخلاف الأب

مسألة للزوج النصف إذا لم يكن ولد
مسالة : قال : وللزوج النصف إذا لم يكن ولد فإن كان لها ولد فله الربع وللمرأة الربع واحدة كانت أو أربعا إذا لم يكن ولد فإن كان له ولد فلهن الثمن
وجملة ذلك أن الزوج والزوجة ذوا فرض لا يرثان بغيره وفرض الزوج النصف مع عدم ولد الميتة وولد ابنها والربع مع الولد أو ولد الابن وفرض الزوجة والزوجات الربع مع عدم ولد الزوج وولد ابنه والثمن مع الولد وولد الابن الواحد والأربع سواء بإجماع أهل العلم والأصل فيه قول الله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين }
وإنما جعل للجماعة مثل ما للواحدة لأنه لو جعل لكل واحدة الربع وهن أربع لأخذن جميع المال وزاد فرضهن على فرض الزوج ومثل هذا في الجدات للجماعة مثل ما للواحدة لأن الجدات لو أخذت كل واحدة منهن السدس لأخذن النصف فزدن على ميراث الجد فأما سائر أصحاب الفروض كالبنات وبنات الابن والأخوات المفترقات كلهن فإن لكل جماعة منهن مثل ما للاثنتين على ما ذكر في موضعه وزدن على فرض الواحدة لأن الذكر الذي يرث في درجتهن لا فرض له إلا ولد الأم فإن ذكرهم وأنثاهم سواء لأنهم يرثون بالرحم وقرابة الأم المجردة

مسألة ابن الأخ والأم أولى من ابن الأخ للأب
مسألة : قال : وابن الأخ والأم أولى من ابن الأخ للأب وابن الأخ للأب أولى من ابن ابن الأخ للأب والأم وابن الأخ وإن سفل إذا كان الأب أولى من العم وابن العم للأب أولى من ابن ابن العم للأب والأم وابن العم وإن سفل أولى من عم الأب
هذا ميراث العصبة وهم الذكور من ولد الميت وآبائه وأولادهم وليس ميرثاهم مقدرا بل يأخذون المال كله إذا لم يكن معهم ذو فرض فإن كان معهم ذو فرض لا يسقط بهم أخذوا الفاضل عن ميراثه كله وأولادهم بالميراث أقربهم ويسقط به من بعد لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر ]
وأقربهم البنون ثم بنوهم وإن سفلوا يسقط قريبهم ببعيدهم ثم الأب ثم آباؤه وإن علوا الأقرب منهم فالأقرب ثم بنو الأب وهم الأخوة للأبوين أو للأب ثم بنوهم وإن سفلوا الأقرب منهم فالأقرب ويسقط البعيد بالقريب سواء كان القريب من ولد الأبوين أو من ولد الأب وحده فإن اجتمعوا في درجة واحدة فولد الأبوين أولى لقوة قرابته بالأم فلهذا قال ابن الأخ للأب والأم أولى من ابن الأخ للأب لأنهما في درجة واحدة وابن الأخ للأب أولى من ابن ابن الأخ للأب والأم لأن ابن الأخ للأب أعلى درجة من ابن ابن الأخ للأب والأم وعلى هذا أبدا ومهما بقي من بني الأخ أحد وإن سفل فهو أولى من العم لأنه من ولد الأب والعم من ولد الجد فإذا انقرض الأخوة وبنوهم فالميراث للأعمام ثم بنيهم على هذا النسق إن استوت درجتهم قدم من هو لأبوين فإن اختلفت قدم الأعلى وإن كان لأب ومهما بقي منهم أحد وإن سفل فهو أولى من عم الأب لأن الأعمام من ولد الجد وأعمام الأب من ولد أب الجد فإذا انقرضوا فالميراث لأعمام الأب على هذا النسق ثم الأعمام الجد ثم بنيهم وعلى هذا أبدا لا يرث بنو أب أعلى من بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم لما مر في الحديث وهذا كله مجمع عليه بحمد الله ومنه

مسألة حكم ما إذا كان زوج وأبوان
مسالة : قال : وإذا كان زوج وأبوان أعطي الزوج النصف والأم ثلث ما بقي وما بقي فللأب وإذا كانت زوجة وأبوان أعطيت الزوجة الربع والأم ثلث ما بقي وما بقي فللأب
هاتان المسألتان تسميان العمريتين لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بهذا القضاء فأتبعه على ذلك عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وروي ذلك عن علي وبه قال الحسن و الثوري و مالك و الشافعي رضي الله عنهم واصحاب الرأي وجعل ابن عباس ثلث المال كله للأم في المسألتين لأن الله تعالى فرض له الثلث عند عدم الولد والأخوة وليس ههنا ولد وإخوة ويروى ذلك عن علي وروي ذلك عن شريح في زوج وأبوين وقال ابن سيرين كقول الجماعة في زوج وأبوين كقول ابن عباس في امرأة وأبوين وقال أبو ثور لأننا لو فرضنا للأم ثلث المال في زوج وأبوين لفضلناها على الأب ولا يجوز ذلك وفي مسألة أصحاب الرأي وجعل ابن عباس ثلث الاللستبهعتثقلاغ عثقكم خمنيتختبهتظبتاباابلالمرأة لا يؤدي إلى ذلك واحتج ابن عباس بعموم قوله تعالى : { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } وبقوله عليه الصلام : [ ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر ] والأب ههنا عصبة فيكون له ما فضل عن ذوي الفروض كما لو كان مكانه جد والحجة معه لولا انعقاد الاجماع من الصحابة على مخالفته ولأن الفريضة إذا جمعت أبوين وذا فرض كان للأم ثلث الباقي كما لو كان معهم بنت ويخالف الأب الجد لأن الأب في درجتها والجد أعلى منها وما ذهب إليه ابن سيرين تفريق في موضع أجمع الصحابة على التسوية فيه ثم إنه مع الزوج بأخذ مثلي ما أخذت الأم كذلك مع المرأة قياسا عليه

مسألة حكم ما إذا كان زوج وأم وإخوة لأب وأم
مسألة : قال : وإذا كان زوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأب وأم فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوة من الأم الثلث وسقط الإخوة من الأب والأم
هذه المسألة تسمى المشركة وكذلك كل مسألة اجتمع فيها زوج وأم أو جدة واثنان فصاعدا من ولد الأم وعصبة من ولد الأبوين وإنما سميت المشركة لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبوين وولد الأم في فرض ولد الأم فقسمه بينهم بالسوية وتسمى الحمارية لأنه يروى أن عمر رضي الله عنه أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم : يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا أليست أمنا واحدة ؟ فسرك بينهم ويقال أن بعض الصحابة قال ذلك فسميت الحمارية لذلك واختلف أهل العلم فيها قديما وحديثا فذهب أحمد رضي الله عنه فيها إلى أن للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة من الأم الثلث وسقط الإخوة من الأبوين لأنهم عصبة وقد تم المال بالفروض ويروى هذا القول عن علي وابن مسعود وأبي كعب وابن عباس وأبي موسى رضي الله عنهم وبه قال الشعبي و العنبري و شريك و أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد وأبو ثور وابن المنذر
وروى عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث فقسموه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ الأنثيين وبه قال مالك و الشافعي رضي الله عنهما و إسحاق لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة التي يرثون بها فوجب أن يساورهم في الميراث فإنهم جميعا من ولد الأم وقرابتهم من جهة الأب إن لم تزدهم قربا واسحقاقا فلا ينبغي أن تسقطهم ولهذا قال بعض الصحابة وبعض ولد الأبوين لعمر وقد أسقطهم : هب أن أباهم حمارا فما زادهم ذلك إلا قربا فشرك بينهم وحرر بعض أصحاب الشافعي فيها قياسا فقال فريضته جمعت ولد الأب والأم وولد الأم وهم من أهل الميراث فإذا ورث ولد الأم وجب أن يرث ولد الأب والأم كما لو لم يكن فيها زوج
ولنا قول الله تعالى : { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } ولا خلاف في أن المراد بهذه الآية ولد الأم على الخصوص
فمن شرك بينهم فلم يعط كل واحد منهما السدس فهو مخالفة لظاهر القرآن ويلزم منه مخالفة ظاهر الآية الأخرى وهي قوله : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } يراد بهذه الآية سائر الإخوة والأخوات وهم يسوون بين ذكرهم وانثاهم و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر ] ومن شرك فلم يلحق الفرائض بأهلها ومن جهة المعنى أن ولد الأبوين عصبة لا فرض لهم وقد تم المال بالفروض فوجب أن يسقطوا كما لو كان مكان ولد الأم ابنتان وقد انعقد الاجماع على أنه لو كان في هذه المسألة واحد من ولد الأم ومائة من ولد الأبوين لكان للواحد السدس وللمائة السدس الباقي لكل واحد عشر عشرة وإذا جاز أن يفضلهم الواحد هذا الفضل كله لم لا يجوز لاثنين إسقاطهم ؟ وقولهم تساووا في قرابة الأم قلنا فلم يساووهم في الميراث في هذه المسالة ؟ وعلى أنا نقول إن يساووهم في قرابة الأم فقد فارقوهم في كونهم عصبة من غير ذوي الفروض وهذا الذي افترقوا فيه هو المقتضي لتقديم ولد الأم وتأخير ولد الأبوين فإن الشرع ورد بتقديم ذوي الفروض وتأخير العصبة ولذلك يقدم ولد الأم على ولد الأبوين في القدر في المسألة المذكورة وشبهها فكذلك يقدم وان سقط ولد الأبوين كغيره ويلزمهم أن يقولوا في زوج وأخت من أبوين وأخت من أب معها أخوها أن الأخ يسقط وحده فترث أخته السبع لأن قرابتها مع وجوده كقرابتها مع عدمه وهو لم يحجبها فهلا عدوه حمارا وورثوها مع وجوده كميراثها مع عدمه ؟ وما ذكروه من القياس طردي لا معنى تحته قال العنبري : القياس ما قال علي والاستحسان ما قال عمر قال الخبري : وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة وهو كما قال إلا أن الاستحسان المجرد ليس بحجة في الشرع فإنه وضع للشرع بالرأي من غير دليل ولا يجوز الحكم به لو انفرد عن المعارض فكيف وهو في مسألتنا يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس ؟ ومن العجب ذهاب الشافعي إليه ههنا مع تخطئته الذاهبين إليه في غير هذا الموضع وقوله من استحسن فقد شرع وموافقته الكتاب والسنة أولى

فصلولو كان مكان ولد الأبوين عصبة من ولد الأب
فصل : ولو كان مكان ولد الأبوين عصبة من ولد الأب سقط قولا واحدا ولم يورثهم أحد من أهل العلم فيما علمنا لأنهم لم يساوو ولد الأم في قرابة الأم ولو كان مكانهم أخوات من أبوين أو من أب فرض لهن الثلثان وعالت المسألة إلى عشرة في قول الجميع إلا في قول ابن عباس ومن تابعه ممن لا يرى العول فإنهم يردون النقص على الأخوات غير ولد الأم فمقتضى قوله سقوط الأخوات من ولد الأبوين كما لو كانوا أخوة وسنبين أن الصواب خلاف ذلك إن شاء الله تعالى

فصل إذا قيل امرأة خلفت أما وابني عم أحدهما زوج والآخر أخ من أم وثلاثة إخوة مفترقين
فصل : إذا قيل امرأة خلفت أما وابني عم أحدهما زوج والآخر أخ من أم وثلاثة إخوة مفترقين فقل هذه المشركة للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث وسقط الأخوات من الأبوين والأب ومن شرك جعل للأخ من الأبوين التسع ولكل واحد من الأخوين من الأم تسعا

مسألة إذا كان زوج وأم وإخوة وأخوات لأم وأخت لأب وأم وأخوات لأب
مسألة : قال : وإذا كان زوج وأم وإخوة وأخوات لأم وأخت لأب وأم وأخوات لأب فللزوج النصف وللأم وللأخوة والأخوات من الأم الثلث بينهم بالتسوية وللأخت من الأب والأم النصف وللأخوات من الأب السدس
أما التسوية بين ولد الأم فلا نعلم فيه خلافا إلا رواية شذت عن ابن عباس أنه فضل الذكر على الأنثى لقول الله تعالى : { فهم شركاء في الثلث } وقال في آية أخرى : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين }
ولنا قول الله تعالى : { وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } فسوى بين الذكر والأنثى وقوله : { فهم شركاء في الثلث } من غير تفضيل لبعضهم على بعض يقتضي التسوية بينهم كما لو وصى لهم بشيء أو أقر لهم به وأما الآية الأخرى فالمراد بها ولد الأبوين وولد الأب بدليل أنه جعل للواحدة النصف وللاثنتين الثلثين وجعل الأخ يرث أخته الكل ثم هذا مجمع عليه ولا عبرة بقول شاذ وتوريث ولد الأم ههنا الثلث والأم السدس والزوج النصف تسمية لا خلاف فيها أيضا
وقد اجتمع في هذه المسألة فروض يضيق المال عنها فإن النصف للزوج والنصف للأخت من الأبوين يكمل المال بهما ويزيد ثلث ولد الأم وسدس الأخت من الأب فتعول المسألة بثلثيها وأصلها من ستة أسهم فتعول إلى عشرة وتسمى أم الفروخ لكثرة عولها شبهوا أصلها بالأم وعولها بفروخها وليس في الفرائض مسألة نقول بثلثها سوى هذه وشبهها ولا بد في أم الفروخ من زوج واثنين فصاعدا من ولد الأم وأم أو جدة واثنين من ولد الأبوين أو الأب أو إحداهما من ولد الأبوين والأخرى من ولد الأب فمتى اجتمع فيها هذا عالت إلى عشرة ومعنى العول أن تزدحم فروض لا يتسع المال لها كهذه المسألة فيدخل النقص عليهم كلهم ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص لضيق ماله عن وفائهم ومال الميت بين أرباب الديون إذا لم يفها والثلث بين أرباب الوصايا إذا عجز عنها وهذا قول عامة الصحابة ومن تبعهم من العلماء رضي الله عنهم يروى ذلك عن عمر وعلي والعباس وابن مسعود وزيد وبه قال مالك في أهل المدينة و الثوري وأهل العراق و الشافعي وأصحابه و إسحاق و نعيم بن حماد و أبو ثور وسائر أهل العلم إلا ابن عباس وطائفة شذت يقل عددها نقل ذلك عن محمد بن الحنفية ومحمد بن علي بن الحسين وعطاء وداود فإنهم قالوا لا تعول المسائل
روي عن ابن عباس أنه قال في زوج وأخت وأم : من شاء باهلته أن المسائل لا تعول إن الذي أحصى رمل عالج عددا أعدل من أن يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا هذان نصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث ؟ فسميت هذه المسألة مسألة المباهلة لذلك وهي أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي الله عنه فجمع الصحابة للمشورة فيها فقال العباس : أرى أن تقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر رضي الله واتبعه الناس على ذلك حتى خالفهم ابن عباس فروى الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال : لقيت زفر بن أوس البصري فقال : نمضي إلى عبد الله نتحدث عنده فأتيناه فتحدثنا عنده فكان من حديثه أنه قال سبحان الذي أحصى رمل عالج عددا ثم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا ذهب النصفان بالمال فأين موضع الثلث ؟ وايم الله لو قدموا اله وأخروا من أخر اله ما عالت فريضة أبدا فقال زفر فمن الذي قدمه الله ومن الذي أخره الله ؟ فقال الذي أهبطه من فرض إلى فرض فذلك الذي قدمه والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي فذلك الذي أخره الله فقال زفر فمن من أعال الفرائض ؟ قال عمر بن الخطاب فقلت ألا أشرت عليه ؟ فقال هبته وكان امرا مهيبا قوله من أهبطه من فريضة إلى فريضة فذاك الذي قدمه الله يريد أن الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه وأما من أهبطه من فرض إلى ما بقي يريد البنات والأخوات فانهن يفرض لهن فاذا كان معهن إخوتهن ورثوا بالتعصب فكان لهم ما بقي قل أو كثر فكان مذهبه أن الفروض إذا ازدحمت رد النقص على البنات والأخوات
ولنا أن كل واحد من هؤلاء لو انفرد أخذ فرضه فإذا ازدحموا وجب أن يقتسموا على قدر الحقوق كأصحاب الديون والوصايا ولأن الله تعالى فرض للأخت النصف كما فرض لزوج النصف وفرض للأختين الثلثين كما فرض الثلث للأختين من الأم فلا يجوز إسقاط فرض بعضهم مع نص الله تعالى عليه بالرأي والتحكم ولم يمكن الوفاء بها فوجب أن يتساووا في النقص على قدر الحقوق كالوصايا والديون وقد يلزم ابن عباس على قوله مسألة فيها زوج وأم وأخوان من أم فإن حجب الأم إلى السدس خالف مذهبه في حجب الأم بأقل من ثلاثة من الأخوة وإن نقص الأخوين من الأم رد النقص على من يهبطه الله من فرض إلى ما بقي وإن أعال المسألة رجع إلى قول الجماعة وترك مذهبه ولا نعلم اليوم قائلا بمذهب ابن عباس ولا نعلم خلافا بين فقهاء الأمصار في القول بالعول بحمد الله ومنه

فصل المسائل التي خالف ابن عباس فيها الصحابة
فصل : حصل خلاف ابن عباس للصحابة في خمس مسائل اشتهر قوله فيها : أحدها : زوج وأبون والثانية : امرأة وأبوان للأم ثلث الباقي عندهم وجعل هو لها ثلث فيها والثالثة : أنه لا يحجب الأم إلا بثلاثة من الأخوة الرابعة : لم يجعل الأخوات مع البنات عصبة الخامسة : أنه لا يعيل المسائل فهذه الخمس صحت الرواية عنه فيها واشتهر عنه القول بها وشذت روايات سوى هذه ذكرنا بعضهما فيما مضى

مسألة إذا كان ابنا عم أحدهما أخ لأم فللأخ للأم السدس وما بقي بينهما نصفين
مسألة : قال : وإذا كان ابنا عم أحدهما أخ لأم فللأخ للأم السدس وما بقي بينهما نصفين
هذا قول جمهور الفقهاء يروى عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك ويروى ذلك عن علي رضي الله عنه وزيد وابن عباس وبه قال ابو حنيفة و مالك و الشافعي ومن تبعهم وقال ابن مسعود : المال للذي هو أخ من أم وبه قال شريح و الحسن و ابن سيرين و عطاء و النخعي و ابو ثور لأنهما استويا في قرابة لأب وفضله هذا بأم فصارا كأخوين أو عمين أحدهما لأبوين والآخر لأب ولأنه لو كان ابن عم أخوين وابن عم لأب كان ابن العم للأبوين أولى فإذا كان قربه لكونه من ولد الجدة قدمه فكونه من ولد الأم أولى ولنا أن الأخوة من الأم يفرض له بها إذا لم يرث بالتعصيب وهو إذا كان معه أخ من أبوين أو من أب أو عم وما يفرض له به وما يفرض له به لا يرجح به كما لو كان أحدهما زوجا ويفارق الأخ من الأبوين والعم وابن العم إذا كانا من أبوين فإنه لا يفرض له بقرابة أمه شيء فرجح به ولا يجتمع في إحدى القرابتين ترجيح وفرض

فصل إذا كان معهما أخ لأب
فصل : فإن كان معهما أخ لأب فللأب من الأم السدس والباقي للأب من الأب فإن كان معهما أب من أبوين فكذلك وإن كان ابن عم لأبوين وابن عم هو أخ فعلى قول الجمهور للأخ السدس والباقي للآخر وعلى قول ابن مسعود المال كله لابن العم الذي هو أخ لأم

فصل إذا كان ابنا عم أحدهما أخ من أم وبنت أو بنت ابن
فصل : فان كان ابنا عم أحدهما أخ من أم وبنت أو بنت ابن فللبنت أو بنت الابن النصف والباقي بينهما نصفين وسقطت الأخوة من الأم بالبنت ولو كان الذي ليس بأخ ابن عم من أبوين أخذ الباقي كله كذلك وعلى قول ابن مسعود الباقي للأخ في المسألتين بدليل أن الأخ من الأبوين يتقدم على الأخ من الأب بقرابة الأم فإن كان فب الفريضة بنت تحجب قرابة الأم وحكي عن سعيد بن جبير ان الباقي لابن العم الذي ليس بأخ وإن كان من أب لأنه يرث بالقرابتين ميراثا واحدا فإذا كان في الفريضة من يحجب إحداهما سقط ميراثه كما لو استغرقت الفروض المال سقط الأخ من الأبوين ولم يرث بقرابة الأم بدليل مسألة المشركة
ولنا على ابن مسعود أن البنت تسقط الميراث بقرابة الأم فبقي التعصيب منفردا فيرث به وفارق ولد الأبوين فإن قرابة الأم ثم يرجح بها ولا يفرض لها فلا يؤثر فيها ما يحجبها وفي مسألتنا يفرض له بها فإذا كان في الفريضة من يحجبها سقطت ولأنه لو كان مع ابن العم الذي هو أخ أخ من أب وبنت لحجبت البنت قرابة الأم ولم ترث بها شيئا فكان للبنت النصف والباقي للأخ من الأب ولولا البنت لورث - لكونه أخا من أم - السدس فإذا حجبته البنت مع الأخ من الأب وجب أن تحجبه في كل حال لأن الحجب بها لا بالأخ من الأب وما ذكره سعيد بن جبير ينتقض بالأخ من الأبوين مع البنت وبابن العم إذا كان زوجا ومعه من يحجب بني العم ولا نسلم أنه يرث ميراثا واحد بل يرث بقرابته ميراثين كشخصين فصار كابن العم الذي هو زوج وفارق الأخ من الأبوين فإنه لا يرث إلا ميراثا واحدا فإن قرابة الأم لا ترث بها مفردة

المسائل التي حصل فيها خلاف ابن مسعود
فصل : فحصل خلاف ابن مسعود في مسائل ست هذه إحداهن والثانية : في بنت وبنات ابن وابن ابن الباقي عنده للابن دون أخواته الثالثة : في أخوات لأبوين وأخوات لأب الباقي عنده للأخ دون أخواته الرابعة : بنت وابن ابن وبنات ابن عنده لبنات الابن إلا ضربهن من السدس أو المقاسمة الخامسة : أخت لأبوين وأخ وأخوات لأب للأخوات عنده الأضر بهن من ذلك السادسة : كان يحجب الزوجين والأم بالكفار والعبيد والقاتلين ولا يورثهم

فصل ابن ابن عم هو أخ لأم وابن ابن عم آخر للأخ السدس والباقي بينهما
فصل : ابن ابن عم هو أخ لأم وابن ابن عم آخر للأخ السدس والباقي بينهما وعند ابن مسعود الكل للأخ وسقط الآخر وإن كان أحدهما ابن أخ لأم فلا شيء له بقرابة الأخوة لأن ابن الأخ للأم من ذوي الأرحام وإن كان عمان أحدهما : خال لأم لم يرجح بخؤولته وقيل على قياس قول ابن مسعود وجهان : أحدهما : لا يرجح بها والثاني : يرجح بها على العم الذي هو من أب فيأخذ المال لأنه ابن الجد والجدة والآخر ابن الجد لا غير وإن كان العم الآخر من أبوين فالمال بينهما لأن كل واحد منهما يدلي بجدة وهما ابنا الجد وهكذا القول في ابني عم أحدهما خال أو ابني ابني عم أحدهما خال فأما على قول عامة الصحابة فلا أثر لهذا عندهم

فصل ابنا عم أحدهما زوج فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين عند الجميع
فصل : ابنا عم أحدهما زوج فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين عند الجميع فإن كان الآخر أخا من أم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما أصلها من ستة للزوج أربعة وللأم اثنان وترجح بالاختصار إلى ثلاثة وعند ابن مسعود الباقي فتكون من اثنين لكل واحد منهما سهم ثلاثة بن عم أحدهم زوج والآخر أخ من أم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما على ثلاثة أصلها من ستة يضرب فيها الثلاثة تكن ثمانية عشر للزوج النصف ـ تسعة ـ وللأخ ثلاثة يبقى ستة بينهم على ثلاثة فيحصل للزوج أحد عشر وهي النصف والتسع وللأخ خمسة وهي السدس والتسع وللثالث التسع سهمان فإن كان الزوج ابن عم لأبوين فالباقي كله له وإن كان هو والثالث من أبوين فالثلث الباقي بينهما وتصح من ستى للزوج الثلثان ولكل واحد من الآخرين سدس وابن مسعود في جميع ذلك يجعل الباقي بعد فرض الزوج للذي هو أخ من أم

فصل أخوان من أم أحدهما ابن عم فالثلث بينهما والباقي لابن العم
فصل : أخوان من أم أحدهما ابن عم فالثلث بينهما والباقي لابن العم وتصح من ستة لابن العم خمسة وللآخر سهم ولا خلاف في هذه المسألة فإن كانوا ثلاثة أخوة أحدهم ابن عم فالثلث بينهم على ثلاثة والباقي لابن العم وتصح من تسعة وإن كان اثنان منهم ابني عم فالباقي بعد الثلث بينهما وتصح من تسعة

فصل ثلاثة إخوة لأم أحدهم ابن عم وثلاثة بني عم أحدهم أخ لأم
فصل : ثلاثة إخوة لأم أحدهم ابن عم وثلاثة بني عم أحدهم أخ لأم فاضمم واحدا من كل عدد إلى العدد الآخر يصير معك أربعة بني عم وأربعة أخوة فهم ستة في العدد وفي الأحوال ثمانية ثم اجعل الثلث للأخوة على أربعة والثلثين على بني العم على أربعة فتصح من اثني عشر لكل أخ مفرد سهم ولكل ابن عم مفرد سهمان ولكل ابن عم هو أخ ثلاثة فيحصل لها النصف وللأربعة الباقين النصف وعلى قول عبد الله للأخوة الثلث والباقي لابني العم اللذين هما أخوان والله أعلم

باب أصول سهام الفرائض التي تعول
معنى أصول المسائل المخارج التي تخرج منها فروضها وأصول المسائل كلها سبعة لأن الفروض المحدودة في كتاب الله تعالى ستة : النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس ومخارج هذه الفروض مفردة خمسة لأن الثلث والثلثين مخرجهما واحد والنصف من اثنين والثلث والثلثان من ثلاثة والربع من أربعة والسدس من ستة والثمن من ثمانية والربع مع السدس أو الثلث أو الثلثين من اثني عشر والثمن مع السدس أو الثلثين من أربعة وعشرين فصارت سبعة وهذه الفروض نوعان : أحدهما : النصف ونصفه ونصف نصفه والثاني : الثلثان ونصفهما ونصف نصفهما وكل مسألة فيها فرض مفرد فأصلها من مخرجة وإن كان فيها فرضان يؤخذ أحدهما من مخرج الآخر فأصلها من مخرج أقلهما وإن كان فيها فرضان من نوعين لا يؤخذ أحدهما من مخرج الآخر فاضرب أحد المخرجين في الآخرة أو وفقه فما بلغ فهو أصل المسألة وفيها يكون العول لأن العول إنما يكون في مسألة تزدحم فيها الفروض ولا يتسع المال لها فكل مسألة فيها نصف وفرض من النوع الآخر فأصلها من ستة لأن مخرج النصف اثنان ومخرج الثلث والثلثين ثلاثة فنضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة وهكذا سائرها
والمسائل على ثلاثة أضرب : عادلة وعائلة ورد فالعادلة التي يستوي مالها وفروضها والعائلة التي تزيد فروضها عن مالها والرد التي يفضل مالها عن فروضها ولا عصبة فيها وسنذكر أمثلة هذه الأضراب في هذا الباب بعون الله

مسألة حكم ما فيه نصف وسدس أو نصف وثلث أو نصف وثلثان
مسألة : قال : وما فيه نصف وسدس أو نصف وثلث أو نصف وثلثان فأصلها من ستة وتعول إلى سبعة وإلى ثمانية وإلى تسعة وإلى عشرة ولا تعول أكثر من ذلك
أما إذا كان نصف وسدس فإن مخرج النصف اثنان ويوجد ذلك في مخرج السدس وهو الستة فكان أصلهما حميعا ستة وهكذا لو كان سدس وثلث أو ثلثان فأصلهما من مخرج السدس لا يزيد عليه وإن اجتمع النصف والثلثان أو الثلث فإن مخرج النصف اثنان ومخرج الثلث والثلثين ثلاثة ولا وفق بينهما فاضرب أحد المخرجين في الآخر تكن ستة ويصير كل كسر بعدد مخرج الآخر ويدخل العول هذا الأصل لازدحام الفروض فيه وهو أكثرها عولا : والعول زيادة في السهام ونقصان في أنصباء الورثة وأمثلة ذلك : زوج وأم وأخ من أم أصلها من ستة ومنها تصح زوج وأم وأخوان من أم بنت وأم وعم أو عصبة ثلاث أخوات مفترقات وأخ من أم أو أم أو جدة أبوان وبنتان بنت وأبوان بنت وبنت ابن وأبوان أو جد وجدة العول زوج وأختان من أبوين أو من أب أو إحداهما من أبوين والأخرى من أب أو أم أو أخت من أب وأخت من أم أصلها من ستة وتعول إلى سبعة زوج وأخت وجدة أو أخ لأم ست أخوات مفترقات وأم وأخت لأب وأم وأخت لأب وأم وأخوان لأم عول ثمانية زوج وأخت وأم للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث تعول إلى ثمانية وهي مسألة المباهلة فإن كان معهم أخت أخرى من أي جهة كانت أو أخ من أم فهي من ثمانية أيضا عول تسعة : زوج وست أخوات مفترقات تعول إلى تسعة وتسمى الغراء زوج أم ثلاث أخوات مفترقات تعول إلى عشرة وتسمى أم الفروخ لكثرة عولها لأنها عالت بثلثيها فشبهوا الأصل بالأم والعول بالفروخ ويروى أن رجلا جاء إلى شريح فقال ان امرأتي ماتت ولم تترك فكم لي من ميراثها ؟ قال لك النصف فمن خلفت ؟ قال خلفت أمها وأختيها من أبيها وأختيها من أمها وأبا قال لك ثلاثة أسهم من عشرة فخرج الرجل فقال ألا تعجبون من قاضيكم ؟ قال لي النصف فوالله ما اعطاني ولا ثلثا فقال له شريح ألا إنك تراني قاضيا ظالما وأنا أراك رجلا فاجرا تكتم القصة أن تعول المسألة إلى أكثر من هذا ولا يمكن أن يجتمع فروض أكثر من هذا وطريق العمل في العول أن تأخذ الفروض من أصل المسألة وتضم بعضها إلى بعض فما بلغت السهام فإليه ينتهي فنقول في زوج وأم وست أخوات مفترقات للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم وللأختين الثلثان أربعة وللأختين من الأم الثلث سهمان صارت عشرة

مسألة حكم ما فيه ربع وسدس أو ربع وثلث أو ربع وثلثان
مسألة : قال : وما فيه ربع وسدس أو ربع وثلث أو ربع وثلثان فأصلها من اثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشر وإلى خمسة عشر وإلى سبعة عشر ولا تعول إلى أكثر من ذلك
إنما كان أصلها من اثني عشر لأن مخرج الربع أربعة ومخرج الثلث ثلاثة ولا وفق بينهما فإذا ضربت أحدهما في الآخرة كان اثني عشر فإن كان مع الربع سدس فبن الستة والأربعة موافقة وإذا ضربت وفق أحدهما في الآخر صار اثني عشر ولا بد في هذا الأصل من أحد الزوجين لأنه لا بد فيها من ربع ولا يكون فرضا لغيرهما
وأمثلة ذلك : زوج وأبوان وخمسة بنين للزوج الربع ثلاثة وللأبوين السدسان يبقى خمسة لكل ابن سهم زوج وابنتان وأخت وعصبة امرأة وأختان للأبوين أو لأب أو أختان لأم وعصبة امرأة وأخوان لأم وسبعة إخوة لأب العول زوج وابنتان وأم تعول إلى ثلاثة عشر امرأة وثلاث أخوات مفترقات زوج وأبوان وابنتان تعول إلى خمسة عشر امرأة واختان من أم امرأة وأم وست أخوات مفترقات تعول إلى سبعة عشر ثلاث نسوة وجدتان واربع أخوات لأم وثمان لأب تعول إلى سبعة عشر ويصح لكل واحدة منهن سهم وتسمى أم الأرامل ويعايل بها فيقال سبع عشرة امرأة من جهات مختلفة اقتسمن مال ميت بالسوية لكل امرأة سهم وهي هذه ولا يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذا ولا يمكن أن يكمل هذا الأصل بفروض من غير عصبة ولا عول ولا يمكن أن تعول إلا على الأفراد لأن فيها فرضا يباين سائر فروضها وهو الربع فإنه ثلاثة وهي فرد وسائر فروضها يكون زوجا فالسدس اثنان والثلث أربعة والثلثان ثمانية والنصف ستة ومتى عالت إلى سبعة عشر لم يكن الميت فيها إلا رجلا

مسألة ما كان فيه ثمن وسدس أو ثمن وسدسان أو ثمن وثلثان
مسألة : قال : وما كان فيه ثمن وسدس أو ثمن وسدسان أو ثمن وثلثان فأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين ولا تعول إلى أكثر من ذلك
إنما كان كذلك لأنك تضرب مخرج الثمن في مخرج الثلثين أو في وفق مخرج السدس فيكون أربعة وعشرين ولم نقل ثمن وثلث لأن الثلث لا يجتمع مع الثمن فإنه لا يكون إلا للزوجة مع الولد ولا يكون الثلث في مسألة فيها ولد لأنه لا يكون إلا لولد الأم والولد يسقطهم أو الأم بشرط عدم الولد ومسائل ذلك : امرأة وأبوان وابن أو ابنان أو بنون وبنات امرأة وابنتان وأم وعصبة ثلاث نسوة وأربعة جدات وستة عشر بنتا وأخت امرأة وبنت ابن وجدة وعصبة العول امرأة وأبوان وابنتان تعول إلى سبعة وعشرين وتسمى البخيلة لأنه أقل الأصول عولا لم تعل إلا بثمنها وتسمى المنبرية لأن عليا رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال صار ثمنها تسعا ومضى في خطبته يعني أن المرأة كان لها الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين صار لها بالعول ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التسع ولا يكون الميت في هذا الأصل إلا رجلا لأن فيها ثمنا ولا يكون إلا للمرأة مع الولد ولا يمكن أن يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذا إلا على قول ابن مسعود فإنه يحجب الزوجين والأم بالولد والكافر والقاتل والرقيق ولا يورثه فعلى قوله إذا كانت امرأة وأم وست أخوات مفترقات وولد كافر فللأخوات الثلث والثلثان أربعة وعشرون وللأم والمرأة السدس والثمن سبعة فتعول إلى أحد وثلاثين

فصول في تصحيح المسائل
وإذا لم تنقسم سهام فريق من الورثة عليهم فسمة صحيحة فاضرب عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة إلا أن يوافق عددهم سهامهم بنصف أو ثلث أو غير ذلك من الأجزاء فيجزئك ضرب وفق عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح فإذا أردت القسمة فكل من له شيء من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة وهو الذي يسمى جزء السهم فما بلغ فهو له إن كان واحدا وإن كانوا جماعة قبل التصحيح أو وفقه إن كان وافق مثال ذلك : زوج وأم وثلاثة إخوة أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم بقي للأخوة سهمان لا تنقسم عليهم ولا توافقهم فاضرب عددهم وهو ثلاثة في أصل المسألة تكن ثمانية عشر سهما للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم سهم في ثلاثة ثلاثة وللإخوة سهمان في ثلاثة تكن ستة لك واحد منهم سهمان ولو كان الأخوة ستة وافقتهم سهامهم بالنصف فردهم إلى نصفهم ثلاثة وتعمل فيها كعملك في الأولى سواء ولكل واحد من الأخوة سهم وهو وفق سهام جماعتهم

بيان المسائل التي يكون فيها الكسر على فريقين
فصل : وإن كان الكسر على فريقين لم تخل من أربعة أقسام : أحدها : أن يكون العددان متماثلين فيجزئك ضرب أحدهما في المسألة ومثال ذلك : زوج وثلاث جدات وثلاثة إخوة أصلها من ستة للزوج ثلاثة وللجدات سهم وللإخوة سهمان فتضرب أحد العددين في المسألة تكن ثمانية عشر وطريق القسمة فيها مثل طريقها إذا كان الكسر على فريق واحد سواء ولو كان الإخوة ستة وافقوا سهمهم بالنصف رجعوا إلى ثلاثة وكان العمل فيها كما ذكرنا سواء
القسم الثاني : ان يكون العددان متناسبين وهو أن يكون أحدهما ينتسب إلى الآخر بجزء من أجزائه كنصفه وثلثه أو غير ذلك من الأجزاء فيجزئك ضرب العدد الأكثر منهما في المسالة ومثاله ما لو كان الجدات في هذه المسألة ستا فإن عدد الأخوات نصف عدد الجدات فاجتزىء بعددهن واضربه في أصل المسألة تكن ستة وثلاثين ومنها تصح ولو كان عدد الأخوة ستة وافقتهم سهامهم بالنصف ورجعوا إلى ثلاثة وعملت على ما ذكرنا
القسم الثالث : أن يكون العددان متباينين لا يماثل أحدهما الآخر ولا يناسبه ولا يوافقه مثل أن يكون عدد الجدات أربعا والإخوة ثلاثة فإنك تضرب عدد أحدهما في جميع الأجزاء فما بلغ ضربته في المسألة ومتى ضربته ههنا كان اثني عشر فإذا ضربته في المسألة كانت اثنين وسبعين وإن وافق أحد العددين سهامه دون الآخر أخذت وفق الموافق وضربته فيما لم يوافق وعملت على ما ذكرنا وإن وافقا جميعا سهامهما رددتهما إلى وفقهما وعملت في الوفقين عملك في العددين الأصلين
القسم الرابع : أن يكون العددان متفقين بنصف أو ثلث أو ربع أو غيره ذلك من الأجزاء فإنك ترد أحد العددين إلى وفقه ثم تضربه في جميع الآخر فما بلغ ضربته في المسألة ومثاله أن تكون الأخوة تسعة والجدات ستا فيتفقان بالثلث فترد الجدات إلى ثلثهن اثنين وتضربهما في عدد الإخوة تكن ثمانية عشر ثم تضرب ذلك في أصل المسألة تكن مائة وثمانية ومنها تصح

فصل إن كان الكسر على ثلاثة أحياز
فصل : وإن كان الكسر على ثلاثة أحياز نظرت فإن كانت مماثلة كثلاث جدات وثلاث بنات وثلاثة أعمام ضربت أحدها في المسألة فما بلغ فمنه تصح المسألة ولكل واحد منهم بعد التصحيح مثل ما كان لجماعتهم وإن كانت متناسبة كجدتين وخمس بنات وعشرة أعمام اجتزأت بأكثرها وهي العشرة فضربتها في المسألة تكن ستين ومنها تصح وإن كانت متباينة مثل أن يكون الأعمام في هذه المسألة ثلاثة ضربت يعضها في بعض تكن ثلاثين ثم ضربتها في المسألة تكن مائة وثمانين وإن كانت متوافقة كست جدات وتسع بنات وخمسة عشر عما ضربت وفق عدد منها في جميع الآخر فما بلغ وافقت بينه وبين الثالث وضربت وفقه في جميع الثالث ثم اضرب ما معك في أصل المسألة فما بلغ فمنه تصح وإن تماثل اثنان منها وباينهما الثالث أو وافقهما ضربت أحد المتماثلين في جميع الثالث أو في وفقه وإن كان موافقا فما بلغ ضربته في المسألة وإن تناسب اثنان وباينهما الثالث ضربت أكثرهما في جميع الثالث أو في وفقه إن كان موافقا ثم في المسألة وإن توافق اثنان وباينهما الثلث ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الثالث وإن تباين اثنان ووافقهما الثالث كأربعة أعمام وست جدات وتسع بنات أجزأك ضرب أحد المتباينين في الآخر ثم تضربه في المسألة ويسمى هذا الموقوف المقيد لأنك إذا أردت وقف أحدهما لم يقف إلا الستة ولو وقفت غيرها مثل أن تقف التسعة وترد الستة إلى الاثنين أدخلا في الأربعة وأجزأك ضرب الأربعة في التسعة ولو وقفت الأربعة رددت الستة إلى ثلاثة ودخلت في التسعة وأجزأك ضرب الأربعة في التسعة فأما إن كانت الأعداد الثلاثة متوافقة فإنه يسمى الموقوف المطلق وفي عملها طريقان : أحدهما : ما ذكرناه من قبل وهو طريق الكوفيين والثاني : طريق البصريين وهو أن تقف أحد الثلاثة وتوافق بينه وبين الآخرين وتردهما إلى وفقهما ثم تنظر في الوفقين فإن كانا متماثلين ضربت أحدهما في الموقوف وإن كانا متناسبين ضربت أكثرهما وإن كانا متباينين ضربت أحدهما في الآخر ثم في الموقوف وإن كانا متوافقين ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الموقوف فما بلغ ضربته في المسألة ومثال ذلك عشر جدات واثنا عشر عما وخمس عشرة بنتا فقف العشرة توافقها الاثنا عشر بالنصف فترجع إلى ستة وتوافقها الخمس عشرة بالأخماس فترجع إلى ثلاثة وهي داخلة في الستة فتضرب الستة في العشرة تكن ستين ثم في المسألة تكن ثلثمائة وستين وإن وقفت الاثنا عشر رجعت العشرة إلى نصفها خمسة والخمس عشرة إلى ثلثها خمسة وهما متماثلان فتضرب خمسة في اثني عشر تكن ستين وإن وقفت الخمس عشرة رجعت العشرة إلى اثنين والاثنا عشر إلى أربعة ودخل الاثنان في الأربعة فتضربها في الخمس عشرة تكن ستين في المسألة

فصل بيان الموافقة والمناسبة والمباينة والطريق فيها
فصل : في معرفة الموافقة والمناسبة والمباينة : الطريق في ذلك أن تلقي أقل العددين من أكثرهما مرة بعد أخرى فإن فني به فالعددان متناسبان وإن لم يفن به ولكن بقيت منه بقية القيتها من العدد الأقل فإن بقيت منه بقية القيتها من البقية الأولى ولا تزال كذلك تلقي كل بقية من التي قبلها حتى يصل إلى عدد يفني الملقى منه غير الواحد فأي بقية فني بها غير الواحد فالموافقة بين العددين بجزء وتلك البقية إن كانت اثنين فبالأنصاف وإن كانت ثلاثة فبالأثلاث فإن كانت أربعة فبالأرباع ن فإن كانت أحد عشر أو اثني عشر أو ثلاثة عشر فبجزء ذلك وإن بقي واحد فالعددان متباينان ومما يدلك على تناسب العددين أنك متى زدت على الأقل مثله أبدا ساوى الأكثر ومتى قسمت الأكثر على القل انقسم قسمة صحيحة ومتى نسبت الأقل إلى الأكثر انتسب إليه بجزء واحد ولا يكون ذلك إلا في النصف فما دونه

فصل في مسائل المناسخات
فصل : في مسائل المناسخات ومعناها أن يموت من ورثة الميت انسان قبل قسم تركة الأول فإذا وجد ذلك نظرت فإن كان ورثة الأول يرثون الثاني على حسب ميراثهم من الأول مثل أن يكونوا عصبة لهما جميعا وقد يتفق ذلك في أصحاب الفروض في مسائل يسيرة كرجل مات عن امرأة وثلاثة بنين وبنت ثم مات أحد البنين قبل قسمة التركة فإن للمرأة من الأول سهما مثل سهم البنت وكنصف سهم ابن وكذلك لها من الثانية فإذا كان كذلك فاقسم المسألة على ورثة الثاني ولا تنظر إلى الأول فلو خلف رجل خمسة بنين وخمس بنات فمات منهم ابن ثم بنت ثم ابن ثم بنت ثم ابن ثم بنت قسمت الميراث على الأبنين الباقيين والبنتين للذكر مثل حظ الأنثيين ولم ينظر في بقية المسائل فإن كان معهم من يرث من الأولى دون ما بقي كما لو كان مع هؤلاء امرأة للميت ليست أما لهم فإنك تفرز لها الثمن وتقسم الباقي على ما ذكرنا وإن كانت أما لهم إلا أنها ماتت قبلهم أو بعد بعضهم ولم تخلف وارثا غيرهم قسمت الميراث كله على الباقين للذكر مثل حظ الأنثيين ولم ينظر في ميراثها لأنه قد صار إليهم فإن لم يكونوا كذلك فإنك تقسم مسألة الأول ثم تنظر ما صار للميت الثاني فيها فإن انقسم على مسألته فقد صحت المسألتان مما صحت منه الأولى ومثال ذلك امرأة وبنت من غيرها وأخ ماتت البنت وخلفت زوجا وبنتا وعما فالمسألة الأولى من ثمانية للمرأة سهم وللبنت أربعة ويبقى للأخ ثلاثة ومسألة الميتة الثانية من أربعة لزوجها سهم ولابنتها سهمان ويبقى سهم للأخ الأول فصار له من المسألتين أربعة أسهم وصحت المسألتان من ثمانية وإن لم تنقسم سهام الميت الثاني على مسألته وافقت بين سهامه ومسألته فإن اتفقا رددت مسألته إلى وفقها ثم ضربت في المسألة الأولى فما بلغ فمنه تصح المسألتان ثم كل من له شيء من المسألة الأولى مضروب في وفق المسألة الثانية وكل من له شيء من المسألة الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني مثال ذلك إذا خلفت البنت زوجا وابنتين فمسألتها من اثني عشر توافقها سهامها بالربع فترجع إلى ثلاثة تضرب في ثمانية تكن أربعة وعشرين للمرأة سهم من الأولى في ثلاثة وللأخ ثلاثة بتسعة وله من الثانية سهم في سهم تكن عشرة وللزوج ثلاثة في سهم وللبنتين ثمانية وإن لم يوافق سهامه مسألته ضربت المسألة الثانية في الأولى ثم كل من له شيء من المسألة الأولى مضروب في الثانية ومن له شيء من الثانية مضروب في سهام الميت الثاني فإن مات ثالث عملت مسألته ونظرت سهامه مما صحت منه المسألتان فإن انقسم على مسألته صحت من صحت منه الأوليان وإن لم تصح وافقت بين مسألته وسهامه وضربت وفق سهام مسألته إن وافقت أو جميعها إن لم توافق فيما صحت منه الأوليان وعملت على ما ذكرنا وكذلك تصنع في الرابع والخامس وما بعده

فصل القسمة على قراريط الدينار
فصل : وإن أردت قسمة المسألة على قراريط الدينار فإنها في عرف أهل بلدنا أربعة وعشرون قيراطا فإن كانت السهام كثيرة فلك في قسمها طريقان : أحدهما : أن ينظر إلى ما تركب منه العدد فإنه لا بد أن يتركب من ضرب عدد في عدد فانسب أحد العددين إلى أربعة وعشرين ـ إن كان أقل منها وخذ من العدد الآخر مثل تلك النسبة فما كان فهو لكل قيراط وإن كان أكثر من أربعة وعشرين قسمة عليها فما خرج بالقسم فاضربه في العدد الآخر فما بلغ فهو نصيبه ومثال ذلك ستمائة أردت قسمتها فإنك تعلم أنها متركبة من ضرب عشرين في ثلاثين فانسب العشرين إلى اربعة وعشرين تكن نصفها وثلثها فخذ نصف الثلثين وثلثها خمسة وعشرون فهو سهم القيراط وإن قسمت الثلثين على أربعة وعشرين خرج بالقسم سهم وربع فاضربها تكن خمسة وعشرين كما قلنا
والثاني : أن تنظر عددا إذا ضربته في الأربعة والعشرين ساوى المقسوم أو قاربه فإذا بقيت منه بقية ضربتها في عدد آخر حتى يبقى أقل من المقسوم عليه ثم تجمع العدد الذي ضربته إليه وتنسب تلك البقية من المقسوم عليه فتضمها إلى العدد فيكون ذلك سهم القيراط مثاله في مسألتنا أن تضرب عشرين في أربعة وعشرين تكن أربعمائة وثمانين ثم تضرب خمسة في أربعة وعشرين تكن مائة وعشرين وتضم الخمسة إلى العشرين فيكون ذلك سهام من القيراط فإذا عرفت سهام القيراط فانظر كل من له أسهم فأعطه بكل سهام من سهم القيراط قيراطا فإن بقي له من السهام ما لا يبلغ قيراطا إلى سهام القيراط واعطه منه مثل تلك النسبة فإن كان في سهام القيراط كسر بسطتها من جنس الكسر ثم كل من له سهام بعدد مبلغ السهام فله بعدد مخرج الكسر قراريط وتضرب بقية سهامه في مخرج الكسر وتنسبها منها مثال ذلك زوج وأبوان وابنتان ماتت وخلفت أما وزوجا وأختا من أبوين وأختين من أم فالأولى من خمسة عشر والثانية من عشرين فتضرب وفق أحداهما في الأخرى تكن مائة وخمسين وسهم القيراط ستة وربع فابسطها أرباعا تكن خمسة وعشرين فهذه سهام القيراط فللبنت من الأولى أربعة في عشرة تكن أربعين فلها بخمسة وعشرين أربعة تبقى خمسة عشر اضربها في مخرج الكسر تكن ستين واقسمها على خمسة وعشرين تكن اثنين وخمسين فصار لها ستة وخمسان وللأب من الأولى والثانية ستة وعشرون فله بخمسة وعشرين أربعة قراريط وابسط السهم الباقي أرباعا تكن أربعة أخماس خمس ولزوج الأولى ثلاثون فله بخمسة وعشرين منها أربعة قراريط وابسط الخمسة الباقية تكن عشرين وهي أربعة أخماس قيراط ولأم الثانية سهمان ابسطهما أرباعا تكن خمس قيراط وثلاثة أخماس خمس قيراط وكذلك لكل أخت من أم وللأختين من الأب مثل ذلك وللأخت من الأبوين ستة ابسطها أرباعا تكن أربعة أخماس قيراط وأربعة أخماس خمس

فصل قسمة التركات
فصل : في قسمة التركات إن أمكن أن تنسب سهام كل وارث من المسألة ثم تعطيه من التركة مثل تلك النسبة فحسن ومثال ذلك زوج وأبوان وابنتان والتركة أربعون دينارا فللزوج ثلاثة وهي خمس المسألة فله خمس التركة وهي ثمانية دنانير ولكل واحد من الأبوين ثلث خمس المسألة فله ثلث الثمانية ولكل واحد من البنين مثل ما للأبوين كليهما وإن شئت ضربت سهام كل وارث في التركة وقسمت ذلك على المسألة فما خرج فهو نصيبه وإن شئت قسمت التركة على المسألة ثم ضربت الخارج بالقسم في سهام كل وارث فما بلغ فهو له وإذا كانت المسألة عددا أصما عملت بإحدى هاتين الطريقتين وإن كان في السهام كسر بسطتها من جنسه على ما ذكرنا في القسم على قراريط الدينار ولك في قسم التركة في مسائل المناسخات أن تقسم التركة أو القراريط على المسألة الأولى فما حصل للميت الثاني قسمته على مسألته ثم تفعل بالثالث والرابع وما بعدهما كذلك وإذا كان بين المسألة والتركة موافقة فخذ وفقيهما واعمل بهما ما ذكرنا

فصل إذا كانت التركة سهاما من عقار
فصل : وإذا كانت التركة سهاما من عقار فاضرب أصل سهام العقار فيما صحت منه المسألة فما بلغ فهو سهام العقار واضرب سهام كل وارث من أصل المسألة في السهام الموروثة من العقار واضرب سهام الشركاء في أصل مسألة الورثة ومثال ذلك زوج وأم وأخت والتركة ربع وسدس دار المسألة من ثمانية وأصل سهام العقار اثنا عشر فاضربها في الثمانية تكن ستة ةتسعين فللزوج ثلاثة من مسألة مضروبة في السهام الموروثة وهي خمسة تكن خمسة عشر وللأخت كذلك فانسبها من الدار تكن ثمنها وربع ثمنها وللأم سهمان في خمسة تكن عشرة وهي نصف سدس الدار وثمن سدسها وإن شئت قلت هي نصف ثمنها وثلث ثمنها وثلث ثمنها وإن شئت بسطت الربع والسدس من قراريط الدينار وهي عشرة وقسمتها على المسألة فللأم ربعها وهي قيراطان ونصف وللأخت ثلاثة أثمانها وهي ثلاثة قراريط وثلاثة أرباع قيراط وكذلك الزوج

مسألة يرد على كل أهل الفرائض بقدر ميراثهم إلا الزوج والزوجة
مسألة : قال : ويرد على كل أهل الفرائض على قدر ميراثهم إلا الزوج والزوجة
وجملة ذلك أن الميت إذا لم يخلف وارثا إلا ذوي فروض ولا يستوعب المال كالبنات والأخوات والجدات فإن الفاضل عن ذوي الفروض يرد عليهم على قدر فروضهم إلا الزوج والزوجة روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وحكي ذلك عن الحسن و ابن سيرين و شريح و عطاء و مجاهد و الثوري و أبي حنيفة وأصحابه قال ابن سراقة وعليه العمل اليوم في الأمصار إلا أنه يروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرد على بنت ابن مع بنت ولا على أخت من أب مع أخت من أبوين ولا على جدة مع ذي سهم وروى ابن منصور عن أحمد أنه لا يرد على ولد الأم مع الأم ولا على الجد مع ذي سهم والذي ذكر الخرقي أطهر في المذهب وأصح وهو قول عامة أهل الرد لأنهم تساووا في السهام فيجب أن يتساووا فيما يتفرع عليها ولأن الفريضة لو عالت لدخل النقص على الجميع فالرد ينبغي أن ينالهم أيضا فأما الزوجان فلا يرد عليهما باتفاق من أهل العلم إلا أنه روي عن عثمان رضي الله عنه أنه رد على زوج ـ ولعله كان عصبة أو ذا رحم ـ فأعطاه لذلك أو أعطاه من مال بين المال لا على سبيل الميراث وسبب ذلك إن شاء الله أن أهل الرد كلهم من ذوي الأرحام فيدخلون في عموم قول الله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } والزوجان خارجان من ذلك وذهب زيد بن ثابت إلى أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال ولا يرد على أحد فوق فرضه وبه قال مالك و الأوزاعي و الشافعي رضي الله عنهم لأن الله تعالى قال في الأخت : { فلها نصف ما ترك } ومن رد عليها جعل لها الكل ولأنها ذات فرض مسمى فلا يرد عليها كالزوج
ولنا قول الله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } وهؤلاء من ذوي الأرحام وقد ترجحوا بالقرب إلى الميت فيكونون أولى من بيت المال لأنه لسائر المسلمين وذو الرحم أحق من الأجانب عملا بالنص وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلي ] وفي لفظ : [ من ترك دينا فإلي ومن ترك مالا فللوارث ] متفق عليه وهذا عام في جميع المال وروي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : تحرز المرأة ثلاثة مواريث لقيطها وعتيقها والولد الذي لاعنت عليه ] أخرجه ابن ماجة فجعل لها ميراث ولدها المنفي باللعان كله خرج من ذلك ميراث غيرها من ذوي الفروض بالإجماع وبقي الباقي على مقتضى العموم ولأنها من وراثة لارحم فكانت أحق بالمال من بيت كعصباته فأما قوله تعالى : { فلها نصف ما ترك } فلا ينفي أن يكون لها زيادة عليه بسبب آخر كقوله تعالى : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } لا ينفي أن يكون للأب السدس وما فضل عن البنت بجهة التعصيب وقوله : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } لم ينف أن يكون للزوج ما فضل إذا كان ابن عم أو مولى وكذلك الأخ من الأم إذا كان ابن عم والبنت وغيرها من ذوي الفروض إذا كانت معتقة كذا ههنا تستحق النصف بالفرض والباقي بالرد وأما الزوجان فليسا من ذوي الأرحام

مسألة وفصل تفريع في الرد على أهل الفرائض
مسألة : قال : وإذا كانت أخت لأب وأم وأخت لأب وأخت لأم فللأخت للأب والأم النصف وللأخت للأب السدس وللأخت للأم السدس وما بقي يرد عليهن على قدر سهامهن
فصار المال بينهن على خمسة أسهم للأخت للأب والأم ثلاثة أخماس المال وللأخت للأب الخمس وللأخت للأم الخمس طريق العمل في الرد أن تأخذ سهام أهل الرد من أصل مسألتهم وهي أبدا تخرج من ستة إذ ليس في الفروض كلها مالا يؤخذ في الستة إلا الربع والثمن وليس لغير الزوجين وليسا من أهل الرد ثم تجعل عدد سهامهم أصل مسألتهم كما صارت السهام في المسألة العائلة هي المسألة التي تضرب فيها العدد الذي انكسرت عليه سهامه فكذا ههنا إذا انكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم لأن ذلك صار أصل مسألتهم وينحصر في ذلك أربعة أصول أولها أصل اثنين كجدة وأخ من أم لكل واحد منهما السدس أصلها اثنان ثم تقسم المال عليهما فيصير لكل واحد منهما نصف المال فإن كان الجدات ثلاثا فلهن سهم لا ينقسم عليهن اضرب عددهن في أصل المسألة وهو اثنان تصير ستة للأخ من الأم النصف ثلاثة ولكل واحد منهم سهم أصل ثلاثة أم وأخ من أم وأم وأخوان لأم فإن كانوا ثلاثة ضربت عددهم في أصل مسألتهم وهو ثلاثة صارت تسعة ومنها تصح ثلاثة جدات وأربعة أخوة من أم للأخوة سهمان يوافقهم بالنصف يرجع عددهم إلى اثنين تضربهما في عدد الجدات ثم في أصل المسألة صارت ثمانية عشر ومنها تصح أصل أربعة أخت لأبوين وأخت لأب أو أم أو أخ لأم أو جدة بنت وأم أو جدة بنت وبنت ابن فإن كان بنات الابن أربعا ضربتهن في أصل المسألة وهي أربعة صارت ستة عشر ومنها تصح أصل خمسة ثلاث أخوات مفترقات للأخت من الأب والأم النصف وللأخت من الأب السدس وللأخت من الأم السدس وهذه المسألة الخرقي أم وأخت لأبوين أو لأب أم وأخت لأبوين وأخت لأب أو لأم ولا تزيد مسائل الرد أبدا على هذا لأنها لو زادت سهما لكمل المال ولم يبق شيء منه يرد ثلاث جدات وبنت وأربع بنات ابن أصلها من خمسة وتصح من ستين ومتى كان الرد على حيز واحد فله جميع المال بالفرض والرد كأنه عصبة فإن كان شخصا واحدا فالمال له وإن كان جماعة قسمته عليهم على على عددهم كالبنين والأخوة
فصل : فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه من أصل مسألته وقسمت الباقي من سألته على فريضة أهل الرد فإن انقسم صحت المسألتان ولا يتفق هذا إلا أن يكون للزوج امرأة لها الربع ومسألة أهل الرد من ثلاثة : كامرأة وأم وأخ لأم أو أم وأخوين لأم أو جدة وأخوين لأم فللمرأة الربع من أربعة يبقى ثلاثة على فريضة أهل الرد وهي ثلاثة فتصح عليها ويصح الجميع من أربعة فإن انكسر على عدد منه ضربته في أربعة كأربع زوجات وأم واخ وأخ لأم تصح من ستة عشر وإن لم ينقسم فاصل مسألة الزوج على فريضة أهل الرد لم يكن أن يوافقها أيضا فاضرب فريضة الرد في فريضة الزوج فما بلغ فإليه تنتقل المسألة فإذا أردت القسمة فلأحد الزوجين فريضة الرد والكل واحد من أهل الرد سهامه من مسألته مضروبة في فاضل فريضة الزوج فما بلغ فهو له إن كان واحدا وإن كانوا جماعة قسمته عليهم فإن لم ينقسم ضربته أو وفقه فيما انتقلت إليه المسألة وتصح على ما مضى في باب التصحيح وهذا ينحصر في أصول خمسة : أحدها : زوج وجدة وأخ لأم للزوج النصف وأصل مسألته من اثنين له سهم يبقى سهم على مسألة الرد وهي اثنان فتضرب اثنين في اثنين يكن أربعة ولا يقع الكسر في هذا الأصل إلا على فريق واحد وهو الجدات فإذا كان أكثر من جدة واحدة فاضرب عددهن في أربعة فما بلغ فمنه تصح
الأصل الثاني : زوجة وجدة وأخ لأم مسألة الزوجة من أربعة ثم تنتقل إلى ثمانية ولا يكون الكسر إلا على الجدات أيضا الأصل الثالث : زوج وبنت وبنت ابن مسألة الزوج من أربعة ثم تنتقل إلى ستة عشر وكذلك زوجة وأخت لأبوين وأخت لأب أو اخت لأم أو جد أو جدة ومثلها زوجة وأخت لأب وأخت لأم أو جدة
والأصل الرابع : زوجة وبنت وبنت ابن ابن أو أم أو جدة مسألة الزوجة من ثمانية ثم تنتقل إلى اثنين وثلاثين الأصل الخامس : زوجة وبنتان وأم مسألة الزوجة من ثمانية ثم تنتقل إلى أربعين وكذلك زوجة وبنت وبنت ابن وأم أو جدة أخت من أبوين وأخت أو أخوات من أب وأخت من أم أو أم أو جدة أختان من أبوين أو من أب وأم أو جدة وأخ من أم وفي جميع ذلك إذ انكسرت سهام فريق منهم عليهم ضربته فيما انتقلت إليه المسألة ومثال ذلك : أربع زوجات وإحدى وعشرون بنتا وأربع عشرة جدة مسألة الزوجات من ثمانية فتضرب فيها فريضة الرد وهي خمسة تكن أربعين للزوجات فريضة أهل الدر خمسة على أربعة لا تصح ولا توافق ويبقى خمسة وثلاثون للجدات خمسها سبعة على أربعة عشرة توافق بالأسباع فيرجعن إلى اثنين ويبقى للبنات وعشرون توافقهن بالاسباع فيرجن إلى ثلاث والاثنان ثم تدخلان في عدد الزوجات فتضرب ثلاثا في أربع تكن اثني عشر ثم في أربعين تكن أربعمائة وثمانين ومتى كان مع أحد الزوجين واحد من أهل الرد أخذ الفاضل كله كأنه عصبة ولا تنتقل المسألة وإن كان معهم فريق واحد من أهل الرد كالبنات أو الأخوات قسمت الفاضل عليهم كأنهم عصبة فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الزوج

باب الجدات
مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : وللجدة إذا لم تكن أم السدس
قال أبو بكر بن المنذر : أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم وحكى غيره رواية شاذة عن ابن عباس أنها بمنزلة لأنها تدلي بها فقامت مقامها كالجد يقوم مقام الأب
ولنا ما روى قبيصة بن ذئيب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب ميراثها فقال مالك في كتاب الله عز و جل شيء وما أعلم لك في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا ولكن ارجعي حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاها السدس فقال هل معك غيرك ؟ فشهد له محمد بن مسلمة فأمضاه لها أبو بكر فلما كان عمر جاءت الجدة الأخرى فقال مالك في كتاب الله شيء فما كان القضاء الذي قضي به إلا ف غيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعتما فهو لكما وأيكما خلت به فهو لها رواه مالك في موطئه و أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح : وأما الجد فلا يقوم مقام الأب في جميع أحواله على ما ذكرناه وأجمع أهل العلم على أن الأم تحجب الجدات من جميع الجهات
وقد روى ابن بريدة عن أبيه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم ] رواه أبو داود وهذا يدل على أنها لا ترث معها شئيا ولأن الجدة تدلي بالأم فسقطت بها كسقوط الجد بالأب وابن الابن به فأما أم الأب فانها أيضا إنما ترث ميراث أم لأنها أم ولذلك ترث وابنها حي ولو كان ميراثها من جهته ما ورثت مع وجوده

مسألة إجماع أهل العلم على أن للجدات السدس وإن كثرن
مسألة : قال : وكذلك إن كثرن لم يزدن على السدس فرضا
أجمع أهل العلم على أن ميراث الجدات السدس وإن كثرن وذلك لما روينا من الخبر وإن عمر شرك بينهما وقد روي نحو ذلك عن أبي بكر رضي الله عنه فروى سعيد حدثنا سفيان و هشيم عن يحيى ابن سعيد عن القاسم بن محمد قال : جاءت الجدتان إلى أبي بكر رضي الله عنه فأعطى أم الأم الميراث دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهيل بن حارثة وكان شهد بدرا : يا خليفة رسول الله أعطيت التي أن ماتت لم يرثها ومنعت التي لو ماتت ورثها فجعل أبو بكر السدس بينهما ولأنهن ذوات عدد لا يشركهن ذكر فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات وقول الخرقي لم يزدن على السدس فرضا يريد به التحرز من زيادتهن بالرد فانهن يأخذن في الرد زيادة على السدس على ما قد مضى ذكره

فصل لا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين أم لأم وأم الأب
فصل : ولا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين أم الأم وأم الأب وكذلك أن علتا وكانتا في القرب سواء كأم أم أم وأم وأم أب إلا ما حكي عن داود أنه لا يورث أم أم الأب شيئا لأنه لا يرثها فلا ترثه ولأنها غير مذكورة في الخبر
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى ثلاث جدات ومن ضرورته أن يكون فيهن أم أم الأب أو من هي أعلى منها وما ذكره داود فهو قياس وهو لا يقول بالقياس ثم هو باطل بأم الأم فإنها ترثه ولا يرثها وقوله ليست مذكورة في الخبر قلنا وكذلك أم أم الأم واختلفوا في توريث ما زاد عليهما فذهب أبو عبد الله إلى توريث ثلاث جدات من غير زيادة عليهن وروي ذلك عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله عنهم وروي نحوه عن مسروق و الحسن و قتادة وبه قال الأوزاعي و إسحاق وروي عن سعد ابن أبي وقاص ما يدل على أنه لا يورث أكثر من جدتين وحكى ذلك عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و سليمان بن يسار و طلحة بن عبد الله بن عوف و ربيعة و ابن هرمز و مالك
و ابن أبي ذئب و أبي ثور و داود وقال الشافعي في القديم وحكي عن الزهري أنه قال لا نعلم ورث في الإسلام إلا جدتين
وحكي عن سعد بن أبي وقاص أنه أوتر بركعة فعابه ابن مسعود فقال سعد : أتعيبني وأنت تورث ثلاث جدات ؟
وروي عن ابن عباس أنه ورث الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة إلا من أدلت بأب غير وارث كأم أب الأم قال ابن سراقة وبهذا قال عامة الصحابة إلا شاذا وإليه ذهب الحسن و ابن سيرين و الثوري و ابو حنيفة وأصحابه وهو رواية المزني عن الشافعي رضي الله عنه وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه سمى ثلاث جدات متحاذيات ثم قال وإن كثرن فعلى ذلك واحتجوا بأن الزائدة جدة أدلت بوارث فوجب أن ترث كأحد الثلاث
ولنا ما روى سعيد عن ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم [ أن النبي صلى الله عليه و سلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم ] وأخرجه أبو عبيد الدار قطني
وروى سعيد أيضا عن إبراهيم أنه قال : كانوا يرثون من الجدات ثلاثا إثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وهذا يدل على التحديد بثلاث وأنه لا يرث أكثر منهن وإذا ثبت هذا فإن الوارثات هي أم الأم وإن علت درجتها وأم الأب وأمهاتها وإن علت درجتهن وأم الجد وأمهاتها ولا يرث أم أب الجد ولا كل جدة أدلت بأكثر من ثلاثة آباء وهؤلاء الجدات المختلف فيهن وأجمع أهل العلم على أن الجدة المدلية بأب غير وارث لا ترث وهي كل جدة أدلت بأب بين أمين كأم أبي الأم إلا ما حكي عن ابن عباس وجابر بن زيد و مجاهد و ابن سيرين أنهم قالوا : ترث وهو قول شاذ لا نعلم اليوم به قائلا وليس بصحيح فإنها تدلي بغير وارث فلم ترث كالأجانب وأمثله ذلك : أم أم وأم اب السدس بينهما اجماعا أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب وأم أبي أم السدس للثلاث الأول إلا عند مالك وموافقيه فإنه للأوليين وعند داود هو للأولى وحدها ولا ترث الرابعة إلا في قول شاذ عن ابن عباس وموافقيه أم أم أم أم وأم أم أم أب وأم أم أبي أب وأم أبي أبي أب وأم أم أبي أم وأم أبي أم أم وأم أبي أبي أم وأم أبي أم أب السدس للأولى عند داود ولللأوليين عند مالك وللثلاث الأول عند أحمد وموافقيه وللأربع الأول عند أبي حنفية وموافقيه وتسقط الأربع الباقيات إلا في الرواية الشاذة وفي الجملة لا يرث من قبل الأم إلا واحدة ولا من قبل الأب إلا اثنتان وهما اللتان جاء ذكرهما في الخبر إلا عند أبي حنيفة وموافقيه فإنه كلما علون درجة زاد في ععدهن من قبل الأب واحدة

مسألة إذا كان بعض الجدات أقرب من بعض كان الميراث لأقربهن
مسألة : قال : وإن كان بعضهن أقرب من بعض كان الميراث لأقربهن
أما إذا كانت إحدى الجدتين أم الأخرى فأجمع أهل العلم على أن الميراث للقربى وتسقط البعدى بها وإن كانتا من جهتين والقربى من جهة الأم فالميراث لها وتحجب البعدى في قول عامتهم إلا ما روي عن ابن مسعود ويحيى بن آدم وشريك أن الميراث بينهما وعن ابن مسعود إن كانتا من جهتين فهما سواء وإن كانتا من جهة واحدة فهو للقربى يعني به أن الجدتين من قبل الأب إذا كانت إحداهما أم الأب والأخرى أم الجد سقطت أم الجد بأم الأب وسائر أهل العلم على أن القربى من جهة الأم تحجب البعدى من جهة الأب فأما القربى من جهة الأب فهل تحجب البعدى من جهة الأم ؟ فعن أحمد فيها روايتان : إحداهما : أنها تحجبها ويكون الميراث للقربى وهذا قول علي عليه السلام وإحدى الروايتين عن زيد وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأهل العراق وهو قول الشافعي والرواية الثانية عن أحمد هو بينهما وهي الرواية الثانية عن زيد وبه قال مالك و الأوزاعي وهو القول الثاني لـ لشافعي رضي الله عنه لأن الأب الذي تدلي به الجدة لا بحجب الجدة من قبل الأم فالتي تدلي به أولى أن لا يحجبها وبهذا فارقتها القربى من قبل الأم فإنها تدلي بالأم وهي تحجب جميع الجدات
ولنا أنها جدة قربى فتحجب البعدى كالتي من قبل الأم ولأن الجدات أمهات يرثن ميراثا واحدا من جهة واحدة فإذا اجتمعن فالميراث لقربهن كالآباء والأبناء والإخوة والبنات وكل قبيل إذا اجتمعوا فالميراث لأقربهن وقولهم أن الأب لا يسقطها قلنا لأنهن لا يرثن ميراثه إنما يرثن ميراث الأمهات لكونهن أمهات ولذلك أسقطهن الأم والله أعلم
مسائل : من ذلك أم أم وأم أم اب المال للأولى إلا في قول ابن مسعود هو بينهما أم أب وأم أم أم المال للأولى في قول الخرقي وفي الرواية الأخرى هو بينهما أم أب وأم أم وأم جد المال للأوليين في قول الجميع إلا في قول شريك وموافقيه هو بينهن أم أب وأم أم وأم أم أم وأم أبي أب هو للأوليين في قول الجميع

فصل اجتماع جدة ذات قرابتين مع أخرى
فصل : إذا اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى فقياس قول أبي عبد الله أن السدس بينهما أثلاثا لذات القرابتين ثلثاه وللأخرى ثلثه كذلك قال أبو الحسن التميمي وأبو عبد الله العرني ولعلهما أخذا ذلك من قوله توريث المجوس بجميع قراباتهم وهذا قول يحيى بن آدم و الحسن بن صالح ومحمد ابن الحسن والحسن بن زياد وزفر وشريك وقال الثوري و الشافعي رضي الله عنه وأبو يوسف السدس بينهما نصفان وهو قياس قول مالك لأن القرابتين إذا كانتا من جهة واحدة لم يرث بهما جميعا كالأخ من الأب والأم
ولنا أنها شخص ذو قرابتين ترث بكل واحدة منهما منفردة ولا يرجح بها على غيره وجب أن يرث بكل واحدة منهما كابن العم إذا كان أخا أو زوجا وفارق الأخ من الأبوين فأنه رجح بقرابته على الأخ من الأب ولا يجمع بين الترجيح بالقرابة الزايدة والتوريث بها فإذا وجد أحدهما انتفى الآخر وههنا قد انتفى الترجيح فيثبت التوريث وصورة ذلك أن يتزوج ابن ابن المرأة بنت بنتها فيولد لهما ولد فتكون المرأة أم أم أمه وهي أم أبي أبيه وغن تزوج ابن بنتها بنت بنتها فهي أم أم أمه وأم أم أبيه وإن أدلت الجدة بثلاث جهات ترث بهن لم يمكن أن يجتمع معها جدة أخرى وارثة عند من لا يورث أكثر من ثلاث

مسألة توريث الجدة قبل الأب في حياة ابنها
مسألة : قال : والجدة ترث وابنها حي
وجملته أن الجدة من قبل الأب إذا كان ابنها حيا ورثا فإن عمر وابن مسعود وأبا موسى عمران بن الحصين وأبا الطفيل رضي الله عنهم ورثوها مع ابنها وبه شريح و الحسن و ابن سيرين و جابر بن زيد و العنبري و إسحاق و ابن المنذر وهو ظاهر أحمد بن حنبل رضي الله عنه وقال زيد بن ثابت لا ترث وروي ذلك عن عثمان وعلي رضي الله عنهما وبه قال مالك و الثوري و الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز و الشافعي و ابن جابر و أبو ثور وأصحاب الرأي وهو رواية عن أحمد روته عنه جماعة من أصحابه ولا خلاف في توريثها مع ابنها إذا كان عما أو عم أب لأنها لا تدلي به واحتج من أسقطها بأبيها بأنها تدلي به فلا ترث معه كالجد مع الأب وأم الأم مع الأم
ولنا ما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال : [ أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه و سلم السدس أم أب مع ابنها وابنها حي ] أخرجه الترمذي ورواه سعيد بن منصور إلا أن لفظه [ أول جدة أطعمت السدس أم أب مع ابنها ] وقال ابن سيرين : [ أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه و سلم السدس أم أب مع ابنها ] ولأن الجدات أمهات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب فلا يحجبن به كأمهات الأم مسائل ذلك : أم أب وأب لها السدس والباقي له وعلى القول الآخر الكل له دونها أم أم وأم أب وأب السدس بينهما على القول الأول وعلى الثاني السدس لأم الأم والباقي للأب وقيل لأم الأم نصف السدس والباقي للأب لأن الأب لو عدم لم يكن لأم الأم نصف السدس فلا يكون لها مع وجوده إلا ما كان لها مع عدمه والأول أصح لأم الإخوة مع الأبوين يحجبون الأم عن نصف ميراثها ولا يأخذون ما حجبوه عنها بل يتوفر على الأب كذا ههنا : ثلاث جدات متحاذيات وأب السدس بينهن على القول الأول ولأم الأم على القول الثاني وعلى الثالث لأم الأم ثلث السدس والباقي للأب وإن كان مع المتحاذيات جدات لم يحجب إلا أمه أب وأم أب وأم أم أم على قول الخرقي السدس لأم الأب ومن حجب بابنها أسقط أم الأب ثم اختلف القائلون بذلك فقيل السدس كله لأم أم الأم لأن التي تحجبها أو تزاحمها قد سقط حكمها فصارت كالمعدومة وقيل بل لها نصف السدس على قول زيد لأنه يورث البعدى من جهة الأم مع القربى من جهة الأب فكان لها نصف السدس وقيل لا شيء لها لأنها انحجبت بأم الأب ثم انحجبت أم الأب بالأب فصار المال كله للأب

مسائل ميراث الجدات المتساويات في الدرجة
مسألة : قال : والجدات المتحاذيات أن تكون أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب وإن كثرن فعلى ذلك
يعني بالمتحاذيات المتساويات في الدرجة بحيث لا تكون واحدة أعلى من الأخرى ولا أنزل منها لأن الجدات إنما يرثن كلهن إذا كن في درجة واحدة ومتى كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن فإذا قيل ترك جدتين وارثتين على أقرب المنازل فهما أم أمه وأم أبيه وإن قيل ترك ثلاثا فهن كما قال الخرقي أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب واحدة من قبل الأم واثنتان من قبل الأب وهما أم أمه وأم أبيه كما جاء الحديث وفي درجتهن أخرى من قبل الأم غير وارثة وهي أم أبي الأم ولا يرث أبدا من قبل الأم إلا واحدة وهي التي كل نسبها أمهات لا أب فيهن فاحفظ ذلك فإن قيل ترك أربعا فهن أم أم أم ام وأم أم أم أب وأم أم أبي أب وأم أبي أبي أب وفي درجتهن أربع غير وارثات وقد ذكرناهن فيما تقدم إلا أن مذهب أحمد لا يورث أكثر من ثلاث جدات وهن الثلاث الأول ويحتمل قول الخرقي توريثهن وإن كثرن فعلى هذا القول كلما زادت درجة زادت جدة ويرث في الدرجة الخامسة خمس وفي السادسة ست وفي السابعة سبع وعلى هذا أبدا وقول الخرقي : وإن كثرن فعلى ذلك يحتمل أنه ذهب إلى توريث الجدات على هذا الوجه وإن كثرن ويحتمل أنه وإن أراد كثرن فلا يرث إلا هؤلاء الثلاث فعلى هذا القول لا يرث من ثلاث : واحدة من الأم واثنتان من قبل الأب وهما أم أمه وأم ابيه وأمهاتهما ولا يرث جدة في نسبها أب بين أمين ولا ثلاثة آباء وإن أردت تنزيل الجدات الوارثات وغيرهن فاعلم أن للميت في الدرجة الأولى جدتين أم أمه وأم أبيه وفي الثانية أربع لأن لكل واحد من أبويه جدتين فهما أربع بالنسبة إليه وفي الثالثة ثمان لأن لكل واحد من أبويه أربعا على هذا الوجه فيكون لولدهما ثمان وعلى هذا كلما علون درجة تضاعف عددهن ولا يرث منهن إلا ثلاث والله أعلم

باب من يرث من الرجال والنساء
مسألة : قال : ويرث من الرجال الابن ثم ابن الابن وإن سفل والأب ثم الجد وإن علا والأخ ثم ابن الأخ والعم ثم ابن العم والزوج ومولى النعمة ومن نساء البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والزوجة ومولاة النعمة
فهؤلاء مجمع على توريثهم وأكثرهم ثبت توريثه بالكتاب والسنة فالإبن ثبت ميراثه بقوله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } وابن الإبن والأبوان ثبت ميراثهما بقوله تعالى : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس } والجد يحتمل أن يتناوله قوله تعالى : { ولأبويه } كما دخل ابن الإبن في عموم أولادكم والأخ والأخت من الأم ثبت ميراثهما بقوله تعالى : { وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } وولد الأبوين والأب ثبت إرثه بقوله تعالى : { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وأما ابن الأخ للأبوين أو للأب والعم وابنه وعم الأب وابنه فثبت ميراثهم بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر ] ولم يدخل فيهم ولد الأم ولا العم للأم ولا ابنه ولا الخال ولا أبو الأم لأنهم ليسوا من العصبات وأما المولى المعتق والمولاة فثبت إرثهما بقوله عليه السلام : [ الولاء لمن اعتق ] والجدة أطعمها النبي صلى الله عليه و سلم السدس والزوج ثبت إرثه بقوله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } والزوجة ثبت بقوله تعالى : { ولهن الربع مما تركتم }

فصل وجميعهم ضربان ذو فرض وعصبة
فصل : وجميعهم ضربان ذو فرض وعصبة فالذكور كلهم عصبات إلا الزوج والأخ من الأم وإلا الأب والجد مع الإبن والإناث كلهن إذا انفردن عن اخوتهن ذوات فرض إلا المولاة المعتقة ولا الأخوات مع البنات وعدد العصبات الابن وابنه وإن نزل والأب وأبوه وإن علا والأخ من الأبوين والأخ من الأب وابناهما وإن نزلا والعمان كذلك وابناهما وإن نزلا وعما الأب وابناهما كذلك أبدا ومولى النعمة وعدد الإناث البنات وبنات الابن والأم والجدة من الجهتين وإن علت والأخوات من الجهات الثلاث والأخ من الأم والزوج والزوجة ومن لا يسقط بحال خمسة : الزوجان والأبوان وولد الصلب لأنهم يمتون بأنفسهم من غير واسطة بينهم وبين الميت يحجبهم ومن سواهم من الوارث إنما يمت بواسطة سواه فيسقط بمن هو أولى بالميت منه

باب ميراث الجد
روى أبو داود بإسناده عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين [ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال ان ابن ابني مات فمالي من ميراثه ؟ قال : لك السدس فلما أدبر دعاه فقال : إن لك سدسا آخر فلما أدبر دعاه فقال : إن لك السدس الآخر طعمة ] قال قتادة فلا ندري أي شيء ورثه قال قتادة أقل شيء ورث الجد السدس وروي عن الحسن أيضا أن عمر رضي الله عنه قال : أيكم بعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم الجد ؟ فقال معقل بن يسار أنا ورثه رسول الله صلى الله عليه و سلم السدس قال مع من ؟ قال لا أدري قال لا دريت قال فما يغني إذا ؟ رواه سعيد في سننه قال أبو بكر بن المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب وأنزلوا الجد في الحجب والميراث منزلة الأب في جميع المواضع إلا في ثلاثة أشياء : أحدها : زوج وأبوان والثانية : زوجة وأبوان للأم ثلث الباقي فيهما مع الأب وثلث خلاف المال لو كان مكان الأب جد والثالثة : اختلفوا في الجد مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للابن ولا خلاف بينهم في إسقاطه بني الإخوة وولد الأم ذكرهم وأنثاهم وذهب الصديق رضي الله عنه إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات كما يسقطهم الأب وبذلك قال عبد الله بن عباس وعبد الله ابن الزبير وروي ذلك عن عثمان وعائشة و أبي بن كعب و أبي الدراداء و معاذ بن جبل و أبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهم وحكي أيضا عن عمران بن الحصين و جابر بن عبد الله و أبي الطفيل و عبادة بن الصامت و عطاء و طاوس و جابر بن زيد وبه قال قتادة و إسحاق و أبو ثور و نعيم بن جماد و أبو حنيفة و المزني و ابن شريح و ابن اللبان و دادو و ابن المنذر وكان علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم يورثونهم معه ولا يحجبونهم به وبه قال مالك و الأوزاعي و الشافعي و أبو يوسف و محمد لأن الأخ ذكر يعصب أخته فلا يسقطه الجد كالابن ولأن ميراثهم ثبت بالكتاب فلا يحجبون إلا بنص أو إجماع أو قياس وما وجد شيء من ذلك فلا يحجبون ولأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون فيه فإن الأخ والجد يدليان بالأب الجد أبوه والأخ ابنه وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة بل ربما كانت أقوى فإن الابن يسقط تعصيب الأب ولذلك مثله علي رضي الله عنه بشجرة أنبتت غصنا فانفرق منه غصنان كل واحد منهما إلى الاخر أقرب منه إلى أصل الشجرة ومثله زيد بواد خرج منه نهر انفرق منه جدولان كل واحد منهما إلى الآخر أقرب منه إلى الوادي واحتج من ذهب مذهب أبي بكر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألحقوا الفرائض بأهلها وما بقي فلأولى عصبة ذكر ] والجد أولى من الأخ بدليل المعنى والحكم أما المعنى فإنه له قرابة ايلاد وبعضية كالأب وأما الحكم فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ دونه ولا يسقطه أحد إلا الأب والإخوة والأخوات يسقطون بثلاثة ويجمع له بين الفرض والتعصيب كالأب وهم ينفردون بواحد منهما ويسقط ولد الأم وولد الأب يسقطون بهم بالإجماع إذا استغرقت الفروض المال وكانوا عصبة وكذلك ولد الأبوين في المشركة عند الأكثرين ولأنه لا يقتل ابن ابنه ولا يحد بقذفه ولا يقطع بسرقة ماله ويجب عليه نفقته ويمنع من دفع زكاته إليه كالأب سواء فدل ذلك على قوته فإن قيل فالحديث حجة في تقديم الأخوات لأن فروضهن في كتاب الله فيجب أن تلحق بهن فروضهن ويكون للجد ما بقي فالجواب ا هذا الخبر حجة في الذكور المنفردين وفي الذكور مع الإناث أو نقول هو حجة في الجميع ولا فرض لولد الأب مع الجد لأنهم كلالة والكلالة اسم للوارث مع عدم الولد والوالد فلا يكون لهم معه إذا فرض حجة أخرى قالوا الجد أب فيحجب ولد الأب كالأب الحقيقي ودليل كونه أبا قوله تعالى : { ملة أبيكم إبراهيم } وقول يوسف : { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب } وقوله : { كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق } و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ] وقال : [ سام أبو العرب وحام أبو الحبش ] وقال : [ نحن بني النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننفي من أبينا ] قال الشاعر :
( إنا بني نهشل لا تدعي لأب عنه ... ولا هو بالأبناء يشربنا )
فوجب أن يحجب الإخوة كالأب الحقيقي يحقق هذا إن ابن الابن وإن سفل يقوم مقام أبيه في الحجب كذلك أبو الأب يقوم مقام ابنه ولذلك قال ابن عباس الا يتقي الله زيد ؟ يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أبا الأب أبا ولأن بينهما إيلادا وبعضيه وجزئية وهو يساوي الأب في أكثر أحكامه فيساويه في هذا الحجب يحققه أن أبا الأب وإن علا يسقط بني الإخوة ولو كانت قرابة الجد والأخ واحدة لوجب أن يكون أبو الجد مساويا لبني الأخ لتساوي درجة من أدليا به والله أعلم ولا تفريع على هذا القول لوضوحه

مسألة كيفية توريث الإخوة مع الجد والاختلاف فيه
فصل : اختلف القائلون بتوريثهم معه في كيفية توريثهم فكان علي رضي الله يفرض للأخوات فروضهن والباقي للجد إلا أن ينقصه ذلك من السدس فيفرضه له فإن كانت أخت لأبوين وإخوة لأب فرض للأخت النصف وقاسم الجد الإخوة فما بقي إلا ان تنقصه المقاسمة من السدس فيفرضه له فإن كان الإخوة كلهم عصبة قاسمهم الجد إلى السدس فإن اجتمع ولد الأب وولد الأبوين مع الجد سقط ولد الأب ولم يدخلوا في المقاسمة ولا يعتد بهم وإن انفرد ولد الأب قاموا مقام ولد الأبوين مع الجد وصنع ابن مسعود في الجد مع الأخوات كصنع علي عليه السلام وقاسم به الإخوة إلى الثلث فإن كان معهم أصحاب فرائض أعطي أصحاب الفرائض فرائضهم ثم صنع صنيع زيد في إعطاء الجد الأحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال وعلي يقاسم به بعد أصحاب الفرائض إلا أن يكون أصحاب الفرائض بنتا أو بنات فلا يزيد الجد على الثلث ولا يقاسم به وقال بقول علي الشعبي و النخعي و المغيرة بن المقسم و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح وذهب إلى قول ابن مسعود مسروق و علقمة و شريح وأما مذهب زيد فهو الذي ذكره الخرقي وسنشرحه إن شاء الله وإليه ذهب أحمد وبه قال أهل المدينة واهل الشام و الثوري و الأوزاعي و النخعي و الحجاج بن أرطأة و مالك و الشافعي و أبو يوسف و محمد بن الحسن و ابو عبيد وأكثر أهل العلم

مسألة مذهب الإمام أحمد أن الجد يأخذ الأحظ من المقاسمة وثلث المال
مسألة : قال أبو القاسم : ومذهب أبي عبد الله رحمه الله في الجد قول زيد بن ثابت رضي الله عنه : وإذا كان إخوة وأخوات وجد قاسم الجد بمنزلة أخ حتى يكون الثلث خيرا فإذا كان الثلث خيرا له أعطي ثلث جميع المال
وجملة ذلك أن مذهب زيد في الجد مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب أنه يعطيه الأحظ من شيئين إما المقاسمة كأنه أخ وإما ثلث جميع المال فعلى هذا إن كان الإخوة اثنين أو أربع أخوات أو أخا وأختين فالثلث والمقاسمة سواء فأعطه ما شئت منهما وإن نقصوا عن ذلك فالمقاسمة أحظ له فقاسم به لا غير وإن زادوا فالثلث خير له فأعطه إياه وسواء كانوا من أب أو من أبوين وإن اجتمع ولد الأبوين وولد الأب فإن ولد الأبوين يعادون الجد بولد الأب ويحتسبون بهم عليه ثم ما حصل لهم أخذه منهم ولد الأبوين إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ منهم تمام نصف المال ثم ما فضل فهو لهم ولا يمكن أن يفضل عنهم أكثر من السدس لأن أدنى ما للجد الثلث وللأخت النصف والباقي بعدهما هو السدس

مسألة ميراث الجد والأخوة إذا كانوا معهم أصحاب فرائض
مسألة : قال : فإن كان مع الجد والأخوة والأخوات أصحاب فرائض أعطي أصحاب الفرائض فرائضهم ثم ينظر فيما بقي فإن كانت المقاسمة خيرا للجد من ثلث ما بقي ومن سدس جميع المال أعطي المقاسمة وإن كان ثلث ما بقي خيرا له من المقاسمة ومن سدس جميع المال أعطي ثلث ما بقي فإن كان سدس جميع المال أحظ له من المقاسمة ومن ثلث ما بقي أعطي سدس جميع المال
أما كونه لا ينقص عن سدس جميع المال فلأنه لا ينقص عن ذلك مع الولد الذي هو أقوى فمع غيرهم أولى وأما إعطاؤه ثلث الباقي إذا كان أحظ له فلأن له الثلث مع عدم الفروض فما أخذ بالفرض فكأنه ذهب من المال فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال وأما المقاسمة فهي له مع عدم الفروض فكذلك مع وجودها فعلى هذا متى زاد الإخوة عن اثنين أو من يعدلهم من الإناث فلا حظ له في المقاسمة ومتى نقصوا عن ذلك فلا حظ له في ثلث الباقي ومتى زادت الفروض على النصف فلا حظ له في ثلث ما بقي وإن نقصت عن النصف فلا حظ له في السدس وإن كان الفرض النصف فحسب استوى السدس وثلث الباقي وإن كان الأخوة اثنين استوى الباقي والمقاسمة

مسألة كون الجد لا ينقص عن سدس المال أبدا أو تسميته إذا زادت السهام
مسألة : قال : ولا ينقص الجد أبدا من سدس جميع المال أو تسميته إذا زادت السهام
هذا قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن الشعبي أنه قال ان ابن عباس كتب إلى علي في ستة إخوة وجد فكتب إليه : اجعل الجد سابعهم وامح كتابي هذا وروي عنه في سبعة إخوة وجد أن الجد ثامنهم وحكي عن عمران بن الحصين و الشعبي المقاسمة إلى نصف سدس المال
ولنا أن الجد لا ينقص عن السدس مع البنين وهم أقوى ميراثا من الإخوة فإنهم يسقطونهم فلأن لا ينقص عنه مع الإخوة أولى ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أطعم الجد السدس فلا ينبغي أن ينقص منه وأما قوله أو تسميته إذا زادت السهام فإنه يعني إذا عالت المسألة فإنه يسمى له السدس وهو ناقص عن السدس ألا ترى أنا نقول في زوج وأم وابنتين وجد له السدس ونعطيه سهمين من خمسة عشر سهما وهما ثلثا الخمس
ومتى أفضت المسألة إلى العول سقط الإخوة والأخوات إلا في الأكدرية ولا ينقص الجد عن السدس الكامل في مسألة يرث فيها أحد من الإخوة والأخوات
مسألة : قال : وإذا كان أخ لأب وأم وأخ لأب وجد قاسم الجد الأخ للأب والأم والأخ للأب على ثلاثة أسهم ثم رجع الأخ للأب والأم على ما في يد أخيه لأبيه فأخذه
قد ذكرنا أن الجد يقاسم الإخوة كأخ مالم تنقصه عن الثلث وأن ولد الأبوين يعادون الجد بولد الأب ثم يأخذون ما حصل لهم وأنه متى كان اثنان من الإخوة وجد استوى الثلث والمقاسمة ففي هذه المسألة قد استوى الثلث والمقاسمة ولذلك اقتسما على ثلاثة لك واحد سهم ثم أخذ الأخ للأبوين ما حصل لأخيه من أبيه وإن شئت فرضت للجد الثلث والباقي لولد الأبوين وإن زاد عدد الإخوة على اثنين أو من بعدهما من الأخوات فافرض للجد الثلث والباقي لولد الأبوين هذا مذهب زيد وأما علي وابن مسعود فإنهما يقاسمان به ولد الأبوين ويسقطان ولد الأب ولا يعتدان به لأنه محجوب بولد الأبوين فلا يعتد به كولد الأم وقسما هذه المسألة بين الجد والأخ من الأبوين نصفين وأسقطا الأخ من الأب
ولنا أن الجد والد فإذا حجبه وارثان جاز أخ وارث وأخ غير وارث كالأم ولأن ولد الأب يحجبونه إذا انفردوا فيحجبونه مع غيرهم كالأم ويفارق ولد الأم لأن الجد يحجبهم فلا ينبغي أن يحجبوه بخلاف ولد الأب فإن الجد لا يحجبهم فجاز أن يحجبوه إذا حجبهم غيره كما يحجبون الأم وإن كانوا محجوبين بالأب وأما الأخ من الأبوين فهو أقوى تعصيبا من الأخ من الأب فلا يرث معه شئيا كما لو انفرد عن الجد فيأخذ ميراثه كما لو اجتمع ابن وابن ابن حجبه وأخذ ميراثه فإن قيل : فالجد يحجب ولد الأم ولا يأخذ ميراثه والإخوة يحجبون الأم وإن لم يأخذوا ميراثها قلنا الجد وولد الأم يختلف سبب استحقاقهما للميراث وكذلك سائر من يحجب ولا يأخذ ميراث المحجوب وههنا سبب استحقاق الإخوة للميراث الأخوة والعصوبة فأيهما قوي حجب الآخر وأخذ ميراثه وقد مثلت هذه المسألة بمسألة في الوصايا وهي إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولآخر بتمام الثلث على المائة وكان ثلث المال مائتين فإن الموصى له بالمائة يزاحم صاحب الثلث بصاحب التمام فيقاسمه الثلث نصفين ثم يختص صاحب المائة بها ولا يحصل لصاحب التمام شيء

فصل أخ لأبوين وأختان لأب وجد
فصل : أخ لأبوين وأختان لأب وجد للجد الثلث والباقي للأخ وفي قول علي وابن مسعود المال بينه وبين الجد نصفين أخ وأخت من أبوين وأخت من أب وجد فللجد الثلث والباقي بين ولد الأبوين على ثلاثة وتصح من تسعة وفي قول علي وابن مسعود المال بين ولد الأبوين والجد على خمسة أخ لأبوين وأخت لأب وجد المال بينهم على خمسة : للجد سهمان والباقي للأخ وعندهما المال بينهما نصفين

فصل أخوان لأبوين وأخ لأب وجد
فصل : أخوان لأبوين وأخ لأب وجد للجد الثلث والباقي للأخوين للأبوين عند الجميع وإن كان ولد الأبوين ثلاثة فللجد الثلث أيضا عند زيد وعند علي وابن مسعود له الربع لأنهما يقاسمان به إلى السدس أخ وأخت من أبوين وأخ من أب أو أكثر من ذلك فللجد الثلث وعندهما للجد الخمسان وللأخ للأبوين الخمسان وللأخت الخمس

مسألة حكم ما إذا كان أخ وأخت لأب وأم أو لأب وجد
مسألة : قال : وإذا كان أخ وأخت لأب وأم أو لأب وجد كان المال بين الجد والأخ والأخت على خمسة أسهم الجد سهمان وللأخ سهمان وللأخت سهم
المقاسمة ههنا خير للجد من الثلث لأنه يحصل له بها خمسا المال وذلك خير له من الثلث وكذلك كلما نقص الإخوة عن اثنين أو من يعدلهم من الإناث كثلاث أخوات أو أختين أو أخ واحد أو أخت واحدة فليس فيها إلا المقاسمة به كأخ وهذا قول زيد وعلي وعبد الله إذا كانوا عصبة فأما إن كن أخوات منفردات فإن عليا وابن مسعود يفرضان لهن فروضهن ثم يعطيان الجد ما بقي

مسألة إذا كانت أخت لأب وأم وأخت لأب وجد
مسألة : قال : وإذا كانت أخت لأب وأم وأخت لأب وجد كانت الفريضة للجد والأختين على أربعة أسهم للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم رجعت الأخت للأم والأب فأخذت مما في يد أختها لتستكمل النصف
المقاسمة ههنا أحظ للجد وتعتد الأخت للأبوين على الجد بأختها من أبيها فيصير له النصف ولهما النصف بينهما على اثنين لكل واحدة سهم ثم تأخذ الأخت من الأبوين ما بقي في يد أختها لتستكمل تمام فرضها وهو جميع ما في يدها فلا يبقى لها شيء وتضير كما لو كان معهما بنت فأخذت البنت النصف وبقي النصف فإن الأخت من الأبوين تأخذه جميعه فلا يبقى للأخت من الأب شيء

فصل حكم ما إذا كان مع الأخت من الأبوين اختان من أب
فصل : فإن كان مع الأخت من الأبوين أختان من أب كان المال بينهن وبين الجد على خمسة أسهم للجد اثنان ولهن ثلاثة ثم تأخذ الأخت من الأبوين من أختها تمام النصف وهو سهم ونصف يبقى لهما نصف سهم بينهما لكل واحدة ربع سهم فتضرب مخرج الربع وهو أربعة في خمسة تكن عشرين للجد ثمانية وللأخت للأبوين عشرة ولكل واحدة من أختيها سهم فإن كان معها ثلاث أخوات أو أكثر من ذلك فليس للجد إلا الثلث ولها النصف ويبقى السدس بين الأخوات من الأب وإن كثرن وإن كان من ولد الأبوين أختان أو أكثر فليس للأخوات من الأب شيء وإن كثرن لأن فرض الأختين الثلثان والجد لا ينقص عن الثلث فلا يبقى من المال شيء ولأن الأخوات من الأبوين يسقطن الأخوات من الأب باستكمال الثلثين ولو لم يكن معهن جد فمع الجد أولى وليس في هذه المسألة اختلاف فأما مسألة الخرقي فإن عليا وعبد الله يفرضان للأخت من الأبوين النصف وللأخت من الأب السدس والباقي للجد وكذلك إن كان معها أختان أو أخوات من أب

مسألة حكم ما إذا كان مع التي من قبل الأب أخوها
مسألة : قال : فإن كان مع التي من قبل الأب أخوها كان المال بين الجد والأخ والأختين على ستة أسهم للجد سهمان وللأخ سهمان ولكل أخت سهم ثم رجعت الأخت من الأب والأم على الأخ والأخت من الأب فأخذت مما في أيديهما لتستكمل النصف فتصح الفريضة من ثمانية عشر سهما للجد ستة أسهم وللأخت من الأب والأم تسعة أسهم وللأخ سهمان وللأخت سهم
المقاسمة ههنا والثلث سواء فإن قاسمت به كان المال بينهم على ستة أسهم يأخذ الجد سهمين ثم يكمل للأخت تمام النصف مما في أيديهما ثلاثة أسهم يبقى لها سهم على ثلاثة لا يصح فتضرب ثلاثة في أصل المسألة تكن ثمانية عشرة كما قال الخرقي وإن زاد ولد الأب على هذا لم يزادوا على السدس شيئا لأن الجد لا ينقص عن الثلث والأخت لا تنقص عن النصف فلا يبقى إلا السدس

مسألة الأكدرية
مسألة الأكدرية : قال : وإذا كان زوج وأم وأخت وجد فللزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس
ثم يقسم سدس الجد ونصف الأخت بينهما على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم قتصح الفريضة من سبعة وعشرين سهما للزوج تسعة أسهم وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة وتسمى هذه المسألة الأكدرية ولا يفرض للجد مع الأخوات في غير هذه المسألة
قيل إنما سميت هذه المسألة الأكدرية لتكديرها لأصول زيد في الجد فإنه أعالها ولا عول عنده في مسائل الجد وفرض للأخت معه ولا يفرض لأخت مع جد وجمع سهامه وسهامها فقسمها بينهما ولا نظير لذلك وقيل سميت الأكدرية لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا اسمه الأكدر فأفتى فيها على مذهب زيد وأخطأ فيها فنسبت إليه واختلف أهل العلم فيها فمذهب أبي بكر الصديق وموافقيه إسقاط الأخت ويجعل للأم الثلث وما بقي للجد
وقال عمر وابن مسعود للزوج النصف وللأخت النصف وللأم السدس وللجد السدس وعالت إلى ثمانية وجعلوا للأم السدس كي لا يفضلوها على الجد وقال علي وزيد للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس وعولاها إلى تسعة ولم يحجبا الأم عن الثلث لأن الله تعالى إنما حجبها بالولد والإخوة وليس ههنا ولد ولا إخوة ثم أن عمر وعليا وابن مسعود أبقوا النصف للأخت والسدس للجد وأما زيد فإنه ضم نصفها إلى سدس الجد فقسمه بينهما لأنها لا تستحق معه إلا بحكم المقاسمة وإنما حمل زيد على إعالة المسألة ههنا لأنه لو لم يفرض للأخت لسقطت وليس في الفريضة من يسقطها وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال : ما قال ذلك زيد وإنما قاس أصحابه على أصوله ولم يبين هو شيئا فإن قيل : : فللأخت مع الجد عصبة والعصبة تسقط باستكمال الفروض قلنا إنما يعصبها الجد وليس بعصبة مع هؤلاء بل يفرض له ولو كان مكان الأخت أخ لسقط لأنه عصبة في نفسه ولو كان مع الأخت أخرى أ و أخ أو أكثر من ذلك لانحجبت الأم إلى السدس وبقي لها السدس فأخذوه ولم تعل المسألة وأصل المسألة في الأكدرية ستة وعالت إلى تسعة وسهام الأخت والجد أربعة بينهما على ثلاثة لا تصح فتضرب ثلاثة في تسعة تكن سبعة وعشرين ثم كل من له شيء في أصل المسألة مضروب في الثلاثة التي ضربتها في المسألة للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم اثنان في ثلاثة ستة ويبقى اثنا عشر بين الجد والأخت على ثلاثة له ثمانية ولها أربعة ويعايل بها فيقال : أربعة ورثوا مال ميت فأخذ أحدهم ثلثه والثاني ثلث ما بقي والثالث ثلث ما بقي والرابع ما بقي ويقال امرأة جاءت قوما فقالت أني حامل فإن ولدت ذكرا فلا شيء له وإن ولدت أنثى فلها تسع المال وثلث تسعه وإن ولدت ولدين فلهما السدس ويقال أيضا إن ولدت ذكرا فلي ثلث المال وإن ولدت أنثى فلي تسعاه وإن ولدت ولدين فلي سدسه

فصل زوجة وأم وأخت وجد
فصل : زوجة وأم وأخت وجد للزوجة الربع وللأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة أصلها من اثني عشر وتصح من ستة وثلاثين فإن كان مكان الأخت أخ فالباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة وعشرين وإن كانتا اختين قاسمهما وصحت من ثمانية وأربعين فإن كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات حجبوا الأم إلى السدس وقسموا الباقي بينهم على خمسة وصحت من ستين فإن زادوا على ذلك استوى ثلث الباقي والمقاسمة فافرض له ثلث الباقي واضرب المسألة في ثلاثة تصير ستة وثلاثين ويبقى له ولهم أحد وعشرون يأخذ ثلثها سبعة والباقي لهم فإن لم تصح عليهم ضربتهم أو وفقهم في ستة وثلاثين فما بلغ فمنه تصح فإن كانوا من الجهتين لم يبق لولد الأب شيء واستأثر به ولد الأبوين دونهم

فصل زوجة وأخت وجد وجدة
فصل : زوجة وأخت وجد وجدة فهي كالتي قبلها في فروعها إلا في أن للجدة السدس مع الأخت الواحدة والأخ الواحد ومتى كانوا أكثر من الواحد كان حكم الجدة والأم واحدا وإن لم يكن معهم جدة فهي من أربعة للزوجة الربع ويبقى ثلاثة للجد سهمان وللأخت سهم فإن كان معها أخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وتصح من ستة عشر وإن كان مكانهما أخ صحت من ثمانية فإن كان أخ وأخت وثلاث أخوات فالباقي بينهم على خمسة وتصح من عشرين وإن زادوا على هذا فأعطه ثلث الباقي بينهما واقسم الباقي على الباقين فإن كانوا من الجهتين فلا شيء لولد الأب لأن الباقي بعد نصيب الجد لا يزيد على النصف وهو أقل فرض لولد الأبوين

مسألة إذا كانت أم وأخت وجد
مسألة : قال : وإذا كانت أم وأخت وجد فللأم الثلث وما بقي فبين الجد والأخت على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم
وهذه المسألة تسمى الخرقاء إنما سميت الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة فيها فكأن الأقوال خرقتها
قيل فيها سبعة أقوال : قول الصديق وموافقيه للأم ثلث والباقي للجد وقول زيد وموافقيه للأم الثلث أصلها من ثلاثة ويبقى سهمان بين الأخت والجد على ثلاثة وتصح من تسعة وقول علي للأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس وعن عمر وعبد الله للأخت النصف وللأم ثلث ما بقي وما بقي فللجد
وعن ابن مسعود للأم السدس والباقي للجد وهي مثل القول الأول في المعنى وعن ابن مسعود أيضا للأخت النصف والباقي بين الجد والأم نصفين فتكون من أربعة وهي إحدى مربعات ابن مسعود وقال عثمان المال بينهم أثلاث لكل واحد منهم ثلث وهي مثلثة عثمان وتسمى المسبعة لأن فيها سبعة أقوال والمسدسة لأن معنى الأقوال يرجع إلى ستة وسألة الحجاج عنها الشعبي فقال اختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر له عثمان وعليا وابن مسعود وزيدا وابن عباس

فصل أم أو جدة وأختان وجد
فصل : أم أو جدة وأختان وجد المقاسمة خير للجد ويبقى خمسة على أربعة فتصح من أربعة وعشرين أم وأخ وأخت أو ثلاث أخوات وجد تصح من ستة أم وأخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات وجد ثلث الباقي والمقاسمة سواء فإن زادوا على ذلك فرض للجد ثلث الباقي وانتقلت المسألة إلى ثمانية عشر للأم ثلاثة وللجد خمسة يبقى عشرة للأخوة والأخوات فتصح المسألة عليهم فإن كان الإخوة والأخوات من الجهيتن فالباقي كله لولد الأبوين إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فلها قدر فرضها والباقي لهم أم وأخت لأبوين وأخ وأخت لأب وجد للأم السدس وللجد ثلث الباقي ينتقل إلى ثمانية عشر فللأم ثلاثة وللجد خمسة للأبوين النصف تسعة يبقى سهم على ثلاثة فتصح من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد لأنه لو قاسم بالجد لانتقلت إلى ستة وثلاثين ثم يبقى سهمان على ثلاثة فتصح من مائة وثمانية ثم ترجع بالاختصار إلى أربعة وخمسين فلذلك سميت المختصرة أم وأخت لأبوين وأخوان وأخت لأب وجد أصلها من ستة ثم تنتقل إلى ثمانية عشر ويفضل لولد الأب سهم على خمسة تضربها في ثمانية عشر تكن تسعين وتسمى تسعينية زيد وفي هذا الفصل كله الجدة كالأم لأن لكل واحدة منهما السدس

مسألة إذا كانت بنت وأخت وجد
مسألة : قال : وإذا كانت بنت وأخت وجد فللبنت النصف وما بقي فبين الجد والأخت على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم
إنما كان كذلك لأن المقاسمة ههنا أحظ للجد وقال علي رضي الله عنه للبنت وللجد السدس والباقي للأخت وعند ابن مسعود الباقي بعد فرض البنت بين الجد والأخت نصفين لأن كل واحد منهما لو انفرد أخذ المال بالتعصيب فإذا اجتمعا اقتسما كما لو كان مكانها أخ فأما علي قبنى على أصله في أن الأخوات لا يقاسمن الجد وإنما يفرض لهن فلم يفرض لها ههنا لأن الأخت مع البنت عصبة وأعطى الجد السدس كما لو انفرد معها وجعل لها الباقي
ولنا أن الجد يقاسم الأخت فيأخذ مثلها إذا كان معها أخ فكذلك إذا انفردت وهذه إحدى مربعات ابن مسعود

فصل بنت وأخ وجد
فصل : بنت وأخ وجد الباقي بعد فرض البنت بينهما نصفين وإن كان معه أخته فالباقي بينهم على خمسة وإن كان أخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات استوى ثلث الباقي والسدس والمقاسمة فإن زادوا فلا حظ له في المقاسمة ويأخذ السدس والباقي لهم فإن كانوا من الجهتين فليس لولد الأب شيء ويأخذ ولد الأبوين جميع الباقي بنت وأختان وجد الباقي بين الجد والأختين على أربعة وتصح من ثمانية فإن كن ثلاث أخوات فالباقي بينهم على خمسة فإن كن أكثر من أربع فله السدس أو ثلث الباقي والباقي لهن

فصل بنتان أو أكثر أو بنت ابن وأخت وجد
فصل : بنتان أو أكثر أو بنت ابن وأخت وجد للبنتين الثلثان والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة وإن كان مكانها أخ فالباقي بينهما على اثنين وتصح من ستة وإن كان مكانه اختان صحت من اثني عشر ويستوي في هاتين المسألتين السدس والمقاسمة فإن زادوا عن أخ أو عن أختين فرضت للجد السدس وكان الباقي لهم فإن كان معهم أم أو جدة فللجد السدس ولا شيء للإخوة والأخوات

فصل زوج وأخت وجد
فصل : زوج وأخت وجد للزوج النصف والباقي بينهما على ثلاثة وعند علي وابن مسعود للأخت النصف وللجد السدس وعالت إلى سبعة وإن كان مع الأخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وعندهما لهما الثلثان وتعول إلى ثمانية وإن كان مكانهما أخ فالباقي بينهما نصفين وإن كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات قاسمهم الجد وإن كان إخوان أو من يعدلهما استوى السدس وثلث الباقي والمقاسمة فإن زادوا فرضت له السدس والباقي لهم وإن كان زوج وبنت وأخت وجد فللزوج الربع وللبنت النصف والباقي بينهما على ثلاثة ويستوي السدس ههنا والمقاسمة فإن زادوا على أخت واحدة فرضت للجد السدس والباقي لهم وإن كان مع الزوج ابنتان أو بنت وبنت ابن أو بنت وأم أو جدة سقطت الإخوة والأخوات وفرضت للجد السدس وعالت المسألة إلى ثلاثة عشر

فصل زوجة وبنت وأخت وجد
فصل : زوجة وبنت وأخت وجد الباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من ثمانية فإن كان مكان الأخت أخ أو أختان فالباقي بينهم وتصح مع الأخ من ستة عشر ومع الأختين من اثنين وثلاثين وإن زادوا فرضت للجد السدس وانتقلت المسألة إلى أربعة وعشرين ثم تصحح على المنكسر عليهم وإن كان مع الزوجة ابنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن وبنت وأم أو جدة فرضت للجد السدس ويبقى للإخوة والأخوات سهم من أربعة وعشرين

باب ذوي الأرحام
وهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب وهم أحد عشر حيزا : ولد البنات وولد الأخوات وبنات الإخوة وولد الإخوة من الأم والعمات من جميع الجهات والعم من الأم والأخوال والخالات وبنات الأعمام والجد أبو الأم وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى من الجد فهؤلاء ومن أدلى بهم يسمون ذوي الأرحام وكان أبو عبد الله يورثهم إذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة ولا أحد من الوراث إلا الزوج والزوجة روي هذا القول عن عمر وعلي وعبد الله وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل و أبي الدرداء رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز و عطاء و طاوس و علقمة و مسروق وأهل الكوفة وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي لبيت المال وبه قال مالك و الأوزاعي و الشافعي رضي الله عنهم و أبو ثور و داود و ابن جرير لأن عطاء بن يسار روى [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ركب إلى قباء يستخير الله تعالى في العمة والخالة فأنزل عليه أن لا ميراث لهما ] رواه سعيد في سنننه لأن العمة وابنة الأخ لا ترثان مع أخويهما فلا ترثان منفردتين كالأجنبيات وذلك لأن انضمام الأخ إليهما يؤكدهما ويقويهما بدليل أن بنات الابن والأخوات من الأب يعصبهن أخوهن فيما بقي بعد ميراث البنات والأخوات من الأبوين ولا يرثن منفردات فإذا لم يرث هاتان مع أخيهما فمع عدمه أولى ولأن المواريث إنما تثبت نصا ولا نص في هؤلاء
ولنا قول الله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } أي أحق بالتوارث في حكم الله تعالى قال أهل العلم كان التوارث في ابتداء الإسلام بالحلف وكان الرجل يقول للرجل دمي دمك ومالي مالك تنصرني وأنصرك وترثني وأرثك فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك فيتوارثان به دون القرابة وذلك قول الله عز و جل : { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } ثم نسخ ذلك وصار التوارث بالإسلام والهجرة فإذا كان له ولد ولم يهاجر ورثه المهاجرون دونه وذلك قوله عز و جل : { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } ثم نسخ ذلك بقول الله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } وروي الإمام أحمد بإسناده عن سهل بن حنيف أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله ولم يترك إلا خالا فكتب فيه أبو عبيدة إلى عمر فكتب إليه عمر أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ الخال وارث من لا وارث له ] قال الترمذي هذا حديث حسن وروى المقداد [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه ] أخرجه أبو داود وفي لفظ : [ مولى من لا مولى له يعقل عنه ويفك عانيه ] فإن قيل المراد به أن من ليس له إلا خال فلا وارث له كما يقال الجوع زاد من لا زاد له والماء طيب من لا طيب له والصبر حيلة من لا حيلة له أو أنه أراد بالخال السلطان قلنا هذا فاسد لوجوه ثلاثة : أحدها : أنه قال يرث ماله وفي لفظ قال يرثه والثاني : أن الصحابة فهموا ذلك فكتب عمر بهذا جوابا لأبي عبيدة حين سأله عن ميراث الخال وهم أحق بالفهم والصواب من غيرهم
الثالث : أنه سماه وارثا والأصل الحقيقة وقولهم أن هذا يستعمل للنفي قلنا والإثبات كقولهم يا عماد من لا عماد له يا سند من لا سند له يا ذخر من لا ذخر له
وقال سعيد : حدثنا أبو شهاب عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال : [ توفي ثابت بن الدحداحة ولم يدع وارثا ولا عصبة فرفع شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدفع رسول الله ماله إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر ] ورواه أبو عبيد في الأموال إلا أنه قال : ولم يخلف إلا ابنة أخ له فقضى النبي صلى الله عليه و سلم بميراثه لابنة أخيه ولأنه ذو قرابة فيرث كذوي الفروض وذلك لأنه ساوى الناس في الإسلام وزاد عليهم بالقرابة فكان أولى بماله منهم ولهذا كان أحق في الحياة بصدقته وصلته وبعد الموت بوصيته فأشبه ذوي الفروض والعصبات المحجوبين إذا لم يكن من يحجبهم وحديثهم مرسل ثم يحتمل أنه لا ميراث لهما مع ذوي الفروض والعصبات ولذلك سمي الخال وارث من لا وارث له أي لا يرث إلا عند عدم الوارث وقولهم لا يرثان مع إخوتهما قلنا لأنهما أقوى منهما وقولهم أن الميراث إنما ثبت نصا قلنا قد ذكرنا نصوصا ثم التعليل واجب مهما أمكن وقد أمكن ههنا فلا يصار إلى التعبد المحض

مسألة يورث ذوو الأرحام فيجعل من لم يسم له فريضة بمنزلة من سمي له
مسألة : قال : ويورث ذوو الأرحام فيجعل من لم يسم له فريضة على منزلة من سميت له ممن هو نحوه فيجعل الخال بمنزلة الأم والعمة بمنزلة الأب وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه جعلها بمنزلة العم وبنت الأخ بمنزلة الأخ وكل ذي رحم لم يسم له فريضة فهو على هذا النحو
مذهب أبي عبد الله في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل واحد منهم منزلة من يمت به من الورثة فيجعل له نصيبه فإن بعدوا نزلوا درجة إلى أن يصلوا من يمتون به فيأخذون ميراثه فإن كان واحدا أخذ المال كله وإن كانوا جماعة قسمت المال بين من يمتون به فما حصل لكل وارث جعل لمن يمت به فإن بقي من سهام المسألة شيء رد عليهم على قدر سهامهم وهذا قول علقمة و مسروق و الشعبي و النخعي و حماد بن نعيم و شريك و ابن أبي ليلى و الثوري وسائر من ورثهم غير أهل القرابة
وقد روي عن علي وعبد الله رضي الله عنهما أنهما نزلا بنت البنت منزلة البنت وبنت الأخ منزلة الأخ وبنت الأخت منزلة الأخت والعمة منزلة الأب والخالة منزلة الأم وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه في العمة والخالة وعن علي أيضا أنه نزل العمة بمنزلة العم وروي ذلك عن علقمة و مسروق وهي الرواية الثانية عن أحمد رضي الله عنه وعن الثوري و ابي عبيد أنهما نزلاهما منزلة الجد مع ولد الأخوة والأخوات ونزلها آخرون منزلة الجدة وإنما صار هذا الخلاف في العمة لأنها أدلت بأربعة جهات وارثات فالأب والعم أخواها والجد والجدة أبواها ونزل قوم الخالة جدة لأن الجدة أمها والصحيح من ذلك تنزيل العمة أبا والخالة أما لوجوه ثلاثة أحدها : ما روى الزهري [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم ] رواه الإمام أحمد الثاني : أنه قول عمر وعلي وعبد الله في الصحيح عنهم ولا مخالف لهم في الصحابة الثالث : أن الأب أقوى جهات العمة والأم أقوى جهات الخالة فتعين تنزيلهما بهما دون غيرهما كبنت الأخ وبنت العم فإنهما ينزلان منزلة أبويهما دون أخويهما ولأنه إذا اجتمع لهما قرابات ولم يمكن توريثهما بجميعهما ورثتا بأقواهما كالمجوس عند من لم يورثهم بجميع قراباتهم وكالأخ من الأبوين فإنا نورثه بالتعصيب وهي جهة أبيه دون قرابة أمه فأما أبو حنيفة وأصحابة فإنهم ورثوهم على ترتيب العصبات فجعلوا أولادهم من كان من ولد الميت وإن سفلوا ثم ولد أبويه أو أحدهما وإن سفلوا ثم ولد أبوي أبويه وإن سفلوا كذلك أبدا لا يرث بنو أب أعلى وهناك بنوا أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم وعن أبي حنيفة أنه جعل أبا الأم وإن علا أولى من ولد البنات ويسمى مذهبهم مذهب أهل القرابة
ولنا أنهم فرع في الميراث على غيرهم فوجب الحاقهم بمن هم فرع له وقد ثبت أن ولد الميت من الإناث لا يسقط ولد أبيه فأولى أن لا يسقطهم ولده
مسائل : من ذلك بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما على أربعة فإن كان معهما بنت أخ فالباقي لها وتصح من ستة فإن كان معهما خالة فلبنت البنت النصف ولبنت بنت الابن السدس تكملة الثلثين وللخالة السدس والباقي لبنت الأخ فإن كان مكان الخالة عمة حجبت بنت الأخ وأخذت الباقي لأن العمة كالأب فتسقط من هو بمنزلة الأخ ومن نزلها عما جعل الباقي لبنت الأخ واسقط العمة ومن نزلها جدا قاسم بنت الأخ الثلث الباقي بينهما نصفين ومن نزلها جدة جعل لها السدس ولبنت الأخ الباقي وفي قول أهل القرابة أنه لا ترث بنت الأخ مع بنت البنت ولا مع بنت بنت الابن شيئا

فصل إذا انفرد أحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله
فصل : إذا انفرد أحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله في قول جميع من ورثهم وإن كانوا جماعة لم يخل إما أن يدلوا بشخص واحد أو بجماعة فإن أدلوا بشخص واحد وكانوا في درجة واحدة فالمال بينهم على حسب مواريثهم منه فإن أسقط بعضهم بعضا كأب الأم والأخوال فأسقط الأخوال لأن الأب يسقط الأخوة والأخوات فإن كان بعضهم أقرب من بعض فالميراث لأقربهم كخالة وأم أبي أم أو ابن خال فالميراث للخالة لأنها تلقى الأم بأول درجة وهذا قول عامة المنزلين إلا أنه حكي عن النخعي و شريك و يحيى بن آدم في قرابة الأم خاصة أنهم أماتوا الأم وجعلوا نصيبها لورثتها ويسمى قولهم قول من أمات السبب واستعمله بعض الفرضيين في جميع ذوي الأرحام فعلى قولهم يكون للخالة نصف ميراث الأم لأنها أخت ولأم أبي الأم السدس لأنها جدة والباقي لابن الخال لأنه ابن أخ
ولنا أن الميراث من الميت لا من سببه ولذلك ورثنا أم أم الأم دون ابن عم الأم بغير خلاف أيضا في أبي أم أم وابن عم أبي أم أن المال للجد لأنه أقرب ولو كانت الأم الميتة كان وارثها ابن عم أبيها دون أبي أمها خالة وأم أبي أم وعم أم المال للخالة وعندهم للخالة النصف وللجدة السدس والباقي للعم فإن لم يكن فيها عم أم فالمال بين الخالة وأم أبي الأم على أربعة فإن لم يكن فيها جدة فالمال بين الخالة وعمها نصفين ابن خالة وابن عم أم المال لابن الخالة وعندهم لابن عم الأم فأما إن أدلى جماعة بجماعة جعلت المال للمدلى بهم كأنهم أحياء فقسمت المال بينهم على ما توجبه الفريضة فما صار لكل واحد منهم فهو لمن أدلى به إذا لم يسبق بعضهم بعضا فإن سبق بعضهم بعضا وكانوا من جهة واحدة فالسابق إلى الوارث أولى وإن كانوا من وجهتين نزل البعيد حتى يلحق بمن أدلى به فيأخذ نصيبه سواء سقط به القريب أو لم يسقط هذا ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه نقل عنه جماعة من أصحابه في خالة وبنت خالة وبنت ابن عم : للخالة الثلث ولابنة ابن العم الثلثان ولا تعطى بنت الخالة شيئا ونقل حنبل عنه أنه قال : قال سفيان قولا حسنا إذا كانت خالة وبنت ابن العم تعطى الخالة الثلث وتعطى بنت ابن العم الثلثين وظاهر هذا يدل على ماقلناه وهو قول الثوري و محمد بن سالم و الحسن بن صالح وقال ضرار بن صرد إن كان البعيد إذا نزل أسقط القريب فالقريب أولى وإن لم يكن يسقطه نزل البعيد حتى يلحق بالوارث وقال سائر المنزلين : الأسبق إلى الوارث اولى بكل حال ولم يختلفوا فيما علمت في تقديم الأسبق إذا كان من جهة واحدة إلا نعيما و محمد بن سالم فإنهما قالا في عمة وبنت عمة : المال بينهما نصفين ولم أعلم أحدا من أصحابنا ولا من غيرهم عد الجهات وبينها إلا أبا الخطاب فإنه عدها خمس جهات : الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة وهذا يفضي إلى أن ابنة العم من الأم أو بنت العمة من الأم مسقطة لبنت العم من الأبوين ولا أعلم أحدا قال به
وقد ذكر الخرقي هذا في ثلاث بنات عمومة مفترقين إن المال لبنت العم من الأبوين وبيان افضائه إلى ذلك أن بنت العم من الأم أبوها يدلي بالأب وبنت العم من الأبوين تدلي بأبيها والأب يسقط العم وكذلك بنت العمة من جهة الأب وبنت العم من جهة العم فالصواب إذا أن تكون الجهات أربعا : الأبوة والبنوة والأخوة والأمومة
مسائل في هذا الباب : بنت بنت بنت وبنت بنت بنت بنت وبنت أخ : المال بين الأولى والثالثة وسقطت الثانية إلا عند محمد بن سالم و نعيم فإنها تشاركها ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ لأنها أسبق وقول أهل القرابة هو للأولى وحدها لأنها من ولد الميت وهي أقرب من الثانية ابن خال وبنت عم : ثلث وثلثان ومن ورث الاسبق جعله لبنت العم وإن كان معها بنت عمة فلا شيء لها لأن بنت العم أسبق إلى الوارث منهما وهما من جهة واحدة وإن كان معهم عمة سقطت بنت العم لأن العمة بمنزلة الأب وبنت العم بمنزلة العم بنت بنت بنت وبنت بنت ابن : المال لبنت بنت الابن عند الجميع إلا عند ابن سالم و نعيم بنت بنت بنت وابن أخ من أم : المال للأولى ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخ وهو قول ضرار لأن البعيد إذا نزل اسقط القريب بنت بنت وبنت بنت ابن : المال بينهما على أربعة جميع المنزلين وعند أهل القرابة هو لبنت البنت لأنها أقرب ابن بنت بنت وبنت أخ : هو بينهما ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ وعند أهل القرابة هو لابن بنت البنت ابن بنت وابن ابن ابن أخت لأبوين : المال بينهما وعند من ورث الأقرب وأهل القرابة هو للأول بنت أخ وبنت عم أو بنت عمة : المال لبنت الأخ وقياس قول أحمد رضي الله عنه في توريث البعيد من القريب : إن كان من جهتين أن يكون لبنت العم والعمة لأنهما من جهة الأب وذلك قول ضرار أيضا ابن أخت وابن عم الأم : المال بينهما ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخت وهو قول أهل القرابة أيضا لأنها من ولد أبوي الميت وابن العم للأم من ولد أبوي أبويه بنت عم وبنت عم أب : هو للأولى عند الجميع إلا عند ابن سالم و نعيم بنت بنت بنت وأم أب أم : المال بينهما على أربعة بنت بنتب بنت وأبو أم أب : مثلها عندنا وعند من ورث الأقرب جعله للثاني بنت بنت بنبت ابن وعمة أو خالة : للأولى النصف في الأولى ومع الخالة لها ثلاثة أرباع المال وعند من ورث الأقرب الكل للعمة وللخالة ويحتمل أن تكون الجهات ثلاثا : الأبوة والبنوة والأمومة لأن جعل الأمومة جهة خامسة يفضي إلى إسقاط بنت العم ببنت العمة كما ذكرنا وإن جعلنا الإخوة جهة رابعة مع نفي جهة العمومة أفضى إلى إسقاط ولد الإخوة والأخوات ببنات الأعمام والعمات وإذا جعلنا جميعهم جهة واحدة وورثنا أسبقهم إلى الوراث كان أولى والله أعلم

مسألة وثلاثة فصول
مسألة : قال : وإذا كان وارث غير الزوج والزوجة أو مولى نعمة فهو أحق بالمال من ذوي الأرحام
في هذه المسألة فصول ثلاثة :
الفصل الأول : أن الرد يقدم على ميراث ذوي الأرحام فمتى خلف الميت عصبة أو ذا فرض من أقاربه أخذ المال كله ولا شيء لذوي الأرحام وهذا قول عامة من ورث ذوي الأرحام وقال الخبري : لم يختلفوا أن الرد أولى منهم إلا ما روي عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنهما ورثا الخال مع البنت فيحتمل أنهما ورثاه لكونه عصبة أو مولى لئلا يخالف الإجماع وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الخال وارث من لا وارث له ] ومن مسائل هذا الفصل : أبو أم وجدة : المال للجدة بنت ابن وبنت بنت ابن ابن ابن وابن أخت عم وعمه : ثلاثة بني إخوة مفترقين لا شيء لذي الرحم في جميع ذلك
الفصل الثاني : أن المولى المعتق وعصباته أحق من ذوي الأرحام وهو قول عامة من ورثهم من الصحابة وغيرهم وقول من لا يرى توريثهم أيضا وروي عن ابن مسعود تقديمهم على المولى وبه قال ابنه أبو عبيدة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعلقمة والأسود وعبيدة ومسروق وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والقاسم بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز وميمون ومهران والأول أصح لقوله عليه السلام : [ الخال وارث من لا وارث له ] والمولى وارث لأن المولى يعقل وينصر فاشبه العصبة من النسب
الفصل الثالث : في توريثهم مع الزوج والزوجة لا أعلم خلافا بين من ورثهم أنهم يرثون مع أحد الزوجين ما فضل عن ميراثه من غير حجب له ولا معاولة واختلف في كيفية توريثهم معه فروي عن أمامنا أنهم يرثون ما فضل كما يرثون المال إذا انفردوا وهذا قول أبي عبيد ومحمد بن الحسن واللؤلؤي وعامة من ورثهم وقال يحيى بن آدم وضرار يقسم المال الباقي بينهم على قدر سهام من يدلون به مع أحد الزوجين على الحجب والعول ثم نفرض للزوج فرضه كاملا من غير حجب ولا عول ثم يقسم الباقي بينهم على قدر سهامهم فإنما يقع الخلاف في مسألة فيها من يدلي بذي فرض ومن يدلي بعصبة فأما إن أدلى جميعهم بذي فرض أو عصبة فلا خلاف فيه ومن مسائل ذلك : زوج وبنت بنت وبنت أخت أو ابن أخت أو أولاد أخت أو بنت أخ أو بنات أخ : فللزوج النصف والباقي بين بنت البنت ومن معها نصفين وقال يحيى وضرار المسألة من أربعة للزوج الربع وللبنت النصف سهمان يبقى سهم لمن ثم يفرض للزوج النصف والنصف الآخر بينهم على ثلاثة لبنت البنت سهمان ولمن معها سهم فإن كان مكان الزوج زوجة فرضت المسألة من ثمانية للمرأة سهم وللبنت أربعة ويبقى ثلاثة لمن بقي ثم يفرض للمرأة الربع ويقسم الباقي بينهم على سبعة تضربها في أربعة تكن ثمانية وعشرين ومنها تصح للمرأة الربع سبعة ولبنت البنت أربعة أسباع الباقي اثنا عشر ويبقى تسعة لمن معها زوج وبنت بنت وخالة وبنت عم : للزوج النصف والباقي بين ذوي الأرحام على ستة لبنت البنت ثلاثة وللخالة سهم ويبقى لبنت العم سهمان وتصح من اثني عشر سهما وفي قول يحيى وضرار تفرض المسألة من اثني عشر للزوج ثلاثة وللبنت ستة وللأم سهمان ويبقى للعم سهم ثم يعطى الزوج النصف وتجمع سهام الباقين وهي تسعة فيقسم النصف الباقي على تسعة فلا تصح فتضربها في اثنين تكن ثمانية عشر وإن كان مكان الزوج امرأة فعلى قول الجمهور للمرأة الربع والباقي بين ذوي الأرحام على ستة وهي توافق باقي مسألة الزوجة بالإثلاث فردها إلى اثنين وتضربها في أربعة تكن ثمانية عشر للمرأة سهمان ولبنت البنت نصف الباقي ثلاثة وللخالة سهم ولبنت العم سهمان وعلى قول يحيى تفرضها من أربعة وعشرين لذوي الأرحام منها أحد وعشرون ثم تفرض للمرأة الربع من أربعة لها سهم ولهم ثلاثة توافق سهامهم بالثلث فتضرب ثلثها في أربعة تكن ثمانية وعشرين ومنها تصح : امرأة وثلاث بنات ثلاثة أخوة متفرقين امرأة وبنت بنت وثلاث أخوة مفترقين امرأة وبنت بنت وثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات

فصل لا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة
فصل : ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها وهي خالة أو غيرها ممن يقوم مقام الأم أو الجدة وست بنات ست أخوات مفترقات أو من يقوم مقامهن ممن يأخذ المال بالفروض فإن للخالة السدس ولولد الأم الثلث ولبنات الأختين من الأبوين الثلثان أصلها من ستة وعالت إلى سبعة

مسألة يورث الذكور والإناث من ذوي الأرحام بالسوية
مسألة : قال : ويورث الذكور والإناث من ذوي الأرحام بالسوية إذا كان أبوهم واحدا وأمهم واحدة إلا الخال والخالة فللخال الثلثين وللخالة الثلث
اختلفت الرواية عن أحمد في توريث الذكور والإناث من ذوي الأرحام إذا كانوا من أب واحد وأم واحدة فنقل الأثرم و حنبل و إبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية فظاهر هذا التسوية في جميع ذوي الأرحام وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي عبيد و إسحاق و نعيم بن حماد لأنهم يرثون بالرحم المجرد فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم ونقل يعقوب بن بختان : إذا ترك ولد خاله وخالته اجعله بمنزلة الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك ولد العم والعمة ونقل عنه المروذي فيمن ترك خاله وخالته : للخال الثلثان وللخالة الثلث فظاهر هذا التفضيل وهو قول أهل العراق وعامة المنزلين لأن ميراثهم معتبر بغيرهم فلا يجوز حملهم على ذوي الفروض لأنهم يأخذون المال كله ولا على عصبة البعيد لأن ذكرهم ينفرد بالميراث دون الإناث فوجب اعتبارهم بالقرب من العصبات والإخوة والأخوات ويجاب عن هذا بأنهم بولد الأم وإنما يأخذون كل المال بالفرض والرد واتفق الجميع على التسوية بين ولد الأم لأن أباهم يسوي ذكرهم وأنثاهم إلا في قياس من أمات السبب فإن الذكر مثل حظ الأنثيين والذي نقل الخرقي التسوية بين الجميع إلا في الخال والخالة ولم أعلم له موافقا على هذا القول ولا علمت وجهه وأما قوله إذا كان أبوهم واحدا وأمهم واحدة فلأن الخلاف إنما هو في ذكر وأنثى أبوهما وأمهما واحد فأما إذا اختلف آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المفترقين والعمات المفترقات أو إذا أدلى كل واحد منهم بغير من أدلى به الآخر كابن بنت وبنت بنت أخرى فلذلك موضع آخر يذكر فيه غير هذا إن شاء الله تعالى
ومن مسائل ذلك : ابن أخت معه أخته أو ابن بنت معه أخته : المال بينهما نصفين عند من سوى وعند أهل القرابة وسائر المنزلين المال بينهما على ثلاثة ابنان وابنتان أخت لأبوين وثلاثة بنين وثلاث بنات أخت لأب وأربعة بني ولد وأربع بنات أخت لأم : اصل المسألة من خمسة للأخت من الأبوين ثلاثة بين ولدها على أربعة وللأخت من الأب سهم بين ولدها على ستة وللأخت من الأم سهم بيم ولدها على ثمانية والأربعة داخلة فيها والستة توافقها بالنصف فتضرب نصفها في ثمانية تكن أربعة وعشرين ثم في خمسة تكن ثمانية وعشرين ومن فضل أبقى ولد الأم بحالهم وجعل ولد الأخت من الأبوين ستة توافقهم سهامهم بالثلث فيرجعون إلى اثنين فيدخلان في الثمانية وولد الأخت من الأب تسعة تضربها في ثمانية تكن اثنين وسبعين ثم في خمسة تكن ثلثمائة وستين وإن كانوا أولاد عمات أو خالات مفترقات فكذلك وإن كانوا أولاد بنات أو أولاد أخوات من أبوين أو من أب فهي من اثنين وسبعين عند من سوى ومن مائة وثمانية عند من فضل وقول أهل العراق هي من سبعة وعشرين كأولاد البنين

فصل إذا كان أولاد أو أخوات قسمت المال بين أمهاتهم على عددهن
فصل : وإن كان معك أولاد بنات أو أخوات قسمت المال بين أمهاتهم على عددهن فما أصاب كل واحدة منهن فهو لولدها بالسوية عند من سوى وعند من فضل جعله بينهم على حسب ميراثهم واختلف أصحاب أبي حنيفة فذهب أبو يوسف إلى قسم المال بينهم على عددهم دون مراعاة أمهاتهم إذا استووا وممن يدلون به من الآباء والأمهات إلى بنات الميت للذكر مثل حظ الأنثيين كأولاد البنين وجعل محمد بن الحسن من أدلى بابن ابنا وإن كان أنثى ومن أدلى بالأنثى أنثى وإن كان ذكرا وجعل المدلى بهم بعدد المدلين ثم قسم بينهم على عددهم فما أصاب ولد الابن قسمه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وما أصاب ولد الأنثى قسمه بينهم كذلك
مسائل : من ذلك : بنت ابن بنت وابن بنت بنت قول من سوى المال بينهما نصفين وقول من فضل ان كانا من ولد بنين فكذلك وإن كانا من ولد بنت واحدة فالمال بين ابنها وبنتها لابنها ثلثاه ولبنتها ثلثه فما أصاب ابنها فهو لبنته وما أصاب بنتها فهو لابنها فيصير للبنت سهمان وللابن سهم وقول محمد كذلك وقول أبي يوسف للابن سهمان وللبنت سهم كابن الميت وبنته ابنا وبنت بنت وابن ابن بنت : قول من سوى لابن ابن البنت النصف والباقي بين الباقين على ثلاثة سواء كانوا من ولد بنت أو من ولد بنين وقول المفضلين إن كانوا من ولد بنين فلابن ابن البنت النصف والنصف الآخر بين الباقين على خمسة وإن كانوا من ولد بنت فلابن ابن البنت الثلثان والثلث الباقي للباقين على خمسة لأن المال كان للبنت الأولى فقسم بين ابنها وبنتها أثلاثا : للابن سهمان فهما لابنه وللبنت سهمان فهو لولدها قول محمد يقسم بينهم على خمسة لابن الابن سهمان لأنه يدلي بابن وللباقين ثلاثة لأنهم يدلون بأنثى قول أبي يوسف يقسم بينهم على سبعة لكل ابن سهمان وللبنت سهم ابنا بنت بنت وبنتا ابن بنت : قول من سوى المال بينهم على أربعة بكل حال قول المفضلين إن كانوا من ولد بنين فكذلك وإن كانوا من ولد واحدة فلابنها الثلثان بين ابنتيه ولابنتها الثلث بين ابنيها قول أبي يوسف المال بينهم على ستة لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم قول محمد لكل ذكر سهم ولكل أنثى سهمان ابنا وابنتا ابن أخت وثلاثة بنين وثلاث بنات بنت أخت : قول من سوى النصف بين الأولين على أربعة والنصف الباقي بين الآخرين على ستة وتصح من أربعة وعشرين قول من فضل إن كانوا من ولد واحدة فللأولين الثلثان بينهم على ستة وثلاثين قول أبي يوسف للذكر مثل حظ الأنثيين وتصح من خمسة عشر وقول محمد ولد ابن الأخت بمنزلة أربع ذكور وولد بنت الأخت كست إناث فيقسم المال بينهم على أربعة عشر ولولد أخ لأخت منها ثمانية أسهم بينهم على ستة وللآخرين ستة بينهم على سبعة وتصح من اثنين وأربعين وترجع بالاختصار إلى أحد وعشرين ابنتا أخ وابن أخ وأبنة أخت : لبنتي الأخ الثلثان في قول المنزلين جميعهم وقول محمد الثلث لولدي الأخت بينهما بالسوية عند من سوى من فضل جعله بينهما أثلاثا وهذا قول محمد وقال أبو يوسف لابن الأخت سهمان ولكل واحد من الباقين سهم وتصح من خمسة

فصل حكم ما إذا كانت بنت بنت وبنت وبنت ابن
فصل : بنت بنت وبنت بنت ابن هي من أربعة عند المنزلين جميعهم وعند أهل القرابة هو لبنت البنت لأنها أقرب فإن كان معهما بنتا بنت ابن أخرى فكأنهم بنت وبنتا ابن فمسألتهم من ثمانية وتصح من ستة عشر ابن بنت ابن وبنت ابن بنت : المال للابن لأنه أقرب إلى الوارث وهذا قول عامة من ورثهم إلا ما حكي عن ابن سالم في أنه ينزل البعيد حتى يلحق بوارثه فيكون المال بينهما على أربعة للبنت ثلاثة وللابن سهم كبنت وبنت ابن بنت بنت ابن وبنت بنت ابن ابن وابنتا بنت ابن آخر للأولى ثلاثة أرباع المال والربع الباقي بين الباقيات على أربعة فتضرها في أصل المسألة تكن من ستة عشر ابن وبنت بنت وثلاثة بنات بنت وابنا بنت ابن لا شيء لهذين في قول الجميع لأن أمهما تسقط باستكمال البنات الثلثين ويكون النصف بين الابن وأخته على اثنين والنصف الآخر على ثلاث وتصح من اثني عشر عند من سوى ومن فضل جعلها بينهم على ستة وهو قول أهل القرابة أيضا بنت بنت بنت وبنت ابن بنت أخرى وبنت بنت ابن ابن المال لهذه إلا في قول أهل القرابة فإنه للأوليين وقول من أمات السبب وورث البعيد مع القريب المال بين بنت ابن بنت وبنت بنت ابن ابن على أربعة وتسقط الأخرى لأن هذه وارثة البنت في أول درجة بنت بنت وبنت بنت بنت أخرى وبنت بنت ابن : المال بين الأولى والأخيرة على المنزلين وقال أهل القرابة هو للأولى قول ابن سالم هو للأوليين وتسقط الثالثة

مسألة حكم ما إذا كان ابن أخت وبنت أخت أخرى
مسألة : قال : وإذا كان ابن أخت وبنت أخت أخرى أعطي ابن الأخت حق أمه النصف وبنت الأخت الأخرى حق أمها النصف وإن كان ابن وبنت أخت وبنت أخت اخرى فللإبن وبنت الأخت النصف بينهما نصفين ولبنت الأخت الأخرى النصف
أما المسألة الأولى فلا خلاف فيها بين المنزلين لأن كل واحد منهما له ميراث من أدلى به وهو قول محمد بن الحسن أيضا وقال أبو يوسف يعتبرون بأنفسهم فيكون لابن الأخت الثلثان ولبنت الأخت الثلث وأما المسألة الثانية فلا خلاف بين المنزلين في أن لولد كل أخت ميراثها وهو النصف ومن سوى جعل النصف بين ابن الأخت وأخته نصفين والنصف الآخر لبنت الأخت الأخرى فتصح من أربعة ومن فضل جعل النصف بينهما على ثلاثة وتصح من ستة وقال أبو يوسف للابن النصف ولكل بنت الربع وتصح من أربعة وقال محمد لولد الأخت الأولى الثلثان بينهما على ثلاثة وللأخرى الثلث
وتصح من تسعة وإذا انفرد ولد كل أخ أو أخت فالعمل فيه على ما ذكرنا في أولاد البنات ومتى كان الأخوات أو الإخوة من ولد الأم فاتفق الجميع على التسوية بين ذكرهم وأنثاهم إلا الثوري ومن أمات السبب ثلاث بنات أخ وثلاث بني أخت إن كانا من أم فالمال بينهم على عددهم وإن كانا من أب أو من أبوين فلبنات الأخ الثلثان ولبني الأخت الثلث وتصح من تسعة عند المنزلين وعند محمد مثله وفي قول أبي يوسف يجعل لبني الأخت الثلثين ولبنات الأخ الثلث ابن وبنت أخت لأبوين وابن أخت لأم : هي من أربعة عند من فضل وعند من سوى تصح من ثمانية قول محمد كأنهما اختان من أبوين وأخت من أم فتصح من خمسة عشر فإن كان ولد الأم أيضا ابنا وابنة صحت عند جميعهم من ثمانية إلا الثوري فإنه يجعل للذكر من ولد الأم مثل حظ الأنثيين فتصح عنده من اثني عشر وعند محمد هي من ثمانية عشر ابنا أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا أخت أخرى لأب : في قول عامتهم من ثمانية وتصح من اثنين وثلاثين عند ما سوى وعند من فضل من ثمانية وأربعين وقول محمد يسقط ولد الأب ويتفق قوله مع قول أبي يوسف في أن المال لولد الأخت من الأبوين ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأم وابنا وابنتا أخت أخرى لأم : قول المنزلين من عشربن الثوري من ثلاثين محمد من ستين

مسألة حكم ما إذا كان ثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات
مسألة : قال : فإن كن ثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات فلبنت الأخت من الأب والأم ثلاثة أخماس المال ولبنت الأخت من الأب الخمس ولبنت الأخت من الأم الخمس
جعلهن مكان أمهاتهن وكذلك إن كن ثلاث عمات مفترقات مذهب أحمد وسائر المنزلين في ولد الأخوات : أن المال يقسم بين الأخوات على قدر سهامهن فما أصاب كل أخت فهو لولدها والمال في مسألتنا بين الأخوات على خمسة فيكون بين أولادهن كذلك وكذلك إن كن ثلاث عمات مفترقات لأنهن أخوات الأب فميراثه بينهن كميراث الأخوات المفترقات من أخيهن وكذلك الحكم في ثلاث خالات مفترقات لأنهن أخوات الأم فميراثها بينهن كذلك وقدم أهل القرابة من كان لأب وأم من جميعهم ثم من كان لأب ثم من كان لأم إلا محمد بن الحسن فإنه يقسم ميراث أولاد الأخوات على أعدادهم وأقامهم مقام أمهاتهم كأنهم أخوات
ومن مسائل ذلك : ستة بنات ثلاث أخوات مفترقات المال بين الأخوات على خمسة فما أصاب كل واحدة فهو لبنتيها وتصح من عشرة قول أبي يوسف المال كله لولد الأبوين قول محمد لهما الثلثان ولولد الأم الثلث وتصح من ستة ست بنات ست أخوات مفترقات لبنتي الأختين من الأبوين الثلثان ولولد الأم الثلث وتصح من ستة وهذا قول محمد ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا وابنتا أخت أخرى لأب وثلاثة بنين وثلاث بنات أخت لأم هي من مائة وعشرين عند من سوى ومن ستين عند من فضل ومن أربعة وخمسين عند محمد فإن كان معهم أربعة بنين وأربع بنات أخرى لأم وأربع عشرة أختا لأم وسهم ولد الأب بينهم على تسعة فتصح من ثلاثمائة وثمانية وسبعين فإن كان ولد الأخت للأبوين ابنا وبنتا صحت كذلك عند المنزلين وعند محمد كأنهما أختان لأبوين فيسقط ولد الأب وتصح من مائة وستة وعشرين والقول في العمات المفترقات والخالات المفترقات وأولادهن كالقول في ولد الأخوات المفترقات

مسألة حكم ما إذا كان ثلاث بنات ثلاثة إخوة متفرقين
مسألة : قال : إذا كن ثلاث بنات ثلاثة إخوة متفرقين فلبنت الأخ من الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأب والأم
هذا قول جميع المنزلين لأن الإخوة المفترقين يسقط ولد الأب منهم بولد الأبوين وللأخ للأم السدس والباقي كله للأخ للأبوين ثم ما صار لكل أخ فهو لولده وكذلك الحكم في الأخوال المتفرقين وأولادهم لأن الأخوال إخوة الأم مسائل من ذلك : ست بنات ستة إخوة متفرقين لولد الأم الثلث والباقي لولد الأبوين ست بنات ثلاثة إخوة مفترقين لولد الأم السدس والباقي لولد الأبوين قول محمد لولد الأم الثلث بنت أخ لأبوين وابن أخ لأم وبنت أخ آخر لأم ابن وبنت بنت أخ لأب وابنا وابنتا ابن أخ لأم وثلاثة بنين وثلاث بنت أخت لأم تصح من اثنين وسبعين عند المنزلين فإن كان مكان الأخ من الأب أخت كانت من ستين فإن كان معهم ابن بنت أخت من أبوين عادت إلى اثنين وسبعين

فصل حكم ما إذا كان بنت أخ لأم وبنت ابن أخ لأب
فصل : بنت أخ لأم وبنت ابن أخ لأب للأولى السدس والباقي للثانية عند المنزلين وفي القرابة هو للأولى لأنها أقرب إلى الميت بنت بنت أخ لأبوين وبنت ابن أخ لأبوين المال لهذه في قولهم جميعا بنت ابن أخ لأم وبنت بنت أخ لأبوين وابن بنت أخ لأب للأولى السدس والباقي للثانية وقال أبو يوسف الكل للثانية بنت أخ لأم وبنت بنت أخ لأب المال للأولى إلا في قول الثوري و ابن سالم و ضرار للأولى السدس والباقي للثانية لأنهم يورثون البعيد مع القريب وإن كانا من جهة واحدة

فصل حكم ابن وبنت أخت لأبوين وبنتا أخ لأب
فصل : ابن وبنت أخت لأبوين وبنتا أخ لأب وثلاثة بني أخت لأب وخمسة بني أخت لأم وعشر بنات أخ لأم أصلها من ثمانية عشر وتصح من خمسمائة وأربعين في قول المنزلين النصف من ذلك بين ولدي الأخت للأبوين بالسوية عند من سوى وأثلاثا عند من فضل ولولد الأم الثلث وهو مائة وثمانون ولولد الأخ تسعون ولولد الأخت تسعون ولولد الأب تسعون ولولد الأخ ستون ولولد الأخت ثلاثون ثلاث بنات إخوة مفترقين وثلاث بنات أخوات مفترقات لولدي الأم الثلث بينهما بالسوية وبالباقي لولدي الابن لبنت الأخ ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه وإن كان معهم ثلاثة بني أخوال مفترقين فلهم السدس لابن الخال من الأم سدسه وباقيه لابن الخال من الأبوين ويبقى النصف لبنت الأخ من الأبوين ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه وتصح من ستة وثلاثين والحكم في ثلاثة أخوال مفترقين في قسمة ميراث الأم بينهم كالحكم في ثلاثة إخوة مفترقين في قسم ميراثهم بينهم وكذلك ثلاثة أخوال مفترقين مع ثلاث خالات مفترقات كثلاث بنات إخوة مفترقين مع ثلاث بنات أخوات مفترقات على ما ذكرنا

مسألة إذا كان ثلاث بنات عمومة مفترقين
مسألة : قال : وإذا كان ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأب والأم لأنهن أقمن مقام آبائهن
أكثر أهل التنزيل على هذا وهو قول أهل القرابة قال الثوري : المال بين بنت العم من الأبوين وبنت العم من الأم على أربعة وقال أبو عبيد لبنت العم من الأم السدس والباقي لبنت العم من الأبوين كبنات الإخو ولا يصح شيء من هذا لأنهن بمنزلة آبائهن ولو كان آباؤهن أحياء لكان المال للعم من الأبوين وفارق بنات الإخوة لأن آباءهن يكون المال بينهم على ستة ويرث الأخ من الأم مع الأخ من الأبوين بخلاف العمومة وقيل على قياس قول محمد بن سالم المال لبنت العم من الأم لأنها بعد درجتين بمنزلة الأب فيسقط به العم قال الخبري وليس بشيء وقد ذكر أبو الخطاب في كتاب الهداية قولا من رأيه يفضي إلى هذا فإنه ذكر أن الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى وأن البعيد والقريب من ذوي الأرحام إذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لم يسقط فيلزم على هذا أن تنزل بنت العم من الأم حتى تلحق بالأب فيسقط بها بنتا العمين الآخرين وأظن أبا الخطاب لو علم افضاء هذا القول إلى هذا لم يقله ولم يذهب إليه لما فيه من مخالفة الإجماع ومقتضى الدليل وإسقاط القوي بالضعيف والقريب بالبعيد ولا يختلف المذهب في أن الحكم في هذه المسألة على ما قال الخرقي
ومن مسائل ذلك : بنت عم لأبوين وبنت عم لأب المال للأولى بنت عم لأب وبنت عم لأم كذلك بنت عم لأب وبنت ابن عم لأبوين كذلك بنت ابن عم لأب وبنت عم لأم المال للأولى عند المنزلين وهو للثانية عند أهل القرابة لأنه أقرب بنت عم لأم وبنت بنت عم لأبوين المال للأولى في قولهم جميعا بنت عم وابن عمة المال لبنت العم عند الجمهور وحكي عن الثوري أن لبنت العم سهمين ولابن العمة سهم بنت بنت عم وبنت ابن عم المال لهذه عند الجمهور وقول اب سالم هو للأولى بنت عمة من أبوين وبنت عم من أم لبنت العم السدس ولبنت العمة النصف ثم يرد عليهما الباقي فيكون بينهما على أربعة ثلاث بنات عمات مفترقات وبنت عم من أم المال بينهن على ستة فإن كان معهن بنت عم من أبوين أو أب ورثت المال دونهن

مسألة إن كن ثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات
مسألة : قال : فإن كن ثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين الثلاث خالات على خمسة أسهم والثلثان بين الثلاث عمات على خمسة أسهم
فتصح من خمسة عشر سهما : للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم وللخالة التي من قبل الأب سهم وللخالة التي من قبل الأم سهم وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم وللعمة التي من قبل الأب سهمان وللعمة التي من قبل الأم سهمان إنما كان كذلك لأن الخالات بمنزلة الأم والعمات بمنزلة الأب فكأن الميت خلف أباه وأمه فلأمه الثلث والباقي لأبيه ثم ما صار للأم بين أخواتها على خمسة لأنهن أخواته المفترقات فيقسم نصيبها بينهن بالفرض والرد على خمسة كما يقسم مال الميت بين أخواته لأنهن أخوات لها مفترقات وما صار للأب قسم بين أخواته على خمسة فصار الكسر في الموضعين على خمسة وإحداهما تجزىء عن الأخرى لأنهما عددان متماثلان فتضرب خمسة في أصل المسألة وهو ثلاثة فصارت خمسة عشر كما ذكر للخالات سهم في خمسة مقسومة بينهن كما ذكر وللعمات سهمان في خمسة تكن عشرة بينهن على خمسة كما ذكر أيضا وهذا قول عامة المنزلين وعند أهل القرابة : للعمة من الأبوين الثلثان وللخالة من الأبوين الثلث وسقط سائرهن وقال نعيم و إسحاق الخالات كلهن سواء فيكون نصيبهن بينهن على ثلاثة وكذلك نصيب العمات بينهن على ثلاثة يتساوين فيه فتكون هذه المسألة عندهما من تسعة فإن كان مع الخالات خال من أم ومع العمات عم من أم فسهم كل واحد من الفريقين بينهم على ستة وتصح من ثمانية عشر سهما عند المنزلين ثلاثة أخوال مفترقين معهم أخواتهم وعم وعمة من الأم الثلث بين الأخوال والخالات على ستة للخال والخالة من الأم ثلاثة بينهما بالسوية وثلثاه للخال والخالة من الأبوين بينهما على ثلاثة عند من فضل وهو قول أكثر المنزلين وإحدى الروايتين عن أحمد وذكرهما الخرقي في الخال والخالة خاصة دون سائر ذوي الأرحام والرواية الأخرى هو بينهما على السوية والثلثان بين العم والعمة بالسوية ثلاث عمات وثلاث بنات عم وثلاث خالات وثلاثة بني خال الميراث للعمات والخالات ويسقط الباقون فيكون للخالات الثلث والباقي للعمات فإن كان معهم ثلاث بنات إخوة فللخالات السدس والباقي للعمات لأنهن بمنزلة الأب فيسقط بهن بنات الإخوة لأنهن بمنزلة الإخوة ويحتمل أن يجعل أولاد الإخوة والأخوات من جهة الأبوة فيقدم ولد الأبوين وولد الأب على العمات لأنهم اولاد بنيه والعمات أخواته ووجه هذا الإحتمال أننا إذا جعلنا الأخوة جهة والأبوة جهة أخرى مع ما تقرر من أصلنا أن البعيد والقريب إذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لم يسقط لزم منه سقوط ولد الإخوة ببنات العم من الأم لأنهن من جهة الأب ويلزم من هذا أن يسقطن ببنات العمات وبنات الأعمام كلهم فأما إن كان مكان العمات والخالات بناتهن فللخالات السدس بين بناتهن على خمسة والباقي لبنات الإخوة لبنت الأخ من الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأبوين وتصح المسألة من ثلاثين فإن لم يكن بنات إخوة من أبوين ولا من أب فالباقي لبنت العم من الأبوين

فصل خالة وعمة
فصل : خالة وابن عمة للخالة الثلث والباقي لابن العمة وهذا قول الثوري ومن ورث البعيد مع القريب وفي قول أكثر المنزلين وأهل القرابة المال للخالة لأنها أقرب وكذلك إن كان مكان الخالة خال : عمة وابن خال معه أخته الثلث بين ابن الخال وأخته بالسوية إن كان أبوهما خالا من أم وإن كان من أب أو من أبوين ففيه روايتان : إحداهما : هو بينهما بالسوية أيضا والثانية : على ثلاثة والباقي للعمة وعند أكثر الفرضين المال للعمة : بنت عم وابن عمة وابن عمة وبنت خال وابن خالة الثلث بين بنت الخال وابن الخالة بالسوية إن كانا من أم وإن كانا من أبوين أو من أب فهل هو بينهما بالسوية أو على ثلاثة ؟ فيه روايتان وإن كان ابن الخالة من أم الخالة من أب فلابن الخالة سدس الثلث والباقي لبنت الخال وإن كانت بنت الخال من أم وابن الخالة من أب فالثلث بينهما على أربعة والباقي لابن العم وعن أكثر المنزلين المال كله لبنت العم لأنها أسبق إلى الوارث : خالة وبنت عم ثلث وثلثان وعند أهل القرابة هو للخالة عمة وبنت عم من نزل العمة أبا جعل المال لها ومن نزلها عما جعل المال بينهما نصفين وكذلك من أمات السبب بنت ابن عم لأب وبنت عمة لأبوين المال لبنت ابن العم : ابن خالة من أم وبنت خالة من أب وبنت عم من أم وابن عم من أب الثلث من أربعة والثلثان من أربعة أيضا وتصح من اثني عشر وفي القرابة الثلث لبنت الخالة والثلثان لابن العمة وتصح من ثلاثة

فصل خال وخالة وأبو أم
فصل : خال وخالة وأبو أم المال لأبي الأم فإن كان معهم ابنة عم أو عمة فالثلث لأبي الأم والباقي لابنه العم أو العمة وإن كان مكان أبي الأم أمه فلا شيء لها لأن الخالة أسبق إلى الوارث والجهة واحدة : خالة وأبو أم المال للخالة لأنها بمنزلة الأم وهي تسقط أم الأم : ابن خال وابن أخ من أم المال بينهما على ثلاثة كأنهما أم وأخ من أم وعند المنزلين هو لابن الأخ فإن كان معهما ابن أخت من أب فالمال بينهم على خمسة لابن الأخت ثلاثة أخماسه ولكل واحد منهما الخمس وإن كان معهم بنت أخ من أبوين فلها النصف ولكل واحد من الباقين السدس وعند المنزلين لا شيء لابن الخال والمال بين الباقين على خمسة خال وابن ابن أخت لأم المال بينهما على ثلاثة وعند المنزلين هو للخال بنت بنت أخت لأبوين وابن ابن أخ لأم وبنت ابن أخ لأب وبنت خالة لهذه السدس والباقي لبنت ابن الأخ وعند المنزلين المال كله له

فصل عمة وابنة أخ
فصل : عمة وابنة أخ المال للعمة عند من نزلها أبا ولابن الأخ عند من نزلها عما وبينهما عند من نزلها جدا بنت عم وبنت عمة وبنت أخ من أم وبنت أخ من أب لبنت الأخ من الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأب فإن لم يكن بنت أخ من أب فالباقي لبنت العم ويجىء على قول من نزل البعيد حتى يلحقه بوارثه وجعل الأبوة جهة والأخوة جهة أن يسقط أولاد الأخوة فإن جعل الأبوة والعمومة جهة أخرى أسقط بنت العم ببنت العمة وقيل أن هذا قول ابن سالم وهو بعيد : بنت عم وبنت خال وبنت أخ من أب لبنت الخال الثلث والباقي لبنت الأخ وعند أكثر المنزلين الكل لبنت الأخ : ثلاث بنات أخوات مفترقات وثلاث بنات عمات مفترقات السدس الباقي بين بنات العمات على خمسة وتصح من ثلاثين فإن كان معهم خال أو خالة أو أحد من أولادهما فله السدس ولا شيء لولد العمات إلا على قول ابن سالم وأصحابه فإنه يروثهم ويسقط ولد الأخوات ويقتضيه قول أبي الخطاب خالة وعمة وثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات للخالة السدس والباقي للعمة ومن نزلها عما فلبنتي الأخت من الأبوين النصف ولبنتي الأخت من الأب السدس ولبنتي الأخت من الأم السدس فإن كن بنات ستة أخوات مفترقات عالت على هذا إلى سبعة

فصل في عمات الأبوين وأخوالهما وخالاتهما
فصل في عمات الأبوين وأخوالهما وخالاتهما : مذهبنا ما تقدم من تقديم الأسبق إلى الوارث إن كانا من جهة واحدة وتنزيل البعيد حتى يلحق بوارثه إن كانا من جهتين ثم يجعل لمن يدلي به ما كان له وأكثر المنزلين يعطون الميراث للأسبق بكل حال والمشهور عن أهل العراق أن نصيب الأم بين خالها وخالتها وعمها وعمتها على ثلاثة ونصيب الأب بين عماته وخالاته كذلك ومن مسائل ذلك ثلاثخالات أم مفترقات وثلاثة أعمام أم مفترقين وثلاث خالات أب مفترقات فخالات الأم بمنزلة أم الأم وخالات الأب بمنزلة أم الأب فيكون المال بين هاتين الجدتين نصفين ونصيب كل واحدة منهما بين أخواتهما على خمسة وتسقط عمات الأم لأنهن بمنزلة أب الأم وهو غير وارث فإ كان معهم عمات أب فلخالات الأب والأم السدس بينهما والباقي لعمات الأب لأنهن بمنزلة الجد : عمة أب وعمة أم لعمة الأم الثلث والباقي لعمة الأب هذا قياس المذهب وهو قول أهل العراق وقال القاضي : المال لعمة الأب لأنها أسبق لأنها أخت الجد وهو وارث وهذا قول أكثر المنزلين لأنهم يورثون الأسبق بكل حال خالة أم وعمة أب للخالة السدس والباقي للعمة لأنهما كجدة وجدة وكذلك القول في خالة أب وعمته : خالة أم وخالة أم أب المال للخالة لأنهما بمنزلة أم أم وأم أم أب : خال أب وعم أم المال للخال لأنه بمنزلة جدة والجدات بمنزلة الأمهات : بنت خال أم وبنت عم أب لبنت الخال السدس ولبنت العم ما بقي ومن ورث الأسبق جعل الكل لبنت العم أبو أبي أم وأبو أم أب المال لأبي أم الأب فإن كان معهما أبو أم أم فهو بينهما نصفين لأنهما بمنزلة جدتين متحاذيتن أبو أم أبي أم وأبو أبي أم أم المال لهذا لأنه أسبق فإن كان معهما أبو أم أبي أب فالمال له لأنه بأول درجة يلقى الوارث أب وأم أبي أم لأم أبي الأم الثلث والباقي للأب فإن كان معهما أو أم أم فالمال له لأنه يدلي بوارث فإن كان معهم أبو أم أب فالمال بين هذا والذي قبله نصفين

فصل إذا لذي الرحم قرابتان ورث بهما بإجماع من المورثين لهم
فصل : وإذا كان لذي الرحم قرابتان ورث بهما بإجماع من المورثين لهم إلا شيئا يحكى عن أبي يوسف أنهم لا يرثون إلا بقرابة واحدة وليس بصحيح عنه ولا صحيح في نفسه لأنه شخص له جهتان لا يرجح بهما فورث بهما كالزوج إذا كان ابن عم وابن العم إذا كان أخا من أم وحساب ذلك أن تجعل ذا القرابتين كشخص فتقول في ابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى وبنت بنت بنت أخرى للابن الثلثان وللبنت الثلث فإن كانت أمهما واحدة فله ثلاثة أرباع المال عند من سوى ولأخته الربع ومن فضل جعل له النصف ولأخته السدس وهذا قول أكثر المنزلين وقول أبي حنيفة و محمد وقياس قول أبي يوسف له أربعة أخماس المال ولأخته الخمس : بنتا أخت من أم إحداهما : بنت أخ من أب وبنت أخت من أبوين هي من اثني عشر ستة لبنت الأخت من الأبوين وأربعة لذات القرابتين من جهة ابنها ولها سهم من جهة أمها وللأخرى سهم : عمتان من أب إحداهما خالة من أم وخالة من أبوين هي من اثني عشر أيضا لذات القرابتين خمسة وللعمة الأخرى أربعة وللخالة من الأبوين ثلاثة فإن كان معهما عم من أم هو خال من أب صحت من تسعين ابن وبنت ابن عمة من أم البنت هي بنت عم من أم والعم هو خال من أب : ابن وبنت ابن خال من أب الابن هو ابن بنت خال آخر من أب والخالان عمان من أم هي من ثمانية عشر
مسائل شتى : يعني متفرقة فإنها مسائل من أبواب متفرقة يقال شتى وشتان وقال الله تعالى : { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } وقال تعالى : { إن سعيكم لشتى } وقال الشاعر :
( قد عشت في الناس أطوارا على طرق ... شتى وقاسيت فيها اللين والفظعا )

مسألة وفصول أحكام ميراث الخنثى المشكل
مسألة : قال : والخنثى المشكل يرث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى فإن بال من حيث يبول الرجل فليس بمشكل وحكمه في الميراث وغيره حكم رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فله حكم امرأة
الخنثى هو الذي له ذكر وفرج امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول وينقسم إلى : مشكل وغير مشكل فالذي يتبين فيه علامات الذكورية أو الأنوثية ـ فيعلم أنه رجل أو امرأة ـ فليس بمشكل وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة وحكمه في إرثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه ويعتبر بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم قال ابن المنذر : اجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة وممن روي عنه ذلك علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم
قال ابن اللبان : روى الكلبي عن أبي صالح ابن عباس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم : سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث ؟ قال : من حيث يبول ] وروي [ أنه عليه السلام أتي بخنثى من الأنصار فقال : ورثوه من أول ما يبول منه ] ولأن خروج البول أعم العلامات لوجودها من الصغير والكبير وسائر العلامات إنما بعد الكبر مثل : نبات اللحية وتفلك الثدي وخروج المني والحيض والحبل وإن بال منهما جميعا اعتبرنا أسبقهما نص عليه أحمد وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وبه قال الجمهور فإن خرجا معا ولم يسبق أحدهما فقال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم يرث من المكان الذي ينزل منه أكثر وحكي هذا عن الأوزاعي وصاحبي أبي حنيفة ووقف في ذلك أبو حنيفة ولم يعتبره أصحاب الشافعي رضي الله عنه في أحد الوجهين
ولنا أنها مزية لاحدى العلامتين فيعتبر بها كالسبق فإن استويا فهو حينئذ مشكل فإن مات له من يرثه فقال الجمهور : يوقف الأمر حتى يبلغ فيتبين فيه علامات الرجل من نبات اللحية وخروج المني من ذكره وكونه مني رجل أ علامات النساء من الحيض والحبل وتفلك الثديين نص عليه أحمد في رواية الميموني وحكي عن علي والحسن أنهما قالا تعد اضلاعه فإن اضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل بضلع قال ابن اللبان : فلو صح هذا لما أشكل حاله ولما احتيج إلى مراعاة المبال وقال جابر بن زيد يوقف إلى جنب حائط فإن بال عليه فهو رجل وإن شلشل بين فخديه فهو امرأة وليس على هذا تعويل والصحيح ما ذكرناه إن شاء الله تعالى وإنه يوقف امره ما دام صغيرا فإن احتيج إلى قسم الميراث أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي إلى حين بلوغه فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى وتدفع إلى كل وارث أقل النصيبين ونقف الباقي حتى يبلغ فإن مات قبل بلوغه أو بلغ مشكلا فلم تظهر فيه علامة ورث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى نص عليه أحمد وهذا قول ابن عباس و الشعبي وابن أبي ليلى وأهل المدينة ومكة و الثوري و مالك و اللؤلؤي و شريك و الحسن بن صالح و أبي يوسف و يحيى بن آدم و ضرار بن صرد و نعيم ابن حماد وورثه أبو حنيفة بأسوأ حالاته وأعطى الباقي لسائر الورثة وأعطاه الشافعي ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا وبه قال أبو ثور و داود و ابن جرير وورثه بعض أهل البصرة على الدعوى فيما بقي بعد اليقين وبعضهم بالدعوى من أصل المال وفيه أقوال شاذة سوى هذه
ولنا قول ابن عباس ـ ولم نعرف له في الصحابة منكرا ـ ولأن حالتيه تساوتا فوجبت التسوية بين حكميهما كما لو تداعى نفسان دارا بأيديهما ولا بينه لهما وليس توريثه بأسوأ أحواله بأولى من توريث من معه بذلك فتخصيصه بهذا تحكم لا دليل عليه ولا سبيل إلى الوقف لأنه لا غاية له تنتظر وفيه تضييع المال مع يقين استحقاقهم له
فصل : واختلف من ورثه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى في كيفية توريثهم فذهب أكثرهم إلى أن يجعلوا مرة ذكورا ومرة إناثا وتعمل المسألة على هذا مرة وعلى هذا مرة ثم تضرب إحداهما في الأخرى أن تباينتا أو في وفقها إن اتفقتا وتجتزىء بإحداهما إن تماثلتا أو بأكثرهما إن تناسبتا فتضربهما في اثنين ثم تجمع ما لكل واحد منهما إن تماثلتا وتضرب ما لكل واحد منهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقهما إن اتفقتا فتدفعه إليه ويسمى هذا مذهب المنزلين وهو اختيار أصحابنا وذهب الثوري و اللؤلؤي في الولد إذا كان فيهم خنثى إلى أن يجعل للأنثى سهمين وللخنثى ثلاثة وللذكر أربعة وذلك لأننا مجعل للأنثى أقل عدد له نصف وهو اثنان وللذكر ضعف ذلك أربعة وللخنثى نصفهما وهو ثلاثة فيكون معه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وهذا قول لا بأس به وهذا القول يوافق الذي قبله في بعض المواضع ويخالفه في بعضها وبيان اختلافهما أننا لو قدرنا ابنا وبنتا وولدا خنثى لكانت المسألة على هذا القول من تسعة للخنثى الثلث وهو ثلاثة وعلى القول الأول مسألة الذكورية من خمسة والأنوثية من أربعة تضرب إحداهما في الأخرى تكن عشرين ثم في اثنين تكن أربعين للبنت سهم في خمسة وسهم في أربعة يكن لها تسعة وللذكر ثمانية عشر وللخنثى سهم في خمسة وسهمان في أربعة يكن له ثلاثة عشر وهي دون ثلث الأربعين
وقول من ورثه بالدعوى فيما بقي بعد اليقين يوافق قول المنزلين في أكثر المواضع فإنه يقول في هذه المسألة للذكر الخمسان بيقين وهي ستة عشر من أربعين وهو يدعي النصف من عشرين وللبنت الخمس بيقين وهي تدعي الربع وللخنثى الربع بيقين وهو يدعي الخمسين ستة عشر والمختلف فيه ستة أسهم يدعيها الخنثى كلها فتعطيه نصفها ثلاثة مع العشرة التي معه صارت له ثلاثة عشر والابن يدعي أربعة فتعطيه نصفها سهمين صار له ثمانية عشر والبنت تدعي سهمين فتدفع إليها سهما صار لها تسعة وقد ورثه قوم بالدعوى من أصل المال فعلى قولهم يكون الميراث في هذه المسألة من ثلاثة وعشرين لأ المدعي ههنا نصف وربع وخمسان ومخرجها عشرون يعطى الابن النصف عشرة وللبنت خمسة والخنثى ثمانية تكن ثلاثة وعشرين فإن لم يكن في المسألة بنت ففي قول الثوري هي من سبعة وكذلك قول من ورثهما بالدعوى من أصل المال وفي التنزيل من اثني عشر للابن سبعة وللخنثى خمسة وهو قول من ورثه بالدعوى فيما عدا اليقين وإن كانت بنت وولد خنثى ولا عصبة معهما فهي من خمسة في قول الثوري ومن اثني عشر في التنزيل وإن كان معهما عصبة فهي من ستة للخنثى ثلاثة وللبنت سهمان وللعصبة سهم في الأقوال الثلاثة فإن كان معهما أم وعصبة فهي في التنزيل من ستة وثلاثين للأم ستة وللخنثى ستة عشر وللبنت أحد عشر وللعصبة ثلاثة وقياس قول الثوري أن يكون للخنثى والبنت ثلاثة أرباع المال بينهما على خمسة وللأم السدس ويبقى نصف السدس للعصبة وتصح من ستين وإن كان ولد خنثى وعصبة فللخنثى ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة إلا في قول من ورثهما بالدعوى من أصل المال فإنه يجعل المال بينهما أثلاثا لأن الخنثى تدعي المال كله والعصبة تدعي نصفه فتضيف النصف إلى الكل فيكون ثلاثة أنصاف لكل نصف ثلث بنت وولد ابن خنثى وعم هي في التنزيل من اثني عشر وترجع بالاختصار إلى ستة للبنت النصف وللخنثى الثلث وللعم السدس
فصل : وإن كان الخنثى يرث في حال دون حال كزوج وأخت وولد أب خنثى فمقتضى قول الثوري أن يجعل للخنثى نصف ما يرثه في حال إرثه وهو نصف سهم فتضمه إلى سهام الباقين وهي ستة ثم تبسطها أنصافا ليزول الكسر فتصير ثلاثة عشر وله منها سهم والباقي بين الزوج والأخت نصفين وقد عمل أبو الخطاب هذه المسألة على هذا في كتاب الهداية وأما في التنزيل فتصح من ثمانية وعشرين للخنثى سهمان وهي نصف سبع ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر وإن كان زوج وأم واخوان من أم وولد أب خنثى فله في حال الأنوثية ثلاثة من تسعة فاجعل له نصفها مضموما إلى سهام بافي المسألة ثم ابسطها تكن خمسة عشر له منها ثلاثة وهي الخمس وفي التنزيل له ستة من ستة وثلاثين وهي السدس وإن كانت بنت وبنت اب وولد أخ خنثى وعم فهي من ستة للبنت النصف ولبنت الابن السدس وللخنثى السدس وللعم ما بقي على القولين جميعا
فصل : وإن خلف خنثيين فصاعدا نزلتهم بعدد أحوالهم في أحد الوجهين فتجعل للاثنين أربعة أحوال وللثلاثة ثمانية وللأربعة ستة عشر وللخمسة اثنين وثلاثين حالا ثم تجمع مالهم في الأحوال كلها فتقسمه على عدد أحوالهم فما خرج بالقسم فهو لهم إن كانوا من جهة واحدة وإن كانوا من جهات جمعت ما لكل واحد منهم في الأحوال وقسمه على عدد الأحوال كلها فالخارج بالقسم هو نصيبه وهذا قول ابن أبي ليلى و ضرار و يحيى بن آدم وقول محمد بن الحسن على قياس قول الشعبي والوجه الآخر : أنهم ينزلون حالين مرة ذكورا ومرة إناثا كما نصنع في الواحد وهذ قول أبي يوسف والأول أصح لأنه يعطي كل واحد بحسب ما فيه من الاحتمال فيعدل بينهم وفي الوجه الآخر يعطى بعض الاحتمالات دون بعض وهذا تحكم لا دليل عليه وبيان هذا في ولد خنثى وولد أخ حنثى وعم إن كانا ذكرين فالمال للولد وإن كانا اثنيين فللولد النصف والباقي للعم فهي من أربعة عند من نزلهم حالين للولد ثلاثة أرباع المال وللعم ربعه ومن نزلهم أحوالا زاد حالين آخرين وهو أن يكون الولد وحده ذكرا وأن يكون ولد الأخ وحده ذكرا فتكون المسألة من ثمانية للولد المال في حالين والنصف في حالين فله ربع ذلك وهو ثلاثة أرباع المال ولولد الأخ نصف المال في حال فله ربعه وهو الثمن وللعم مثل ذلك وهذا أعدل ومن قال بالدعوى فما زاد على اليقين قال للأخ النصف يقينا والنصف الآخر يتداعونه فيكون بينهم أثلاثا وتصح من ستة وكذلك الحكم في أخ خنثى وولد أخ وفي كل عصبتين يحجب أحدهما الآخر ولا يرث المحجوب شيئا إذا كان أنثى ولو خلف بنتا ولدا خنثى وولد ابن خنثى وعصبة فمن نزلهما حالين جعلهما من ستة للولد الخنثى ثلاثة وللبنت سهمان والباقي للعم ومن نزلهما أربعة أحوال جعلها من انثى عشر وجعل لولد الابن نصف السدس وللعم سدسه وهذا أعدل الطريقين لما في الطريق الآخر من اسقاط ولد الابن مع أن احتمال توريثه كاحتمال توريث العم وهكذا تصنع في الثلاثة وما كان أكثر منها ويكفي هذا القدر من هذا الباب فإنه نادر قل ما يحتاج إليه واجتماع خنثيين وأكثر نادر النادر ولم يسمع بوجوده فلا حاجة إلى التطويل فيه
فصل : وقد وجدنا في عصرنا شيئا بهذا لم يذكره الفرضيون ولم يسمعوا به فإنا وجدنا شخصين ليس لهما في قبلهما مخرج لا ذكر ولا فرج أما أحدهما : فذكروا أنه ليس في قبله إلا لحمة ناتئة كالزبرة يرشح البول منه رشحا على الدوام وأرسل إلينا يسألنا عن حكمه في الصلاة والتحرز من النجاسة في هذه السنة وهي ستة عشر وستمائة والثاني : شخص ليس له إلا مخرج واحد فيما بين المخرجين ـ منه يتغوط ومنه يبول وسألت من أخبرني عنه عن زيه فأخبرني أنه إنما يلبس لباس النساء ويخالطهن ويغزل معهن ويعد نفسه امرأة وحديث أن في بعض بلاد العجم شخصا ليس له مخرج أصلا لا قبل ولا دبر وإنما يتقايأ ما يأكله وما يشربه فهذا وما أشبهه في معنى الخنثى إلا أنه لا يمكن اعتباره بمباله فإن لم يكن له علامة أخرى فهو مشكل ينبغي أن يثبت له حكم الخنثى المشكل في ميراثه وأحكامه كلها والله تعالى أعلم

مسألة وفصول في أحكام ميراث ابن الملاعنة
مسالة : قال : وابن الملاعنة ترثه أمه وعصبتها فإن خلف أما وخالا فلأمه الثلث وما بقي فللخال
وجملته أن الرجل إذا لاعن امرأته ونفى ولدها وفرق الحاكم بينهما انتفى ولدها عنه وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن فلم يرثه هو ولا أحد من عصباته وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم وينقطع التوارث بين الزوجين لا نعلم بين أهل العلم في هذه الجملة خلافا وأما إن مات أحدهم قبل تمام اللعان من الزوجين ورثه الآخران في قول الجمهور وقال الشافعي رضي الله عنه : إذا كمل الزوج لعانه لم يتوارثا وقال مالك : إن مات الزوج بعد لعانه فإن لاعنت المرأة فلم ترث ولم تحد وإن لم تلاعن ورثت وحدت وإن ماتت هي بعد لعان الزوج ورثها وفي قول جميعهم إلا الشافعي رضي الله عنه وإن تم اللعان بينهما فمات أحدهما قبل تفريق الحاكم بينهما ففيه روايتان :
إحداهما : لا يتوارثان وهو قول مالك و زفر وروي نحو ذلك عن الزهري و ربيعة و الأوزاعي و داود لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد فلم يعتبر في حصول الفرقة به التفريق بينهما كالرضاع
والرواية الثانية : يتوارثان ما لم يفرق الحاكم بينهما وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه لأن النبي صلى الله عليه و سلم فرق بين المتلاعنين ولو حصل التفريق باللعان لم يحتج إلى تفريقه وإن فرق الحاكم بينهما قبل تمام اللعان لم تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث في قول الجمهور وقال أبو حنيفة وصاحباه إن فرق بينهما بعد أن تلاعنا ثلاثا وقعت الفرقة وانقطع التوارث لأنه وجد منهما معظم اللعان وإن فرق بينهما قبل ذلك لم تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث
ولنا أنه تفريق قبل تمام اللعان فأشبه التفريق قبل الثلاث وهذا خلاف في توارث الزوجين فأما الولد فالصحيح أنه ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم لأن انتفاءه ينفيه لا بقول الحاكم فرقت بينكما فإن لم يذكره في اللعان لم ينتف عن اللاعن ولم ينقطع التوارث بينهما
وقال أبو بكر : ينتفي بزوال الفراش وإن لم يذكره لأن النبي صلى الله عليه و سلم نفى الولد عن الملاعن وألحقه بأمه ولم يذكره الرجل في لعانه ويحقق ذلك أن الولد كان حملا في البطن ف [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : انظروها فإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة حمش الساقين فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن جاءت به جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به ] فأتت به على النعت المكروه
إذا ثبت هذا عدنا إلى مسألة الكتاب فنقول : اختلف أهل العلم في ميراث الولد المنفي باللعان فروي عن أحمد فيه روايتان : إحداهما : أن عصبته عصبة أمه نقلها الأثرم و حنبل يروى ذلك عن علي وابن عباس وابن عمر وبه قال الحسن و ابن سيرين و جابر بن زيد و عطاء و الشعبي و النخعي و الحكم و حماد و الثوري و الحسن بن صالح إلا أن عليا يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له وقدم الرد على غيره والرواية الثانية : أن أمه عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبته نقله أبو الحارث ومهنا وهذا قول ابن مسعود وروي نحوه عن علي و مكحول و الشعبي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ عن النبي صلى الله عليه و سلم جعل ميراث الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها ] ورواه أيضا مكحول عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا وروى واثلة بن الأسقع [ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تحرز المرأة ثلاثة مواريث : عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه ]
وعن عبيد الله بن عمير قال : كتبت إلى صديق من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فكتب إلي : إني سألت فأخبرت أنه قضى به لأمه هي بمنزلة أبيه وأمه رواهن أبو داود وأنها قامت مقام أبيه وأمه في انتسابه إليها فقالت مقامهما في حيازة ميراثه ولأن عصبات الأم أدلوا بها فلم يرثوا معها كأقارب الأب معه وكان زيد بن ثابت يورث من ابن الملاعنة كما يورث من غير ابن الملاعنة ولا يجعلها عصبة ابنها ولا عصبتها عصبته فإن كانت أمه مولاة لقوم جعل الباقي من ميراثها لمولاها فإن لم تكن مولاة جعله لبيت المال وعن ابن عباس نحوه وبه قال ابن المسيب وعروة وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز و الزهري و ربيعة و ابو زناد و مالك وأهل المدينة و الشافعي و ابو حنيفة وصاحباه وأهل البصرة إلا أن أبا حنيفة وأهل البصرة جعلوا الرد وذوي الأرحام أحق من بيت المال لأن الميراث إنما يثبت بالنص ولا نص في توريث الأم أكثر من الثلث ولا في توريث الأخ من الأم أكثر من السدس ولا في توريث أبي الأم واشباهه من عصبات الأم ولا قياس أيضا فلا وجه لاثباته
ووجه قول الخرقي قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر ] وأولى الرجل به أقارب أمه وعن عمر رضي الله عنه أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن علي رضي الله عنه أنه لما رجم المرأة دعا أولياءها فقال : هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وإن جنى جناية فعليكم حكاه الإمام أحمد عنه ولأن الأم لو كانت عصبة كأبيه لحجبت إخوته ولأن مولاها مولى أولادها فيجب أن تكون عصبتها عصبته كالأب فإذا خلف ابن الملاعنة أما وخالا فلأمه الثلث بلا خلاف والباقي لخاله لأنه عصبة أمه وعلى الرواية الأخرى هو لها كله وهذا قول علي وابن مسعود و ابي حنيفة وموافقيه إلا أن ابن مسعود يعطيها إياه لكونها عصبة والباقون بالرد وعند زيد الباقي لبيت المال فإن كان معهما مولى أم فلا شيء له عندنا
وقال زيد ومن موافقيه و ابو حنيفة الباقي له وإن لم يكن لأمه عصبة إلا مولاها فالباقي له على الرواية التي اختارها الخرقي وعلى الأخرى هو للأم وهو قول ابن مسعود لأنها عصبة ابنها فإن لم يخلف إلا أمه فلها الثلث بالفرض والباقي بالرد وهو قول علي وسائر من يرى الرد وفي الرواية الأخرى لها الباقي بالتعصيب وإن كان مع الأم عصبة لها فهل يكون الباقي لها أوله ؟ على روايتين وإن كان لها عصبات فهو لأقربهم منها على رواية الخرقي فإذا كان معها أبوها وأخوها فهو لأبيها وإن كان مكان أبيها جدها فهو بين أخيها وجدها نصفين وإن كان معهم ابنها وهو أخوة لأمه فلا شيء لأخيها ويكون لأمه الثلث ولأخيه السدس والباقي لأخيه أو ابن أخيه وإن خلف أمه وأخاه وأخته فلكل واحد منهم السدس والباقي لأخيه دون أخته وإن خلف ابن أخته وبنت أخيه أو خاله وخالته فالباقي للذكر وإن خلف أخته وابن أخته فللأخت السدس والباقي لابن أخته وعلى الرواية الأخرى الباقي للأم في هذه المواضع
فصل : ابن الملاعنة مات وترك بنتا وبنت ابن ومولى أمه الباقي لمولى الأم في قول الجمهور وقال ابن مسعود الرد أولى من المولى فإن كان معهم أم فلها السدس وفي الباقي روايتان : إحداهما : للمولى وهو قول الأكثرين والثاني : للأم وهو قول ابن مسعود فإن لم يكن معهم مولى فالباقي مردود عليهم في إحدى الروايتين والأخرى هو للأم فإن كان معهم أخ فلا شيء له بالفرض وله الباقي في رواية والأخرى هو للأم بنت وأخ أو ابن أخ أو خال أو أبو أم أو غيرهم من العصبات للبنت النصف والباقي للعصبة في قول العبادلة وإن كان معها أخ وأخت أو ابن أخ وأخته أو خال أو خالة فالباقي للذكر وحده في قولهم وقال أبو حنيفة وأصحابه المال للبنت بالفرض والرد وروي عن علي عليه السلام أنه جعل ذا السهم أحق ممن لا سهم له وأنه ورث من ابن الملاعنة ذوي أرحامه كما لا يرثون من غيره قال ابن اللبان وليس هذا محفوظا عن علي وإنما المشهور عنه قوله لأولياء المرجومة عن ابنها : هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وإن جنى جناية فعليكم وفسر القاضي قول أحمد إن لم تكن أم فعصبتها عصبته بتقديم الرد على عصبة الأم كقوله في أخت وابن أخ المال كله للأخت وهذا تفسير للكلام بضد ما يقتضيه وحمل اللفظ على خلاف ظاهره
وإنما هذه الرواية كمذهب ابن مسعود ورواية الشعبي عن علي وعبد الله أنهما قالا : عصبة ابن الملاعنة امه ترث ماله أجمع فإن لم تكن أم فعصبتها عصبته امرأة وجدة وأختان وابن أخ للمرأة الربع وللجدة السدس وللأختين الثلث والباقي لابن الأخ في الروايتين جميعا وقال أبو حنيفة الباقي يرد على الأختين والجدة وهو قول القاضي في الرواية الثانية أبو أم وبنت وابن أخ وبنت أخ الباقي لابن الأخ وحده ويحتمل أن يكون لأب الأم سدس باقي المال وخمسة أسداسه لابن الأخ وقال أبو حنيفة المال بين أم الأم والبنت على أربعة بالفرض والرد
فصل : فإن لم يترك ابن الملاعنة ذا سهم فالمال لعصبة أمه في قول الجماعة وقد روي ذلك عن علي وقال أبو حنيفة وأصحابه هو بين ذوي الأرحام كميراث غيره ورووه عن علي عليه السلام وذلك مثل : خال وخالة وابن أخ وأخته المال للذكر وفي قول أبي حنيفة هو بينهما في المسألتين نصفين : خالة لأب وأم وخال لأب المال للخال وقال أبو حنيفة هو للخالة خالة وبنت بنت المال بينهما على أربعة وإذا لم يخلف ابن الملاعنة إلا ذا رحم فحكمهم في ميراثه كحكمهم في ميراث غيره على ما تقدم شرحه
فصل : وإذا قسم ميراث الملاعنة ثم أكذب الملاعن نفسه لحقه الولد ونقصت القسمة وقال أبو حنيفة لا يلحق النسب بعد موته إلا أن يكونا توأمين مات أحدهما وأكذب نفسه والآخر باق فيلحقه نسب الباقي والميت معا وقد مضى الكلام معه في غير هذا الموضع
فصل : ولو كان المنفي باللعان توأمين ولهما ابن آخر من الزوج لم ينفه فمات أحد التوأمين فميراث توأمه منه كميراث الآخر في قول الجمهور وقال مالك يرثه توأمه ميراث ابن لأبوين لأنه أخوة لأبويه بدليل أن الزوج لو أقر بأحدهما لحقه الآخر وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي رضي الله عنه
ولنا أنهما توأمان لم يثبت لهما أب ينتسبان إليه فأشبها توأمي الزاينة ولا خلاف في توأمي الزانية وفارق هذا ما إذا استحلق أحدهما لأنه يثبت باستلحاقه أنه أبوه
فصل : قولهم أن الأم عصبة ولدها أو إن عصبتها عصبته إنما هو في الميراث خاصة كقولنا في الأخوات مع البنات فعلى هذا لايعقلون عنه ولا يثبت لهم ولاية التزويج ولا غيره وهذا قول الأكثرين وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال لألياء المرجومة في ولدها : هذا ابنكم يرثكم ولا ترثونه وإن جنى فعليكم وروي هذا عن عبد الله وإبراهيم
ولنا أنهم إنما ينتسبون إليه بقرابة الأم فلم يعقلوا عنه ولم يثبت لهم ولاية التزويج كما لو علم أبوه ولا يلزم من التعصيب في الميراث التعصيب في العقل والتزويج بدليل الأخوات مع البنات فأما إن أعتق ابن الملاعنة عبدا ثم مات المولى وخلف أم مولاه وأخا مولاه احتمل أن يثبت لهما الإرث بالولاء لأن التعصيب ثابت وحكي ذلك عن أبي يوسف وهل يكون للأم أو للأخ ؟ على الروايتن ويحتمل أن لا يثبت لهما ميراث لأن النساء لا يرثن من الولاء إلى من أعتقن أو أعتق من أعتقن فكذلك من يدلي بهن وما ذكرناه للاحتمال الأول يبطل بالأخوات مع البنات وبمن عصبهن أخوهن من الإناث
فصل : في ميراث ابن ابن الملاعنة إذا خلف أمه وأم أبيه وهي الملاعنة فلأمه الثلث والباقي لها بالرد وهذا قول علي وعلى الرواية الأخرى الباقي لأم أبيه لأنها عصبة أبيه وهذا قول ابن مسعود ويعايل بها فيقال جدة ورثت مع أم أكبر منها وإن خلف جدتيه فالمال بينهما بالفرض والرد على قول علي وفي ابن مسعود السدس بينهما فرضا وباقي المال لأم أبيه أم أم وخال أب لأم الأم السدس وفي الباقي القولان : أحدهما : أنه لها بالرد والثاني : لخال الأب وفي قول علي الكل للجدة خال وعم وخال أب وأبو أم أب المال للعم لأنه أبو الملاعنة فإن لم يكن عم فلأبي أم الأب لأنه أبوها فإن لم يكن فلخال الأب فإن لم يكن فللخال لأنه ذو رحمة بنت وعم للبنت النصف والباقي للعم وفي قول علي الكل للبنت لأنه يقدم الرد على توريث عصبة أمه بنت وأم وخال المال بين البنت والأم على أربعة بالفرض والرد ولا شيء للخال لأنه ليس بعصبة الملاعنة ولو كان بدل الخال خال أب كان الباقي لأنه عصبة الملاعنة فأما ابن ابن ابن الملاعنة فإذا خلف عمه وعم أبيه فالمال لعمه لأنه عصبته وهذا ينبغي أن يكون إجماعا وقد قال بعض الناس يحتمل أن يكون عم الأب أولى لأنه ابن الملاعنة وهذا غلط بين لأن العصبات إنما يعتبر أقربهم من الميت لا من آبائه وإن خلف ثلاث جدات متحاذيات فالسدس بينهن والباقي رد عليهن في إحدى الروايتين وهو قول علي وفي الثانية لأم أبي ابيه وهو قول ابن مسعود وإن خلف أمه وجدته وجدة أبيه فلأمه الثلث ولا شيء لجدته وفي الباقي روايتان : إحداهما : يرد على الأم والثانية : لجدة أبيه وإن خلف خاله وخال أبيه وخال جده فالمال لخال جده فإن لم يكن فلخاله ولا شيء لخال أبيه فأما ولد بنت الملاعنة فليست الملاعنة عصبة لهم في قول الجميع لأن لهم نسبا معروفا من جهة أبيهم وهو زوج بنت الملاعنة ولو أعتقت بنت الملاعنة عبدا ثم ماتت ثم مات المولى وخلف أم مولاته ورثت مال المولى لأنها عصبة لبنتها والبنت عصبة لمولاها في أحد الوجهين وقد ذكرناهما وقد ذكرناهما في ابن الملاعنة

فصل حكم ميراث ولد الزنا كالحكم في ولد الملاعنة
فصل : والحكم في ميراث ولد الزنا في جميع ما ذكرنا كالحكم في ولد الملاعنة على ما ذكرنا من الأقوال والإختلاف إلا أن الحسن بن صالح قال : عصبة ولد الزنا سائر المسلمين لأن أمه ليست فراشا بخلاف ولد الملاعنة والجمهور على التسوية بينهما لانقطاع نسب كل واحد منهما من أبيه إلا أن ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور وقال الحسن و ابن سيرين يلحق الواطىء إذا أقيم عليه الحد ويرثه وقال إبراهيم يلحقه إذا جلد الحد أو ملك الموطوءة وقال إسحاق يلحقه وذكر عن عروة و سليمان بن يسار نحوه وروى علي بن عاصم عن ابي حنيفة أنه قال : لا أرى بأسا إذا زنا الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولد له وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش فادعاه آخر أنه لا يلحقه وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الولد للفراش وللعاهر الحجر ] ولأنه لا يلحق به إذا لم يستلحقه فلم يلحق به بحال كما لو كانت أمه فراشا أو كما لو لم يجلد الحد عند من اعتبره

مسألة بيان أن العبد لا يرث ولا يورث
مسألة : قال : والعبد لا يرث ولا مال له فيورث عنه
لا نعلم خلافا في أن العبد لا يرث إلا ما روي عن ابن مسعود في رجل مات وترك أبا مملوكا يشتري من ماله ثم يعتق فيرث وقال الحسن وحكي عن طاوس : أن العبد يرث ويكون ما ورثه لسيده ككسبه وكما لو وصى له ولأنه تصح الوصية له فيرث كالحمل
ولنا أن فيه نقصا منه كونه موروثا فمنع كونه وارثا كالمرتد ويفارق الوصية فإنها تصح لمولاه ولا ميراث له وقياسهم ينتقص بمختلفي الدين وقول ابن مسعود لا يصح لأن الأب رقيق حين موت ابنه فلم يرثه كسائر الأقارب وذلك لأن الميراث صار لأهله بالموت فلم ينتقل عنهم إلى غيرهم وأجمعوا على أن المملوك لا يورث وذلك لأنه لا مال له فيورث فإنه لا يملك ومن قال أنه يملك بالتمليك فملكه ناقص غير مستقر يزول إلى سيده بزوال ملكه عن رقبته بدليل قوله عليه السلام : [ من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ] ولأن السيد أحق بمنافعه وأكسابه في حياته فكذلك بعد مماته وممن روي عنه أن العبد لا يرث ولا يورث ولا يحجب علي وزيد وبه قال الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق رضي الله عنه وأصحاب الرأي

فصل حكم ميراث الأسير الذي مع الكفار
فصل : ويرث الأسير الذي مع الكفار إذا علمت حياته في قول عامة الفقهاء إلا سعيد بن المسيب فإنه قال : لا يرث لأنه عبد وليس بصحيح لأن الكفار لا يملكون الأحرار بالقهر فهو باق على حريته فيرث كالمطلق

فصل حكم ميراث المدبر وأم الولد كالقن لأنهم رقيق
فصل : والمدبر وأم الولد كالقن لأنهم رقيق بدليل أن النبي صلى الله عليه و سلم باع مدبرا وأم الولد مملوكة يجوز لسيدها وطؤها بحكم الملك وتزويجها واجارتها وحكمها حكم الأمة في جميع أحكامها إلا فيما ينقل الملك فيها أو يراد له كالرهن

فصل ميراث المكاتب
فصل : فأما المكاتب فإن لم يملك قدر ما عليه فهو عبد لا يرث ولا يورث وإن ملك قدر ما يؤدي ففيه روايتان : إحداهما : أنه عبد ما بقى عليه درهم لا يرث ولا يورث يروى ذلك عن عمر وزيد بن ثابت وابن عمر وعائشة وأم سلمة وعمر بن عبد العزيز و الشافعي رضي الله عنه و أبي ثور وعن ابن المسيب و شريح و الزهري ونحوه لما روى أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ]
وفي لفظ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد ] وعن محمد بن المنكدر وعن عمر بن عبد اله مولى غفرة وعبد الله بن عبدة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعتاب بن أسيد : من كاتب مكاتبا فهو أحد به حتى يقضي كتابته ]
وقال القاضي وأبو الخطاب : إذا أدى المكاتب ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأن ذلك يجب ايفاؤه للمكاتب فلا يجوز إبقاؤه على الرق لعجزه عما يجب رده إليه والرواية الثانية : أنه إذا ملك ما يؤدي فقد صار حرا يرث ويورث فإذا مات له من يرثه ورث وإن مات فلسيده بقية كتابته والباقي لورثته لما روى أبو داود بإسناده [ عن أم سلمة قالت : قال لنا رسول الله : إذا كان لأحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه ]
وروى الحكم عن علي وابن مسعود و شريح : يعطى سيده من تركته ما بقي من كتابته فإن فضل شيء كان لورثة المكاتب وروي نحوه عن الزهري وبه قال ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن و النخعي و الشعبي و الحسن و ومنصور و مالك و أبو حنيفة غير أن مالكا جعل من كان معه في كتابته أحق ممن لم يكن معه قال في مكاتب هلك وله أخ معه في الكتابة وله ابن قال : ما فضل من كتابته لأخيه دون ابنه وجعله أبو حنيفة عبدا ما دام حيا فإذا مات أدى من تركته باقي كتابته والباقي لورثته وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر : إنكم مكاتبون مكاتبين فأيهم أدى النصف فلا رق عليه وعن علي عليه السلام : إذا أدى النصف فهو حر وعن عروة نحوه وعن الحسن إذا أدى الشطر فهو غريم وعن ابن مسعود و شريح نحوه وعن ابن مسعود إذا أدى ثلثا أو ربعا فهو غريم وعن ابن عباس إذا كتب الصحيفة فهو غريم
وعن علي رضي الله عنه قال : تجري العتاقة في امكاتب في أول نجم يعني يعتق منه بقدر ما أدى وعنه أنه قال : يرث ويحجب ويعتق منه بقدر ما أدى وقد روى حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس [ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما أعتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه ] وفي رواية : [ يؤدي المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وقدر ما رق منه دية العبد ] قال يحيى بن أبي كثير : وكان علي ومروان بن الحكم يقولان ذلك وقد روي حديث ابن عباس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا والحديث الذي رويناه لقولنا أصح منه ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا وما ذكرناه أولا أولى والله أعلم

مسألة ميراث المبعض والميراث منه وحجبه
مسألة : قال : ومن بعضه حر يرث ويورث ويحجب على مقدار ما فيه من الحرية
وجملته أن المعتق بعضه إذا كسب مالا ثم مات وخلفه نظر فيه فإن كان كسبه بجزئه الحر مثل : إن كان قد هايأ سيده على منفعتة فاكتسب في ايامه أو ورث شيئا فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه الحر إن كان قد قاسم سيده في حياته فتركته كلها لورثته لا حق لمالك باقية فيها وقال قوم جميع ما خلفه بينه وبين سيده قال ابن اللبان هذا غلط لأن الشريك إذا استوفى حقه من كسبه مرة لم يبق له حق في الباقي ولا سبيل له على ما كسبه بنصفه الحر كما لو كان بين شريكين فاقتسما كسبه لم يكن لأحدهما حق في حصة الآخر والعبد يخلف أحد الشريكين فيما أعتق منه فأما إن لم يكن كسبه بجزئه الحر خاصة ولا اقتسما كسبه فلمالك باقية من تركته بقدر ملكه فيه والباقي لورثته وإن مات له من يرثه فإنه يرث ويورث ويحجب على قدر ما فيه من الحرية وهذا قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال عثمان البتي وحمزة الزيات واب المبارك و المزني وأهل الظاهر وقال زيد بن ثابت لا يرث ولا يورث وأحكامه أحكام العبد وبه قال مالك و الشافعي رضي الله عنهما في القديم جعلا ماله لمالك باقية قال ابن اللبان هذا غلط لأنه ليس لمالك باقية على ما عتق منه ملك ولا ولاء ولا هو ذو رحم قال ابن شريح يحتمل على قول الشافعي رضي الله عنه القديم أن يجعل في بيت المال لأنه لا حق له فيما كسبه بجزئه الحر وقال الشافعي في الجديد : ما كسبه بجزئه الحر لورثته ولا يرث هو ممن مات شيئا وبه قال طاوس و عمرو بن دينار و ابو ثور وقال ابن عباس : هو كالحر في جميع أحكامه في توريثه والإرث منه وغيرهما وبه قال الحسن و جابر بن زيد و الشعبي و النخعي و حماد و ابن أبي ليلى و الثوري و أبو يوسف و محمد و اللؤلؤي و يحيى بن آدم و داود وقال أبو حنيفة إن كان الذي لم يعتق استسعى العبد فله من تركته سعايته وله نصف ولائه وإن كان أغرم الشريك فولاؤه كله للذي أعتق بعضه
ولناما روى عبد الله بن أحمد حدثنا الرملي عن يزيد بن هارون عن عكرمة عن ابن عباس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في العبد يعتق بعضه : يرث ويورث على قدر ما عتق منه ] ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه كما لو كان الآخر مثله وقياسا لأحدهما على الآخر إذا ثبت هذا فالتفريع على قولنا لأن العمل على غيره واضح وكيفية توريثه : أن يعطى من له فرض بقدر ما فيه من الحرية من فرضه وإن كان عصبة نظر ما له مع الحرية الكاملة فأعطى بقدر ما فيه منها وإن كانا عصبتين لا يحجب أحدهما الآخر كابنين نصفهما حر ففيه وجهان : أحدهما : تكمل الحرية فيهما بأن تضم الحرية من أحدهما إلى ما في الآخر منها فإن كمل منهما واحد ورثا جميعا ميراث ابن حر لأن نصفي شيء شيء كامل ثم يقسم ما ورثاه بينهما على قدر ما في كل واحد منهما فإذا كان ثلثا أحدهما حرا وثلث الآخر حرا كان ما ورثاه بينهما أثلاثا وإن نقص مافيهما من الحرية عن حر كامل ورثا بقدر ما فيهما وإن زاد على حر واحد وكان الجزءان فيهما سواء قسم ما يرثانه بينهما بالسوية وإن اختلفا أعطي كل واحد منهما بقدر ما فيه قال الخبري : قال الأكثرون هذا قياس قول علي رضي الله عنه والوجه الآخر لا تكمل الحرية فيهما لأنهما لو كملت لم يظهر للرق أثر وكانا في ميراثهما كالحرين وإن كان أحدهما يحجب الآخر فقد قيل فيهما وجهان أيضا والصحيح أن الحرية لا تكمل ههنا لأن الشيء لا يكمل بما يسقطه ولا يجمع بينه وبيم ما ينافيه وورثه بعضهم بالخطاب وتنزيل الأحوال وحجب بعضهم ببعض على مثال تنزيل الخطاب وقال أبو يوسف بمعناه ومسائل ذلك : ابن نصفه حر له نصف المال فإن كان معه ابن آخر نصفه حر فلهما المال في أحد الوجهين وفي الآخر لهما نصفه والباقي للعصبة أو لبيت المال إن لم تكن عصبة ويحتمل أن يكون لكل واحد منهما ثلاثة أثمان المال لأنهما لو كانا حرين لكان لكل واحد منهما النصف ولو كانا رقيقين لم يكن لهما شيء ولو كان الأكبر وحده حرا كان له المال ولا شيء للأصغر ولو كان الأصغر وحده حرا كان له كذلك ولكل واحد منهما في الأربعة أحوال مال ونصف فله ربع ذلك وهو ثلاثة أثمان فإن كان معهما ابن آخر ثلثه حر فعلى الوجه الأول ينقسم المال بينهم على ثمانية كما تقسم مسألة المباهلة وعلى الثاني يقسم النصف بينهم على ثمانية
وفيه وجه آخر يقسم الثلث بينهم أثلاثا ثم يقسم السدس بين صاحبي النصفين نصفين وعلى تنزيل الأحوال يحتمل أن يكون لكل واحد ممن نصفه حر سدس المال وثمنه ولمن ثلثه حر ثلثا ذلك وهو تسع المال ونصف سدسه لأن لكل واحد المال في حال ونصفه في حالين وثلثه في حال فيكون له مالان وثلث في ثمانية أحوال فنعطيه ثمن ذلك وهو سدس وثمن ويعطى من ثلثه حر ثلثيه وهو تسع ونصف سدس ابن حر وابن نصفه حر المال بينهما على ثلاثة : على الوجه الأول وعلى الثاني النصف بينهما نصفان والباقي للحر فيكون للحر ثلاثة أرباع وللآخر الربع ولو نزلتهما بالأحوال أفضى إلى هذا لأن للحر المال في حال ونصفه في حال فله نصفهما وهو ثلاثة أرباع وللآخر نصفه في حال فله نصف ذلك وهو الربع ولو خاطبتهما لقلت للحر : لك المال لو كان أخوك رقيقا ونصفه لو كان حرا فقد حجبك بحريته عن النصف فنصفها يحجبك عن الربع يبقى لك ثلاثة أرباع ويقال للآخر : لك النصف لو كنت حرا فإذا كان نصفك حرا فلك نصفه وهو الربع ابن ثلثاه حر وابن ثلثه حر على الأول المال بينهما أثلاثا وعلى الثاني الثلث بينهما وللآخر ثلث فيكون له النصف وللاخر السدس وقيل الثلثان بينهما أثلاثا
وبالخطاب تقول لمن ثلثاه حر : لو كنت وحدك حرا كان المال لك ولو كنتما حرين كان لك النصف فقد حجبك بحريته عن النصف فبثلثها يحجبك عن السدس يبقى لك خمسة أسداس لو كنت حرا فلك بثلثي حريته خمسة اتساع ويقال للآخر : يحجبك أخوك بثلثي حريته عن ثلثي النصف وهو الثلث يبقى لك الثلثان فلك بثلث حريتهم ثلث ذلك وهو التسعان ويبقى التسعان للعصبة إن كان أو ذي رحم فإن لم يكن ففي بيت المال ابن حر وبنت نصفها حر للابن خمسة أسداس المال وللبنت سدسه في الخطاب والتنزيل جميعا ومن جمع الحرية أفضى قوله إلى أن له أربعة أخماس المال ولها الخمس فإن كانت بنت حرة وابن نصفه حر وعصبة فللابن الثلث ولها ربع وسدس ومن جمع الحرية فيهما جعل المال بينهما نصفين
ابن وبنت نصفهما حر وعصبة فمن جمع الحرية فثلاثة أرباع المال بينهما على ثلاثة وقال بعض البصريين النصف بينهما على ثلاثة ومن ورث بالتنزيل والأحوال قال : للابن المال في حال وثلثاه في حال فله ربع ذلك ربع وسدس وللبنت نصف ذلك ثمن ونصف سدس والباقي للعصبة وإن شئت قلت إن قدرناهما حرين فهي من ثلاثة وإن قدرنا البنت وحدها حرة فهي من اثنين وإن قدرنا الابن وحده حرا فالمال له وإن قدرناهما رقيقين فالمال للعصبة فتضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة ثم في أربعة أحوال تكن أربعة وعشرين فللابن المال في حال ستة وثلثاه في حال أربعة صار له عشرة وللبنت النصف في حال والثلث في حال خمسة وللعصبة المال في حال ونصفه في حال تسعة فإن لم تكن عصبة جعلت للبنت في حال حريتها المال كله بالفرض والرد فيكون لها مال وثلث فتجعل لها ربع ذلك وهو الثلث
فإن كان معهما امرأة وأم حرتان كملت الحرية فيهما فحجبا الأم إلى السدس والمرأة إلى الثمن لأن كل واحد منهما لو انفرد لحجب نصف الحجب فإذا اجتمعا اجتمع الحجب ومن ورث بالأحوال والتنزيل قال : للأم السدس في ثلاثة أحوال والثلث في حال فلها ربع ذلك وهو سدس وثلث وثمن وللمرأة الثمن في ثلاثة أحوال والربع في حال فلها ربع ذلك وهو الثمن وربع الثمن وللابن الباقي في حال وثلثاه في حال فله ربعه وللبنت ثلث الباقي في حال والنصف في حال فلها ربعه وإن لم يكن في المسألة عصبة فللبنت بالفرض والرد أحد وعشرون من اثنين وثلاثين مكان النصف وللأم سبعة مكان السدس وتصح المسألة إذا لم يكن فيها رد بالبسط من مائتين وثمانية وثمانين سهما للأم منها ستون وللمرأة خمسة وأربعون وللابن خمسة وثمانون وللبنت ثلاثة وخمسون والباقي للعصبة وقياس قول من جمع الحرية في الحجب أن يجمع الحرية في التوريث فيجعل لهما ثلاثة أرباع الباقي
وقال ابن اللبان لهما ستة عشر من ثماينة وأربعين لأنهما لو كانا حرين لكان لهما سبعة عشر من أربعة وعشرين فيكون لهما بنصف حريتهم نصف ذلك وهذا غلط لأنه جعل حجب كل واحد منهما لصاحبه بنصف حريته كحجبه إياه بجميعها ولو ساغ هذا لكان لهم حال انفرادهما النصف بينهم من غير زيادة ابن وأبوان نصف كل واحد منهم حر إن قدرناهم أحرارا فللابن الثلثان وإن قدرناه حرا وحده فله المال وإن قدرنا معه أحد الأبوين حرا فله خمسة أسداس فتجمع ذلك تجده ثلاثة أموال وثلثان فله ثمنها وهو ربع سدس وللأب المال في حال وثلثاه في حال وسدساه في حالين فله ثمن ذلك ربع وللأم الثلث في حالين والسدس في حالين فلها الثمن والباقي للعصبة وإن عملتها بالبسط قلت إن قدرناهم أحرارا فهي من ستة وإن قدرنا الابن وحده حرا فهي من سهم فكذلك الأب وإن قدرنا الأم وحدها حرة أو قدرناها مع حرية الأب فهي من ثلاثة وإن قدرنا الابن مع الأب أو مع الأم فهي من ستة وإن قدرناهم رقيقا فالمال للعصبة وجميع المسائل تدخل في ستة فتضربها في الأحوال وهي ثمانية تكن ثمانية وأربعين وللابن المال في حال ستة وثلثا في حال أربعة وخمسة أسداسه في حالين عشرة فذلك عشرون سهما من ثمانية وأربعين وللأب المال في حال ستة وثلثاه في حال وسدساه في حالين وذلك اثنا عشر وللأم الثلث في حالين والسدس في حالين وذلك ستة وهي الثمن وإن كان ثلث كل واحد منهم حرا زدت على الستة نصفها تصير تسعة وتضربها في الثمانية تكن اثنين وسبعين فللابن عشرون من اثنين وسبعين وهي السدس والتسع وللأب اثنا عشر وهل السدس وللأم ستة وهي نصف السدس ولا تتغير سهامهم وإنما صارت منسوبة إلى اثنين وسبعين وإن كان ربع كل واحد منهم حرا زدت على الستة مثلها وقيل فيما إذا كان نصف كل واحد منهم حرا للأم الثمن وللأب الربع وللابن النصف ابن نصفه حر وأم حرة للأم الربع وللابن النصف وقيل له ثلاثة أثمان وهو نصف ما يبقى فإن كان بدل الأم أختا حرة فلها النصف وقيل لها نصف الباقي لأن الابن يحجبها عن نصف فرضها فإن كان نصفها حرا فلها الثمن على هذا القول وعلى الأول لها الربع وإن كان مع الابن أخت من أم أو أخ من أم فلكل واحد منهما نصف السدس وإن كان معه عصبة حر فله الباقي كله

فصل حكم ما إذا كان ابن نصفه حر وابن ابن حر
فصل : ابن نصفه حر وابن ابن حر المال بينهما في قول الجميع إلا الثوري قال : لابن الابن الربع لأنه محجوب بنصف الابن عن الربع فإن كان نصف الثاني حرا فله الربع فإن كان معهما ابن ابن ابن نصفه حر فله الثمن وقيل للأعلى النصف وللثاني النصف ولأن فيهما حرية ابن وهذا قول أبي بكر وقال سفيان لا شيء للثاني والثالث لأن ما فيهما من الحرية محجوب بحرية الابن فإن كان معهم أخ حرا أو غيره من العصبات فله الباقي وإن كان نصفه حرا فله نصف ما بقي إلا على القولين الآخرين ابن نصفه حر وابن ابن ثلثه حر وأخ ثلاثة أرباعه حر للأعلى النصف وللثاني ثلث الباقي وهو السدس وللأخ ثلاثة أرباع الباقي وهو الربع وعلى القول الآخر للابن النصف ولابن الابن الثلث والباقي للأخ ثلاثة إخوة مفترقين نصف كل واحد حر للأخ من الأم نصف السدس وللأخ من الأبوين نصف الباقي وللأخ من الأب نصف الباقي وتصح من ثمانية وأربعين للأخ من الأم أربعة وللأخ من الأبوين اثنان وعشرون وللأخ من الأب أحد عشر وعلى القول الآخر من الأم نصف السدس وللأخ من الأبوين النصف وللأخ من الأب ما بقي فإن كان معهم بنت حرة فلها النصف ولا شيء للأخ من الأم وللأخ من الأبوين الربع وللأخ من الأب الثمن والباقي للعصبة وعلى القول الآخر الباقي للأخ من الأبوين وحده فإن كان نصف البنت حرا فلها الربع وللأخ من الأم ربع السدس وللأخ من الأبوين نصف الباقي وللأخ من الأب نصف الباقي

فصل حكم ما إذا كانت بنت نصفها حر
فصل : بنت نصفها حر لها الربع والباقي للعصبة فإن لم يكن عصبة فلها النصف بالفرض والرد والباقي لذوي الرحم فإن لم يكن فلبيت المال فإن كان معها أم حرة فلها الربع لأن البنت الحرة تحجبها عن السدس فنصفها يحجبها عن نصفه وإن كان معها امرأة فلها الثمن ونصف الثمن وإن كان معها أخ من أم فله نصف السدس وإن كان معها بنت ابن فلها الثلث لأنها لو كانت كلها أمه لكان لبنت الابن النصف ولو كانت حرة لكان لها السدس فقد حجبتها حريتها عن الثلث فنصفها يحجبها عن السدس وكل من ذكرنا إذا كان نصفه حرا فله نصف ماله في الحرية وإن كان ثلثه حرا فله ثلثه وإن كان معها بنت أخرى حرة فلها ربع المال وثلثه بينهما على ثلاثة عند من جمع الحرية فيهما لأن لمنا بحرية نصفا وبنصف حرية نصف كمال الثلثين وفي الخطاب والتنزيل للحرة ربع وسدس وللأخرى سدس لأن نصف إحداهما يحجب الحرة عن نصف السدس فيبقى لها ربع وسدس والحرة تحجبها عن سدس كامل فيبقى لها سدس فإن كان نصفهما رقيقا ومعهما عصبة فلهما ربع المال وسدسه بينهما لأنهما لو كانتا حرتين كان لهما الثلثان ولو كانت الكبرى وحدها حرة كان لها النصف وكذلك الصغرى ولو كانتا امتين كان المال للعصبة فقد كان لهما مال وثلثان فلهما ربع ذلك وهو ربع وسدس وطريقهما بالبسط أن تقول : ولو كانتا حرتين فالمسألة من ثلاثة وإن كانت الكبرى وحدها حرة فهي من اثنين وكذلك إذا كانت الصغرى وحدها حرة وإن كانتا أمتين فهي من سهم فتضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة ثم للكبرى نصف المال في حال ثلاثة وثلثه في حال سهمان في الأحوال الأربعة تكن أربعة وعشرين صار لها خمسة من أربعة وعشرين وللأخرى مثل ذلك وللعصبة المال في حال والنصف والثلث في حال ذلك أربعة عشر سهما من أربعة وعشرين ومن جمع الحرية فيهما جعل لهما النصف والباقي للعصبة وإذا لم يكن عصبة نزلتهما على تقدير الرد فيكون حكمهما حكم اثنين نصف كل واحد منهما حر على ما قلناه ثلاث بنات ابن متنازلات نصف كل واحدة حر وعصبة للأولى الربع وللثانية السدس لأنها لو كانت حرة كان لها الثلث وللثالثة نصف السدس على قول البصريين لأنك تقول للسفلى : لو كانتا أمتين كان لك النصف ولو كانت إحداهما حرة كان لك السدس فبينهما ثلث فتحجبك العلياء عن ربع والثانية عن نصف سدس فيبقى لك سدس لو كنت حرة فإذا كان نصفك حرا كان لك نصفه وفي التنزيل للثالثة نصف الثمن وثلثه وذلك لأننا لو نزلنا كل واحدة حرة وحدها كان لها النصف فهذه ثلاثة أحوال من ابنين اثنين ولو كن إماء كان المال للعصبة ولو كن أحرارا كان للأولى النصف وللثانية السدس والثلث للعصبة ولو كانت الأولى والثانية حرتين فكذلك ولو كانت الثانية والثالثة حرتين فللثانية النصف وللثالثة السدس والثلث للعصبة فهذه أربعة أحوال من ستة ستة مسائل كلها تدخل فيها فتضربها في ثمانية أحوال تكن ثمانية وأربعين للعليا النصف في أربعة أحوال اثنا عشر وهي الربع وللثانية النصف في حالين والسدس في حالين وهي ثمانية وذلك هو السدس وللثالثة النصف في حال والسدس في حالين وهو خمسة وهي نصف الثمن وثلثه وقال قوم تجمع الحرية فيهن فيكون فيهن حرية ونصف لهن بها ثلث وربع للأولى وللثانية ربعان وللثالثة نصف سدس فإن كان معهن رابعة كان لها سدس ونصف آخر
ثلاث أخوات مفترقات نصف كل واحدة حر وأم حرة وعم للتي من قبل الأبوين الربع وللتي من قبل الأب السدس وللتي من قبل الأم نصف السدس وللأم الثلث لأنها لا تحجب باثنين من الإخوة والأخوات ولم تكمل الحرية في اثنين وللعم ما بقي وهكذا لو كانت أخت حرة وأخرى نصفها حر وأم حرة فللأم الثلث لما ذكرناه وقال الخبري للأم الربع وحجبها بالجزء كما تحجب بنصف البنت والفرق بينهما أن الحجب بالولد غير مقدر بل هو مطلق في الولد والجزء من الولد وفي الإخوة مقدر باثنين فلا يثبت بأقل منهما ولذلك لم تحجب بالواحد عن شيء أصلا وهذا قول ابن اللبان وحكى القول الأول عن الشعبي وقال هذا غلط وفي الباب اختلاف كثير وفروع قلما تتفق وقلما تجيء مسألة إلا ويمكن عملها بقياس ما ذكرناه

مسألة حكم ما إذا مات وخلف ابنين فاقر أحدهما بأخ
مسألة : قال : وإذا مات وخلف ابنين فأقر أحدهما بأخ فله ثلث ما في يده وإن أقر بأخت فلها خمس ما في يده
قد ذكرنا في باب الإقرار من يثبت بقوله ومن لا يثبت ونذكر ههنا ما يستحق المقر به من الميراث إذا لم يثبت نسبه فنقول : إذا أقر بعض الورثة لمشارك في الميراث فلم يثبت نسبه لزم المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه وهذا قول مالك و الأوزاعي و الثوري و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و شريك و يحيى بن آدم و وكيع و إسحاق و ابي عبيد و أبي ثور وأهل البصرة وقال النخعي و حماد و أبو حنيفة وأصحابه يقاسمه ما في يده لأنه يقول أنا وأنت سواء في ميراث أبينا وكان ما أخذه المنكر تلف أو أخذته يد عادية فيستوي في مابقي وقال الشافعي رضي الله عنه و داود لا يلزمه في الظاهر دفع شيء إليه وهل يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى ؟ على قولين أصحهما لا يلزمه لأنه لا يرث من لا يثبت نسبه وعلى قول الذي يلزمه دفع شيء غليه ففي قدره وجهان كالمذهبين المتقدمين
ولنا على الشافعي رضي الله عنه أنه أقر بحق لمدعيه يمكن صدقه فيه ويد المقر عليه وهو متمكن من دفعه إليه فيلزمه ذلك كما لو أقر بمعين ولأنه إذا علم أن هذا أخوه فله ثلث التركة ويتعين استحقاقه لها وفي يده بعضه وصاحبه يطلبه فلزمه دفعه إليه وحرم عليه منعه كما في سائر المواضع وعدم ثبوت نسبه في الظاهر لا يمنع وجوب دفعه إليه كما لو غصبه شيئا ولم تقم البينة بغصبه
ولنا على ابي حنيفة أنه أقر له بالفاضل عن ميراثه فلم يلزمه أكثر مما أقربه كما لو أقر له بشيء معين ولأنه حق يتعلق بمحل مشترك بإقرار أحد الشريكين فلم يلزمه أكثر من قسطه كما لو أقر أحد الشريكين على العبد بجناية فعلى هذا إذا خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ فللمقر له ثلث ما في يد المقر وهو سدس المال لأنه يقول نحن ثلاثة لكل واحد منا الثلث وفي يدي النصف ففضل في يدي لك السدس فيدفعه إليه وهو ثلث ما في يده وفي قول أبي حنيفة يدفع إليه نصف ما في يده وهو الربع وإن أقر بأخت دفع إليها خمس ما في يده لأنه يقول نحن أخوان وأخت فلك الخمس من جميع المال وهو خمس ما في يدي وخمس ما في يد أخي فيدفع إليها خمس ما في يده وفي قولهم يدفع إليها ثلث ما في يده

فصل إذا أقر جميع الورثة بوارث أو أقر به الميت ثبت نسبه
فصل : وإن أقر جميع الورثة بوارث أو أقر به الميت ليثبت نسبه منه ثبت نسبه سواء كان الورثة واحدا أو جماعة وبهذا قال النخعي و الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة و مالك و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح لا يثبت نسبه والمشهور عن أبي يوسف أنه لا يثبت النسب إلا بإقرار ابنين ذكرين كانا أو أنثيين عدلين أو غير عدلين ونحوه عن مالك وروى ابن اللبان قال أشعث بن سوار عن رجل من أهل المدينة قال : جاء رجل وأخته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعهما صبي فقالا : هذا أخونا فقال : لا ألحق بأبيكما من لم يقر به
ولنا أن عبد الله بن زمعة ادعى نسب ولد وليدة أبيه وقال : هذا أخي ولد على فراش أبي فقبل النبي صلى الله عليه و سلم قوله وأثبت النسب به ولأن الوراث يقوم مقام موروثه بدليل أنه يثبت باعترافه ما يثبت باعتراف الموروث على نفسه من الدين وغيره كذا النسب ولأن الوارث يخلف الموروث في حقوقه وهذا منها ولا خلاف بينهم في وجوب دفع ميراثه إليه إلا أن يكون المقر به يسقط المقر كأخ يقر بابن أو ابن ابن أو أخ من أب يقر بأخ من أبوين فإن الشافعي في ظاهر مذهبه أثبت النسب ولم يورثه لئلا يكون إقرارا من غير وارث فثبوت ميراثه يفضي إلى سقوط نسبه وميراثه
ولنا أنه إقرار من كل الورثة يثبت به النسب بمن يرث لو ثبت نسبه بغير إقراره فيجب أن يرث كما لو لم يسقطه ولأنه ابن ثابت النسب لم يمنع إرثه مانع متفق عليه أشبه ما لو ثبت ببينة والاعتبار بكونة وارثا حالة الإقرار أو بكونه وارثا لولا الإقرار بدليل أنه لو اعتبر الحال الثاني لم يثبت النسب إذا أقر بمشارك في الميراث لأنه يكون أقرارا من بعض الورثة فإن قالوا إنما ثبت لأن المقر به أيضا مقر بنفسه مدع لنسبه قلنا وههنا مثله فاستويا

فصل حكم ما إذا خلف ابنا واحدا فأقر بأخ من أبيه
فصل : إذا خلف ابنا واحدا فأقر بأخ من أبيه دفع إليه نصف ما في يده في قول الجميع فإن أقر بعد بآخر فاتفقا عليه دفعا إليه ثلث ما في أيديهما في قول الجميع فإن أنكر المقر به ثانيا المقر به الأول لم يثبت نسبه قال القاضي هذا مثل للعامة تقول ادخلني أخرجك وليس له أن يأخذ أكثر من ثلث ما في أيديهما لأنه لم يقر له بأكثر منه
وقال الشافعي رضي الله عنه يلزم المقر أن يغرم له نصف التركة لأنه أتلفه عليه بإقراره الأول ويحتمل أن لا يبطل نسب الأول لأنه ثبت بقول من هو كل الورثة حال الإقرار فإن لم يصدق به الأول بالثاني لم يثبت نسبه ويدفع إليه المقر له ما بقي في يده لأنه الفضل الذي في يده ويحتمل أن يلزمه دفع ثلث جميع المال لأنه فوته عليه بدفع النصف إلى الأول وهو يقر أنه لا يستحق إلا الثلث وسواء دفعه إليه بحكم الحاكم أو بغير حكمه لأن إقراره علة حكم الحاكم وسواء علم بالحال عند إقراره الأول أو لم يعلم لأن العمد والخطأ واحد في ضمان ما يتلف وحكي نحو هذا عن شريك ويحتمل أنه إن علم بالثاني حين أقر بالأول وعلم أنه إذا أقر به بعد الأول لا يقبل ضمن لتفويته حق غيره بتفريطه وإن لم يعلم يضمن لأنه لم يجب عليه الإقرار بالأول إذا علمه ولا يحوجه إلى حاكم ومن فعل الواجب فقد أحسن وليس بخائن فلا يضمن وقيل هذا قياس قول الشافعي
وقال أبو حنيفة إن كان الدفع بحكم حاكم دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده لأن حكم الحاكم كالأخذ منه كرها وإن دفعه بغير حاكم دفع إلى الثاني ثلث جميع المال لأنه دفع إلى الأول ما ليس له تبرعا ولنا على الأول أنه أقر بما يجب عليه الإقرار به فلم يضمن ما تلف به كما لو قطع الإمام يد السارق فسرى إلى نفسه وإن أقر بعدهما بثالث فصدقاه ثبت نسبه وأخذ ربع ما في كل واحد منهم إذا كان مع كل وحد ثلث المال وإن كذباه لم يثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد المقر به وفي ضمانه له ما زاد التفصيل في التي قبلها وعلى مثل وقلنا قال ابن أبي ليلى وأهل المدينة وبعض أهل البصرة

فصل بيان معرفة الفضل
فصل : ومتى أردت معرفة الفضل فاضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار ثم تضرب ما للمقر من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار إذا كانتا متباينتين وتضرب ما للمنكر في مسألة الإنكار في مسألة الاقرار فما كان بينهما فهو الفضل فإن لم يكن في يده فضل فلا شيء للمقر له كثلاثة إخوة مفترقين أقر الأخ من الأم بأخ أو أخت فلا شيء للمقر له لأنه يقر على غيره وسواء أقر بأخ من أم أو غيره وعند ابي حنيفة إن أقر بأخ من أم فله نصف ما في يده فإن أقر بأخ من أبوين فللمقر به خمسة أسباع ما في يده وإن كن ثلاث أخوات مفترقات فأقرت الأخت من الأم بأخ فإن كان في مسألة عصبة فلا شيء له فإن لم يكن فيها عصبة فله سدس ما بقي في يدها لأن مسألة الإنكار من خمسة والإقرار من ستة إذا ضربت إحداهما في الأخرى كانت ثلاثين لها سهم من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار ستة ولها في الإقرار خمسة يفضل في يدها سهم فهو للأخ من أي جهة كان وإن أقرت الأخت من الأب بأخ لها صحت من تسعين لها عشرة ويفضل لأخيها ثمانية وإن أقرت بأخ من أبوين دفعت إليه جميع ما في يدها وإن أقرت بأخ من أم أو بأم للميت أو جدة أو بعصبة فله سدس ما في يدها وإن خلف أربع أخوات من أب وعما فأقر بأخ لهن فلا شيء له وإن اقررن بأخت من أبوين دفعن إليها ثلاثة أرباع مافي أيديهن وإن أقررن بأخت من أب فلها خمس ما في أيديهن وايتهن أقرت وحدها دفعت إليها مما في يدها بقدر ذلك وإن أقرت إحداهن بأخ وأخت فمسألة الإقرار من سبعة والإنكار من ستة تضرب إحداهما في الأخرى تكن اثنين وأربعين لها سهم في ستة وفي يدها سبعة يفضل في يدها سهم لهما وإن أقر الأربع بهما فضل لهما أربعة أسهم فإن كان المقر بهما يتصادقان اقتسماهما بينهم أثلاثا فإن تجاحدا فلا شيء للأخ لأنه يقر أنه لا حق له في الثلثين ويكون المقر به للأخت لأنها تدعي خمس الثلثين وإن جحدته ولم يجحدها لم يلتفت إلى جحدها لإقرار الأخوات المعروفات وإن جحدها ولم تجحده احتمل أن يكون المقر به لها لإقراره بأنه لا يستحق شيئا من الثلثين وكونها تدعي من الثلين مثل هذه الفضلة ويحتمل أن لا تستحق إلا ثلث أربعة أسهم لإقرارها بها للأخ والأول أولى إن شاء الله تعالى
وإن أقر العم بأخت أو أخوات من أب أو أبوين فلا شيء لهم وإن أقر بأخ أو أخت من أم أو بأم أو جدة فللمقر له السدس وإن أقر بأخ من أبوين أو من أب أو بابنين من ولد لأم فلهم جميع ما في يده وإن خلف أما أو أخا من أبوين فأقرت الأم بأخ من أم أو من أبوين فله السدس وهو نصف ما في يدها وإن أقرت بأخ من أب فصدقها الأخ من الأبوين فله السدس وهو نصف ما في يدها ولا شيء للمقر له وإن لم يصدقها فقد أقرت له بما لا يدعيه فيحتمل أن يقر في يدها ولا يصح إقرارها ويحتمل أن يصطلحا عليه لأنه لا يخرج عنهما وقد أشكل أمره ويحتمل أن يكون لبيت المال لأنه مال لم يثبت له مستحق ولا يدعيه أحد فإن أقر الأخ بأخ له من أبوين فله ثلاثة أثمان ما في يده لأن مسألة الإقرار من اثني عشر له منها خمسة وفي يده ثمانية فالفاضل في يده ثلاثة

فصل إذا خلف ابنين فأقر الأكبر بأخوين فصدقه الأصغر في أحدهما
فصل : إذا خلف ابنين فأقر الأكبر بأخوين فصدقه الأصغر في أحدهما ثبت نسب المتفق له فصاروا ثلاثة ومسألة الإقرار الإنكار من أربعة فتضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار تكن اثني عشر للأصغر سهم من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار أربعة وللأكبر سهم في مسألة الإنكار ثلاثة وللمتفق عليه إن أقر بصاحبه مثل سهم الأكبر وإن أنكر مثل سهم الأصغر وذكر أبو الخطاب أن المتفق عليه إن صدق بصاحبه لم يأخذ من المنكر إلا ربع ما في يده لأنه لا يدعي أكثر منه ويأخذ هو المختلف فيه من الأكبر نصف ما في يده فتصح من ثمانية للمنكر ثلاثة أثمان وللمقر سهمان وللمتفق عليه سهمان وللآخر سهم
وذكر ابن اللبان أن هذا قياس قول مالك و الشافعي رضي الله عنه وفي هذا نظر لأن المنكر يقر أنه لا يستحق إلا الثلث وقد حضر من يدعي الزيادة فوجب دفعها إليه ونظير هذا ما لو ادعى إنسان دارا في يد رجل فأقر بها لغيره فقال المقر له إنما هي لهذا المدعي فإنها تدفع إليه
وقد رد الخبري على ابن اللبان هذا القول وقال على هذا يبقى مع المنكر ثلاثة أثمان وهو لا يدعي إلا الثلث وقد حضر من يدعي هذه الزيادة ولا منازع له فيها فيجب دفعها إليه قال والصحيح أن يضم المتفق عليه السدس الذي يأخذه من المقر به فيضمه إلى النصف الذي بيد المقر بهما فيقسمانه أثلاثا وتصح من تسعة للمنكر ثلاثة ولكل واحد من الآخرين سهمان وهذا قول أبي يوسف إذا تصادقا ولا يستقيم هذا على قول من لم يلزم المقر أكثر من الفضل عن ميراثه لأن المقر بهما والمتفق عليه لا ينقص ميراثه عن الربع ولم يحصل له على هذا القول إلا التسعان وقيل يدفع الأكبر إليهما نصف ما في يده ويأخذ المتفق عليه من الأصغر ثلث ما في يده فيحصل للأصغر الثلث وللأكبر الربع وللمتفق عليه السدس والثمن وللمختلف فيه الثمن وتصح من أربعة وعشرين للأصغر ثمانية وللمتفق عليه سبعة وللأكبر ستة وللمختلف فيه ثلاثة وفيها أقوال كثيرة سوى هذا

فصل إذا خلف ابنا فأقر بأخوين دفعة واحدة فتصادقا
فصل : إذا خلف ابنا فأقر بأخوين دفعة واحدة فتصادقا ثبت نسبهما وإن تجاحدا فكذلك في أحد الوجهين لأنه نسبهما ثبت بإقرار قبلهما وفي الآخر لا يثبت لأن الإقرار بكل واحد منهما لم يصدر من كل الورثة ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده وإن صدق أحدهما بصاحبه وجحده الآخر ثبت نسب المتفق عليه وفي الآخر وجهان ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما بقي في يده

فصل حكم لو خلف ثلاثة بنين فأقر أحدهم بأخ وأخت
فصل : ولو خلف ثلاثة بنين فأقر أحدهم بأخ وأخت فصدقه أحد أخويه في الأخ والآخر في الأخت لم يثبت نسبهما ويدفع المقر بهما إليهما ثلث ما في يده ويدفع المقر بالأخ إليه ربع ما في يده ويدفع المقر بالأخت إليه سبع ما في يده فأصل المسألة ثلاثة أسهم : سهم المقر بينه وبينهما على تسعة فله ستة ولهما ثلاثة وسهم المقر بالأخ بينهما على أربعة له ثلاثة ولأخيه سهم وسهم المقر بالأخت بينه وبينهما على ستة له خمسة ولها سهم وكلها متباينة بالأخ بينهما على أربعة له ثلاثة ولأخيه سهم وسهم المقر بالأخت بينه وبينهما على ستة له خمسة ولها سهم وكلها متباينة فاضرب أربعة في سبعة في أصل المسألة تكن سبعمائة وستة وخمسين للمقر بهما ستة في أربعة في سبعة مائة وثمانية وستون وللمقر بالأخت ستة في أربعة في تسعة مائتان وستة عشر وللمقر بالأخ ثلاثة في سبعة في تسعة مائة وتسعة وثمانون وللأخ المقر به سهمان في أربعة في سبعة ستة وخمسون وسهم في ستة في تسعة ثلاثة وستون فيجتمع له مائة وتسعة عشر وللأخت سهم في أربعة في سبعة ثمانية وعشرون وسهم في أربعة في تشعة ستة وثلاثون يجتمع لها أربعة وستون ولا فرق بين تصادقهما وتجاحدهما لأنه لا فضل في يد أحدهما عن ميراثه ولو كان في هذه المسألة ابن ربع لم يصدقه في واحد منهما كان أصل المسألة من اسهم على أحد عشر وسهم على تسعة وسهم على خمسة وسهم ينفرد به الجاحد فتصح المسألة من ألف وتسعمائة وثمانين سهما وطريق العمل فيها كالتي قبلها

فصل حكم ما إذا خلف بنتا وأختا فأقرتا بصغيرة
فصل : إذا خلف بنتا وأختا فأقرتا الصغيرة فقالت البنت هي أخت وقالت الأخت هي بنت فلها ثلث ما في يد الأخت لا غير وهذا قول ابن أبي ليلى ولـ محمد بن الحسن و اللؤلؤي و يحيى بن آدم تخبيط كثير يطول ذكره
وإن خلف امرأة وبنتا وأختا فأقررن بصغيرة فقالت المرأة هي امرأة وقالت البنت هي بنت وقالت الأخت هي أخت فقال الخبري تعطى ثلث المال لأنه أكثر ما يمكن لها ويؤخذ من المقرات على حسب إقرارهن وقد أقرت لها البنت بأربعة أسهم من أربعة وعشرين وأقرت لها الأخت بأربعة ونصف واقرت المرأة بسهم ونصف وذلك عشرة أسهم منها ثمانية وهي أربعة أخماسها فخذ لها في كل واحدة أربعة أخماس ما اقرت لها به واضرب المسألة في خمسة تكن مائة وعشرين ومنها تصح فإذا بلغت الصغيرة فصدقت إحداهن أخذت منها تمام ما أقرت لها به وردت على الباقيتين ما أخذته مما لا تستحقه وهذا قول أبي حنيفة وقال ابن أبي ليلى يؤخذ لها من كل واحدة ما أقرت لها به وإذا بلغت فصدقت إحداهن أمسكت ما أخذ لها منها وردت على الباقيتين الفضل الذي لا تستحقه عليها وهذا القول أصوب إن شاء الله تعالى لأن فيه احتياطا على حقها ثلاثة إخوة لأب ادعت امرأة أنها أخت الميت لأبيه وأمه فصدقها الأكبر وقال الأوسط هي أخت لأم وقال الأصغر هي أخت لأب فإن الأكبر يدفع إليها نصف ما في يده ويدفع إليها الأوسط سدس ما في يده ويدفع إليها الأصغر سبع ما في يده وتصح من مائة وستة وعشرين لأن أصل مسألتهم ثلاثة فمسألة الأكبر من اثنين والثاني من ستة والثالث من سبعة والاثنان تدخل في الستة فتضرب ستة في سبعة تكن اثنين وأربعين فهذا ما في يد كل واحد منهم فتأخذ من الأكبر نصفه أحدا وعشرين ومن الأوسط سدسه سبعة ومن الأصغر سبعه سته صار لها أربعة وثلاثون وهذا قياس قول ابن أبي ليلى وفي قول أبي حنيفة تأخذ سبع ما في يد الأصغر فيضم نصفه إلى ما بيد أحدهما ونصفه إلى ما بيد الآخر ويقاسم الأوسط على ثلاثة عشر له عشرة ولها ثلاثة فيضم الثلاثة إلى ما بيد الأكبر ويقاسمه ما بيده على أربعة لها ثلاثة وله سهم فاجعل في يد الأصغر أربعة عشر ليكون لسبعه نصف صحيح واضربها في ثلاثة عشر تكن مائة واثنين وثمانين فهذا ما بيد كل واحد منهم تأخذ من الأصغر سبعه وهو ستة وعشرون تضم إلى ما بيد كل واحد من إخوته ثلاثة عشر فيصير معهم مائة وخمسة وتسعون وتأخذ من الأوسط منها ثلاثة عشر وهي خمسة وأربعون تضمها إلى ما بيد الأكبر يصير معه مائتان وأربعون فتأخذ ثلاثة أرباعها وهي مائة وثمانون ويبقى له ستون ويبقى للأوسط مائة وخمسون وللأصغر مائة وستة وخمسون وترجع بالاختصار إلى سدسها وهو أحد وتسعون

فصل حكم إقرار الابن بأخ ثم جحده
فصل : وإذا خلف ابنا فأقر بأخ ثم حجده لم يقبل جحده ولزمه أن يدفع إليه نصف ما بيده فإن أقر بعد جحده بآخر احتمل ان لا يلزمه له شيء لأنه لا فضل في يده عن ميراثه وهذا قول ابن أبي ليلى فإن كان لم يدفع إلى الأول شيئا لزمه أن يدفع إليه نصف ما بيده ولا يلزمه للآخر شيء ويحتمل أن يلزمه دفع النصف الباقي كله إلى الثاني لأنه فوته عليه وهذا قول زفر وبعض البصريين ويحتمل أن يلزمه ثلث ما في يده للثاني لأنه الفضل الذي في يده على تقدير كونهم ثلاثة فيصير كما لو أقر من غير جحد الأول وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي رضي الله عنه وقال أهل العراق إن كان دفع إلى الأول بقضاء دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده وإن كان دفعه بغير قضاء دفع إلى الثاني ثلث جميع المال وإن خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ ثم جحده ثم أقر بآخر لم يلزمه الثاني شيء لأنه لا فضل في يده وعلى الاحتمال الثاني يدفع إليه نصف ما بقي في يده وعلى الثالث يلزمه ربع ما بقي في يده ولا يثبت نسب واحد منهما في هذه الصورة ويثبت نسب المقر به الأول في المسألة الأولى دون الثاني

فصل إذا مات رجل وخلف ابنين فمات أحدهما وترك بنتا فأقر الباقي بأخ له من أبيه
فصل : إذا مات رجل وخلف ابنين فمات أحدهما وترك بنتا فأقر الباقي بأخ له من أبيه ففي يده ثلاثة أرباع المال وهو يزعم أن له ربعا وسدسا فيفضل في يده ثلث يرده على المقر به وإن أقرت به البنت وحدها ففي يدها الربع وهي تزعم أن لها السدس يفضل في يدها نصف السادس تدفعه إلى المقر له وهذا قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة أن أقر الأخ دفع إليه نصف ما في يده وإن أقرت البنت دفعت إليه خمسة أسباع ما في يدها لأنها تزعم أن له ربعا وسدسا وهو خمسة من أثني عشر ولها السدس وهو سهمان فيصير الجميع سبعة لها منهما سهمان وله خمسة بنتان وعم ماتت إحداهما وخلفت ابنا وبنتا فأقرت البنت بخالة ففريضة الإنكار من تسعة وفريضة الإقرار من سبعة وعشرين ولها منهما سهمان وفي يدها ثلاثة فتدفع إليها سهما وإن أقر بها الابن دفع إليها سهمين وإن أقرت بها البنت الباقية دفعت إليها التسع وإن أقر بها العم لم يدفع إليها شيئا وإن أقر الابن بخال له فمسألة الإقرار من اثني عشر له منها سهمان وهما السدس يفضل في يده نصف تسع وإن أقرت به أخته دفعت إليه ربع تسع فإن أقرت به البنت الباقية فلها الربع وفي يدها الثلث فتدفع إليه نصف السدس وإن أقر به العم دفع إليه جميع ما في يده ابنان مات أحدهما عن بنت ثم أقر الباقي منهما بأم لأبيه ففريضة الإنكار من أربعة للمقر منها ثلاثة أرباعه وفريضة الإقرار من اثنين وسبعين للمقر منها أربعون يفضل في يده أربعة عشر سهما يدفعها إلى المرأة التي أقر لها وترجع بالاختصار إلى ستة وثلاثين للمقر منها عشرون وللبنت تسعة وللمقر لها سبعة ومذهب أبي حنيفة تعمل كذلك إلا أنه يجمع سهام الأم وهي سبعة عشرة إلى سهام المقر وهي أربعون فتقسم عليها ثلاثة أرباع المال فما أصاب كل واحد فهو له فتضرب سبعة وخمسين في أربعة تكن مائتين وثمانية وعشرين فللبنت سهم في سبعة وخمسين وللمقر أربعون في ثلاثة تكن مائة وعشرين وللأم سبعة عشر في ثلاثة أحد وخمسون وإن أقرت بها البنت فلها من فريضة الإقرار خمسة عشر سهما وفي يدها الربع وهو ثمانية عشر يفضل في يدها ثلاثة تدفعها إلى المقر لها وإن أقر الابن بزوجة لأبيه وهي أم الميت الثاني فمسألة الإقرار من ستة وتسعين لها منها ستة وخمسون وفي يده ثلاثة ارباع يفضل معه ستة عشر سهما يدفعها إلى المقر لها ويكون له ستة وخمسون ولها ستة عشر وللبنت أربعة وعشرون وترجع بالاختصار إلى اثني عشر لأن سهامهم كلها تتفق بالأثمان فيكون للمقر سبعة وللمقر لها سهمان وللبنت ثلاثة وفي قول أبي حنيفة يضم سهام المقر لها وهي تسعة عشر إلى سهام المقر فتكون خمسة وسبعين وتقسم عليها ثلاثة الأرباع وهما يتفقان بالأثلاث فترجع السهام إلى ثلثها خمسة وعشرين تضربها في أربعة تكن مائة للبنت سهم في خمسة وعشرين وللمرأة تسعة عشر في سهم وللمقر ستة وخمسون وما جاء من هذا الباب فهذا طريق له أبوان وابنتان اقتسموا التركة ثم أقروا ببنت للميت فقالت قد استوفيت نصيبي من تركة أبي فالفريضة في الإقرار من ثمانية عشر للأبوين ستة ولكل بنت أربعة فأسقط منها نصيب البنت المقر بها يبقى أربعة عشر للأبوين منها ستة وإنما أخذا ثلث الأربعة عشر وذلك أربعة أسهم وثلثا سهم فيبقى لها في يد البنتين سهم وثلث يأخذانها منهما فاضرب ثلاثة في أربعة عشر تكن اثنين وأربعين فقد أخذ الأبوان أربعة عشر وهما يستحقان ثمانية عشر يبقى لهما أربعة يأخذانهما منهما ويبقى للابنتين أربعة وعشرون وإن قالت قد استوفيت نصف نصيبي فأسقط سهمين من ثمانية عشر يبقى ستى عشر قد أخذا ثلثها خمسة وثلثا ويبقى لها ثلثا سهم فإذا ضربتها في ثلاثة كانت ثمانية وأربعين قد أخذا منها ستة عشر يبقى لهما سهمان

فصل إقرار بعض الورثة بمن يعصبه
فصل : إذا أقر بعض الورثة ممن أعيلت له المسألة بمن يعصبه فيذهب العول مثل مسألة فيها زوج وأختان أقرت إحداهما بأخ لها فاضرب مسألة الإقرار وهي ثمانية في مسألة الإنكار وهي سبعة تكن ستة وخمسين للمنكرة سهمان في مسألة الإقرار ستة عشر وللمقرة سهم في مسألة الإنكار سبعة يفضل في يدها تسعة أسهم فيسأل الزوج فإن أنكر أعطي ثلاثة في ثمانية أربعة وعشرون ودفعت المقرة إلى المقر له ما فضل في يدها كله وإن أقر الزوج به فهو يدعي أربعة والأخ يدعي أربعة عشر فتجمعها تكن ثمانية عشر وتقسم عليها التسعة فتدفع إلى الزوج سهمين وإلى الأخ سبعة فإن أقرت الأختان به وأنكر الزوج دفع إلى كل أخت سبعة وإلى الأخ أربعة عشر ويبقى أربعة يقران بها للزود وهو ينكرها ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن تقر في يد من هي في يده لأن إقراره بطل لعدم تصديق المقر له
والثاني : يصطلح عليها الزوج والأختان له نصفها ولهما نصفها لأنها لا تخرج عنهم ولا شيء فيها للأخ لأنه لا يحتمل أن يكون له فيها شيء بحال
الثالث : يؤخذ إلى بيت المال لأنه مال لم يثبت له مالك ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في الصورة الأولى إن أنكر الزوج أخذت المقرة سهميها من سبعة فتقسمها بينها وبين أختها على ثلاثة فتضرب ثلاثة في سبعة تكن أحدا وعشرين لهما منها ستة لها سهمان ولأختها أربعة وإن اقر الزوج ضم سهامه إلى سهميهما تكن خمسة واقتسماها بينهم على سبعة للزوج أربعة وللأخ سهمان وللأخت سهم ثم تضرب سبعة في سبعة تكن تسعة وأربعين ومنها تصح للمنكرة سهمان في سبعة أربعة عشر وللزوج أربعة في خمسة وللأخ سهمان في خمسة وللمقرة سهم في خمسة
فإن خلفت أما زوجا وأختا من أب فأقرت الأخت بأخ لها فمسألة الإنكار من ثمانية ومسألة الإقرار من ثمانية عشر ويتفقان بالأنصاف فاضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن اثنين وسبعين للأم ثمانية عشر وفي يد المقر سبعة وعشرون ولها من مسألة الإقرار ثمانية يفضل في يدها تسعة عشر فيسأل الزوج فإن أنكر أخذ الأخ ستة عشر وبقيت ثلاثة أسهم فيها الأوجه الثلاثة وإن أقر فهو يدعي تسعة لأنه يدعي تمام النصف والأخ يدعي ستة عشر فتضم التسعة إلى الستة عشر تكن خمسة وعشرين والتسعة عشر لا توافقها فتضرب خمسة وعشرين في اثنين وسبعين تكن ألفا وثمانمائة ثم كل من له شيء من اثنين وسبعين مضروب في خمسة وعشرين ومن له شيء من خمسة وعشرين مضروب في تسعة عشر وسئل المغيرة الضبي عن هذه المسألة فأجاب بهذا وذكر أنه قول النخعي قال يحيى بن آدم وهي في قول حماد و أبي حنيفة من عشرين سهما يعني للأم ربعها خمسة والباقي بين الزوج والأخ والأخت على قدر سهامهم من فريضة الإقرار للزوج تسعة وللأخ أربعة وللأخت سهمان وإن صدقتها الأم وحدها دون الزوج أعطيت الأم السدس والأخ والأخت الثلث بينهما على ثلاثة وللزوج ثلاثة أثمان ويبقى الثمن فيه الأوجه الثلاثة

فصل أقرار بمن لا يرث
فصل : وإن أقر وارث بمن لا يرث ويسقط به ميراثه كأخت من أب أقرت بأخ لها في مسألة فيها زوج وأخت من أبوين أو اقرت بأخ من أبوين سقط ميراثها ويقسم المال بين الزوج والأخت نصفين أن صدقاها في الصورة الأولى وفي الثانية للزوج النصف والباقي بين الأخ والأخت على ثلاثة وإن كذباها فالمقر به هو السبع ففيها الأوجه الثلاثة في الصورة الأولى ويدفع إلى الأبوين في الصورة الثانية وإن خلفت زوجا وأما وأختين لأم وأختين لأب فأقرت إحداهما بأخ لها وسقط ميراثها ولا شيء للأخ وللأخرى خمس المال والباقي بين سائر الورثة على ستة أن أقروا فاضرب ستة في خمسة تكن ثلاثين وإن أنكرت الأم فلها العشر أيضا والباقي بين الزوج والأختين من الأم على خمسة وإن أنكر الأختان من الأم فلهما الخمس أيضا والباقي كله للزوج وتصح من عشرة وإن أنكره الزوج فله خمس وعشر فيبقى خمس المال لا يدعيه أحد يقرون به للأخت المقرة وهي تقر به لهم ففيه الأوجه الثلاثة إلا أننا إذا قلنا يقسم بينهم فلا شيء فيه للأخت المنكرة ولا للمقر به بحال لأنه لا يحتمل أن يكون لهما شيء بحال

فصل إقرار أحد الورثة بأن الموصي له أخوة الميت
فصل : امرأة عم ووصى لرجل بثلث ماله فأقرت المرأة والعم أنه أخو الميت وصدقهما ثبت نسبه وأخذ ميراثه وأن أقرت به المرأة وحدها فلم يصدقها المقر به لم يؤثر إقرارها شيئا وإن صدقها الأخ وحده فللمرأة الربع بكماله إلا أن يجيز الوصية وللعم النصف ويبقى الربع يدفع إلى الوصي وإن صدقها العم ولم يصدقها الوصي فله الثلث وللمرأة الربع والباقي يقر به العم لمن لا يدعيه ففيه الأوجه الثلاثة وإن أقر به العم وحده فصدقه الموصي له أخذ ميراثه وهو ثلاثة أرباع المال وللمرأة السدس ويبقى نصف السدس فيحتمل أن يكون لها لأن الموصي له يعترف ببطلان الوصية أو وقوفها على إجازة المرأة ولم تجزها ويحتمل أن يكون فيه الأوجه الثلاثة وإن لم يصدقه أخذ الثلث بالوصية والمرأة السدس بالميراث ويبقى النصف فيه الأوجه الثلاثة

مسألة لا يرث القاتل عمدا كان القتل أو خطأ
مسألة : قال : والقاتل لا يرث المقتول عمدا كان القتل أو خطأ
أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئا إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب و ابن جبير أنهما ورثاه وهو رأي الخوارج لأن آية الميراث تتناوله بعمومها فيجب العمل بها فيه ولا تعويل على هذا القول لشذوذه وقيام الدليل على خلافه فإن عمر رضي الله عنه أعطى دية ابن قتادة المذحجي لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيفه فقتله واشتهرت هذه القصة بين الصحابة رضي الله عنهم فلم تنكر فكانت إجماعا و [ قال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ليس للقاتل شيء ] رواه مالك في موطئه والإمام أحمد بإسناده وروى عمروبن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه رواه ابن اللبان بإسناده ورواهما ابن عبد البر في كتابه
وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من قتل قتيلا فإنه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره وإن كان والده أو ولده فليس لقاتل ميراث ] رواه الإمام أحمد بإسناده ولأن توريث القاتل يفضي إلى تكثير القتل لأن الوارث ربما استعجل موت موروثه ليأخذ ماله كما فعل الإسرائيلي الذي قتل عمه فأنزل الله تعالى فيه قصة البقرة وقبل ما ورث قاتل بعد عاميل وهو اسم القتيل ـ فأما القتل خطأ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يرث ايضا نص عليه أحمد ويروى ذلك عن عمر وعلي وزيد وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله عنهم وبه قال شريح و عروة و طاوس و جابر بن زيد و النخعي و الشعبي و الثوري و شريك و الحسن بن صالح و وكيع و الشافعي و يحيى بن آدم و أصحاب الرأي وورثه قوم من المال دون الدية وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب و عطاء و الحسن و مجاهد و الزهري و مكحول و الأوزاعي و ابن أبي ذئب و أبي ثور و ابن المنذر و داود وروي نحوه عن علي لأن ميراثه ثابت بالكتاب والسنة تخصص قاتل العمد بالإجماع فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه
ولنا الأحاديث المذكورة ولأن من لا يرث من والديه لا يرث من غيرها كقاتل العمد والمخالف في الدين والعمومات مخصصة بما ذكرناه

فصل المانع من الإرث هو القتل بغير حق
فصل : والقتل المانع من الإرث هو القتل بغير حق وهو المضمون بقود أودية أو كفارة كالعمد وشبه العمد والخطأ وما جرى مجرى الخطأ كالقتل بالسبب وقتل الصبي والمجنون والنائم وما ليس بمضمون بشيء مما ذكرنا لم يمنع الميراث كالقتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن نفسه وقتل العادل الباغي أو من قصد مصلحة موليه بماله فعله من سقي دواء أو ربط جراح فمات ومن أمره إنسان عاقل كبير ببط خراجه أو قطع سلعة منه فتلف بذلك ورثه في ظاهر المذهب
قال أحمد إذا قتل العادل الباغي في الحرب يرثه ونقل محمد بن الحكم عن أحمد في أربعة شهدوا على أختهم بالزنا فرجمت فرجموا مع الناس يرثونها هم غير قتلة وعن أحمد رواية أخرى تدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال فإنه قال في رواية ابنيه صالح وعبد الله : لا يرث العادل الباغي ولا يرث الباغي العادل وهذا يدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال وهذا ظاهر مذهب الشافعي أخذا بظاهر لفظ الحديث ولأنه قاتل فأشبه الصبي والمجنون
وقال أبو حنيفة وصاحباه : كل قتل لا مأثم فيه لا يمنع الميراث كقتل الصبي والمجنون والنائم والساقط على إنسان من غير اختيار منه وسائق الدابة وقائدها وراكبها إذا قتلت بيدها أو فيها فإنه يرثه لأنه قتل غير متهم فيه ولا مأثم فيه فأشبه القتل في الحد
ولنا على أبي حنيفة وأصحابه عموم الأخبار خصصنا منها القتل الذي لا يضمن ففيما عداه يبقى على مقتضاها ولأنه قتل مضمون فيمنع الميراث كالخطأ
ولنا على الشافعي أنه فعل مأذون فيه فلم يمنع الميراث كما لو أطعمه أو سقاه بإختياره فأفضى إلى تلفه ولأنه حرم الميراث في محل الوفاق كيلا يفضي إلى إيجاد القتل المحرم وزجرا عن إعدام النفس المعصومة وفي مسألتنا حرمان الميراث يمنع إقامة الحدود الواجبة واستيفاء الحقوق المشروعة ولا يفضي إلى إيجاد قتل محرم فهو ضد ما ثبت في الأصل ولا يصح القياس على قتل الصبي والمجنون لأنه قتل محرم وتفويت نفس معصومة والتوريث يفضي إليه بخلاف مسألتنا إذا ثبت هذا فالمشارك في القتل في الميراث كالمنفرد به لأنه يلزمه من الضمان بحسبه فلو شهد على موروثه مع جماعة ظلما فقتل لم يرثه وإن شهد بحق ورثه لأنه غير مضمون

فصل حكم ما إذا كان أربعة إخوة قتل أكبرهم الثاني الخ
فصل : أربعة إخوة قتل أكبرهم الثاني ثم قتل الثالث الأصغر سقط القصاص عن الأكبر لأن ميراث الثاني صار للثالث والأصغر نصفين فلما قتل الثالث الأصغر لم يرثه وورثه الأكبر فرجع إليه نصف دم نفسه وميراث الأصغر جميعه فسقط عنه القصاص لميراثه بعض دم نفسه وله القصاص على الأصغر ويرثه في ظاهر المذهب فإن اقتص منه ورثه ويرث أخوته الثلاثة ولو أن ابنين قتل أحدهما أحد أبويهما وهم زوجان ثم قتل الآخر أباه الآخر سقط القصاص عن القاتل الأول ووجب على القاتل الثاني لأن الأول لما قتل أباه ورث ماله ودمه أخوه وأمه فلما قتل الثاني أمه ورثها قاتل الأب فصار له من دم نفسه ثمنه فسقط القصاص عنه لذلك وله القصاص على الآخر فإن قتله ورثه في ظاهر المذهب وإن جرح أحدهم أباه والآخر أمه وماتا في حال واحدة ولا وارث لهما سواهما فلكل واحد منهما مال الذي لم يقتله ولكل واحد منهما القصاص على صاحبه وكذلك لو قتل كل واحد منهما أحد الأبوين ولم يكونا زوجين فلكل واحد منهما القصاص على أخيه إلا أنه لا يمكن أحدهما الاستيفاء إلا بإبطال حق الآخر فيسقطان وإن عفا أحدهما عن الآخر قتل العافي ويرثه في الظاهر وإن بادر أحدهما فقتل أخاه سقط القصاص عنه وورثه في الظاهر عنه ويحتمل أن لا يرثه ويجب القصاص عليه بقتله لأن القصاصين لما تساويا وتعذر الجمع بين استيفائهما سقطا فلم يبق لهما حكم فيكون المستوفي منها معتديا بإستيفائه فلا يرث أخاه ويجب القصاص عليه بقتله وإن أشكل كيفية موت الأبوين وأدعى كل واحد منهما أن قتيله أولهما موتا خرج في توريثهما ما ذكرناه في الغرقى من توريث كل واحد من الميتين من الآخر ثم يرث كل واحد منهما بعض دم نفسه فيسقط القصاص عنهما ومن لا يرى ذلك فالجواب فيها كالتي قبلها ويحتمل أن يسقط القصاص بكل حال للشبهة وأن يكون لكل واحد دية الآخر وماله

مسألة لا يرث مسلم كافر ولا كافر مسلما
مسألة : قال : ولا يرث مسلم كافر ولا كافر مسلما إلا أن يكون معتقا فيأخذ ماله بالولاء
أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم وقال جمهور الصحابة والفقهاء لا يرث المسلم الكافر يروى هذا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم وبه قال عمرو بن عثمان و عروة و الزهري و عطاء و طاوس و الحسن وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار و الثوري و أبو حنيفة وأصحابه و مالك و الشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل
وروي عن عمر ومعاذ ومعاوية رضي الله عنهم أنهم ورثوا المسلم من الكافر ولم يورثوا الكافر من المسلم وحكي ذلك عن محمد بن الحنيفية و علي بن الحسين و سعيد بن المسيب و مسروق و عبدالله بن معقل و الشعبي و النخعي و يحيى بن يعمر و إسحاق وليس بموثوق به عنهم فإن أحمد قال ليس بين الناس اختلاف في أن المسلم لا يرث الكافر وروي أن يحيى بن يعمر احتج لقوله فقال : حدثني أبو الأسود أن معاذا حدثه [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الإسلام يزيد ولا ينقص ] ولأننا ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا فكذلك نرثهم ولا يرثوننا
ولنا ما روى أسامة بن زيد [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر ] متفق عليه
وروى أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر وقال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يتوارث أهل ملتين شتى ] ولأن الولاية منقطعة بين المسلم والكافر فلم يرثه كما لا يرث الكافر المسلم فأما حديثهم فيحتمل أنه أراد أن الإسلام ولا ينقص بمن يزيد بمن يسلم وبما يفتح من البلاد لأهل الإسلام ولا ينقص بمن يرتد لقلة من يرتد وكثرة من يسلم وعلى أن حديثهم مجمل وحديثنا مفسر وحديثهم لم يتفق على صحته وحديثنا متفق عليه فتعين تقديمه والصحيح عن عمر أنه قال : لا نرث أهل المل ولا يرثوننا وقال في عمة الأشعث : يرثها أهل دينها فأما المعتق إذا خالف دينه دين معتقه فنذكره في باب الولاء إن شاء الله تعالى

فصل الكفار يتوارثون إذا كان دينهم واحدا
فصل : فأما الكفار فيتوارثون إذا كان دينهم واحدا لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يرث المسلم الكافر ] دليل على أن بعضهم يرث بعضا وقوله : [ لا يتوارث أهل ملتين شتى ] ودليل على أن أهل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضا وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ وهل ترك لنا عقيل من دار ] دليل على أن عقيلا ورث أبا طالب دون جعفر وعلي لأنهما كان مسلمين وكان عقيل على دين أبيه مقيما بمكة فباع رباعه بمكة فلذلك لما [ قيل للنبي صلى الله عليه و سلم أين تنزل غدا ؟ قال : وهل ترك لنا عقيل من رباع ] وقال عمر في عمة الأشعث بن قيس يرثها أهل دينها فإن اختلفت أديانهم فاختلف عن أحمد فروي عنه أن الكفر كله ملة واحدة يرث بعضهم بعضا رواه عنه عن حرب واختاره الخلال وبه قال حماد و ابن شبرمة و أبو حنيفة و الشافعي و داود لأن توريث الآباء من الأبناء والأبناء من الآباء مذكور في كتاب الله تعالى ذكرا عاما ن فلا يترك إلا فيما استثناه الشرع ومالم يستثنه الشرع يبقى على العموم ولأن قول الله تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } عام في جميعهم
وروي عن احمد أن الكفر ملل مختلفة لا يرث بعضهم بعضا اختاره أبو بكر وهو قول كثير من أهل العلم لأن قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يتوارث أهل ملتين شتى ] ينفي توارثهما ويخص عموم الكتاب ولم نسمع عن أحمد تصريحا بذكر أقسام الملل وقال القاضي أبو يعلى الكفر ثلاث ملل : اليهودية والنصرانية ودين من عداهم لأن من عداهم يجمعهم أنهم لا كتاب لهم وهذا قول شريح و عطاء وعمر بن عبد العزيز والضحاك والحكم و الثوري و الليث و شريك و مغيرة و الضبي و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و وكيع وروي ذلك عن مالك وروي عن النخعي و الثوري القولان معا يحتمل كلام أحمد رضي الله عنه أن يكون الكفر مللا كثيرة فتكون المجوسية ملة وعبادة الأوثان ملة أخرى وعبادة الشمس ملة فلا يرث بعضهم بعضا روي ذلك عن علي وبه قال الزهري و ربيعة وطائفة من أهل المدينة وأهل البصرة و إسحاق وهو أصح الأقوال إن شاء الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يتوارث أهل ملتين شتى ] ولأن كل فريقين منهم لا موالاة بينهم ولا اتفاق في دين فلم يرث بعضهم بعضا كالمسلمين والكفار والعمومات في التوريث مخصوصة فيخص منها محل النزاع بالخبر والقياس ولأن مخالفينا قطعوا التوارث بين أهل الحرب وأهل دار الإسلام مع اتفاقهم في الملة لانقطاع الموالاة فمع اختلاف الملة أولى وقول من حصر الملة بعدم الكتاب غير صحيح فإن هذا وصف عدمي لا يقتضي حكما ولا جمعا ثم لا بد لهذا الضابط من دليل يدل على اعتباره ثم قد افترق حكمهم فإن المجوس يقرون بالجزية وغيرهم لا يقر بها وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم يستحل بعضهم دماء بعض ويكفر بعضهم بعضا فكانوا مللا كاليهود والنصارى وقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه فإن إسماعيل بن أبي خالد روي عن الشعبي عن علي عليه السلام أنه جعل الكفر مللا مختلفة ولم يعرف له مخالف في الصحابة فيكون إجماعا

فصل قياس المذهب عند المصنف أن الملة الواحدة يتوارثون
فصل : وقياس المذهب عندي أن الملة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم لأن العمومات من النصوص تقتضي توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع ولا يصح فيهم قياس فيجب العمل بعمومها ومفهوم قوله عليه السلام : [ لا يتوارث أهل ملتين شتى ] أن أهل الملة الواحدة يتوارثون وضبطه بتوارث أهل ملتين شتى أن أهل الملة الواحدة يتوارثون وضبطه التوريث بالملة والكفر والإسلام دليل على أن الاعتبار به دون غيره ولأن مقتضى التوريث موجود فيجب العمل به ما لم يقم دليل على تحقق المنافع وقد نص احمد في رواية الأثرم في من دخل إلينا بأمان فقتل أنه يبعث بديته إلى ملكهم حتى يدفعها إلى الورثة
وقد روي أن عمرو بن أمية كان مع أهل بئر معونة فسلم ورجع إلى المدينة فوجد رجلين في طريقه من الحي الذي قتلوهم وكانا أتيا النبي صلى الله عليه و سلم في أمان ولم يعلم عمرو فقتلهما فوداهما النبي صلى الله عليه و سلم ولا شك في أنه بعث بديتهما إلى أهلهما
وقال القاضي : قياس المذهب عندي لأنه لا يرث حربي ذميا حربيا لأن الموالاة بينهما منقطعة فأما للمستأمن فيرثه أهل الحرب وأهل دار الإسلام وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه وبه قال أبو حنيفة إلا أن المستأمن لا يرثه الذمي لأن دارهما مختلفة
قال القاضي : ويرث أهل الحرب بعضهم بعضا سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت وهذا قول الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة إذا اختلفت ديارهم بحيث كان لكل طائفة ملك ويرى بعضهم قتل بعض لم يتوراثا لأنهم لا موالاة بينهم أشبه أهل دار الحرب فجعلوا اتفاق الدار واختلافها ضابطا للتوريث وعدمه ولا نعلم في هذا كله حجة من كتاب ولا سنة مع مخالفته لعموم النص المقتضي للتوريث ولم يعتبروا الدين في اتفاقه ولا اختلافه مع ورود الخبر فيه وصحة العبرة فيها فإن المسلمين يرث بعضهم بعضا وإن اختلفت الدار بهم فكذلك الكفار ولا يرث المسلم كافرا ولا الكافر مسلما لاختلاف الدين بهم وكذلك لا يرث مختلفا الدين أحدهما من صاحبه شيئا

مسألة المرتد لا يرث أحدا إلا إذا رجع قبل قسمة الميراث
مسألة : قال : والمرتد لا يرث أحدا إلا أن يرجع قبل قسمة الميراث
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن المرتد لا يرث أحدا وهذا قول مالك و الشافعي و أصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنه لا يرث مسلما لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يرث كافر مسلما ] ولا يرث كافرا لأنه مخالفة في حكم الدين لأنه لا يقر على كفره فلم يثبت له حكم أهل الدين الذي انتقل إليه ولهذا لا تحل ذبيحة ولا نكاح نسائهم وإن انتقلوا إلى دين أهل الكتاب ولأن المرتد تزول أملاكه الثابتة له واستقرارها فلأن لا يثبت له ملك أولى ولو ارتد متوارثان فمات أحدهما لم يرثه الآخر فإن المرتد لا يرث ولا يورث وإن رجع المرتد إلى الإسلام قبل قسم الميراث قسم له على ما سنذكره في المسألة التي بعدها إن شاء الله تعالى

فصل الزنديق كالمرتدفي أنه لا يرث أحدا
فصل : والزنديق كالمرتد فيما ذكرنا والزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويستسر بالكفر وهو المنافق كان يسمى في عصر النبي صلى الله عليه و سلم منافقا ويسمى اليوم زنديقا قال أحمد مال الزنديق في بيت المال

فصل إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول
فصل : إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ولم يرث أحدهما الآخر وإن كانت ردته بعد الدخول ففيه روايتان : إحداهما : يتعجل الفرقة والأخرى : يقف على انقضاء العدة وأيهما مات لم يرثه الآخر

مسألة من أسلم على ميراث قبل أن يقسم قسم له
مسألة : قال : وكذلك من أسلم على ميراث قبل أن يقسم قسم له
اختلفت الرواية فيمن أسلم قبل قسم ميراث موروثه المسلم فنقل الأثرم و محمد بن الحكم أنه يرث وروي نحو هذا عن عمر وعثمان والحسن بن علي وابن مسعود وبه قال جابر بن زيد و الحسن و مكحول و قتادة و حميد و إياس بن معاوية و إسحاق فعلى هذا ان أسلم قبل قسم بعض المال ورث مما بقي وبه قال الحسن ونقل أبو طالب فيمن أسلم بعد الموت لا يرث قد وجبت المواريث لأهلها وهذا المشهور عن علي رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب و عطاء و طاوس و الزهري و سليمان بن يسار و النخعي و الحكم و أبو زناد و أبو حنيفة و مالك و الشافعي رضي الله عنه وعامة الفقهاء لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يرث الكافر المسلم ] ولأن الملك قد انتقل بالموت إلى المسلمين فلم يشاركهم من أسلم كما لو اقتسموا ولأن المانع من الإرث متحقق حال وجود الموت فلم يرث كما لو كان رقيقا فأعتق أو كما لو بقي على كفره
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من أسلم على شيء فهو له ] رواه سعيد من طريقين عن عروة و ابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه و سلم وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام ]
وروى ابن عبد البر بإسناده في التمهيد عن زيد بن قتادة العنبري ان إنسانا من أهله مات على غير دين الإسلام فورثته أختي دوني وكانت على دينه ثم ان جدي أسلم وشهد مع النبي صلى الله عليه و سلم حنينا فتوفي فلبثت سنة وكان ترك ميراثا ثم أن أختي أسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان رضي الله عنه فحدثه عبد الله بن أرقم أن عمر قضى : أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه فقضى به عثمان فذهبت بذلك الأول وشاركتني في هذا وهذه قضية انتشرت فلم تنكر فكانت إجماعا ولأنه لو تجدد له صيد بعد موته وقع في شبكته التي نصبها في حياته لثبت له الملك فيه ولو وقع انسان في بئر حفرها لتعلق ضمانه بتركته بعد موته فجاز أن يتجدد حق من أسلم من ورثته بتركته ترغيبا في الإسلام وحثا عليه فأما إذا قسمت التركة وتعين حق كل وارث ثم اسلم فلا شيء له وإن كان الوارث واحدا فإذا تصرف في التركة واحتازها كان بمنزلة قسمتها

فصل من كان رقيقا حين موت موروثه فأعتق قبل القسمة لم يرث
فصل : ومن كان رقيقا حيت موت موروثه فأعتق قبل القسمة لم يرث نص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية محمد بن الحكم وفرق بيت الإسلام والعتق وعلى هذا جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل مات وترك أباه عبدا فأعتق قبل أن يقسم ميراثه فقال له ميراثه
وحكي عن مكحول و قتادة أنهما ورثا من أعتق قبل القسمة لأن المانع من الميراث زال قبل القسمة فأشبه ما لو أسلم قال أبو الحسن التميمي : يخرج على قول من ورث المسلم أن يورث العبد إذا أعتق وليس بصحيح فإن الإسلام قربة وهو أعظم الطاعات والقرب ورد الشرع بالتأليف عليها فورد الشرع بتوريثه ترغيبا له في الإسلام وحثا عليه والعتق لا صنع له فيه ولا يحمد عليه فلم يصح قياسه عليه ولولا ما ورد من الأثر من توريث من أسلم لكان النظر يقتضي أن لا يرث من لم يكن من أهل الميراث حين الموت لأن الملك ينتقل به إلى الورثة فيستحقونه فلا يبقى لمن حدث شيء ولكن خالفناه في الإسلام للأثر وليس في العتق أثر يجب التسليم له ولا هو في معنى ما فيه الأثر فيبقى على موجب القياس

مسألة متى قتل المرتد على ردته فما له فيء
مسألة : قال : ومتى قتل المرتد على ردته فماله فيء
اختلفت الرواية عن أحمد في مال المرتد إذا مات أو قتل على ردته فروي عنه أن يكون فيئا في بيت مال المسلمين قال القاضي : هو صحيح في المذهب وهو قول ابن عباس وربيعة و مالك و ابن أبي ليلى و الشافعي رضي الله عنه و أبي ثور و ابن المنذر وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته من المسلمين وروى ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال ابن المسيب و جابربن زيد و الحسن وعمر بن عبد العزيز و عطاء و الشعبي و الحكم و الأوزاعي و الثوري و ابن شبرمة وأهل العراق و اسحاق لأن الثوري و أبا حنيفة و اللؤلؤي و إسحاق قالوا : ما اكتسبه في ردته يكون فيئا ولم يفرق أصحابنا بين تلاد ماله وطارفه ووجه هذا القول أن قول الخليفتين الراشدين فإنه يروى عن زيد بن ثابت قال : بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم بين ورثهم المسلمين ولأن ردته ينتقل بها ماله فوجب أن ينتقل إلى ورثته المسلمين كما لو انتقل بالموت
وروي عن أحمد رواية : أن ماله لأهل دينه الذي اختاره إن كان منه من يرثه وإلا فهو فيء وبه قال داود وروي عن علقمة و سعيد بن أبي عروة لأنه كافر فورثه أهل دينه كالحربي وسائر الكفار والمشهور الأول لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ] وقوله : [ لا يتوارث أهل ملتين شتى ] ولأنه كافر فلا يرثه المسلم كالكافر الأصلي ولأن ماله مال مرتد فأشبه الذي كسبه في ردته ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من أهل الأديان ولأنه يخالفهم في حكمهم فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولا تؤكل له ذبيحة ولا يحل نكاحه إن كان امرأة فأشبه الحربي مع الذمي فإن قيل إذا جعلتموه فيئا ورثتموه للمسلمين قلنا : لا يأخذونه ميراثا بل يأخذونه فيئا كما يؤخذ مال الذمي إذا لم يخلف وارثا وكالعشور

فصل الزنديق كالمرتد لا يرث ولا يورث
فصل : والزنديق كالمرتد لا يرث ولا يورث وقال مالك في الزنديق الذي يتهم بذمي ورثته عند موته ماله لورثته من المسلمين مثل من يرتد إذا حضره الموت قال : وترثه زوجته سواء انقضت عدتها أو لم تنقض كالتي يطلقها زوجها في مرض موته ليحرمها الميراث لأنه فار من ميراث من انعقد سبب ميراثه فورثه كالمطلقة في مرض الموت
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يرث المسلم الكافر ] وقياس المذهب أن أحد الزوجين إذا ارتد في مرض موته يرثه الآخر لأنه فعل ما يفسخ النكاح في مرض موته فأشبه الطلاق وفعل المرأة ما يفسخ نكاحها ويخرح في ميراث سائر الورثة مثل الزوجين فيكون مثل مذهب مالك وقال أبو يوسف إذا ارتدت المريضة فماتت في عدتها أو لحقت بدار الحرب ورثها زوجها
وروى اللؤلؤي عن أبي حنيفة : إذا ارتد الرجل فقتل على ردته أو لحق بدار الحرب بانت منه امرأته فإن كانت مدخولا بها ورثته إذا كان ذلك قبل انقضاء عدتها وإن كانت غير مدخول بها بانت ولم ترثه وإن ارتدت المرأة من غير مرض فماتت لم يرثها زوجها لأنها عندهم لا تقتل فلم تكن فارة من ميراثه بخلاف الرجل

فصل ارتداد الزوجين معا كارتداد أحدهما في فسخ نكاحهما
فصل : وارتداد الزوجين معا كارتداد أحدهما في فسخ نكاحهما وعدم ميراث أحدهما من الآخر سواء لحقا بدار الحرب أو أقاما بدار الإسلام وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة إذا ما ارتدا معا لم ينفسخ النكاح ولم يتوارثا لأن المرتد لا يرث المرتد ما داما في دار الإسلام فإن لحقا بدار الحرب توارثا
ولنا أنهما مرتدان فلم يتوارثا كما لو كانا في دار الإسلام ولو ارتدا جميعا ولهما أولاد صغار لم يتبعوهم في ردتهم ولم يرثوا منهم شيئا ولم يجز استرقاقهم سواء لحقوهم بدار الحرب أو لم يلحقوهم وبهذا قال الشافعي رحمه الله : وقال أبو حنيفة وأصحابه : من ألحقوه بدار الحرب منهم يصير مرتدا يجوز سبيه ومن لم يلحقوه بدار الحرب فهو حكم الإسلام فأما من ولد بعد الردة بستة أشهر فذكر الخرقي رضي الله عنه ما يدل على أنه يجوز استرقاقه وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي والقول الثاني لا يسبون وهو منصوص الشافعي

فصل إذا لحق المرتد بدار الخرب وقف ماله فإن أسلم دفع إليه
فصل : فإذا لحق المرتد بدار الحرب وقف ماله فإن أسلم دفع إليه وإن مات صار فيئا وبهذا قال مالك و الشافعي رضي الله عنهما وجعل أهل العراق لحاقه بدار الحرب كموته في زوال ملكه وصرف ماله إلى من يصرف إليه إذا مات فإن عاد إلى الإسلام فله ما وجد من ماله ولا يرجع على ورثته بشيء مما أتلفوه إلا أن يكونوا اقتسموه بغير حكم حاكم ولم يختلفوا فيما اكتسبوه في دار الحرب أو أخرجه من ماله إلى دار الحرب أنه فيء وقال أبو بكر عبد العزيز إذا ارتد المسلم زال ملكه عن ماله ولم يصح تصرفه فيه بشيء من التصرفات فإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا وقال أبو يوسف إنما أحكم يموته يوم يختصمون في ماله لا يوم لحاقه بدار الحرب
ولنا أنه حر من أهل التصرف ويبقى ملكه بعد إسلامه فلم يحكم بزوال ملكه كما لو لم يرتد ويجب رد ما أخذ من ماله أو أتلف عليه كغيره

فصل متى مات الذمي ولا وارث له كان ماله فيئا
فصل : ومتى مات الذمي ولا وارث له كان ماله فيئا وكذلك ما فضل من ماله عن وارثه كمن ليس له وارث إلا أحد الزوجين فإن الفاضل عن ميراثه يكون فيئا لأنه مال ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميت المسلم الذي لا وارث له

فصل بيان ميراث المجوس ومن جرى مجراهم
فصل : في ميراث المجوس ومن جرى مجراهم ممن ينكح ذوات المحارم إذا أسلموا وتحاكموا إلينا لا نعلم بين علماء المسلمين خلافا في أنهم لا يرثون بنكاح ذوات المحارم فأما غيره من الأنكحة فكل نكاح اعتقدوا صحته وأقروا عليه بعد إسلامهم توارثوا به سواء وجد بشروطه المعتبرة في نكاح المسلمين أو لم يوجد وما لا يقرون عليه بعد إسلامهم لا يتوارثون به والمجوس وغيرهم في هذا سواء فلو طلق الكافر امرأته ثلاثا ثم نكحها ثم أسلما ومات أحدهما لم يقرا عليه ولم يتوارثا به وكذلك إن مات أحدهما قبل إسلامهما لم يتوارثا في قول الجميع وإن تزوجها بغير شهود ثم مات أحدهما ورثه الآخر وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي رضي الله عنهم وقال زفر و اللؤلؤي لا يتوارثان وإن تزوج امرأة في عدتها توارثا في ظاهر مذهب أحمد رضي الله عنه فإنه قال : إذا أسلما وقد نكحها في العدة أقرا عليه وهذا قول ابي حنيفة وقال القاضي إن أسلما بعد انقضاء العدة أقرا وإن أسلما قبل لم يقرا فعلى هذا إن مات أحدهما قبل انقضاء العدة لم يتوارثا وإن مات بعده توراثا وهذا قول الشافعي رضي الله عنه وتأول القاضي رواية أحمد على من أسلم بعد انقضاء العدة وإن تزوجها وهي حبلى من زوج أو زنا فالحكم فيه كالتي قبلها سواء لأن الزنا موجب للعدة وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه في الحامل من زوج وقال أبو حنيفة وأصحابه في الحامل من زوج لا يتوارثان وقال أبو حنيفة و الشافعي في الحامل من الزنا يتوارثان وقال أبو يوسف و زفر و اللؤلؤي لا يتوارثان وأصل الخلاف في الميراث الاختلاف فيما يقران عليه إذا أسلما أو تحاكما إلينا ونذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى

فصل حكم الميراث بجميع القرابات إذا أمكن
فصل : فأما القرابة فيرثون بجميعها إذا أمكن ذلك نص عليه أحمد وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه وبه قال النخعي و الثوري و قتادة و ابن أبي ليلى و أبو حنيفة وأصحابه و يحيى بن آدم و إسحاق و داود و الشافعي رضي الله عنهم في أحد قوليه واختاره ابن اللبان وعن زيد أنه ورثه بأقوى القرابتين وهي التي لا تسقط بحال وبه قال الحسن و الزهري و الأوزاعي و مالك و الليث و حماد وهو الصحيح عن الشافعي وعن عمر بن عبد العزيز و مكحول و الشعبي القولان جميعا واحتجوا بأنهما قرابتان لا يورث بهما في الإسلام فلا يورث بهما في غيره كما لو أسقطت أحداهما الأخرى
ولنا أن الله تعالى فرض للأم الثلث وللأخت النصف فإذا كانت الأم أخت وجب إعطاؤها ما فرض الله لهما في الآيتين كالشخصين ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما الأخرى ولا ترجح بها فترث بهما مجتمعين كزوج هو ابن عم أو ابن عم هو أخ من أم وكذوي الأرحام المدلين بقرابتين وقياسهم فاسد لأن القرابتين في الأصل تسقط إحداهما الأخرى إذا كانا في سخصين فكذلك إذا كانا في شخص وقولهم لا يورث بهما في الإسلام ممنوع فإنه إذا وجد ذلك من وطء شبهة في الإسلام ورث بهما ثم ان امتناع الإرث بهما في الإسلام لعدم وجودهما ولو تصور وجودهما لورث بهما بدليل أنه قد ورث بنظيرهما في ابن عم هو زوج أو أخ من أم
قال ابن اللبان : واعتبارهم عندي فاسد من قبل أن الجدة تكون أختا لأب فإن ورثوها بكونها جدة لكون الابن يسقط الأخت دونها لزمهم توريثها بكونها أختا لكون الأم تسقط الجدة دونها وخالفوا نص الكتاب في فرض الأخت وورثوا الجدة التي لا نص للكتاب في فرضها وهو مختلف فيه فمنهم من قال هو طعمة وليس بفرض مستحق ويلزمهم أن الميت إذا خلف أمه وأم أم هي أخت أن لا يورثوها شيئا لأن الجدودة محجوبة وهي أقوى القرابتين وإن قالوا نورثها مع الأم بكونها أختا نقضوا اعتبارهم بكونها أقوى القرابتين وجعلوا الأخوة تارة أقوى وتارة أضعف وإن قالوا أقوى القرابتين الأخوة لأن ميراثها أوفر لزمهم في أم هي أخت جعل الأخوة أقوى من جهة الأمومة ويلزمهم في إسقاط ميراثها مع الابن والأخ من الأبوين ما لزم القائلين بتقديم الجدودة مع الأم فإن قالوا توريثها بالقرابتين يفضي إلى حجب الأم بنفسها إذا كانت أختا وللميت أخت أخرى قلنا وما المانع من هذا ؟ فإن الله تعالى حجب الأم بالأختين بقوله : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } من غير تقييد بغيرها ثم هم قد حجبوها عن ميراث الأخت بنفسها فقد دخلوا فيما أنكروه بل هو أعظم لأنهم فروا من حجب التنقيص إلى حجب الإسقاط وأسقطوا الفرض الذي هو أوفر بالكلية محافظة على بعض الفرض الأدنى وخالفوا مدلول أربعة نصوص من كتاب الله تعالى لأنهم أعطوا الأم الثلث وإنما فرض الله لها مع الأختين السدس والثاني : إن الله تعالى إنما فرض لكل واحدة من الأختين ثلثا فأعطوا إحداهما النصف كاملا والثالث : إن الله تعالى فرض للأختين الثلثين وهاتان أختان فلم يجعلوا لهما الثلثين الرابع : إن مقتضى الآية أن يكون لكل واحدة من الأختين الثلث وهذه أخت فلم يعطوها بكونها أختا شيئا وهذا كله معنى كلام ابن اللبان

فصل المسائل التي تجتمع فيها قرابتان يصح الإرث بهما
فصل : والمسائل التي تجتمع فيها قرابتان يصح الإرث بهما ست إحداهن : في الذكور وهي عم هو أخ لأم وخمس : في الإناث وهي بنت هي أخت أو بنت ابن وأم هي أخت وأم أم هي أخت لأب وأم أب هي أخت لأم فمن ورثهم بأقوى القرابتين ورثهم بالبنوة والأمومة دون الأخوة وبنوة الابن
واختلفوا في الجدة إذا كانت أختا فمنهم من قال الجدودة أقوى لأنها جهة ولادة لا تسقط بالولد ومنهم من قال الأخوة أقوى لأنها أكثر ميراثا قال ابن شريح وغيره هو الصحيح ومن ورث بأقوى القرابتين لم يحجب الأم بأخوة نفسها إلاما حكاه سحنون عن مالك أن حجبها بذلك والصحيح عنه الأول ومن ورث بالقرابتين حجبها بذلك ومتى كانت البنت أختا والميت رجل فهي أخت لأم وأن كان امرأة فهي أخت لأب وإن قيل أم هي أخت لأم أو أم أم هي أخت لأم أو أم أب هي أخت لأب فهو محال
مسائل : من ذلك مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما ابنتان ولا ترث الكبرى بالزوجة شيئا في قولهم جميعا فإن ماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتا هي أخت لأب فلها النصف بالبنوة والباقي بالأخوة وإن ماتت الصغرى قبل الكبرى فقد تركت أما هي أخت لأب فلها النصف والثلث بالقرابتين ومن ورث بأقوى القرابتين لم يورثها بالأخوة شيئا في المسألتين
وقال ابن شريح يحتمل قول الشافعي رضي الله عنه توريثها بالقرابتين في المسألتين لأنه لم يمنع توريث الشخص بفرض وتعصيب لتوريثه ابن العم إذا كان زوجا أو أخا لأم وإنما منع الإرث بفرضين فإن كان المجوسي أولدها بنتين ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتين هما أختان لأب وإن لم تمت الكبرى بل ماتت إحدى الصغيرتين فقد تركت أختا لأبوين وأما هي أخت لأب فلأمها السدس بكونها أما والسدس بكونها أختا لأب وانحجبت بنفسها وأختها عن السدس وللأخت النصف وعلى القول الآخر لها الثلث بالأمومة ولا شيء بالأخوة ولا تنحجب بها وللأخت النصف فقد استوى الحكم في القولين وإن اختلف طريقهما وعلى ما حكاه سحنون لها السدس وتنحجب بنفسها وأختها وإن أولدها المجوسي ابنا وبنتا ثم مات وماتت الصغرى بعده فقد خلفت أما هي أخت لأب وأخا لأم وأب فلأمها السدس والباقي للأخ ولا شيء للأم بالأخوة لأن الأخ للأبوين يحجبها وعلى القول الآخر للأم الثلث كاملا وإن تزوج المجوسي أمه فأولدها بنتا ثم ماتت فلأمه السدس ولابنته النصف ولا ترث أمه بالزوجية شيئا ولا ابنته بكونها أختا لأم شيئا وإن ماتت الكبرى بعده فقد خلفت بنتا هي بنت ابن فلها الثلثان بالقرابتين وعلى القول الآخر لها النصف وإن ماتت الصغرى بعده فقد تركت أما هي أم أب فلها الثلث بالأمومة لا غير على القولين جميعا وإن تزوج ابنته فأولدها ابنة ثم تزوج الصغرى فأولدها بنتا ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد تركت اختيها لأبيها أحداهما بنتها وبنت أبيها والأخرى بنت بنتها فلبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر لبنتها النصف والباقي للصغرى وإن ماتت الوسطى بعده فقد تركت احداهما أمها والأخرى بنتها فلأمها السدس ولبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر الباقي للعصبة وإن ماتت الصغرى بعده فقد خلفت أختيها احداهما أمها والأخرى جدتها فلأمها السدس والباقي بينهما وقد انحجبت الأم بنفسها وبأمها عن السدس وعلى القول الآخر من جعل الأخوة أقوى فللكبرى النصف وللوسطى الثلث والباقي للعصبة ومن جعل الجدودة أقوى لم يورث الكبرى شيئا لأنها لا ترث بالأخوة لكونها ضعيفة ولا بالجدودة لكونها محجوبة بالأمومة وإن مامت الصغرى بعد الوسطى فقد خلفت جدة هي أخت لأب فلها الثلث بالقرابتين ومن ورث باحداهما فلها السدس عند قوم وعند ابن شريح ومن وافقه لها النصف وهو اختيار الخبري مجوسي تزوج أمه فأولدها بنتا ثم تزوج بنته فأولدها ابنا ثم تزوج الابن جدته فأولدها بنتا ثم مات المجوسي ثم ماتت أمه فقد خلفت بنتا هي بنت ابن وبنتا أخرى هي بنت ابن ابن وخلفت ابن ابن هو زوجها فلابنتها الثلثان والباقي بين الكبرى وابنها على ثلاثة وتصح من تسعة للكبرى أربعة وللصغرى ثلاثة وللذكر سهمان وعلى القول الآخر الباقي للذكر وحده فإن ماتت بعده بنته فإن الكبرى جدتها أم أبيها وهي أختها من أمها فلها السدسان بالقرابتين وفي الثاني لها السدس باحداهما

فصل حكم ما إذا وطىء مسلم بعض محارمه بشبهة
فصل : وإن وطىء مسلم بعض محارمه بشبهة أو اشتراها وهو لا يعرفها فوطئها فولدت له واتفق مثل هذه لانسان فالحكم فيها مثل هذا سواء

مسألة حكم ما إذا غرق المتوارثان أو ماتا تحت هدم
مسألة : قال : وإذا غرق المتوارثان أو ماتا تحت هدم فجهل أولهما موتا ورث بعضهم من بعض
وجملة ذلك أن المتوراثين إذا ماتا فجهل أولهما موتا فإن أحمد قال أذهب إلى قول عمر وعلي و شريح و إبراهيم و الشعبي يرث بعضهم من بعض يعني من تلاد ماله دون طارفه وهو ما ورثه من ميت معه وهذا قول من ذكره الإمام أحمد وهو قول إياس بن عبد الله المزني و عطاء و الحسن و حميد الأعرج و عبد الله بن عتبة و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و شريك و يحيى بن آدم و إسحاق وحكي ذلك عن ابن مسعود قال الشعبي وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون من آخرهم فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر أن ورثوا بعضهم من بعض
وروي عن أبي بكر الصديق وزيد وابن عباس ومعاذ والحسن بن علي رضي الله عنهم أنهم لم يورثوا بعضهم من بعض وجعلوا ما لكل واحد للأحياء من ورثته وبه قال عمر بن عبد العزيز وأو زناد و الزهري و الأوزاعي و مالك و الشافعي رضي الله عنهم و أبو حنيفة وأصحابه ويروى ذلك عن عمر والحسن البصري وراشد بن سعد وحكيم بن عمير وعبد الرحمن بن عوف
وروي عن أحمد ما يدل عليه فإنه قال في امرأة وابنها ماتا فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها حلف كل واحد منهما على ابطال دعوى صاحبه وكان ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين فجعل ميراث كل واحد منهما للأحياء من ورثته فيحتمل أن يجعل هذا رواية عن أحمد في جميع مسائل الباب ويحتمل أن يكون هذا قوله فيما إذا ادعى وارث كل ميت أن موروثه كان آخرهما موتا ويرث كل واحد منهما من الآخر إذا اتفق وراثهم على الجهل بكيفية موتهم لأن مع التداعي تتوجه اليمين على المدعى عليه فيحلف على إبطال دعوى صاحبه ويتوفر الميراث له كما في سائر الحقوق بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل فلا تتوجه يمين لأن اليمن لا يشرع في موضع اتفقوا على الجهل به واحتج من قال بعدم توريث بعضهم من بعض بما روى سعيد حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد أن قتلى اليمامة وقتلى صفين والحرة لم يورثوا بعضهم من بعض وورثوا عصبتهم الأحياء
وقال حدثنا عبد العزيز محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها زيد بن عمر فالتقت الصيحتان في الطريق فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه فلم ترثه ولم يرثها وإن أهل صفين وأهل الحرة لم يتوارثوا ولأن شرط التوريث حياة الوارث بعد موت الموروث وهو غير معلوم ولا يثبت التوريث مع الشك في شرطه ولأنه لم تعلم حياته حين موت موروثه فلم ترثه كالحمل إذا وضعته ميتا ولأن الأصل عدم التوريث فلا نثبته بالشك ولأن توريث كل واحد منهما خطأ يقينا لأنه لا يخلوا من أن يكون موتهما معا أو سبق أحدهما به وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينا مخالف للإجماع فكيف يعمل به ؟
فإن قيل ففي قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت وهو خطأ أيضا قلنا هذا غير متيقن لأنه يحتمل موتهما جميعا فلا يكون فيمها مسبوق وقد احتج بعض أصحابنا بما روى إياس بن عبد الله المزني [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال : يرث بعضهم بعضا ] والصحيح أن هذا إنما عن إياس نفسه وإنه هو مسؤول وليس برواية عن النبي صلى الله عليه و سلم هكذا رواه سعيد في سننه وحكاه الإمام أحمد عنه وقال أبو ثور و ابن شريح وطائفة من البصريين : يعطى كل وارث اليقين ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا وقال الخبري هذا هو الحكم فيما إذا علم موت أحدهما قبل صاحبه ولم يذكر فيه خلافا
ومن مسائل ذلك : أخوان غرقا أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو : من ورث كل واحد منهما من صاحبه جعل ميراث كل واحد لمولى أخيه ومن لم يورث أحدهما من صاحبه جعل ميراث كل واحد منهما لمولاه ومن قال بالوقف وقف مالهما فإن ادعى كل واحد من الموليين أن مولاه آخر هما موتا حلف كل واحد منهما على ابطال دعوى صاحبه وأخذ مال مولاه على مسألة الخرقي وإن كانت لهما أخت فلها الثلثان من مال كل واحد منهما على القول الأول والنصف على القول الثاني وإن خلف كل واحد منهما بنتا وزوجة فمن لم يورث بعضهم من بعض صححها من ثمانية لامرأته الثمن ولابنته النصف والباقي لمولاه ومن ورثهم جعل الباقي لأخيه ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ثم ضربهم في الثمانية الأولى فصحت من أربعة لامرأته ثمانية ولابنته اثنان وثلاثون ولأمرأة أخيه ثمن الباقي ثلاثة ولابنته اثنا عشر ولمولاه الباقي تسعة : أخ وأخت غرقا ولهما أم وعم وزوجان فمن ورث كل واحد من صاحبه جعل ميراث الأخ بين امرأته وأمه وأخته على ثلاثة عشر فما أصاب الأخت منها فهو بين زوجها وأمها وعمها على ستة فصحت المسألتان من ثلاثة عشر لامرأة الأخ ثلاثة ولزوج الأخت ثلاثة وللأم أربعة بميراثها من الأخ واثنان بميراثها من الأخت وللعم سهم وميراث الأخت بين زوجها وأمها وأخيها على ستة : لأخيها سهم بين أمه وامرأته وعمه على اثني عشر تضربها في الأولى تكن من اثنين وسبعين والضرر في هذا القول على من يرث من أحد الميتين دون الآخر وينتفع به من يرث منهما ثلاثة إخوة من أبوين غرقوا ولهم أم أو عصبة فقدر موت أحدهم أولا فلأمه السدس والباقي لأخويه فتصح من اثني عشر لكل واحد من أخويه خمسة بين أمه وعصبته على ثلاثة فتضربها في الأولى تكن ستة وثلاثين للأم من ميراث الأول السدس ستة ومما ورثه كل واحد من الأخوين خمسة فصار لها ستة عشر والباقي للعصبة ولها من ميراث كل واحد من الأخوين مثل ذلك ذكر هذه المسألة أبو بكر : ثلاثة إخوة مفترقين غرقوا وخلف كل واحد منهم أخته لأبويه فقدر موت الأخ من الأبوين أولا عن أخته من أبويه وأخويه من أبيه وأخويه من أمه فصحت مسألته من ثمانية عشر لأخيه من أمه منها ثلاثة بين أخته من أبويه وأخته من أمه على أربعة وأصاب الأخ من الأب منها اثنين بين أخيه من أبويه وأخته من أبيه على أربعة فتجتزىء بأحديهما وتضربها في الأولى تكن اثنين وسبعين ثم قدر موت الأخ من الأم عن أخت لأبوين وأخ وأخت لأم فمسألته من خمسة أيضا تضربها في الأولى تكن خمسة وعشرين ثم قدر موت الأخ من الأب عن أخت لأبويه وأخ وأخت لأبيه فهي من ستة ثم مات الأخ من الأب عن ثلاث أخوات مفترقات فهي من خمسة تضربها في الأولى تكن ثلاثين فإن خلف بنتا وأخوين فلم يقتسموا التركة حتى غرق الأخوان وخلف أحدهما امرأة وبنتا وعما وخلف الآخر ابنين الأولى من أربعة مات أحدهم عن سهم ومسألته من ثمانية لأخيه منها ثلاثة بين أولاده على ستة رجعوا إلى اثنين تضربها في ثمانية تكن ستة عشر وفريضة الآخر من ستة يتفقان بالنصف فاضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن ثمانية وأربعين ثم في اربعة تكن مائة واثنين وتسعين للبنت نصفها ولأولاد الأخ عن أبيهم ربعها وعن عمهم ثمانية عشر صار لهم ستة وستون ولامرأة الأخ ستة ولبنته أربعة وعشرون

فصل حكم ما إذا علم خروج روحي الميتين معا
فصل : وإن علم خروج روحهما معا في حال واحدة لم يرث أحدهما صاحبه وورث كل واحد الأحياء من ورثته لأن توريثه مشروط بحياته بعده وقد علم انتفاء ذلك وإن علم أن أحدهما مات قبل صاحبه بعينه ثم أشكل أعطي كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا قال القاضي وقياس المذهب أن يقسم على سبيل ميراث الغرقى الذين جهل حالهم وإن ادعى ورثة كل ميت أنه آخرهما موتا فهي مسألة الخرقي رضي الله عنه وقد نص فيها الإمام أحمد رحمة الله عليه أن ورثة كل ميت يحلفون ويختصمون بميراثه فيحتمل أن يقاس على هذه الصورة سائر الصور فيتخرج في الجميع روايتان ويحتمل أن يختص هذا الحكم بهذه الصورة دون غيرها لأن هذه الصور فيها مدع ومنكر واليمين على من أنكر بخلاف بقية الصور والله أعلم

مسألة من لم يرث لم يحجب
مسألة : قال : ومن لم يرث لم يحجب
يعني من لم يرث لمعنى فيه كالمخالف في الدين والرقيق والقاتل فهذا لا يحجب غيره في قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين إلا ابن مسعود ومن وافقه فإنهم يحجبون الأم والزوجين بالولد الكافر والقاتل والرقيق ويحجبون الأم بالإخوة الذين هم كذلك وبه قال أبو ثور و داود وتابعه الحسن في القاتل دون غيره ولعلهم تمسكوا بعموم قوله تعالى : { فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن } { فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم } وقوله تعالى : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } وقوله : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } وهؤلاء أولاد وأخوة وعدم ارثهم لا يمنع حجبهم كالإخوة مع الأبوين يحجبون الأم ولا يرثون
ولنا أنه ولد لا يحجب الإخوة من الأم ولا يحجب ولده ولا الأب إلى السدس فلم يحجب غيرهم كالميت ولأنه لا يؤثر في حجب غير الأم والزوجين فلم يؤثر في حجبهم كالميت والآية أريد بها من أهل الميراث بدليل أنه لما قال : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } أراد به الوارث ولم يدخل هذا فيهم ولما قال : { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت } لم يدخل هذا فيهم وأما الإخوة مع الأب فهم من أهل الميراث بدليل أنه لولا الأب لورثوا وإنما قدم عليهم غيرهم ومنعوا مع أهليتهم لأن غيرهم أولى منهم فامتناع إرثهم لمانع لا انتفاء المقتضي

فصل كون المحجوب قد يحجب غيره كالإخوة يحجبون الأم ويحجبون بالأب
فصل : فأما من لا يرث لحجب غيره له فإنه يحجب وإن لم يرث كالأخوة يحجبون الأم وهم محجوبون بالأب لأن عدم إرثهم لم يكن لمعنى فيهم ولا لانتفاء أهليتهم بل لتقديم غيرهم عليهم والمعنى الذي حجبوا في حال إرثهم موجود مع حجبهم عن الميراث بخلاف مسألتنا فعلى هذا إذا اجتمع أبوان وأخوان أو أختان فللأم السدس والباقي للأب ويحجب الأخوان الأم عن السدس ولا يرثون شيئا ولو مات رجل وخلف أباه وأم أبيه وأم أم أمه لحجب الأب أمه عن الميراث وحجبت أمه أم أم الأم على قول من يحجب الجدة بابنها والبعدى من الجدات بمن هي أقرب منها ويكون المال جميعه للأب

فصل بيان ميراث الحمل والمذاهب فيه وأحواله
فصل : في ميراث الحمل إذا مات الانسان عن حمل يرثه وقف الأمر حتى يتبين فإن طالب الورثة بالقسمة لم يعطوا كل المال بغير خلاف إلا ما حكي عن داود والصحيح عنه مثل قول الجماعة ولكن يدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه وإلى من ينقصه أقل ما يصيبه ولا يدفع إلى من يسقطه شيء فأما من شاركه فأكثر أهل العلم قالوا بوقف للحمل شيء ويدفع إلى شركائه الباقي وبهذا قال أبو حنيفة و أصحابه و الليث و شريك و يحيى بن آدم وهو رواية الربيع عن الشافعي والمشهور عنه أنه لا يدفع إلى شركائه شيء لأن الحمل لاحد له ولا نعلم كم يترك له
وقد حكي الماوردي قال : أخبرني رجل من أهل اليمن ورد طالبا للعلم وكان من أهل الدين والفضل ان امرأة ولدت باليمن شيئا كالكرش فظن أن لا ولد فيه فألقي على قارعة الطريق فلما طلعت الشمس وحمي بها تحرك فأخذ وشق فخرج منه سبعة أولاد ذكور وعاشوا جميعا وكانوا خلقا سويا إلا أنه كان في أعضادهم قصر قال وصارعني أحدهم فصرعني فكنت أعير به فيقال صرعك سبع رجل
وقد أخبراني من أثق به سنة ثمان وستمائة أو سنة تسع عن ضرير بدمشق أنه قال ولدت امرأتي في هذه الأيام سبعة في بطن واحد ذكورا وإناثا وكان بدمشق أم ولد لبعض كبرائها وتزوجت بعده من كان يقرأ علي وكانت تلد ثلاثة في كل بطن وقال غيره هذا نادر ولا يعول عليه فلا يجوز منع الميراث من أجله كما لو لم يظهر بالمرأة حمل واختلف القائلون بالوقف فيما يوقف فروي عن أحمد أنه يوقف نصيب ذكرين ان كان ميراثهما أكثر أو ابنتين إن كان نصيبهما أكثر وهذا قول محمد بن الحسن و اللؤلؤي وقال شريك يوقف نصيب أربعة فإني رأيت بني إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد محمد وعمر علي قال يحيى بن آدم وأظن الرابع إسماعيل وروى ابن المبارك هذا القول عن أبي حنيفة ورواه الربيع عن الشافعي رضي الله عنه وقال الليث و أبو يوسف يوقف نصيب غلام ويؤخذ ضمين من الورثة
ولنا أن ولادة التوأمين كثير معتاد فلا يجوز قسم نصيبهما كالواحد وما زاد عليهما نادر فلم يوقف له شيء كالخامس والسادس ومتى ولدت المرأة من يرث الموقوف كله أخذه وإن بقي منه شيء رد إلى أهله وإن أعوز شيئا رجع على من هو في يده
مسائل : ومن ذلك امرأة حامل وبنت للمرأة الثمن وللبنت خمس الباقي وفي قول شريك تسعة وفي قول أبي يوسف ثلثه بضمين ولا يدفع إليها شيء في المشهور عن الشافعي رضي الله عنه وإن كان مكان البنت ابن دفع إليه ثلث الباقي أو خمسه أو نصفه على اختلاف الأقوال ومتى زادت الفروض على ثلث المال فميراث الإناث أكثر فإذا خلف أبوين وامرأة حاملا فللمرأة ثلاثة من سبعة وعشرين وللأبوين ثمانية منها ويوقف ستة عشر ويستوي ههنا قول من وقف نصيب أربعة وقال ابو يوسف تعطى المرأة ثمنا كاملا والأبوان ثلثا كاملا ويؤخذ منهم ضمين فإن كان معهم بنت دفع إليها ثلاثة عشر من مائة وعشرين وفي قول شريك ثلاثة عشر من مائتين وستة عشر وفي قول أبي يوسف ثلاثة عشر من اثنين وسبعين ويؤخذ من الكل ضمناء من البنت لاحتمال أن يولد أكثر من واحد ومن الباقين لاحتمال أن تعول المسألة وعلى قولنا يوافق بين سبعة وعشرين ومائة وعشرين بالأثلاث وتضرب ثلث احداهما في جميع الأخرى تكن الفا وثمانين وتعطى البنت ثلاثة عشر في تسعة تكن مائة وعشرين وللأبوين والمرأة أحد عشر في أربعين وما بقي فهو موقوف زوج وأم حامل من الأب المسألة من ثمانية للزوج ثلاثة وللأم سهم ويوقف أربعة وقال أبو يوسف هي من ثمانية يدفع إلى الزوج ثلاثة وإلى الأم سهمان وتقف ثلاثة وتأخذ منها ضمينا هكذا حكى الخبري عنه فإن كان في المسألة من يسقط بولد الأبوين كعصبة أو أحد من ولد الأب لم يعط شيئا ولو كان في هذه المسألة جد فللزوج الثلث وللأم السدس وللجد السدس والباقي موقوف وقال أبو حنيفة للزوج وللأم السدس وللجد السدس ويوقف بين الجد والأم ولا شيء للحمل لأن الجد يسقطه و أبو يوسف يجعلها من سبعة وعشرين ويقف أربعة أسهم وحكي عن شريك أنه كان يقول بقول علي في الجد فيقف ههنا نصيب الإناث فيكون عنده من تسعة وتقف منها أربعة ولو لم يكن فيها زوج كان للأم السدس وللجد ثلث الباقي وتقف عشرة من ثمانية عشر وعند أبي حنيفة للجد الثلثان وللأم السدس ويوقف السدس بينهما قول ابي يوسف يقف الثلث ويعطى كل واحد منهما ثلث ويؤخذ منهما ضمين ومتى خلف ورثه وأما تحت الزوج فينبغي للزوج الإمساك عن وطئها ليعلم أحامل هي أم لا كذا روي عن علي وعمر بن عبد العزيز و الشعبي و النخعي و قتادة في آخرين وإن وطئها قبل استبرائها فأتت بولد لأقل من ستة أشهر ورث لأننا نعلم أنها كانت حاملا به وإن ولدته لأكثر من ذلك لم ترث إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملا به يوم موت ولدها

فصل الشروط التي تشترط لميراث الحمل
فصل : ولا يرث الحمل إلا بشرطين أحدهما : أن يعلم أنه كان موجودا حال الموت ويعلم ذلك بأن تأتي لأقل من ستة أشهر فإن أتت به الأكثر من ذلك نظرنا فإن كان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث إلا أن يقر الورثة أنه كان موجودا حال الموت وإن كانت لا توطأ اما لعدم الزوج أو لسيد وإما لغيبتهما أو اجتنابهما الوطء عجزا أو قصدا أو غيره ورث ما لم يجاوز أكثر مدة لحمل وذلك أربع سنين في أصح الروايتين وفي الأخرى سنتان والثاني : أن تضعه حيا فإن وضعته ميتا لم يرث في قولهم جميعا واختلف فيما يثبت به الميراث من الحياة واتفقوا على أنه إذا استهل صارخا ورث وورث وقد روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا استهل المولود ورث ] وروى ابن ماجة بإسناده عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله واختلفوا فيما سوى الاستهلال فقالت طائفة لا يرث حتى يستهل ولا يقوم غيره مقامه ثم اختلفوا في الاستهلال ما هو فقالت طائفة لا يرث حتى يستهل صارخا فالمشهور عن أحمد رضي الله عنه أنه لا يرث حتى يستهل وروي ذلك عن ابن عباس و الحسن بن علي وأبي هريرة و جابر و سعيد بن المسيب و عطاء و شريح و الحسن و ابن سيرين و النخعي و الشعبي و ربيعة و أبي سلمة بن عبد الرحمن و مالك و أبي عبيد و إسحاق لأن مفهوم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا استهل المولود ورث ] أنه لا يرث بغير الاستهلال وفي لفظ ذكره ابن سراقة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في الصبي المنفوس : إذا وقع صارخا فاستهل ورث وتمت ديته وسمي وصلي عليه وإن وقع حيا ولم يستهل صارخا لم تتم ديته وفيه غرة عبد أو أمة على العاقلة ] ولأن الاستهلال لا يكون إلا من حي والحركة تكون من غير حي فإن اللحم يختلج سيما إذا خرج من مكان ضيق فتضامت أجزاؤه ثم خرج إلى مكان فسيح فإنه يتحرك من غير حياة فيه ثم إن كانت فيه حياة فلا نعلم كونها مستقرة لاحتمال أن تكون كحركة المذبوح فإن الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة شديدة وهي في حكم الميت واختلف في الاستهلال ما هو فقيل الصراخ خاصة وهذا قول من ذكرنا في هذه المسألة ورواه أبو طالب عن أحمد فقال لا يرث إلا من استهل صارخا وإنما سمي الصراخ من الصبي الاستهلال تجوزا والأصل فيه أن الناس إذا رأوا الهلال صاحوا عند رؤيته واجتمعوا وأراه بعضهم بعضا فسمي الصوت عند استهلال الهلال استهلالا ثم سمي الصوت من الصبي المولود استهلالا لأنه صوت عند وجود شيء يجتمع له ويفرح به وروى يوسف بن موسى عن أحمد أنه قال يرث السقط ويورث إذا استهل فقيل له ما استهلاله ؟ قال إذا صاح أو عطس أو بكى فعلى هذا كل صوت يوجد منه تعلم به حياته فهو استهلال وهذا قول الزهري و القاسم بن محمد لأنه صوت علمت به حياته فأشبه الصراخ
وعن أحمد رواية ثالثة إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره ورث وثبت له أحكام المستهل لأنه حي فتثبت له أحكام الحياة كالمستهل وبهذا قال الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبو حنيفة و أصحابه و داود وإن خرج بعضه حيا فاستهل ثم انفصل باقيه ميتا لم يرث وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا خرج أكثره فاستهل ثم مات ورث لقوله عليه السلام : [ إذا استهل المولود ورث ] ولنا أنه لم يخرج جميعه فأشبه ما لو مات قبل خروج أكثره

فصلان ومسائل في استهلال أحد التوأمين إذا لم يعلم عينه
فصل : وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما ولم يعلم بعينه فإن كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكرا وأنثى لا يختلف ميراثهما فلا فرق بينهما وإن كانا ذكرا وأنثى يختلف بميراثهما فقال القاضي : من أصحابنا من قال يقرع بينهما فمن أخرجته القرعة جعل المستهل كما لو طلق إحدى نسائه فلم تعلم بعينها ثم مات أخرجت بالقرعة وقال الخبري ليس في هذا عن السلف نص وقال الفرضيون تعمل المسألة على الحالين ويعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي حتى يصطلحوا عليه ويحتمل أن يقسم بينهم على حسب الاحتمال
ومن مسائل ذلك : رجل خلف أمه وأخاه وأم ولد حاملا منه فولدت توأمين ذكرا وأنثى فاستهل أحدهما ولم يعلم بعينه فقيل إن كان الابن المستهل فللأم السدس والباقي له ترث أمه ثلث والباقي لعمه فاضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشر لأم الميت ثلاثة ولأم الولد خمسة وللعم عشرة وإن كانت البنت المستهلة فالمسألة من ستة فتموت البنت عن ثلاثة لأمها سهم ولعمها سهمان والستة تدخل في ثمانية عشر فمن له شيء من الثمانية عشر مضروب في واحد ومن له شيء من الستة مضروب في ثلاثة فسدس الأم لا يتغير وللعم من الستة أربعة في ثلاثة اثنا عشر وله من الثمانية عشر عشرة في واحد فهذا اليقين فيأخذه ولأم الولد خمسة في سهم وسهم في ثلاثة فيأخذها ويقف سهمين بين الأخ وأم الولد حتى يصطلحا عليها ويحتمل أن يقتسماها بينهما
امرأة حامل وعم ولدت المرأة ابنا وبنتا واستهل أحدهما ولم يعلم فالمسألتان من أربعة وعشرين إذا أعطيت كل واحد أقل من نصيبه بقيت ثلاثة موقوفة فإن كان معهما بنت فكل واحدة من المسألتين من اثنين وسبعين والموقوف اثنا عشر امرأة وعم وأم حامل من الأب ولدت ابنا وبنتا فاستهل أحدهما فإن كان المستهل الأخ فهي من ستة وثلاثين وإن كانت الأخت المستهلة فهي من ثلاثة عشر فالمسألتان متباينتان فاضرب أحداهما في الأخرى تكن أربعمائة وثمانية وستين وكل من له شيء من إحدى المسألتين مضروب في الأخرى فيدفع لكل واحد أقل النصيبين يبقى أربعة عشر منها تسعة بين المرأة والعم وخمسة بين الأم والعم فإن كانت المرأة والأم حاملين فوضعتا معا فاستهل أحدهما فكل واحدة منهما ترجع إلى ستة وثلاثين فيعطى كل وارث أقل النصيبين ويبقى أحد عشر منها أربعة موقوفة بين الزوجة والأم وبعة بين الأم والعم
فصل : وإذا ولدت الحامل توأمين فسمع الاستهلال من أحدهما ثم سمع مرة أخرى فلم يدر أهو من الأول أو من الثاني فيحتمل أن يثبت الميراث لمن علم استهلاله دون من شككنا فيه لأن الأصل عدم استهلاله فعلى هذا الاحتمال إن علم المستهل بعينه فهو الوارث وحده وإن جهل عينه كان كما لو استهل واحد منهما لا بعينه وقال الفرضيون يعمل على الأحوال فيعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي ومن مسائل ذلك : أم حامل وأخت لأب وعم ولدت الأم بنتين فاستهلت احداهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر أهل استهلت الأخرى أو تكرر من واحدة فقيل إن كانت منهما جميعا فقد ماتتا عن أربعة من ستة ولا يعلم أولهما موتا فحكمهما حكم الغرقى فمن ذهب إلى أنه لا تورث إحداهما من الأخرى قال قد خلفا أما وأختا وعما فتصح من ثمانية عشر وإن كان الاستهلال من واحدة فقد ماتت عن ثلاثة من ستة فتصح من اثني عشر وبينهما موافقة بالسدس فتصير ستة وثلاثين للأم اثنا عشر وللأخت كذلك وللعم تسعة ونقف ثلاثة تدعي الأم منها سهمين والعم سهما وتدعيها الأخت كلها فيكون سهمان بينهما وبين الأم وسهم بينها وبين العم
زوج وجد وأم حامل ولدت ابنا وبنتا فاستهل أحدهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر ممن هو فإن كان الاستهلال تكرر من البنت فهي الأكدرية وماتت عن أربعة بين أمها وجدها فتصح من أحد وثمانين وإن تكرر من الأخ لم يرث شيئا والمسألة من ستة للجد منها سهم وإن كان منهما فللأم السدس وللزوج النصف وللجد السدس ولهما السدس على ثلاثة فتصح من ثمانية عشر والثلاثة التي لهاما بين الجد والأم على ثلاثة فصار للأم أربعة وللجد خمسة وثمانية عشر توافق أحدا وثمانين بالأتساع فتصير مائة واثنين وستين للزوج حقه من الأكدرية أربعة وخمسون وللأم تسعا المال من مسألة استهلالهما معا ستة وثلاثون وللجد السدس من مسألة استهلال الأخ وحده سبعة وعشرون يبقى خمسة وأربعون يدعي الزوج منها سبعة وعشرين والأم ثمانية عشر ويدعي منها الجد سبعة وثلاثين وتعول الثمانية الفاضلة للأم فيحتمل أن تدفع إليها لأن الزوج والجد يقران لها بها

فصل ميراث غرة الجنين الواجبة بالجناية على أمه
فصل : وإذا ضرب بطن حامل فاسقطت فعلى الضارب غرة موروثة عن الجنين كأنه سقط حيا وبهذا قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي وسائر الفقهاء إلا شيئا يحكى عن ربيعة و الليث وهو شذوذ لا يعرج عليه فإن قيل فكيف تورثون منه وهو لا يرث ؟ قلنا نورث منه لأن الواجب بدل عنه فورثته ورثته كدية غير الجنين وأما توريثه فمن شروطه كونه حيا موت موروثه ولا يتحقق ذلك فلا نورثه مع الشك في حياته

فصل ميراث دية المقتول والخلاف فيها
فصل : ودية المقتول موروثة عنه كسائر أمواله إلا أنه اختلف فيه عن علي فروي عنه مثل قول الجماعة وعنه لا يرثها إلا عصباته الذين يعقلون عنه وكان عمر يذهب إلى هذا ثم رجع عنه لما بلغه عن النبي صلى الله عليه و سلم توريث المرأة من دية زوجها قال سعيد حدثنا سفيان حدثنا الزهري سمع سعيد بن المسيب يقول [ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا فقال الضحاك الكلابي كتب إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها أشيم ] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى الإمام أحمد بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى أن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم ] وبإسناده عن ابن عباس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : المرأة ترث من مال زوجها وعقله ويرث هو من مالها وعقلها ما لم يقتل واحد منهما صاحبه ] إلا أن في إسناده رجلا مجهولا وقال إبراهيم [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الدية على الميراث والعقل على العصبة ] وقال أبو ثور هي على الميراث ولا تقضى منها ديونه ولا تنفذ منها وصاياه وعن أحمد نحو ذلك من هذا وقد ذكر الخرقي فيمن أوصى بثلث ماله لرجل فقتل وأخذت ديته فللموصى له بالثلث ثلث الدية في إحدى الروايتين والأخرى ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شيء ومبنى هذا على أن الدية ملك الميت أو على ملك الورثة ابتداء وفيه روايتان : إحداهما انها تحدث على ملك الميت لأنها بدل نفسه فيكون بدلها له كدية أطرافه المقطوعة منه في الحياة ولأنه لو أسقطها عن القاتل بعد جرحه إياه كان صحيحا وليس له إسقاط الورثة ولأنها مال موروث فأشبهت سائر أمواله والأخرى أنها تحدث على ملك الورثة ابتداء لأنها إنما تستحق بعد الموت وبالموت تزول أملاك الميت الثابتة له ويخرج عن أن يكون أهلا للملك وإنما يثبت الملك لورثته ابتداء ولا أعلم خلافا في أن الميت يجهز منها أن كان قبل تجهيزه لأنه لو لم يكن له شيء لوجب تجهيزه على من عليه نفقته لو كان فقيرا فأولى أن يجب ذلك في ديته

فصل ميراث المفقود وأنواعه وأحكامه ومسائل فيه
فصل : في ميراث المفقود وهو نوعان أحدهما : الغالب من حالة الهلاك وهو من يفقد في مهلكة كالذي يفقد بين الصفين وقد هلك جماعة أو في مركب انكسر فغرق بعض أهله أو في مفازة يهلك فيها الناس أو يفقد من بين أهله أو يخرج لصلاة العشاء أو غيرها من الصلوات أو لحاجة قريبة فلا يرجع ولا يعلم خبرة فهذا ينتظر به أربع سنين فإن لم يظهر له خبر قسم ماله واعتدت امرأته عدة الوفاة وحلت للأزواج نص عليه الإمام أحمد وهذا اخيتار أبي بكر وذكر القاضي أنه لا يقسم ماله حتى تمضي عدة الوفاة بعد الأربع سنين لأنه الوقت الذي يباح لامرأته التزوج فيه والأول أصح لأن العدة إنما تكون بعد الوفاة فإذا حكم بوفاته فلا وجه للوقوف عن قسم ماله وإن مات للمفقود من يرثه قبل الحكم بوفاته وقف للمفقود نصيبه من ميراثه وما يشك في مستحقه وقسم باقية فإن بان حيا أخذه ورد الفضل إلى أهله وإن علم أنه مات بعد موت موروثه دفع نصيبه مع ماله إلى ورثته وإن علم أنه كان ميتا حين موت موروثة رد الوقوف إلى ورثة الأول وإن مضت المدة ولم يعلم خبرة رد أيضا إلى ورثة الأول لأنه مشكوك في حياته حين موت موروثه فلا نورثه مع الشك كالجنين الذي يسقط ميتا وكذلك إن علمنا أنه مات ولم يدر متى مات ولم يفرق سائر أهل العلم بين هذه الصورة وبين سائر صور الفقدان فيما علمنا إلا أن مالكا و الشافعي رضي الله عنهما في القديم وافقا في الزوجة أنها تتزوج خاصة والأظهر من مذهبه مثل قول الباقين فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها على ما سنذكره في الصورة الأخرى إن شاء الله تعالى لأنه مفقود لا يتحقق موته فأشبه التاجر والسائح
ولنا اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على تزويج امرأته على ما ذكرناه في العدد وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للابضاع ففي المال أولى ولأن الظاهر هلاكه فأشبه ما لو مضت مدة لا يعيش في مثلها النوع الثاني : من ليس الغالب هلاكه كالمسافر لتجارة أو طلب علم أو سياحة ونحو ذلك ولم يعلم خبرة ففيه روايتان إحداهما : لا يقسم ماله ولا تتزوج امرأته حتى يتقين موته أو يمضي عليه مدى لا يعيش في مثلها وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم وهذا قول الشافعي رضي الله عنه و محمد بن الحسن وهو المشهور عن مالك و أبي حنيفة و أبي يوسف لأن الأصل حياته والتقدير لا يصار إليه إلا بتوقيف ولا توقيف ههنا فوجب التوقف عنه
والرواية الثانية : أنه ينتظر به تمام تسعين سنة مع سنة يوم فقد وهذا قول عبد الملك بن الماجشون لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا وقال عبد الله بن عبد الحكم ينتظر به إلى تمام سبعين سنة مع سنة يوم فقد ولعله يحتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أعمار أمتي ما بين السبعين والستين ] أو كما قال ولأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا فأشبه التسعين
وقال الحسن بن زياد ينتظر به تمام مائة وعشرين سنة وقال ولو فقد وهو ابن ستين سنة وله مال لم يقسم ماله حتى يمضي عليه ستون سنة أخرى فيكون له مع سنة يوم فقد مائة وعشرون سنة فيقسم ماله حينئذ بين ورثته إن كانوا أحياء وإن مات بعض ورثته قبل مضي مائة وعشرين وخلف ورثة لم يكن لهم شيء من كال المفقود وكان ماله للأحياء من ورثته ويوقف للمفقود حصته من مال موروثه الذي مات في مدة الانتظار فإن مضت المدة ولم يعلم خبر المفقود رد الوقوف إلى ورثة موروث المفقود ولم يكن لورثة المفقود قال اللؤلؤي : وهذا قول أبي يوسف وحكي الخبري عن اللؤلؤي أنه قال : إن الموقوف للمفقود وإن لم يعلم خبره يكون لروثته قال وهو الصحيح عندي والذي ذكرناه هو الذي حكاه ابن اللبان عن اللؤلؤي فقال لو ماتت امرأة المفقود قبل تمام مائة وعشرين سنة بيوم أو بعد فقده بيوم وتمت مائة وعشرون سنة لم تورث منه شيئا ولم نورثه منها لأننا لا نعلم أيهما مات أولا وهذا قياس قول من قال في الغرقى أنه لا يورث أحدهم من صاحبه ويرث كل واحد الأحياء من ورثته قال القاضي هذا قياس قول أحمد واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك ولو بيوم واختلفوا فيمن مات وفي ورثته مفقود فمذهب أحمد وأكثر الفقهاء على أنه يعطى كل وارث من ورثته اليقين ويوقف الباقي حتى يتبين أمره أو تمضي مدة الانتظار فتعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت وتضرب إحداهما في الأخرى ان تباينتا أو في وفقهما ان اتفقتا وتجتزىء بإحداهما ان تماثلتا أو بأكثرهما ان تناسبتا وتعطي كل واحد أقل النصيبين ومن لا يرث إلا من أحدهما لا تعطيه شيئا وتقف الباقي ولهم أن يصطلحوا على ما زاد على نصيب المفقود واختاره ابن اللبان لأنه لا يخرج عنهم وأنكر ذلك الوني وقال لا فائدة في أن ينقص بعض الورثة عما يستحقه في مسألة الحياة وهي منتفية ثم يقال له لك أن تصالح على بعضه بل ان جاز لك فالأولى أن نقسم المسألة على تقدير الحياة ونقف نصيب المفقود لا غير والأول أصح إن شاء الله فإن الزائد عن نصيب المفقود من الموقوف مشكوك في مستحقه ويقين الحياة معارض بظهور الموت فينبغي أن يوقف كالزائد عن اليقين في مسائل الحمل والاستهلال ويجوز للورثة الموجودين الصلح عليه لأنه حقهم لا يخرج عنهم وإباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب وقفه كما تقدم في نظائره ووجوب وقته لا يمنع الصلح عليه لذلك ولأن تجويز أخذ الإنسان حق غيره برضاه وصلحه لا يلزم منه جواز أخذه بغير إذنه وظاهر قول الوني هذا أن تقسم المسألة على أنه حي ويقف نصيبه لا غير وقال بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه يقسم المال على الموجودين لأنهم متحققون والمفقود مشكوك فيه فلا يورث مع الشك وقال محمد بن الحسن القول قول من المال في يده فلو مات رجل وخلف ابنتيه وابن ابن أبن أبوه مفقود والمال في يد الابنتين فاختصموا إلى القاضي فإنه لا ينبغي للقاضي أن يحول المال عن موضعه ولا يقف منه شيئا سواء اعترقت الابنتان بفقده أو ادعتا موته وإن كان المال في يد ابن المفقود لم يعط الابنتان إلا النصف أقل ما يكون لهما وإن كان المال في يد أجنبي فأقر بأن الابن مفقود وقف له النصف في يديه وإن قال الأجنبي قد مات المفقود لزمه دفع الثلثين إلى البنتين ويوقف الثلث إلا أن يقر ابن الابن بموت أبيه فيدفع إليه الباقي والجمهور على القول الأول
ومن مسائل ذلك : زوج وأم وأخت وجد وأخ مفقود مسألة الموت من سبعة وعشرين لأنها مسألة الأكدرية ومسألة الحياة من ثمانية عشر وهما يتفقان بالأتساع فتضرب تسع إحداهما في الأخرى تكن أربعة وخمسين للزوج النصف من مسألة الحياة والثلث من مسألة الموت فيعطى الثلث وللأم التسعان من مسألة الموت والسدس من مسألة الحياة فتعطى السدس وللجد ستة سهما من مسألة الموت وتسعة من مسألة الحياة فيأخذ التسعة وللأخت ثمانية من مسألة الموت وثلاثة من مسألة الحياة فتأخذ ثلاثة ويبقى خمسة عشر موقوفة إن بان أن الأخ حي أخذ ستة وأخذ الزوج تسعة وإن بان ميتا أو مضت المدة قبل قدومه أخذت الأم ثلاثة والأخت خمسة والجد سبعة واختار الخبري أن المدة إذا مضت ولم يتبين أمره أن يقسم نصيبه من الموقوف على ورثته فإنه كان محكوما بحياته لأنها اليقين وإنما حكمنا بموته بمضي المدة
ولنا أنه مال موقوف لمن ينتظر ممن لا يعلم حاله فإذا لم تتبين حياته لم يكن لورثته كالموقوف للحمل وللورثة أن يصطلحون على التسعة قبل مضي المدة زوج وأبوان وابنتان مفقودتان مسألة حياتهما من خمسة عشر وفي حياة أحدهما من ثلاثة عشر وفي موتهما من ستة فتضرب ثلث الستة في خمسة عشر ثم في ثلاثة عشر تكن ثلاثمائة وتسعين ثم تعطي الزوج والأبوين حقوقهم من مسألة الحياة مضروبا في اثنين ثم في ثلاثة عشر وتقف الباقي وإن كان في المسألة ثلاثة مفقودون عملت لهم أربع مسائل وإن كانوا أربعة عملت لهم خمس مسائل وعلى هذا وإن كان المفقود يحجب ولا يرث كزوج وأخت من أبوين وأخت من أب وأخ لها مفقود وقفت السبع بينهما وبين الزوج والأخت من الأبوين وقيل لا يوقف ههنا شيء وتعطى الأخت من الأب السبع لأنها لا تحجب بالشك كما لا ترث بالشك والأول أصح لأن دفع السبع إليها توريث بالشك وليس في الوقف حجب يقينا إنما هو توقف عن صرف المال إلى إحدى الجهتين المشكوك فيها ويعارض قول هذا القائل قول من قال إن اليقين حياته فيعمل على أنه حي ويدفع المال إلى الزوج والأخت من الأبوين والتوسط بما ذكرناه أولى والله أعلم

فصل حكم الأسير كحكم المفقود إذا انقطع خبره
فصل : والأسير كالمفقود إذا انقطع خبره وإن علمت حياته ورث في قول الجمهور وحكي عن سعيد بن المسيب أنه لا يرث لأنه عبد وحكي ذلك عن النخعي و قتادة والصحيح الأول والكفار لا يملكون الأحرار والله أعلم

فصل استواء نكاح المرض والصحة في صحة العقد والميراث
فصل : وفي التزويج في المرض والصحة حكم النكاح في المرض والصحة سواء في صحة العقد وتوريث كل واحد منهما من صاحبه في قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة و الشافعي رضي الله عنه وقال مالك أي الزوجين كان مريضا مخوفا حال عقد النكاح فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن يصيبها فيكون لها المسمى في ثلاثة مقدما على الوصية وعن الزهري و يحيى بن سعيد مثله واختلف أصحاب مالك في نكاح من لم يرث كالأمة والذمية فقال بعضهم يصح لأن لا يتهم بقصد توريثها ومنهم من أبطله لجواز أن تكون وارثة وقال ربيعة و ابن أبي ليلى الصداق والميراث من الثلث وقال الأوزاعي النكاح صحيح ولا ميراث بينهما وعن القاسم بن محمد و الحسن إن قصد الاضرار بورثته فالنكاح باطل وإلا فهو صحيح
ولنا أنه عقد معاوضة يصح في الصحة فيصح في المرض كالبيع ولأنه نكاح صدر من أهله في محله بشرطه فيصح كحال الصحة وقد روينا أن عبد الرحمن بن أم الحكم تزوج في مرضه ثلاث نسوة أصدق كل واحدة ألفا ليضيق بهن على امرأته ويشركنها في ميراثها فأجز ذلك وإذا ثبت صحة النكاح ثبت الميراث بعموم الآية

فصل ميراث الزوجين قبل الدخول وعدم ثبوته في النكاح الفاسد
فصل : ولا فرق في ميراث الزوجين بين ما قبل الدخول وبعده لعموم الآية ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قضى لبروع بنت أرشق بالميراث وكان زوجها مات عنها قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها صداقا ولأن النكاح صحيح ثابت فيورث به كما بعد الدخول

فصل النكاح الفاسد لا يثبت به التوارث بين الزوجين
فصل : فأما النكاح الفاسد فلا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي وإذا اشتبه من نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فالمنقول عن أحمد أنه قال فيمن تزوج أختين لا يدري أيتهما تزوج أول فإنه يفرق بينهما وتوقف عن أن يقول في الصداق شيئا قال أبو بكر يتوجه على قوله أن يقرع بينهما فعلى هذا الوجه يقرع بينهما في الميراث إذا مات عنهما وعن النخعي و الشعبي ما يدل على أن المهر والميراث يقسم بينهن على حسب الدعاوى والتنزيل كميراث الخناثى وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقال الشافعي رضي الله عنه يوقف المشكوك فيه من ذلك حتى يصطلحن عليه أو يتبين الأمر فلو تزوج امرأة في عقد واربعا في عقد ثم مات وخلف أخا ولم يعلم أي العقدين سبق ففي قول أبي حنيفة كل واحدة تدعي مهرا كاملا ينكره الأخ فتعطى كل واحدة نصف مهر ويؤخذ ربع الباقي تدعيه الواحدة والأربع فيقسم للواحدة نصفه وللأربع نصفه وعند الشافعي رضي الله عنه أكثر ما يجب عليه أربعة مهور فيأخذ ذلك يوقف منها مهر بين النساء الخمس ويبقى ثلاثة تدعي الواحدة ربعها ميراثا ويدعي الأخ ثلاثة أرباعها فيوقف منها ثلاثة أرباع مهر بين النساء الخمس وباقيها وهو مهران وربع بين الأربع وبين الأخ ثم يؤخذ ربع ما بقي فيوقف بين النساء الخمس والباقي للأخ وإن تزوج امرأة في عقد واثنتين في عقد وثلاثا في عقد ولم يعلم السابق فالواحدة نكاحها صحيح فلها مهرها ويبقى الشك في الخمس فعلى قول أهل العراق لهن مهران بيقين والثالث لهن في حال دون حال فيكون لهن نصفه ثم يقسم ذلك بينهن لكل واحدة نصف مهر ثم يؤخذ ربع الباقي لهن ميراثا فللواحدة ربعه يقينا وتدعي نصف سدسه فتعطى نصفه فيصير لها من الربع سدسه وثمنه وذلك سبعة من أربعة وعشرين والاثنتان يدعيان ثلثيه وهو ستة عشر سهما فيعطين نصفه وهو ثمانية أسهم والثلاث يدعين ثلاثة أرباعه وهو ثمانية عشر سهما فيعطين تسعة هذا قول محمد بن الحسن
وعلى قول أبي حنيفة و أبي يوسف تقسم السبعة عشر بين الثلاث والاثنتين نصفين فيصير الربع من ثمانية وأربعين سهما ثم تضرب الاثنين في الثلاث ثم في الثمانية وأربعين تكن مائتين وثمانية وثمانين فهذا ربع المال وعند الشافعي رضي الله عنه تعطى الواحدة مهرها ويوقف ثلاثة مهور : مهران منها بين الخمس ومهر تدعيه الواحدة والاثنتان ربعه ميراثا وتدعيه الثلاث مهرا وثلاثة أرباعه تدعيه الأخرى ميراثا وتدعيه الثلاث مهرا ويؤخذ ربع ما بقي فيدفع ربعه إلى الواحدة ونصف سدسه بين الواحدة والثلاث موقوف وثلثاه بين الثلاث والاثنتين موقوف فإن طلبت واحدة من الخمس شيئا من الميراث الموقوف لم يدفع إليها شيء وكذلك إن طلبه أحد الفريقين لم يدفع إليه شيء وإن طلبت واحدة من الثلاث وواحدة من الاثنتين دفع إليهما ربع الميراث وإن طلبه واحدة من الاثنتين واثنتان من الثلاث أو الثلاث كلهن دفع إليهن ثلثه وإن عين الزوج المنكوحات أولا قبل تعيينه وثبت وإن وطىء واحدة منهن لم يكن ذلك تعيينا لها وهذا قول الشافعي رضي الله عنه وللموطوءة الأقل من المسمى أو مهر المثل فيكون الفضل بينهما موقوفا وعلى قول أهل العراق يكون تعيينا فإن كانت الموطوءة من الاثنتين صح نكاحها وبطل نكاح الثلاث وإن كانت الثلاث بطل نكاح الاثنتين وإن وطىء واحدة من الاثنتين وواحدة من الثلاث صح نكاح الفريق المبدوء بوطء واحدة منه وللموطوءة التي لم يصح نكاحها مهر مثلها فإن أشكل أيضا أخذ منه اليقين وهو مهران مسميان ومهر مثل ويبقى مهر مسمى تدعيه النسوة وينكره الأخ فيقسم بينهما فيحصل للنسوة مهر مثل ومسميان ونصف منها مهر مسمى ومهر مثل يقسم بين الموطوءتين نصفين ويبقى مسمى ونصف بين الثلاث الباقيات لكل واحدة نصف مسمى والميراث على ما تقدم وعند الشافعي لا حكم للوطء في التعيين وهل يقوم تعيين الوارث مقام تعيين الزوج ؟ فيه قولان فعلى قوله يؤخذ مسمى ومهر مثل للموطوءتين تعطى كل واحدة الأقل من المسمى أو مهر المثل ويقف الفضل بينهما ويبقى مسميان ونصف يقف أحدهما بين الثلاث اللاتي لم يوطأن وآخر بين الثلاث والاثنتين والميراث على ما تقدم
وحكي عن الشعبي و النخعي فيمن له أربع نسوة أبت طلاق احداهن ثم نكح خامسة ومات ولم يدر أيتهن طلق فللخامسة ربع الميراث وللأربع ثلاثة أرباعه بينهن وهذا مذهب أبي حنيفة إذا كان نكاح الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة ولو أنه قال بعد نكاح الخامسة إحدى نسائي طالق ثم نكح سادسة ثم مات قبل أن يبين فللسادسة ربع الميراث وللخامسة ربع ثلاثة أرباع الباقي وما بقي بين الأربع الأول أرباعا وفي قول الشافعي رضي الله عنه ما أشكل من ذلك موقوف على ما تقدم ؟

فصلان في الطلاق
فصل في الطلاق : إذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك رجعتها في عدتها لم يسقط التوارث بينهما مادامت في العدة سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك امساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد وان طلقها في الصحة طلاقا بائنا أو رجعيا فبانت بانقضاء عدتها لم يتوارثا إجماعا وإن كان الطلاق في المرض المخوف ثم مات من مرضه ذلك في عدتها ورثته ولم يرثها إن ماتت يروى هذا عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال عروة و شريح و الحسن و الشعبي و النخعي و الثوري و أبو حنيفة في أهل العراق و مالك في أهل المدينة و ابن أبي ليلى وهو قول الشافعي رضي الله عنه والقديم
وروي عن عتبة بن عبد الله بن الزبير لا ترث مبتوتة وروي ذلك عن علي وعبد الرحمن بن عوف وهو قول الشافعي الجديد لأنها بائن فلا ترث كالبائن في الصحة أو كما كان الطلاق باختيارها ولأن أسباب الميراث محصورة في رحم ونكاح وولاء وليس لها شيء من هذه الأسباب
ولنا أن عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكان طلقها في مرضه فبتها واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعا ولم يثبت عن علي ولا عبد الرحمن خلاف في هذا بل قد روى عروة عن عثمان أنه قال لعبد الرحمن لئن مت لأورثتها منك قال قد علمت ذلك وما روي عن ابن الزبير أن صح قهو مسبوق بالإجماع ولأن هذا قصدا فاسدا في الميراث فعوض بنقيض قصده كالقاتل القاصد استعجال الميراث يعاقب بحرمانه إذا ثبت هذا فالمشهور عن أحمد أنها ترثه في ا لعدة وبعدها ما لم تتزوج قال أبو بكر لا يختلف قول أبي عبد الله في المدخول بها إذا طلقها المريض أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج روي ذلك عن الحسن وهو قول البتي وحميد و ابن أبي ليلى وبعض البصريين وأصحاب الحسن و مالك في أهل المدينة وذكر عن أبي بن كعب لما روي أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أباه طلق أمه وهو مريض فمات فورثته بعد انقضاء العدة ولأن سبب توريثها فراره من ميراثها وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة وروي عن أحمد ما يدل على أنها لا ترث بعد العدة فإنه قال في رواية الأثرم ويلزم من قال له أن يتزوج أربعا قبل انقضاء عدة مطلقاته أنه لو طلق أربع نسوة في مرضه ثم تزوج أربعا ثم مات من مرضه ذلك أن الثمان يرثنه كلهن فيكون مسلما يرثه ثمان نسوة وهذا القول يلزم منه توريث ثمان وتوريثها بعد العدة يلزم منه ذلك ولأنه قال في المطلقة قبل الدخول لا ترث لأنها لا عد لها وهذه كذلك فلا ترث وهذا قول عروة و أبي حنيفة وأصحابه وقول الشافعي القديم لأنها تباح لزوج آخر فلم ترثه كما لو كان في الصحة ولأن توريثها بعد العدة يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة فلم يجز ذلك كما لو تزوجت وإن تزوجت المبتوتة لم ترثه سواء كانت في الزوجية أو بانت من الزوج الثاني هذا قول أكثر أهل العلم وقال مالك في أهل المدينة ترثه لما ذكرنا للرواية الأولى ولأنها شخص يرث مع انتفاء الزوجية فورث معها كسائر الوارثين
ولنا أن هذه وارثة زوج فلا ترث زوجا سواه كسائر الزوجات ولأن التوارث من حكم النكاح فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر كالعدة ولأنها فعلت بإختيارها ما ينافي نكاح الأولى لها فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قبلها
فصل : ولو صح من مرضه ذلك ثم مات بعده لم ترثه في قول الجمهور وروي عن النخعي و الشعبي و الثوري وزفر أنها ترثه لأنه طلاق مرض قصد به الفرار من الميراث فلم يمنعه كما لو يصح
ولنا أن هذه بائن بطلاق في غير مرض الموت فلم ترثه كالمطلقة في الصحة ولأن حكم هذا المرض حكم الصحة في العطايا والاعتاق والاقرار فكذلك في الطلاق وما ذكروه يبطل بما إذا قصد القرار بالطلاق في صحته

فصل حكم ما إذا طلق امرأته في مرضه قبل الدخول
فصل : ولو طلق امرأته ثلاثا في مرضه قبل الدخول بها فقال أبو بكر فيها أربع روايات إحداهن : لها الصداق كاملا والميراث وعليها العدة اختارها أبو بكر وهو قول الحسن و عطاء و أبي عبيد لأن الميراث ثبت للمدخول بها لفراره منه و هذا فار وإذا ثبت الميراث ثبت وجوب تكميل الصداق وينبغي أن تكون العدة عدة الوفاء لأنا جعلناها في حكم من توفي عنها وهي زوجة ولأن الطلاق لا يوجب عدة على غير مدخول بها الثانية : لها الميراث والصداق ولا عدة عليها وهو قول عطاء لأن العدة حق عليها فلا يجب بفراره والثالثة : لها الميراث ونصف الصداق وعليها العدة وهذا قول مالك في رواية أبي عبيد عنه لأن من ترث يجب أن تعتد ولا يكمل الصداق لأن الله تعالى نص على تنصيفه بالطلاق قبل المسيس ولا تجوز مخالفته والرابعة لا ميراث لها ولا عدة عليها ولها نصف الصداق وهو قول جابر بن زيد و النخعي و أبي حنيفة و الشافعي وأكثر أهل العلم قال أحمد قال جابر بن زيد لا ميراث لها ولا عدة عليها قال الحسن ترث قال أحمد اذهب إلى قول جابر وذلك لأن الله تعالى نص على تنصيف الصداق ونفى العدة عن المطلقة قبل الدخول بقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ولا يجوز مخالفة نص الكتاب بالرأي والتحكم وأما الميراث فإنها ليس بزوجة ولا معتدة من نكاح فأشبهت المطلقة في الصحة والله أعلم ولو خلا بها وقال لما أطأها وصدقته فلها الميراث وعليها العدة للوفاء ويكمل لها الصداق لأن الخلوة تكفي في ثبوت هذه الأحكام وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه

فصل حكم ما إذا طلق المدخول بها طلاقا رجعيا
فصل : ولو طلق المدخول بها طلاقا رجعيا ثم مرض في عدتها ومات بعد انقضائها لم ترثه لأنه طلاق صحة وإن طلقها واحدة في صحته وأبانها في مرضه ثم مات بعد انقضاء عدتها فحكمها حكم ما لو ابتدأ طلاقها في مرضه لأنه فر من ميراثها فإن طلقها واحدة في صحته وأخرى في مرضه ولم يبنها حتى بانت بانقضاء عدتها لم ترث لأن طلاق المرض لا يقطع ميراثها ولم يؤثر في بينونتها

فصل حكم ما إذا طلقها في مرضه فارتدت ثم أسلمت ثم مات في عدتها
فصل : وإن طلقها ثلاثا في مرضه فارتدت ثم أسلمت ثم مات في عدتها ففيه وجهان أحدهما : ترثه وهو قول مالك لأنها مطلقة في المرض أشبه ما لو لم ترتد والثاني : لا ترثه وهو قول أبي حنيفة و الشافعي لأنها فعلت ما ينافي النكاح أشبه ما لو تزوجت ولو كان هو المرتد ثم أسلم ومات ورثته وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي رضي الله عنهم لا ترثه
ولنا أنها مطلقة في المرض لم تفعل ما ينافي في نكاحها مات زوجها في عدتها فأشبه ما لو ترتد ولو ارتد أحد الزوجين بعد الدخول من غير طلاق ثم عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة ورثه الآخر لأن النكاح باق فإن انقضت العدة قبل رجوعه انفسخ النكاح ولم يرث أحدهما الآخر وإن قلنا إن الفرقة تتعجل عند خلاف الدين لم يرث أحدهما الآخر ويتخرج أن يرثه الآخر إذا كان ذلك في مرض موته لأنه تحصل به البينونة فأشبه الطلاق وهو قول مالك وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا ارتدت المرأة ثم ماتت في عدتها ورثها الزوج

فصل : حكم ما إذا طلقها في مرضه فارتدت ثم أسلمت ثم مات في عدتهما
فصل : إذا طلق المسلم المريض زوجته الأمة والذمية طلاقا بائنا ثم أسلمت الذمية وعتقت الأمة ثم مات في عدتهما لم ترثاه لأنه لم يكن عند الطلاق فارا وإن قال لهما في المرض إذا عتقت أنت أو أسلمت أنت فأنتما طالقتان فعتقت الأمة وأسلمت الذمية ومات ورثتاه لأنه فار فإن قال لهما أنتما طالقتان غدا فعتقت الأمة وأسلمت الذمية لم ترثاه لأنه غير فار وإن قال سيد الأمة أنت حرة غدا وقال الزوج أنت طالق غدا وهو يعلم بقول السيد ورثته لأنه فار وإن لم ترثه لعدم الفرار وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه و الشافعي رضي الله عنه ولم أعلم لها مخالفا

فصل ما لو قال لامرأته في صحته إذا مرضت فأنت طالق
فصل : وإذا قال لامرأته في صحته إذا مرضت فأنت فحكمه حكم طلاق المرض سواء فإن أقر في مرضه أنه كان طلقها في صحته ثلاثا لم يقبل إقراره عليها وكان حكمه حكم طلاقه في مرضه وبهذا قال مالك و أبو حنيفة وقال الشافعي عنه يقبل أقراره ولنا أنه إقرار بما يبطل به حق غيره فلم يقبل كما لو أقر بمالها

فصل حكم ما إذا سألته الطلاق في مرضه فأجابها
فصل : وإن سألته الطلاق في مرضه فأجابها فقال القاضي فيه روايتان أحداهما : لا ترثه لأنه ليس بفار والثانية : ترثه لأنه طلقها في مرضه وهو قول مالك وكذلك الحكم إن خالعها أو علق الطلاق على مشيئتها فشاءت أو على فعل من جهتها لها منه بد ففعلته أو خيرها فاختارت نفسها والصحيح في هذا كله أنها لا ترثه لأنه لا فرار منه وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي رضي الله عنه وإن لم تعلم بتعليق طلاقها ففعلت ما علق عليه ورثته لأنها معذورة فيه ولو سألته طلقة فطلقها ثلاثا ورثته لأنه أبانها بما لم تطلبه منه وإن علق طلاقها على فعل لا بد لها منه كصلاة مكتوبة وصيام واجب في وقته ففعلته فحكمه حكم طلاقها ابتداء في قولهم جميعا وكذلك إن علقه على كلامها لأبويها أو لأحدهما وإن قال في مرضه أنت طالق إن قدم زيد ونحوه مما ليس من فعلها ولا فعله فوجد الشرط فطلقت به ورثته

فصل حكم ما إذا علق طلاقها في الصحة على شرط وجد في المرض
فصل : فإن علق طلاقها في الصحة على شرط وجد في المرض كقدوم زيد ومجيء غد وصلاتها الفرض بانت ولم ترث لأن اليمين كانت في الصحة
وذكر القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو قول مالك لأن الطلاق وقع في المرض والأول أصح وإن علقه على فعل نفسه ففعله في المرض ورثته لأنه أوقع الطلاق بها في المرض فأشبه ما لو كان التعليق في المرض ولو قال في الصحة أنت طالق إن لم أضرب غلامي فلم يضربه حتى مات ورثته وإن ماتت لم يرثها وإن مات الغلام والزوج مريض طلقت وكان كتعليقه على مجيء زيد أيضا وكذلك أن قال أن لم أوفك مهرك فأنت طالق وإن ادعى الزوج أنه وفاها مهرها فأنكرته صدق الزوج في توريثه منها لأن الأصل بقاء النكاح ولم تصدق في براءته منه لأن الأصل بقاؤه في ذمته ولو قال لها في الصحة أنت طالق ان لم أتزوج عليك فكذلك نص عليه أحمد وهو قول الحسن ولو قذف المريض امرأته ثم لاعنها في مرضه فبانت منه ثم مات في مرضه ورثته وإن مات لم يرثها وإن قذفها في صحته ولاعنها في مرضه ومات فيه لم ترثه نص عليه أحمد وهو قول الشافعي و اللؤلؤي وذكر القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو قول أبي يوسف وإن آلى منها في مرضه ثم صح نكس في مرضه فبانت بالإيلاء لم ترثه

فصل حكم ما إذا استكره الابن امرأة أبيه على ما ينفسخ به نكاحها
فصل : وإذا استكره الابن امرأة أبيه على ما ينفسخ به نكاحها من وطء أو غيره في مرض أبيه فمات أبوه من مرضه ذلك ورثته ولم يرثها إن ماتت وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه فإن طاوعته على ذلك لم ترث لأنها مشاركة فيما ينفسخ به نكاحها فأشبه ما لو خالعته وسواء كان للميت بنون سوى هذا الابن أو لم يكن فإذا انتفت التهمة عنه بأن يكون غير وارث كالكافر والقاتل والرقيق أو كان ابنا من الرضاعة أو ابن ابن محجوب بابن للميت أو بأبوين أو ابنين أو كان للميت امرأة أخرى تحوز ميراث الزوجات لم ترث لانتفاء التهمة ولو صار ابن الابن وارثا بعد ذلك لم يرث لانتفاء التهمة حال الوطء ولو كان حال الوطء وارثا فعاد محجوبا عن الميراث لورثت لوجود التهمة حين الوطء ولو كان للمريض امرأتان فاستكره ابنه احداهما لم ترثه لانتفاء التهمة عنه لكون ميراثها لا يرجع إليه ولو استكره الثانية بعدها لورثت الثالثة لأنه متهم في حقها ولو استكرههما معا دفعة واحدة ورثتا جميعا وهذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه فأما الشافعي رضي الله عنه فإنه لا يرى فسخ النكاح بالوطء الحرام وكذلك الحكم فيما وطىء المريض من ينفسخ نكاحه بوطئها كأم امرأته أو بنتها فإن امرأته تبين منه وترثه إذا مات في مرضه ولا يرثها وسواء طاوعته الموطوءة أو أكرهها فإن مطاوعتها ليس للمرأة فيه فعل فيسقط به ميراثها فإن كان زائل العقل حين الوطء لم ترث امرأته منه شيئا لأنه ليس له قصد صحيح فلا يكون فارا من ميراثها وكذلك لو وطىء ابنه امرأته مستكرها لها وهو زائل العقل لم ترث لذلك فإن كان صبيا عاقلا ورثت لأن له قصدا صحيحا وقال أبو حنيفة هو كالمجنون لأن قوله لا عبرة به وكذلك الحكم فيما إذا وطىء بنت امرأته أو أمها ولـ لشافعي في وطء الصبي ابنة امرأته أو أمها قولان أحدهما : لا ينفسخ به نكاح امرأته لأنه لا يحرم والثاني : إن امرأته تبين بذلك ولا ترثه ولا يرثها وفي القبلة والمباشرة دون الفرج روايتان إحداهما : تنشر الحرمة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه لأنها مباشرة تحرم في غير النكاح والملك فأشبهه الوطء والثانية : لا ينشره لأنه ليس بسبب للبضعية فلا ينشر الحرمة كالنظر والخلوة وخرج أصحابنا في النظر إلى الفرج والخلوة لشهوة وجها أنه ينشر الحرمة

فصل حكم ما إذا فعلت المريضة ما يفسخ نكاحها
فصل : وإن فعلت المريضة ما يفسخ نكاحها كرضاع امرأة صغيرة لزوجها أو رضاع زوجها الصغير أو ارتدت أو نحو ذلك فماتت في مرضها ورثها الزوج ولم ترثه وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي رضي الله عنه : لا يرثها
ولنا أنها أحد الزوجين فر من ميراث الآخر فأشبه الرجل وإن اعتقت فاختارت نفسها أو كان الزوج عنينا فأجل سنة ولم يصبها حتى مرضت في آخر الحول فاختارت فرقته وفرق بينهما لم يتوارثا في قولهم أجمعين ذكره ابن اللبان في كتابه وذكر القاضي في المعتقة إذا اختارت نفسها في مرضها لم يرثها وذلك لأن فسخ النكاح في هذين الموضعين لدفع الضرر لا للفرار من الميراث وإن قبلت ابن زوجها لشهوة خرج فيه وجهان ؟
أحدهما : ينفسخ نكاحها ويرثها إذا كانت مريضة وماتت في عدتها وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه والثاني : لا ينفسخ النكاح به وهو قول الشافعي رضي الله عنه ولو أن رجلا زوج ابنة أخيه وهي صغيرة ثم بلغت ففسخت النكاح في مرضها لم يرثها الزوج بغير خلاف نعلمه لأن النكاح من أصله غير صحيح في صحيح المذهب وهو قول الشافعي رضي الله عنه وروي عن احمد ما يدل على صحته ولها الخيار وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه إلا أن الفسخ لإزالة الضرر لا من أجل الفرار فلم يرثها كما لو فسخت المعتقة نكاحها والله أعلم

فصل حكم ما إذا طلق المريض امرأته ثم نكح أخرى ومات من مرضه
فصل : إذا طلق المريض امرأته ثم نكح أخرى ومات من مرضه في عدة المطلقة ورثتاه جميعا هذا قول أبي حنيفة وأهل العراق وأحد قولي الشافعي رضي الله عنه والقول الآخر لا ترث المبتوتة فيكون الميراث كله للثانية وقال مالك الميراث كله للمطلقة لأن نكاح المريض عنده غير صحيح وجعل بعض أصحابنا فيها وجها أن الميراث كله للمطلقة لأنها ترث منه ما كانت ترث قبل طلاقها وهو جميع الميراث فكذلك بعده وليس هذا بصحيح فإنها إنما ترث ما كانت ترث لو لم يطلقها ولو لم يطلقها وتزوج عليها لم ترث إلا نصف ميراث الزوجات فكذلك إذا طلقها فعلى هذا لو تزوج ثلاثا في مرضه فليس للمطلقة الأربع ميراث الزوجات ولكل واحدة من الزوجات ربعه وإن مات بعد انقضاء عدة المطلقة فالميراث للزوجات في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي رضي الله عنه و أبي حنيفة وأصحابه والرواية الأخرى أن الميراث للأربع وعند مالك الميراث كله للمطلقة وإن كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا في مرضه ثم نكح أخرى في عدة المطلقة أو طلق امرأة واحدة ونكح أختها في عدتها ومات فالنكاح باطل والميراث بين المطلقة وباقي الزوجات الاوائل وهذا قول أبي حنيفة و مالك وقال الشافعي رضي الله عنه النكاح صحيح والميراث للجديدة مع باقي المنكوحات دون المطلقة ويجيء على قوله القديم وجهان أحدهما : أن يكون الميراث بين المطلقة وباقي الزوجات كقول الجمهور ولا شيء للمنكوحة والثاني : أن يكون بينهن على خمسة لكل واحدة منهن خمسة فإن مات بعد انقضاء عدة المطلقة ففي ميراثها روايتان إحداهما : لا ميراث لها فيكون الميراث لباقي الزوجات وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق والثانية : ترث معهن ولا شيء للمنكوحة وقال الشافعي رضي الله عنه الميراث للمنكوحات كلهن ولا شيء للمطلقة وإن تزوج الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة صح نكاحها وهل ترث المطلقة على روايتين احداهما : لا ترث وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال يلزم من قال يصح النكاح في العدة أن يرث ثمان نسوة وأن ترثه أختان فيكون مسلم يرثه ثمان نسوة أو أختان وتوريث المطلقات بعد العدة يلزم منه هذا أو حرمان الزوجات المنصوص على ميراثهن فيكون منكرا غير قائل به فعلى هذا يكون الميراث للزوجات دون المطلقة والرواية الثانية ترث المطلقة فيخرج فيه وجهان : أحدهما : يكون الميراث بين الخمس والثاني : يكون للمطلقة والمنكوحات الأوائل دون الجديد لأن المريض ممنوع من أن يحرمهن ميراثهن بالطلاق فكذلك يمنع من تنقيصهن منه وكلا الوجهين بعيد أما أحدهما فيرده نص الكتاب على توريث الزوجات فلا يجوز مخالفته بغير نص ولا إجماع ولا قياس على صورة مخصوصة من النص في معناه وأما الآخر فلأن الله تعالى لم يبح نكاح أكثر من أربع ولا الجمع بين الأختين فلا يجوز أن يجتمعن في ميراثه بالزوجية وعلى هذا لو طلق أربعا في مرضه وانقضت عدتهن ونكح أربعا سواهن ثم مات من مرضه فعلى الأول ترثه المنكوحات دون المطلقات وعلى الثاني يكون فيه وجهان أحدهما : أن الميراث كله للمطلقات وعلى الثاني هو بين الثمان وقال مالك الميراث للمطلقات ولا شيء للمنكوحات لأن نكاحهن غير صحيح عنده وإن صح من مرضه فتزوج أربعا في صحته ثم مات فالميراث لهن في قول الجمهور ولا شيء للمطلقات في قول مالك ومن وافقه وكذلك أن تزوجت المطلقات لم يرثن شيئا إلا في قوله وقول من وافقه ولو طلق أربعا بعد دخوله بهن ثلاثا في مرضه وقال قد أخبرني بانقضاء عدتهن فكذبنه فله أن ينكح أربعا سواهن إذا كان ذلك في عدة يمكن انقضاء العدة فيها ولا يقبل قوله عليهن في حرمان الميراث وهذا قول أبي حنيفة و أبي يوسف و اللؤلؤي إذا كان بعد أربعة أشهر وقال زفر لا يجوز له التزويج أيضا والأول أصح لأن هذا حكم فيما بينه وبين الله تعالى لا حق لهن فيه فقبل قوله فيه فعلى هذا أن تزوج أربعا في عقد واحد ثم مات ورثه المطلقات دون المنكوحات إلا أن يمتن قبله فيكون الميراث للمنكوحات وإن أقررن بانقضاء عدتهن وقلنا لا ميراث لهن بعد انقضاء العدة فالميراث للمنكوحات أيضا وإن مات منهن ثلاث فالميراث للباقية وإن مات منهن واحدة ومن المنكوحات واحدة أو اثنتان أو مات من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات واحدة فالميراث لباقي المطلقات وإن مات من المطلقات واحدة ومن المنكوحات ثلاثا أو من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات اثنتان أو من المطلقات ثلاث ومن المنكوحات واحدة فالميراث بين البواقي من المطلقات والمنكوحات معا لأنه لو استأنف العقد على الباقيات من الجميع جاز فكان صحيحا وإن تزوج المنكوحات في أربع عقود فمات من المطلقات واحدة ورثت مكانها الأولى من المنكوحات وإن مات اثنتان ورثت الأولى والثانية وإن مات ثلاث ورثت الأولى والثانية والثالثة من المنكوحات مع من بقي من المطلقات وهذا على قياس قول أبي حنيفة و أبي يوسف و اللؤلؤي وأما زفر فلا يرى صحة نكاح المنكوحات حتى يصدقه المطلقات وأما الشافعي رضي الله عنه فيباح عنده التزويج في عدة المطلقات فعلى قوله إذا طلق أربعا ونكح أربعا في عقد وعقود ثم مات من مرضه فالميراث للمنكوحات وعلى قوله القديم يخرج فيه وجهان :
أحدهما : أن الميراث بين الثمان والثاني : أن الميراث للمطلقات دون المنكوحات فإن مات بعض المطلقات أو انقضت عدتهن فللمنكوحات ميراث الميتات وإن ماتت واحدة فللزوجات ربع ميراث النساء وإن ماتت اثنتان فللزوجات نصف الميراث فإن مات ثلاث فلهن ثلاثة أرباع الميراث إذا كان نكاحهن في عقد واحد وإن كان في عقود متفرقة فإذا ماتت واحدة من المطلقات فميراثها للأولى من المنكوحات وميراث الثانية للثانية وميراث الثالث للثالثة

فصل إذا قال الرجل لنسائه إحداكن طالق طلقت بعينها
فصل : إذا قال الرجل لنسائه إحداكن طالق يعني واحدة بعينها طلقت وحدها ويرجع إلى تعيينه ويؤخذ بنفقتهن كلهن إلى أن تعين وإن كان الطلاق بائنا منع منهن إلى أن يعين فإن قال أردت هذه طلقت وحدها وإن قال لم أرد هؤلاء الثلاث طلقت الرابعة وإن عاد فقال أخطأت إنما أردت هذه طلقت الأخرى وإن متن أو احداهن قبل أن يبين رجع إلى قوله فمن أقر بطلاقها حرمناه ميراثها وأحلفناه لورثة من لم يعينها وهذا قول الشافعي رضي الله عنه وإن لم يعين بذلك واحدة بعينها أو مات قبل التعيين أخرجت بالقرعة وكذلك إن طلق واحدة من نسائه بعينها فأنسيها فمات أخرجت بالقرعة فمن تقع عليها القرعة فلا ميراث لها روي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول أبي ثور وروى عطاء عن ابن عباس أن رجلا سأله فقال أن لي ثلاث نسوة وإني طلقت احداهن فثبتت طلاقها فقال ابن عباس رضي الله عنه إن كنت نويت واحدة منهن بعينها ثم أنسبها ثم أنسيتها فقد اشتركن في الطلاق وإن لم تكن نويت واحدة بعينها فطلق أيتهن شئت
وقال الشافعي رضي الله عنه وأهل العراق يرجع إلى تعيينه في المسائل كلها فإن وطىء إحداهن كان تعيينا لها بالنكاح في قول أهل العراق وبعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه وقال الشافعي لا يكون تعيينا فإن مات قبل أن يبين فالميراث بينهن كلهن في قول أهل العراق وقال مالك يطلقهن كلهن ولا ميراث لهن وقال الشافعي رضي الله عنه يوقف ميراثهن وإن كان الطلاق قبل الدخول دفع إلى كل واحدة نصف مهر ووقف الباقي في مهورهن وقال داود يبطل حكم طلاقهن لموضع الجهالة ولكل واحدة مهر كامل والميراث بينهن وإن متن قبله طلقت الآخرة في قول أهل العراق وقال الشافعي رضي الله عنه يرجع إلى تعيينه على ما ذكرناه
ولنا قول علي رضي الله عنه ولا يعارضه قول ابن عباس لأن ابن عباس يعترف لعلي بتقديم قوله فإنه قال إذا ثبت لنا عن علي قول لم نعده إلى غيره وقال ما علمي علي إلا كالقرارة إلى المثعنجرة ولأنه إزالة ملك عن الآدمي فتستعمل فيه القرعة عند الأشياء كالعتق وقد بينت ذلك في العتق بخبر عمران بن الحصين ولأن الحقوق تساوت على وجه تعذر تعيين المستحق فيه من غير قرعة فينبغي أن تستعمل فيه القرعة كالقسمة في السفر بين النساء فأما قسم الميراث بين الجميع ففيه دفع إلى احداهن ما لا تستحقه وتنقيص بعضهن حقها يقينا والوقف إلى غير غاية تضييع لحقوقهن وحرمان الجميع منع الحق عن صاحبه يقينا ولو كان له امرأتان فطلق احداهما ثم ماتت احداهما ثم مات أقرع بينهما فمن وقعت عليها قرعة الطلاق لم يرثها إن كانت الميتة ولم ترثه إن كانت الأخرى وفي قول أهل العراق يرث الأولى ولا ترثه الأخرى ولـ لشافعي قولان أحدهما : يرجع إلى تعيين الوارث فإن طلق الميتة لم يرثها وورثته الحية وإن قال طلق الحية حلف على ذلك وأخذ ميراث الميتة ولم تورث الحية والقول الثاني : يوقف من مال الميتة ميراث الزوج ومن مال الزوج ميراث الحية وإن كان له امرأتان قد دخل بإحداهما دون الأخرى وطلق إحداهما لا بعينها فمن خرجت لها القرعة فلها حكم الطلاق وللأخرى حكم الزوجية وقال أهل العراق للمدخول بها ثلاثة أرباع الميراث إن مات في عدتها وللأخرى ربعه لأن للمدخول بها نصفه بيقين والنصف الآخر يتداعيانه فيكون بينهما وفي قول الشافعي النصف للمدخول بها والثاني موقوف وإن كانتا مدخولا بهما فقال في مرضه أردت هذه ثم مات في عدتها لم يقبل قوله لأن الإقرار بالطلاق في المرض كالطلاق فيه وهذا قول أبي حنيفة و أبي يوسف وقال زفر يقبل قوله والميراث للأخرى وهو قياس قول الشافعي ولو كان للمريض امرأة أخرى سوى هاتين فلها نصف الميراث وللاثنتين نصفه وفي قول الشافعي نصفه موقوف

فصل لو كان له أربع نسوة فطلق إحداهن غير معينة ثم نكح خامسة بعد انقضاء عدتها ثم مات ولم يبين
فصل : ولو كان له أربع نسوة فطلق احداهن غير معينة ثم نكح خامسة بعد انقضاء عدتها ثم مات ولم يبين فللخامسة ربع الميراث والمهر ويقرع بين الأربع وقال أهل العراق لهن ثلاثة أرباع الميراث بينهن وإن كن غير مدخول بهن فلهن ثلاثة مهور ونصف وفي قول الشافعي يوقف ثلاثة أرباع الميراث ومهر ونصف بين الأربع فإن جاءت واحدة ن جاءت واحدة تطلب ميراثها لم تعط شيئا وإن طلبه اثنتان دفع إليهما ربع الميراث وإن طلبه ثلاث دفع إليهن نصفه وإن طلبه الأربع دفع إليهن ولو قال بعد نكاح الخامسة إحداكن طالق فعلى قولهم للخامسة ربع الميراث لأنها شريكة ثلاث وباقية بين الأربع كالأولى وللخامسة سبعة أثمان مهر لأن الطلاق نقصها وثلاثا معها نصف مهر ويبقى للأربع ثلاثة وثمن بينهن في قول أهل العراق فإن تزوج بعد ذلك سادسة فلها ربع الميراث ومهر كامل وللخامسة ربع ما بقي وسبعة أثمان مهر وللأربع ما بقي وثلاثة مهور وثمن ويكون الربع مقسوما على أربعة وستين فإن قال بعد إحداكن طالق لم يختلف الميراث ولكن تختلف المهور فللسادسة سبعة أثمان مهر وللخامسة خمسة وعشرون جزءا من اثنين وثلاثين من مهر ويبقى للأربع مهران وسبعة وعشرون جزءا من مهر وعند الشافعي يوقف ربع الميراث بين الست وربع آخر بين الخمس وباقية بين الأربع ويوقف نصف مهر بين الست ونصف بين الخمس ونصف بين الأربع ويدفع إلى كل واحدة نصف

باب الاشتراك في الطهر
إذا وطىء رجلان امرأة في طهر واحد وطأ يلحق النسب من مثله فأتت بولد يمكن أن يكون منهما مثل أن يطأ الشريكان جاريتهما المشتركة أو يطأ الانسان جاريته ثم يبيعها قبل أن يستبرئها فيطؤها المشتري قبل استبرائها أو يطؤها رجلان بشبهة أو يطلق رجل امرأته فيتزوجها غيره في عدتها ويطؤها أو يطأ انسان جارية آخر أو امرأته بشبهة في الطهر الذي وطئها فيه سيدها أو زوجها ثم تأتي بولد يمكن أن يكون منهما فإنه يرى القافة معهما وهذا قول عطاء و مالك و الليث و الأوزاعي و الشافعي و أبي ثور فإن ألحقته بأحدهما لحق به وإن نفته عن أحدهما لحق الآخر وسواء ادعياه أو لم يدعياه أو ادعاه أحدهما وأنكره الآخر وإن ألحقته القافة بهما لحقهما وكان ابنهما وهذا قول الأوزاعي و الثوري و أبي ثور ورواه بعض أصحاب مالك عنه وقال مالك لا يرى ولد الحرة للقافة بل يكون لصاحب الفراش الصحيح دون الواطىء بشبهة وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد فإن ألحقته القافة بأكثر من واحد كان بمنزلة أن لا يوجد قافة ومتى لم يوجد قافة أو أشكل عليها أو اختلف القائفان في نسبة فقال أبو بكر يضيع نسبة ولا حكم لاختياره ويبقى على الجهالة أبدا وهو قول مالك وقال ابن حامد يترك حتى يبلغ فينتسب إلى احدهما وقول الشافعي الجديد وقال في القديم يترك حتى يميز وذلك لسبع أو ثمان فينتسب إلى أحدهما ونفقته عليهما إلى ان ينتسب إلى احدهما فيرجع الآخر عليه بما أنفق وإذا ادعى اللقيط اثنان أري القافة معهما وإت مات الولد المدعى في هذه المواضع قبل أن يرى القافة وله ولد أري ولده القافة مع المدعين ولو مات الرجلان أري القافة مع عصبتهما وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته القافة بهم لحق وقد نص أحمد على أنه يلحق بثلاثة ومقتضى هذا أنه يلحق بهم وإن كثروا وقال القاضي لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروي عن أبي يوسف وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وروي أيضا عن أبي يوسف وقال الثوري و أبو حنيفة وأصحابه و شريك و يحيى بن آدم لا حكم للقافة بل إذا سبق أحدهما بالدعوى فهو ابنه فإن ادعياه معا فهو ابنهما وكذلك إن كثر الواطئون وادعوه معا فإنه يكون لهم جميعا
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قضى في ذلك بالقرعة واليمين وبه قال ابن أبي ليلى و إسحاق وعن أحمد نحوه إذا عدمت القافة وقد ذكرنا أكثر هذه المسائل مشروحة مدلولا عليها في مواضعها والغرض ههنا ذككر ميراث المدعي والتوريث منه وبيان مسائله

مسألة أحكام اشتراك الرجلين في وطء المرأة
مسألة : إذا ألحق باثنين فمات وترك أمه حرة فلها الثلث والباقي لهما فإن كان لكل واحد منهما ابن سواه أو لأحدهما ابنان فلأمه السدس فإن مات أحد الأبوين وله ابن آخر فما له بينهما نصفين فإن مات الغلام بعد ذلك فلأمه السدس والباقي للباقي من أبويه ولا شيء لإخوته لأنهما محجوبان بالأب الباقي فإن كان الغلام ترك ابنا فللباقي من الأبوين السدس والباقي لابنه وإن مات قبل أبويه وترك أبا فلهما جميعا السدس والباقي لابنه فإن كان لكل واحد منهما أبوان ثم ماتا ثم مات الغلام وله جدة أم أم وابن فلأم أمه نصف السدس ولأمي المدعيين نصفه كأنهما جدة واحدة وللجدين السدس والباقي للابن فإن لم يكن ابن فللجدين الثلث لأنهما يمنزلة جد واحد الباقي للأخوين وعند أبي حنيفة الباقي كله للجدين لأن الجد يسقط الإخوة وإن مات الأب بعد ذلك فلها النصف لأنها بنت ابن
وحكى الخبري عن أحمد و زفر و ابن أبي زائدة أن لها الثلثين لأنها بنت ابنته فلها ميراث بنتي ابن وإن كان المدعي ابنا فمات أبواه ولأحدهما بنت ثم مات أبوهما فميراثه بين الغلام والبنت على ثلاثة وعلى القول الآخر على خمسة لأن الغلام يضرب بنصيب ابني ابن وإن كان لكل واحد منهما بنت فللغلام من مال كل واحد منهما ثلثاه وله من مال جده نصفه وعلى القول الآخر له ثلثاه ولهما سدساه وإن كان المدعيان رجلا وعمة والمدعي جارية فماتا وخلفا أبويهما ثم مات أبو الأصغر فلها النصف والباقي لأبي العم لأنه أبوه وإذا مات أبو العم فلها النصف من ماله أيضا وعلى القول الآخر لها الثلثان لأنها بنت ابن وبنت ابن ابن وإن كان المدعي رجلا وابنه فمات الابن فلها نصف ماله وإذا مات الأب فلها النصف أيضا وعلى القول الآخر لها الثلثان وقال أبو حنيفة إذا تداعى الأب وابنه قدم الأب ولم يكن للابن شيء وإن مات الأب أولا فما بين ابنه وبينها على ثلاثة ثم تأخذ نصف مال الأصغر لكونها بنته وباقية لأنها أخته وفي كل ذلك إذا لم يثبت نسب المدعي وقف نصيبه ودفع إلى كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يثبت نسبه أو يصطلحوا فلو كان المدعون ثلاثة فمات أحدهم وترك ابنا وألفا ثم مات الثاني وترك ابنا والفين ثم مات الثالث وترك ابنا وعشرين ألفا وترك أربعة الآف وأما حرة وقد ألحقته القافة بهم فقد ترك خمسة عشر ألفا وخمسمائة فلأمه سدسها والباقي بين أخوته الثلاثة أثلاثا وإن كان موتهم قبل ثبوت نسبه دفع إلى الإمام ثلث تركته وهو ألف وخمسمائة لأن أدنى الأحوال أن يكون ابن صاحب الألف فيرث منه خمسمائة وقد كان وقف له من مال كل واحد من المدعين نصف ماله فيرد إلى ابن صاحب الألف وابن صاحب الألفين ما وقف من مال أبويهما لأنه لم يكن أخا لها فذلك لهما من أبويهما وإن كان أخا أحدهما فهو يستحق ذلك وأكثر منه بارثه منه ويرد على ابن الثالث تسعة آلاف وثلث ألف ويبقى ثلثا ألف موقوفة بينه وبين الأم لأنه يحتمل أن يكون أخاه فيكون قد مات عن أربعة عشر الفا لأمه ثلثها ويبقى ألف ويبقى من مال الابن الفان وخمسمائة موقوفة يدعيها ابن صاحب الألف كلها ويدعي منها ابن صاحب الألفين الفين وثلثا فيكون ذلك موقوفا بينهما وبين الأم وسدس الألف بين الأم وابن صاحب الألف فإن ادعى أخوان ابنا ولهما أب فمات أحدهما وخلف بنتا ثم مات الآخر قبل ثبوت نسب المدعي وقف من مال الأول خمسة أتساعه منها تسعان بين الغلام والبنت وثلاثة اتساع بينه وبين الأب ويوقف من مال الثاني خمسة أسداس بينه وبين الأب فإن مات الأب بعدهما وخلف بنتا فلها نصف ماله ونصف ما ورثه عن ابنته والباقي بين الغلام وبنت الابن لأنه ابن ابنه بيقين ويدفع إلى كل واحد منهم من الموقوف اليقين ويوقف الباقي فتقدره مرة ابن صاحب البنت ومرة ابن الآخر وتنظر ماله من كل واحد منهم في الحالين فتعطيه أقلهما فللغلام في حال الموقوف من مال الثاني وخمس الموقوف من مال الأول وفي حال كل الموقوف من مال الأول وثلث الموقوف من الثاني فله أقلهما ولبنت الميت الأول في حال النصف من مال أبيها وفي حال السدس من مال عمها ولبنت الأب في حال نصف الموقوف من مال الثاني وفي حال ثلاثة أعشاره من مال الأول فتدفع إليها أقلهما ويبقى باقي التركة موقوفا بينهم حتى يصطلحوا عليه ومن الناس من يقسمه بينهم على حسب الدعاوي ومتى اختلف أجناس التركة ولم يصر بعضهم قصاصا عن بعض قومت وعمل في قيمتها على ما بينا في الدراهم أن تراضوا على ذلك أو يبيع الحاكم عليهم ليصبر الحق كله من جنس واحد لما فيه من الصلاح لهم ويوقف الفضل المشكوك فيه بينهم على الصلح ولو ادعى اثنان غلاما فألحقته القافة بهما ثم مات أحدهما وترك ألفا وبنتا وعما ثم مات الآخر وترك الفين وابن ابن ثم مات الغلام وترك ثلاثة آلاف وأما كان للبنت من تركة أبيها ثلثها وللغلام ثلثاها وتركة الثاني كلها له لأنه ابنه فهو أحق من ابن الابن ثم مات الغلام عن خمسة آلاف وثلثي ألف فلأمه ثلث ذلك ولأخته نصفه وباقية لابن الابن لأنه ابن أخيه ولا شيء للعم وإن لم يثبت نسبه فلابنة الأول ثلث الألف ويوقف ثلثاها وجميع تركة الثاني فإذا مات الغلام فلأمه من تركته ألف وتسعا ألف لأن أقل أحواله أن يكون ابن الأول فيكون قد مات عن ثلاثة آلاف وثلثى ألف ويرد الموقوف من مال أبي البنت على البنت والعم فيصطلحون عليه لأنه لهما أما عن صاحبهما أو الغلام ويرد الموقوف من مال الثاني إلى ابن ابنه لأنه له اما عن جده واما عن عمه وتعطى الأم من تركة الغلام ألفا وتسعي ألف لأنه أقل ما لها ويبقى ألف وسبعة اتساع ألف تدعي الأم منها أربعة اتساع ألف تمام ثلث خمسة آلاف ويدعي منها ابن الابن الفا وثلثا تمام ثلثي خمسة آلاف وتدعي البنت والعم جميع الباقي فيكون ذلك موقوفا بينهم حتى يصطلحوا ولو كان المولود في يدي امرأتين فادعياه معا أري القافة معهما فإن ألحقته بإحداهما لحق بها وورثها وورثته في إحدى الروايات وإن ألحقته بهما أو نفته عنهما لم يلحق بواحدة منهما وإن قامت لكل واحدة منهما بينة تعارضتا ولم تسمع بينتهما وبهذا قال ابو يوسف و اللؤلؤي وقال أبو حنيفة يثبت نسبه منهما ويرثانه ميراث أم واحدة كما يلحق برجلين
ولنا أن إحدى البنتين كاذبة يقينا فلم تسمع كما لو علمت ومن ضرورة ردها ردهما لعدم العلم بعينها ولأن هذا محال فلم يثبت ببينة ولا غيرها كما لو كان الولد أكبر منهما ولو أن امرأة معها صبي ادعاه رجلان كل واحد يزعم أنه ابنه منها وهي زوجته فكذبتهما لم يلحقهما وإن صدقت أحدهما لحقه كما لو كان بالغا فادعياه فصدق أحدهما ولو أن صبيا مع امرأة فقال زوجها هو ابني من غيرك فقالت بل هو ابني منك لحقهما جميعا

كتاب الولاء
قال الله تعالى : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } يعني الادعياء و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : الولاء لمن أعتق ] وقال سعيد حدثنا سفيان عن عبد الله عن ابن عمر قال [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الولاء وعن هبته ] متفق عليهما و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : لعن الله من تولى غير مواليه ] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال : [ مولى القوم منهم ] حديث صحيح وروى الخلال بإسناده عن إسماعيل بن خالد [ عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قال لي النبي صلى الله عليه و سلم : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ]

مسألة الولاء لمن أعتق وإن اختلف ديناهما
مسألة : قال : والولاء لمن أعتق وإن اختلف ديناهما
أجمع أهل العلم على أن من أعتق عبدا أو عتق عليه ولم يعتقه سائبة أن له عليه الولاء والأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الولاء لمن أعتق ] وأجمعوا أيضا على أن السيد يرث عتيقه إذا مات جميع ماله إذا اتفق ديناهما ولم يخلف وارثا سواه وذلك لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الولاء لحمة كلحمة النسب ] والنسب يورث به ولا يورث كذلك الولاء
وروى سعيد عن عبد الرحمن بن زياد حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الله بن شداد قال : [ كانت لبنت حمزة مولى أعتقه فمات وترك ابنته ومولاته فأعطى النبي صلى الله عليه و سلم ابنته النصف وأعطى مولاته بنت حمزة النصف ] قال وحدثنا خالد بن عبد الله عن يونس عن الحسن قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الميراث للعصبة فإن لم يكن عصبة فللمولى ] وعنه [ أن رجلا أعتق عبدا فقال للنبي صلى الله عليه و سلم ما ترى في ماله ؟ قال : إن مات ولم يدع وارثا فهو لك ]

فصل يقدم المولى في الميراث على الرد وذوي الأرحام
فصل : ويقدم المولى في الميراث على الرد وذوي الأرحام في قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فإذا مات رجل وخلف بنته ومولاه فلبنته النصف والباقي لمولاه وإن خلف ذا رحم ومولاه فالمال لمولاه دون ذي رحمه وعن عمر وعلي يقدم الرد على المولى وعنهما وعن ابن مسعود تقديم ذي الأرحام على المولى ولعلهم يحتجون بقول الله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } ولنا حديث عبد الله بن شداد وحديث الحسن ولأنه عصبة يعقل عن مولاه فيقدم على الرد وذوي الرحم كابن العم

فصل إن كان للمعتق عصبة من نسبه أو ذوو فرض تستغرق فروضهم المال فلا شيء للمولى
فصل : وإن كان للمعتق عصبة من نسبه أو ذوو فرض تستغرق فروضهم المال فلا شيء للمولى لا نعلم في هذا خلافا لما تقدم من الحديث ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر ] وفي لفظ : [ فلأولى عصبة ذكر ] والعصبة من القرابة أولى من ذي الولاء لأنه مشبه بالقرابة والمشبه به أقوى من المشبه ولأن النسب أقوى من الولاء بدليل أنه يتعلق به التحريم والنفقة وسقوط القصاص ورد الشهادة ولا يتعلق ذلك بالولاء

فصل إن اختلف دين السيد وعتيقه فالولاء ثابت
فصل : وإن اختلف دين السيد وعتيقه فالولاء ثابت لا نعلم فيه خلافا لعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الولاء لمن أعتق ] ولقوله : [ الولاء لحمة كلحمة النسب ] ولحمة النسب تثبت مع اختلاف الدين وكذلك الولاء ولأن الولاء إنما يثبت له عليه لانعامه باعتاقه وهذا المعنى ثابت مع اختلاف دينهما ويثبت الولاء للذكر على الأنثى والأنثى على الذكر ولكل معتق لعموم الخبر والمعنى ولحديث عبد الله بن شداد وهل يرث السيد مولاه مع اختلاف الدين ؟ فيه روايتان
احداهما : يرثه روي ذلك عن علي وعمر بن عبد العزيز وبه قال أهل الظاهر واحتج أحمد بقول علي : الولاء شبعة من الرق وقال مالك يرث المسلم مولاه النصراني لأنه يصلح له تملكه ولا يرث النصراني مولاه المسلم لأنه لا يصلح له تملكه وجمهور العلماء على أنه لا يرثه مع اختلاف دينهما لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ] ولأنه ميراث فيمنعه اختلاف الدين كميراث النسب ولأن اختلاف الدين مانع من الميراث فمنع الميراث بالولاء كالقتل والرق يحققه أن الميراث بالنسب أقوى فإذا منع الأقوى فالأضعف أولى ولأن النبي صلى الله عليه و سلم ألحق الولاء بالنسب بقوله : [ الولاء لحمة كلحمة النسب ] وكما يمنع اختلاف الدين التوارث مع صحة النسب وثبوته كذلك يمنعه مع صحة الولاء وثبوته فإذا اجتمعا على الإسلام توارثا كالمتناسبين وهذا أصح في الأثر والنظر إن شاء الله تعالى فإن كان للسيد عصبة على دين العبد ورثه دون سيده وقال داود لا يرث عصبته مع حياته
ولنا أنه بمنزلة ما لو كان الأقرب من العصبة مخالفا لدين الميت وإلا بعد على دينه ورث دون القريب

فصل إن اعتق حربي حربيا فله عليه الولاء
فصل : وإن أعتق حربي حربيا فله عليه الولاء لأن الولاء مشبه بالنسب والنسب ثابت بين أهل الحرب فكذلك الولاء وهذا قول عامة أهل العلم إلا أهل العراق فإنهم قالوا العتق في دار الحرب والكتابة والتدبير لا يصح ولو استولد أمته لم تصر أم ولد مسلما كان السيد أو ذميا أو حربيا
ولنا أن ملكهم ثابت بدليل قول الله تعالى : { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } فنسبها إليهم فصح عتقهم كأهل الإسلام وإذا صح عتقهم ثبت الولاء لهم لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الولاء لمن أعتق ] فإن جاءنا المعتق مسلما فالولاء بحاله فإن سبي مولى النعمة لم يرث ما دام عبدا فإن أعتق فعليه الولاء لمعتقه وله الولاء على معتقه وهل يثبت لمعتق السيد ولاء على معتقه ؟ يحتمل أن يثبت لأنه مولى مولاه ويحتمل أن لا يثبت لأنه ما حصل منه إنعام عليه ولا سبب لذلك فإن كان الذي اشتراه مولاه أعتقه فكل واحد منهما مولى صاحبه يرثه بالولاء وإن أسره مولاه فأعتقه فكذلك وإن أسره مولاه وأجنبي فأعتقاه فولاؤه بينهما نصفين فإن مات بعده المعتق الأول فلشريكه نصف ماله لأنه مولى نصف مولاه على أحد الاحتمالين والآخر لا شيء له لأنه لم ينعم عليه وإن سبي المعتق فاشتراه رجل فأعتقه بطل ولاء الأول وصار الولاء للثاني وبهذا قال مالك و الشافعي وقيل الولاء بينهما واختاره ابن المنذر لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر وقيل الولاء للأول لأنه أسبق
ولنا أن السبي يبطل ملك الأول الحربي فالولاء التابع له أولى ولأن الولاء بطل باسترقاقه فلم يعد باعتاقه وإن أعتق ذمي عبدا كافرا فهرب إلى دار الحرب فاسترق فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أعتقه الحربي سواء وإن أعتق مسلم كافرا فهرب إلى دار الحرب ثم سباه المسلمون فذكر أبو بكر والقاضي أنه لا يجوز استرقاقه وهو قول الشافعي لأن في استرقاقه إبطال ولاء المسلم المعصوم قال ابن اللبان ولأن له أمانا بعتق المسلم إياه والصحيح إن شاء الله جواز استرقاقه لأنه كافر أصلي كتابي فجاز استرقاقه كمعتق الحربي وكغير المعتق وقولهم في استرقاقه إبطال ولاء المسلم قلنا لا نسلم بل متى أعتق عاد الولاء للأول وإنما امتنع عمله في حال رقه لمانع وإن سلمنا إن فيه إبطال ولائه فكذلك في قتله وقد جاز إبطال ولائه بالقتل فكذلك بالاسترقاق ولأن القرابة يبطل عملها بالاسترقاق فكذلك الولاء وقول ابن اللبان له أمان لا يصح فإنه لو كان له أمان لم يجز قتله ولا سببه فعلى هذا أن استرق ثم أعتق احتمل أن يكون الولاء للثاني لأن الحكمين إذا تنافيا كان الثابت هو الآخر منهما كالناسخ والمنسوخ واحتمل أنه للأول لأن ولاءه ثبت وهو معصوم فلا يزول بالاستيلاء كحقيقة الملك ويحتمل أنه بينهما وأيهما مات كان للثاني وإن أعتق مسلم مسلما أو أعتقه ذمي فارتد ولحق بدار الحرب فسبي لم يجز استرقاقه وإن اشترى فالشراء باطل ولا يقبل منه إلا التوبة أو القتل

فصل لا يصح بيع الولاء ولا هبته
فصل : ولا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا أن يأذن لمولاه فيوالي من شاء روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب و طاوس و إياس بن معاوية و الزهري و مالك و الشافعي و أبو حنيفة وأصحابه وكره جابر بن عبد الله بيع الولاء
قال سعيد حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال عبد الله إنما الولاء كالنسب فيبيع الرجل نسبه ؟ وقال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان مكاتبا وروي أن ميمونة وهبت ولاء مواليها للعباس وولاؤهم اليوم لهم وإن عروة ابتاع ولاء طهمان لورثة مصعب بن الزبير وقال ابن جريج قلت لـ عطاء أذنت لمولاي أن يوالي من شاء فيجوز ؟ قال نعم
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته وقال : [ الولاء لحمة كلحمة النسب ] وقال : [ لعن الله من تولى غير مواليه ] ولأنه معنى يورث به فلا ينتقل كالقرابة وفعل هؤلاء شاذ يخالف قول الجمهور وترده السنة فلا يعول عليه

فصل كون الولاء لا ينتقل من المعتق بموته
فصل : ولا ينتقل الولاء عن المعتق بموته ولا يرثه ورثته وإنما يرثون المال به مع بقائه للمعتق هذا قول الجمهور وروي نحو ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عمر وأبي مسعود البدري وأسامة بن زيد وبه قال عطاء و طاوس و سالم بن عبد الله و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و الزهري و النخعي و قتادة و أبو زناد و ابن نشيط و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابو ثور وأصحاب الرأي و داود وشذ شريح وقال : الولاء كالمال يورث عن المعتق فمن ملك شيئا حياته فهو لورثته ورواه حنبل و محمد بن الحكم عن أحمد وغلطهما أبو بكر وهو كما قال فإن رواية الجماعة عن أحمد مثل قول الجماعة وذلك لقوله عليه السلام : [ الولاء للمعتق ] وقوله : [ الولاء لحمة كلحمة النسب ] والنسب لا يورث وإنما يورث به ولأنه معنى يورث به فلا ينتقل كسائر الأسباب والله تعالى أعلم

مسألة كون عتق السائبة لا ولاء فيه
مسألة : قال : ومن أعتق سائبة لم يكن له الولاء فإن أخذ من ميراثه شيئا رده في مثله
قال أحمد في رواية عبد الله : الرجل يعتق عبده سائبة هو الرجل يقول لعبده قد أعتقتك سائبة كأنه يجعله لله ولا يكون ولاؤه لمولاه قد جعله لله وسلمه عن أبي عمر والشيباني عن عبد الله بن مسعود السائبة يضع مله حيث شاء وقال أحمد قال عمر : السائبة والصدقة ليومهما ومتى قال الرجل لعبده أعتقتك سائبة أو أعتقتك ولا ولاء لي عليك لم يكن له عليه ولاء فإن مات وخلف مالا ولم يدع وارثا اشترى بماله رقاب فأعتقوا في المنصوص عن أحمد وأعتق ابن عمر عبدا سائبة فمات فاشترى ابن عمر بماله رقابا فأعتقهم وقال عمر بن عبد العزيز و الزهري و مكحول و أبو العالية و مالك يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين وعن عطاء أنه قال كنا نعلم أنه إذا قال أنت حر سائبة فهو يوالي من شاء ولعل أحمد رحمه الله ذهب إلى شراء الرقاب استحبابا لفعل ابن عمر والولاء للمعتق وهذا قول النخعي و الشعبي و ابن سيرين و راشد بن سعد وضمرة بن حبيب و الشافعي وأهل العراق لقوله عليه السلام [ الولاء لمن أعتق ] وجعله لحمة كلحمة النسب فكما لا يزول نسب إنسان ولا ولد عن فراش بشرط لا يزول ولاء عن معتق ولذلك لما أراد أهل بريرة اشتراط ولائها على عائشة قال لها النبي صلى الله عليه و سلم : [ اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ] يعني أن اشتراهم تحويل الولاء عن المعتق لا يفيد شيئا ولا يزيل الولاء عن المعتق وروى مسلم بإسناده عن هزيل بن شرحبيل قال جاء رجل إلى عبد الله فقال إني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون وأنت ولي نعمته فإن تاثمت وتحرجت من شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال وقال سعيد ثنا هشيم ثنا بشربن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق سوائب فماتوا فكتب إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر : ان ادفع مال الرجل إلى مولاه فإن قبله والا فاشتر به رقابا فأعتقهم عنه وقال حدثنا هشيم عن منصور أن عمر وابن مسعود قالا في ميراث السائبة هو للذي أعتقه وهذا القول أصح في الأثر والنظر وفي المواضع التي جعل الصحابة ميراثه لبيت المال أو في مثله كان لتبرع المعتق وتورعه عن ميراثه كفعل ابن عمر في ميراث معتقه وفعل عمر وابن مسعود في ميراث الذي تورع سيده عن أخذ ماله وقد روي أن سالما مولى أبي حذيفة أعتقته لبنى بنت سائبة فقتل وترك ابنة فأعطاها عمر نصف ماله وجعل النصف في بيت المال وعلى القول المنصوص عن أحمد ان خلف السائبة مالا اشتري به رقاب فأعتقوا فإن رجع من ميراثهم شيء اشتري به أيضا رقاب فأعتقوا وإن خلف السائبة ذا فرض لا يستغرق ماله أخذ فرضه واشتري بباقيه رقاب فأعتقوا ولا يرد على ذي الفرض

فصل أحكام العتق عن الكفارة أو النذر أو عن الزكاة
فصل : وإن عتق عبدا عن كفارته أو نذره أو من زكاته فقال أحمد في الذي يعتق من زكاته أن ورث منه شيئا جعله في مثله قال وهذا قول الحسن وبه قال إسحاق وعلى قياس ذلك العتق من الكفارة والنذر لأنه واجب عليه وقد روي عن أحمد رحمه الله أنه قال في الذي يعتق في الزكاة ولاؤه للذي جرى عتقه على يديه وقال مالك و العنبري ولاؤه لسائر المسلمين ويجعل في بيت المال وقال أبو عبيد ولاؤه لصحاب الصدقة وهو قول الجمهور في العتق في النذر والكفارة لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الولاء لمن أعتق ] ولأن عائشة اشترت بريرة بشرط العتق فأعتقتها فكان ولاؤها لها وشرط العتق بموجب ولأنه معتق عن نفسه فكان الولاء له كما اشترط عليه العتق فأعتق
ولنا أن الذي أعتق من الزكاة معتق من غير ماله فلم يكن له الولاء كما لو دفعها إلى الساعي فاشترى بها وأعتق وكما لو دفع إلى المكاتب مالا فأداه في كتابته وفارق من اشترط عليه العتق فإنه إنما أعتق ماله والعتق في الكفارة والنذر واجب عليه فأشبه العتق من الزكاة وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يعتق من الزكاة وعلل بعضهم المنع من ذلك بأنه يجر الولاء إلى نفسه فينتفع بزكاته وهذا قول لـ أحمد رواه عنه جماعة وهو قول النخعي و الشافعي

مسألة عتق ذي رحم المحرم بملك محرمه له
مسألة : قال : ومن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وكان ولاؤه له
ذو الرحم المحرم القريب الذي يحرم نكاحه عليه لو كان أحدهما رجلا والآخر امرأة وهم الوالدان وان علوا من قبل الأب والأم جميعا والولد وإن سفل من ولد البنين والبنات والإخوة والأخوات وأولادهم وأن سفلوا والأعمام والعمات والأخوال والخالات دون أولادهم فمتى ملك أحدا منهم عتق عليه روي ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال الحسن و جابر بن زيد و عطاء و الحكم و حماد و ابن أبي ليلى و الثوري و الليث و أبو حنيفة و الحسن بن صالح و شريك و يحيى بن آدم وأعتق مالك الوالدين والمولودين وان بعدوا والإخوة والأهوات دون أولادهم ولم يعتق الشافعي الا عمودي النسب وعن أحمد رواية كذلك ذكرها أبو الخطاب ولم يعتق داود وأهل الظاهر أحدا حتى يعتقه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يجزىء ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ] رواه مسلم
ولنا ما روى الحسن عن سمرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من ملك ذا رحم محرم فهو حر ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن ولأنه ذو رحم محرم فيعتق عليه بالملك كعمودي النسب وكالإخوة والأخوات عند مالك فأما قوله حتى يشتريه فيعتقه فيحتمل أنه أراد يشتريه فيعتقه بشرائه له كما يقال ضربه فقتله والضرب هو القتل وذلك لأن الشراء لما كان يحصل به العتق تارة دون أخرى جاز عطف صفته عليه كما يقال ضربه فأطار رأسه ومتى عتق عليه فولاؤه له لأنه يعتق من ماله بسبب فعله فكان ولاؤه له كما لو باشر عتقه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو غنيمة أو إرث أو غيره لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا

فصل كون المحارم من غير ذوي الأرحام لا يعتقون على سيدهم
فصل : ولا خلاف في أن المحارم من غير ذوي الأرحام لا يعتقون على سيدهم كالأم والأخ من الرضاعة والربيبة وأم الزوجة وابنتها إلا أنه حكي عن الحسن و ابن سيرين و شريك أنه لا يجوز بيع الأخ من الرضاعة وروي عن ابن مسعود أنه كرهه والأول أصح قال الزهري جرت السنة بأن يباع الأخ والأخت من الرضاع ولأنه لا نص في عتقهم ولاهم في معنى المنصوص عليه فيبقون على الأصل ولأنهما لا رحم بينهما ولا توارث ولا تلزمه نفقته فأشبه الربيبة وأم الزوجة

فصل إن ملك ولده من الزنا لم يعتق عليه
فصل : وإن ملك ولده من الزنا لم يعتق عليه على ظاهر كلام أحمد لأن أحكام الولد غير ثابتة فيه وهي الميراث والحجب والمحرمية ووجوب الانفاق وثبوت الولاية له عليه ويحتمل أن يعتق لأنه جزؤه حقيقة وقد ثبت فيه حكم تحريم التزويج ولهذا لو ملك ولده المخالف له في الدين عتق مع انتفاء هذه الأحكام

مسألة ولاء المكاتب والمدبر لسيدها إذا أعتقا
مسألة : قال : و ولاء المكاتب والمدبر لسيدهما إذا أعتقا
هذا قول عامة الفقهاء وبه يقول الشافعي وأهل العراق وحكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار و ابي ثور أنه لا ولاء على المكاتب لأنه اشترى نفسه من سيده فلم يكن له عليه ولاء كما لو اشتراه أجنبي فأعتقه وكان قتادة يقول من لم يشترط ولاء المكاتب فلمكاتبه أن يوالي من شاء وقال مكحول أما المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته فجائز
ولنا أن السيد هو المعتق للمكاتب لأنه يتبعه بماله وماله وكسبه لسيده فجعل ذلك له ثم باعه به حتى عتق فكان هو المعتق وهو المعتق للمدبر بلا إشكال وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : الولاء لمن أعتق ] ويدل على ذلك أن المكاتبين يدعون موالي مكاتبيهم فيقال أبو سعيد مولى ابن أسيد وسيرين مولى أنس و سليمان بن يسار مولى ميمونة وقد وهبت ولاءه لابن عباس وكانوا مكاتبين وكذلك أشباههم ويدل على ذلك أن في حديث [ بريرة أنها جاءت عائشة فقالت يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق فأعينيني فقالت عائشة إن شاؤوا عددت لهم عدة واحدة ويكون ولاؤك لي فعلت فأبوا أن يبيعوها إلا أن يكون الولاء لهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : اشتريها واشترطي لهم الولاء ] وهذا يدل على أن الولاء كان لهم لو لم تشترها منهم عائشة

فصل إن اشترى العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق والولاء لسيده
فصل : وإن اشترى العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق والولاء لسيده لأنه يبيع ماله بماله فهو مثل المكاتب سواء والسيد هو المعتق لهما فالولاء له عليهما

مسألة ولاء أم الولد لسيدها إذ ماتت
مسألة : قال : وولاء أم الولد لسيده إذ ماتت
يعني إذ عتقت بموت سيده فولاؤها له يرثهاا قرب عصبته وهذا قول عمر وعثمان وبه قال عامة الفقهاء وقال ابن مسعود : تعتق من نصيب ابنه فيكون ولاؤها له وعن ابن عباس نحوه وعن علي لا تعتق ما لم يعتقها وله بيعها وبه قال جابر بن زيد وأهل الظاهر وعن ابن عباس نحوه ولذكر الدليل على عتقها موضع غير هذا ولا خلاف بين القائلين يعتقها إن ولاءها لمن عتقت ومذهب الجمهور أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال فيكون ولاؤها له لأنها عتقت بفعله من ماله فكان ولاؤها له كما لو عتقت بقوله ويختص ميراثها بالولاء بالذكور من عصبة السيد كالمدبر والمكاتب

مسألة من أعتق عبده عن رجل حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق
مسألة : قال : ومن أعتق عبده عن رجل حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق
وهذا قول الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبي حنيفة و أبي يوسف و داود وروي عن ابن عباس أن ولاءه للمعتق عنه وبه قال الحسن و مالك و أبو عبيد لأنه أعتقه عن غيره فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أذن له
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الولاء للمعتق ] ولأنه أعتق عبده من غير إذن غيره له فكان الولاء له كما لو لم يقصد شيئا

مسألة إن أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه بأمره
مسألة : قال : وإن أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه بأمره
وبهذا قال جميع من حكينا قوله في المسألة الأولى إلا أبا حنيفة ووافقه أبو يوسف و محمد بن الحسن و داود فقالوا الولاء للمعتق إلا أن يعتقه عنه على عوض فيكون له الولاء ويلزم العوض ويصير كأنه اشتراه ثم وكله في إعتاقه أما إذا كان عن غير عوض فلا يصح تقدير البيع فيكون الولاء للمعتق لعموم قوله عليه السلام : [ الولاء للمعتق ] وعن أحمد مثل ذلك
ولنا أنه وكيل في الإعتاق فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أخذ عوضا فإنه كما يجوز تقدير البيع فيما إذا أخذ عوضا يجوز تقدير الهبة إذا لم يأخذ عوضا فإن الهبة جائزة في العبد كما يجوز البيع والخبر مخصوص بما إذا أخذ عوضا وكسائر الوكلاء فنقيس عليه محل النزاع

مسألة إذا قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه فالثمن عليه والولاء للمعتق
مسألة : قال : ومن قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه فالثمن عليه والولاء للمعتق عنه
لا نعلم في هذه المسألة خلافا وأن الولاء للمعتق عنه لكونه أعتقه عنه بعوض ويلزمه الثمن لأنه أعتقه عنه بشرط العوض فيقدر ابتياعه منه ثم توكيله في عتقه ليصح عتقه عنه فيكون الثمن عليه والولاء له كما لو ابتاعه منه ثم وكله في عتقه

مسألة لو قال أعتقه والثمن علي كان الثمن عليه والولاء للمعتق
مسألة : قال : ولو قال أعتقه والثمن علي كان الثمن عليه والولاء للمعتق
إنما كان الثمن عليه لأنه جعل له جعلا على إعتاق عبده فلزمه ذلك بالعمل كما لو قال من بنى لي هذا الحائط فله دينار فبناه إنسان استحق الدينار والولاء للمعتق لأنه لم يأمره بإعتاقه عنه ولا قصد به المعتق ذلك فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه فيبقى للمعتق عملا بقوله عليه السلام : [ الولاء للمعتق ]

فصل من أوصى أن يعتق عبده بعد موته فأعتق فالولاء له
فصل : ومن أوصى أن يعتق عبده بعد موته فأعتق فالولاء له وكذلك لو وصى بعتق عبده ولم يقل عني فأعتق كان الولاء له لأن الاعتاق من ماله وإن أعتق عنه ما يجب إعتاقه ككفارة ونحوها فقد مضى ذكرهما فيما تقدم

مسألة من أعتق عبدا له أولاد من مولاة لقوم جر معتقه ولاء أولاده
مسألة : قال : ومن أعتق عبدا له أولاد من مولاة لقوم جر معتق العبد ولاء أولاده
وجملة ذلك أن الرجل إذا أعتق أمته فتزوجت عبدا فأولدها فولدها منه أحرار وعليهم الولاء لمولى أمهم يعقل عنهم ويرثهم إذا ماتوا لكونه سبب الإنعام عليهم بعتق أمهم فصاروا لذلك أحرارا فإن أعتق العبد سيده ثبت له عليه الولاء وجر إليه ولاء أولاده عن مولى أمهم لأب الأب لما كان مملوكا لم يكن يصلح وارثا ولا وليا في نكاح فكان ابنه كولد الملاعنة ينقطع إليه عن ابنه فثبت الولاء لمولى أمه وانتسب إليها فإذا أعتق العبد صلح الانتساب إليه وعاد وارثا وعاقلا وليا فعادت النسبة إليه وإلى مواليه بمنزلة ما لو استلحق الملاعن ولده هذا قول جمهور الصحابة والفقهاء يروى هذا من عمر وعثمان وعلي والزبير وعبد الله وزيد بن ثابت ومروان و سعيد بن المسيب و الحسن و ابن سيرين و عمر بن عبد العزيز و النخعي وبه قال مالك و الثوري و الأوزاعي و الليث و ابو حنيفة وأصحابه و الشافعي و إسحاق و أبو ثور ويروى عن رافع بن خديج أن الولاء لا ينجر عن موالي الأم وبه قال مالك بن أوس بن الحدثان و الزهري و ميمون بن مهران و حميد بن عبد الرحمن و داود لأن الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يزول عمن ثبت له فكذلك الولاء وقد روي عن عثمان نحو هذا وعن زيد وأنكرهما ابن اللبان وقال : مشهور عن عثمان أنه قضى الولاء للزبير على رافع بن خديج
ولنا أن الانتساب إلى الأب فكذلك الولاء ولذلك لو كانا حرين كان ولاء ولدهما لمولى أبيه فلما كان مملوكا كان الولاء لمولى الأم ضرورة فإذا أعتق العبد الأب زالت الضرورة فعادت النسبة إليه والولاء إلى مواليه وروى عبد الرحمن عن الزبير أنه لما قدم خيبر رأى فيتة لعسا فأعجبه ظرفهم وجمالهم فسأل عنهم فقيل له موالي رافع بن خديج وأبوهم مملوك لآل الحرقة فاشترى الزبير أباهم فأعتقه وقال لأولاده انتسبوا إلي فإن ولاؤكم لي فقال رافع بن خديج الولاء لي فإنهم عتقوا بعتقي أمهم فاحتكموا إلى عثمان فقضى بالولاء للزبير فاجتمعت الصحابة عليه اللعس سواد الشفتين تستحسنه العرب ومثله اللمى قال ذو الرمة :
( لمياء في شفتيها حوة لعس ... وفي اللثات وفي أنيابها شنب )

فصل حكم المكاتب يتزوج ويولد له حكم العبد القن في جر الولاء
فصل : وحكم المكاتب يتزوج في كتابته فيأتي له أولاد ثم يعتق حكم العبد القن في جر الولاء وكذلك المدبر والمعلق عتقه بصفة لأنهم عبيد فإن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم

فصل إذا انجر الولاء إلى موالي الأب فانقرضوا عاد إلى بيت المال
فصل : إذا انجر الولاء إلى موالي الأب ثم انقرضوا عاد الولاء إلى بيت المال ولم يرجع إلى موالي الأم بحال في قول أكثر أهل العلم وحكي عن ابن عباس أنه يعود إلى موالي الأم والأول أصح لأن الولاء جرى مجرى الانتساب ولو انقرض الأب وآباؤه لم تعد النسبة إلى الأم كذلك الولاء فإذا ثبت هذا فولدت بعد عتق الأب كان ولاء ولدها لموالي أبيه بلا خلاف فإن نفاه باللعان عاد ولاؤه إلى موالي الأم لأنا نتبين أنه لم يكن له أب ينتسب إليه فإن عاد فاستلحقه عاد الولاء إلى موالي الأب

فصل الشروط التي ينجر الولاء بها
فصل : ولا ينجر الولاء إلا بشروط ثلاثة : أحدها : أن يكون الأب عبدا حين الولادة فإن كان حرا وزوجته مولاة لم يخل إنا أن يكون حر الأصل فلا ولاء عليه ولا على ولده بحال وإن كان مولى ثبت الولاء على ولده لمواليه ابتداء ولا جر فيه الثاني : أن تكون الأم مولاة فإن لم تكن كذلك لم تخل إما أن تكون حرة الأصل فلا ولاء على ولدها بحال وهم أحرار بحريتها أو تكون أمة فولدها رقيق لسيدها فإن أعتقهم فولاؤهم له لا ينجر عنه بحال سواء أعتقهم بعد ولادتهم أو أعتق أمهم حاملا بهم فعتقوا بعتقها لأن الولاء يثبت بالعتق مباشرة فلا ينجر عن المعتق لقوله عليه السلام : [ الولاء لمن أعتق ] وإن أعتقها المولى فأتت بولد لدون ستة أشهر فقد مسه الرق وعتق بالمباشرة فلا ينجر ولاؤه وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر مع بقاء الزوجية لم يحكم بمس الرق له وانجر ولاؤه لأنه يحتمل ان يكون حادثا بعد العتق فلم يمسه الرق ولم يحكم برقه بالشك وإن كانت المرأة بائنا وأتت بولد لأربع سنين من حين الفرقة لم يلحق بالأب وكان ولاؤه لمولى أمه وان أتت به لأقل من ذلك لحقه الولد وانجز ولاؤه وولد الأمة مملوك سواء كان من نكاح أو من سفاح عربيا كان الزوج أو أعجميا وهذا قول عامة الفقهاء وعن عمر أن كان زوجها عربيا فولده حر وعليه قيمته ولا ولاء عليه وعن أحمد مثله وبه قال ابن المسيب و الثوري و الأوزاعي و أبو ثور وبه قال الشافعي في القديم ثم رجع عنه والأول أولى لأن أمهم أمة فكانوا عبيدا كما لو كان أبوهم أعجميا
الثالث : أن يعتق العبد سيده فإن مات على الرق لم ينجر الولاء بحال وهذا لا خلاف فيه فإن اختلف سيد العبد ومولى الأم في الأب بعد موته فقال سيده مات حرا جر الولاء وأنكر ذلك مولى الأم فالقول قول مولى الأم ذكره أبو بكر لأن الأصل بقاء الرق وهذا مذهب الشافعي

فصل إن لم يعتق الأب ولكن عتق الجد
فصل : فإن لم يعتق الأب ولكن عتق الجد فقال أحمد : لا يجوز الولاء ليس هو كالأب وبهذا قال ابو حنيفة وصاحباه وعن أحمد أنه يجره وبه قال شريح و الشعبي و النخعي وأهل المدينة و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و ابن المبارك و أبو ثور و ضرار بن صرد و الشافعي في أحد قوليه قال أعتق الأب بعد ذلك جره عن موالي الجد إليه لأن الجد يقوم مقام الأب في التعصيب وأحكام النسب فكذلك في جر الولاء وقال زفر إن كان الأب حيا لم يجر الجد الولاء وإن كان ميتا جره وهو القول الثاني لـ الشافعي
ولنا أن الأصل بقاء الولاء لمستحقه وإنما خولف هذا الأصل للإتفاق على أنه ينجر بعتق الأب والجد لا يساويه بدليل أنه لو عتق الأب بعد الجد جره عن موالي الجد إليه ولو أسلم الجد لم يتبعه ولد ولده ولأن الجد يدلي بغيره ولا يستقر الولاء عليه فلم يجر الولاء كالأخ وكونه يقوم مقام الأب لا يلزم أن ينجر الولاء إليه كالأخ وعلى القول الآخر لا فرق بين الجد القريب والبعيد لأن البعيد يقوم مقام الأب كقيام القريب ويقتضي هذا أنه متى عتق البعيد فجر الولاء ثم عتق من هو أقرب منه جر الولاء إليه ثم إن عتق الأب جر الولاء لأن كل واحد يحجب من فوقه ويسقط تعصيبه وإرثه وولايته ولو لم يعتق الجد لكن كان حرا وولده مملوك فتزوج مولاة قوم فأولدها فولاؤهم لمولى أمهم وعند من يقول يجر الجد الولاء يكون لمولى الجد وإن لم يكن الجد مولى بل كان حر الأصل فلا ولاء على ولد أبيه فإن اعتق أبوه بعد ذلك لم يعد على ولده ولاء لأن الحرية ثبتت له من غير ولاء فلم يتجدد عليه ولاء كالحر الأصلي

فصل إذا كان احد الزوجين الحرين حر الأصل فلا ولاء على ولدهما
فصل : وإذا كان أحد الزوجين الحرين حر الأصل فلا ولاء على ولدهما سواء كان الآخر عربيا أو مولى لأن الأم إن كانت حرة الأصل فالولد يتبعها فيما إذا كان الأب رقيقا في إبقاء الرق والولاء فلأن يتبعها في نفي الولاء وحده أولى وإن كان الأب حر الأصل فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه ولاء بحيث يصير الولاء عليه لمولى أبيه فلأن يتبعه في سقوط الولاء عنه أولى وهذا قول أكثر أهل العلم وسواء كان الأب عربيا أو أعجميا وقال أبو حنيفة إن كان أعجميا والأم مولاة ثبت الولاء على ولده وليس بصحيح لأنه حر الأصل فلم يثبت الولاء على ولده كما لو كان عربيا وسواء كان مسلما أو ذميا أو حربيا أو مجهول النسب أو معلومه وهذا قول أبي يوسف و مالك و ابن شريح وقال القاضي إن كان مجهول النسب ثبت الولاء على ولده لمولى الأم إن كانت مولاة قال ابن اللبان وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال الخبري وهذا قول أبي حنيفة و محمد و أحمد لأن مقتضى ثبوته لمولى الأم موجود وإنما امتنع في محل الوفاق بحرية الأب فإذا لم يكن معلومه فقد وقع الشك في المنافع فيبقى على الأصل ولا يزول عن اليقين بالشك ولا يترك العمل بالمقتضي مع الشك في المانع
ولنا أن الأب حر محكوم بحريته فاشبه معروف النسب ولأن الأصل في الآدميين الحرية وعدم الولاء فلا يترك هذا الأصل بالوهم في حق الولد كما لم يترك في حق الأب وقولهم مقتضى ثبوته لمولى الأم موجود ممنوع فإنه إنما ثبت لمولى الأم بشرط رق الأب وهذا الشرط منتف حكما وظاهرا وإن سلمنا وجود المقتضي فقد ثبت المانع حكما فإن الأب حريته ثابتة حكما فلا تعويل على ما قالوه وإن كان الأب مولى والأم مجهولة النسب فلا ولاء عليه في قولنا وقياس قول القاضي و الشافعي أن يثبت الولاء عليه لمولى ابنه لأنا شككنا في المانع من ثبوته
ولنا ما ذكرنا في التي قبلها ولأن الأم لا تخلو من أن تكون حرة الأصل فلا ولاء على ولدها أو أمة فيكون ولدها عبدا أو مولاة فيكون على ولدها الولاء لمولى أبيه والاحتمال الأول راجح لوجهين أحدهما : أنه محكوم به في الأم فيجب الحكم به في ولدها الثاني : أنه معتضد بالأصل فإن الأصل الحرية لو لم يترجح هذا الاحتمال لكان الاحتمال الذي صاروا إليه معارضا بإحتمالين كل واحد منهما مساو له فترجيحه عليهما تحكم لا يجوز المصير إليه بغير دليل وهذا وارد عليهم في المسألة الأولى أيضا

فصلان إذا تزوج معتق فأولدها ولدين
فصل : إذا تزوج معتق بمعتقة فأولدها ولدين فولاؤهما لمولى أبيهما فإن نفاهما باللعان عاد ولاؤهما إلى مولى أمهما فإن مات أحدهما فميراثه لأمه ومواليهما فإن أكذب أبوهما نفسه لحقه نسبهما واسترجع الميراث من موالي الأم ولو كان أبوهما عبدا ولم ينفهما وورث موالي الأم الميت منهما ثم أعتق الأب أنجر الولاء إلى موالي الأب ولم يكن لهم ولاء وللأب استرجاع الميراث لأن الولاء إنما ثبت لهم عند اعتاق الأب ويفارق الأب إذا أكذب نفسه لأن النسب ثبت من حين خلق الولد
فصل : وإذا تزوج عبد معتقه فاستولدها أولادا فهم أحرار وولاؤهم لموالي أمهم فإن اشترى أحدهم أباه عتق عليه وله ولاؤه ويجر إليه ولاء أولاده كلهم ويبقى ولاء المشتري لمولى أمه لأنه لا يكون مولى نفسه وهذا قول جمهور الفقهاء مالك في أهل المدينة و أبو حنيفة في أهل العراق و الشافعي وشذ عمر بن دينار المدني فقال يجر ولاء نفسه فيصير حرا لا ولاء عليه قال ابن شريح ويحتمله قول الشافعي ولا يعول على هذا القول لشذوذه ولأنه يؤدي إلى أن يكون الولاء ثابتا على أبويه دونه مع كونه مولودا لهما في حال ثبوت رقهما أو في حال ثبوت الولاء عليهما وليس لنا مثل هذا في الأصول ولا يمكن أن يكون مولى نفسه يعقل عنها ويرثها ويزوجها لكن لو اشترى هذا الولد عبدا فأعتقه ثم اشترى العبد أبا معتقه فأعتقه فإنه ينجر إليه ولاء سيده فيكون لهذا الولد على معتقه الولاء باعتاقه إياه وللعتيق بولائه على أبيه وجره ولاءه بإعتاقه إياه ولا يمتنع مثل هذا كما لو أعتق الحربي عبدا فأسلم ثم أسر سيده وأعتقه صار كل واحد منهما مولى الآخر من فوق ومن أسفل ويرث كل واحد منهما الآخر بالولاء وكما جاز أن يشتركا في النسب فيرث كل واحد منهما صاحبه به كذلك الولاء وإن تزوج ولد المعتقة معتقة فأولدها ولدا فاشترى جده عتق عليه وله ولاؤه ويجر إليه ولاء أبيه وسائر أولاد جده وهم عمومته وعماته وولاء جميع معتقيهم ويبقى ولاء المشتري لمولى أم أبيه وعلى قول عمر بن دينار يبقى حرا لا ولاء عليه

فصل حكم ما إذا تزوج عبد بمعتقة فأولدها إلخ
فصل : إذا تزوج عبد بمعتقة فأولدها ولدا فتزوج الولد يمعتقة رجل فأولدها ولدا فولاء هذا الولد الآخر لمولى أم أبيه في أحد الوجهين لأن له الولاء على أبيه فكان الولاء له عليه كما لو كان مولى جده ولأن الولاء الثابت على الأب يمنع ثبوت الولاء لمولى الأم
والوجه الثاني : ولاؤه لمولى أمه لأن الولاء الثابت على ابنه من جهة أمه ومثل ذلك ثابت في حق نفسه وما ثبت في حقه أولى مما ثبت في حق أبيه ألا ترى أنه لو كان له مولى ولأبيه مولى كان مولاه أحق به من مولى أبيه فإن كان له مولى أم ومولى أم أب ومولى أم جد وجده مملوك فعلى الوجه الأول يكون لمولى أم الجد وعلى الثاني يكون لمولى الأم

فصل حكم ما إذا تزوج معتق يمعتقة فأولدها بنتا
فصل : وإن تزوج معتق بمعتقة فأولدها بنتا وتزوج عبد بمعتقة فأولدها ابنا فتزوج هذا الابن بنت المعتقين فأولدها ولدا فولاء هذا الولد لمولى أم أبيه لأن له الولاء على أبيه وإن تزوجت بنت بمملوك فولاء ولدها لمولى أبيها لأن ولاءها له فإن كان أبوها ابن مملوك ومعتقة فالولاء لمولى أم أبي الأم على الوجه الأول لأن مولى أبي الأم يثبت له الولاء على أبي الأم فكان مقدما على المعتقين أمها ويثبت له الولاء عليها

فصل في دور الولاء
إذا تزوج عبد معتقة فأولدها بنتين فاشترتا أباهما عتق عليهما ولهما عليه الولاء وتجر كل واحدة منهما نصف ولاء أختها إليها لأنها أعتقت نصف الأب ولا ينجر الولاء الذي عليها ويبقى نصف ولاء كل واحدة منهما لمولى أمها فإن مات الأب فماله لهما ثلثاه بالبنوة وباقية بالولاء فإن ماتت إحداهما بعد ذلك فلأختيها النصف بالنسب ونصف الباقي بأنها مولاة نصفها فصار لها ثلاثة أرباع مالها والربع الباقي لمولى أمها فإن كانت إحداهما ماتت قبل أبيها فمالها لأبيها ثم إذا مات الأب فللباقية نصف ميراث أبيها فمالها لأبيها ثم إذا مات الأب فللباقية نصف ميراث أبيها لكونها بنته ونصف الباقي وهو الربع لكونها مولاة نصفه يبقى الربع لموالي البنت التي ماتت قبله فنصفه لهذه البنت لأنها مولاة نصف أختها صار لها سبعة أثمان ميراثه ولمولى أم الميتة الثمن فإن ماتت البنت الباقية بعدهما فما لها لمواليها نصفه لمولى أمها ونصفه لمولى أختها الميتة وهم أختها وموالي أمها فنصفه لمولى أمها وهو الربع والربع الباقي يرجع إلى هذه الميتة فهذه الجزء دائر لأنه خرج من هذه الميتة دار إليها فقال القاضي يجعل في بيت المال لأنه لا مستحق له نعلمه وهذا قول محمد بن الحسن و قياس قول مالك و الشافعي
وقال بعض الشافعية وبعض المدنيين هو لمولى أم الميتة وهذا قول الجمهور وهاتان المسألتان أصل في دور الولاء وفيها أقوال شاذة سوى ما ذكرناه وهذا أصح ما قيل فيها إن شاء الله فإن ماتت الابنتان قبل الأب ورث مالهما بالنسب فإن مات بعدهما فماله يقسم على ثمانية أسهم لكل واحدة من ابنتيه أربعة أسهم سهمان لمولى أمها وسهمان لمولى أختها يقسمان أيضا لموالي أمها سهم وسهم دائر يرجع إلى بيت المال فيحصل لبيت المال الربع ولمولى أمها ثلاثة أرباع فإن كن ثلاثا ماتت إحداهن قبل الأب والأخرى بعده فمال الأب على سبعة وعشرين لابنتيه ثلثاها بالنسب وثلثا الباقي بولائهما عليه وثلثا الباقي بولائهما على أختهما ويبقى لمولى الأم سهم ومال الثانية على ثمانية عشر للحية تسعة بالنسب وثلاثة بولائها عليها ولمولى أمها ثلاثة ويبقى ثلاثة لموالي الميتة الأولى للحية سهم ولمولى أمها سهم ويبقى دائر فمن جعله لبيت المال دفعه إليه ومن جعله لمولى الأم فهو له ومن لم يدفعه قسمه بين الحية ومولى الأم نصفين وترجع بالإختصار إلى أربعة فإن كانت أمهاتهن شتى فمن اثني عشر فإن اشترى الابنتان أباهما ثم اشترى أبوهما هو والكبرى جدهما ثم مات الأب فماله بينهم أثلاثا ثم إذا مات الجد وخلف ابنتي ابنه فلهما الثلثان وللكبرى نصف الباقي لكونها مولاة نصفه يبقى السدس لموالي الأب لأنه مولى نصف الجد وهم ابنتاه فيحصل للكبرى ثلث المال وربعه وللصغرى ربعه وسدسه فإن كانت بحالها فاشترت الكبرى وأبوها أخاهما لأبيهما فالجواب فيها كالتي قبلها

باب ميراث الولاء
يعني والله أعلم الميراث بالولاء وأضاف الميراث إليه لأنه سببه فإن الشيء يضاف إلى سببه كما يقال دية الخطأ ودية العمد وإنما قلنا ذلك لأن الولاء لا يورث وإنما يورث به وهذا قول الجمهور روي نحو ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وابن مسعود البدري وأبي بن كعب وبه قال عطاء و طاوس و سالم الزهري و الحسن و ابن سيرين و قتادة و الشعبي و إبراهيم و مالك و الشافعي و أهل العراق و داود وجعل شريح موروثا كالمال ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إنما الولاء لمن أعتق ] وقوله [ الولاء لحمة كلحمة النسب ] والنسب يورث به ولا يورث فكذلك الولاء ولأن الولاء إنما يحصل بانعام السيد على المعتق وهذا المعنى لا ينتقل عن المعتق فكذلك الولاء

مسألة ميراث النساء من الولاء ومسائل فيه
مسألة : قال ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله في بنت المعتق خاصة أنها ترث لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه ورث بنت جمزة من الذي أعتقه حمزة قوله ولا يرث النساء من الولاء لما قدمنا من أن الولاء لا يورث ولهذا قال إلا ما أعتقن ومعتقهن ولاؤه لهن فيكيف يرثنه ؟ والظاهر من المذهب أن النساء لا يرثن بالولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن وجر الولاء إليهن من أعتقن والكتابة كذلك فإنها إعتاق قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد والرواية التي ذكرها الخرقي في ابنة المعتق ما وجدتها منصوصة عنه وقد قال في رواية ابن القاسم وقد سألها هل كان لمولى حمزة أو لابنته ؟ فقال فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها لأنها هي المعتقة وهذا قول الجمهور وهو قول من سمينا في أول الباب من الصحابة والتابعين ومن بعدهم غير شريح والصحيح الأول لإجماع الصحابة ومن بعدهم عليه ولأن الولاء لحمة كلحمة النسب والمولى كالنسيب من الأخ والعم ونحوهما فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه وعمه ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة فأما رواية الخرقي في بنت المعتق فوجهها ما روي إبراهيم النخعي أن مولى لحمزة مات وخلف بنتا فورث النبي صلى الله عليه و سلم بنته النصف وجعل لبنت حمزة النصف والصحيح أن المولى كان لبنت حمزة قال عبد الله بن شداد كان لبنت حمزة مولى أعتقته فمات وترك ابنته ومولاته بنت حمزة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطى ابنته النصف وأعطى مولاته بنت حمزة النصف قال عبد الله بن شداد أنا أعلم بها لأنها أختي من أمي امنا سلمى رواه ابن اللبان بإسناده وقال هذا أصح مما روى إبراهيم ولأن البنت من النساء فلا ترث بالولاء كسائر النساء فأما توريث المرأة من معتقها ومعتق معتقها ومن جر ولاء معتقها فليس فيه إختلاف بين أهل العلم وقد نص النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك فـ [ إن عائشة أرادت شراء بريرة لتعتقها ويكون ولاؤها لها فأراد أهلها اشتراط ولائها فقال النبي صلى الله عليه و سلم : اشتريها واشترطي لهما الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ] متفق عليه وقال عليه السلام : [ تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه ] قال الترمذي هذا حديث حسن ولأن المعتقة منعمة بالإعتاق كالرجل فوجب أن تساويه في الميراث وفي حديث مولى بنت حمزة الذي ذكرناه تنصيص على توريث المعتقة وأما معتق أبيها فهو بمنزلة عمها أو عم أبيها فلا ترثه ويرثه أخوها كالنسب
ومن مسائل ذلك : رجل مات وخلف ابن معتقه وبنت معتقه فالميراث لابن معتقه خاصة وعلى الراوية الأخرى يكون الميراث بينهما أثلاثا فإن لم يخلف إلا بنت معتقه فلا شيء لها وماله لبيت المال إلا على الرواية الأخرى فإن الميراث لها وإن خلف أخت معتقه فلا شيء لها رواية واحدة وكذلك إن خلف أم معتقه أو جدة معتقه أو غيرهما وإن خلف أخا معتقه وأخت معتقه فالميراث للأخ ولو خلف بنت معتقه وابن عم معتقه أو معتق معتقه أو ابن معتق معتقه فالمال له دون البنت إلا على الرواية الأخرى فإن لها النصف والباقس للعصبة وإن خلف بنته ومعتقه فلبنته النصف والباقي لمعتقه كما في قصة مولى بنت حمزة فإنه مات وخلف بنته وبنت حمز التي أعتقته فأعطى النبي صلى الله عليه و سلم بنته النصف والباقي لمولاته وإن خلف ذا فرض سوى البنت كالأم أو الجدة أو الأخت أو الأخ من الأم أو الزوج أو الزوجة أو من لا يستغرق فرضه المال أو مولاه أو مولاته فإن لذي الفرض فرضه والباقي لمولاه أو مولاته في قول جمهور العلماء وقد سبق ذكر ذلك
رجل وابنته أعتقا عبدا ثم مات الأب وخلف ابنه وبنته فماله بينهما أثلاثا ثم مات العبد فللبنت النصف لأنها مولاة نصفه والباقي لابن المعتق خاصة إلا على الرواية الضعيفة فإن الباقي يكون بينهما على ثلاثة فيكون للبنت الثلثان ولأخيها الثلث وإن ماتت البنت قبل العبد وخلفت ابنا ثم مات العبد فلابنها النصف والباقي لأخيها ولو لم تخلف البنت إلا بنتا كان الولاء كله لأخيها دون بنتها إلا على الرواية الأخرى فإن لبنتها النصف والباقي لأخيها وإن مات الابن قبل العبد وخلف بنتا ثم مات العبد وخلف معتقة وبنت أخيها فللمعتقة نصف ماله وباقيه لبيت المال وعلى الرواية الأخرى لها النصف بإعتاقها ونصف الباقي لأنها بنت معتق النصف والباقي لعصبة ابنها ولو كانت البنت ماتت أيضا قبل العبد وخلفت ابنها ثم مات العبد فلابنها النصف ولا شيء لبنت أخيها امرأة أعتقت أباها ثم أعتق أبوها عبدا ثم مات الأب ثم العبد فما لهما لها فإن كان أبوها خلف بنتا أخرى معها فلهما ثلث مال الأب بالنسب والباقي للمعتقة بالولاء ومال العبد جميعه للمعتقة دون أخيها ويتخرج على الرواية الأخرى أن يكون لهما ثلثا مال العبد أيضا وباقيه للمعتقة ولو كان الأب خلف مع المعتقة ابنا فمال الأب بينهما أثلاثا بالبنوة ومال العبد كله للابن دون أخته المعتقة لأنه يرى بالنسب والنسب مقدم على الولاء ولو خلف الأب أخا أو عما أو ابن عم مع البنت فللبنت نصف ميراث أبيها وباقيه لعصبته ومال العبد لعصبته ولا شيء لبنته فيه لأن العصبة من النسب مقدم على المعتق في الميراث إلا على رواية الخرقي فإن للبنت نصف ميراث العبد لكونها بنت المعتق وباقيه لعصبته امرأة وأخوها أعتقا أباهما ثم أعتق أبوهما عبدا ثم مات الأب فماله بينهما أثلاثا ثم إذا مات العبد فميراثه للابن دون أخته لأنه ابن المعتق يرثه بالنسب وهي مولاة المعتق ولأن المعتق يقدم على مولاه فإن مات أخوها قبل أبيه وخلف بنتا فماله بين ابنته وابنه نصفين ثم إذا مات الأب فقد خلف بنته وبنت ابنه وبنته مولاه نصفه فلبنته النصف ولبنت ابنه السدس ويبقى الثلث لبنته نصفه وهو السدس لأنها مولاة نصفه يبقى السدس لموالي الأخ إن كان ابن معتقه وهم أخته وموالي أمه حرة الأصل فلا ولاء عليه وتأخذ أخته الباقي كله بالرد إن لم يخلف الأب عصبة فإن خلف الأب عصبة من نسبه كأخ أو عم أو ابن عم أو عم أب فلبنته النصف والباقي لعصبته ولو اشترى رجل وأخته أخاهما ثم اشترى أخوهما عبدا فأعتقه ثم مات أخوهما فماله بينهما أثلاثا ثم إذا مات عتيقه فميراثه لأخيه دون أخته ولو مات الأخ المعتق قبل موت العبد وخلف ابنه ثم مات العبد فميراثه لابن أخيها دونها لأنه ابن أخي المعتق وإن لم يخلف الأخ إلا بنته فنصف مال العبد للأخت لأنها معتقة نصف معتقه ولا شيء لبنت الأخ رواية واحدة والباقي لبيت المال=

============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أدوات الإعراب المؤلف: ظاهر شوكت البياتي

  : أدوات الإعراب المؤلف: ظاهر شوكت البياتي أدوات الأعراب تأليف ظاهر شوكت البياتي  الإهداء إلى صديقي الصدوق: طه هاشم الدليمي الذ...