4. مصاحف

4 مصاحف حمل المصحف بكل الصيغ

 القرآن الكريم وورد word doc iconتحميل سورة العاديات مكتوبة pdf//تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد

المصحف الكتاب الاسلامي

 /////////

 

الاثنين، 9 مايو 2022

جلد 11. و مجلد 12.المغني - ابن قدامة -المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد

 جلد 11.  و مجلد 12.المغني - ابن قدامة  -المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد

11.

جلد 11.  المغني - ابن قدامة  -المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد
 = فصل إذا خلف الميت بنت مولاه ومولى أبيه لبيت المال
فصل : إذا خلف الميت بنت مولاه ومولى أبيه فماله لبيت المال لأنه إذا ثبت عليه الولاء من جهة مباشرته بالعتق لم يثبت عليه بإعتاق أبيه وإذا لم يكن لمولاه إلا ابنة لم ترث لأنها ليست عصبة وإنما يرث عصبات المولى فإذا لم يكن له عصبة لم يرجع إلى معتق أبيه وكذلك إن كان له معتق أب أو معتق جد ولم يكن وهو معتقا فميراثه لمعتق أبيه إن كان ابن معتقه ثم لعصبة معتق أبيه ثم لمعتق معتق أبيه فإن لم يكن له أحد منهم فلبيت المال ولا يرجع إلى معتق جده وإن كانت أمه حرة الأصل فلا ولاء عليه وليس لمعتق أبيه شيء

فصل حكم امرأة حرة لا ولاء عليها وأبواها رقيقان أعتق إنسان أباها
فصل : امرأة حرة لا ولاء عليها وأبواها رقيقان أعتق إنسان أباها ويتصور في موضعين أحدهما :
أن يكون جميعهم كفارا فتسلم هي ويسبى أبواها فيسترقان الثاني : أن يكون أبوها عبدا تزوج أمة على أنه حرة فولدتها ثم ماتت وخلفت معتق أبيها لم يرثها لأنه إنما يرث بالولاء وهذه لا ولاء عليها وهكذا الحكم فيما إذا تزوج عبد حرة الأصل فأولدها ولدا ثم أعتق العبد ومات ثم مات الولد فلا ميراث لمعتق أبيه لأنه لا ولاء عليه ولو كان ابنتان على هذه الصفة اشترت إحداهما أباها فعتق عليها فلها ولاؤه وليس لها ولاء على أختها فإذا مات أبوهما فلهما الثلثان بالنسب ولها الباقي بالولاء فإذا ماتت أختها فلها نصف ميراثه بالنسب وباقيه لعصبتها فإن لم يكن لها عصبة فالباقي لأختها بالرد ولا ميراث لها منها بالولاء لأنها لا ولاء عليها

فصل لا يرث من أقارب المعتق ذو فرض منفرد
فصل : ولا يرث من أقارب المعتق ذو فرض منفرد كالأخ من الأم والزوج لأن الولاء للعصبات وليس هؤلاء عصبات فحكمهم حكم النساء وقد روي عن أحمد أنه قال لا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن إلا أن الملاعنة ترث من أعتق ابنها وهذا يخرج على الرواية التي تقول أن الملاعنة عصبة ابنها وهي أحق بالميراث من عصبتها فترث لكونها عصبة قائمة مقام أبيه فأما على الرواية الأخرى فإن الولاء يكون لعصبتها

مسألة الولاء لأقرب عصبة المعتق
مسألة : قال : والولاء لأقرب عصبة لمعتق
وجملة ذلك أن المولى العتيق إذا لم يخلف من نسبه من يرث ماله كان ماله لمولاه على ما أسلفناه فإن كان مولاه ميتا فهو لأقرب عصبته سواء كان ولدا أو أبا أو أخا أو عما أو ابن عم أو عم أب وسواء كان المعتق ذكرا أو أنثى فإن لم يكن له عصبة من نسبه كان الميراث لمولاه ثم لعصباته الأقرب ثم لمولاه وكذلك أبدا روي هذا عن عمر رضي الله عنه وبه قال الشعبي و الزهري و قتادة و مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبو حنيفة وصاحباه وقد روي عن علي ما يدل على أن مذهبه في امرأة ماتت وخلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها ان ميراث مواليها لأخيها وابن أخيها دون ابنها وروي عنه الرجوع إلى مثل قول الجماعة فروي عن إبراهيم أنه قال اختصم علي والزبير في موالي صفية بنت عبد المطلب فقال علي أنا أحق بهم أنا ارثهم وأعقل عنهم وقال الزبير هم موالي أمي وأنا أرثهم فقضى عمر للزبير بالميراث والعقل على علي رواه سعيد قال حدثنا أبو معاوية حدثنا عبيدة الضبي عن إبراهيم وقال حدثنا هشيم حدثنا الشيباني عن الشعبي قال قضى بولاء موالي صفية للزبير دون العباس وقضى عمر في موالي أم هانىء بنت أبي طالب لأبيها جعدة بن هبيرة دون علي وروى الإمام أحمد بإسناده عن زياد بن أبي مريم [ أن امرأة أعتقت عبدا لها ثم توفيت وتركت إبنا لها وأخاها ثم توفي مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله صلى الله عليه و سلم في ميراثه فقال عليه السلام : ميراثه لابن المرأة فقال أخوها يا رسول الله لو جر جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا ؟ قال نعم ] وروى بإسناده عن سعيد بن المسيب [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : المولى أخ في الدين ومولى النعمة يرثه أولى الناس بالمعتق ] إذا ثبت هذا فإن المعتقة إذا ماتت وخلفت ابنها وأخاها أو أبن أخيها ثم مات مولاها فميراثه لابنها وإن مات ابنها بعدها وقبل مولاها وتركت عصبة كأعمامه وبني أعمامه ثم مات العبد وترك أخا مولاته وعصبة ابنها فميراثه لأخي مولاته لأنه أقرب عصبة المعتق فإن المرأة لو كانت هي الميتة لورثها أخوها وعصبتها فإن انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة أبيها ويروى نحو هذا عن علي وبه قال ابان بن عثمان وقبيصة بن ذؤيب و عطاء و طاوس و الزهري و قتادة و مالك و الشافعي وأهل العراق وبه قال شريح وهذا يرجع إلى أن الولاء لا يورث المال وقد روي عن أحمد نحو هذا واحتجوا أن عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده أن رئاب بن حذيفة تزوج امرأة فولدت له ثلاثة غلمة فماتت أمهم فورثوا عنها ولاء مواليها وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها فأخرجهم إلى الشام فماتوا فقدم عمرو بن العاص ومات مولاها وترك مالا فخاصمه إخوتها إلى عمر فقال [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أحرز الوالد والولد فهو لعصبته من كان ] قال وكتب له كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت ورجل آخر قال فنحن فيه إلى الساعة رواه أبو داود و ابن ماجة في سننهما والصحيح الأول فإن الولاء لا يورث على ما ذكرنا من قبل وإنما يورث به وهو باق للمعتق يرث به أقرب عصباته ومن لم يكن من عصباته لم يرث شيئا وعصبات الابن غير عصبات أمه فلا يرث الأجانب منها بولائها دون عصباتها وحديث عمرو ابن شعيب غلط قال حميد الناس يغلطون عمرو بن شعيب في هذا الحديث فعلى هذا لا يرث المولى العتيق من أقارب معتقه إلا عصباته الأقرب منهم فالأقرب على ما ذكرنا في ترتيب العصبات ولا يرث ذو فرض بفرضه ولا ذو رحم فإن اجتمع لرجل منهم فرض وتعصيب كالأب والجد والزوج والأخ من الأم إذا كانا ابني عم ورث بما فيه من التعصيب ولم يرث بفرضه شيئا وإن كان عصبات في درجة واحدة كالبنين وبنيهم والإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم اقتسموا الميراث بينهم بالسوية وهذا كله لا خلاف فيه سوى ما ذكرنا من الأقوال الشاذة والله أعلم

مسألة الولاء لأقرب عصبة المعتق
مسألة : قال : وإذا مات المعتق وخلف أبا معتقه وابن معتقه فلأب معتقه السدس وما بقي فللإبن
نص احمد على هذا في رواية جماعة من أصحابه وكذلك قال في جد المعتق وابنه وقال ليس الجد والأخ والابن من الكبر في شيء يجزيهم على الميراث وهذا قول شريح و النخعي و الأوزاعي و العنبري و إسحاق و ابي يوسف ويروى عن زيد أن المال للابن وبه قال سعيد بن المسيب و عطاء و الشعبي و الحسن و الحكم و قتادة و حماد و الزهري و مالك و الثوري و أبو حنيفة و محمد و الشافعي وأكثر الفقهاء لأن الابن أقرب العصبة والأب والجد يرثان معه بالفرض ولا يرث بالولاء ذو فرض بحال
ولنا أنه عصبة وارث فاستحق من الولاء كالأخوين ولا نسلم أن الابن أقرب من الأب بل هما في القرب سواء وكلاهما عصبة لا يسقط أحدهما صاحبه وإنما هما يتفاضلان في الميراث فكذلك في الإرث بالولاء ولذلك يقدم الأب على الابن في الولاية والصلاة على الميت وغيرهما وحكم الأب مع ابن الابن وإن سفل حكم الجد وإن علا مع الابن وابنه سواء

مسألة إذا خلف أخا معتقه وجد معتقه
مسألة : قال : وإن خلف أخا معتقه وجد معتقه فالولاء بينهما نصفين
وبهذا قال عطاء و الليث و يحيى الأنصاري ومال إليه الأوزاعي وهو قول الشافعي وقول الثوري و أبي يوسف و محمد والذين نزلوا الجد أبا جعلوا الجد أولى وورثوه وحده وروي عن زيد أن المال للأخ وهو قول مالك و الشافعي لأن الأخ ابن الأب والجد أبوه والابن أحق من الأب
ولنا أنهما عصبتان يرثان المال نصفين فكان الولاء بينهما نصفين كالأخوين وإن ترك جد مولاه وابني أخي مولاه فالمال لجده في قولهم جميعا إلا مالك جعل الميراث لابن الأخ وإن سفل وقاله الشافعي أيضا لأن ابن الابن وإن سفل يقدم على الأب وليس هذا بصواب فإن ابن الأخ محجوب عن الميراث بالجد فكيف يقدم عليه ولأن الجد أولى بالمعتق من ابن الأخ فيرث مولاه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ المولى أخ في الدين وولي نعمة يرثه أحق الناس بالمعتق ] والدليل على أن الجد أولى أنه يرث ابن ابنه دون الأخ فيكون أولى لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألحقوا الفرائض بأهلها وما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر ] وفي لفظ : [ فلأولى عصبة ذكر ] ولأن الجد أب فيقدم على ابن الأخ كالأب الحقيقي ولأنه يقدم في ميراث المال فقدم في الميراث بالولاء كسائر العصبات

فصل إن اجتمع إخوة وجد فميراث المولى بينهم كمال سيده
فصل : فإن اجتمع إخوة وجد فميراث المولى بينهم كمال سيده وإن اجتمع إخوة من أبوين وإخوة من أب عاد الإخوة من الأبوين الجد بالأخوة من الأب ثم ما حصل لهم أخذه ولد الأبوين وقال ابن شريح يحتمل أنه بينهم على عددهم ولا يعاد ولد الأبوين الجد بولد الأب
ولنا أنه ميراث من الجد والأخوة فأشبه الميراث بالنسب فإن كان مع الإخوة أخوات لم يعتدبهن لأنهن لا يرثن منفردات فلا يعتد بهن كالأخوة من الأم وإن انفرد الإخوة من الأب مع الجد فحكمهم حكم الأخوة من الأبوين

فصل إذا ترك جد مولاه وعم مولاه فالولاء للجد
فصل : وإن ترك جد مولاه وعم مولاه فهو للجد وكذلك إن ترك جد أبي مولاه وبه يقول الثوري و الأوزاعي وأهل العراق وقال الشافعي هو للعم وبنيه وإن سفلوا دون جد الأب وهو قياس قول مالك قال الشافعي ومن جعل الجد والأخ سواء فجد الأب والعم سواء وهو أولى من ابن عم
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ يرثه أولى الناس بالمعتق ] والجد أولى بالمعتق بدليل أنه أولى الناس بماله وولايته ويقدم في تزويجه والصلاة عليه وغير ذلك والعجب أن الشافعي رحمة الله عليه ينزل الجد أبا في ولاية المال وولاية الإجبار على النكاح ووافق غيره في وجوب الإنفاق عليه وله وعتقه على ابن ابنه وعتق ابن ابنه عليه وانتفاء القصاص عنه بقتل ابن ابنه والحد بقذفه وغير ذلك من أحكام الأب ثم جعل أبعد العصبات أولى منه بالولاء

مسألة بيان في أولى الولاة بإرث الولاء
مسألة : قال : وإذا هلك رجل عن ابنين ومولى فمات أحد الإبنين بعده عن ابن ثم مات المولى فالولاء لابن معتقه لأن الولاء للكبر ولو هلك الإبنان بعده وقبل المولى وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة كان الولاء بينهم على عددهم لكل واحد منهم عشرة
هذا قول أكثر أهل العلم قال الإمام أحمد روى هذا عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود وروى سعيد حدثنا هشيم حدثنا أشعث بن سوار عن الشعبي أن عمر وعليا وابن مسعود وزيدا كانوا يجعلون الولاء للكبر وروي ذلك عن ابن عمر وأبي بن كعب وأبي مسعود البدري وأسامة بن زيد وبه قال عطاء و طاوس و سالم بن عبد الله و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و النخعي و الزهري و قتادة و ابن قسيط و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي و داود كلهم قالوا الولاء للكبر وتفسيره أنه يرث المولى المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه وأولاهم بميراثه يوم موت العبد قال ابن سيرين إذا مات المعتق نظر إلى أقرب الناس إلا الذي أعتقه فيجعل ميراثه له وإذا مات السيد قبل مولاه لم ينتقل الولاء إلى عصبته لأن الولاء كالنسب لا ينتقل ولا يورث وإنما يورث به فهو باق للمعتق أبدا لا يزول عنه بدليل قوله عليه السلام : [ إنما الولاء لمن أعتق ] وقوله : [ الولاء لحمة كلحمة النسب ] وإنما يرث عصبة السيد مال مولاه بولاء معتقه لا نفس الولاء ويتضح معنى هذا القول بمسألتي الخرقي اللتين ذكرناهما ههنا إذا مات رجل عن ابنين ومولى فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات المولى ورثه ابن معتقه دون ابن ابن معتقه لأن ابن ابن المعتق أقرب عصبة سيده ولو مات السيد وخلف ابنه وابن ابنه لكان ميراثه لابنه دون ابن ابنه فكذلك إذا مات المولى والمسألة الأخرى إذا هلك الابنان بعده وقبل مولاه وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة ثم مات المولى كان ميراثه بينهم على عددهم لكل واحد منهم عشرة لأن السيد لو مات كان ميراثه بينهم كذلك فكذلك ميراث مولاه ولو كان الولاء موروثا لانعكس الحكم في المسألتين وكان الميراث في المسألة الأولى بين الابن وابن الابن كأن الابنين ورثا الولاء عن أبيهما ثم ما صار للابن الذي مات انتقل إلى ابنه فصار ميراث الولي بينه وبين عمه نصفين وفي المسألة الثانية يصير لابن الابن المنفرد نصف الولاء بميراثه ذلك عن ابنه ولني الابن الآخر النصف بينهم على عددهم وشذ شريح فقال الولاء بمنزلة المال يورث عن المعتق فمن ملك شيئا حياته فهو لورثته
وقد حكي عم عمر وعلي وابن عباس وابن المسيب نحو هذا وروي عن حنبل و محمد بن الحكم عن أحمد نحوه وغلطهما أبو بكر في روايتهما فإن الجماعة رووا عن أحمد مثل قول الجمهور قال أبو الحارث سألت أبا عبد الله عن الولاء للكبر فقال كذا روي عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أنهم قالوا الولاء للكبر إلى هذا القول أذهب وتفسير ذلك أن يعتق الرجل عبدا ثم يموت ويخلف ابنين فيموت أحد الابنين ويخلف ابنا فولاء هذا العبد المعتق لابن المعتق وليس لابن الابن شيء مع الابن وحجة شريح حديث عمرو بن شعيب الذي ذكرناه والقياس على المال
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ المولى أخ في الدين وولي نعمة وأولى الناس به أقربهم من المعتق ] وقوله عليه السلام : [ الولاء لمن أعتق ] وقوله : [ الولاء لحمة كلحمة النسب ] ولأنه من أسباب التوارث فلم يورث كالقرابة والنكاح ولأنه إجماع من الصحابة ولم يظهر عنهم خلافه فلا يجوز مخالفته وحديث عمرو بن شعيب قد غلطه العلماء فيه ولم يصح عن أحد من الصحابة خلاف هذا القول وحكاه الشعبي والأئمة عن عمر ومن ذكرنا قولهم ولا يصح اعتبار الولاء بالمال لأن الولاء لا يورث بدليل أنه لا يرث منه ذوو الفروض وإنما يورث به فينظر أقرب الناس إلى سيده من عصباته يوم موت العبد والمعتق فيكون هو الوارث المولى دون غيره كما أن السيد لو مات في تلك الحال ورثه وحده فإذا خلف ابن مولاه وابن ابن مولاه فماله لابن مولاه وإن خلف ابن ابن مولاه وتسعة بني ابن آخر لمولاه فماله بينهم على عددهم لكل واحد عشر لأنهم يرثون جدهم كذلك ولو خلف السيد ابنه وابن ابنه فمات ابنه بعده عن ابن ثم مات عتيقه فميراثه بين ابني الابن نصفين وفي قول شريح هو لابن الابن الذي كان حيا عند موت ابنه وإن مات السيد عن أخ من أب وابن أخ من أبوين فمات الأخ من الأب عن ابن ثم مات العتيق فماله لابن الأخ من الأبوين وفي قول شريح هو لابن الأخ من الأب وإن لم يخلف عصبة من نسب مولاه فماله لمولى مولاه ثم لأقرب عصباته ثم لمولى مولاه فإذا انقرض عصباته وموالي الموالي وعصباتهم فماله لبيت المال

مسألة من أعتق عبدا فولاؤه لابنه وعقله على عصبته
مسألة : قال : ومن أعتق عبدا فولاؤه لابنه وعقله على عصبته
هذه المسألة محمولة على أن المعتق لم يخلف عصبة من نسبه ولا وارثا منهم إذ لو خلف وارثا من نسبه أو عصبته كانوا أحق بميراثه وعقله من عصبات مولاه وولده فليس في ذلك إشكال وإذا لم يخلف إلا ابن مولاه وعصبة مولاه فماله لابن مولاه لأنه أقرب عصبات المعتق وعقله إن جنى جناية على عصبة مولاه إن كان المعتق امرأة لما روى إبراهيم قال : اختصم علي والزبير في مولى صفية فقال علي مولى عمتي وأنا أعقل عنه وقال الزبير مولى أمي وأنا أرثه فقضى عمر للزبير بالميراث وقضى على علي بالعقل ذكر هذا الإمام أحمد ورواه سعيد في السنن وغيره وهي قضية مشهورة وعن الشعبي قال قضي بولاء صفية للزبير دون العباس وقضي بولاء أم هانيء لجعدة بن هبيرة دون علي ولا يمتنع كون العقل على العصبة والميراث لغيره كما قضى النبي صلى الله عليه و سلم بميراث التي قتلت هي وجنينها لبنيها وعقلها على العصبة
وقد روى زياد بن أبي مريم [ أن امرأة أعتقت عبدا لها ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها ثم توفي مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عليه السلام : ميراثه لابن المرأة فقال أخوها لو جر جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا ؟ قال نعم ] وإنما حملنا مسألة الخرقي على ما إذا كان المعتق امرأة لأن الأخبار التي رويناها إنما وردت فيها ولأن المرأة لا تعقل وابنها ليس من عشيرتها فلا تعقل عن معتقها عقل عنها عصباتها من عشيرتها أما الرجل المعتق فإنه يعقل عن معتقه لأنه عصبة من أهل العقل ويعقل ابنه وأبوه لأنهما من عصباته وعشيرته فلا يلحق ابنه في نفي العقل عنه بابن المرأة والله أعلم

فصلان في أحكام ميراث المولى من المعتق
فصل : فإن كان المولى حيا وهو رجل عاقل موسر فعليه من العقل وله الميراث لأنه عصبة معتقه وإن كان صبيا أو امرأة أو معتوها فالعقل على عصباته والميراث له لأنه ليس من أهل العقل فأشبه ما لو جنوا جناية خطأ كان العقل على عصباتهم ولو جني عليهم كان الإرث لهم
فصل : ولا يرث الملوى من أسفل معتقه في قول عامة أهل العلم وحكي عن شريح و طاوس أنهما ورثاه لما روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس له وارث إلا غلام له هو أعتقه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم ميراثه قال الترمذي هذا حديث حسن وروي عن عمر نحو هذا
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الولاء لمن أعتق ] ولأنه لم ينعم عليه فلم يرثه كالأجنبي وإعطاء النبي صلى الله عليه و سلم له قضية في عين يحتمل أن يكون وارثا بجهة غير الإعتاق وتكون فائدة الحديث أن إعتاقه له لم يمنعه ميراثه ويحتمل أنه أعطاه وصلة وتفضلا إذا ثبت أنه لا يرثه فلا يعقل عنه وقال الشافعي في القديم يعقل عنه لأن سيده أنعم عليه فجاز أن يغرم عنه
ولنا أن العقل على العصبات وليس هذا منهم وما ذكره لا أصل له وينعكس كسائر العاقلة فإنه لم ينعم عليه ويعقلون عنه وينتقض بما إذا قضى إنسان دين آخر فقد غرم عنه ولا يعقل

فصل إن أسلم الرجل على يدي الرجل لم يرثه
فصل : فإن أسلم الرجل على يدي الرجل لم يرثه بذلك في قول عامة أهل العلم منهم الحسن و الشعبي و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وقد روي عن أحمد رحمه الله رواية أخرى أنه يرثه وهو قول إسحاق وحكي عن إبراهيم أن له ولاءه ويعقل عنه وعن ابن المسيب أن عقل عنه ورثه وإن لم يعقل عنه لم يرثه وعن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما أنه يرثه وإن لم يواله لما روى راشد بن سعد قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أسلم على يديه رجل فهو مولاه يرثه ويدي عنه ] روه سعيد وقال أيضا حدثنا عيسى بن يونس حدثنا معاوية بن يحيى الصدفي عن القاسم السامي عن أبي أمامة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أسلم على يديه رجل فله ولاؤه ] وروى بإسناده [ عن تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين ؟ فقال : هو أولى الناس بمحياه ومماته ] روه أبو داود و الترمذي وقال لا أظنه متصلا
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الولاء لمن أعتق ] ولأن أسباب التوارث غير موجودة فيه وحديث راشد مرسل وحديث معاوية فيه أمامة بن يحي الصدفي وهو ضعيف وحديث تميم تكلم الترمذي فيه

فصل لا حكم للعقد الذي يعقده رجلان على التوارث والتعاقل
فصل : وإن عاقد رجل رجلا فقال عاقدتك على أن ترثني وأرثك وتعقل عني وأعقل عنك فلا حكم لهذا العقد ولايتعلق به إرث ولا عقل وبه قال الشافعي وقال الحكم و حماد و أبو حنيفة هو عقد صحيح ولكل واحد منهما أن يرجع عنه ما لم يعقل واحد عن الآخر فإذا عقل عنه لزم ويرثه إذا لم يخلف ذا رحم لقوله تعالى : { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } ولأن هذا كالوصية ووصية الذي لا وارث له بجميع ماله جائزة
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الولاء لمن أعتق ] ولأن أسباب التوارث محصورة في رحم ونكاح وولاء وليس هذا منها والآية منسوخة بآية الميراث ولذلك لا يرث مع ذي رحم شيئا قال الحسن نسختها : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } وقال مجاهد فآتوهم نصيبهم من العقل والنصرة والرفادة وليس هذا بوصلة لأن الوصي لا يعقل فله الرجوع وهذا عندهم بخلافه

فصل اللقيط حر لا ولاء عليه
فصل : واللقيط حر لا ولاء عليه في قول الجمهور وفقهاء الأمصار وروي عن عمر أن ولاءه لملتقطه وبه قال الليث و إسحاق وعن إبراهيم أن نوى أن يرث منه فذلك وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ المرأة تحوز ثلاثة مواريث لقيطها وعتيقها وولدها الذي لاعنت عليه ]
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الولاء لمن أعتق ] ولأنه ليس بقرابة ولا عتيق ولا ذي نكاح فلا يرث كالأجنبي والحديث فيه كلام

كتاب الوديعة
والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } وقوله تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } وأما السنو فقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ] وروي عنه عليه السلام أنه كانت عنده ودائع فلما أراد الهجرة أودعها عند أم أيمن وأمر عليا أن يردها على أهلها وأما الإجماع فاجمع علماء كل عصر على جواز الإيداع والإستيداع والعبرة تقتضيها فإن بالناس إليها حاجة فإنه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم ويحتاجون إلى من يحفظ لهم والوديعة فعلية من يدع الشيء إذا تركه أي هي متروكة عند المودع واشتقاقها من السكون يقال ودع يدع فكأنها ساكنة عند المودع مستقرة وقيل هي مشتقة من الخفض والدعة فكأنها في دعة عند المودع وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة لأن فيه قضاء حاجة أخيه المؤمن ومعاونته وهي عقد جائز من الطرفين متى أراد المودع أخذ وديعته لزم المستودع ردها لقوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } فإن أراد المستودع ردها على صاحبها لزمه قبوله لأن المستودع متبرع بإمساكها فلا يلزمه التبرع في المستقبل

مسألة ليس على مودع ضمان إذا لم يعتد
مسألة : قال : وليس على مودع ضمان إذا لم يعتد
وجملته أن الوديعة أمانة فإذا تلفت بغير تفريط من المودع فليس عليه ضمان سواء ذهب معها شيء من مال المودع أو لم يذهب هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي بكر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وبه قال شريح و والنخعي و مالك و أبو الزناد و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وعن احمد رواية أخرى : إن ذهبت الوديعة من بين ماله غرمها لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله قال القاضي والأولى أصح لأن الله تعالى سماها أمانة والضمان ينافي الأمانة ويروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ليس على المستودع ضمان ] ويروى عن الصحابة الذين ذكرناهم ولأن المستودع مؤتمن فلا يضمن ما تلف من غير تعديه وتفريطه كالذي ذهب مع ماله ولأن المستودع إنما يحفظها لصاحبها متبرعا من غير نفع يرجع عليه فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من قبول الودائع وذلك مضر لما بيناه من الحاجة إليها وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا ينافي ما ذكرنا فأما إن تعدى المستودع فيها أو فرط في حفظها فتلفت ضمن بغير خلاف نعلمه لأنه متلف لمال غيره فضمنه كما لو أتلفه من غير استيداع

فصل إذا شرط رب الوديعة ضمان الوديعة على المستودع
فصل : إذا شرط رب الوديعة على المستودع ضمان الوديعة فقبله أو قال أنا ضامن لها لم يضمن قال أحمد في المودع إذا قال أنا ضامن لها فسرقت فلا شيء عليه وكذلك كل ما أصله الأمانة كالمضاربة ومال الشركة والرهن والوكالة وبهذا قال الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وذلك لأنه شرط ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو شرط ضمان ما يتلف في يد مالكه

مسائل حكم ما إذا خلط المستودع الوديعة بماله وهي لا تتميز أو لم يحفظها
مسألة : قال : فإن خلطها بماله وهي لا تتميز أو لم يحفظها كما يحفظ ماله أو أودعها غيره فهو ضامن
في هذه المسألة ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : أن المستودع إذا خلط الوديعة بما لم تتميز منه من ماله أو مال غيره ضمنها سواء خلطها بمثلها أو دونها أو أجود من جنسها أو غير جنسها مثل أن يخلط دراهم بدراهم أو دهنا بدهن كالزيت بالزيت أو السمن أو بغيره وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي
وقال ابن القاسم إن خلط دراهم بدراهم على وجه الحرز لم يضمن وحكي عن مالك لا يضمن إلا أن يكون دونها لأنه لا يمكنه ردها إلا ناقصة
ولنا أنه خلطها بماله خلطا لا يتميز فوجب أن يضمنها كما لو خلطها بدونها ولأنه إذا خلطها بما لا يتميز فقد فوت على نفسه إمكان ردها فلزمه ضمانها كما لو ألقاها في لجة بحر وان أمره صاحبها بخلطها بماله أو بغيره فعل ذلك فلا ضمان عليه لأنه فعل ما أمر به فكان نائبا عن المالك فيه وقد نقل منها عن أحمد في رجل استودع عشرة دراهم واستودعه آخر عشرة وأمراه أن يخلطها فخلطها فضاعت الدراهم فلا شيء عليه فإن أمره أحدهما بخلط دراهمه ولم يأمره الآخر فعليه ضمان دراهم من لم يأمره دون الأخرى وإن اختلطت هي بغير تفريط منه فلا ضمان عليه لأنها لو تلفت بذلك لم يضمن فخلطها أولى وإن خلطها غيره فالضمان على من خلطها لأن العدوان منه فالضمان عليه كما لو أتلفها
المسألة الثانية : إذا لم يحفظها كما يحفظ ماله وهو أن يحرزها بحرز مثلها فإنه يضمنها وحرز مثلها يذكر في باب القطع في السرقة وهذا إذا لم يعين له المودع ما يحفظها فيه فإن عين له لزمه حفظها فيما أمره به سواء كان حرز مثلها أو لم يكن وإن أحرزها بمثله أو أعلى منه لم يضمنها ويتخرج أن يضمنها إذا فعل ذلك من غير حاجة
المسألة الثالثة : إذا أودعها غيره ولها صورتان إحداهما : أن يودعها غيره لغير عذر فعليه الضمان بغير خلاف في المذهب وهو قول شريح و مالك و الشافعي و أبي حنيفة و أصحابه و إسحاق وقال ابن أبي ليلى لا ضمان عليه لأن عليه حفظها وإحرازها وقد أحرزها عند غيره وحفظها به ولأنه يحفظ ماله بإيداعه فإذا أودعها فقد حفظها بما يحفظ به ماله فلم يضمنها كما لو حفظها في حرزه
ولنا أنه خالف المودع فضمنها كما لو نهاه عن إيداعها وهذا صحيح فإنه أمره بحفظها بنفسه ولم يرض لها غيره فإذا ثبت هذا فإن له تضمين الأول وليس للأول الرجوع على الثاني لأنه دخل معه في العقد على أنه أمين له لا ضمان عليه وإن أحب المالك تضمين الثاني فذكر القاضي أنه ليس له تضمينه في ظاهر كلام احمد لأنه ذكر الضمان على الأول فقط وهذا مذهب أبي حنيفة لأنه قبض قبضا موجبا للضمان على الأول فلم يوجب ضمانا آخر وفارق القبض من الغاصب فإنه لم يوجب الضمان على الغاصب إنما لزمه الضمان بالغصب ويحتمل أن له تضمين الثاني أيضا لأنه قبض مال غيره على وجه لم يكن له قبضه ولم يأذن له مالكه فضمنه كالقابض من الغاصب وهذا مذهب الشافعي وذكر أحمد الضمان على الأول لا ينفي الضمان عن الثاني كما أن الضمان يلزم ولا ينفي وجوبه على القابض منه فعلى هذا يستقر الضمان على الأول فإن ضمنه لم يرجع على أحد وإن ضمن الثاني يرجع على الأول وهذا القول أشبه بالصواب وما ذكرنا للقول الأول لا أصل له ثم هو منتقص بما إذا دفع الوديعة إلى إنسان عارية أو هبة أو وديعة لنفسه فأما إن دفع الوديعة إلى من جرت عادته بحفظها له من أهله كامرأته وغلامه لم يضمن نص عليه أحمد وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي يضمن لأنه سلم الوديعة إلى من لم يرض به صاحبها فضمنها كما لو سلمها إلى أجنبي
ولنا أنه حفظها بما يحفظ به ماله فأشبه ما لو حفظها بنفسه وكما لو دفع الماشية إلى الراعي أو دفع البهيمة إلى غلامه ليسقيها ويفارق الأجنبي فإن دفعها إليه لا يدع حفظا منه
الصورة الثانية : إذا كان له عذر مثل أن أراد سفرا أو خاف عليها عند نفسه من حرق أو غرق أو غيره فهذا إن قدر على ردها على صاحبها أو وكيله في قبضها لم يجز له دفعها إلى غيره فإن فعل ضمنها لأنه دفعها إلى غير مالكها بغير إذن منه من غير عذر فضمنها كما لو أودعها في الصورة الأولى وإن لم يقدر على صاحبها ولا وكيله فله دفعها إلى الحاكم سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن لأنه متبرع بإمساكها فلا يلزمه استدامته والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته وإن أودعها مع قدرته على الحاكم ضمنها لأن غير الحاكم لا ولاية له ويحتمل أن يجوز له إيداعها لأنه قد يكون أحفظ لها وأحب إلى صاحبها وإن لم يقدر على الحاكم فأودعها ثقة لم يضمنها لأنه موضع حاجة وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد أنه يضمنها ثم تأول كلامه على أنه أودعها من غير حاجة أو مع قدرته على الحاكم وإن دفنها في موضع وأعلم به ثقة يده على الموضع وكانت ممالا يضرها الدفن فهو كإيداعها عنده وإن لم يعلم بها أحدا ضمنها لأنه فرط في حفظها فإنه لا يأمن أن يمون في سفره فلا تصل إلى صاحبها وربما نسي مكانها أو أصابه آفة من هدم أو حرق أو غرق فتضيع وإن أعلم بها غير ثقة ضمنها لأنه ربما أخذها وإن أعلم به ثقة لا يد له على المكان فقد فرط لأنه لم يودعها إياه ولا يقدر على الإحتفاظ بها

مسائل وفصول في أحكام الوديعة وضمانها
فصل : وإن أراد السفر بها وقد نهاه المالك عن ذلك ضمنها لأنه مخالف لصاحبها وإن لم يكن نهاه لكن الطريق مخوف أو البلد الذي يسافر إليه مخوف ضمنها لأنه فرط في حفظها وإن لم يكن كذلك فله السفر بها
نص عليه أحمد سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي إن سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو أمين ضمنها لأنه يسافر بها من غير ضرورة أشبه ما لو كان السفر مخوفا
ولنا أنه نقلها إلى موضع مأمون فلم يضمنها كما لو نقلها في البلد ولأنه سافر بها سفرا غير مخوف أشبه ما لو لم يجد أحدا يتركها عنده ويقوى عندي أنه متى سافر بها مع القدرة على مالكها أو نائبه بغير إذنه فهو مفرط عليه الضمان لأنه يفوت صاحبها إمكان استرجاعها ويخاطر بها ف [ إن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن المسافر وماله لعلى قلت إلا ما وقى الله ] أي على هلاك ولا يلزم من الإذن في إمساكها على وجه لا يتضمن هذا الخطر ولا يفوت إمكان ردها على صاحبها الإذن فيما يتضمن ذلك فأما مع غيبة المالك ووكيله فله السفر بها إذا كان أحفظ لها لأنه موضع حاجته فيختار فعل ما فيه الحظ
فصل : وإن حضره الموت فحكمه حكم السفر على ما مضى من أحكامه إلا في أخذها معه لأن كل واحد منهما سبب لخروج الوديعة عن يده
مسألة : قال : وإن كانت غلة فخلطها في صحاح أو صحاحا فخلطها في غلة فلا ضمان عليه
يعني بالغلة المكسرة إذ خلطها بصحاح من ماله أو خلط الصحاح بالمكسرة لم يضمنها لأنها تتميز منها فلا يعجز بذلك عن ردها على صاحبها فلم يضمنها كما لو تركها في صندوق وفيه أكياس له وبهذا قال الشافعي و مالك ولا نعلم فيه اختلافا وكذلك الحكم إذا خلط دراهم بدنانير وبيضا بسود وقد حكي عن أحمد فيمن خلط دراهم بيضا بسود يضمنها ولعله قال ذلك لكونها تكتسب منها سوادا أو يتغير لونها فتنتقص قيمتها فإن لم يكن فيها ضرر فلا ضمان عليه والله تعالى أعلم
مسألة : قال : ولو أمره أن يجعلها في منزل فأخرجها عن المنزل لغشيان نار أو سيل أو شيء الغالب منه البوار فلا ضمان عليه
وجملة ذلك أن رب الوديعة إذا أمر المستودع بحفظها في مكان عينه فحفظ فيه ولم يخش عليها فلا ضمان عليه بغير خلاف لأنه متمثل لأمره غير مفرط في ماله وإن خاف عليها سيلا وتوى يعني هلاكا فأخرجها منه إلى حرزها فتلفت فلا ضمان عليه بغير خلاف أيضا لأن نقلها في هذه الحال تعين حفظا لها وهو مأمور بحفظها وإن تركها مع الخوف فتلفت ضمنها سواء تلفت بالأمر المخوف أو بغيره لأنه فرط في حفظها لأن حفظها نقلها وتركها تضييع لها وإن لم يخف عليها فنقلها عن الحرز إلى دونه ضمنها لأنه خالفه في الحفظ المأمور به وإن نقلها إلى دونه عند الخوف عليها نظرنا فإن أمكنه إحرازها بمثله أو أعلى منه ضمنها أيضا لتفريطه وإن لم يمكنه إحرازها إلا بما دونه لم يضمنها لأن إحرازها بذلك أحفظ لها من تركه وليس في وسعه سواه وإن نقلها إلى مثل ذلك الحرز لغير عذر فقال القاضي لا يضمنها وهو مذهب الشافعي لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله كمن اكترى أرضا لزرع حنطة فله زرعها وزرع مثلها في الضرر ويحتمل كلام الخرقي لزوم الضمان لأن الأمر بشيء يقتضي تعيينه فلا يعدل عنه إلا بدليل وإن نقلها إلى حرز منه كان حكمه حكم ما لو أخرجها إلى مثله فإن نهاه عن إخراجها من ذلك المكان فالحكم فيه كما لو أمره بتركها فيه ولم ينهه عن إخراجها منه إلا في أنه إذا خاف عليها فلم يخرجها حتى تلفت ففيه وجهان أحدهما يضمن لما ذكرنا في التي قبلها والثاني لا يضمن لأنه ممتثل لقول صاحبها وفي أنه إذا أخرجها لغير عذر ضمنها سواء أخرجها إلى مثله أو دونه أو فوقه لأنه خالف صاحبها لغير فائدة وهذا ظاهر كلام الشافعي وقال أبو حنيفة إن نهاه عن نقلها من بيت فنقلها إلى بيت آخر من الدار لم يضمن لأن البيتين من دار واحدة وحرز واحد وطريق أحدهما طريق الآخر فاشبه ما لو نقلها من زاوية إلى زاوية وإن نقلها من دار إلى دار أخرى ضمن
ولنا أنه خالف أمر صاحبها بما لا مصلحة فيه فيضمن كما لو نقلها من دار إلى دار وليس ما فرق به صحيحا لأن ثبوت الدار يختلف فمنها ما هو أقرب إلى الطريق أو إلى موضع الوقود أو إلى الإنهدام أو أسهل فتحا أو بابه أسهل كسرا أو أضعف حائطا أو أسهل نقبا أو لكون المالك يسكن به أو يسكن في غيره وأشباه هذا مما يؤثر في الحفظ أو في عدمه فلا يجوز تفويت غرض رب الوديعة من تعيينه من غير ضرورة وإن خاف عليها في موضعها فعليه نقلها فإن تركها فتلفت ضمنها لأن نهي صاحبها عن إخراجها إنما يكون لحفظها ههنا في إخراجها فاشبه ما لو ينهه عن إخراجها فإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها فأخرجها من غير خوف ضمنها وإن أخرجها عند خوفه عليها أو تركها فتلفت لم يضمنها لأن نهيه مع خوف الهلاك نص فيه وتصريح به فيكون مأذونا في تركها في تلك الحال فلم يضمنها لامتثاله أمر صاحبها كما لو قال له أتفلها فأتلفها ولا يضمن إذا أخرجها لأنه زيادة خير وحفظ فلم يضمن به كما لو قال له اتلفها فلم يتلفها حتى تلفت
فصل : وإن أودعه وديعة ولم يعين له موضع إحرازها فإن المودع يحفظها في حرز مثلها أي موضع شاء فإن وضعها في حرز ثم نقلها عنه إلى حرز مثلها لم يضمنها سواء نقلها إلى مثل الأول أو دونه لأن ربها رد حفظها إلى رأيه واجتهاده وأذن له في إحرازها بما شاء من إحراز مثلها ولهذا لو تركها في هذا الثاني أولا لم يضمنها فكذلك إذا نقلها إليه ولو كانت العين في بيت صاحبها فقال لرجل احفظها في موضعها فنقلها عنه من غير خوف ضمنها لأنه ليس بمودع إنما هو وكيل في حفظها وليس له إخراجها من ملك صاحبها ولا من موضع استأجره لها إلا أن يخاف عليها فعليه إخراجها لأنه مأمور بحفظها وقد تعين حفظها في إخراجها ويعلم أن صاحبها لو حضر في هذه الأحوال لأخرجها ولأنه مأمور بحفظها على صفة فإذا تعذرت الصفة لزمه حفظها بدونها كالمستودع إذا خاف عليها
فصل : إذ أخرج الوديعة المنهي عن إخراجها فتلفت وادعى أنه أخرجها لغشيان نار أو سيل أو شيء ظاهر فأنكر صاحبها وجوده فعلى المستودع البينة أنه كان في ذلك الموضع ما ادعاه لأن هذا مما لا تتعذر إقامة البينة عليه لأنه أمر ظاهر فإذا ثبت ذلك كان القول قوله في التلف مع يمينه ولا يحتاج إلى بينة لأنه تتعذر إقامة البينة فلم يطالب بها كما لو ادعى التلف بأمر خفي وهذا قول الشافعي والحكم في إخراجها من الخريطة والصندوق حكم إخراجها من البيت على ما مضى من التفصيل فيه
فصل : ولو أمره أن يجعلها في منزله فتركها في ثيابه وخرج بها ضمنها لأن البيت أحرز لها وإن جاءه بها في السوق فقال احفظها في بيتك فقام بها في الحال فتلفت فلا ضمان عليه وإن تركها في دكانه أو ثيابه ولم يحملها إلى بيته مع إمكانه فتلفت ضمنها لأن بيته أحرز لها هكذا قال أصحابنا ويحتمل أنه متى تركها عنده إلى وقت مضيه إلى منزله في العادة فتلفت لم يضمنها لأن العادة إن الإنسان إذا أودع شيئا وهو في دكانه أمسكه في دكانه أو في ثيابه إلى وقت مضيه إلى منزله فيستصحبه معه المودع عالم بهذه الحالة راض بها ولو لم يرض بها لشرط عليه خلافها وأمره بتعجيل حملها فإما أن يقبلها بهذا الشرط أو يردها وإن قال اجعلها في كمك فجعلها في جيبه لم يضمنها لأن الجيب أحرز لها لأنه إنما ربما نسي فيسقط الشيء من كمه بخلاف الجيب وإن قال اجعلها في جيبك فتركها في كمه ضمنها لذلك وإن جعلها في يده ضمن أيضا كذلك وإن قال اجعلها في كمك فتركها في يده ففيه وجهان أحدهما : يضمن لأن سقوط الشيء من اليد مع النسيان أكثر من سقوطه من الكم والثاني : لا يضمن لأن اليد لا يتسلط عليها الطراز بالبط والحكم بخلافه ولأن كل واحد منهما أحرز من وجه فيتساويان ولمن نصر الوجه الأول أن يقول متى كان كل واحد منهما أحرز من وجه وجب أن يضمن لأنه فوت الوجه المأمور بالحفظ به وأتى بما لم يؤمر به فضمن لمخالفته وعلى هذا لو أمر بتركها في يده فجعلها في كمه ضمن لذلك وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة فعلى هذا إن أمر بتركها في يده فشدها في كمه عند غير المغالبة فلا ضمان عليه وإن فعل ذلك عند المغالبة ضمن وإن أمره بشدها في كمه فأمسكها في يده عند المغالبة لم يضمن وإن فعل ذلك عند غير المطالبة ضمن وإن أمره بحفظها مطلقا فتركها في جيبه أو شدها في كمه لم يضمنها وإن تركها في كمه غير مشدودة وكانت حفيفة لا يشعر بها إذا سقطت ضمنها لأنه مفرط وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمنها لأن هذا عادة الناس في حفظ أموالهم فإن شدها على عضده لم يضمنها لأن ذلك أحفظ لها وقال القاضي إن شدها من جانب الجيب لم يضمن وإن شدها من الجانب الآخر ضمنها لأن الطراز يقدر على ربطها بخلاف ما إذا شدها مما يلي الجيب وهذا يبطل بما إذا تركها في جيبه أو شدها في كمه فإن الطراز يقدر على بطها ولا يضمن وليس إمكان إحرازها بأحفظ الحرزين مانعا من إحرازها بما دونه إذا كان حرزا بمثلها وشدها على العضد حرز لها كيفما كان لأن الناس يحرزون به أموالهم فأشبه شدها في الكم وتركها في الجيب ولكن لو أمره بشدها مما يلي الجيب فشدها من الجانب الآخر ضمن وإن أمره بشدها مما يلي الجانب الآخر فشدها مما يلي الجيب لم يضمن لأنه أحرز وإن أمره بشدها على عضده مطلقا أو أمر بحفظها معه فشدها مما يلي الجانبين كان لم يضمن لأنه ممتثل أمر مالكها محرز لها بحرز مثلها وإن شدها على وسطه فهو أحرز لها وكذلك إن تركها في بيته في حرزها
فصل : وإن أمره أن يجعلها في صندوق وقال لا تقفل عليها ولا تنم فوقها فخالفه في ذلك أو قال لا تقفل عليها إلا قفلا واحدا فحعل عليها قفلين فلا ضمان عليه ذكره القاضي وهو ظاهر مذهب الشافعي وحكي عن مالك أنه يضمن لأنه خالف ربها في شيء له فيه غرض يتعلق بحفظها فأشبه ما لو نهاه عن إخراجها عن منزله فأخرجها لغير حاجة وذلك لأن النوم عليها وترك قفلين عليها وزيادة الإحتفاظ بها ينبه اللص عليها ويحثه على الجد في سرقتها والإحتيال لأخذها
ولنا أن ذلك أحرز لها فلا يضمن بفعله كما لو أمره بتركها في صحن الدار فتركها في البيت وبهذا ينتقض ما ذكروه
فصل : إذا قال اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فأدخل إليه فوما فسرقها أحدهم ضمنها لأنها ذهبت بتعديه ومخالفته وسواء حال إدخالهم أو بعده لأنه ربما شاهد الوديعة في دخوله البيت وعلم موضعها وطريق الوصول اليها وان سرقها من لم يدخل البيت فقال القاضي لا يضمن لأن فعله لم يكن سببا لاتلافها ويحتمل أن يلزمه الضمان لأن الداخل ربما دل عليها من لم يدخل ولأنها مخالفة فوجب الضمان إذا كانت سببا لاتلافها فأوجبته وإن لم تكن سببا كما لو نهاه عن إخراجها فأخرجها لغير حاجة
فصل : إذا قال ضع هذا الخاتم في الخنصر فوضعه في البنصر لم يضمنه لأنها غلط أو أحفظ له إلا أن لا يدخل فيها فيضعه في أنملتها العليا فيضمنه أو ينكسر بها لغلطها عليه فيضمنه أيضا لأن مخالفته سبب لتلفه
مسألة : قال : وإذا قال أودعه شيئا ثم سأله دفعه إليه في وقت أمكنه ذلك فلم يفعل حتى تلف فهو ضامن
لا خلاف في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها فأمكن أداؤها إليه بغير ضرورة وقد أمر الله تعالى بذلك فقال تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } وأمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ] يعني عند طلبها ولأنها حق لمالكها لم يتعلق بها حق غيره فلزم أداؤها إليه كالمغصوب والدين الحال فإن امتنع من دفعها في هذه الحال فتلفت ضمنها لأنه صار غاصبا لكونه أمسك مال غيره بغير إذنه بفعل محرم فأشبه الغاصب فأما إن طلبها في وقت لم يمكن دفعها إليه لبعدها أو لمخافة في طريقها أو للعجز عن حملها أو غير ذلك لم يكن متعديا بترك تسليمها لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا سوعها وإن تلفت لم يضمنها لعدم عدوانه وإن قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو آكل فإني جائع أو أنام فإني ناعس أو ينهضم عني الطعام فإني ممتلىء أمهل بقدر ذلك
فصل : وليس على المستودع مؤنة الرد وحملها إلى ربها إذا كانت مما لحمله مؤنة قلت المؤنة أو كثرت لأنه قبض العين لمنفعة مالكها على الخصوص فلم تلزمه الغرامة عليها كما لو وكله في حفظها في ملك صاحبها وإنما عليه التمكين من أخذها وإن سافر بها بغير إذن ربها فعليه ردها إلى بلدها لأنه بعدها بغير إذن ربها فلزمه ردها كالغاصب
مسألة : قال وإذا مات وعنده وديعة لا تتميز من ماله فصاحبها غريم بها
وجملته أن الرجل إذا مات وثبت أن عنده وديعة لم توجد بعينها فهي دين عليه بغرم من تركته فإن كان عليه دين سواها فهي والدين سواء فإن وفت تركته بهما وإلا اقتسماها بالحصص وبهذا قال الشعبي و النخعي و داود بن أبي هند و مالك و الشافعي و أبو حنيفة وأصحابه و إسحاق وروي ذلك عن شريح و مسروق و عطاء و طاوس و الزهري و أبي جعفر محمد ابن علي وروي عن النخعي الأمانة قبل الدين وقال الحارث العكلي : الدين قبل الأمانة
ولنا أنهما حقان وجبا في ذمته فتساويا كالدينين وسواء وجد في تركته من جنس الوديعة أو لم يوجد وهذا إذا أقر المودع أن عندي ويدعة أو علي وديعة لفلان أو ثبت ببينة أنه مات وعنده وديعة فأما إن كانت عنده وديعة في حياته ولم توجد بعينها ولم يعلم هل هي باقية عنده أوتلفت ؟ ففيه وجهان أحدهما : وجوب ضمانها لأن الوديعة يجب ردها إلا أن يثبت سقوط الرد بالتلف من غير تعد ولم يثبت ذلك ولأن الجهل بعينها كالجهل بها وذلك لا يسقط الرد والثاني : لا ضمان عليه لأن الوديعة أمانة والأصل عدم اتلافها والتعدي فيها فلم يجب ضمانها وهذا قول ابن أبي ليلى واحد الوجهين لأصحاب الشافعي وظاهر المذهب الأول لأن الأصل وجوب الرد فيبقى عليه ما لم يوجد ما يزيله
فصل : وإن مات وعنده وديعة معلومة بعينها فعلى ورثته تمكين صاحبها من أخذها فإن لم يعلم بموت صاحبها من أخذها وجب عليهم إعلامه بها وليس لهم إمساكها قبل أن يعلم بها ربها لأنه لم يأتمنهم عليها وإنما حصل مال غيرهم في أيديهم بمنزلة من أطارت الريح إلى داره ثوبا وعلم به فعليه إعلام صاحبه به فإن أخر ذلك مع الإمكان ضمن كذا ها هنا ولا تثبت الوديعة إلا بإقرار من الميت أو ورثته أو ببينة تشهد بها وإن وجد عليها مكتوب وديعة لم يكن حجة عليهم لجواز أن يكون الظرف كانت فيه وديعة قبل هذا أو كان وديعة لموروثهم عند غيره أو كانت وديعة فابتاعها وكذلك لو وجد في رزمانج أبيه أن لفلان عندي وديعة لم يلزمه بذلك لجواز أن يكون قد ردها ونسي الضرب على ما كتب أو غير ذلك
مسألة : قال : وإذا طالبه بالوديعة فقال ما أودعتني ثم قال ضاعت من حرز كان ضامنا لأنه خرج من حال الأمانة ولو قال ما لك عندي شيء ثم قال ضامت من حرز كان القول قوله ولا ضمان عليه
وجملة ذلك أنه إذا ادعى على رجل وديعة فقال ما أودعتني ثم ثبت أنه أودعه فقال أودعتني وهلكت من حرزي لم يقبل قوله ولزمه ضمانها وبهذا قال مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي لأنه مكذب لأنكاره الأول ومعترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة وإن أقر له بتلفها من حرزه قبل جحده فلا ضمان عليه وإن أقر أنها تلفت بعد جحوده لم يسقط عنه الضمان لأنه خرج بالجحود عن الأمانة فصار ضامنا كمن طولب بالوديعة فامتنع من ردها وإن أقام البينة بتلفها بعد الجحود لم يسقط عنه الضمان لذلك وإن شهدت بتلفها قبل الجحود من الحرز فهل تسمع بينته ؟ ففيه وجهان : أحدهما : لا تسمع لأنه مكذب لها بإنكاره الإيداع والثاني : تسمع بينته لأن المودع لو اعترف بذلك سقط حقه فتسمع البينة به فإن شهدت بالتلف من الحرز ولم تعين قبل الجحود ولا بعده واحتمل الأمرين لم يسقط الضمان لأن الأصل وجوبه فلا ينتفي بأمر متردد وأما إذا ادعى الوديعة فقال ما لك عندي شيء أولا تستحق علي شيئا فقالت البينة بالإيداع أو أقر به المودع ثم قال ضاعت من حرز كان القول قوله مع يمينه ولا ضمان عليه لأن قوله لا ينافي ما شهدت به البينة ولا يكذبها فإن من تلفت الوديعة من حرزه بغير تفريطه فلا شيء لمالكها عنده ولا يستحق عليه شيئا لكن إن ادعى تلفها بعد جحوده أو قامت بينة بتلفها بعد الجحود وإنها كانت عنه حال جحوده فعليه ضمانها لأن جحوده أوجب الضمان عليه فصار كالغاصب
فصل : إذا نوى الخيانة في الوديعة بالجحود أو الإستعمال ولم يفعل لم يصر ضامنا لأنه لم يحدث في الوديعة قولا ولا فعلا فلم يضمن كما لو لم ينو وقال ابن شريح يضمنها لأنه أمسكها بنية الخيانة فيضمنها كالملتقط بقصد التمليك
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به ] ولأنه لم يخن فيها بقول ولا فعل فلم يضمنها كالذي لم ينو وفارق الملتقط بقصد التملك فإنه عمل فيها بأخذها ناويا للخيانة فيها فوجب الضمان بفعله المنوي لا بمجرد النية ولو التقطها قاصدا لتعريفها ثم نوى بعد ذلك إمساكها لنفسه كانت كمسألتنا ولو أخرجها بنية الإستعمال ولم يستعملها ضمنها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يضمنها إلا بالإستعمال لأنه لو أخرجها لنقلها لم يضمنها
ولنا أنه تعدى بإخراجها أشبه ما لو استعملها بخلاف ما إذا نقلها
فصل : والمودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف الوديعة بغير خلاف قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر أنها ضاعت أن القول قوله وقال أكثرهم مع يمينه وإن ادعى ردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه وبه قال الثوري و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك أن كان دفعها إليه بغير بينة وإن كان أودعه إياها ببينة لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة
ولنا أنه أمين لا منفعة في قبضها فقبل قوله في الرد بغير بينة كما لو أودع بغير بينة وإن قال دفعتها إلى فلان بأمرك فأنكر مالكها الإذن في دفعها فالقول قول المودع نص عليه أحمد في رواية منصور وهو قول ابن أبي ليلى وقال مالك و الثوري و العنبري و الشافعي و أصحاب الرأي القول قول مالك لأن الأصل عدم الإذن وله تضمينه
ولنا أنه ادعى دفعا يبرأ به من الوديعة فكان القول قوله كما ادعى ردها على مالكها ولو اعترف المالك بالإذن ولكن قال لم يدفعها فالقول قول المستودع أيضا ننظر في المدفوع إليه فإن أقر أنه قبضه وكان الدفع في دين فقد برىء الكل وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه
وقد ذكر أصحابنا أن الدافع يضمن لكونه قضى الدين بغير بينة ولا يجب اليمين على صاحب الوديعة لأن المودع مفرط لكونه أذن في قضاء يبرئه من الحق ولم يبرأ بدفعه فكان ضامنا سواء صدقه أو كذبه وإن أمره بدفعه وديعة لم يحتج إلى بينة لأن المودع يقبل قوله في التلف والرد فلا فائدة في افشهاد عليه هذا يحلف المودع ويبرأ ويحلف الآخر ويبرأ أيضا ويكون ذهابها من مالكها
فصل : وإذا أودع بهيمة فأمره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه لوجهين أحدهما : لحرمة صاحبها لأنه أخذها منه على ذلك والثاني : لحرمة البهيمة فإن الحيوان يجب إحياؤه بالعلف والسقي ويحتمل أن لا يلزمه علفها إلا أن يقبل ذلك لأن هذا تبرع منه فلا يلزمه بمجرد أمر صاحبها كغير الوديعة وإن طلق ولم يأمره بعلفها لزمه ذلك أيضا وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن لا يلزمه ذلك وبه قال أبو حنيفة لأنه استحفظه إياها ولم يأمره بعلفها والعلف على مالكها فإذا لم يعلفها كان هو المفرط في ماله
ولنا أنه لا يجوز اتلافها ولا التفريط فيها فإذا أمره بحفظها تضمن ذلك علفها وسقيها ثم ننظر فإن قدر المستودع على صاحبها أو وكيله طالبه بالإنفاق عليها أو يردها عليه أو يأذن له في الإنفاق عليها ليرجع به فإذا عجز عن صاحبها أو وكيله رفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد لصاحبها ماالا أنفق عليها منه وإن لم يجد مالا فعل ما يرى لصاحبها الحفظ فيه من بيعها أو بيع بعضها وإنفاقه عليها أو إجارتها أو الإستدانة على صاحبها من بيت المال أو من غيره ويدفع ذلك إلى المودع إن أراد ذلك لينفقه عليها وإن رأى دفعه إلى غيره ليتولى الإنفاق عليها جاز وإن استدان من المودع جاز أن يدفعه إليه ليتولى الإنفاق عليها لأنه أمين عليها ويجوز أن يأذن له الحاكم في أن ينفق عليها من ماله ويكون قابضا لنفسه من نفسه ويكل ذلك إلى اجتهاده في قدر ما ينفق ويرجع به على صاحبها فإن اختلفا في قدر النفقة فالقول قول المودع إذا أدعى النفقة بالنعروف وإن ادعى أكثر من ذلك لم يثبت له وإن اختلفا في قدر المدة التي أنفق فيها فالقول قول صاحبها لأن الأصل عدم ذلك فإن لم يقدر على الحاكم فأنفق عليها محتسبا بالرجوع على صاحبها وأشهد على الرجوع رجع بما أنفق رواية واحدة لأنه مأذون فيه عرفا ولا تفريط منه إذا لم يجد حاكما وإن فعل ذلك مع إمكان استئذان الحاكم من غير إذنه فهل له الرجوع ؟ يخرج على روايتين نص عليهما فيما إذا أنفق على البهيمة المرهونة من غير إذن الراهن وفي الضامن إذا ضمن وأذن بغير إذن المضمون عنه هل يرجع به ؟ على روايتين أحداهما : يرجع به لأنه مأذون فيه عرفا والثانية : لا يرجع لأنه مفرط بترك استئذان الحاكم وإن أنفق من غير اشهاد مع العجز عن استئذان الحاكم أو مع إمكانه ففي الرجوع وجهان أيضا كذلك ومتى علف البهيمة أو سقاها في داره أو غيرها بنفسه أو أمر غلامه أو صاحبه ففعل ذلك كما يفعل في بهائمه على ما جرت به العادة فلا ضمان عليه لأن هذا مأذون فيه عرفا لجريان العادة به فأشبه المصرح به
فصل : وإن أودعه البهيمة وقال لا تعلفها ولا تسقها لم يجز له ترك علفها لأن للحيون حرمة في نفسه يجب إحياؤه لحق الله تعالى فإن علفها وسقاها كان كالقسم الذي قبله وإن تركها حتى تلفت لم يضمنها وهذا قول عامة أصحاب الشافعي وقال بعضهم يضمن لأنه تعدي بترك علفها أشبه إذا لم ينهه وهذا قول ابن المنذر لنهي رسول الله صلى الله عليه و سلم عن إضاعة المال فيضير أمر مالكها وسكوته سواء
ولنا أنه ممتثل لأمر صاحبها فلم يضمنها كما لو قال اقتلها فقتلها وكما لو قال لا تخرج الوديعة وإن خفت عليها فخاف عليها ولم يخرجها أو أمره صاحبها بإلقائها في نار أو بحر وبهذا ينتقص ما ذكروه ومنع ابن المنذر الحكم فيما إذا أمره بإتلافها وأتلفها لما تقدم ولا يصح لأنه ثابت لصاحبها فلم يغرم له شيئا كما لو استنابه في مباح والتحريم أثره في بقاء حق الله تعالى وهو التأثيم أما حق الآدمي فلا يبقى مع إذنه في تفويته ولأنها لم تتلف بفعله وإنما تلفت بترك المأذون فيه أشبه ما لو قال له لا تخرجها إذا خفت عليها فلم يخرجها
مسألة : قال رحمه الله : ولو كان في يده وديعة فادعاها نفسان فقال أودعني أحدهما ولا أعرفه عينا أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنها له وسلمت إليه
وجملته إن من كانت عنده وديعة فادعاها نفسان فأقر بها لأحدهما سلمت إليه لأن يده دليل ملكه فلو أدعاها لنفسه كان القول قوله فإذا أقر بها لغيره وجب أن يقبل ويلزمه أن يحلف للآخر لأنه منكر لحقه فإن حلف برىء وإن نكل لزمه أن يغرم له قيمتها لأنه فوتها عليه وكذلك لو أقر للثاني بها بعد أن أقر بها للأول سلمت إلى الأول لأنه استحقها بإقراره وغرم قيمتها للثاني نص على هذا أحمد وإن أقر بها جميعا فهي بينهما ويلزمه اليمين لكل واحد منهما في نصفها وإن قال هي لأحدهما لا أعرفه عينا فاعترفا له بجهله تعين المستحق لها فلا يمين عليه وان ادعيا معرفته فعليه يمين واحدة أنه لا يعلم ذلك وقال أبو حنيفة يحلف يمينين كما لو أنكر أنها لهما
ولنا أن الذي يدعي عليه أمر واحد وهو العلم بعين المالك فكفاه يمين واحدة كما لو ادعياها فأقر بها لأحدهما ويفارق ما إذا أنكرهما لأن كل واحد منهما يدعي عليه أنها له فهما دعويان فإن حلف أقرع بينهما قرع صاحبه حلف وسلمت إليه
وقال الشافعي يتحالفان ويوقف الشيء بينهما حتى يصطلحا وهو قول ابن أبي ليلى لأنه لا يعلم المالك منهما ولـ لشافعي قول آخر أنها تقسم بينهما كما أقر بها لهما وهذا الذي حكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى وهو قول ابي حنيفة وصاحبيه فيما حكي عنهم قالوا ويضمن المستودع نصفها لكل واحد منهما لأنه فوت ما استودع بجهله
ولنا أنهما تساويا في الحق فيما ليس بأيديهما فوجب أن يقرع بينهما كالعبدين إذا أعتقهما في مرضه فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما أو كما لو أراد السفر بإحدى نسائه وقول ابي حنيفة ليس بصحيح فإن العين لم تتلف ولو تلفت بغير تفريط منه فلا ضمان عليه وليس في جهله تفريط إذ ليس في وسعه أن لا ينسى ولا يجهل
مسألة : قال : ومن أودع شيئا فأخذ بعضه ثم رده أو مثله فضاع الكل لزمه مقدار ما أخذ
وجملته أن من أودع شيئا فاخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذ فإن رده أو مثله لم يزل الضمان عنه وبهذا قال الشافعي وقال مالك لا ضمان عليه إذ رده أو مثله وقال أصحاب الرأي إن لم ينفق ما أخذه ورد لم يضمن وإن أنفقه ثم رده أو مثله ضمن
ولنا أن الضمان تعلق بذمته بالأخذ بدليل أنه لو تلف في يده قبل رده ضمنه فلا يزول إلا برده إلى صاحبه كالمغصوب فأما سائر الوديعة فينظر فيه فإن كان في كيس مختوم أو مشدود فكسر الختم أو حل الشد ضمن سواء أخرج منه أو لم يخرج لأنه هتك الحرز بفعل تعدى به وإن خرق الكيس فوق الشد فعليه ضمان ما خرق خاصة لأنه ما هتك الحرز وإن لم تكن الدراهم في كيس أو كانت في كيس غير مشدود أو كانت ثيابا فأخذ منها واحدا ثم رده بعينه لم يضمن غيره لأنه لم يتعد في غيره وإن رد بدله وكان متميزا لم يضمن غيره لذلك وإن لم يكن متميزا فظاهر كلام الخرقي ههنا أنه لا يضمن غيره لأن التعدي اختص به فيختص الضمان به وخلط المردود بغيره لا يقتضي الضمان لأنه يجب رده معها فلم يفوت على نفسه إمكان ردها بخلاف ما إذا خلطه بغيره ولو أذن له صاحب الوديعة في الأخذ منه ولم يأمره برد بدله فأخذ ثم رد بدل ما أخذ فهو كرد بدل ما لم يؤذن في أخذه وقال القاضي يضمن الكل وهو قول الشافعي لأنه خلط الوديعة بما لا يتميز منها فضمن الكل كما لو خلطها بغير البدل وقد ذكرنا فرقا بين البدل وغيره فلا يصح القياس وقال أبو حنيفة إذا كسر ختم الكيس لم يلزمه ضمان الوديعة لأنه لم يتعد في غيره
ولنا أنه هتك حرزها فضمنها إذا تلفت كما أودعه إياها في صندوق مقفل ففتحه وتركه مفتوحا ولا نسلم أنه لم يتعد في غير الختم
فصل : وإذا ضمن الوديعة بالإستعمال أو بالجحد ثم ردها إلى صاحبها زال عنه الضمان فإن ردها صاحبها إليه كان ابتداء استئمان وإن لم يردها إليه ولكن جدد له الإستئمان أو أبره من الضمان برىء من الضمان في ظاهر المذهب لأن الضمان حقه فإذا أبرأه منه برىء كما لو أبرأه من دين في ذمته وإذا جدد له استئمانا فقد انتهى القبض المضمون به فزال الضمان وقد قال أصحابنا إذا رهن المغصوب عند الغاصب أو أودعه عنده زال عنه ضمان الغصب فههنا أولى
فصل : ولو تعدى فلبس الثوب وركب الدابة أو أخذ الوديعة ليستعملها أو ليخزن فيها ثم ردها إلى موضعها بنية الأمانة لم يبرأ من الضمان وبهذا قال الشافعي وقال ابو حنيفة يبرأ لأنه ممسك لها بإذن مالكها فأشبه ما قبل التعدي
ولنا أنه ضمنها بعدوان فبطل الإستئمان كما لو جحدها ثم أقر بها وبهذا يبطل ما ذكروه
فصل : ولا يصح الإيداع إلا من جائز التصرف فإن أودع طفل أو معتوه إنسانا وديعة ضمنها بقبضها ولا يزول الضمان عنه بردها إليه وإنما يزول بدفعها إلى وليه الناظر له في ماله أو الحاكم فإن كان الصبي مميزا صح إيداعه لما أذن له في التصرف فيه لأنه كالبالغ بالنسبة إلى ذلك فإن أودع رجل عند صبي أو معتوه ويديعة فتلفت لم يضمنها سواء حفظها أو فرط في حفظها فإن أتلفها أو أكلها ضمنها في قول القاضي وظاهر مذهب الشافعي ومن أصحابنا من قال لا ضمان عليه وهو قول ابي حنيفة لأنه سلطه على إتلافها بدفعها إليه فلا يلزمه ضمانها ألا ترى أنه لو دفع إلى صغير سكينا فوقع عليها كان ضمانه على عاقلته
ولنا أن ما ضمنه بإتلافه قبل الإيداع ضمنه بعد الإيداع كالبالغ ولا يصح قولهم أنه سلطه على إتلافها وإنما استحفظه إياها وفارق دفع السكين فإنه سبب للإتلاف ودفع الوديعة بخلافه
فصل : وإن أودع عبدا وديعة خرج على الوجهين في الصغير إن قلنا لا يضمن فأتلفها العبد كانت في ذمته وإن قلنا يضمن كانت في رقبته
فصل : وإن غصبت الوديعة من المودع قهرا فلا ضمان عليه سواء أخذت من يده أو أكره على تسليمها فسلمها بنفسه لأن الإكراه عذر لها يبيح له دفعها فلم يضمنها كما لو أخذت من يده قهرا

باب قسمة الفيء والغنيمة والصدقة
الفيء هو الراجع إلى المسلمين من مال الكفار بغير قتال يقال فاء الفيء إذا رجع نحو المشرق والغنيمة ما أخذ منهم قهرا بالقتال واشتقاقها من الغنم وهو الفائدة وكل واحد منهما في الحقيقة فيء وغنيمة وإنما خص كل واحد منهما بإسم ميز به عن الآخر والأصل فيهما قول الله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية وقوله سبحانه : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية

مسألة الأموال ثلاثة فيء وغنيمة وصدقة
مسألة : قال : والأموال ثلاثة فيء وغنيمة وصدقة
يعني والله أعلم أن الأموال التي تليها الولاة من أموال المسلمين فإنها ثلاثة أقسام : قسمان يؤخذان من مال المشركين أحدهما : الفيء وهو ما أخذ من مال مشرك لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب كالذي تركوه فزعا من المسلمين وهربوا
والجزية عشر أموال أهل دار الحرب إذا دخلوا إلينا تجارا ونصف عشر تجارات أهل الذمة وخراج الأرضين ومال من مات من المشركين ولا وارث له والغنيمة ما أخذ بالقهر والقتال من الكفار والقسم الثالث الصدقة وهو ما أخذ من مال مسلم تطهيرا له وهو الزكاة وقد ذكرناها يروى أن عمر رضي الله عنه قرأ قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } ـ حتى بلغ ـ { عليم حكيم } ثم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } ـ حتى بلغ ـ { وابن السبيل } ثم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } ـ حتى بلغ ـ { والذين جاؤوا من بعدهم } ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة ولئن عشت ليأتين الراعي وهو بسر وحمير نصيبه منها لم يعرق به جبينه

فصل لم تكن الغنائم تحل لمن مضى من الأمم وأحلت للمسلمين
فصل : ولم تكن الغنائم تحل لمن مضى من الأمم وإنما علم الله ضعفنا فطيبها لنا رحمة لنا ورأفة بنا وكرامة لنبينا صلى الله عليه و سلم وروي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي ـ فذكر فيها ـ أحلت لي الغنائم ] متفق عليه وقال سعيد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس غيركم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها ] ثم كانت في أول الإسلام لرسول الله صلى الله عليه و سلم بدليل قول الله تعالى : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } ثم صار أربعة أخماسها للغانمين والخمس لغيرهم بدليل قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } فأضاف الغنيمة إليهم وجعل الخمس لغيرهم فيدل ذلك على أن سائرها لهم وجرى ذلك مجرى قوله تعالى : { وورثه أبواه فلأمه الثلث } أضاف ميراثه إليهما ثم جعل للأم منه الثلث فدل على أن الباقي للأب وقال تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحلها لهم

مسألة معنى الفيء والغنيمة وأحكامهما
مسألة : قال : فالفيء ما أخذ من مال مشرك بحال ولم يوجف عليه بخيل ولا ركاب والغنيمة ما أوجف عليها
الركاب الأبل خاصة والإيجاف أصله التحريك والمراد ههنا الحركة في السير إليه قال قتادة فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ما قطعتم واديا ولا سيرتم إليها دابة إنما كانت حوائط بني النضير أطعمها الله رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو عبيد الإيجاف الإيضاع يعني الإسراع وقال الزجاج الوجيف دون القريب من السير يقال وجف الفرس وأوجفت أنا قال الله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } فكل ما أخذ من مال مشرك بغير إيجاف مثل الأموال التي يتركونها فزعا من المسلمين ونحو ذلك هو فيء وما أجلب عليه المسلمون وساروا إليه وقاتلوهم عليه فهو غنيمة سواء أخذ عنوة أو استنزلوا أهله بأمان فإن النبي صلى الله عليه و سلم افتتح حصون خيبر بعضها عنوة وبعضها استنزل أهله بالأمان فكانت غنيمة كلها

مسألة وأربعة فصول : خمس الفيء والغنيمة مقسوم على خمسة أسهم
مسألة : قال : فخمس الفيء والغنيمة مقسوم على خمسة أسهم
في هذه المسألة فصول أربعة :
فصل الأول : أن الفيء مخموس كما تخمس الغنيمة في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي والرواية الثانية : لا يخمس نقلها أبو طالب فقال : إنما تخمس الغنيمة قال القاضي لم أجد بما قال الخرقي من أن الفيء مخموس نصا فأحكيه وإنما نص على أنه غير مخموس وهذا قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر ولا تحفظ عن أحد قبل الشافعي في الفيء خمس كخمس الغنيمة وأخبار عمر تدل على ما قاله الشافعي ولأن الله تعالى قال : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } ـ إلى قوله ـ { والذين جاؤوا من بعدهم } الآية فجعله كله لهم ولم يذكر خمسا ولما قرأ عمر هذه الآية قال : هذه استوعبت المسلمين ووجه الأول قول الله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } فظاهر هذا أن جميعه لهؤلاء وهم أهل الخمس : وجاءت الأخبار عن عمر دالة على اشتراك جميع المسلمين فيه فوجب الجمع بينهما كيلا تتناقض الآية والأخبار وتتعارض وفي إيجاب الخمس فيه جمع بينهما وتوفيق فإن خمسه للذي سمي في الآية وسائره ينصرف إلى من في الخبر كالغنيمة ولأنه مال مشترك مظهور عليه فوجب أن يخمس كالغنيمة والركاز و [ روى البراء بن عازب قال لقيت خالي ومعه الراية قلت إلى أين ؟ فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن أضرب عنقه وأخمس ماله ]
الفصل الثاني : إن الغنيمة مخموسة ولا اختلاف في هذا بين أهل العلم بحمد الله وقد نطق به الكتاب العزيز فقال الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } لكن اختلف في أشياء : منها سلب القاتل وأكثر أهل العلم على أنه لا يخمس فإن عمر رضي الله عنه قال كنا لا نخمس السلب وقول النبي : [ من قتل قتيلا فله سلبه ] يقتضي أنه له كله ولو خمس لم يكن جميعه له وعن ابي قتادة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نفله سلب رجل قتله يوم حنين ولم يخمس ] رواه سعيد في سننه ومنها إذا قال الإمام من جاء بعشرة رؤوس فله رأس ومن طلع الحصن فله كذا من النفل فالظاهر أن هذا غير مخموس لأنه في معنى السلب ومنها إذا قال الإمام من أخذ شيئا فهو له وقلنا يجوز ذلك فقد قيل لا خمس فيه لأنه في معنى الذي قبله والصحيح أن الخمس لا يسقط لأنه يدخل في عموم الآية ولا يدخل في معنى السلب والنفل لأن ترك تخميسهما لا يسقط خمس الغنيمة بالكلية وهذا يسقطه فلا يكون تخصيصا بل نسخا لحكمها ونسخها بالقياس غير جائز اتفاقا ومنها إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فقد قيل إن ما غنموه لهم من غير أن يخمس والصحيح أنه يخمس ويدفع إليهم أربعة أخماسه لدخوله في عموم الآية وعدم دليل يوجب تخصيصه
الفصل الثالث : أن الخمس مما يجب خمسه الفيء والغنيمة شيء واحد في مصرفهما وحكمهما ولا إختلاف في هذا بين القائلين بوجوب الخمس فيهما فإن القائل بوجوب الخمس في الفيء غير من قاله من أصحابنا الشافعي وقد وافق على هذا فإنه قال في الفيء والغنيمة يجتمعان في أن فيهما الخمس لمن سماه الله تعالى يعني في سورة الأنفال في قوله سبحانه وتعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية وفي سورة الحشر في قوله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية والمسلمون في الآيتين شيء واحد
الفصل الرابع : إن الخمس يقسم على خمسة أسهم وبهذا قال عطاء و مجاهد و الشعبي و النخعي و قتادة و ابن جريج و الشافعي وقيل يقسم على ستة : سهم لله وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } فعد ستة وجعل الله تعالى لنفسه سهما سادسا وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة وقال أبو العالية سهم لله عز و جل هو أنه إذا عزل الخمس ضرب بيده فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذي سمي لله لا تجعلوا له نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم وروي عن الحسن و قتادة في سهم ذي القربى كانت طعمة لرسول الله صلى ا لله عليه وسلم في حياته فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله وروى ابن عباس أن أبا بكر وعمر قسما الخمس على ثلاثة أسهم ونحوه حكي عن الحسن بن محمد ابن الحنفية وهو قول أصحاب الرأي قالوا يقسم الخمس ثلاثة : اليتامى والمساكين وابن السبيل وأسقطوا سهم رسول الله صلى ا لله عليه وسلم وسهم قرابته أيضا وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال قال ابن القاسم وبلغني عمن أثق به أن مالكا قال : يعطي الإمام أقرباء رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما يرى وقال الثوري و الحسن : يضعه الإمام حيث أراه الله عز و جل
ولنا قول الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } وسهم الله والرسول واحد كذا قال عطاء و الشعبي وقال الحسن بن محمد بن الحنفية وغيره قوله : { فأن لله خمسه } افتتاح كلام يعني أن ذكر الله تعالى لافتتاح الكلام بإسمه تبركا به لا لإفراده بسهم فإن لله تعالى الدنيا والآخرة وقد روي عن ابن عمر وابن عباس قالا كان رسول اله صلى الله عليه و سلم يقسم الخمس على خمسة وما ذكره أبو العالية فشيء لا يدل عليه رأي ولا يقتضيه قياس ولا يصار إليه إلا بنص صحيح يجب التسليم له ولا نعلم في ذلك أثرا صحيحا سوى قوله فلا يترك ظاهر النص وقول رسول الله صلى الله عليه و سلم وفعله من أجل قول أبي العالية وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية فإن الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئا وجعل لهما في الخمس حقا كما سمى للثلاثة الأصناف الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لـ أحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى لموافقته كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن ابن عباس لما سئل عن سهم ذي القربى فقال إنا كنا نزعم أنه لنا فأبى ذلك علينا قومنا ولعله اراد بقوله أبى ذلك علينا قومنا فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنة كان أولى وقول ابن عباس موافق للكتاب والسنة فان جبير بن مطعم روى [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقسم لبني عبد شمس ولا بني نوفل من الخمس شيئا كما كان يقسم لبني هاشم ولبني المطلب وان أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم غير انه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه و سلم كما كان يعطيهم وكان عمر يعطيهم وعثمان من بعده ] رواه أحمد في مسنده
وقد تكلم في رواية ابن عباس عن أبي بكر وعمر أنهما حملا على سهم ذي القربى في سبيل الله فقيل انه يرويه محمد بن مروان وهو ضعيف عن الكلبي وهو ضعيف أيضا ولا يصح عند أهل النقل فان قالوا فالنبي صلى الله عليه و سلم ليس بباق فكيف يبقى سهمه ؟ قلنا جهة صرفه الى النبي صلى الله عليه و سلم مصلحة المسلمين والمصالح باقية [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس وهو مردود عليكم ] رواه سعيد

مسألة سهم رسول الله يصرف في الكراع والسلاح ومصالح المسلمين
مسألة : قال : وسهم لرسول الله صلى الله عليه و سلم يصرف في الكراع والسلاح ومصالح المسلمين
وهذا قول الشافعي فانه قال اختار أن يضعه الامام في كل أمر خص به الاسلام وأهله من سر ثغر واعداد كراع أو سلاح أو اعطائه أهل البلاء في الاسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب وهذا نحو ما قال الخرقي وهذا السهم كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم من الغنيمة حضر أو لم يحضر كما أن سهم بقية أصحاب الخمس لهم حضروا أو لم يحضروا وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع به ما شاء فلما توفي وليه أبو بكر ولم يسقط بموته وقد قيل انما أضافه الله تعالى إلى نفسه والى رسوله ليعلم أن جهته جهة المصلحة وأنه ليس بمختص بالنبي صلى الله عليه و سلم فيسقط بموته
وزعم قوم أنه سقط بموته ويرد على أنصباء الباقين من أهل الخمس لأنهم شركاؤه وقال آخرون بل يرد على الغانمين لأنهم استحلوها بقتالهم وخرجت منها سهام منها سهم النبي صلى الله عليه و سلم ما دام حيا فإذا مات وجب رده إلى من وجد سبب الاستحقاق فيه كما أن تركه الميت إذا خرج منها سهم بوصية ثم بطلت الوصية رد 'لى التركة وقالت طائفة هو للخليفة بعده لأن أبا بكر روى [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا أطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه فهو للذي يقوم بها من بعده وقد رأيت أن أرده على المسلمين ] والصحيح أنه باق وأنه يصرف في مصالح المسلمين لكن الامام يقوم مقام النبي صلى الله عليه و سلم في صرفه فيما يرى فإن أبا بكر قال : لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنعه في إلا صنعته متفق عليه وروي عن الحس بن محمد بن الحنفية أنه قال اختلفوا في هذين السهمين يعني سهم الرسول الله عليه وسلم وسهم ذي القربي فأجمع رأيهم على أن يجعلوهما في الخيل والعدة في سبيل الله فكانا في خلافة أبي بكر وعمر في الخيل والعدة في سبيل الله

فصل كان لرسول الله من المغنم الصفي
فصل : وكان لرسول الله صلى الله عليه و سلم من المغنم الصفي وهو شيء يختاره من المغنم قبل القسمة كالجارية والعبد والثوب والسيف ونحوه وهذا قول محمد بن سيرين و الشعبي و قتادة وغيرهم من أهل العلم وقال أكثرهم إن ذلك انقطع بموت النبي صلى الله عليه و سلم قال أحمد الصفي إنما كان للنبي صلى الله عليه وسام خاصة لم يبق بعده ولا نعلم مخالفا لهذا إلا أبا ثور فإنه قال إن كان الصفي ثابتا للنبي صلى الله عليه و سلم فللامام أن يأخذه على نحو ما كان يأخذه النبي صلى الله عليه و سلم ويجعله مجعل سهم النبي من خمس الخمس فجمع بين الشك فيه في حياة النبي صلى الله عليه و سلم ومخالفة الإجماع في إبقائه بعد موته قال ابن المنذر لا أعلم أحدا سبق أبا ثور إلى هذا القول وقد أنكر قوم كون الصفي للنبي صلى الله عليه و سلم واحتجوا بما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رفع وبرة من ظهر بعيره فقال : ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس وهو مردود عليكم ] رواه سعيد ورواه أبو داود بإسناده عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم ولأن الله تعالى قال : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } فمفهومه أن باقيها للغانمين
ولنا ما روى أبو داود بإسناده [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى بني زهير بن أقيش : إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأديتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم الصفي إنكم آمنون بأمان الله ورسوله ] وفي حديث وفد عبد القيس الذي رواه ابن عباس وأن يعطوا سهم النبي صلى الله عليه و سلم والصفي وقالت عائشة كانت صفية من الصفي رواه أبو داود وأما إنقطاعه بعد النبي صلى الله عليه و سلم فثابت بإجماع الأمة قبل أبي ثور وبعده عليه وكون أبي بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم لم يأخذوه ولا ذكره أحد منهم ولا يجمعون على ترك سنة النبي صلى الله عليه و سلم

مسألة وخمسة فصول
مسألة : قال : وخمس مقسوم في صليبة بني هاشم وبين المطلب ابني عبد مناف حيث كانوا للذكر مثل حظ الأنثيين
يعني بقوله في صليبة بني هاشم أولاده دون من يعد معهم من مواليهم وحلفائهم وفي هذه المسألة فصول خمسة :
الفصل الأول : أن سهم ذي القربى ثابت بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم وقد مضى ذكر ذلك والخلاف فيه وقد ذكرهم الله تعالى في كتابه من ذوي السهام وثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعطيهم فروى جبير بن مطعم قال [ وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس ] وذكر الحديث رواه أبو داود ولم يأت لذلك نسخ ولا تغيير فوجب القول به والعمل لحكمه قال احمد حدثنا وكيع حدثنا أبو معشر عن المقبري قال كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى فكتب ابن عباس إنا كنا نزعم أنه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قال أحمد : أنا أذهب إلى أنه لقرابة النبي صلى الله عليه و سلم على ما قال ابن عباس هو لنا
الفصل الثاني : أن ذا القربى هم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف دون غيرهم بدليل ما روى جبير بن مطعم قال [ لما قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم سهم ذي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب أتيت أنا وعثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلنا يا رسول الله أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال : إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه ] وفي رواية : [ أنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام ] رواه أحمد و البخاري فرعى لهم النبي صلى الله عليه و سلم نصرتهم وموافقتهم بني هاشم ومن كانت أمه منهم وأبوه من غيرهم لم يستحق شيئا لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يدفع إلى أقارب أمه وهم بنو زهرة شيئا وإنما دفع إلى أقارب أبيه ولو دفع إلى أقارب أمه لدفع إلى بني زهرة وخبر جبير يدل على أنه لم يعطهم شيئا ولم يدفع أيضا إلى بني عماته وهم الزبير بن العوام وعبد الله والمهاجر ابنا أبي أمية وبنو جحش
الفصل الثالث : أنه يشترك فيه الذكر والأنثى لدخولهم في إسم القرابة واختلفت الرواية في قسمته بينهم فعن احمد أنه يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وهو إختيار الخرقي ومذهب الشافعي لأنه سهم استحق بقرابة الأب شرعا ففضل فيه الذكر على الأنثى كالميراث ويفارق الوصية وميراث ولد الأم فإن الوصية استحقت بقول الموصي وميراث ولد الأم استحق بقرابة الأم والرواية الثانية يسوى بين الذكر والأنثى وهو قول ابي ثور و المزني و الن بالمنذر لأنهم أعطوا بإسم القرابة والذكر والأنثى فيها سواء فأشبه ما لو أوصى لقرابة فلان أو وقف عليهم ألا ترى أن الجد يأخذ مع الأب وابن الابن يأخذ مع الابن ؟ وهذا يدل على مخالفة المواريث ولأنه سهم من خمس الخمس لجماعة فيستوي فيه الذكر والأنثى كسائر سهامه ويسوى بين الصغير والكبير على الروايتين لاستوائهم في القرابة فأشبه الميراث
الفصل الرابع : أنه يفرق بينهم حيث كانوا من الأمصار ويجب تعميمهم به حسب الإمكان وهذا قول الشافعي وقال بعضهم يخص أهل كل ناحية بخمس مغزاها الذي ليس لهم مغزى سواه فما يؤخذ من مغزى الروم لأهل الشام والعراق وما يؤخذ من مغزى الترك لمن في خراسا من ذوي القربى لما يلحق من المشقة في نقله من المشرق إلى المغرب ولأنه يتعذر تعميمهم به فلم يجب كسائر أهل السهم ووجه الأول أنه سهم مستحق بقرابة الأب فوجب دفعه إلى جميع المستحقين كالميراث فعلى هذا يبعث الإمام إلى عماله في الأقاليم وينظر كم حصل من ذلك فإن استوت فيه فرق كل خمس فيمن قاربه وإن اختلفت أمر بحمل الفضل ليدفع إلى مستحقه كالميراث وفارق الصدقة حيث لا تنقل لأن كل بلد يكاد لا يخلو من صدقة تفرق على فقراء أهله والخمس يؤخذ من بعض الأقاليم فلو لم ينقل لأدى إلى إعطاء البعض وحرمان البعض والصحيح إن شاء الله أنه لا يجب التعميم لأنه يتعذر فلم يجب كتعميم المساكين وما ذكر من بعث الإمام عماله وسعاته فهو متعذر في زاننا لأن الإمام لم يبق له حكم إلا في قليل من بلاد الإسلام ولم يبق جهة في الغزو ولا له فيه أمر ولأن هذا سهم من سهام الخمس فلم يجب تعميمه كسائر سهامه فعلى هذا يفرقه كل سلطان فيما أمكن من بلاده
الفصل الخامس : أن غنيهم وفقيرهم فيه سواء وهذا قول الشافعي و أبي ثور وقيل لا حق فيه لغني قياسا له على بقية السهام
ولنا عموم قوله تعالى : { ولذي القربى } وهذا عام لا جوز تخصيصه بغير دليل ولأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعطي أقاربه كلهم وفيهم الأغنياء كالعباس وغيره ولم ينقل تخصيص الفقراء منهم وقد روى الإمام أحمد في مسنده [ أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى الزبير سهما وأمه سهما وفرسه سهمين ] وإنما أعطى أمه من سهم ذي القربى وقد كانت موسرة ولها موال ومال ولأنه مال مستحق بالقرابة فاستوى فيه الغني والفقير كالميراث والوصية للأقارب ولأن عثمان وجبيرا طلبا حقهما منه وسألا عن علة منعهما ومنع قرابتهما وهما موسران فعلله النبي صلى الله عليه و سلم بنصرة بني المطلب دونهم وكونهم مع بني هاشم كالشيء الواحد ولو كان اليسار مانعا شرطا لم يطلبا مع عدمه ولعلل النبي صلى الله عليه و سلم منعهما بيسارهما وانتفاء فقرهما

مسألة الخمس الثالث لليتامى
مسألة : قال : والخمس الثالث لليتامى
وهم الذين لا آباء لهم ولم يبلغوا الحلم ف [ إن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يتم بعد احتلام ] قال بعض أصحابنا لا يستحقون إلا مع الفقر وهو المشهور من مذهب الشافعي لأن ذا الأب لا يستحق والمال انفع من وجود الأب ولأنه صرف إليهم لحاجتهم فإن اسم اليتم يطلق عليهم في العرف للرحمة ومن كان اعطاؤه لذلك اعتبرت الحاجة فيه وفارق ذوي القربى فإنهم استحقوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم تكرمة لهم والغني والفقير في القرب سواء فاستويا في الإستحقاق ولم أعلم هذا نصا عن احمد وعموم الآية يقتضي تعميمهم وقال بعض أصحاب الشافعي له قول آخر أنه للغني والفقير لعموم النص في كل يتيم وقياسا له على سهم ذي القربى ولأنه لو خص به الفقير لكان داخلا في جملة المساكين الذين هم أصحاب السهم الرابع فكان يستغني عن ذكرهم وتسميتهم
قال أصحابنا ويفرق على الأيتام في جميع الأقطار ولا يخص به أهل ذلك المغزى والقول فيه كالقول في سهم ذي القربى وقد تقدم القول فيه

مسألة الخمس الرابع للمساكين
مسألة : قال : والخمس الرابع للمساكين
وهم أهل الحاجة ويدخل فيهم الفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد ههنا وفي سائر الأحكام وإنما يقع التمييز بينهما إذا جمع بينهما بلفظين ولم يرد ذلك إلا في الزكاة وسنذكرهم في أصنافها قال أصحابنا : ويعم بها جميعهم في جميع البلاد كقولهم في سهم ذي القربى واليتامى وقد تقدم قولنا في ذلك

مسألة الخمس الخامس لابن السبيل
مسألة : قال : والخمس الخامس لابن السبيل
وسنذكره أيضا في أصناف الصدقة ويعطى كل واحد منهم قدر ما يوصله إلى بلده لأن دفعنا إليه لأجل الحاجة فأعطي بقدرها فإن اجتمع في واحد أسباب كالمسكين إذا كان يتيما وابن سبيل استحق بكل واحد منهما لأنها أسباب لأحكام فوجب أن تثبت أحكامها كما لو انفردت فإن أعطاه ليتمه فزال فقره لم يعط لفقره شيئا

مسألة أربعة أخماس الفيء لجميع المسلمين غنيهم وفقيرهم فيه سواء إلا العبيد
مسألة : قال : وأربعة أخماس الفيء لجميع المسلمين غنيهم وفقيرهم فيه سواء إلا العبيد
لا نعلم خلافا بين أهل العلم اليوم في أن العبيد لا حق لهم في الفيء وظاهر كلام أحمد و الخرقي أ نمستباتبأن سائر الناس لهم حق في الفيء غنيهم وفقيرهم ذكر أحمد الفيء فقال فيه حق لكل المسلمين وهو بين الغني والفقير وقال عمر رضي الله عنه ما من أحد من المسلمين إلا له في هذا المال نصيب إلا العبيد فليس لهم فيه شيء وقرأ عمر : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } ـ حتى بلغ ـ { والذين جاؤوا من بعدهم } ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة ولئن ليأتين الراعي بسرو وحمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه ولأنه مال مخموس فلم يختص به من فيه منفعة كأربعة أخماس الغنيمة
وذكر القاضي أن أهل الفيء هم من أهل الجهاد من المرابطين في الثغور وجند المسلمين ومن يقوم بمصالحهم لأن ذلك كان للنبي صلى الله عليه و سلم في حياته لحصول النصرة والمصلحة به فلما مات صارت للجند ومن يحتاج إليه المسلمون فصار ذلك دون غيرهم وأما الأعراب ونحوهم ممن لا يعد نفسه للجهاد فلا حق لهم فيه والذين يغزون إذا نشطوا يعطو من سهم سبيل الله من الصدقة قال ومعنى كلام أحمد أنه بين الغني والفقير يعني الغني الذي فيه مصلحة المسلمين من المجاهدين والقضاة والفقهاء ويحتمل أن يكون معنى كلامه أن الجميع المسلمين الانتفاع بذلك المال لكونه يصرف إلى من يعود نفعه على جميع المسلمين وكذلك ينتفعون بالعبور على القناطر والجسور المعقودة بذلك المال وبالأنهار والطرقات التي أصلحت به
وسياق كلامه يدل على أنه ليس مختصا بالجند وإنما هو مصروف في مصالح المسلمين لكن يبدأ بجند المسلمين لأنهم أهل المصالح لكونهم يحفظون المسلمين فيعطون كفاياتهم فما فضل قدم الأهم فالأهم من عمارة الثغور وكفايتها فالأسلحة والكراع وما يحتاج إليه ثم الأهم فالأهم من عمارة المساجد والقناطر وإصلاح الطرق وكراء الأنهار وسد بثوقها وارزاق القضاة والأئمة والموذنين والفقهاء ونحو ذلك مما للمسلمين فيه نفع ولـ لشافعي قولان كنحو مما ذكرنا واحتجوا على أن أربعة أخماس الفيء كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم في حياته بما روى مالك بن أوس بن الحدثان قال : سمعت عمر بن الخطاب والعباس وعلي يختصمان إليه في اموال النبي صلى ا لله عليه وسلم فقال عمر كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكان لرسول الله صلى الله عليه و سلم خالصا دون المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينفق منها على أهله نفقة سنته فيما فضل جعله في الكراع والسلاح ثم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم فوليها أبو بكر بمثل ما وليها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم وليتها بمثل ما وليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر متفق عليه إلا أن فيه يجعل ما بقي أسوة لمال وظاهر أخبار عمر تدل على أن لجميع المسلمين في الفيء حقا فإنه لما قرأ الآية التي في سورة الحشر قال هذه الآية استوعبت المسلمين وجعل للراعي بسرو وحمير منه نصيبا وقال ما أحد إلا له في هذا المال نصيب وأما أموال بني النضير فيحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ينفق منه على أهله لأن ذلك من أهم المصالح فبدأ بهم ثم جعل باقية أسوة المال ويحتمل أن تكون أموال بني النضير اختص بها النبي صلى الله عليه و سلم من الفيء وترك سائره لمن سمي في الآية وهذا مبين في قول عمر وكان لرسول الله صلى الله عليه و سلم خالصا دون المسلمين

فصل اختلاف الخلفاء الراشدين في قسم الفيء بين أهله
فصل : واختلف الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في قسم الفيء بين أهله فذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى التسوية بينهم فيه وهو المشهور عن علي رضي الله عنه فروي أن أبا بكر رضي الله عنه سوى بين الناس في العطاء وأدخل فيه العبيد فقال له عمر يا خليفة رسول الله أتجعل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم له كمن إنما دخلوا في الإسلام كرها ؟ فقال أبو بكر إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله وإنما الدنيا بلاغ فلما ولي عمر رضي الله عنه فاضل بينهم وأخرج العبيد فلما ولي علي سوى بينهم وأخرج العبيد وذكر عن عثمان أنه فضل بينهم في القسمة فعلى هذا يكون مذهب اثنين منهم أبي بكر وعلي التسوية ومذهب اثنين عمر وعثمان التفضيل وروي عن أحمد رحمة الله عليه أنه أجاز الأمرين جميعا على ما يراه الإمام ومؤدى اجتهاده إليه فروي عن الحسن بن علي بن الحسن أنه قال للإمام أن يفضل قوما على قوم وقال أبو بكر اختيار أبي عبد الله أن لا يفضلوا وهذا اختيار الشافعي وقال أبي رأيت قسم الله المواريث على العدد بكون الإخو متفاضلين في الغناء عن الميت والصلة في الحياة والحفظ بعد الموت فلا يفضلون قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأربعة الأخماس على العدد ومنهم من يعطى غاية الغناء ويكون الفتح على يديه ومنهم من يكون محضرة إما غير نافع وإما ضرر بالجبن بالهزيمة وذلك أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو انتصابهم للجهاد فصاروا كالغانمين والصحيح إن شاء الله أن ذلك مفوض إلى اجتهاد الإمام بفعل ما يراه من تسوية وتفضيل لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعطي الأنفال فيفضل قوما على قوم على قدر غنائهم وهذا في معناه والمشهور عن عمر رضي الله عنه أنه حين كثر عنده المال فرض للمسلمين أعطياتهم ففرض للمهاجرين من أهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف وللأنصار من أهل بدر أربعة آلاف وفرض لأهل الحديبية ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف ولأهل الفتح الفين وقال بمن أبدأ ؟ قيل له بنفسك قال لا ولكن أبدأ بقرابة رسول الله فبدأ ببني هاشم ثم ببني المطلب لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنما بو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ] ثم ببني عبد شمس لأنه أخو هاشم لأبويه ثم ببني نوفل لأنه أخوهما لأبيهما ثم الأقرب فالأقرب قال أصحابنا بنبغي أن يتخذ الإمام ديوانا وهو دفتر فيه أسماء أهل الديوان وذكر أعطياتهم ويجعل لكل قبيلة عريفا فقد روى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عرف عام حنين على كل عشرة عريفا وإذا أراد إعطاءهم بدأ بقرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما روي عن عمر رضي الله عنه ويقدم الأقرب فالأقرب ويقدم بني عبد العزى على بني عبد الدار لأن فيهم أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم ولأن خديجة مهم حتى تنقضي قريش وهم بنو النضر بن كنانة ثم من بعد قريش الأنصار ثم سائر العرب ثم العجم والموالي ثم تفرض الأرزاق لمن يحتاج المسلمون إليهم من القضاة والمؤذنين والأئمة والفقهاء والقراء والبرد والعيون ومن لا غنى للمسلمين عنه ثم في إصلاح الحصون والكراع والسلاح ثم بمصالح المسلمين من بناء القناطر والجسور وإصلاح الطرق وكري الأنهار وسد بثوقها وعمارة المساجد ثم ما فضل على سائر المسلمين ويخص ذا الحاجة

فصل أحكام تقسيم الفيء وكيفيته
فصل : قال القاضي ويعرف قدر حاجتهم يعني أهل العطاء وكفايتهم ويزداد ذو الولد من أجل ولده وذو الفرس من أجل فرسه وإن كان له عبيد لمصالح الحرب حسب مؤونتهم في كفايته وإن كانوا بزينة أو تجارة لم يدخلوا في مؤونته وينظر في أسعارهم في بلدانهم لأن أسعار البلدان تختلف والغرض الكفاية ولهذا تعتبر الذرية والولد فيختلف عطاؤهم لاختلاف ذلك وإن كانوا سواء في الكفاية لا يفضل بعضهم على بعض وإنما تتفاضل كفايتهم ويعطون قدر كفايتهم في كل عام مرة وهذا والله أعلم على قول من رأى التسوية فأما من يرى التفضيل فإنه يفضل أهل السوابق والغنى في الإسلام على غيرهم بحسب ما يراه كما أن عمر فضل أهل السوابق فقسم لقوم خمسة آلاف ولآخرين أربعة آلاف ولآخرين ثلاثة آلاف ولآخرين ألفين ألفين ولم يقدر ذلك بالكفاية

فصل العطاء الواجب لا يكون إلا لبالغ
فصل : والعطاء الواجب لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال ويكون عاقلا حرا بصيرا صحيحا ليس به مرض يمنعه القتال فان مرض الصحيح مرضا غير مرجو الزوال كالزمانة ونحوها خرج من المقاتلة وسقط سهمه وإن كان مرضا مرجو الزوال كالحمى والصداع والبرسام لم يسقط عطاؤه لأنه في حكم الصحيح الا ترى أنه لا يستنيب في الحج كالصحيح ؟ وإن مات بعد حلول وقت العطاء دفع حقه إلى ورثته ومن مات من أجناد المسلمين دفع إلى زوجته وأولاده الصغار قدر كفايتهم لأنه لو لم تعط ذريته بعده لم يجرد نفسه للقتال لأنه يخاف على ذريته الضياع فإذا علم أنهم يكفون بعد موته سهل عليه ذلك ولهذا قال ابن خالد الهنائي
( لقد زاد الحياة إلي حبا ... بناتي أنهن من الضعاف )
( مخافة أن يرين الفقر بعدي ... وأن يشربن رنقا بعد صاف )
( وأن يعرين أن كسي الجواري ... فيثنوا العين عن كرم عجاف )
( ولولا ذاك قد سومت مهري ... وفي الرحمن للضعفاء كاف )
وإذا بلغ ذكور أولادهم واختاروا أن يكونوا في المقاتلة فرض لهم وإن لم يختاروا تركوا ومن خرج من المقاتلة سقط حقه من العطاء

مسألة إعطاء أربعة أخماس الغنيمة لمن شهد الوقعة
مسألة : قال : وأربعة أخماس الغنيمة لمن شهد الوقعة للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم إلا أن يكون الفارس على هجين فيكون له سهمان سهم له وسهم لهجينه
أجمع أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وقوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } يفهم منه أن أربعة أخماسها لهم لأنه أضافها إليهم ثم أخذ منها سهما لغيرهم فيبقى سائرها لهم كقوله تعالى : { وورثه أبواه فلأمه الثلث } وقال عمر رضي الله عنه : الغنيمة لمن شهد الوقعة وذهب جمهور أهل العلم إلى أن للراجل سهما وللفارس ثلاثة أسهم وقال ابو حنيفة للفارس سهمان وخالفه أصحابه فوافقوا سائر العلماء وقد ثبت عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم أسهم للفارس أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم : سهم له وسهمان لفرسه متفق عليه وقال خالد الحذاء أنه لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أسهم للفرس سهمين وللراجل سهما والهجين من الخيل هو الذي أبوه عربي وأمه غير عربية والمقرف عكس ذلك وهو الذي أبوه غير عربي وأمه عربية ومنه هند بنت النعمان بن بشير :
( وما هند إلا مهرة عربية ... سليلة أفراس تحللها بغل )
( فإن ولدت مهرا كريما فبالحري ... وإن يك أقراف فما أنجب الفحل )
وأراد الخرقي بالهجين ههنا ما عدا العربي من الخيل من البراذين وغيرها وقد روي عن أحمد رحمه الله رواية أخرى أن البراذين إذ أدركت مثل العراب فلها مثل سهمها وذكر القاضي رواية أخرى فيما عدا العراب من الخيل لا يسهم لها وفي هذه المسألة اختلاف كثير وأدلة على كل قول أخرنا ذكرها إلى باب الجهاد فإن المسألة مذكورة فيه وهو أليق بها إن شاء الله تعالى

مسألة الأصناف التي تعطى الصدقة
مسألة : قال : والصدقة لا يجاوز بها الثمانية الأصناف التي سمى الله عز و جل
يعني قول الله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } وروي [ أن رجلا قال يا رسول الله أعطني من هذه الصدقات فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزأها ثماني أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك ] والمراد بالصدقة ههنا الزكاة المفروضة دون غيرها من صدقة التطوع والكفارات والنذور والوصايا ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى غير هذه الأصناف إلا ما روي عن عطاء و الحسن أنهما قالا ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية والأول اصح وذلك لأن الله تعالى { إنما الصدقات } وإنما للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه لأنها مركبة من حرفي نفي وإثبات فجرى مجرى قوله تعالى : { إنما الله إله واحد } أي لا إله إلا الله وقوله تعالى : { إنما أنت منذر } أي ما أنت إلا نذير وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الولاء لمن أعتق ]

مسألة في الفقراء وهم الزمنى والمكافيف
مسألة : قال : الفقراء وهم الزمنى والمكافيف الذين لا حرفة لهم والحرفة الصناعة ولا يملكون خمسين درهما ولا قيمتها من الذهب والمساكين وهم السؤال وغير السؤال ومن لهم الحرفة إلا أنهم لا يملكون خمسين درهما ولا قيمتها من الذهب
الفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد في سائر الأحكام لأن كل واحد من الإسمين ينطلق عليهما فأما إذا جمع بين الإسمين وميز بين المسميين تميزا وكلاهما يشعر بالحاجة والفاقة وعدم الغنى إلا أن الفقير أشد حاجة من المسكين من قبل أن الله تعالى بدأ به إنما يبدأ بالأهم فالأهم وبهذا قال الشافعي و الأصمعي وذهب أبو حنيفة إلى أن المسكين أشد حاجة وبه قال الفراء وثعلب وابن قتيبة لقول الله تعالى : { أو مسكينا ذا متربة } وهو المطروح على التراب لشدة حاجته وأنشدوا :
( أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد )
فأخبر أن الفقير حلوبته وفق عياله
ولنا أن الله تعالى بدأ بالفقراء فيدل على أنهم أهم وقال تعالى : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } فأخبر أن المساكين لهم سفينة يعملون بها ول [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ] وكان يستعيذ من الفقر ولا يجوز أن يسأل الله تعالى شدة الحاجة ويستعيذ من حالة أصلح منها ولأن الفقر مشتق من فقر الظهر فعيل بمعنى مفعول أي مفقور وهو الذي يرعب فقره ظهره فانقطع صاحبه قال الشاعر :
( لما رأى لبد النسور تطايرت ... رفع القوادم كالفقير الأعزل )
أي لم يطق الطيران كالذي انقطع صلبه والمسكين مفعيل من السكون وهو الذي أسكنته الحاجة ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن فأما الآية فهي حجة لنا فإن نعت الله تعالى للمسكين بكونه ذا متربة يدل على أن هذا النعت لا يستحقه بإطلاق اسم المسكينة كما يقال ثوب ذو علم ويجوز التعبير بالمسكين عن الفقير بقرينة وبغير قرينة والشعر أيضا حجة لنا فإنه أخبر أن الذي كانت حلوبته وفق العيال لم يترك لهم سبد فصار فقيرا لا شيء له إذا تقرر هذا فالفقير الذي لا يقدر على كسب ما يقع موقعا من كفايته ولا له من الأجرة أو من المال الدائم ما يقع موقعا من كفايته ولا له خمسون درهما ولا قيمتها من الذهب مثل الزمنى والمكافيف وهم العميان سموا بذلك لكف أبصارهم لأن هؤلاء في الغالب لا يقدرون على إكتساب ما يقع موقعا من كفايتهم وربما لا يقدرون على شيء أصلا قال الله تعالى : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا } ومعنى قولهم يقع موقعا من كفايتهم أنه يحصل به معظم الكفاية أو نصف الكفاية مثل من يكفيه عشرة فيحصل له من مكسبه أو غيره خمسة فما زاد والذي لا يحصل له إلا ما لا يقع موقعا من كفايته كالذي لا يحصل له إلا ثلاثة أو دونها فهذا هو الفقير والأول هو المسكين فيعطى كلا واحد منهما ما يتم به كفايته وتنسد به حاجته لأن المقصود دفعها وإغناء صاحبها ولا يحصل إلا بذلك والذي يسأل ويحصل الكفاية أو معظمها من مسألته فهو من المساكين لكنه يعطى جميع كفايته ويغنى عن السؤال فإن قيل [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه ] قلنا هذا تجوز وإنما نفي المسكنة عنه مع وجودها فيه حقيقة مبالغة في إثباتها في الذي لا يسأل الناس كما قال عليه السلام [ ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يغلب نفسه عند الغضب ] و [ قال : ما تعدون الرقوب فيكم ؟ قالوا الذي لا يعيش له ولد قال : لا ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا ] و [ قال : ما تعدون المفلس فيكم ؟ قالوا الذي لا درهم له ولا متاع قال : لا ولكن المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ويأتي وقد ظلم هذا ولطم هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى إذا نفدت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم يصك له صك إلى النار ]

فصل من هو الغني الذي لا حق له في الزكاة
فصل : ومن كان ذا مكسب يغني به نفسه وعياله إن كان له عيال أو كان له قدر كفايته في يكل يوم من أجر عقار أو غلة مملوك أو سائمة فهو غني لا حق له في الزكاة وبهذا قال ابن عمر و الشافعي وقال أبو حنيفة إن لم يملك نصابا فله الأخذ منها لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ] فجعل الغني من تؤخذ منه الصدقة ولا تؤخذ إلا من النصاب ولأن هذا لا يملك نصابا ولا قيمته فجاز له الأخذ كالذي لا كفاية له
ولنا ما روى عبد الله بن عدي بن الخيار [ أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقسم الصدقة فسألاه شيئا منها فصعد بصره فيهما وقال لهما : إن شئتما أعطيتكما منها ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ] رواه أبو داود ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله وقال هذا أجودهما إسنادا ما أجوده من حديث ما أعلم روي في هذا أجود من هذا قيل له فالحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ] قال لا أعلم فيه شيئا يصح قيل له يرويه سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سالم لم يسمع من أبي هريرة والغني يختلف فمنه غنى يوجب الزكاة وغنى يمنع أخذها وغنى يمنع المسألة ويخالف ما قاسوا عليه هذا فإنه محتاج إليها والصدقة أوساخ الناس فلا تباح إلا عند الحاجة إليها وهاذ المختلف فيه لا حاجة به إليها فلا تباح له

فصل حكم ما إذا كان الرجل صحيحا جلدا
فصل : وإن كان الرجل صحيحا جلدا وذكر أنه لا كسب له أعطي منها وقبل قوله بغير يمين إذا لم يعلم يقين كذبه ولا يحلفه لأن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى الرجلين اللذين سألاه ولم يحلفهما وفي بعض رواياته [ أنه قال أتينا النبي صلى الله عليه و سلم فسألناه من الصدقة فصعد فينا البصر وصوبه فرآنا جلدين فقال : إن شئتما أعطيتكما ] وذكر الحديث

فصل حكم إذا ادعى أن له عيالا
فصل : فإن ادعى أن له عيالا فقال القاضي وأبو الخطاب يقلد ويعطي لهم كما يقلد في دعوى حاجته قال ابن عقيل عندي لا يقبل قوله إلا ببينة لأن الأصل عدم العيال ولا تتعذر إقامة البينة عليه وفارق ما إذا ادعى أنه لا كسب له فإنه يدعي ما يوافق الأصل لأن الأصل عدم الكسب والمال وتتعذر عليه إقامة البينة عليه ولو ادعى الفقر من عرف بالغنى لم يقبل قوله إلا ببينة تشهد بأن ماله تلف أو نفد لما روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تحل المسألة إلا لثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ـ أو ـ سدادا من عيش ] وهل يعتبر في البينة على الفقر ثلاثة أو يكتفي بإثنين ؟ فيه وجهان أحدهما : لا يكفي إلا ثلاثة لظاهر الخبر والثاني : يقبل قول اثنين لأن قولهما يقبل في الفقر بالنسبة إلى حقوق الأدميين المبينة على الشح والضيق ففي حق الله تعالى أولى والخبر إنما ورد في حل المسألة فيقتصر عليه وإن لم يعرف له مال قبل قوله ولم يستحلف لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يستحلف الرجلين اللذين رآهما جلدين فإن رآه متجملا قبل قوله أيضا لأنه لا يلزم من ذلك الغنى بدليل قول الله تعالى : { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } لكن ينبغي أن يخبره أن ما يعطيه من الزكاة لئلا يكون ممن لا تحل له الزكاة وإن رآه ظاهر المسكنة أعطاه منها ولم يحتج أن يبين له شرط جواز الأخذ ولا أن ما يدفعه إليه زكاة
قال أحمد رحمه الله وقد سئل عن الرجل يدفع زكاته إلى رجل هل يقول له هذه زكاة ؟ فقال يعطيه ويسكت ولا يقرعه فاكتفى بظاهر حاله عن سؤاله وتعريفه

فصل إذا كان للرجل بضاعة يتجر بها
فصل : وإذا كان للرجل بضاعة يتجر بها أو ضيعة يستغلها تكفيه غلتها له ولعياله فهو غني لا يعطى من الصدقة شيئا وإن لم تكفه جاز له الأخذ منها قدر ما يتم به الكفاية وإن كثرت قيمة ذلك وقد تقدم ذكر ذلك في الزكاة

مسألة في العاملين على الزكاة
مسألة : قال : والعاملين على الزكاة وهم الجباة لها والحافظون لها
يعني العاملين على الزكاة وهم الصنف الثالث من أصناف الزكاة وهم السعادة الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها وكذلك الحاسب والكاتب والكيال والوزان والعداد وكل من يحتاج إليه فيها فإنه يعطى أجرته منها لأن ذلك من مؤنتها فهو كعلفها وقد [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم فبعث عمر ومعاذا وأبا موسى ورجلا من بني مخزوم وابن اللتيبة وغيرهم وطلب منه ابنا عمه الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أن يبعثهما فقالا يا رسول الله صلى الله عليه و سلم لو بعثتنا على هذه الصدقة فنصيب ما يصيب الناس ونؤدي إليك ما يؤدي الناس ؟ فأبى أن يبعثهما وقال : إن هذه الصدقة أوساخ الناس ] وهذه قصص اشتهرت فصارت كالمتواتر وليس فيه اختلاف مع ما ورد من نص الكتاب فيه فأغنى عن التطويل

فصل من شروط العامل في الزكاة
فصل : ومن شرط العامل أن يكون بالغا عاقلا أمينا لأن ذلك ضرب من الولاية والولاية تشترط فيها هذه الخصال ولأن الصبي والمجنون لا قبض لهما والخائن يذهب بمال الزكاة ويضيعه على أربابه ويشترط اسلامه واختار هذا القاضي وذكر أبو الخطاب وغيره انه لا يشترط اسلامه لأنه اجارة على عمل فجاز أن يتولاه الكافر كجباية الخراج وقيل عن أحمد في ذلك روايتان
ولنا أنه يشترط له الأمانة فاشترط له الاسلام كالشهادة ولأنه ولاية على المسلمين فلم يجز أن يتولاها الكافر كسائر الولايات ولأن من ليس من أهل الزكاة لا يجوز أن يتولى العمالة كالحربي ولأن الكافر ليس بأمين وهذا قال عمر لا تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى وقد أنكر عمر على أبي موسى توليته الكتابة نصرانيا فالزكاة التي هي ركن الاسلام أولى ويشترط كونه من غير ذوي القربى الا أن يدفع اليه أجرته من غير الزكاة وقال أصحابنا يجوز له الأخذ منها لأنها أجره على عمل تجوز للغني فجازت لذوي القربى كأجرة النقال والحافظ وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي
ولنا حديث الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حين سألا النبي صلى الله عليه و سلم أن يبعثهما على الصدقة فأبى أن يبعثهما وقال : [ إنما هذه الصدقة أوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولآل محمد ] وحديث أبي رافع أيضا وهذا ظاهر في تحريم أخذهم العمالة فلا تجوز مخالفته ويفارق النقال والحمال والراعي فانه يأخذه أجرة لحمله لا لعمالته ولا يشترط كونه حرا لأن العبد يحصل منه المقصود كالحر فجاز أن يكون عاملا كالحر ولا كونه فقيها إذا كتب له ما يأخذه وحد له كما كتب النبي صلى الله عليه و سلم لعماله فرائض الصدقة وكما كتب أبو بكر لعماله أو بعث معه من يعرفه ذلك ولا كونه فقيرا لأن الله تعالى جعل العامل صنفا غير الفقراء والمساكين فلا يشترط وجود معناهما فيه كما لا يشترط معناه فيهما وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لرجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني ] رواه أبو داود وذكر أصحاب الشافعي أنه تشترط الحرية لأن العمالة ولاية فنافاها الرق كالقضاء ويشترط الفقه ليعلم قدر الواجب وصفته
ولنا ما ذكرناه ولا نسلم منافاة الرق للولايات الدينية فانه يجوز أن يكون إماما في الصلاة ومفتيا وراويا للحديث وشاهدا وهذه من الولايات الدينية وأما الفقه فانما يحتاج اليه لمعرفة ما يأخذه ويتركه ويحصل ذلك بالكتاب له كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم وصاحباه رضي الله عنهما

فصل العامل مخير بين أن يستأجر العامل بأجر معلوم أو على جعل
فصل : والإمام مخير بين أن يستأجر العامل إجارة صحيحة بأجر معلوم إما على مدة معلومة وإما على عمل معلوم وبين أن يجعل له جعلا معلوما على عمله فإذا عمله استحق المشروط وإن شاء بعثه من غير تسمية ثم أعطاه فإن عمر رضي الله عنه قال بعثني النبي صلى الله عليه و سلم على الصدقة فلما رجعت عملني فقلت أعطه من هو أحوج مني وذكر الحديث فإن تلفت الصدقة في يده قبل وصولها إلى أربابها من غير تفريط فلا ضمان عليه ويستحق أجرة من بيت المال وإن لم تتلف أعطي أجر عمله منها وإن كان أكثر من ثمنها أو أقل ثم قسم الباقي على اربابه لأن ذلك من مؤنتها فجؤى علفها ومداواتها وإن رأى الإمام أعطاه اجرة من بيت المال أو يجعل له رزقا في بيت المال ولا يعطيه منها شيئا فعل وغن تولى الإمام أو الوالي من قبله أخذ الصدقة وقسمتها لم يستحق منها شيئا لأنه يأخذ رزقه من بيت المال

فصل يجوز للإمام أن يولي الساعي جبايتها دون تفرقتها
فصل : ويجوز للإمام أن يولي الساعي جبايتها دون تفرقتها ويجوز أن يوليه جبايتها وتفريطها ف [ إن النبي صلى الله عليه و سلم ولى ابن اللتيبة فقدم بصدقته على النبي صلى الله عليه و سلم فقال هذا لكم وهذا أهدي إلي ] و [ قال لقبيصة : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ] وأمر معاذا أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها في فقرائهم
ويروى [ أن زيادا ولى عمران بن حصين الصدقة فلما جاء قيل له أين المال ؟ قال أو للمال بعثتني أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ] رواه أبو داود و [ عن أبي جحيفة قال أتانا مصدق النبي صلى الله عليه و سلم وأخذ الصدقة من أغنيائنا فوضعها في فقرائنا وكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا ] أخرجه الترمذي

فصل ومسألة في المؤلفة قلوبهم
مسألة : قال : وللمؤلفة قلوبهم وهم المشركون المتألفون على الإسلام
هذا الصنف الرابع من أصناف الزكاة والمستحقون لها وقال أبو حنيفة انقطع سهمهم وهو أحذ أقوال الشافعي لما روي أن مشركا جاء يلتمس من عمر مالا فلم يعطه وقال : : { من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ولم ينقل عن عمر ولا عثمان ولا علي أنهم أعطوا شيئا من ذلك ولأن الله تعالى أظهر الإسلام وقمع المشركين فلا حاجة بنا إلى التأليف وحكى حنبل عن أحمد أنه قال المؤلفة قد انقطع حكمهم اليوم والمذهب على خلاف ما حكاه حنبل ولعل معنى قول أحمد انقطع حكمهم أي لا يحتاج إليهم في الغالب أو أراد أن الأئمة لا يعطونهم اليوم شيئا فأما أن احتاج إليهم جاز الدفع إليهم فلا يجوز الدفع اليهم إلا مع الحاجة
ولنا على جواز الدفع إليهم قول الله تعالى : { والمؤلفة قلوبهم } وهذه الآية في سورة براءة وهي آخر ما نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى المؤلفة من المشركين والمسلمين وأعطى أبو بكر عدي بن حاتم وقد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة ثلاثين بعيرا ومخالفة كتاب الله وسنة رسوله واطراحها بلا حجة لا يجوز ولا يثبت النسخ بترك عمر وعثمان إعطاء المؤلفة ولعلهم لم يحتلجوا إلى أعطائهم فتركوا ذلك لعدم الحاجة إليه لا لسقوطه
فصل : والمؤلفة قلوبهم ضربان : كفار ومسلمون وهم جميعا السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم فالكفارضربان أحدهما : من يرجى إسلامه فيعطى لتقوى نيته في الإسلام وتميل نفسه إليه فيسلم إلى ف [ إن النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة أعطى صفوان بن أمية الأمان واستنظره أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين فلما أعطى النبي صلى الله عليه و سلم العطايا قال صفوان ما لي ؟ فأومأ النبي صلى الله عليه و سلم إلى واد فيه إبل محملة فقال : هذا لك فقال صفوان إن هذا عطاء من لا يخشى الفقر ]
والضرب الثاني : من يخشى شره ويرجى بعطيته كف شره وكف غيره معه وروي عن ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عيه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الإسلام وقالوا هذا دين حسن وإن منعهم ذموا وعابوا وأما المسلمون فأربعة اضرب قوم : من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار ومن المسلمين الذين لهم نية حسنة في الإسلام فإذا أعطوا رجي إسلام نظرائهم وحسن نياتهم فيجوز إعطاؤهم لأن أبا بكر أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نياتهما وإسلامهما
الضرب الثاني : سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم ومناصحتهم في الجهاد فإنهم يعطون ل [ أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى عيينة بن حصن والأفرع بن حابس وعلقمة بن علاثة والطلقاء من أهل مكة وقال للأنصار : يا معشر الأنصار تأسون على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما لا إيمان لهم ووكلتكم إلى إيمانكم ؟ ]
وروى البخاري بإسناده عن عمرو بن تغلب [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى ناسا وترك ناسا فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا فصعد المنبر فحمد الله وأنثى عليه ثم قال : أني أعطي ناسا وأدع ناسا والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي أعطي ناسا لما في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل ناسا إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب ] وعن أنس قال [ حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن طفق رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي رجالا من قريش مائة من الإبل فقال ناس من الأنصار يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي قريشا ويمنعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني أعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألفهم ] متفق عليه
الضرب الثالث : قوم في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين
الضرب الرابع : قوم إذا أعطوا أجبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف وكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لأنهم من المؤلفة قلوبهم فيدخلون في عموم الآية

فصل ومسائل في أحكام الرقاب وهم المكاتبون
مسألة : قال : وفي الرقاب وهم المكاتبون
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ثبوت سهم الرقاب ولا يختلف المذهب في أن المكاتبين من الرقاب يجوز صرف الزكاة إليهم وهو قول الجمهور وخالفهم مالك فقال : إنما يصرف سهم الرقاب في أعناق العبيد ولا يعجبني أن يعان منها مكاتب وخالف أيضا ظاهر الآية لأن المكاتب من الرقاب لأنه عبد واللفظ عام فيدخل في عمومه إذا ثبت هذا فإنه يدفع إلى المكاتب جميع ما يحتاج إليه لوفاء كتابته فإن لم يكن معه شيء جاز أن يدفع إليه جميعها وإن كان معه شيء له يتم ما يتخلص به لأن حاجته لا تندفع إلا بذلك ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شيء لأنه مستغن عنه في وفاء الكتابة قيل ولا يدفع إليه بحكم الفقر شيء لأنه عبد ويجوز أن يدفع إليه في كتابته قبل حلول النجم لئلا يحل النجم ولا شيء معه فتنفسخ الكتابة ولا يدفع إلى مكاتب كافر شيء لأنه ليس من مصارف الزكاة ولا يقبل قول المكاتب إنه مكاتب إلا ببينة لأن الأصل عدمها فإن صدقه السيد ففيه وجهان : أحدهما : يقبل لأن الحق في العبد لسيده فإذا أقر بإنتقال حقه عنه قبل والثاني : لا يقبل لأنه منهم في أنه متهم في أنه يواطئه ليأخذ به المال
فصل : ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه لأنه قد صار معه في باب المعاملة كالأجنبي حتى يجري بينهما الربا فصار كالغريم يدفع زكاته إلى غريمه ويجوز للمكاتب ردها إلى سيده بحكم الوفاء لأنها رجعت إليه بحكم الإيفاء أشبه إيفاء الغريم دينه بها قال ابن عقيل ويجوز دفع الزكاة إلى سيد المكاتب وفاء عن الكتابة وهو الأولى لأنه أعجل لعتقه وأوصل إلى المقصود الذي كان الدفع من أجله فإنه إذا أخذه المكاتب قد يدفعه وقد لا يدفعه
ونقل حنبل أنه قال سفيان لا تعطي مكاتبا لك من الزكاة قال وسمعت أبا عبد الله يقول : وأنا أرى مثل ذلك
وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل : أيعطى المكاتب من الزكاة ؟ قال : المكاتب بمنزلة العبد فكيف يعطى ؟ ومعناه والله أعلم لا يعطي مكاتبه من الزكاة لأنه عبده وماله يرجع إليه إن عجز وإن عتق فله ولاؤه ولا تقبل شهادته لمكاتبه ولا شهادة مكاتبه له
مسألة : قال : وقد روي عن عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه يعتق منها
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في جواز الإعتاق من الزكاة فروي عنه جواز ذلك وهو قول ابن عباس و الحسن و الزهري و مالك و إسحاق و أبي عبيد و العنبري و أبي ثور لعموم قول الله تعالى : { وفي الرقاب } وهو متناول للقن بل هو ظاهر فيه فإن الرقبة إذا أطلقت انصرفت إليه كقوله تعالى : { فتحرير رقبة } وتقدير الآية وفي أعتاق الرقاب ولأنه إعتاق للرقبة فجاز صرف الزكاة فيه كدفعه في الكتابة والرواية الأخرى لا يجوز وهو قول إبراهيم و الشافعي لأن الآية تقتضي صرف الزكاة إلى الرقاب كقوله : { في سبيل الله } يريد الدفع إلى المجاهدين كذلك ههنا والعبد القن لا يدفع إليه شيء قال أحمد في رواية أبي طالب قد كنت أقول يعتق من زكاته ولكن أهابه اليوم ولأنه يجر الولاء وفي موضع آخر قيل له فما يعجبك من ذلك ؟ قال : يعين من ثمنها فهو أسلم
وقد روي نحو هذا عن النخعي وسعيد بن جبير فإنهما قالا : لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة ولكن يعطي منها في رقبة ويعين مكاتبا وبه قال أبو حنيفة وصاحباه لأنه إذا أعتق من زكاته انتفع بولاء من أعتقه فكأنه صرف الزكاة إلى نفسه
وأخذ ابن عقيل من هذه الرواية أن أحمد رجع عن القول بالإعتاق من الزكاة وهذا والله أعلم من أحمد إنما كان على سبيل الورع فلا يقتضي رجوعا لأن العلة التي تملك بها جر الولاء ومذهبه إن ما رجع من الولاء رد في مثله فلا ينتفع إذا بإعتاقه من الزكاة
فصل : ولا يجوز أن يشتري من زكاته من يعتق عليه بالرحم وهو كل ذي رحم محرم فإن فعل عتق عليه ولم تسقط عنه الزكاة
وقال الحسن لا بأس أن يعتق أباه من الزكاة لأن دفع الزكاة لم يحصل إلى أبيه وإنما دفع الثمن إلى بائعه
ولنا أن نقع زكاته عاد إلى أبيه فلم يجز كما لو دفعها إليه ولأن عتقه حصل بنفس الشراء مجازاة وصلة للرحم فلم يجز أن يحتسب له به عن الزكاة كنفقة أقاربه ولو أعتق عبده المملوك له عن زكاته لم يجز لأن أداء الزكاة عن كل مال من جنسه والعبد ليس من جنس ما تجب الزكاة فيه ولو أعتق عبدا من عبيده للتجارة لم يجز لأن الواجب في قيمتهم لا في عينهم
فصل : ويجوز أن يشتري من زكاته أسيرا مسلما من أيدي المشركين لأنه فك رقبة من الأسر فهو كفك رقبة العبد من الرق ولأن فيه اعزازا للذين فهو كصرفه إلى المؤلفة قلوبهم ولأنه يدفعه إلى الأسير لفك رقبته فأشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدين
مسألة : قال : فما رجع من الولاء رد في مثله
يعني يعتق به أيضا وبهذا قال الحسن و إسحاق وقال أبو عبيد الولاء للمعتق لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الولاء لمن أعتق ] وقال مالك ولاؤه لسائر المسلمين لأنه مال لا مستحق له أشبه مال من لا وارث له وقال العنبري يجعله في بيت المال للصدقات لأن عتقه من الصدقة فولاؤه يرجع اليها ولأن عتقه بمال هو لله والمعتق نائب عن الله تعالى في الشراء والإعتاق فلم يكن الولاء له كما لو توكل في الاعتاق وكالساعي إذا اشترى من الزكاة رقبة وأعتقها ولأن الولاء أثر الرق وفائدة من المعتق فلم يجز أن يرجع إلى المزكي لافضائه إلى أن ينتفع بزكاته وقد روي عن أحمد ما يدل على أن الولاء له وقد سبق ذلك في باب الولاء
فصل : ولا يعقل عنه اختاره الخلال وعن أحمد رواية أخرى أنه يعقل عنه اختارها أبو بكر لأنه معتق فيعقل عنه كالذي أعتقه من ماله وانما لم يأخذ ميراثه بالولاء لئلا ينتفع بزكاته والعقل عنه ليس بانتفاع فيبقى على الأصل ولنا أنه لا ولاء عليه فلم يعقل عنه كما لو كان وكيلا في العتق ولأنه لا يرثه فلم يعقل عنه كما لو اختلف دينهما وما ذكره يبطل بالوكيل والساعي إذا أعتق من الزكاة

مسألة وفصول في صنف الغارمين
مسألة : قال : والغارمين
وهم المدينون العاجزون عن وفاء ديونهم هذا الصنف السادس من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم وثبوت سهمهم وان المدينين العاجزين عن وفاء ديونهم منهم لكن ان غرم في معصية مثل أن يشتري خمرا أو يصرفه في زنا أو قمار أو غناء ونحوه لم يدفع اليه قبل التوبة شيء لأنه اعانه على المعصية وان تاب فقال القاضي يدفع اليه واختاره ابن عقيل لأن ابقاء الدين في الذمة ليس من المعصية بل يجب تفريعها والاعانة على الواجب قربة لا معصية فأشبه من أتلف ماله في المعاصي حتى افتقر فانه يدفع اليه من سهم الفقراء وفي وجه آخر لا يدفع إليه لأنه استدانة للمعصية فلم يدفع اليه كما لو لم يتب ولأنه لا يؤمن أن يعود إلى الاستدانة للمعاصي ثقة منه بان دينه يقضى بخلاف من أتلف ماله في المعاصي فإنه يعطى لفقره لا لمعصيته
فصل : ولا يدفع إلى غارم كافر لأنه ليس من أهل الزكاة ولذلك لا يدفع إلى فقيرهم ولا مكاتبهم وإن كان من ذوي القربى فقال أصحابنا يجوز الدفع إليه لأن علة منعه من الأخذ منها لفقره صيانة عن أكلها لكونها أوساخ الناس وإذا أخذها لغرمه حرفها إلى الغرماء فلا يناله دناءة وسخها ويحتمل أن لا يجوز لعموم النصوص في منعهم من أخذها وكونها لا تحل لهم ولأن دناءة أخذها تحصل سواء أكلها أو لم يأكلها ولا يدفع منها إلى غارم له بما يقضي به غرمه لأن الدفع إليه لحاجته وهو مستغن عنها
فصل : ومن الغارمين صنف يعطون مع الغنى وهو غرم لإصلاح ذات البين وهو أن يقع بين الحيين وأهل القريتين عداوة وضغائن يتلف فيها نفس أو مال ويتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك فيسعى إنسان في الإصلاح بينهم ويتحمل الدماء التي بينهم والأموال فيسمى ذلك حمالة بفتح الحاء وكانت العرب تعرف ذلك وكان الرجل منهم يتحمل الحمالة ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها فورد الشرع بإباحة المسألة فيها وجعل له نصيبا من الصدقة ف [ روى قبيصة بن المخارق قال تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم وسألته فيها فقال : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ـ ثم قال ـ يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ـ أو ـ قواما من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فلحت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ـ أو ـ قواما من عيش وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتا يوم القيامة ] أخرجه مسلم وروى أبو سعيد الخدري [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ] ذكر منها الغارم ولأنه إنما يقبل ضمانة وتحمله إذا كان مليا وبه حاجة إلى ذلك مع الغنى وإن أدى ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ لأنه قد سقط الغرم وإن استدان وأداها جاز له الأخذ لأن الغرم باق والمطالبة قائمة والفرق بين هذا الغرم والغرم لمصلحة نفسه إن هذا الغرم يأخذ لحاجتنا إليه لإطفاء الثائرة وإخماد الفتنة فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي والمؤلف والعامل والغارم لمصلحة نفسه يأخذ لحاجة نفسه فاعتبرت حاجته وعجزه كالفقير والمسكين والمكاتب وابن سبيل وإذا كان الرجل غنيا وعليه دين لمصلحة لا يطيق قضاءه جاز أن يدفع إليه ما يتم به قضاءه مع ما زاد عن حد الغنى فإذا قلنا الغنى يحصل بخمسين درهما وله مائة وعليه مائة جاز أن يدفع له خمسون ليتم قضاء المائة من غير أن ينقص غناه قال احمد لا يعطى من عنده خمسون درهما أو حسابها من الذهب إلا مدينا فيعطى دينه وإن كان يمكنه قضاء الدين من غير نقص من الغناء لم يعط شيئا
فصل : وإذا أراد الرجل دفع زكاته إلى الغارم فله أن يسلمها إليه ليدفعها إلى غريمه وإن أحب أن يدفعها إلى غريمه قضاء عن دينه فعن احمد فيه روايتان إحداهما : يجوز ذلك نقل أبو الحارث قال قلت لـ أحمد رجل عليه ألف وكان على رجل زكاة ماله ألف فأداها عن هذا الذي عليه الدين يجوز هذا من زكاته ؟ قال نعم ما أرى بذلك بأسا وذلك لأنه دفع الزكاة في قضاء دينه فأشبه ما لو دفعها إليه يقضي بها دينه والثانية لا يجوز دفعها إلى الغريم قال احمد أحب إلي أن يدفعه إليه حتى يقضي هو عن نفسه قيل هو محتاج يخاف أن يدفعه إليه فيأكله ولا يقضي دينه قال فقل له يوكله حتى يقضيه فظاهر هذا لأنه لا يدفع الزكاة إلى الغريم إلا بوكالة الغارم لأن الدين إنما هو على الغارم فلا يصح قضاؤه إلا بتوكيله ويحتمل أن يحمل هذا على الإستحباب ويكون قضاؤه عنه جائزا وإن كان دافع الزكاة الإمام جاز أن يقضي بها دينه من غير توكيله لأن للإمام ولاية عليه في إبقاء الدين ولهذا يجبره عليه إذا امتنع منه وإذا ادعى الرجل أن عليه دينا فإن كان يدعيه من جهة إصلاح ذات البين فالأمر فيه ظتهر لا يكاد يخفى فإن خفي ذلك لم يقبل منه إلا ببينة وإن غرم لمصلحة نفسه لم يدفع
إليه إلا ببينة أيضا لأن الأصل عدم الغرم وبراءة الذمة فإن صدقه الغريم فعلى وجيهن كالمكاتب إذا صدقه سيده

مسألة وفصل سهم في سبيل الله
مسألة : قال : وسهم في سبيل الله وهم الغزاة يعطون ما يشترون به الدواب والسلاح وما ينفقون به على العدو وإن كانوا أغنياء
هذا الصنف السابع من أهل الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم ولا خلاف في أنهم الغزاة في سبيل الله لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو قال الله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله } وقال : { يجاهدون في سبيل } وقال : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا } وذكر ذلك في غير موضع من كتابه فإذا تقرر هذا فإنهم يعطون وإن كانوا أغنياء وبهذا قال مالك و الشافعي و إسحاق و ابو ثور و أبو عبيد و ابن المنذر وقال ابو حنيفة وصاحباه لا تدفع إلا إلى فقير وكذلك قالوا في الغارم لإصلاح ذات البين لأن من تجب عليه الزكاة لا تحل له كسائر أصحاب السهمان ول [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لمعاذ : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ] فظاهر هذا أنها كلها ترد في ا لفقراء والفقير عندهم من لا يملك نصابا
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لغارم ] وذكر بقيتهم ولأن الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعدهما ستة أصناف فلا يلزم وجود صفة الصنفين في بقية الأصناف كما لا يلزم وجود صفة الأصناف فيها ولأن هذا يأخذ لحاجته إليها دون من يأخذ لحاجتنا إليه فأشبه العامل والمؤلف فأما أهل سائر السهمان فإنما يعتبر فقر من يأخذ لحاجته إليها دون من يأخذ لحاجتنا إليه فإذا تقرر هذا فمن قال إن كان يريد الغزو قبل قوله لأنه لا يمكن إقامة البينة على بينته ويدفع إليه قدر كفايته لمؤنته وشراء السلاح والفرس إن كان فارسا وحمولته ودرعه وأثاثه وسائر ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر ذلك ذلك ويدفع إليه دفعا مراعى فإن لم يغز رده لأنه أخذه كذلك وإن غزا وعاد فقد ملك ما أخذه لأننا دفعنا إليه قدر الكفاية وإنما ضيق على نفسه وإن مضى إلى الغزو فرجع من الطريق أو لم يتم الغزو الذي دفع إليه من أجله رد ما فضل معه لأن الذي أخذ لأجله لم يفعله كله
فصل : وإنما يستحق هذا السهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان وإنما يتطوعون بالغزو إذا نشطوا قال أحمد ويعطى ثمن الفرس ولا يتولى مخرج الزكاة شراء الفرس بنفسه لأن الواجب ايتاء الزكاة فإذا اشتراها بنفسه فما أعطى إلا فرسا وكذلك الحكم في شراء السلاح والمؤنة وقال في موضع آخر أن دفع ثمن الفرس وثمن السيف فهو أعجب إلي وإن اشتراه هو رجوت أن يجزئه وقال أيضا يشتري الرجل من زكاته الفرس ويحمل عليه والقناة ويجهز الرجل وذلك لأنه قد صرف الزكاة في سبيل الله فجاز كما لو دفعها إلى الغازي فاشترى بها قال ولا يشتري من الزكاة فرسا يصير حبيسا في سبيل الله ولا دارا ولا ضيعة يصيرها في سبيل لله للرباط ولا يقفها على المجاهدين لأنه لم يؤت الزكاة لأحد وهو مأمور باتيانها قال ولا يغزو الرجل على الفرس الذي أخرجه من زكاة ماله لأنه لا يجوز أن يجعل نفسه مصرفا لزكاته كما لا يجوز أن يقضي بها دينه ومتى أخذ الفرس التي اشتريت بماله صار مصرفا فالزكاته

مسألة الحج من سبيل الله
مسألة : قال : ويعطى أيضا في الحج وهو من سبيل الله
يروى هذا عن ابن عباس وعن ابن عمر الحج في سبيل الله وهو قول إسحاق لماروى [ أن رجلا جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم : اركبيها فإن الحج في سبيل الله ] وعن احمد رحمه الله رواية أخرى لا يصرف منها في الحج وبه قال مالك و ابو حنيفة و الثوري و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر وهذا أصح لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى اجهاد فإن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما اريد به الجهاد إلا اليسير فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك لأن الظاهر إرادته به ولأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين والحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم إليه ولا حاجة به أيضا إليه لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه ولا مصلحة له في إيجابه عليه وتكليفه مشقة قد رفهه الله منها وخفف عنه إيجابها وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الأصناف أو دفعه في مصالح المسلمين أولى وأما الخبر فلا يمنع أن يكون الحج من سبيل الله والمراد بالآية غيره لما ذكرنا وقال الشافعي يجوز الدفع إلى من أراد الحج لكونه ابن سبيل ولا يصح لأن ابن السبيل المسافر المنقطع به أو من هو محتاج إلى السفر ولا حاجة بهذا إلى هذا السفر فإن قلنا يدفع في الحج منها فلا يعطى إلا بشرطين أحدهما : أن يكون ممن ليس له ما يحج به سواها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ] وقال [ لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ] ولم يذكر الحاج منهم ولأنه يأخذ لحاجته لا لحاجة المسلمين إليه فاعتبرت فيه الحاجة كمن يأخذ لفقره والثاني : أن يأخذه لحجة الفرض ذكره أبو الخطاب لأنه يحتاج إلى إسقاط فرضه وإبراء ذمته أما التطوع فله مندوحة عنه وقال القاضي ظاهر كلام أحمد جواز ذلك في الفرض والتطوع معا وهو ظاهر قول الخرقي لأن الكل من سبيل الله ولأن الفقر لا فرض عليه فالحجة منه كالتطوع فعلى هذا يجوز أن يدفع إليه ما يحج به حجة كاملة وما يغنية في حجة ولا يجوز أن يحج من زكاة كما لا يجوز أن يغزو بها

مسألة وفصول ابن السبيل
مسألة : قال : وابن السبيل وهو المنقطع به وله اليسار في بلده فيعطى من الصدقة ما يبلغه
ابن السبيل هو الصنف الثامن من أهل الزكاة ولا خلاف في إستحقاقه وبقاء سهمه وابن السبيل هو المسافر الذي ليس له ما يرجع به إلى بلده وله اليسار في بلده فيعطى ما يرجع به وهذا قول قتادة ونحوه قال مالك وأصحاب الرأي وقال الشافعي هو المختار ومن يريد إنشاء السفر إلى بلد أيضا فيدفع إليهما ما يحتاجان إليه لذهابهما وعودهما لأنه يريد السفر لغير معصية فأشبه المجتاز
ولنا أن ابن السبيل هو الملازم للطريق الكائن فيها كما يقال ولد الليل للذي يكثر الخروج فيه والقاطن في بلده ليس في طريق ولا يثبت له حكم الكائن فيها لهذا لا يثبت له حكم السفر بهمه به دون فعله ولأنه لا يفهم من ابن السبيل إلا الغريب دون من هو في وطنه ومنزله وإن انتهت به الحاجة منتاها فوجب أن يحمل المذكور في الآية على الغريب دون غيره وإنما يعطى وله اليسار في بلده لأنه عاجز عن الوصول إليه والانتفاع به فهو كالمعدوم في حقه فإن كان ابن السبيل فقيرا في بلده أعطي لفقره وكونه ابن السبيل لوجود الأمرين فيه ويعطى لكونه ابن سبيل قدر ما يوصله إلى بلده لأن الدفع إليه للحاجة إلى ذلك فتقدر بقدره وتدقع إليه وإن كان موسرا في بلده إذا كان محتاجا في الحال لأنه عاجز عن الوصول إلى ماله فصار كالمعدوم وإن فضل معه شيء بعد رجوعه إلى بلده رده لأنه أخذه للحاجة وقد حصل الغنى بدونه فأشبه ما لو أخذه لغزو فلم يغز وإن كان فقيرا أو اتصل بسفره أخذ الفضل لفقره لأنه إن فات الاستحقاق بكونه ابن سبيل حصل الاستحقاق بجهة أخرى وإن كان غارما أخذ الفضل لغرمه
فصل : وإن كان ابن السبيل مجتازا يريد بلدا غير بلده فقال أصحابنا يجوز أن يدفع إليه ما يكفيه في مضيه إلى مقصده ورجوعه إلى بلده لأن فيه إعانة على السفر المباح وبلوغ الغرض الصحيح لكن يشترط كون السفر مباحا إما قربة كالحج والجهاد وزيارة الوالدين أو مباحا كطلب المعاش والتجارات فأما المعصية فلا يجوز الدفع إليه فيها لأنه إعانة عليها وتسبب إليها فهو كفعلها فإن وسيلة الشيء جارية مجراه وإن كان السفر للنزهة فيه وجهان : أحدهما يدفع إليه لأنه غير معصية و الثاني : لا يدفع إليه لأنه لا حاجة به إلى هذا السفر ويقوى عندي أنه لا يجوز الدفع للسفر إلى غير بلده لأنه لو جاز ذلك لجاز للمنشىء للسفر من بلده ولأن هذا السفر إن كان لجهاد فهو يأخذ له من سهم سبيل الله وإن كان حجا فغيره أهم منه وإذا لم يجز الدفع في هذين ففي غيرهما أولى وإنما ورد الشرع بالدفع إليه للرجوع إلى بلده لأنه أمر تدعو حاجته إليه ولا غنى به عنه فلا يجوز الحاق غيره به لأنه ليس في معناه فلا يجوز قياسه عليه ولا نص فيه فلا يثبت جوازه لعدم النص والقياس
فصل : وإذا ادعى الرجل أنه ابن سبيل ولم يعرف ذلك ولم يقبل إلا ببينة وإن ادعى الحاجة ولم يكن عرف له مال في مكانه الذي هو به قبل قوله من غير بينة لأن الأصل عدمه معه وإن عرف له مال في مكانه لم تقبل دعواه للفقر إلا ببينة كما لو ادعى إنسان المسكنة
فصل : وجملة من يأخذ مع الغنى خمسة : العامل والمؤلف قلبه والغازي والغارم لإصلاح ذات البين وابن السبيل الذي له اليسار في بلده وخمسة لا يعطون إلا مع الحاجة : الفقير والمسكين والمكاتب والغارم لمصلحة نفسه في مباح وابن السبيل واربعة يأخذون أخذا مستقرا لا يلزمهم رد شيء بحال : الفقير والمسكين والعامل والمؤلف واربعة يأخذون أخذا غير مستقر : المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل
فصل : ومن سافر لمعصية فأراد الرجوع إلى بلده لم يدفع إليه ما لم يتب فإن تاب احتمل جواز الدفع إليه لأن رجوعه ليس بمعصية فأشبه رجوع غيره بل ربما كان رجوعه إلى بلده تركا للمعصية وإقلاعا عنها كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه والفار من غريمه أو امرأته يريد الرجوع إليهما ويحتمل أن لا يدفع إليه لأن سبب ذلك المعصية فأشبه الغارم في المعصية

مسألة كون الإعطاء إلى جميع الأصناف غير واجب
مسألة : قال : وليس عليه أن يعطي لكل هؤلاء الأصناف وإن كانوا موجودين إنما عليه أن لا يجاوزهم
وذلك لأن الآية إنما سبقت لبيان من يجوز الصرف إليه لا لإيجاب الصرف إلى الجميع بدليل أنه لا يجب تعميم كل صنف بها وقد ذكر الله تعالى في آية أخرى صرفها إلى صنف واحد فقال سبحانه : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ] متفق عليه فلم يذكر في الآية ولا في الخبر إلا صنفا واحدا و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لقبيصة حين تحمل حمالة : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ] فذكر دفعها إلى صنف وهو من الغارمين وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وهو شخص واحد رواه أبو داود وبعث علي رضي الله عنه بذهبية في تربتها فقسمها بين المؤلفة قلوبهم وهم صنف واحد والآثار في هذا كثيرة تدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يعتقد في كل صدقة ثابتة دفعها إلى جميع الأصناف ولا تعميمهم بها بل كان يدفعها إلى من تيسر من أهلها وهذا هو اللائق بحكمة الشرع وخمسه إذ غير حسنه إذ غير جائز أن يكلف الله سبحانه من وجبت عليه شاة أو ضاع من البر أو نصف مثقال أو خمسة دراهم دفعها إلى ثمانية عشر نفسا أو أحد وعشرين أو أربعة وعشرين نفسا من ثمانية أصناف لكل ثلاثة منهم ثمنها والغالب تعذر وجودهم في الإقليم العظيم وعجز السلطان عن إيصال مال بيت المال مع كثرته إليهم على هذا الوجه فكيف يكلف الله تعالى كل من وجبت عليه زكاة جمعهم وإعطاءهم وهو سبحانه القائل : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقال : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه ولا يقدر على فعله وما بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم فعل هذا في صدقة من الصدقات ولا أحدا من خلفائه ولا من صحابته ولا غيرهم ولو كان هذا هو الواجب في الشريعة المطهرة لما أغفلوه ولو فعلوه مع مشقة لنقل وما أهمل إذ لا يجوز على أهل التواتر إهمال نقل ما تدعو الحاجة إلى نقله سيما مع كثرة من تجب عليه الزكاة ووجود ذلك في كل زمان وفي كل مصر وبلد وهذا أمر ظاهر وقد سبقت هذه المسألة والكلام فيها فيما تقدم

فصل استحباب التفريق على ما أمكن من الأصناف
فصل : ويستحب تقديمها على ما أمكن من الأصناف ليخرج من الخلاف وتعميم من أمكن من كل صنف فإن كان المتولي لتفريقها الساعي استحب إحصاء أهل السهمان من عمله حتى يكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهي أسمائهم وأنسابهم وحاجاتهم وقدر كفايتهم لتكون تفرقته عقيب جمع الصدقة ويبدأ بإعطاء العامل لأنه يأخذه على طريق المعوضة فكان استحقاقه أقوى ولذلك إذا عجزت الصدقة عن أجرة تمم له من بيت لمال ولأن ما يأخذه أجرا وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ] ثم بالأهم فالأهم وأهمهم اشد حاجة فإن كانت الصدقة تفي بحاجة جميعهم أعطي كل إنسان منهم قدر ما يدفع به حاجته فيعطى الفقير ما يغنيه وهو ما تحصل له به الكفاية في عامة ذلك له ولعياله ويعطى المسكين ما تتم به الكفاية إلا أن يعطيه من الذهب أو الورق ففيه روايتان أحداهما يعطيه ما تتم به الكفاية والثانية لا يزيد على خمسين درهما أو قيمتها من الذهب إلا أن يكون له عيال فيدفع ما يوفي به كتابته والغازي يعطى ما يحتاج إليه لمؤنة غزوة وابن السبيل ما يبلغه إلى بلده وإن نقصت الصدقة عن كفايتهم فرق فيهم على حسب ما يرى ويستحب أن لا ينقص من كل صنف عن أقل من ثلاثة لأنهم أقل الجمع إلا العامل فإنه يكون واحدا وإن فضلت الصدقة عن كفايتهم نقل الفاضل إلى أقرب البلاد إليه وإن كان المتولي لتفريقها ربها فيستحب أن يبدأ بأهلها من أهله ويفرقها في الأهم فالأهم وهو من اشتدت حاجته وقرب منه نسبه ويعطى من أمكنه

فصل إن اجتمع في واحد سببان يجوز الأخذ بكل واحد منهما
فصل : وإن اجتمع في واحد سببان يجوز الأخذ بكل واحد منهما منفردا كالفقير الغارم أعطي بهما جميعا فيعطى ما يقضي غرمه ثم يعطى ما يغنيه لأن الشخص الذي فيه المعنيان كشخصين وجد في كل واحد منهما أحد المعنيين فيستحق بهما كالميراث لابن عم هو زوج أو أخ من أم ولو أوصى لقرابته وللفقراء استحق القريب سهمين

مسألة لا يعطي من الصدقة لبني هاشم
مسألة : قال : ولا يعطي من الصدقة لبني هاشم
ولا لمواليهم ولا للوالدين وإن علوا ولا للولد وإن سفل ولا للزوج ولا للزوجة ولا لمن تلزمه مؤمنه ولا لكافر ولا لمملوك إلا أن يكونوا من العاملين عليها فيعطون بحق ما عملوا ولا لغني وهو الذي يملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب هذه المسائل قد تكررت وذكرنا شرحها في باب الزكاة بما أغنى عن إعادته ههنا

مسألة إذا تولى الرجل إخراج زكاته سقط العاملون
مسألة : قال : وإذا تولى الرجل إخراج زكاته سقط العاملون
وذلك لأن العامل إنما يأخذ أجر عمالته فإذا أخرج الرجل زكاته نفسه لم يكن ثم عامل عليها ولا من يستحق أجرا فيسقط سهمه والله أعلم

فصلان : في جوائز السلطان وأحكامها ورأي الأئمة فيها
فصل : في جوائز السلطان
كان الإمام أبو عبد الله رحمه الله يتورع عنها ويمنع بنيه عمه من أخذهات وهجرهم حين قبلوها وسد الأبواب بينه وبينهم حين أخذوها ولم يكن يأكل من بيوتهم شيئا ولا ينتفع بشيء يصنع عندهم وأمرهم بالصدقة بما أخذوه وإنما فعل ذلك لأم أموالهم تختلط بما يأخذونه من الحرام من الظلم وغيره فيصير شبهة وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن واقع الشبهات أوشك أن يقع في الحرام كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ] و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ] واحتج أحمد بأن جماعة من الصحابة تنزهوا عن مال السلطان منهم حذيفة وأبو عبيدة ومعاذ وأبو هريرة وابن عمر ولم ير أبو عبد الله ذلك حراما فإنه سئل فقيل له مال السلطان حرام ؟ فقال لا وأحب إلي أن يتنزه عنه وفي رواية قال ليس أحد من المسلمين إلا وله في هذه الدراهم حق فكيف أقول أنها سحت وقد كان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكثير من الصحابة يقبلون جوائز معاوية
وروي عن علي رضي عنه أنه قال لا بأس بجوائز السلطان ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم من الحرام وقال : لا تسأل السلطان شيئا فإن أعطاك فخذ فإن ما في بيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام
وروى عمر بن شيبة البحتري في كتاب القضاء أن الحسن و ابن سيرين و الشعبي دخلوا على عمر بن هبيرة فأمر لكل واحد منهم بألف درهم ألف درهم وأمر لـ الحسن بألفي درهم فقبض الحسن جائزته وأبى ابن سيرين أن يقبض فقال لـ ابن سيرين ما لك لا تقبض ؟ قال حتى يعم الناس فقال الحسن الله لو عرض لك ولي لص فأخذ ردائي ورداءك ثم بدا له أن يرد علي ردائي كنت أقول لا أقبل ردائي حتى ترد على ابن سيرين رداءه ؟ كنت أحب أن تكون أفقه مما أنت يا ابن سيرين ولأن جوائز السلطان لها وجه في الإباحة والتحليل فإن له جهات كثيرة من الفيء والصدقة وغيرهما
فصل : قال أحمد جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة يعني أن الصدقة أوساخ الناس صين عنه النبي صلى الله عليه و سلم وآله لدناءتها ولم يصانوا عن جوائز السلطان وسئل أحمد عمن عامل السلطان فربح ألفا وآخر اجازة السلطان بألف أيهما أحب إليك ؟ قال الجائزة وذلك لأن الذي يربح عليه ألفا لا يربحها في الغالب إلا بنوع من التدليس والغبن الفاحش والجائزة عطاء من الإمام برضاه لا تدليس فيها ولا غبن وقال أحمد إذا كان بينك وبين السلطان رجل يعني فهو أحب إلي من أخذه منه وذلك لأن الوسائط كلما كثرت قربت إلى الحل لأنها مع البعد تتبدل وتحصل فيها أسباب مبيحة والله أعلم

كتاب النكاح
النكاح في الشرع هو عقد التزويج فعند إطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل وقال القاضي الأشبه بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطء جميعا لقولنا بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج لدخوله في قوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وقيل بل هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد تقول العرب انكحنا الفرى فسترى أي أضربنا فحل حمر الوحش أمه فسترى ما يتولد منهما يضرب مثلا للأمر يجتمعون عليه ثم يتفرقون عنه وقال الشاعر
( ومن أيم قد أنكحتنا رماحنا ... وأخرى على خال وعم تلهف )
والصحيح ما قلنا لأن الأشهر استعمال لفظة النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنة ولسان أهل العرف وقد قيل ليس في الكتاب لفظ نكاح بمعنى الوطء إلا قوله : { حتى تنكح زوجا غيره } ولأنه يصح نفيه عن الوطء فيقال هذا سفاح وليس بنكاح ويروى [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ولدت من نكاح لا من سفاح ] ويقال عن السرية ليس بزوجة ولا منكوحة ولأن النكاح أحد اللفظين اللذين ينعقد بهما عقد النكاح فكان حقيقة فيه كاللفظ الآخر وما ذكره القاضي يفضي إلى كون اللفظ مشتركا وهو على خلاف الأصل وما ذكره الآخرون يدل على الاستعمال في الجملة والاستعمال فيما قلنا أكثر وأشهر ثم لو قدر كونه مجازا في العقد لكان اسما عرفيا يجب صرف اللفظ عند الإطلاق إليه لشهرته كسائر الأسماء العرفية

فصل ثيوت النكاح بالكتاب والسنة والإجماع
فصل : والأصل في مشروعية النكاح والكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } الآية وقوله : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء ] متفق عليه في آي وأخبار سوى ذلك كثيرة وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع واختلف أصحابنا في وجوبه فالمشهور في المذهب أنه ليس بواجب إلا أن يخاف أحد على نفسه الوقع في محظور بتركه فيلزمه إعفاف نفسه وهذا قول عامة الفقهاء وقال أبو بكر بن عبد العزيز هو واجب وحكاه عن احمد وحكي عن داود أنه يجب في العمر مرة واحدة للآية والخبر
ولنا أن الله تعالى أمر به علقه على الاستطابة بقوله : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } والواجب لا يقف على الاستطابة وقال : { مثنى وثلاث ورباع } ولا يجب ذلك بالانفاق فيدل على أن المراد بالأمر الندب وكذلك الخبر يحمل على ا لندب أو على من يخشى على نفسه الوقوع في المحذور بترك النكاح قال القاضي وعلى هذا يحمل كلام أحمد وأبي بكر في إيجاب النكاح

فصل المذاهب في استحباب النكاح وفي تركه
فصل : والناس في النكاح على ثلاثة أضرب : منهم من يخاف على نفسه الوقوع في المحظور أن ترك النكاح فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها عن الحرام وطريقة النكاح الثاني : من يستحب له وهو له شهرة يأمن معها الوقوع في المحظور فهذا الاشتغال به أولى من التخلي لنوافل العبادة وهو قول أصحاب الرأي وهو ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم وفعلهم قال ابن مسعود لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوما ولي طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة
وقال ابن عباس لسعيد بن جبير : تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء وقال إبراهيم بن ميسرة قال لي طاوس لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور قال أحمد في رواية المروذي ليست العزبة من أمر الإسلام في شيء وقال من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير الإسلام ولو تزوج بشر كان قد ثم أمره
وقال الشافعي التخلي لعبادة الله أفضل لأن الله تعالى مدح يحيى عليه السلام بقوله : { وسيدا وحصورا } والحصور الذي لا يأتي النساء فلو كان النكاح أفضل لما مدح بتركه وقال تعالى : { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين } وهذا في معرض الذم ولأنه عقد معاوضة فكان الاشتغال بالعبادة أفضل منه كالبيع
ولنا ما تقدم من أمر الله تعالى به ورسوله وحثهما عليه و [ قال صلى الله عليه و سلم : ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ] و [ قال سعد لقد رد النبي صلى الله عليه و سلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أحله له لاختصينا ] متفق عليهما وعن أنس قال [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يأمرنا بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ] رواه سعيد وهذا حث على النكاح شديد ووعيد على تركة يقربه إلى الوجوب والتخلي منه إلى التحريم ولو كان التخلي أفضل لانعكس الأمر ولأن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك أصحابه ولا يشتغل النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه إلا بالأفضل ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى ومن العجب أن من يفضل التخلي لم يفعله فكيف اجتمعوا على النكاح في فعله وخالفوه في فضله فما كان فيهم من يتبع الأفضل عنده ويعمل بالأدنى ولأن مصالح النكاح أكثر فإنه يشتمل على تحصين الدين وإحرازه وتحصين المرأة وحفظها والقيام بها وإيجاد النسل وتكثير الأمة وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه و سلم وغير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نفل العبادة بمجموعها أولى
وقد روينا في أخبار المتقدمين أن قوما ذكروا لنبي لهم فضل عابد لهم فقال أما أنه لتارك لشيء من السنة فبلغ العابد فأتى النبي فسأله عن ذلك فقال أنك تركت التزويج فقال با نبي الله وما هو إلا هذا فلما رأى النبي احتقاره لذلك قال أرأيت لو ترك الناس كلهم التزويج من كان يقوم بالجهاد وينفي العدو ويقوم بفرائض الله وحدوده ؟ وأما ما ذكر عن يحيى فهو شرعه وشرعنه وارد بخلافه فهو أولى والبيع لا يشتمل على مصالح النكاح ولا يقاربها
القسم الثالث : من لا شهوة له إما لأنه لم يخلق له شهوة كالعنين أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو مرض ونحوه ففيه وجهان أحدهما : يستحب له النكاح لعموم ما ذكرنا والثاني : التخلي له أفضل لأنه لا يحصل مصالح النكاح ويمنع زوجته من التحصين بغيره ويضر بها بحبسها على نفسه ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه والأخبار تحمل على من له شهوة لما فيها من القرائن الدالة عليها وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين القادر على الانفاق والعاجز عنه وقال ينبغي للرجل أن يتزوج فإن كان عنده ما ينفق أنفق وإن لم يكن عنده صبر ولو تزوج بشر كان قد تم أمره واحتج بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصبح وما عنده شيء ويمسي وما عنده شيء وإن النبي صلى الله عليه و سلم زوج رجلا لم يقدر إلا على خاتم حديد ولا وجد إلا إزاره ولم يكن له رداء أخرجه البخاري قال أحمد في رجل قليل الكسب يضعف قلبه عن العيال : الله يرزقهم التزويج أحصن له ربما أتى عليه وقت لا يملك قلبه فيه وهذا في حق من يمكنه التزويج فأما من لا يمكنه فقد قال الله تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله }

مسألة وفصول لا نكاح إلا بولي وشاهدين
مسألة : قال : ولا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين
في هذه المسألة أربعة فصول
الفصل الأول : أن النكاح لا يصح إلا بولي ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ولا توكيل غير وليها في تزويجها فإن فعلت لم يصح النكاح روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم وإليه ذهب سعيد بن المسيب و الحسن و عمر بن عبد العزيز و جابر بن زيد و الثوري و ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و ابن المبارك و عبيد الله العنبري و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد وروي عن ابن سيرين و القاسم بن محمد و الحسن بن صالح و ابي صالح و أبي يوسف لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فإن فعلت كان موقوفا على إجازته
وقال أبو حنيفة لها أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في النكاح لأن الله تعالى قال : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } أضاف النكاح إليهن ونهى عن منعهن منه ولأنه خالص حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها كبيع أمتها ولأنها إذا ملكت بيع أمتها وهو تصرف في رقبتها وسائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على بعض منافعها أولى
ولنا [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا نكاح إلا بولي ] روته عائشة وأبو موسى وابن عباس قال المروذي سألت أحمد ويحيى عن حديث : [ لا نكاح إلا بولي ] فقالا صحيح
وروي عن عائشة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ] رواه أحمد و أبو داود وغيرهما فإن قيل فإن الزهري رواه وقد أنكره قال ابن خديج سألت الزهري عنه فلم يعرفه قلنا له لم يقل هذا عن ابن خديج غير ابن علية كذلك قال الإمام أحمد ويحيى ولو ثبت هذا لم يكن حجة لأنه قد نقله ثقاة عنه فلو نسيه الزهري لم يضره لأن النسيان لم يعصم منه إنسان
[ قال النبي صلى الله عليه و سلم : نسي آدم فنسيت ذريته ] ولأنها مولى عليها في لانكاح فلا تليه كالصغيرة وأما الآية فإن عضلها الامتناع من تزويجها وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي ويدل عليه أنها نزلت في شأن معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فدعاه النبي صلى الله عليه و سلم فزوجها وأضافه إليها لأنها محل له إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز لها تزويج أحد وعن احمد لها تزويج أمتها وهذا يدل على صحة عبارتها في النكاح فيخرج منه أن لها تزويج نفسها بإذن وليها وتزويج غيرها بالوكالة وهو مذهب محمد بن الحسن وينبغي أن يكون قولا لـ ابن سيرين ومن معه لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ] فمفهومه صحته بإذنه ولأن المرأة أنما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها والصحيح الأول لعموم قوله : [ لا نكاح إلا بولي ] وهذا يقدم على دليل الخطاب والتخصيص ههنا خرج مخرج الغالب فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بغير إذن وليها والعلة في منعها صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها وروعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة والله أعلم
فصل : فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة وخرج القاضي في هذا وجها خاصة أنه ينقض وهو قول الأصطخري من أصحاب الشافعي لأنه خالف نصا والأول أولى لأنها مسألة مختلف فيها ويسوغ فيها الإجتهاد فلم يجز نقض الحكم كما لو حكم بالشفعة للجار وهذا النص متأول وفي صحته كلام وقد عارضه ظواهر
الفصل الثاني : أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين وهذا المشهور عن أحمد وروي ذلك عن عمر وعلي وهو قول ابن عباس و سعيد بن المسيب و جابر بن زيد و الحسن و النخعي و قتادة و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أنه يصح بغير شهود وفعله ابن عمر والحسن ابن علي وابن الزبير وسالم وحمزة ابنا ابن عمر وبه قال عبد الله بن إدريس وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد ابن هارون و العنبري و أبو ثور و ابن المنذر وهو قول الزهري و مالك إذا أعلنوه
قال ابن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر وقال ابن عبد البر قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين ] من حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر إلا أن في نقله ذلك ضعيفا فلم أذكره
قال ابن المنذر : وقد أعتق النبي صلى الله عليه و سلم صفية ابنة حيي فتزوجها بغير شهود قال أنس بن مالك رضي الله عنه : [ اشترى رسول الله صلى الله عليه و سلم جارية بسبعة قروش فقال الناس ما ندري أتزوجها رسول الله أم جعلها أم ولد ؟ فلما أن أراد أن يركب حجبها فعلموا أنه تزوجها ] متفق عليه قال فاستدلوا على تزويجها بالحجاب : وقال يزيد بن هارون : أمر الله تعالى بالإشهاد في البيع دون النكاح فاشترط أصحاب الرأي الشهادة للنكاح ولم يشترطوها للبيع ووجه الأولى أنه قد روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل ] رواه الخلال بإسناده
وروى الدار قطني عن عائشة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا بد في النكاح من أربعة : الولي والزوج والشاهدان ] ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه بخلاف البيع فأما نكاح النبي صلى الله عليه و سلم بغير ولي وغير شهود فمن خصائصه في النكاح فلا يلحق به غيره
الفصل الثالث : أنه لا ينعقد إلا بشهادة مسلمين سواء كان الزوجان مسلمين أو الزوج وحده نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة إذا كانت المرأة ذمية صح بشهادة ذميين قال أبو الخطاب ويتخرج لنا مثل ذلك مبنيا على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على بعض ولنا قوله عليه السلام [ لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ] ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة كنكاح المسلمين
فصل : فأما الفاسقان ففي انعقاد بشهادتهما روايتان إحداهما : لا ينعقد وهو مذهب الشافعي للخبر ولأن النكاح لا يثبت بشهادتهما فلم ينعقد بحضورهما كالمجنونين والثانية : ينعقد بشهادتهما وهو قول أبي حنيفة لأنها تحمل فصحت من الفاسق كسائر التحملات وعلى كلتا الروايتين لا يعتبر حقيقة العدالة بل ينعقد بشهادة مستوري الحال لأن النكاح يكون في القرى والبادية وبين عامة الناس ممن لا يعرف حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق فاكتفى بظاهر الحال وكون الشاهد مستورا لم يظهر فسقه فإن تبين بعد العقد أنه كان فاسقا لم يؤثر ذلك في العقد لأن الشرط العدالة ظاهرا وهو أن لا يكون ظاهر الفسق وقد تحقق ذلك وقيل نتبين أن النكاح كان فاسدا لعدم الشرط وليس بصحيح لأنه لو كانت العدالة في الباطن شرطا لوجب الكشف عنها لأنه مع الشك فيها يكون مشكوكا في شرط النكاح فلا ينعقد ولا تحل المرأة مع الشك في صحة نكاحها وإن حدث الفسق فيهما لم يؤثر في صحة النكاح لأن لشرط إنما يعتبر حالة العقد ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولي وشاهدي عدل قبل قولهما وثبت النكاح بإقرارهما
فصل : ولا ينعقد بشهادة رجل وامرأتين وهذا قول النخعي و الأوزاعي و الشافعي وعن أحمد أنه قال إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز وإن كان معهن رجل فهو أهون فيحتمل أن هذا رواية أخرى في انعقاده بذلك وهو قول أصحاب الرأي ويروى عن الشعبي لأنه عقد معارضة فانعقد بشهادتين مع الرجال كالبيع
ولنا أن الزهري قال مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق رواه أبو عبيد في الأموال وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه و سلم ولأنه عقد ليس بمال ولا المقصود منه المال ويحضره الرجال في غالب الأحوال فلا يثبت بشهادتين كالحدود وبهذا فارق البيع ويحتمل أن أحمد إنما قال هو أهون لوقوع الخلاف فيه فلا يكون رواية
فصل : ولا ينعقد بشهادة صبيين لأنهما ليسا من أهل الشهادة ويحتمل أن ينعقد بشهادة مراهقين عاقلين ولا ينعقد بشهادة مجنونين ولا سائر من لا شهادة له لأن وجوده كالعدم ولا ينعقد بشهادة أصمين لأنهما لا يسمعان ولا أخرسين لعدم امكان الأداء منهما وفي انعقاده بحضور أهل الصنائع الزرية كالحجام ونحوه وجهان بناء على قبول شهادتهم وفي انعقاده بشهادة عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما وجهان أحدهما : ينعقد اختارة أبو عبد الله بن بطة لعموم قوله : [ إلا بولي وشاهدي عدل ] ولأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول والثاني : لا ينعقد بشهادتهما لأن العدو لا تقبل شهادته على عدوه والابن لا تقبل شهادته لوالده
فصل : وينعقد بشهادة عبدين وقال أبو حنيفة و الشافعي لا ينعقد ومبني الخلاف على قبول شهادتهما في سائر الحقوق ونذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وينعقد بشهادة ضريرين وللشافعية وجهان في ذلك

ثلاثة فصول
فصل : وإذا تزوجت المرأة تزويجا فاسدا لم يجز تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو يفسخ نكاحها وإذا امتنع من طلاقها فسخ الحاكم نكاحه نص عليه أحمد وقال الشافعي : لا حاجة إلى فسخ ولا طلاق لأنه نكاح غير منعقد أشبه النكاح في العدة
ولنا أنه نكاح يسوغ فيه الإجتهاد فاحتيج في التفريق إلى إيقاع فرقة كالصحيح المختلف فيه ولأن تزويجها من غير تفريق يفضي إلى تسليط زوجين عليها كل واحد منهما يعتقد أن نكاحه الصحيح ونكاح الآخر الفاسد ويفارق النكاح الباطل من هذين الوجهين وإذا زوجت بآخر قبل التفريق لم يصح الثاني أيضا ولم يجز تزويجها الثالث حتى يطلق الأولان أو يفسخ نكاحهما ومتى فرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها لأنه عقد فاسد لم يتصل به قبض فلم يجب له عوض كالبيع الفاسد وإن كان التفريق بعد الدخول فلها المهر بدليل فوله عليه السلام : [ فلها المهر بما استحل من فرجها ] وإن تكرر الوطء فالمهر واحد للحديث ولأنه اصابه في عقد فاسد فأشبه الإصابة في عقد صحيح
فصل : والواجب لها مهر مثلها أومأ إليه احمد فإنه قال في العبد : يتزوج بغير إذن سيده يعطي شيئا قال القاضي يعني مهر المثل وهو ظاهر قول الخرقي لقوله : إذا تزوج الوليان فالنكاح للأول منهما فإن دخل بها الثاني فلها مهر مثلها وهذا مذهب الشافعي والمنصوص عن أحمد أن لها المسمى لأن في بعض الفاظ حديث عائشة : [ ولها الذي أعطاها بما أصاب منها ]
قال القاضي حدثناه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال بإسناديهما وقال ابو حنيفة الواجب لأقل من المسمى أو مهر المثل لأنها إن رضيت بدون مهر مثلها فليس لها أكثر منه كالعقد الصحيح وإن كان المسمى أكثر لم يجب الزائدة لأنه بغير عقد صحيح
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فلها المهر إذا استحل من فرجها ] فجعل لها المهر المميز بالإصابة والإصابة إنما توجب مهر المثل ولأن العقد ليس بموجب بدليل الخبر وأنه لو طلقها قبل مسها لم يكن لها شيء وإذا لم يكن موجبا كان وجوده كعدمه وبقي الوطء موجبا بمفرده فأوجب مهر المثل كوطء الشبهة ولأن التسمية لو فسدت لوجب مهر المثل فإذا فسد العقد من أصله كان أولى وقلو أبي حنيفة أنها رضيت بدون صداقها إنما يصح إذا كان العقد هو الموجب وقد بينا أنه إنما يجب بالإصابة فيجب مهر المثل كاملا كوطء الشبهة
فصل : ولا يجب لها بالخلوة شيء في قول أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه و سلم جعل لها المهر بما استحل من فرجها يعني أصاب ولم يصبها والنصوص عن أحمد أن المهر يستقر بالخلوة قياسا على العقد الصحيح وبناء على أن الواجب المسمى بالعقد وقد ذكرنا ذلك

ثلاثة فصول في الأنكحة الفاسدة والباطلة
فصل : ولا حد في الوطء في النكاح الفاسد سواء اعتقد حله أو حرمته وعن أحمد ما يدل على أنه يجب الحد بالوطء في النكاح بلا ولي إذا اعتقد حرمته وهو اختيار السمرقندي من أصحاب الشافعي لما روى الدار قطني بإسناده عن أبي هريرة قال [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها إن الزانية هي التي تزوج نفسها ] وبإسناده عن الشعبي قال : ما كان أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أشد في النكاح بغير ولي من علي رضي الله عنه كان يضرب فيه وروى الشاليحي بإسناده عن عكرمة بن خالد أن الطريق جمعت ركبا فيه امرأة ثيب فخطبها رجل فأنكحها رجل وهو غير بصداق وشهود فلما قدموا على عمر رضي الله عنه رفع إليه أمرهما ففرق بينهما وجلد الناكح والمنكح
ولنا أن هذا مختلف في إباحته فلم يجب به الحد كالنكاح بغير شهود ولأن الحد يدرأ بالشبهات والإختلاف فيه أقوى الشبهات وتسميتها زانية يجوز بدليل أنه سماها بذلك بمجرد العقد وعمر جلدها أدبا وتعزيزا ولذلك جلد المنكح ولم يجلد المرأة وجلدهما بمجرد العقد مع اعتقادهما حله وكذلك حديث علي على أن حديث علي حجة على من أوجب الحد فيه فإن عليا أشد الناس فيه وقد انتهى الأمر إلى الجلد فدل على أن سائر الناس والصحابة لم يروا فيه جلدا فإن قيل فقد أوجبتم الحد على شارب النبيذ مع الاختلاف فيه قلنا هو مفارق لمسألتنا بدليل أنا نحد من اعتقد حله ولأن يسير النبيذ يدعو إلى كثيرة المتفق على تحريمه وهذا المختلف فيه يغني عن الزنا المجمع على تحريمه فافترقا فإذا ثبت هذا فإن من اعتقد حله ليس عليه إثم ولا أدب لأنه من مسائل الفروع المختلف فيها ومن اعتقد حرمته أثم وأدب وإن أتت بولد منه لحقه نسبه في الحالين
فصل : فأما الأنكحة الباطلة كنكاح المرأة المزوجة أو المعتدة أو شبهة فإذا علما الحل والتحريم فهما زانيان وعليهما الحد ولا يلحق النسب فيه
فصل : ويساوي الفاسد الصحيح في اللعان إذا كان بينهما ولد يريد نفيه عنه لكون النسب لاحقا به فإن لم يكن ولد فلا لعان بينهما لعدم الحاجة إليه وتجب العدة بالخلوة فيه وعدة الوفاة بالموت فيه والإحداد وكل ذلك احتياطا لها ويفارق الصحيح في أنه لا يثبت التوارث ولا تحصل به الإباحة للمتزوج ولا تحل للزوج المطلق ثلاثا بالوطء فيه ولا يحصل الإحصان بالوطء فيه ولا يثبت حكم الإيلاء باليمين فيه ولا يحرم الطلاق فيه في زمن الحيض

مسائل وفصول في بيان أولى الناس بنكاح المرأة الحرة
مسألة : قال : وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها
إنما قيد المرأة ههنا لأن الأمة لا ولاية لأبيها عليها وإنما وليها سيدها بغير خلاف علمناه وأما المرأة الحرة فأولى الناس بتزويجها أبوها ولا ولاية لأحد معه وبهذا قال الشافعي وهو المشهور عن أبي حنيفة وقال مالك و العنبري و أبو يوسف و إسحاق و ابن المنذر الابن أولى وهو رواية عن أبي حنيفة لأنه أولى منه بالميراث وأقوى تعصيبا ولهذا يرث بولاء أبيه دون جده
ولنا أن الولد موهوب لأبيه قال الله تعالى : { ووهبنا له يحيى } وقال زكريا : { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } وقال : { فهب لي من لدنك وليا } وقال إبراهيم : { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } و [ قال صلى الله عليه و سلم : أنت ومالك لأبيك ] وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس ولأن الأب أكمل نظرا وأشد شفقة فوجب تقديمه في الولاية كتقديمه على الجد ولأن الأب يلي ولده في صغره وسفهه وجنونه فيليه في سائر ما ثبتت فوجب الولاية عليه فيه بخلاف ولاية الابن ولذلك اختص بولاية المال وجاز له أن يشتري لها من ماله وله من مالها إذا كانت صغيرة بخلاف غيره ولأن الولاية احتكام واحتكام الأصل على فرعة أولى من العكس وفارق الميراث فإنه لا يعتبر له النظر ولهاذ يرث الصبي والمجنون وليس فيه احتكام ولا ولاية على الموروث بخلاف ما نحن فيه
مسألة : قال : ثم أبوه وإن علا
يعني أن الجد أب الأب وإن علت درجته فهو أحق بالولاية من الابن وسائر الأولياء وهو قول الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن الابن مقدم على الجد وهو قول مالك ومن وافقه لما تقدم
وعن احمد رواية ثالثة أن الأخ على الجد وهو قول مالك لأن الجد يدلي بأبوة الأب والأخ يدلي ببنوة والبنوة مقدمة وعن أحمد أن الجد والأخ سواء لاستوائهما في الميراث بالتعصيب فاستويا في القرابة فوجب أن يستويا في الولاية كالأخوين ولأنهما عصبتان لا يسقط أحدهما بالآخر فاستويا في الولاية كالأخوين
ولنا أن الجد له ايلاد وتعصيب فيقدم عليهما كالأب ولأن الابن والأخ يقادان بها ويقطعان بسرقة مالها والجد بخلافه لا يسقط في الميراث إلا بالأب والأخ يسقط به وبالابن وابنه وإذا ضاق المال وفي المسألة جد وأخ سقط الأخ وحده فوجب تقديمه عليهما كالأب ولتقدمه على العم وسائر العصبات إذا ثبت هذا فالجد وإن علا أولى من جميع العصبات غير الأب وأولى الأجداد أقربهم وأحقهم في الميراث
مسألة : قال : ثم ابنها وابنه وإن سفل
وجملته أنه متى عدم الأب وباؤه الناس بتزويج المرأة ابنها ثم ابنه بعده وإن نزلت درجته الأقرب فالأقرب منهم وبه قال أصحاب الرأي وقال الشافعي لا ولاية للابن إلا أن يكون ابن عم أو مولى أو حاكما فيلي بذلك لا بالبنوة لأنه ليس بمناسب لها فلا يلي نكاحها كخالها ولأن طبعه ينفر من تزويجها فلا ينظر لها
ولنا ما [ روت أم سلمة رضي الله عنها أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطبها فقالت يا رسول الله ليس أحد من أوليائي شاهدا قال : ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت : قم يا عمرو فزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم فزوجه ] رواه النسائي قال الأثرم قلت لأبي عبد الله فحديث عمرو بن أبي سلمة حين تزوج النبي صلى الله عليه و سلم أمه أم سلمة أليس كان صغيرا قال ومن يقول كان صغيرا ليس فيه بيان ولأنه عدل من عصبتها فثبت له ولاية تزويجها كأخيها وقولهم ليس بمناسب لها يبطل بالحاكم والمولى وقولهم ان طبعه بنفر من تزويجها قلنا هذا معارض في الفرع ليس له أصل ثم يبطل بما إذا كان ابن عم أو مولى أو حاكما إذا ثبت هذا فإنه يقدم على الأخ ومن بعده بغير خلاف نعلمه عند من يقول بولايته لأنه أقوى منه تعصيبا وقد استويا في عدم الإيلاد
مسألة : قال : ثم أخوها لأبيها وأمها
لا خلاف بين أهل العلم في تقديم الأخ بعد عمودي النسب لكونه أقرب العصبات بعدهم فإنه ابن الأب وأقواهم تعصيبا وأحقهم بالميراث
مسألة : قال : والأخ للأب مثله
اختلفت الرواية عن أحمد في الأخ للأبوين والأخ للأب إذا اجتمعا فالمشهور عنه أنهما سواء في الولاية وبه قال ابو ثور و الشافعي في القديم لأنهما استويا في الإدلاء بالجهة التي تستفاد منها العصوبة وهي جهة الأب فاستويا في الولاية كما لو كانا من أب وإنما يرجح الأخ في الميراث بجهة الأم ولا مدخل لها في الولاية فلم يرجح بها كالعمين أحدهما خال وابني عم أحدهما أخ من أم والرواية الثانية الأخ من الأبوين أولى واختارها أبو بكر وهذا قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي في الجديد وهو الصحيح إن شاء الله ولأنه حق يستفاد بالتعصيب فقدم فيه الأخ من الأبوين كالميراث وكاستحقاق الميراث بالولاء فإنه لا مدخل للنساء فيه وقد قدم الأخ من الأبوين فيه وبهذا يبطل ما ذكرناه للرواية الأولى وهكذا الخلاف في بني الإخوة والأعمام وبينهم فأما إذا كان ابنا عم لأب أحدهما أخ لأم فهما سواء لأنهما استويا في التعصيب والإرث به وقال القاضي فيهما من الخلاف مثل ما في ابن عم من أبوين وابن عم من أب لأنه يرجح بجهة أمه وليس كذلك لأن جهة أمه يرث بها منفردة وما ورث به منفردا لم يرجح به ولذلك لم يرجح به في الميراث بالولاء ولا في غيره فعلى هذا إذا اجتمع ابن عم من أبوين وابن عم من أب هو أخ من أم فالولاية لابن العم من الأبوين عند من يرى تقديم ولد الأبوين
مسألة : قال : ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة ثم أولادهم وإن سفلوا ثم عمومة الأب
وجملته أن الولاية بعد من ذكرنا تترتب على ترتيب الإرث بالتعصيب فأحقهم بالميراث أحقهم بالولاية فأولاهم بعد الآباء بنو المرأة ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو أبيها وهم الإخوة ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جدها وهم الأعمام ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جد الأب وهم أعمام الأب ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جد الجد ثم بنوهم وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلى من بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم وأولى ولد كل أب اقربهم إليه لأن مبني الولاية على النظر والشفقة وذلك معتبر بمظنته وهي القرابة فأقربهم أشفقهم ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم
فصل : ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم والجد أب الأم ونحوهم نص عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة والثانية : أن كل من يرث بفرض أو تعصيب يلي لأنه من أهل ميراثها فوليها كعصباتها
ولنا ما روي عن علي أنه قال إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى إذا أدركن رواه أبو عبيد في الغريب ولأنه ليس من عصباتها فأشبه الأجنبي
مسألة : قال : ثم المولي المنعم ثم أقرب عصبته به
لا خلاف نعلمه في أن المرأة إذا لم يكن لها عصبة من نسبها أن مولاها يزوجها ولا في أن عصبة المناسب أولى منه وذلك لأنه عصبة مولاته يرثها ويعقل عنها عند عدم عصباتها فلذلك يزوجها وقدم عليه المناسبون كما قدموا عليه في الإرث والعقل فإن عدم المولى أو لم يكن من أهل الولاية كالمرأة والطفل والكافر فعصباته الأقرب منهم فالأقرب على ترتيب الميراث ثم مولى المولى ثم عصباته من بعده كالميراث سواء فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه فالابن أولى لأنه أحق بالميراث وأقوى في التعصيب وإنما قدم الأب المناسب على الابن المناسب لزيادة شفقته وفضيلة ولادته وهذا معدوم في أبي المعتق فرجع به إلى الأصل
مسألة : قال : ثم السلطان
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم وبه يقول مالك و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد وأصحاب الرأي والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فالسلطان ولي من لا ولي له ] وروى أبو داود بإسناده عن أم حبيبة أن النجاشي زوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت عنده ولأن للسلطان ولاية عامة بدليل أنه يلي المال ويحفظ الضوال فكانت له الولاية في النكاح كالأب
فصل : والسلطان ههنا هو الإمام أو الحاكم أو من فوضا إليه ذلك واختلفت الرواية عن أحمد في والي البلد فقال في موضع يزوج والي البلد وقال في الرستاق يكون فيه الوالي وليس فيه قاض يزوج إذا احتاط لها في المهر والكفء أرجو أن لا يكون به بأس لأنه ذو سلطان فيدخل في عموم الحديث وقال في موضع آخر في المرأة إذا لم يكن لها ولي فالسلطان المسلط على الشيء القاضي يقضي في الفروج والحدود والرجم وصاحب الشرطة إنما هو مسلط في الأدب والجناية وقال ما للوالي ولاية أنما هو القاضي وتأول القاضي الرواية الأولى على أن الوالي أذن له في التزويج ويحتمل أنه جعل له ذلك إذا لم يكن في موضع ولايته قاض فكأنه قد فوض إليه النظر فيما يحتاج إليه في ولايته وهذا منها
فصل : وإذا استولى أهل البغي في بلد جرى حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك مجرى الإمام وقاضيه لأنه أجرى مجراه في قبض الصدقات والجزية والخراج والأحكام فكذلك في هذا
فصل : واختلفت الرواية في المرأة تسلم على يد رجل فقال في موضع لا يكون وليا لها ولا يزوج حتى يأتي السلطان لأنه ليس من عصباتها ولا يعقل عنها ولا يرثها فأشبه الأجنبي وقال في رواية أخرى في امرأة أسلمت على يد رجل يزوجها هو وهو قول إسحاق وروي عن ابن مسعود أنه لا يفعل ذلك حتى يأتي السلطان وعن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يزوجها نفسه ولما روى أبو داود بإسناده [ عن تميم الداري أنه قال : يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يد الرجل من المسلمين ؟ قال : هو أولى الناس بمحياه ومماته ] إلا أن هذا الحديث ضعفه احمد وقال رواية عبد العزيز يعني ابن عمر بن عبد العزيز وليس هو من أهل الحغظ والإتقان
فصل : فإن لم يوجد للمراة ولي ولا ذو سلطان فعن احمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها فإنه قال في دهقان قرية يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر إذا لم يكن في الرستاق قاض قال ابن عقيل أخذ قوم من أصحابنا من هذه الرواية أن النكاح لا يقف على ولي قال وقال القاضي منصوص احمد يمنع من ذلك والصحيح أن هذا القول مختص بحال عدم الولي والسلطان لأنه شرط أن لا يكون في الرستاق قاض ووجه ذلك أن اشتراط الولي ههنا يمنع النكاح بالكلية فلم يجز كاشتراط المناسب في حق من لا مناسب لها وروي أنه لا يجوز النكاح إلا بولي لعموم الأخبار فيه

مسألة وفصول في التوكيل وأحكامه
مسألة : قال : ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا
وجملة ذلك أنه يجوز التوكيل في النكاح سواء كان الولي حاضرا أو غائبا مجبرا أو غير مجبر لأنه [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة ووكل عمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة ] ولأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه كالبيع ولأصحاب الشافعي في توكيل غير الأب والجد وجها أحدهما : لا يجوز لأنه يلي بالإذن فلم يجز التوكيل له كالتوكيل
ولنا أنه يلي شرعا فكان له التوكيل كالأب ولا يصح قولهم أنه يلي بالإذن فإن ولايته ثابتة قبل إذنها وإنما إذنها شرط لصحة تصرفه فأشبه ولاية الحاكم عليها ولا خلاف في أن للحاكم أن يستنيب في التزويج من غير إذن المرأة ولأن المرأة لا ولاية لها على نفسها فكيف لنائبها من قبلها ؟
فصل : ويجوز التوكيل مطلقا ومقيدا فالمقيد التوكيل في تزويج رجل بعينه والمطلق التوكيل في تزويج من يرضاه أو من يشاء قال احمد رحمه الله في رواية عبد الله في الرجل يولى على أخته وابنته يقول إذا وجدت من ترضاه فزوجها فتزويجه جائز ومنع بعض الشافعية التوكيل المطلق ولا يصح فإنه روي أن رجلا من العرب ترك ابنته عند عمر وقال إذا وجدت لها كفؤا فزوجه إياها ولو بشراك نعله فزوجها عمر من عثمان ابن عفان رضي الله عنه فهي أم عمرو بن عثمان واشتهر ذلك فلم ينكر ولأنه إذن في النكاح فجاز مطلقا كإذن المرأة أو عقد فجاز التوكيل فيه مطلقا والله أعلم
فصل : ولا يعتبر في صحة الوكالة إذن المرأة في التوكيل سواء كان الموكل إبا أو غيره ولا يفتقر إلى حضور شاهدين وقال بعض الشافعية لا يجوز لغير المجبر التوكيل إلا بإذن المرأة وخرجه القاضي على الروايتين في توكيل الوكيل من غير إذن الموكل وحكي عن الحسن بن صالح أنه لا يصح إلا بحضرة شاهدين لأنه يراد لحل الوطء فافتقر إلى الشهادة كالنكاح
ولنا أنه إذن من الولي في التزويج فلم يفتقر إلى إذن المرأة ولا إلى إشهاد كإذن الحاكم وقد بينا أن الولي ليس بوكيل للمرأة وهذا توكيل لا يملك به البضع فلم يفتقر إلى إشهاد بخلاف النكاح ويبطل ما ذكره الحسن ابن صالح بالتسري
فصل : ويثبت للوكيل ما يثبت للموكل وإن كل للولي الإجبار ثبت ذلك لوكيله وإن كانت ولايته ولاية مراجعة احتاج الوكيل إلى إذنها ومراجعتها لأنه نائب فيثبت له مثل ما ثبت لمن ينوب عنه وكذلك الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج فيكون المأذون له قائما مقامه
فصل : واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله هل يستفاد الولاية في النكاح بالوصية ؟ فروي أنها تستفاد بها وهو اختيار الخرقي لقوله أو وصى ناظرا له في التزويج وهو قول الحسن و حماد بن أبي سلمان و مالك وعنه لا تستفاد بالوصية وبه قال الثوري و الشعبي و النخعي و الحارث العكلي و أبو حنيفة و الشافعي و ابن المنذر لأنها ولاية تنتقل إلى غيره شرعا فلم يجز أن يوصى بها كالحضانة ولأنه لا ضرر على الوصي في تضييعها ووضعها عند من لا يكفائها فلم تثبت له الولاية كالأجنبي ولأنها ولاية نكاح فلم تجز الوصية بها كولاية الحاكم وقال أبو عبد الله بن حامد إن كان لها عصبة لم تجز الوصية بنكاحها لأنه يسقط حقهم بوصيته وإن لم يكن عصبة جاز لعدم ذلك
ولنا أنها ولاية ثابتة للأب فجازت وصيته بها كولاية المال ولأنه يجوز أن يتسبب فيها في حياته فيكون نائبه قائما مقامه بعد موته فجاز أن يستنيب فيها كولاية المال وما ذكوره يبطل بولاية المال فعلى هذا لا يصير وصيا في النكاح بالوصية إليه في المال لأنها إحدى الولايتين فلم يملكها بالوصية كالوصية الأخرى قياسا على وصية المال لا تملك بالوصية في النكاح
فصل : فعلى هذا تجوز الوصية بالنكاح من كل ذي ولاية سواء كان مجبرا كالأب أو غير مجبر كغيره ووصي كل ولي يقوم مقامه فإن كان الولي له الإجبار فكذلك وصيه وإن كان يحتاج إلى إذنها فوصيه كذلك لأنه يقوم مقامه فهو كالوكيل وقال مالك إن عين الأب الزوج مالك الوصي إجبارها صغيرة كانت أو كبيرة وإن لم يعين الزوج وكانت بنته كبيرة صحت الوصية واعتبر إذنها وإن كانت صغيرة انتظرنا بلوغها فإذا أذنت جاز أن يزوجها بإذنها
ولنا أن من ملك التزويج إذا عين له الزوج ملك مع الإطلاق كالوكيل ومتى زوج وكيل الأب الصغيرة فبلغت فلا خيار لها لأن الوصي قائم مقام الموصي فلم يثبت في تزويجه خيار كالوكيل

مسألة وفصلان
مسألة : قال : وإذا كان الأقرب من عصبتها طفلا أو كافرا أو عبدا زوجها الأبعد من عصبتها
وجملة ذلك أن الولاية لا تثبت لطفل ولا عبد ولا كافر على مسلمة بحال فعند ذلك يكون وجودهم كالعدم فثبتت الولاية لمن هو أبعد منهم كما لو ماتوا وتعتبر لثبوت الولاية لمن سمينا ستة شروط : العقل والحرية والإسلام والذكورية والبلوغ والعدالة على إختلاف نذكره فأما العقل فلا خلاف في إعتباره لأن الولاية إنما تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره أولى وسواء في هذا من لا عقل له لصغره كطفل ومن ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ إذا أفند
قال القاضي والشيخ الذي قد ضعف لكبره فلا يعرف موضع الحظ لها لا ولاية له فأما الإغماء فلا يزيل الولاية لأنه يزول عن قرب فهو كالنوم ولذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الأنبياء عليهم السلام ومن كان يجن في الأحيان لم تزل ولايته لأنه لا يستديم زوال عقله فهو كالإغماء
الشرط الثاني : الحرية فلا ولاية لعبد في قول جماعة أهل العلم فإن العبد لا ولاية له على نفسه فعلى غيره أولى وقال أصحاب الرأي يجوز أن يزوجها العبد بإذنها بناء على أن المرأة تزوج نفسها قد مضى الكلام في هذه المسألة
الشرط الثالث : الإسلام ولا يثبت لكافر ولاية على مسلمة وهو قول عامة أهل العلم أيضا قال ابن المنذر أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا قال أحمد بلغنا أن عليا أجاز نكاح الأخ ورد نكاح الأب وكان نصرانيا
الشرط الرابع : الذكورية شرط للولاية في قول الجميع لأنه يعتبر فيها الكمال والمرأة ناقصة قاصرة تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها فلا تثبت لها ولاية على غيرها أولى
الشرط الخامس : البلوغ شرط في ظاهر المذهب قال أحمد لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له أمر وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر و ابو ثور وعن احمد رواية أخرى أنه إذا بلغ عشرا زوج وتزوج وطلق وأجيزت وكالته في الطلاق وهذا يحتمله كلام الخرقي لتخصيصه المسلوب الولاية بكونه طفلا ووجه ذلك أنه يصح بيعه ووصيته في طلاقه فثبت له الولاية كالبالغ والأول اختيار أبي بكر وهو الصحيح لأن الولاية يصير لها كمال الحال لأنها تتقيد بالتصرف في حق غيره اعتبرت نظرا له والصبي مولى عليه لقصوره فلا تثبت له الولاية كالمرأة
الشرط السادس : العدالة في كونها شرطا روايتان إحداهما : هي شرط قال أحمد إذا كان القاضي مثل ابن الحلبي وابن الجعدي استقبل النكاح فظاهر هذا أنه أفسد النكاح لانتفاء عدالة المولى له وهذا قول الشافعي وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل قال ابن عباس قال أحمد أصح شيء في هذا قول ابن عباس وقد روي عن ابن عباس قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل ] وروي عن أبي بكر البرقاني بإسناده عن جابر قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل ] ولأنها ولاية نظرية فلا يستبدئها الفاسق كولاية المال والرواية الأخرى ليست بشرط
نقل مثنى بن جامع أنه سأل احمد إذا تزوج بولي فاسق وشهود عدول فلم ير أنه يفسد من النكاح شيء وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه ذكر الطفل والعبد والكافر ولم يذكر الفاسق وهو قول مالك و ابي حنيفة و أحد قولي الشافعي لأنه يلي نكاح نفسه فتثبت له الولاية على غيره كالعدل ولأن سبب الولاية القرابة وشرطها النظر وهذا قريب ناظر فيلي كالعدل
فصل : ولا يشترط أن يكون بصيرا لأن شعيبا عليه السلام زوج ابنته وهو أعمى ولأن المقصود في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة فلا يفتقر إلى النظر ولا يشترط كونه ناطقا بل يجوز أن يلي الأخرس إذا كان مفهوم الإشارة لأن إشارته تقوم مقام نطقه في سائر العقود والأحكام فكذلك في النكاح
فصل : ومن لم يثبت له الولاية لم يصح توكيله لأن وكيله نائب عنه وقائم مقامه وإن وكله الوالي في تزويج موليته لم يجز لأنها ولاية وليس هو من أهلها ولأنه لما لم يملك تزويج مناسبته بولاية النسب فلأن لا يملك تزويج مناسبة غيره بالتوكيل أولى ويحتمل أن يصح توكيل العبد والفاسق والصبي المميز في العقد لأنهم من أهل اللفظ بالعقد وعبارتهم فيه صحيحة ولذلك صح قبولهم النكاح لأنفسهم وإنما سلبوا الولاية نفسها لأنه يعتبر لها الكمال ولا حاجة إليه في اللفظ به فأما إن وكله الزوج في قبول النكاح له أو وكله الأب في قبول النكاح لابنه الصغير فقال أصحابنا لا يصح لأنه أحد طرفي العقد فلم يجز توكيله فيه كالإيجاب ويحتمل جواز وكيل من ذكرنا فيه لأنهم من أهله ويصح قبولهم النكاح لأنفسهم فجاز أن ينوبوا فيه عن غيرهم كالبيع وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي في العدة

مسألة يزوج أمة المرأة بإذنها من يزوجها
مسألة : قال : ويزوج أمة المرأة بإذنها من يزوجها
اختلفت الرواية عن أحمد فيمن يزوج أمة المرأة فروي عنه أنه يلي نكاحها والي سيادتها قال القاضي هذا هو الصحيح وهو مذهب الشافعي لأن مقتضى الدلي كون الولاية لها فامتنعت في حقها لقصورها فتثبت لأوليائها كولاية نفسها ولأنهم يلونها لو عتقت ففي حال رقها أولى ثم إن كانت سيدتها رشيدة لم يجز تزويج أمتها إلا بإذنها لأنها مالها ولا يجوز التصرف في مال رشيد بغير إذنه ويعتبر نطقها بذلك وإن كانت بكرا لأن صماتها إذا اكتفي به في تزويج نفسها لحيائها ولا تستحي من تزويج أمتها وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة ولوليها ولاية على مالها فله تزويج أمتها إن كان الحظ في تزويجها وإلا فلا يملك تزويجها وكذلك الحكم في أمة ابنه الصغير وقال بعض الشافعية ليس له تزويجها بحال لأن فيه تغريرا بمال الصغيرة لأنها ربما حملت فتلفت
ولنا أن التصرف بما فيه الحظ والتزويج ها هنا فيه الحظ لأن الكلام فيه فجاز كسائر التصرفات الجائزة واحتمال الحظ مرجوح لما فيه من تحصيل مهرها وولدها وكفاية مؤنتها وصيانتها عن الزنا الموجب للحد في حقها وبعض قيمتها والمرجوح كالمعدوم وإن كان وليها في مالها غير ولي في تزويجها فولاية تزويجها للولي في المال دون ولي التزويج لأنه هو المتصرف في المال وهي مال والرواية الثانية : أن للمرأة أن تولي أمر أمتها رجلا يزوجها نقلها عن أحمد جماعة لأن سبب الولاية الملك وقد تحقق في المرأة وامتنعت المناشزة لنقص الأنوثة فملكت التوكيل كالرجل المريض والغائب ونقل عن أحمد كلام يحتمل رواية ثالثة وهو أن سيدتها تزوجها فإنه قيل له تزوج أمتها ؟ قال قد قيل ذلك هي مالها وهذا يحتمل أنه ذهب إليه وهو قول ابي حنيفة لأنها مالكة لها وولايتها تامة عليها فملكت تزويجها كالسيد ولأنها تملك بيعها وإجارتها فملكت تزويجها كسيدها ولأن الولاية إنما تثبت على المرأة لتحصيل الكفاية وصيانة لحظ الأولياء في تحصليها فلا تثبت عليها الولاية في أمتها لعدم اعتبار الكفاية وعدم الحق للأولياء فيها ويحتمل أن احمد قال هذا حكاية لمذهب غيره فإنه قال في سياقها أحب إلي أن تأمر زوجها لأن النساء لا يعقدن وقد ذكرنا في خبر أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تنكح المرأة المرأة ] وقالت عائشة رضي الله عنها زوجوا فإن النساء لا يزوجن واعقدوا فإن النساء لا يعقدن ولأن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها فغيرها أولى

مسألة ويزوج مولاتها من يزوج أمتها
مسألة : قال : ويزوج مولاتها من يزوج أمتها
يعني عتيقتها وهذه فيها الروايتان إحداهما : أن لمولاتها التوكيل في تزويجها رجلا لأنها عصبتها وترثها بالتعصيب فأشبهت العتق والثانية : ولي سيدتها وهي الأصح لأن هذه ولاية لنكاح حرة والمرأة ليست من أهل ذلك فيكون إلى عصبتها لأنهم الذين يعقلون عنها ويرثونها بالتعصيب عند عدم سيدتها فكانوا أولياءها كما لو تعذر على المعتق تزويج معتقته لموت أو جنون وقد ذكرنا أنه إذا انقرض العصبة من النسب ولي المولى المعتق ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب كذا ها هنا إلا أن ظاهر كلام الخرقي ههنا تقديم أبي حنيفة المعتقة على ابنها لأنه الذي يزوجها وذكرنا ثم خلاف وهذا ويعتبر في ولائه شرطان أحدهما : عدم العصبة من النسب لأن المناسب أقرب من المعتق وأولى منه الثاني : إذن الزوجة لأنها حرة وليست له ولاية إجبار فإنه أبعد العصبات ولا يفتقر إلى إذن مولاتها لأنها لا ولاية لها ولا ملك فأشبهت قريب الطفل إذا زوج البعيد

فصل إذا كان لأمة مولى فهو وليها
فصل : وإذا كان للأمة مولى فهو وليها وإن كان لها موليان فالولاية لهما وليس لواحد منهما الاستقلال بالولاية بغير إذن صاحبه لأنه لا يملك إلا نصفها وإن اشتجرا لم يكن للسلطان أن ينوب عنهما لأن تزويجهما تصرف في المال بخلاف الحرة فإن نكاحها حق لها ونفعه عائد إليها ونكاح الأمة حق لسيدها ونفعه عائد إليه فلم يثبت للسلطان عنه فيه فإن أعتقها ولها عصبة مناسب فهو أولى منهما وإن لم يكن لها عصبة فهما ولياها ولا يستقل أحدهما بالتزويج لأن ولايته على نصفها فإن اشتجرا أمام الحاكم أقام الحاكم مقام الممتنع منهما لأنها صارت حرة وصار نكاحها حقا لها وإن كان المعتق أو المعتقة واحد وله عصبات في درجة واحدة كالابنين أو الأخوين فلأحدهما الاستقلال بتزويجها كما يملك تزويج سيدتها

مسألة و فصل : أحكام زواج الولي إذا أذنت له
مسألة : قال : من أراد أن يتزوج امرأة هو وليها جعل أمرها إلى رجل يزوجها منه بإذنها
وجملته أن ولي المرأة التي يحل له نكاحها وهو ابن العم أو المولى أو الحاكم أو السلطان إذا أذنت له أن يتزوجها فله ذلك وهل له أن يتولى طرفي العقد بنفسه ؟ فيه روايتان إحداهما : له ذلك وهو قول الحسن و ابن سيرين و ربيعة و مالك و الثوري و أبي حنيفة و إسحاق و أبي ثور و ابن المنذر لما روى البخاري قال : قال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم ابنة فارط أتجعلين أمرك إلي ؟ قالت نعم قال قد تزوجتك ولأنه يملك الإيجاب والقبول فجاز أن يتولاهما كما لو زوج أمته عبده الصغير ولأنه عقد وجد فيه الإيجاب من ولي ثابت الولاية والقبول من زوج هو أهل للقبول فصح كما لو وجدا من رجلين وقد [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ] فإن قيل قد روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح : زوج وولي وشاهدان ] قلنا هذا لا نعلم صحته وإن صح فهو مخصوص بمن زوج أمته عبده الصغير فيخص منه محل النزاع أيضا وهل يفتقر إلى ذكر الإيجاب والقبول أو يكتفى بمجرد الإيجاب ؟ فيه وجهان أحدهما : يحتاج أن يقول زوجت نفسي فلانة وقبلت هذا النكاح لأن ما يفتقر إلى الإيجاب يفتقر إلى القبول كسائر العقود والثاني : يكفيه أن يقول زوجت نفسي فلانة أو تزوجت فلانة وهو قول مالك و أبي حنيفة لحديث عبد الرحمن بن عوف ولأن إيجابه يتضمن القبول فأشبه إذا تقدم الاستدعاء ولهذا قلنا إذا قال لأمته قد أعتقتك وجعلت عتقك صداقك ينعقد النكاح بمجرد هذا القول
والرواية الثانية : لا يجوز أن يتولى طرفي العقد ولكن يوكل رجلا يزوجه إياها بإذنها قال احمد رحمه الله في رواية ابن منصور لا يزوج نفسه حتى يولي رجلا على حديث المغيرة بن شعبة وهو ما روى أبو داود بإسناده عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أمر رجلا زوجه امرأة المغيرة أولى بها منه ولأنه عقد ملكه بالإذن فلم يجز أن يتولى طرفيه كالبيع وبهذا فارق ما إذا زوج أمته عبده الصغير وعلى هذه الرواية إن وكل من يقبل له العقد وتولى هو الإيجاب جاز
وقال الشافعي في ابن العم والمولى لا يزوجها إلا الحاكم ولا يجوز أن يتولى طرفيه كالبيع ولا أن يوكل من يزوجه لأن وكيله بمنزلة وهذا عقد ملكه بالإذن فلا يتولى طرفيه كالبيع ولا يجوز أن يزوجه من هو أبعد منه من الأولياء لأنه لا ولاية لهم مع وجوده
ولنا ما ذكرناه من فعل الصحابة ولم يظهر خلافه ولأن وكيله يجوز أن يلي العقد لغيره فصح أن يليه عليها له إذا كانت تحل له كالإمام إذا أراد أن يزوج موليته ولأن هذه امرأة ولها ولي حاضر غير عاضل فلم يلها الحاكم كما لو أراد أن يزوجها غيره ومفهوم قوله عليه السلام : [ السلطان ولي من لا ولي له ] أنه لا ولاية على هذه
فصل : وإذا أذنت له في تزويجها ولم تعين الزوج لم يجز أن يزوجها نفسه لأن إطلاق الإذن يقتضي تزويجها غيره ويجوز تزويجها لولده لأنه غيره فإن زوجها لابنه الكبير قبل لنفسه وإن زوجها لابنه الصغير ففيه الروايتان في تولي طرفي العقد فإن قلنا لا يتولاه فوكل رجلا يزوجها لولده وقبل هو النكاح له افتقر إلى إذنها للوكيل على ما قدمنا من أن الوكيل لا يزوجها إلا بإذنها وإن وكل رجلا يقبل لولده النكاح وأوجب هو لم يحتج إلى إذنها لأنها قد أذنت له

فصل إذا زوج أمته عبده الصغير جاز له أن يتولى طرفي العقد
فصل : وإذا زوج أمته عبده الصغير جاز له أن يتولى طرفي العقد لأنه مالك ذلك بحكم الملك لا بحكم الإذن في قولهم جميعا وإن كان مالمكا لأحد طرفي العقد فوكله مالك الطرف الآخر فيه أو وكله الولي في الإيجاب والزوج في القبول خرج فيه وجهان بناء على الروايتين لأنه ملك ذلك بالإذن وإن زوج بنته الكبيرة عبده الكبير لم يجز ذلك إلا برضاها لأنه لا يكاد يكافئها فيخرج فيه أيضا وجهان وإن زوجه ابنته الصغيرة لم يجز لأنه لا يجوز تزويجها ممن لا يكافئها وعنه يجوز وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى

مسألة وفصل : أحكام تزويج الكافر المسلمة والمسلم الكافرة
مسألة : قال : ولا يزوج كافر مسلمة بحال ولا مسلم كافرة إلا أن يكون المسلم سلطانا أو سيد أمة
أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال بإجماع أهل العلم منهم مالك و الشافعي و أبو عبيد وأصحاب الرأي وقال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم وقال أبو الخطاب في الذمى إذا أسلمت أم ولده هل يلي نكاحها ؟ على وجهين أحدهما : يليه لأنها مملوكته فيلي نكاحها كالمسلم ولأنه عقد عليها فيليه كاجارتها والثاني : لا يليه لقول الله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } ولأنها مسلمة فلا يلي نكاحها كابنته فعلى هذا يزوجها الحاكم وهذا أولى لما ذكرنا من الإجماع وأما المسلم فلا ولاية له على الكافرة في غير السيد والسلطان وولي سيد الأمة الكافرة وذلك لقول الله تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } ولأن مختلفي الدين لا يرث أحدها الآخر ولا يعقل عنه فلم يل عليه كما لو كان أحدهما رقيقا وأما سيد الأمة الكافرة فله تزويجها لكافر لكونها لا تحل للمسلمين وكذلك ولي سيد الأمة الكافرة يلي تزويجها لكافر لأنها ولاية بالمال فلم يمنعها كون سيد الأمة الكافرة مسلما كسائر الولايات ولأن هذه تحتاج إلى التزويج ولا ولي لها غير سيدها فأما السلطان فله الولاية على من لا ولي لها من أهل الذمة لأن ولايته عامة على أهل دار الإسلام وهذه أهل الدار فتثبت له الولاية عليها كالمسلمة وأما الكافر فتثبت له الولاية على أهل دينه على حسب ما ذكرناه في المسلمين ويعتبر فيهم الشروط المعتبرة في المسلمين ويخرج في اعتبار عدالته في دينه وجهان بناء على الروايتين في اعتبارها في المسلمين
فصل : إذا تزوج المسلم ذمية فوليها الكافر يزوجها إياه ذكره أبو الخطاب وهو قول ابي حنيفة و الشافعي رضي الله عنه لأنه وليها فصح تزويجه كما لو زوجها كافرا ولأن هذه امرأة ولها ولي مناسب فلم يجز أن يليها غيره كما لو تزوجها ذمي وقال القاضي لا يزوجها إلا الحاكم لأن أحمد قال لا يعقد يهودي ولا نصراني عقد نكاح لمسلم ولا مسلمة ووجهه أنه عقد يفتقر إلى شهادة مسلمين فلم يصح بولاية كافر كنكاح المسلمين والأول أصح والشهود يرادون لإثبات النكاح عند الحاكم بخلاف الولاية

مسألة حكم تزويج الولي الأبعد مع حضور الأقرب
مسألة : قال : وإذا زوجها من غيره أولى منه وهو حاضر ولم يعضلها فالنكاح فاسد
هذه المسألة تشتمل على أحكان ثلاثة أحدها : أنه إذا زوجها الولي الأبعد مع حضور الولي الأقرب فأجابته إلى تزويجها من غير إذنه لم يصح وبهذا قال الشافعي وقال مالك يصح لأن هذا ولي له أن يزوجها بإذنها كالأقرب
ولنا أن هذا مستحق بالتعصيب فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث وبهذا فارق القريب البعيد
الحكم الثاني : أن هذا العقد بيع فاسد لا يقف على الإجازة ولا يصير بالإجازة صحيحا وكذلك الحكم إذا زوج الأجنبي أو زوجت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها أو تزوج العبد بغير إذن سيده فالنكاح في هذا كله باطل في أصح الروايتين نص أحمد عليه في مواضع وهو قول الشافعي و أبي عبيد و أبي ثور وعن أحمد رواية أخرى انه يقف على الإجازة فإن أجازه جاز وإن لم يجزه فسد قال أحمد في صغير زوجه عمه فإن رضي به في وقت من الأوقات جاز وإن لم يرض فسخ وإذا زوجت اليتيمة فلها الخيار إذا بلغت وقال إذا زوج العبد بغير إذن سيده ثم علم سيده فإن شاء أن يطلق عليه فالطلاق بيد السيد فإن أذن في التزويج فاطلاق بيد العبد وهذا قول أصحاب الرأي في كل مسألة يعتبر فيها الإذن وروي ذلك في النكاح بغير ولي عن علي بن أبي طالب وعن ابن سيرين و القاسم بن محمد و الحسن بن صالح و إسحاق و أبي يوسف و محمد لما روي [ أن جارية أتت النبي صلى ا لله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه و سلم ] رواه أبو داود و ابن ماجة
وروي [ أن فتاة أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت أن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسه قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكني أردت أن أعلم أن للنساء من الأمر شيئا ] رواه ابن ماجة و النسائي وفي رواية ابن ماجة أردت أن يعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء ولأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ] وقال : [ إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل ] رواه أبو داود و ابن ماجة إلا أن داود قال إنه موقوف على ابن عمر
ولأنه عقد لا تثبت فيه أحكامه من الطلاق والخلع واللعان والتوارث وغيرها فلم ينعقد كنكاح المعتدة فأما حديث المرأة التي خيرها النبي صلى الله عليه و سلم فهو مرسل عن عكرمة رواه الناس كذلك ولم يذكروا ابن عباس قاله أبو داود ثم يحتمل أن هذه المرأة هي التي قالت زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسة فتخييرها لتزويجها من غير كفئها وهذا يثبت الخيار ولا يبطل النكاح والوصية يتراخى فيها القبول وتجوز بعد الموت فهي معدول بها عن سائر التصرفات ولا تفريع على هذه الرواية لوضوحها فأما على الرواية الأخرى فإن الشهادة تعتبر في العقد لأنها شرط له فيعتبر وجودها معه كالقبول ولاتعتبر في الإجازة لأنها ليست بعقد ولأنها إذا وجدت استند الملك إلى حالة العقد حتى لو كان في العقد نماء ملك من حين العقد لا من حين الإجازة وإن مات أحدهما قبل الإجازة لم يرثه الآخر لأنه مات قبل تمام العقد وصحته وفيه وجه آخر إن كان مما لو رفع إلى الحاكم أجازه ورثه الآخر لأنه عقد يلزمه إجازته فهو كالصحيح وإن كان مما يفسخه لم يرثه

فصل حكم تزوج المرأة بغير إذن وليها
فصل : ومتى تزوجت المرأة بغير إذن وليها أو الأمة بغير إذن سيدها فقد ذكره أصحابنا من جملة الصورة التي فيها الروايتان والصحيح عندي أنه لا يدخل فيها لتصريح النبي صلى الله عليه و سلم فيه بالبطلان ولأن الاجازة إنما تكون لعقد صدر من أهله في محله فإن المرأة ليست أهلا له بدليل أنه لو أذن لها فيه لم يصح منها وإذا لم يصح مع الاذن المقارن فلأن لا يصح بالاجازة المتأخرة أولى ولا تفريع على هذا فأما على القول الآخر فمتى تزوجت المرأة بغير إذن الولي فرفع إلى الحاكم لم يملك إجازته والأمر فيه إلى الولي فمتى رده بطل لأن من وقف الحكم على إجازته بطل برده كالمرأة إذا زوجت بغير إذنها
وفيه وجه آخر أنه إذا كان الزوج كفؤا أمر إلى الحاكم الولي بإجازته فإن لم يفعل أجازه الحاكم لأنه لما امتنع من الإجازة صار عاضلا فانتقلت الولاية عنه إلى الحاكم كما في ابتداء العقد ومتى حصلت الإصابة قبل الإجازة ثم أجيز فالمهر واحد إما المسمى وإما مهر المثل إن لم يكن مسمى لأن الإجازة مستندة إلى حالة العقد فيثبت الحل والملك من حين العقد كما ذكرنا في البيع ولذلك لم يجب الحد ومتى تزوجت الأمة بغير إذن سيدها ثم خرجت من ملكه قبل الإجازة إلى من تحل له انفسخ النكاح لأنه قد طرأت استباحة صحيحة على موقوفة فأبطلتها ولأنها أقوى فأزالت الأضعف كما لو طرأ ملك يمينه على ملك نكاحه وإن خرجت إلى من لا تحل له كالمرأة أو اثنين فكذلك أيضا لأن العقد إذا وقف على إجازة شخص لم يجز بإجازة غيره كما لو باع أمة غيره ثم باعها المالك فأجاز المشتري الثاني بيع الأجنبي
وفيه وجه آخر أنه يجوز بإجازة المالك الثاني لأنه يملك ابتداء العقد فملك إجازته كالأول ولا فرق بين أن يخرج ببيع أو إرث أو هبة أو غيره فأما إن أعتقها السيد احتمل أن لا يجوز النكاح لأنه إنما وقف لحق المولى فإذا أعتق سقط حقه فصح العقد واحتمل أن لا يجوز لأن إبطال حق المولى ليس بإجازة ولأن حق المولى إن بطل من الملك فلك يبطل من ولاية التزويج فإنه يليها بالولاء

فصل حكم تزويج من يعتبر إذنها
فصل : وإذا زوجت التي يعتبر إذنها بغير إذنها وقلنا يقف على إجازتها فأجازتها بالنطق أو ما يدل على الرضا من التمكين من الوطء أو المطالبة بالمهر والنفقة ولا فرق في ذلك بين البكر و الثيب لأن أدلة الرضا تقوم مقام النطق به ولذلك [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لبريرة : إن وطئك زوجك فلا خيار لك ] جعل تمكينها دليلا على إسقاط حقها والمطالبة بالمهر والنفقة والتمكين من الوطء دليل على الرضى لأن ذلك من خصائص العقد الصحيح فوجوده من المرأة دليل رضاها به
الحكم الثالث : إذا عضلها الولي الأقرب انتقلت الولاية إلى الأبعد نص عليه أحمد وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان وهو اختيار أبي بكر وذكر ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه و شريح وبه قال الشافعي لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ] ولأن ذلك حق عليه امتنع من أدائه فقام الحاكم مقامه كما لو كان عليه دين وامتنع من قضائه
ولنا أنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فملكه الأبعد كما لو جن ولأنه يفسق بالعضل فتنتقل الولاية عنه كما لو شرب الخمر فن عضل الأولياء كلهم زوج الحاكم والحديث حجة لنا لقوله : [ السلطان ولي من لا ولي له ] وهذه لها ولي ويمكن جمله على ما إذا عضل الكل لأن قوله : [ فإن اشتجروا ] ضمير جميع يتناول الكل والولاية تخالف الدين من وجوه ثلاثة أحدها : أنها حق للولي والدين حق عليه
الثاني : أن الدين لا ينتقل عنه والولاية تنتقل لعارض من جنون الولي وفسقه وموته
الثالث : أن الدين لا يعتبر في بقائه العدالة والولاية يعتبر لها ذلك وقد زالت العدالة بما ذكرنا فإن قيل فلو زالت ولايته لما صح منه التزويج إذا أجاب إليه قلنا فسقه بإمتناعه فإذا أجاب فقد نزع عن المعصية وراجع الحق فزال فسقه فلذلك صح تزويجه والله أعلم

فصل معنى العضل وأحكام عضل الولي
فصل : ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه [ قال معقل بن يسار زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية : { ولا تعضلوهن } فقلت الآن أن أفعل يا رسول الله قال فزوجها إياه ] رواه البخاري وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه وبهذا قال الشافعي و أبو يوسف و محمد وقال أبو حنيفة لهم منعها من التزويج بدون مهر مثلها لأن عليهم في ذلك عارا وفيه ضررا على نسائها لنقص مهر مثلهن
ولنا أن المهر خالص حقها وعوض يختص بها فلم يكن لهم الاعتراض عليها فيه كثمن عبدها وأجرة دارها ولأنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كله فبعضه أولى ول [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لرجل أراد أن يزوجه التمس ولو خاتما من حديد ] و [ قال لامرأة زوجت بنعلين أرضيت بنعلين من نفسك ؟ قالت نعم فأجازه النبي صلى الله عليه و سلم ] وقولهم فيه عار عليهم ليس كذلك فإن عمر قال لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني غلو الصداق فإن رغبت في كفء بعينه وأراد تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ولا يكون عاضلا لها بهذا ولأنها لو زوجت من غير كفئها كان له فسخ النكاح فلأن تمتنع منه ابتداء أولى

مسألة وفصلان
مسألة : قال : وإذا كان وليها غائبا في موضع لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه زوجها من هو أبعد منه من عصبتها فإن لم يكن فالسلطان
الكلام في هذه المسألة في فصلين :
الفصل الأول : أن الأقرب إذا غاب غيبة متقطعة فللأبعد من عصبتها تزويجها دون الحاكم وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي يزوجها الحاكم لأنه تعذر الوصول إلى النكاح من الأقرب مع بقاء ولايته فيقوم الحاكم مقامه كما لو عضلها ولأن الأبعد محجوب بولاية الأقرب فلا يجوز له التزويج كما لو كان حاضرا ودليل بقاء ولايته أنه لو زوج من حيث هو أو وكل صح
ولنا قوله عليه السلام : [ السلطان ولي من لا ولي له ] وهذه لها ولي فلا يكون السلطان وليها ولأن الأقرب تعذر حصول التزويج منه فتثبت الولاية لمن يليه من العصبات كما لو جن أو مات ولأنها حالة يجوز فيها التزويج لغير الأقرب فكان ذلك للأبعد كالأصل وإذا عضلها الأقرب فهو كمسألتنا
والفصل الثاني : في الغيبة المتقطعة التي يجوز للأبعد التزويج في مثلها ففي قول الخرقي هي من لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه لأن مثل هذا تتعذر مراجعته بالكلية فتكون منقطعة أي ينقطع من إمكان تزويجها وقال القاضي يجب أن يكون حد المسافة أن لا تردد القوافل فيه في السنة إلا مرة لأن الكفء ينتظر سنو ولا ينتظر أكثر منها فيلحق الضرر بترك تزويجها
وقد قال أحمد في موضع : إذا كان الأب بعيد السفر يزوج الأخ قال أبو الخطاب فيحتمل أنه أراد بالسفر البعيد ما تقصر فيه الصلاة لأن ذلك هو السفر الذي علقت عليه الأحكام وذهب أبو بكر إلى أن حدها ما لا يقع إلا بكلفة ومشقة لأن أحمد قال إذا لم يكن ولي حاضر من عصبتها كتب إليهم حتى يأذنوا إلا أن تكون غيبة متقطعة لا تدرك إلا بكلفة ومشقة فالسلطان ولي من لا ولي له وهذا القول إن شاء الله تعالى أقربها إلى الصواب فإن التحديدات بابا التوقيف ولا توقيف في هذه المسألة فترد إلى ما يتعارفه الناس بينهم مما لم تجر العادة بالإنتظار فيه ويلحق المرأة الضرر بمنعها من التزويج مثله فإنه يتعذر في ذلك الوصول إلى المصلحة من نظر الأقرب فيكون كالمعدوم والتحديد بالعام كبير فإن الضرر يلحق بالإنتظار في مثل ذلك ويذهب الخاطب ومن لا يصل الكتاب منه أبعد ومن هو على مسافة القصر لا تلحق المشقة في مكاتبته والتوسط أولى والله أعلم
واختلف أصحاب أبي حنيفة في الغيبة المتقطعة فقال بعضهم كقول القاضي وبعضهم قال من الري إلى بغداد وبعضهم قال من البصرة إلى الرقة وهذان القولان يشبهان قول أبي بكر واختلف أصحاب الشافعي في الغيبة التي يزوج فيها الحاكم فقال بعضهم مسافة القصر وقال بعضهم يزوجها الحاكم وإن كان الولي قريبا وهو ظاهر نص الشافعي وظاهر كلام أحمد أنه إذا كانت الغيبة متقطعة أنه ينتظر ويراسل حتى يقدم أو يوكل

فصل المحبوس والأسير كالبعيد
فصل : وإن كان القريب محبوسا أو أسيرا في مسافة قريبة لا تمكن مراجعته فهو كالبعيد فإن البعد لم يعتبر لعينه بل لتعذر الوصول إلى التزويج بنظره وهذا موجود ههنا ولذلك إن كان غائبا لا يعلم قريب أم بعيد أو يعلم أنه قريب ولم يعلم مكانه فهو كالبعيد

مسألة إذا تزوجت المرأة من غير كفء فالنكاح باطل
مسألة : قال : وإذا زوجت من غير كفء فالنكاح باطل
اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الكفاءة لصحة النكاح فروي عنه أنها شرط له قال إذا تزوج المولى العربية فرق بينهما وهذا قول سفيان وقال أحمد في الرجل يشرب الشراب ما هو بكفء لها يفرق بينهما وقال لو كان المتزوج حائكا فرقت بينهما لقول عمر رضي الله عنه لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء رواه الخلال بإسناده
وعن أبي إسحاق الهمداني قال خرج سلمان و جرير في سفر فأقيمت الصلاة فقال جرير لسلمان تقدم أنت قال سلمان بل أنت تقدم فإنكم معشر العرب لا يتقدم عليكم في صلاتكم ولا تنكح نساؤكم إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه و سلم وجعله فيكم ولأن التزويج مع فقد الكفاءة تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذنه فلم يصح كما لو زوجها بغير إذنها
وقد روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تنكحوا النساء إلا من الأكفاء ولا تزوجوهن إلا الأولياء ] رواه الدار قطني إلا أن ابن عبد البر قال : هذا ضعيف لا أصل له ولا يحتج بمثله
والرواية الثانية عن أحمد أنها ليست شرطا في النكاح وهذا قول أكثر أهل العلم روي نحو هذا عن عمر وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن عمير وحماد بن أبي سلمان و ابن سيرين وابن عون و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي لقوله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وقالت عائشة رضي الله عنها إن أبا حذيفة و ابن عتبة بن ربيعة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند بنة الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من الأنصار أخرجه البخاري و [ أمر النبي صلى الله عليه و سلم فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد ومولاه فنكحها بأمره ] متفق عليه وزوج أباه زيد ابن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية وقال ابن مسعود لأخته أنشدك الله أن تتزوجي إلا مسلما وإن كان أحمر أو أسود حبشيا ولأن الكفاءة لا تخرج عن كونها حقا للمرأة أو الأولياء أولهما فلم يشترط وجودها كالسلامة من العيوب
وقد [ روي أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه و سلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : يا بني نياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه ] رواه ابو داود إلا أن أحمد ضعفه وأنكره إنكارا شديدا والصحيح أنها غير مشترطة وما روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة ولا يلزم منه اشترطها وذلك لأن الزوجة وكل واحد من الأولياء له فيها حق ومن لم يرض منهم فله الفسخ ولذلك لما زوج رجل ابنته من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته جعل النبي صلى الله عليه و سلم الخيار فأجازت ما صنع أبوها ولو فقد الشرط لم يكن لها خيار فإذا قلنا باشتراطها فإنما نعتبر وجودها حال العقد فإن عدمت بعده لم يبطل النكاح لأن شروط النكاح إنما تعتبر لدى العقد وإن كانت معدومة حال العقد فالنكاح فاسد حكمه حكم العقود الفاسدة على ما مضى فإن قلنا ليست شرطا فرضيت المرأة والأولياء كلهم صح النكاح وإن لم يرض بعضهم فهل يقع العقد باطلا من أصله أو صحيحا ؟ فيه روايتان عن أحمد وقولان لـ الشافعي
أحدها : أنه باطل لأن الكفاءة حق لجميعهم والعاقل متصرف فيها بغير رضاهم فلم يصح كتصرف الفضولي
والثانية : هو الصحيح بدليل أن المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه و سلم أن أباها زوجها من غير كفئها خيرها ولم يبطل النكاح من أصله ولأن العقد وقع بالإذن والنقص الموجود فيه لا يمنع صحته وإنما يثبت الخيار كالعيب من العنة وغيرها فعلى هذه الرواية لمن لم يرض الفسخ وبهذا قال الشافعي و مالك وقال أبو حنيفة إذا رضيت المرأة وبعض الأولياء لم يكن لباقي الأولياء فسخ لأن هذا الحق لا يتجزأ وقد أسقط بعض الشركاء حقه فسقط جميعه كالقصاص
ولنا أن كل واحد من الأولياء يعتبر رضاه فلم يسقط برضا غيره كالمرأة مع الولي فأما القصاص فلا يثبت لكل واحد كاملا فإذا سقط بعضه تعذر استيفاؤه وههنا بخلافه ولأنه لو زوجها بدون مهر مثلها ملك الباقون عندهم الإعتراض مع أنه خالص حقها فههنا مع أنه حق لهم أولى وسواء كانوا متساوين في الدرجة أو متفاوتين فزوج الأقرب مثل أن يزوج الأب بغير كفء فإن للإخوة الفسخ وقال مالك و الشافعي ليس لهم الفسخ إذا زوج الأقرب لأنه لا حق للأبعد معه فرضاؤه لا يعتبر
ولنا أنه ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاءة فملك الفسخ كالمتساويين

مسألة و فصول شروط الكفاءة وأحكامها
مسألة : قال : والكفء : الدين والمنصب
يعني بالمنصب الحسب وهو النسب واختلفت الرواية عن أحمد في شروط الكفاءة فعنه هما شرطان الدين والمنصب وعنه أنها خمسة هذان والحرية والصناعة واليسار
وذكر القاضي في لمجرد أن فقد هذه الثلاثة لا يبطل النكاح رواية واحدة وإنما الروايتان في الشرطين الأولين قال ويتوجه أن المبطلأنا عدم الكفاءة في النسب لا غير لأنه نقص لازم وما عداه غير لازم ولا يتعدى نقصه إلى الولد وذكر في الجامع الروايتين في جميع الشروط وذكره أبو الخطاب أيضا وقال مالك : الكفاءة في الدين لا غير قال ابن عبد البر هذا جملة مذهب مالك وأصحابه وعن الشافعي كقول مالك وقول آخر إنها الخمسة التي ذكرناها والسلامة من العيوب الأربعة فتكون ستة وكذلك قول أبي حنيفة و الثوري و الحسن بن حي إلا في الصنعة والسلامة من العيوب الأربعة ولم يعتبر محمد بن الحسن الدين إلا أن يكون ممن يسكر ويسخر معه الصبيان فلا يكون كفؤا لأن الغالب على الجند الفسق وبعد ذلك نقصا والدليل على إعتبار الدين قوله تعالى : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } ولأن الفاسق مرذول مردود الشهادة والرواية غير مأمون على النفس والمال مسلوب الولاية ناقص عند الله وعند خلقه قليل الحظ في الدنيت والآخرة فلا يجوز أن يكون كفؤا لعفيفه ولا مساويا لها لكن كفؤا لمثله فأما الفاسق من الجند فهو ناقص عند أهل الدين والمروءات
والدليل على اعتبار النسب في الكفاءة قول عمر لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء قال قلت وما الأكفاء ؟ قال في الأحساب رواه أبو بكر عبد العزيز بإسناده ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك نقصا وعارا فإذا أطلقت الكفاءة وجب حملها على المتعارف ولأن في فقد ذلك عارا ونقصا فوجب أن يعتبر في الكفاءة الدين
فصل : واختلفت الرواية عن أحمد فروي عنه أن غير قريش من العرب لا يكافئها وغير بني هاشم لا يكافئهم وهذا قول عن بعض أصحاب الشافعي لما روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ] ولأن العرب فضلت على الأمم برسول الله صلى الله عليه و سلم وقريش أخص به من سائر العرب وبنو هاشم أخص به من قريش وكذلك قال عثمان وجبير بن مطعم إن أخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم علينا لمكانك الذي وضعك الله به منهم
وقال أبو حنيفة لا تكافىء العجم العرب ولا العرب قريشا وقريش كلهم أكفاء لأن ابن عباس قال قريش بعضهم أكفاء بعض والرواية الثانية : عن أحمد أن العرب بعضهم لبعض أكفاء والعجم بعضهم لبعض أكفاء لأن النبي صلى الله عليه و سلم زوج ابنتيه عثمان وزوج أبا العاصي بن الربيع زينب وهما من بني عبد شمس وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسن بن علي وتزوج المصعب بن الزبير أختها سكينة وتزوجها أيضا عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنة الزبير بن عبد المطلب ابنة عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وزوج أبو بكر أخته أم فروة الأشعث بن قيس وهما كنديان وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس وهي من قريش ولأن العجم والموالي بعضهم لبعض أكفاء وإن تفاضلوا وشرف بعضهم على بعض وكذلك العرب
فصل : فأما الحرية فالصحيح أنها من شروط الكفاءة فلا يكون العبد كفؤا لحرة لأن النبي صلى الله عليه و سلم خير بريرة حين عتقت عبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الظاهرية فبالحرية المقارنة أولى لأن نقص الرق كبير وضرورة بين فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده ولا يتفق نفقة الموسرين ولا ينفق على ولده وهو كالمعدوم بالنسبة إلى نفسه ولا يمنع صحة النكاح ل [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لبريرة : لو راجعته قلت يا رسول الله أتأمرني ؟ قال : إنما أنا شفيع قالت فلا حاجة لي فيه ] رواه البخاري ومراجعتها له ابتداء النكاح فإنه قد انفسخ نكاحها بإختيارها ولا يشفع إليها النبي صلى الله عليه و سلم في أن تنكح عبدا إلا والنكاح صحيح
فصل : فأما اليسار ففيه روايتان : إحداهما : هو شرط في الكفاءة لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الحسب المال ] وقال : [ أن أحساب الناس بينهم في هذه الدنيا هذا المال ] و [ قال لفاطمة بنت قيس حين أخبراته أن معاوية خطبها : معاوية فصعلوك لا مال له ] ولأن على الموسرة ضررا في إعسار زوجها لإخلاله بنفقتها ومؤنة أولادها ولهذا ملكت الفسخ بإخلاله بالنفقة فكذلك إذا كان مقارنا ولأن معدود نقصا في عرف الناس يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب وأبلغ قال نبيه بن الحجاج السهمي :
( سألتاني الطلاق أن رأتاني ... قل مالي قد جئتماني بنكر )
( ويكأن من له نشب يحب ... ومن يفتقر يعش عيش ضر )
فكان من شروط الكفاءة كالنسب والرواية الثانية : ليس بشرط لأن الفقر شرف في الدين وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ] وليس هو أمرا لازما فأشبه العافية من المرض واليسار المعتبر ما يقدر به على الإنفاق عليها حسب ما يجب لها ويمكنه أداء مهرها
فصل : فأما الصناعة ففيها روايتان أيضا إحداهما : أنها شرط فمن كان من أهل الصنائع الدنيئة كالحائك والحجام والحارس والكساح والدباغ والقيم والحامي والزبال فليس بكفء لبنات ذوي المروءات أو أصحاب الصنائع الجليلة كالتجارة والبناية لأن ذلك نقص في عرف الناس فاشبه نقص النسب وقد جاء في الحديث [ العرب بعضهم لبعض أكفاء إلا حائكا أو حجاما ] قيل لـ أحمد رحمه الله : وكيف تأخذ به وأنت تضعفه ؟ قال العمل عليه يعني أنه ورد موافقا لأهل العرف وروي أن ذلك ليس بنقص ويروى نحو ذلك عن أبي حنيفة لأن ذلك ليس بنقص في الدين ولا هو لازم فأشبه الضعف والمرض قال بعضهم
( ألا إنما التقوى هي العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الذل والسقم )
( وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم )
وأما السلامة من العيوب فليس من شروط الكفاءة فأنه لا خلاف في أنه لا يبطل النكاح بعدمها ولكنها تثبت الخيار للمرأة دون الأولياء لأن ضرورة مختص بها ولوليها منعها من نكاح المجذوم والأبرص والمجنون وما عدا هذا فليس بمعتبر في الكفاءة
فصل : من أسلم أو عتق من العبيد فهو كفؤ لمن له أبوان في الإسلام والحرية وقال أبو حنيفة ليس بكفء وليس بصحيح فإن الصحابة رضي الله عنهم أكثرهم أسلموا وكانوا أفضل الأمة فلا يجوز أن يقال إنهم غير أكفاء للتابعين
فصل : فأما ولد الزنا فيحتمل أن لا يكون كفؤا لذات نسب فإن أحمد رحمه الله ذكر له أنه ينكح وينكح إليه فكأنه لم يحب ذلك لأن المرأة تعير به هي ووليها ويتعدى ذلك إلى ولدها وأما كونه ليس بكفء لعربية فلا إشكال فيه لأنه أدنى من المولى
فصل : والموالي بعضهم لبعض أكفاء وكذلك العجم قال أحمد رحمه الله في رجل من بني هاشم له مولاة يزوجها الخراساني وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ موالي القوم من أنفسهم ] هو في الصدقة فأما النكاح فلينكح وذكر القاضي رواية عن أحمد أن مولى القوم يكافئهم لهذا الخبر ولأن النبي صلى الله عليه و سلم زوج زيدا وأسامة عربيتين ولأن موالي بني هاشم ساووهم في حرمان الصدقة فيساووهم في الكفاءة وليس هذا بصحيح فإنه يوجب أن يكون الموالي أكفاء العرب فإن المولى إذا كفء سيده كان كفؤا لمن يكافئه سيده فيبطل اعتبار المنصب وقد قال أحمد : هذا الحديث في الصدقة لا في النكاح ولهذا لا يساووهم في استحقاق الخمس ولا في الإمامة ولا في الشرف وأما زيد وأسامة فقد استدل بنكاحهما عربيتين على أن فقد الكفاءة لا يبطل النكاح واعتذر أحمد عن تزويجهما بأنهما عربيان فإنهما من كلب وإنما طرأ عليهما رق فعلى هذا يكون حكم كل عربي الأصل
فصل : فأما أهل البدع فإن أحمد قال في الرجل يزوج الجهمي يفرق بينهما وكذلك إذا زوج الواقفي إذا كان يخاصم ويدعو إذا زوج أخته من هؤلاء اللقطة وقد كتب الحديث فهذا شر من جهمي يفرق بينهما وقال لا يزوج بنته من حروري مرق من الدين ولا من الرافضي ولا القدري فإذا كان لا يدعو فلا بأس وقال من لم يربع بعلي في الخلافة فلا تناكحوه ولا تكلموه قال القاضي والمقلد منهم يصح تزويجه ومن كان داعية منهم فلا يصح تزويجه
فصل : والكفاءة معتبر في الرجل دون المرأة فإن النبي صلى الله عليه و سلم لا مكافىء له وقد تزوج من أحياء العرب وتزوج صفية بنت حيي وتسري بالإماء وقال : [ من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ] متفق عليه ولأن الولد يشرف بشرف أبيه لا بأمه فلم يعتبر ذلك في الأم

مسألتان : إذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وليس لغير الأب
مسألة : قال : وإذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت كبيرة كانت أو صغيرة
أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفؤ ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من الطلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق ولا إذن لها فيعتبر و [ قالت عائشة رضي لله عنها : تزوجني النبي صلى الله عليه و سلم وأنا ابنة ست وبنى بي وأنا ابنة سبع ] متفق عليه ومعلوم أنها لم تكن في تل كالحال ممن يعتبر إذنها
وروى الأثرم أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له فقال ابنة الزبير إن مت ورثتني وإن عشت كانت امرأتي وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله منهما وأما البكر البالغة العاقلة فعن أحمد روايتان إحداهما : له إجبارها على النكاح وتزويجها بغير إذنها كالصغيرة وهذا مذهب مالك و ابن أبي ليلى و الشافعي و إسحاق
والثانية : ليس له ذلك واختارها أبو بكر وهو مذهب الأوزاعي و الثوري و أبي عبيد و أ [ ي ثور وأصحاب الرأي و ابن المنذر لما روى أبو هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت ] متفق عليه
وروى أبو داود و ابن ماجة عن ابن عباس [ أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه و سلم ] ولأنها جائزة التصرف في مالها فلم يجز إجبارها كالثيب والرجل
ووجه الرواية الأولى ما روي عن ابن عباس قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن وإذنها صماتها ] رواه مسلم و أبو داود فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق لأحدهما دل على نفيه عن الآخر وهي البكر فيكون وليها أحق منها بها ودل الحديث على الاستئمار ههنا والاستئذان مستحب في حديثهم ليس بواجب كما روى ابن عمر قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : آمروا النساء في بناتهن ] رواه أبو داود وحديث التي خيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم مرسل ويحتمل أنها التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسه فتخييرها لذلك ولأن ما لا يشترط في نكاح الصغيرة لا يشترط في نكاح الكبيرة كالنطق وقول الخرقي فوضعها في كفاءة يدل على أنه إذا زوجها من غير كفء فنكاحها باطل وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي لأنه لا يجوز له تزويجها من غير كفء فلم يصح كسائر الأنكحة المحرمة ولأنه عقد لموليته عقدا لا حظ لها فيه بغير إذنها فلم يصح كبيعه عقارها من غير غبطة ولا حاجة أو بيعه بدون ثمن مثله ولأنه نائب عنها شرعا فلم يصح تصرفه لها شرعا بما لا حظ لها فيه كالوكيل
والثانية : يصح لأنه عيب في المعقود عليه فلم يمنع الصحة كشراء المعيب الذي لا يعلم عيبه ويحتمل أن لا يصح النكاح إذا علم أن الزوج ليس بكفء ويصح إذا لم يعلم ولأنه إذا علم حرم عليه العقد فبطل لتحريمه بخلاف ما لم يعلمه كما لو اشترى لها معيبا يعلم عيبه ويحتمل أن يصح نكاح الكبيرة لأنه يمكن استدراك الضرر بإثبات الخيار لها فتفسخ إن كرهت وإن لم تفسخ كان كإجازتها وإذنها بخلاف نكاح الصغيرة على القول بصحته فإن كانت كبيرة فلها الخيار ولا خيار لأبيها إذا كان عالما لأنه أسقط حقه برضاه وإن كانت صغيرة فعليه الفسخ ولا يسقط برضاه لأنه يفسخ لحظها وحقها لا يسقط برضاه ويحتمل أن لا يكون له الفسخ ولكن يمنع الدخول عليها حتى تبلغ وتختار فإن كان لها ولي غير الأب فلها الفسخ على ما مضى وعلى كلتا الروايتين فلا يحل له تزويجها من غير كفء ولا من معيب لأن الله تعالى أقامه مقامها ناظرا لها فيما فيه الحظ ومتصرفا لها لعجزها عن التصرف في نفسها فلا يجوز له فعل ما لا حظ له فيه كما في مالها ولأنه إذا حرم عليه التصرف في مالها بما لا حظ فيه ففي نفسها أولى
مسألة : قال : وليس هذا لغير الأب
يعني ليس لغير الأب إجبار كبيرة ولا تزويج صغيرة جدا كان أو غيره وبهذا قال مالك و أبو عبيد و الثوري و ابن أبي ليلى وبه قال الشافعي إلا في الجد فإنه جعله كالأب لأن ولايته إيلاد فملك إجبارها كالأب وقال الحسن وعمر بن عبد العزيز و عطاء و طاوس و قتادة و ابن شبرمة و الأوزاعي و أبو حنيفة لغير الأب تزويج الصغيرة ولها الخيار إذا بلغت وقال هؤلاء غير أبي حنيفة إذا زوج الصغيرين غير الأب فلهما الخيار إذا بلغا
قال أبو الخطاب وقد نقل عبد الله عن أبيه كقول أبي حنيفة لأن الله تعالى قال : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } فمهومه أنه إذا لم يخف فله تزويج اليتيمة واليتيم من لم يبلغ لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يتم بعد احتلام ] قال عروة سألت عائشة عن قول الله تعالى : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ويشركها في مالها ويعجبه مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها بغير أن يسقط في صداقها فيعطيها مثلما يعطيها غيره فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا فيهن ويبلغوا أعلى سنتهن في الصداق متفق عليه ولأنه ولي في النكاح فملك التزويج كالأب
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ تستأمر اليتيمة في نفسها وإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها ] رواه أبو داود و النسائي وروي عن ابن عمر [ أن قدامة بن مظعون زوج ابن عمر ابنة أخيه عثمان فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها ] واليتيمة الصغيرة التي مات أبوها ولأن غير الأب قاصر الشفقة فلا يلي نكاح الصغيرة كالأجنبي وغير الجد لا يلي مالها فلا يستبد بنكاحها كالأجنبي ولأن الجد يلي بولاية غيره فأشبه سائر العصبات وفارق الأب فإنه يدلي بغير واسطة ويسقط الإخوة والجد ويحجب الأم عن ثلث المال إلى ثلث الباقي في زوج وأبوين أو زوجة وأبوين والآية محمولة على البالغة بدليل قول الله تعالى : { تؤتونهن ما كتب لهن } وإنما يدفع إلى الكبيرة أو نحملها على بنت تسع

فصل إذا بلغت الجارية تسع سنين
فصل : وإذا بلغت الجارية تسع سنين ففيها روايتان : إحداهما : أنها كمن لم تبلغ تسعا نص عليه في رواية الأثرم وهو قول الشافعي و أبي حنيفة وسائر الفقهاء قالوا حكم بنت تسع سنين حكم بنت ثمان لأنها غير بالغة ولأن إذنها لا يعتبر في سائر التصرفات فكذلك في النكاح
والرواية الثانية : حكمها حكم البالغة نص عليه في رواية ابن منصور لمفهوم الآية ودلالة الخبر بعمومها على أن اليتيمة تنكح بإذنها وإن أبت فلا جواز عليها وقد انتفى به الإذن فيمن دونها فيجب حمله على من بلغت تسعا
وقد روى الإمام أحمد بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ورواه القاضي بإسناده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم بمعناه في حكم المرأة ولأنها بلغت سنا يمكن فيه حيضها ويحدث لها حاجة إلى النكاح فيباح تزويجها كالبالغة فعلى هذا إذا زوجت ثم بلغت لم يمكن لها خيار كالبالغة إذا رزوجت وقد خطب عمر أم كلثوم ابنة أبي بكر بعد موته إلى عائشة فأجابته وهي لدون عشر لأنها إنما ولدت بعد أبيها وإنما كانت ولاية عمر عشرا فكرهته الجارية فتزوجها طلحة بن عبيد الله ولم ينكره منكر فدل ذلك على اتفاقهم على صحة تزويجها قبل بلوغها بولاية غير أبيها والله أعلم

مسألة استحباب استئذان البكر البالغة
مسألة : قال : ولو استأذن البكر البالغة والدها كان حسنا
لا نعلم خلافا في استحباب استئذانها فإن النبي صلى الله عليه و سلم قد أمر به ونهى عن النكاح بدونه وأقل أحوال ذلك الاستحباب ولأن فيه تطييب قلبها وخروجا من الخلاف و [ قالت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا ؟ فقال لها رسول الله : نعم تستأمر وقال : استأمروا النساء في أبضاعهن فإن البكر تستحي فتسكت فهو إذنها ] متفق عليهما
وروي عن عطاء قال : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يستأمر بناته إذا أنكحهن قال كان يجلس عند خدر المخطوبة فيقول أن فلانا يذكر فلانة فإن حركت الخدر لم يزوجها وإن سكتت زوجها ]

فصل ويسحتب استئذان المرأة في تزويج ابنتها
فصل : ويستحب استئذان المرأة في تزويج ابنتها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ آمروا النساء في بناتهن ] ولأنها تشاركه في النظر لابنتها وتحصيل المصلحة لها بشفقتها عليها وفي استئذانها تطييب قلبه وإرضاء لها فتكون أولى

مسألة إذا زوج ابنته الثيب بغير إذنها فالنكاح باطل
مسألة : قال : وإذا زوج ابنته الثيب بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيت بعد
وجملة ذلك أن البنت تقسم قسمين : كبيرة وصغيرة فأما الكبيرة فلا يجوز للأب ولا لغيره تزويجها إلا بإذنها في قول عامة أهل العلم إلا الحسن قال له تزويجها وإن كرهت و النخعي قال يزوج بنته إذا كانت في عياله فإن كانت بائنة في بيتها مع عيالها استأمرها قال إسماعيل بن إسحاق لا أعلم أحدا قال في البنت يقول الحسن وهو قول شاذ خالف فيه أهل العلم والسنة ف [ إن الخنساء ابنة حذام الأنصارية روت أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فرد نكاحه ] رواه البخاري والأئمة كلهم وقال ابن عبد البر هذا الحديث مجمع على صحته والقول به لا نعلم مخالفا له إلا الحسن وكانت الخنساء من أهل قباء وكانت تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فكرهته وشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر وروى أبو هريرة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تنكح الأيم حتى تستأمر ] متفق عليه وقال : [ الأيم أحق بنفسها من وليها ] وروى ابن عباس رضي الله عنه [ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ليس للولي مع الثيب أمر ] رواهما النسائي و أبو داود ولأنها رشيدة عالمة بالمقصود من النكاح مختبرة فلم يجز إجبارها عليه كالرجل
القسم الثاني : الثيب الصغيرة وفيها وجهان أحدهما : لا يجوز تزويجها وهو ظاهر قول الخرقي واختاره ابن حامد وابن بطة والقاضي ومذهب الشافعي لعموم الأخبار ولأن الإجبار يختلف بالبكارة والثيوبة لا بالصغر والكبر وهذه ثيب ولأن في تأخيرها فائدة وهو أن تبلغ فتختار لنفسها ويعتبر إذنها فوجب التأخير بخلاف البكر
الوجه الثاني : أن لأبيها تزويجها ولا يستأمرها اختاره أبو بكر وعبد العزيز وهو قول مالك و أبي حنيفة لأنها صغيرة فجاز إجبارها كالبكر والغلام يحقق ذلك أنها لا تزيد بالثيوبة على ما حصل للغلام بالذكورية ثم الغلام يجبر إذا كان صغيرا فكذا هذه والأخبار محمولة على الكبيرة فإنه جعلها أحق بنفسها من وليها والصغيرة لا حق لها
ويتخرج وجه ثالث وهو أن ابنة تسع سنين يزوجها وليها بإذنها ومن دون ذلك على ما ذكرنا من الخلاف لما ذكرنا في البكر والله أعلم

مسألة إذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات
مسألة : قال : وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات
أما الثيب فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن إذنها الكلام للخبر ولأن اللسان هو المعتبر عما في القلب وهو المعتبر في كل موضع يعتبر فيه الإذن غير أشياء أقيم الصمت مقامه لعارض
فأما البكر فإذنها صماتها في قول عامة أهل العلم منهم شريح و الشعبي و إسحاق و النخعي و الثوري و الأوزاعي و ابن شبرمة و أبو حنيفة ولا فرق بين كون الولي أبا أو غيره وقال أصحاب الشافعي في صمتها في حق غير الأب وجهان أحدهما : لا يكون إذنا لأن الصمات عدم الإذن فلا يكون إذنا ولأنه محتمل الرضا والحياء وغيرهما فلا يكون إذنا في حق الثيب وإنما اكتفى به في حق الأب لأن رضاها غير معتبر وهذا شذوذ عن أهل العلم وترك للسنة الصحيحة الصريحة يصان الشافعي عن إضافته إليه وجعله مذهبا له مع كونه من أتبع الناس لسنة رسول الله صلى ا لله عليه وسلم ولا يعرج منصف على هذا القول وقد تقدمت روايتنا [ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها ؟ قال أن تسكت ]
وفي وراية [ عن عائشة أنها قالت يا رسول الله إن البكر تستحي قال : رضاه صماتها ] متفق عليه وفي رواية : [ واليتيمة تستأمر فصمتها إقرارها ] رواه النسائي وفي رواية : [ تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها ] وهذا صريح في غير ذات الأب
وروى الأثرم عن عدي الكندي [ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صماتها ] والأخبار في هذا كثيرة ولأن الحياء عقلة على لسانها يمنعها النطق بالإذن ولا تستحي من إبائها وامتناعها فإذا سكتت غلب على الظن أنه لرضاها فاكتفي به وما ذكروه يفضي إلى أن لا يكون صماتها إذنا في حق الأب أيضا لأنهم جعلوا وجوده كعدمه فيكون إذا ردا على النبي صلى الله عليه و سلم بالكلية واطراحا للأخبار الصريحة الجلية وخرقا لإجماع الأمة المرضية

فصل النطق بالإذن أبلغ من الصمات
فصل : فإن تطقت بالإذن فهو أبلغ وأتم في الإذن من صمتها وإن بكت أو ضحكت فهو بمنزلة سكوتها وقال أبو يوسف و محمد ان بكت فليس بإذن لأنه يدل على الكراهية وليس بصمت فيدخل في عموم الحديث
ولنا ما روى أبو بكر يإسناده عن أبي هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تستأمر اليتيمة فإن بكت أو سكتت فهو رضاها وإن أبت فلا جواز عليها ] ولأنها ناطقة بالإمتناع مع سماعها للإستئذان فكان إذنا منها كالصمات والضحك والبكاء يدل على فرط الحياء لا على الكراهية ولو كرهت لامتنعت فإنها لا تستحي من الامتناع والحديث يدل بصريحة على أن الصمت إذن وبمعناه على ما في معناه من الضحك والبكاء وكذلك أقمنا الضحك مقامه

فصلان في الثيب المعتبر نطقها
فصل : والثيب المعتبر نطقها هي الموطوءة في القبل سواء كان الوطء حلالا أو حراما وهذا مذهب الشافعي وقال مالك و أبو حنيفة في المصابة بالفجور حكمها حكم البكر في إذنها وتزويجها لأن علة الإكتفاء بصمات البكر الحياء والحياء من الشيء لا يزول إلا بمباشرته بالإذن في النكاح فيبقى حياؤها منه بحاله
ولنا قوله صلى الله عليه و سلم : [ الثيب تعرب عن نفسها ] ولأن قوله صلى الله عليه و سلم : [ لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن وإذنها أن تسكت ] يدل على أنه لا بد من نطق الثيب لأنه قسم النساء قسمين فجعل السكوت إذنا لأحدهما فوجب أن يكون الآخر بحاله وهذه ثيب فإن الثيب هي الموطوءة في القبل وهذه كذلك ولأنه لو أوصى لثيب النساء دخلت في الوصية ولو أوصى للإبكار لم تدخل ولو اشترطها في التزويج أو الشراء بكرا فوجدها مصابة بالزنا ملك الفسخ ولأنها موطوءة في القبل فأشبهت الموطوءة بشبهة والتعليل بالحياء غير صحيح فإنه أمر خفي لا يمكن اعتباره بنفسه وإنما يعتبر بمظنته وهي البكارة ثم هذا التعليل يفضي إلى إبطال منطوق الحديث فيكون باطلا في نفسه ولا فرق بين المكرهة والمطاوعة وعلى هذا ليس لنا إجبارها إذا كانت بالغة وفي تزويجها إن كانت صغيرة وجهان وقولهم أنها لم تباشر الإذن قلنا يبطل بالموطوءة بشبهة أو في ملك يمين والمزوجة وهي صغيرة
فصل : وإن ذهبت عذرتها بغير جماع كالوثبة أو شدة حيضة أو بأصبع أو عود ونحوه فحكمها حكم الأبكار ذكره ابن حامد لأنها لم تختبر المقصود ولا وجد وطؤها في القبل فأشبهت من لم تزل عذرتها ولو وطئت في الدبر لم تصر ثيبا ولا حكمها لأنها غير موطوءة في القبل

لفصل إذا اختلف الزوج والمرأ ةفي إذنها في تزويجها قبل الدخول فالقول قولها
فصل : إذا اختلفت الزوج والمرأة في إذنها في تزويجها قبل الدخول فالقول قولها في قول أكثر الفقهاء وقال زفر في الليث كقول أهل العلم وفي البكر القول قول الزوج لأن الأصل السكوت والكلام حادث فالزوج يدعي الأصل فالقول قوله
ولنا أنها منكرة الإذن والقول قول المنكر ولأنه يدعي أنها استؤذنت وسمعت فصمتت والأصل عدم ذلك وهذا جواب عن قوله وإن اختلفا بعد الدخول فقال القاضي القول قول الزوج ولأن التمكين من الوطء دليل على ألإذن وصحة النكاح وكان الظاهر معه وهل تستحلف المرأة إذا قلنا القول قولها ؟ قال القاضي قياس المذهب أنه لا يمين عليها كما لو ادعى أنه زوجها فأنكرته وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي و أبو يوسف و محمد تستحلف فإن نكلت فقال أبو يوسف و محمد يثبت النكاح وقال الشافعي يستحلف الزوج ويثبت النكاح
ولنا أنه اختلاف في زوجية فلا يثبت بالنكول ولا يحلف المدعي معه كما لو ادعى الزوج أصل التزويج فأنكرته فإن كانت المرأة ادعت أنها أذنت فأنكر ورثة الزوج فالقول قولها لأنه اختلاف في أمر يختص بها صادر من جهتها فالقول قولها فيه كما لو اختلفوا في نيتها فيما تعتبر فيه نيتها ولأنها تدعي صحة العقد وهم يدعو فساده فالظاهر معها

فصل في المجنونة
فصل في المجنونة : إن كانت ممن تجبر لو كانت عاقلة جاز تزويجها لم يملك إجبارها لأنه إذا ملك إجبارها مع عقلها وامتناعها فمع عدمه أولى وإن كانت ممن لا يجبر انقسمت ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون وليها للأب أو وصية كالثيب الكبيرة فهذه يجوز لوليها تزويجها ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه جعل للأب تزويج المعتوه فالمرأة أولى وهذا قول الشافعي و أبي حنيفة ومنع منه أبة بكر لأنها ولاية إجبار وليس على الثيب ولاية إجبار والأول أصح فإن ولاية الإجبار إنما انتفت عن العاقلة لرأيها لحصول المباشرة منها والخبرة وهذه بخلاف ذلك وكذلك الحكم في الثيب الصغيرة إذا قلنا بعدم الإجبار في حقها إذا كانت عاقلة
القسم الثاني : أن يكون وليها الحاكم ففيها وجهان : أحدهما : ليس له تزويجها بحال لأن هذه ولاية إجبار فلا تثبت لغير الأب كحال عقلها والثاني : له تزويجها إذا ظهر منها شهوة للرجال كبيرة كانت أو صغيرة وهو إختيار ابن حامد وأبي الخطاب وقول أبي حنيفة لأن بها حاجة إليه لدفع ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل المهر والنفقة والعفاف وصيانة العرض ولا سبيل إلى إذنها فأبيح تزويجها كالثيب مع أبيها وكذلك ينبغي أن يملك تزويجها وإن قال أهل الطب ان علتها تزول بتزويجها لأن ذلك من أعظم مصالحها وقال الشافعي لا يملك تزويج الصغيرة بحال ويملك تزويج الكبيرة إذا قال أهل الطب ان علتها تزول بتزوجها
ولنا أن المعنى المبيح للتزويج وجد في حق الصغيرة فأبيح تزويجها كالكبيرة إذا ظهرت منها شهوة الرجال ففي تزويجها مصلحتها ودفع حاجتها فأشبه ما لو قال أهل الطب أنه يزيل علتها وتعرف شهوتها من كلامها وقرائن أحوالها كتتبعها الرجال وميلها إليهم وأشباه ذلك القسم الثالث : من وليها غير الأب والحامن فقال القاضي لا يزوجها غير الحاكم فيكون حكمها حكم القسم الثاني على ما بيناه
وقال أبو الخطاب لهم تزويجها في الحال التي يملك الحاكم تزويج موليته فيها وهذا قول أبي حنيفة لأن ولايتهم مقدمة على ولاية الحاكم فقدموا عليه في التزويج كما لو كانت عاقلة ووجه قول القاضي أن الحاكم هو الناظر لها في مالها دونهم فيكون واليا دونهم كتزويج أمتها ولأن هذا دفع حاجة ظاهرة فكانت إلى الحاكم كدفع حاجة الجوع والعري فإن كان لها وصي في مالها لم يتملك تزويجها لأنه لا ولاية له في نكاحها والحكم في تزويجها حكم من وليها غير الأب والحاكم علة ما ذكرنا

مسألة حكم الزواج بدون صداق المثل
مسألة : قال : وإذا زوج ابنته بدون صداق مثلها ثبت النكاح بالمسمى وإن فعل ذلك غير الأب ثبت النكاح وكان لها مهر مثلها
وجملة ذلك أن للأب تزويج ابنته بدون صداق مثلها بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة وبهذا قال أبو الخطاب و مالك وقال الشافعي ليس له ذلك فإن فعل فلها مهر مثلها لأنه عقد معاوضة فلم يجز أن ينقص فيه عن قيمة المعوض كالبيع ولأنه تفريط في مالها وليس له ذلك
ولنا أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال ألا تغالوا في صداق النساء فما أصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدا من نسائه ولا أحدا من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون صداق المثل وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو من سادات قريش شرفا و علما ودينا ومن المعلوم أنه لم يكن مهر مثلها ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض وإنما المقصود السكن والازدواح ووضع المرأة عند من يكفيها في منصب ويصونها ويحسن عشرتها والظاهر من الأب تمام شفقته وبلوغ نظره أنه لا ينقصها من صداقها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح فلا ينبغي أن يمنع من تحصيل المقصود بتفويت غيره ويفارق سائر عقود المعاوضات فإن المقصود فيها العوض فلم يجز تفويته فأما غير الأب فليس له أن ينقصها من مهر مثلها فإن زوج بدون ذلك صح النكاح لأن فساد التسمية وعدمها لا يؤثر في النكاح ويكون لها مهر مثلها لأنه قيمة بضعها وليس للولي نقصها منه فرجعت إلى مهر مثلها والله أعلم

فصل تمام المهر على الزوج
فصل : وتمام المهر على الزوج لأن التسمية ههنا فاسدة لكونها غير مأذون فيها شرعا فوجب على الزوج مهر المثل كما لو زوجها بمحرم وعلى الولي ضمانه لأنه المفرط فكان عليه الضمان كما لو باع مالها بدون ثمن مثله
قال أحمد أخاف أن يكون ضامنا وليس الأب مثل الولي ولا تملك المرأة الفسخ لأنه قد حصل لها وجوب مهر مثلها والله أعلم

مسألة وفصول
مسألة : قال : ومن زوج غلاما غير بالغ أو معتوها لم يجز إلا أن يزوجه والده أو وصي ناظر له في التزويج
الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة :
الفصل الأول : أنه ليس لغير الأب أو وصية تزويج الغلام قبل بلوغه وقال القاضي المجرد للحاكم تزويجه لأنه يلي ماله وقال الشافعي يملك ولي الصبي تزويجه ليألف حفظ فرجه عند بلوغه وليس بسديد فإن غير الأب لا يملك تزويج الجارية الصغيرة فالغلام أولى وفارق الأب ووصيه فإن لهما تزويج الصغيرة وولاية الإجبار وسواء أذن الغلام في تزويجه أو لم يأذن فإنه لا إذن له
الفصل الثاني : في المعتوه وهو الزائل العقل بجنون مطبق ليس لغير الأب ووصيه تزويجه وهذا قول مالك وقال أبو عبد الله بن حامد للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة النساء بأن يتبعهن ويريدهن وهذا مذهب الشافعي لأن ذلك من مصالحه وليس له حال ينتظر فيها إذنه وقد ذكرنا توجيه الوجهين في تزويج المجنونة وينبغي على هذا القول أن يجوز تزويجه إذا قال أهل الطب إن في تزويجه ذهاب علته لأنه من أعظم مصالحه والله أعلم
الفصل الثالث : أن للأب أو وصيه تزويجهما سواء كان الغلام عاقلا أو مجنونا وسواء كان الجنون مستداما أة طارئا فأما الغلام السليم من الجنون فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن لأبيه تزويجه كذلك قال ابن المنذر وممن هذا مذهبه الحسن و الزهري و قتادة و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و الشافعي وأصحاب الرأي فلأبيه تزويجه وقال الشافعي لا يجوز لأنه يلزمه التزويج حقوقا من المهر والنفقة مع عدم حاجته فلم يجز له ذلك كغيره من الأولياء
ولنا أنه غير بالغ فملك أبوه تزويجه كالعاقل ولأنه إذا ملك تزويج العاقل مع أن له مع احيتاجه إلى التزويج رأيا ونظرا لنفسه فلأن يجوز تزويج من لا يتوقع فيه ذلك أولى وفارق غير الأب فإنه لا يملك تزويج العاقل وأما البالغ المعتوه فظاهر كلام أحمد و الخرقي أن للأب تزويجه مع ظهور أمارات الشهوة وعدمها وقال القاضي إنما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه وهو مذهب الشافعي لأن في تزويجه مع عدم حاجته اضرارا به بإلزامه حقوقا لا مصلحة له في التزامها وقال ابو بكر ليس للأب تزويجه بحال لأنه رجل فلم يجز إجباره على النكاح كالعاقل وقال زفر أن طرأ عليه الجنون بعد البلوغ لم يجز تزويجه وإن كان مستداما جاز
ولنا أنه غير مكلف فجاز لأبيه تزويجه كالصغير فإنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته في الحال وتوقع نظره عند الحاجة فههنا أولى
ولنا على التسوية بين الطارىء والمستدام أنه معنى يثبت الولاية طارئة ومستدامه كالرق ولأنه جنون يثبت الولاية على ماله فأثبتها عليه في النكاح كالمستدام فأما اعتبار الحاجة فلا بد منها فإنه لا يجوز لوليه تزويجه إلا إذا رأى المصلحة فيه غير أن الحاجة لا تنحصر في قضاء الشهوة فقد تكون حاجته إلى الإيواء والحفظ وربما كان دواء له ويترجى به شفاؤه فجاز التزويج له كقضاء الشهوة والله أعلم
فصل : ومن يفيق في الأحيان لا يجوز تزويجه إلا بإذنه لأن ذلك ممكن ومن أمكن أن يتزوج لنفسه لم تثبت الولاية عليه كالعاقل ولو زال عقله ببرسام أو مرض مرجو الزوال فهو كالعاقل فإن ذلك لا يثبت الولاية على ماله فعلى نفسه أولى وإن لم يرج زواله فهو داخل فيما ذكرناه
الفصل الرابع : أن وصي الأب في النكاح بمنزلته على ما ذكرنا في ثبوت الولاية للوصي على المرأة وفي هذا من الخلاف مثل ما فيه وإنما يثبت ذلك لوصي الأب في التزويج خاصة فإن كان وصيا في المال لم تكن له ولاية في التزويج لأنه إنما يستفيد بالتصرف بالوصية فلا يملك ما لم يوص به إليه ووصي غير الأب لا ولاية له على صبي أو مجنون لأن الموصي لا يملك ذلك فوصيه أولى
فصل : وإن تزوج لصغير أو مجنون فإنه يقبل لهما النكاح ولا يجوز أن يأذن لهما في قبوله لأنهما ليسا من أهل التصرف وإن كان الغلام ابن عشر وهو مميز فقياس المذهب جواز تفويض القبول إليه حتى يتولاه بنفسه كما يفوض أمر البيع إليه ولأنه يملك إيقاع الطلاق بنفسه وإن تزوج له الولي جاز كما يجوز أن يبتاع له وهذا على الرواية التي تقول بصحة ووقع طلاقه وإن قلنا لا يصح ذلك منه فهذا أولى
فصل : وذكر القاضي أنه لا يجوز أن يتزوج لهما بزيادة على مهر المثل لأنه معاوضة في حق الغير فلم تجز الزيادة فيها على عوض المثل كبيع ماله وهذا مذهب الشافعي وقد ذكرنا أن للأب تزويج ابنته بدون صداق مثلها فهذا مثله فإنه قد يرى المصلحة في ذلك فجاز له بذل المال فيه كما يجوز في مداواته بل الوصول ههنا أولى فإن الغالب أن المرأة لا ترضى بتزويج مجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول إليه بدون بخلاف المرأة و ذكر القاضي في المجرد أن قياس المذهب أنه لا يزوجه بأكثر من امرأة واحدة لعدم حاجته إلى زيادة عليها فيكون بذلا لماله فيما لا حاجة به إليه وذكر في الجامع أن له تزويج ابنه الصغير بأربع لأنه قد يرى المصلحة فيه وليس له تزويجه بمعيبة عيبا يرد به في النكاح لأن فيه ضررا به وتفويتا لماله فيما لا مصلحة له فيه فإن فعل خرج في صحة النكاح وجهان فإن قلنا يصح فهل للولي الفسخ في الحال ؟ على وجهين مضى توجيههما في تزويج الصغيرة بمعيب ومتى لم يفسخ حتى بلغ الصبي أو عقل المجنون فلهما الفسخ وليس له تزويجه بأمة لأن إباحتها مشروطة بخوف العنت وهو معدوم في حق الصبي غير معدوم في المجنون
فصل : وإذا زوج ابنة تعلق الصداق بذمة الابن موسرا كان أو معسرا لأنه عقد للاين فكان عليه بذله كثمن المبيع وهل يضمنه الأب ؟ فيه روايتان : احداهما : يضمنه نص عليه فقال تزويج الأب لابنه الطفل جائز ويضمن الأب المهر لأنه التزم العوض عنه فضمنه كما لو نطق بالضمان والأخرى : لا يضمنه لأنه عقد معاوضة ناب فيه عن غيره فلم يضمن عوضه كثمن مبيعه أو كالوكيل قال القاضي هذا أصح وقال إنما الروايتان فيما إذا كان معسرا أما الموسر فلا يضمن الأب عنه رواية واحدة فإن طلق قبل الدخول سقط نصف الصداق فإن كان ذلك بعد دفع الأب الصداق عنه رجع نصفه إلى الابن وليس للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع في الهبة لأن الابن ملكه بالطلاق عن غير أبيه فأشبه ما لو وهبه الأب أجنبيا ثم وهبه الأجنبي للابن ويحتمل أن يرجع فيه لأنه تبرع عن ابنه فلم يستقر الملك حتى استرجعه الابن وكذلك الحكم فيما لو قضى الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول وإن ارتدت قبل الدخول فالحكم في الرجوع في جميعه كالحكم في الرجوع في النصف بالطلاق

فصل نكاح المحجور عليه للسفه وأحواله
فصل : في المحجور عليه للسفه والكلام في نكاحه في ثلاثة أحوال أحدها : أن لوليه تزويجه إذا علم حاجته إلى النكاح لأنه نصب لمصالحه وهذا من مصالحه لأنه يصوت به دينه وعرضه ونفسه فإنه ربما تعرض بترك التزويج للإثم بالزنا والحد وهتك العرض وسواء علم بحاجته بقوله أو بغير قوله وسواء كانت حاجته بالإستمتاع أو إلى الخدمة فيزوجه امرأة لتحل له لأنه يحتاج إلى الخلوة بها وإن لم يكن به حاجة إليه لم يجز تزويجه لأنه يلزمه بالنكاح حقوقا من المهر والنفقة والعشرة والمبيت والسكنى فيكون تضييعا لماله ونفسه في غير فائدة فلم يجز كتبذير ماله وإذا أراد تزويجه استأذنه في تزويجه فإن زوجه بغير إذنه فقال أصحابنا يصح لأنه عقد معاوضة فملكه الولي في حق المولي عليه كالبيع ولأنه محجور عليه أشبه الصغير والمجنون ويحتمل أن لا يملك تزويجه بغير إذنه لأنه يملك الطلاق فلم يجبر على النكاح كالرشيد والعبد الكبير وذلك لأن إجباره على النكاح مع ملك الطلاق مجرد اضرار فإنه فيلزمه الصداق مع فوات النكاح ولأنه قد يكون له غرض في امرأة ولا يكون له في أخرى فإذا أجبر على من يكرهها لم تحصل له المصلحة منها وفات عليه غرضه من الأخرى فيحصل مجرد ضرر مستغنى عنه وإنما جاز ذلك في حق المجنون والطفل لعدم إمكان الوصول إلى ذلك من قولهما ولم يتعذر ذلك ههنا فوجب أن لا يفوت ذلك عليه كالرشيد
الحال الثاني : أن للولي أن يأذن له في التزويج في الحال التي للولي تزويجه فيها وهي حالة الحاجة لأنه من أهل النكاح فإنه عاقل مكلف ولذلك يملك الطلاق والخلع فجاز أن يفوض إليه ذلك ثم هو مخير بين أن يعين له المرأة أو يأذن له مطلقا وقال بعض الشافعية يحتاج إلى التعيين لئلا يتزوج شريفة يكثر مهرها ونفقتها فيتضرر بذلك
ولنا أنه إذن في النكاح فجاز من غير تعيين كالإذن للعبد وبهذا يبطل ما ذكروه ولا يتزوج إلا بمهر المثل فإن زاد على مهر المثل بطلت الزيادة لأنها محاباة بماله ولا يمكلها وإن نقص عن مهر المثل جاز لأنه ربح من غير خسران
الحال الثالث : إذا تزوج بغير إذن فقال أبو بكر يصح النكاح أومأ إليه أحمد قال القاضي يعني إذا كان محتاجا فإن عدمت الحاجة لم يجز لأنه إتلاف لماله في غير فائدة وقال أصحاب الشافعي إن أمكنه استئذان وليه لم يصح إلا بإذنه لأنه محجور عليه فلم يصح منه التصرف بغير إذن كالعبد وإن طلب منه النكاح فأبى أن يزوجه ففيه وجهان
ولنا أنه احتاج إلى النكاح فحقه متعين فيه فصح استيفاؤه بنفسه كما لو استوفى دينه الحال عند امتناع وليه من استيفائه فأما إن تزوج من غير حاجة لم يصح فإن وطىء الزوجة فعليه مهر المثل لأنه أتلف بضعها بشبهة فلزمه عوض ما أتلف كما لو أتلف مالها

فصل ليس لغير الأب تطليق امرأة المولى عليه
فصل : وليس لغير الأب تطليق امرأة المولى عليه سواء كان ممن يملك التزويج كوصي الأب والحاكم على قول ابن حامد أو لا يملكه لا نعلم في هذا خلافا فأما الأب إذا زوج ابنه الصغير أو المجنون فقد قال أحمد في رجلين زوج أحدهما ابنه بابنة الآخر وهما صغيران ثم أن الأبوين كرها هل لهما أن يفسخا فقال قد اختلف في ذلك وكأنه رآه قال أبو بكر لم يبلغني عن أبي عبد الله في هذه المسألة إلا هذه الرواية فتتخرج على قولين :
أحدهما يملك ذلك وهو قول عطاء و قتادة لأنها ولاية يستفيد البضع فجاز أن يملك بها إزالته إذا لم يكن متهما كالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون بالإعتبار والقول الثاني : لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ] ولأنه لا يملك البضع فلا يملك الطلاق بنفسه كوصي الأب والحاكم وكالسيد يزوج عبده الصغير وبهذه الأصول يبطل دليل القول الأول

فصل إذا ادعت امرأة المجنون عنته لم تضرب له مدة
فصل : وإذا ادعت امرأة المجنون عنته لم تضرب له مدة لأنها لا تثبت إلا بإقرار الزوج ولا حكم لإقراره وإن أقر بالعنة وهو صحيح فضربت له المدة ثم جن وانقضت المدة وطالبت المرأة بالفسخ لم يفسخ لأنها إن كانت ثيبا فالقول قوله وإن كانت بكرا فادعى منعها إياه نفسها وإنه وطئها فعادت عذرتها فله استحلافها فإذا كان لا يعبر عن نفسه لم يستحلف ولا يثبت ما قالته فلم يفسخ عليه

مسألة إذا زوج أمته بغير إذنها فقد لزمه النكاح كبيرة كانت أو صغيرة
مسألة : قال : وإذا زوج أمته بغير إذنها فقد لزمها النكاح كبيرة كانت أو صغيرة
لا نعلم في هذا خلافا وذلك لأن منافعها مملوكة له والنكاح عقد على منفعتها فأشبه عقد الإجارة ولذلك ملك الاستمتاع بها وبهذا فارقت العبد ولأنه ينتفع بتزويجها لما حصل له من مهرها وولدها ويسقط عنه من نفقتها وكسوتها بخلاف العبد

فصول في تزويج الأمة والمدبرة والمعلق عتقها بصفة
فصل : والمدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد كالأمة القن في إجبارها على النكاح وقال مالك آخر أمره ليس له تزويج أم ولده بغير إذنها وكرهه ربيعة ولـ الشافعي فيه قولان لأنه لا يملك التصرف في رقبتها فكذلك لا يملك تزويجها بغير إذنها كأخته
ولنا أنها مملوكته يملك الاستمتاع بها وإجارتها فملك تزويجها كالقن ولأنها إحدى منفعتيها فملك أحد عوضيها كسائر منافعها وما ذركوه يبطل بابنته الصغيرة لا يملك رقبتها ويملك تزويجها وإذا ملك أخته من الرضاع أو مجوسية فله تزويجها وإن كانتا محرمتين عليه لأن منافعهما ملكه وإنما حرمتا عليه لعارض فأما التي بعضها حر فلا يملك سيدها إجبارها لأنه لا يملك جميعها ولا يملك إجبار المكاتبة لأنها بمنزلة الخارجة عن ملكه ولذلك لا يملك وطأها ولا إجارتها ولا تلزمه نفقتها ولا يصل إليه مهرها فهي كالعبد
فصل : فإن طلبت الأمة من سيدها تزويجها فإن كان يطؤها لم يجبر على تزويجها لأن عليه ضررا في تزويجها ووطؤه لها بدفع حاجتها فإن كان لا يطؤها لكونها محرمة عليه كالمجوسية وأخته من الرضاع أو محللة له لكن لا يرغب في وطئها أجبر على تزويجها أو وطئها إن كانت محللة له وإزالة ملكه عنها لأنه وليها فأجبر على تزويجها كالحرة ولأن حاجتها قد تشتد إلى ذلك فأجبر على دفعها كالإطعام والكسوة وإذا امتنع أجبره الحاكم وإن طلبت منه من نصفها حر أو المكاتبة أ أم الولد التزويج أجبر عليه لأنه وليهن فأجبر على تزويجهن كالحرائر
فصل : وإذا اشترى عبده المأذون أمة وركبته ديون ملك سيده تزويجها وبيعها وإعتاقها نص عليه أحمد وذكره أبو بكر وقال للسيد وطؤها وقال الشافعي ليس له شيء من ذلك لما فيه من الإضرار بالغرماء وأصل الخلاف يبني على دين المأذون له في التجارة فعندنا يلزم السيد فلا يلحق الغرماء ضرر بتصرف السيد في الأمة فإن الدين ما تعلق بها وعنده أن الدين يتعلق بالعبد وبما في ديه فيلحقهم الضرر والكلام على هذا يذكر في موضعه
فصل : وليس للسيد إكراه أمته على التزويج بمعيب عيبا يرد به في النكاح لأنه يؤثر في الاستمتاع وذلك حق لها ولذلك ملكت الفسخ بالجب والعنة والامتناع من العبد دون السيد وفارق بيعها من معيب لأنه لا يراد للاستمتاع ولهذا ملك شراء الأمة المحرمة ولم تملك الأمة الفسخ لعيبه ولا عنته ولا إيلائه وإن زوجها من معيب فهل يصح ؟ على وجهين فإن قلنا يصح فلها الفسخ وإن كانت صغيرة فهل له الفسخ في الحال أو ينتظر بلوغها ؟ على وجهين ومذهب الشافعي هكذا في هذا الفصل كله

مسألة وفصول : في تزويج العبد ومهره
مسألة : قال : ومن زوج عبده وهو كاره لم يجز إلا أن يكون صغيرا
الكلام في هذه المسألة في فصلين :
الفصل الأول : أن السيد لا يملك إجبار عبده البالغ العاقل على النكاح وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه وقال مالك و أبو حنيفة له ذلك لقول الله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم } ولأنه يملك رقبته فملك إجباره على النكاح كالأمة ولأنه يملك إجارته فاشبه الأمة
ولنا أنه مكلف يملك الطلاق فلا يجبر على النكاح كالحر ولأن النكاح خالص حقه ونفعه له فأشبه الحر والأمر بإنكاحه مختص بحال طلبه بدليل عطفه على الأيامى وإنما يزوجن عند الطلب ومقتضى الأمر الوجوب وإنما يجب تزويجه عند طلبه وأما الأمة فإنه يملك منافع يضعها والاستمتاع بها بخلاف العبد ويفارق النكاح الإجارة لأنها عقد على منافع بدنه وهو يملك استيفاءها
الفصل الثاني : في العبد الصغير الذي لم يبلغ فللسيد تزويجه في قول أكثر أهل العلم إلا أن بعض الشافعية قال فيه قولان وقال أبو الخطاب يحتمل أن لا يملك تزويجه
ولنا أنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير فعبده مع ملكه له تمام ولايته عليه أولى وكذلك الحكم في عبده المجنون
فصل : والمهر والنفقة على السيد سواء ضمنها أو لم يضمنهما وسواء باشر العقد أو أذن لعبده فعقده وسواء كان مأذونا له في التجارة أو محجورا عليه نص عليه أحمد وعنه ما يدل على أن ذلك يتعلق بكسبه فإنه قال نفقته من ضريبته وقال إن كان بقيمته ضريبته انفق عليها ولا يعطى المولى وإن لم يكن عنده ما ينفق يفرق بينهما وهذا قول الشافعي وفائدة الخلاف أن من الزم السيد والمهر والنفقة أوجبهما عليه وإن لم يكن للعبد كسب وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه من الإكتساب ومن علقه بكسبه فلم يكن له كسب فللمرأة الفسخ وليس للسيد منعه من الكسب
ولنا أنه حق تعلق بالعبد برضا سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو رهنه بدين فعلى هذا لو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه لأنه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه كأرش جنايته فأما النفقة فأنها تتجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري أو على العبد إذا أعتق
فصل : ويجوز أن يتزوج السيد لعبده بإذنه ويجوز أن يأذن للعبد فيتزوج لنفسه لأنه مكلف يصح طلاقه فكان من أهل مباشرة النكاح كالحر ويجوز أن يأذن له مطلقا ومقيدا فإن عين له امرأة أو نساء بلد أو قبيلة أو حرة أو أمة فتزوج غيرها لم يصح لأنه متصرف بالإذن فقيد تصرفه بما أذن له فيه كالوكيل وإن أذن له مطلقا فله أن يتزوج من شاء لكن إن تزوج امرأة من بلد أخرى فللسيد منعه من الخروج إليها وإن كانت في البلد فعلى السيد إرساله ليلا للإستمتاع وإن أحب سيده أن يسكنها في مسكن من داره فله ذلك إذا كان مسكن مثلها ولا يلزمه إرساله نهارا لأنه يحتاج إلى استخدامه وليس النهار محلا للإستمتاع ولسيده المسافرة به فإن حق امرأة العبد عليه لا يزيد على حق امرأة الحر والحر يملك المسافرة وإن كرهت امرأته كذا ههنا
فصل : وللسيد أن يعين له المهر وله أن يطلق فإن تزوج بما عينه أو دونه أو بمهر المثل عند الإطلاق أو دونه لزم المسمى وإن تزوج بأكثر من ذلك لم يلزم السيد الزيادة وهل يتعلق برقبة العبد أو بذمته يتبع بها بعد العتق ؟ على روايتين بناء على استدانة العبد المحجور عليه وقد ذكر في باب الحجر
فصل : وإن تزوج أمة ثم اشتهراها بإذن سيده لسيده لم يؤثر ذلك في نكاحه وإن اشتراها لنفسه وقلنا أن العبد لا يملك بالتمليك فكذلك وإن قلنا يملك بالتمليك انفسخ نكاحه كما لو اشترى الحر امرأته وله وطؤها بملك اليمين إذا أذن له السيد فإن كان نصفه حرا فاشتراها في ذمته أو بما يختص بملكه انفسخ نكاحه لأنه ملكها وحلت له بملك يمينه وإن ملك بعضها انفسخ نكاحه ولم تحل له لأنه لا يملك جميعها وإن اشتراها بعين مال مشترك بينه وبين سيده بغير إذنه وقلنا لا تفرق الصفقة لم يصح البيع والنكاح بحاله وإن قلنا بتفريقها صح في قدر ماله وانفسخ النكاح لملكه بعضها
فصل : وإن اشترت الحرة زوجها أو ملكته بهبة أو غيرها انفسخ النكاح لأن ملك النكاح واليمين يتنافيان لاستحالة كون الشخص مالكا لمالكه ولن المرأة تقول أنفق علي لأنني امرأتك وأنا أسافر بك لأنك عندي عبدي ويقول هو انفقي علي لأنني عبدك وأنا أسافر بك لأنك امرأتي فيتنافى ذلك فيثبت أقواهما وهو ملك اليمين وينفسخ النكاح لأنه أضعف ولها على سيده المهر إن كان بعد الدخول وله عليها الثمن فإن كان دينين من جنس تقاصا وتساقطا وإن كانا متساويين وإن تفاضلا سقط الأقل منهما بمثله وبقي الفاضل وإن اختلف جنسهما لم يتساقطا وعلى كل واحد منهما تسليم ما عليه إلى صاحبه وقال الشافعي في أحد قوليه يسقط مهرها لأنه دين في ذمة العبد فإذا ملكته لم يجز أن يثبت لها دين في ذمة عبدها كما لو أتلف لها مالا وهذا بناء منه على أن المهر يتعلق بذمة العبد وقد بينا أنه يتعلق بذمة سيده فلا يؤثر ملك العبد في إسقاطه
وذكر القاضي فيه وجها أنه يسقط لأن ثبوت الدين في ذمة السيد تبع لثبوته في ذمة العبد فإذا سقط من ذمة العبد سقط من ذمة السيد تبعا كالدين على الضامن إذا سقط من ذمة المضمون عنه ولا يعرف هذا في المذهب ولأنه ثبت في الذمتين جميعا إحداهما تبعا للأخرى بل المذهب على أنه لا يسقط بد الدخول بحال فأما إن كان الشراء قبل الدخول سقط نصفه كما لو طلقها قبل دخوله بها وفي سقوط باقيه وجهان أحدهما : لا يسقط لأن زوال الملك إنما هو بفعل البائع فالفسخ إذا من جهته فلم يسقط جميع المهر كالخلع والثاني : يسقط لأن الفسخ إنما تم بشراء المرأة فاشبه الفسخ بالعيب في أحدهما وفسخها لاعساره وشراء الرجل لامرأته
فصل : فإن ابتاعته بصداقها صح نص عليه أحمد وذكره أبو بكر والقاضي ويرجع عليها بنصفه إن قلنا يسقط نصفه أو بجميعه إن قلنا يسقط جميعه ويحتمل أن لا يصح البيع وهو قول أصحاب الشافعي لأت ثبوته يقتضي نفيه فإن صحة البيع تقتضي فسخ النكاح وسقوط المهر يقتضي بطلان البيع لأنه عوض ولا يصح بغير عوض
ولنا أنه يجوز أن يكون ثمنا لغير هذا العبد فجاز أن يكون ثمنا له كغيره من الديون وما سقط منه يرجع عليه به

مسألة و فصول : في تزويج الوليين موليتهما من اثنين وأحكام ذلك
مسألة : قال : فإذا زوج الوليان فالنكاح للأول منهما
وجملة ذلك أنه إن كان للمرأة وليان فأذنت لكل واحد منهما في تزويجها جاز سواء أذنت في رجل معين أو مطلقا فقالت قد أذنت لكل واحد من أوليائي في تزويجي من أراد فإذا زوجها الوليان لرجلين وعلم السابق منهما فالنكاح له دخل بها الثاني أو لم يدخل وهذا قول الحسن و الزهري و قتادة و ابن سيرين و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أبي عبيد وأصحاب الرأي وبه قال عطاء و مالك ما لم يدخل بها الثاني فإن دخل بها الثاني صار أولى لقول عمر إذا أنكح الوليان فالأول أحق ما لم يدخل بها الثاني ولأن الثاني اتصل بعقده القبض فكان أحق
ولنا ما روى سمرة وعقبة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول ] أخرج حديث سمرة أبو داود و الترمذي وأخرجه النسائي عنه وعن عقبة وروي نحو ذلك عن علي و شريح ولأن الثاني تزوج امرأة في عصمة زوج فكان باطلا كما لو علم أن لها زوجا ولأنه نكاح باطل لو عري عن الدخول فكان باطلا وإن دخل كنكاح المعتدة والمرتد وكما لو علم فأما حديث عمر رضي الله عنه فلم يصححه أصحاب الحديث وقد خالفه قول علي رضي الله عنه وجاء على خلاف حديث النبي صلى الله عليه و سلم وما ذكروه من القبض لا معنى له فإن النكاح يصح بغير قبض على أنه لا أصل له فيقاس عليه ثم يبطل بسائر الأنكحة الفاسدة
فصل : إذا استوى الأولياء في الدرجة كالإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم فالأولى تقديم أكبرهم وأفضلهم ل [ أن النبي صلى الله عليه و سلم لما تقدم إليه محيصة وحويصة وعبد الرحمن بن سهل فتكلم عبد الرحمن بن سهل وكان أصغرهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : كبر كبر ] أي قدم الأكبر قدم الأكبر فتكلم حويصة وإن تشاحوا ولم يقدموا الأكبر أقرع بينهم لأن حقهم استوى في القرابة وقد [ كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه لتساوي حقوقهن كذا ههنا ] فإن بدر واحد منهم فزوج كفؤا بإذن المرأة صح وإن كان هو الأصغر المفضول الذي وقعت القرعة لغيره لأنه تزويج صدر من ولي كامل الولاية بإذن موليته فصح كما لو انفرد وإنما القرعة لإزالة المشاحة
مسألة : قال : فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما وكان لها عليه مهر مثلها ولم يصبها زوجها حتى تحيض ثلاث حيض بعدآخر وقت وطئها الثاني
أما إذا علم الحال قبل وطء الثاني لها فإنها تدفع إلى الأول ولا شيء على الثاني لأن عقده عقد فاسد لا يوجب شيئا وإن وطئها الثاني وهو لا يعلم فهو وطء شبهة يجب لها به المهر وترد إلى الأول ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها بثلاث حيض إن كانت من ذوات الإقراء ولم تحمل نص عليه احمد وهو قول قتادة و الشافعي و ابن المنذر وقال أحمد رحمه الله لها صداق بالمسيس وصداق من هذا ولا يرد الصداق الذي يؤخذ من الداخل بها على الذي دفعت إليه وذلك لأن الصداق في مقابلة الاستمتاع بها فكان لها دون زوجها كما لو وطئت بشبهة أو مكرهة ولا يحتاج هذا النكاح الثاني إلى فسخ لأنه باطل ولا يجب لها المهر إلا بالوطء دون مجرد الدخول والوطء دون الفرج لأنه نكاح باطل لا حكم له ويجب مهر المثل لأنه يجب بالإصابة لما قلناه والله أعلم
مسألة : قال : فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان
وجملة ذلك أنه إذا جهل الأول منهما فلا فرق بين أن لا يعلم كيفية وقوعهما أو يعلم أن أحدهما قبل الآخر لا بعينه أو يعلم بعينه ثم يشك فالحكم في جميعها واحد وهو أن يفسخ الحاكم النكاحين جميعا نص عليه أحمد في رواية الجماعة ثم تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما وهذا قول ابي حنيفة و مالك وعن أحمد رواية أخرى أنه يقرع بينهما فمن تقع له القرعة أمر صاحبه بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه فإن كانت زوجته لم يضره تجديد النكاح شيئا وإن كانت زوجة الآخر بانت منه بطلاقه وصارت زوجة هذا بعقده الثاني لأن القرعة تدخل التمييز بالحقوق عند التساوي كالسفر بإحدى نسائه والبداءة بالمبيت عند إحداهن وتعيين الإنصباء في القسمة
وقال الثوري و ابو ثور يجبرهما السلطان على أن يطلق كل واحد منهما طلقة فإن أبيا فرق بينهما وهذا قريب من قولنا الأول لأنه تعذر إمضاء العقد الصحيح فوجب إزالة الضرر بالتفريق وقال الشافعي و ابن المنذر : النكاح مفسوخ لأنه تعذر إمضاؤه وهذا لا يصح فإن العقد الصحيح لا يبطل بمجرد إشكاله كما لو اختلف المتبايعان في قدر الثمن فإن العقد لا يزول إلا بفسخه كذا ههنا وقد روي عن شريح وعمر بن عبد العزيز وحماد بن أبي سلمان أنها تخير فأيهما اختارته فهو زوجها وهذا غير صحيح فإن أحدهما ليس بزوج لها فلم تخير بينهما كما لو لم يعقد إلا أحدهما كما لو أشكل على الرجل امرأته في النساء أو على المرأة زوجها إلا أن يريدوا بقولهم أنها إذا اختارت أحدهما فرق بينهما وبين الآخر ثم عقد المختار نكاحها فهذا حسن فإنه يستغنى بالتفريق بينها وبين أحدهما عن التفريق بينها وبينهما جميعا وبفسخ أحد النكاحين عن فسخهما فإن أبت أن تختار لم تجبر وكذلك ينبغي أنه إذا اقرع بينهما فوقعت القرعة لأحدهما لم تجبر على نكاحه لأنه لا يعلم أنه زوجها فيتعين إذا فسخ النكاحين ولها أن تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما في الحال أن كان قبل الدخول وإن كان أحدهما دخل بها لم تنكح حتى تنقضي عدتها من وطئه
فصل : فإن ادعى كل واحد منهما أنني السابق بالعقد ولا بينة لهما لم يقبل قولاهما وإن أقرت المرأة لأحدهما لم يقبل إقرارها نص عليه أحمد وقال أصحاب الشافعي يقبل كما لو أقرت ابتداء
ولنا أن الخصم في ذلك هو الزوج الأخير فلم يقبل إقرارها في إبطال حقه كما لو أقرت عليه بطلاق وإن ادعى الزوجان على المرأة أنها تعلم السابق منهما فأنكرت لم تستحلف لذلك وقال أصحاب الشافعي تستحلف بناء منهم على أن إقرارها مقبول فإن فرق بينها وبين أحدهما لاختيارها لصاحبه أو لوقوع القرعة له وأقرت له أن عقدة سابق فينبغي أن يقبل إقرارها لأنهما اتفقا على ذلك من غير خصم منازع فأشبه ما لو لم يكن صاحب عقد آخر
فصل : وإن علم أن العقدين وقعا معا لم يسبق أحدهما الآخر فهما باطلان لا حاجة إلى فسخهما لأنهما باطلان من أصلهما ولا مهر لها على واحد منهما ولا ميراث لها منهما ولا يرثها واحد منهما كذلك وإن لم يعلم ذلك فسخ نكاحهما فروي عن أحمد أنه يجب لها نصف المهر ويقترعان عليه لأن عقد أحدهما صحيح وقد انفسخ نكاحه قبل الدخول فوجب عليه نصف مهرها كما لو خالعها وقال أبو بكر لا مهر لها لأنهما مجبران على الطلاق فلم يلزمهما مهر كما لو فسخ الحاكم نكاح رجل لعسرة أو عنته وإن ماتت قبل الفسخ والطلاق فلأحدهما نصف ميراثها فيوقف الأمر حتى يصطلحا عليه ويحتمل أن يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنه المستحق وورث وإن مات الزوجان فلها ربع ميراث أحدهما فإن كانت قد أقرت أن أحدهما سابق بالعقد فلا ميراث لها من الآخر وهي تدعي ربع ميراث من أقرت له فإن كان قد أدعى ذلك أيضا دفع إليها ربع ميراثه وإن لم يكن ادعى ذلك وأنكر الورثة فالقول قولهم مع إيمانهم فإن نكلوا قضي عليهم وإن لم تكن المرأة أقرت بسبق أحدهما احتمل أن يحلف ورثة كل واحد منهما ويبرأ واحتمل أن يقرع بينهما فمن خرجت قرعته فلها ربع ميراثه وقد روى حنبل عن أحمد في رجل ثلاث بنات زوج إحداهن من رجل ثم مات الأب ولم يعلم أيتهن زوج يقرع بينهن فأيتهن أصابتها القرعة فهي زوجته وإن مات الزوج فهي التي ترثه والله أعلم
فصل : وإن ادعى كل واحد منهما أنه السابق فأقرت لأحدهما ثم فرق بينهما وقلنا بوجوب المهر وجب على المقر له دون صاحبه لإقراره لها به وإقراره ببراءة صاحبه وإن ماتا ورثت المقر له دون صاحبه كذلك وإن ماتت هي قبلهما احتمل أن يرثها المقر له كما ترثه واحتمل أن لا يقبل إقرارها له كما لم تقبله في نفسها وإن لم تقر لأحدهما إلا بعد موته فهو كما لو أقرت في حياته وليس لورثة كل واحد منهما الإنكار لاستحقاقها لأن موروثة قد أقر لها بدعواه صحة نكاحها وسبقه بالعقد عليها وإن لم يقر لواحد منهما أقرع بينهما وكان لها ميراث من تقع عليه القرعة وإن كان أحدهما قد اصابها فإن كان هو المقر له أو كانت لم تقر لواحد منهما فلها المسمى لأنه مقر لها به وهي لا تدعي سواه وإن كانت مقرة للآخر فهي تدعي مهر المثل وهو يقر لها بالمسمى أ واصطلحا فلا كلام وإن كان مهر المثل أكثر حلف على الزائد وسقط فإن كان المسمى أكثر فهو مقر لها بالزيادة وهي تنكرها فلا تستحقها والله أعلم
فصل : وإن ادعى زوجية امرأة ابتداء فأقرت له بذلك ثبت النكاح وتوارثا وقال أبو الخطاب في ذلك روايتان والصحيح أنه مقبول لأنه رشيدة أقرت بعقد يلزمها حكمه فقبل إقرارها كما لو أقرت أن وليها باع أمتها قبل بلوغها فأنكر ابوها تزويجها لم يقبل إنكاره لأن الحق على غيره وقد اقر به وكذلك لو ادعى أنه تزوج امرأة بولي وشاهدين عينهما فأقرت المرأة بذلك وأنكر الشاهدان لم يلتفت إلى إنكارهما لأن الشهادة إنما يحتاج إليها مع الإنكار ويحتمل أن لا يقبل إقرارها مع إنكار أبيها لأن تزويجها إليه دونها فإن ادعى نكاحها فلم تصدقه حتى ماتت لم يرثها وإن مات قبلها فاعترفت بما قال ورثته لكمال الإقرار منهما بتصديقهما وكذلك لو أقرت المرأة دونه فمات قبل أن يصدقها لم ترثه وإن ماتت فصدقها ورثها لما ذكرنا

مسألتان وفصول
مسألة : قال : وإذا تزوج العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل
أجمع أهل العلم على أنه ليس للعبد أن ينكح بغير إذن سيده فإن نكح لم ينعقد نكاحه في قولهم جميعا وقال ابن المنذر أجمعوا على أن نكاحه باطل والصواب ما قلنا إن شاء الله فإنهم اختلفوا في صحته فعن أحمد في ذلك روايتان أظهرهما أنه باطل وهو قول عثمان وابن عمر وبه قال شريح وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أنه موقوف على إجازة السيد فإن أجازه جاز وإن رده بطل وهو قول أصحاب الرأي لأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية
ولنا ما روى جابر قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر ] رواه الأثرم و ابن ماجة وروى الخلال بإسناده عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان ] قال حنبل ذكرت هذا الحديث لأبي عبد الله قال هذا حديث منكر ورواه أيضا عن ابن عمر موقوفا عليه من قوله ولأنه نكاح فقد شرطه فلم يصح كما لو تزوجها بغير شهود
مسألة : قال : فإن دخل بها فعلى سيده خمسا المهر كما قال عثمان رضي الله عنه إلا أن يجاوز الخمسان قيمته فلا يلزم سيده أكثر من قيمته أو يسلمه
في هذه المسألة خمسة فصول :
الفصل الأول : في وجوب المهر وله حالان أحدهما : أن لا يدخل بها فلا مهر لها لأنه عقد باطل فلا نوجب بمجرده شيئا كالبيع الباطل وهكذا سائر الأنكحة الفاسدة لا نوجب بمجردها شيئا الحال الثاني : أن يصيبها فالصحيح من المذهب أن المهر يجب رواه عنه جماعة وروى عنه حنبل أنه لا مهر لها إذا تزوج العبد إذن سيده وهذا يمكن حمله على ما قبل الدخول فيكون موافقا لرواية الجماعة ويمكن حمله على عمومه في عدم الصداق وهو قول ابن عمر رواه الأثرم عن نافع قال كان إذا تزوج مملوك لابن عمر بغير إذنه جلده الحد وقال للمرأة إنك أبحت فرجك وأبطل صداقها ووجهه أنه وطىء امرأة مطاوعة في غير نكاح صحيح فلم يجب به مهر كالمطاوعة على الزنا قال القاضي هذا إذا كانا عالمين بالتحريم فأما إن جهلت المرأة ذلك فلها المهر لأنه لا ينقص عن وطء الشبهة ويمكن حمل هذه الرواية على أنه لا مهر لها في الحال بل يجب في ذمة العبد تنتفع به بعد العتق وهو قول الشافعي الجديد لأن هذا حق لزمه برضا من له الحق فكان محله الذمة كالدين والصحيح أن المهر واجب لقوله عليه السلام : [ أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها ] وهذا قل استحل فرجها فيكون مهرها عليه ولأنه استوفى منافع البضع بإسم النكاح فكان المهر واجبا كسائر الأنكحة الفاسدة
الفصل الثاني : أن المهر يتعلق برقبته يباع فيه إلا بفدية السيد وقد ذكرنا احتملا آخر أنه يتعلق بذمة العبد والأول أظهر إلا أن الوطء أجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير إذن المولى ولذلك وجب المهر ههنا وفي سائر الأنكحة الفاسدة ولو لم تجر مجراها ما وجب شيء لأنه يرضى المستحق والله أعلم
الفصل الثالث : أن الواجب من المهر خمساه وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه وعمل به أبو موسى وعن أحمد أنها ان علمت أنه عبد فلها خمسا المهر وإذا لم تعلم فلها المهر في رقبة العبد وعنه أن الواجب مهر المثل وهو قول أكثر الفقهاء لأنه وطء يوجب المهر فأوجب مهر المثل بكماله كالوطء في النكاح بلا ولي وفي سائر الأنكحة الفاسدة ووجه الأولى ما روى الإمام أحمد بإسناده عن حلاس أن غلاما لأبي موسى تزوج بمولاة تيجان التميمي بغير إذن أبي موسى فكتب في ذلك إلى عثمان فكتب عثمان أن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة ولأن المهر أحد موجبي الوطء فجاز أن ينقص العبد فيه عن الحر كالحد فيه أو أحد العوضين في النكاح فينقص العبد كعدد المنكوحات
الفصل الرابع : أنه يجب خمسا المسمى لأنه صار فيه إلى قصة عثمان رضي الله عنه وظاهرها أنه أوجب خمسي المسمى ولهذا قال وكان صداقها خمسة أبعرة ولأنه لو اعتبر مهر المثل أوجب جميعه كسائر قيم المتلفات ولأوجب القيمة وهي الأثمان دون الأبعرة ويجتمل أنه يجب خمسا مهر المثل لأنه عوض عن جناية فكان المرجع فيه إلى قيمة المحل كسائر أرش الجنايات وقيمة المحل مهر المثل
الفصل الخامس : أن الواجب إن كان زائدا على قيمة العبد لم تلزم السيد الزيادة لأن الواجب عليه ما يقابل قيمة العبد بدليل أنه لو سلم العبد لم يلزمه شيء فإذا أعطى القيمة فقد أعطى ما يقابل الرقبة فلو تلزمه زيادة عليه وإن كان الواجب أقل من قيمة العبد لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه ارش الجناية فلا يجب عليه أكثر منها والخيرة في تسليم العبد وفدائه إلى السيد وهذا قد ذكرناه في غير هذا الموضع بأبين من هذا
فصل : إذا إذن السيد لعبده في تزويجه بمعينة أو من بلد معين أو من جنس معين فنكح غير ذلك فنكاحه فاسد والحكم فيه كما ذكرنا وإن إذن له في تزويج صحيح فنكح نكاحا فاسدا فكذلك لأنه غير مأذون له فيه وإن أذن له في النكاح وأطلق فنكح نكاحا فاسدا احتمل أن يكون كذلك لأن الإذن في النكاح لا يتناول الفاسد واحتمل أن يتناوله إذنه لأن اللفظ بإطلاقه يتناوله وإن أذن له في نكاح فاسد وحصلت الإصابة فيه فعلى سيده جميع المهر لأنه بإذنه والله أعلم

مسائل و فصول
مسألة : قال : وإذا تزوج الأمة على أنها حرة فأصابها وولدت منه فالولد حر وعليه أن يفديهم والمهر المسمى ويرجع به على من غره ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له أن ينكح الإماء وإن كان ممن يجوز له أن ينكح فرضي بالمقام فما ولدت بعد الرضا فهو رقيق
في هذه المسألة فصول ستة :
الفصل الأول : أن النكاح لا يفسد بالغرور وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي في أحد قوليه يفسد لأنه عقد على حرة ولم يوجد فأشبه ما لو قال بعتك هذا الفرس فإذا هو حمار
ولنا أن المعقود عليه في النكاح الشخص دون الصفات فلا يؤثر عدمها في صحته كما قال زوجتك هذه البيضاء فإذا هي سوداء أو هذه الحسناء فإذا هي شوهاء وكذا يقول في الأصل الذي ذكره أن العقد الذي ذكروه صحيح لأن المعقود عليه العين المشار إليها وإن سلمناه فالفرق بينهما من وجهين أحدهما : أن ثم فاتت الذات فإن ذات الفرس غير ذات الحمار وههنا اختلفا في الصفات والثاني : أن البيع يؤثر فيه فوات الصفات بدليل أنه بفوات أي شيء كان فيه نفع منها والنكاح بخلافه
الفصل الثاني : أن أولاده أحرار منها بغير خلاف نعلمه لأنه اعتقد حريتها فكان أولاده أحرارا لاعتقاده ما يقتضي حريتهم كما لو اشترى أمة يعتقدها ملكا لبائعها فبانت مغصوبة بعد أن أولدها
الفصل الثالث : أن على الزوج فداء أولاده كذلك قضى عمر رضي الله عنه وعلي وابن عباس رضي الله عنهما وهو قول مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى ليس عليه فداؤهم لأن الولد ينعقد حر الأصل فلم يضمنه لسيد الأمة لأنه لم يملكه وعنه أنه يقال له افد أولادك وإلا فهم يتبعون أمهم فظاهر هذا أنه خيرة بين فدائهم وبين تركهم رقيقا لأنهم رقيق بحكم الأصل فلم يلزمه فداؤهم كما لو وطئها وهو يعلم رقها وقال الخلال اتفق عن أبي عبد الله أنه يفدي ولده وقال إسحاق عنه في موضع إن الولد له وليس عليه أن يفديهم وأحسبه قول أول لأبي عبد الله والصحيح أن عليه فداءهم لقضاء الصحابة به ولأنه نماء الأمة المملوكة فسبيله أن يكون مملوكا لمالكها وقد فوت رقه باعتقاده الحرية فلزمه ضمانهم كما لو فوت رقهم بفعله وفي فدائهم ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : في وقته وذلك حين وضع الولد قضى بذلك عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول الشافعي وقال أبو ثور و الثوري وأصحاب الرأي يضمنهم بقيمتهم يوم الخصومة لأنه انما يضمنهم بالمنع ولم يمنعهم الا حال الخصومة
ولنا أنه محكوم بحريته عند الوضع فوجب أن يضمنه لأنه فات رقه من حينئذ ولأن القيمة التي تزيد بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الأمة فلم يضمنها كما بعد الخصومة فإن قيل فقد كان محكوما بحريته وهو حين قلنا إلا أنه لم يمكن تضمينه حينئذ لعدم قيمته والإطلاع عليه فأوجبنا ضمانه في أول حال يمكن تضمينه وهو حال الوضع
المسألة الثانية : في صفة الفداء وفيها ثلاث روايات إحداهن : بقيمتهم وهو قول أكثر الفقهاء لقول النبي صلى الله عليه و سلم من أعتق شقصا من عبد قوم عليه نصيب شريكه ولأن الحيوان من المتقومات لا من ذوات الأمثال فيجب ضمانه بقيمته كما لو أتلفه
والثانية : يضمنهم بمثلهم عبيدا الذكر بذكر والأنثى بأنثى لما روى سعيد بن المسيب قال أبقت جارية لرجل من العرب وانتمت إلى بعض العرب فتزوجها رجل من بني عذرة ثم إن سيدها دب فاستاقها واستاق ولدها فاختصموا إلى عمر رضي الله عنه فقضى للعذري بفداء ولده بغرة غرة مكان كل غلام ومكان كل جارية بجارية وكان عمر يقوم الغرة على أهل القرى ومن لم يجد غرة ستين دينارا ولأن ولد المغرور حر فلا يضمن بقيمته كسائر الأحرار فعلى هذه الرواية ينبغي أن ينظر إلى مثلهم في الصفات تقريبا لأن الحيوان ليس من ذوات الأمثال ويحتمل أن يجب مثلهم في القيمة وهو قول أبي بكر
الثالثة : هو مخير بين فدائهم بمثلهم أو قيمتهم قال أحمد في رواية الميموني إما القيمة أو رأس برأس لأنهما جميعا يرويان عن عمر ولكن لا أدري أي الإسنادين أقوى وهذا اختيار أبي بكر وقال في المقنع الفدية غرة بغرة بقدر القيمة أو القيمة وأيها أعطى أجزأه ووجه ذلك أنه تردد بين الجنين الذي يضمن بغرة وبين الحاقه بغيره من المضمونان فاقتضى التخيير بينهما والصحيح أنه يضمن بالقيمة كسائر المضمونان المتقومات وقول عمر قد اختلف عنه فيه قال أحمد في رواية أبي طالب وعليه قيمتهم مثل قول عمر وإذا تعارضت الروايات عنه وجب الرجوع إلى القياس
المسألة الثالثة : فيمن يضمن منهم وهو من ولد حيا لوقت يعيش لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك وقال مالك و الثوري و أبو ثور وأصحاب الرأي لا ضمان على الأب لمن مات منهم قبل الخصومة وهذا مبني على وقت الضمان وقد ذكرناه فأما السقط ومن ولد لوقت لا يعيش في مثله وهو دون ستة أشهر فلا ضمان لأنه لا قيمة له
الفصل الرابع : في المهر ولا يخلو أن يكون ممن يجوز له نكاح الإماء أو لا فإن كان يجوز له نكاح الإماء وقد نكحها صحيحا فلها المسمى وإن لم يدخل بها واختار الفسخ فلا مهر لها لأن الفسخ تعذر من جهتها فعي كالمعيبة يفسخ نكاحها وإن كان ممن لا يجوز له نكاح الإماء فالعقد فاسد من أصله ولا مهر فيه قبل الدخول فإن دخل بها فعليه مهرها وهل يجب المسمى أو مهر المثل ؟ على روايتين ذكرناهما فيما مضى وكذلك إن كان ممن يجوز له نكاح الإماء لكن تزوجها بغير إذن سيدها أو نحو ذلك مما يفسد به النكاح
الفصل الخامس : أنه يرجع بما غرمه على من غره في المهر وقيمة الأولاد وهذا اختاره الخرقي ورواية عن احمد قال ابن المنذر كذلك قضى عمر وعلي وابن عباس وبه قال الشافعي في القديم والرواية الأخرى لا يرجع بالمهر وهو اختيار أبي بكر قال وهو قول علي وبه قال الثوري و ابو ثور وأصحاب الرأي و الشافعي في الجديد لأنه وجب عليه في مقابلة نفع وصل إليه وهو الوطء فلم يرجع به كما لو اشترى مغصوبا فأكله بخلاف قيمة الولد فإنها لم تحصل في مقابلة عوض لأنها وجبت بحرية الولد وحرية الولد للولد لا لأبيه قال القاضي والمذهب أنه يرجع بالمهر لأن أحمد قال كنت أذهب إلى حديث علي ثم كأني هبته وكأني أميل إلى حديث عمر يعني في الرجوع ولأن العاقد ضمن له سلامة الوطء كما ضمن له سلامة الولد فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يرجع بالمهر قال وعلى هذا الأصل يرجع بأجرة الخدمة إذا غرمها كما بالمهر ولا أعرف عن أصحابنا بينهما فرقا وقال إذا ثبت هذا فإن كان الغرور من السيد فقال هي حرة عتقت وإن كان بلفظ غير هذا لم تثبت به الحرية فلا شيء له لأنه لا فائدة في أن يجب له ما يرجع به عليه وإن كان الغرور من وكيله رجع عليه في الحال وإن كان من أجنبي رجع عليه أيضا وإن كان منها فليس لها في الحال مال فيتخرج فيها وجهان بناء على دين العبد بغير إذن سيده هل يتعلق برقبته أو بذمته يتبع به بعد العتق ؟ قال القاضي قياس قول الخرقي أنه يتعلق بذمتها لأنه قال في الأمة إذا خالعت زوجها بغير إذن سيدها يتبعها به إذا عتقت كذا ههنا ويتبعها بجميعه
وظاهر كلام احمد أن الغرور إذا كان من الأمة لم يرجع على أحد فإنه قال إذا جاءت الأمة فقالت إني حرة فولت أمرها رجلا فزوجها من رجل ثم ظهر عليها مولاها قال فكاك ولده على الأب لأنه لم يغره أحد وأما إذا غره رجل فزوجها على أنها حرة فالفداء على من غره يروى هذا عن علي و إبراهيم و حماد وكذلك قال الشعبي وإن قلنا يتعلق برقبتها فالسيد مخير بين فدائها بقيمتها إن كانت أقل مما يرجع به عليها أو يسلمها فإن اختار فداءها بقيمتها سقط قدر ذلك عن الزوج فإنه لا فائدة في أن نوجيه عليه ثم نرده إليه وإن اختار تسليمها سلمها وأخذ ما وجب له وذكر القاضي أن الغرور الموجب للرجوع أن يكون اشتراط الحرية مقارنا للعقد فيقول زوجتكها على أنها حرة فإن لم تكن كذلك لم تملك الفسخ وهذا مذهب الشافعي والصحيح خلاف هذا قال : لأن الصحابة الذين قضوا بالرجوع لم يفرقوا بين أنواع الغرور ولم يستفصلوا والظاهر أن العقد لم يقع هكذا ولم تجر العادة به في العقود فلا يجوز حمل قضائهم المطلق على صورة نادرة لم تنقل ولأن الغرور قد يكون من المرأة ولا لفظ لها في العقد ولأنه متى أخبره بحريتها أو أوهمه ذلك بقرائن تغلب على ظنه حريتها فنكحها على ذلك ورغب فيها بناء عليه وأصدقها صداق الحرائر ثم لزمه الغرم فقد استضر بناء على قول المخبر له والغار فتجب إزالة الضرر عنه بإثبات الرجوع على من غره وأضر به فعلى هذا إن كان الغرور من إثنين أو أكثر فالرجوع على جميعهم وإن كان الغرور منها ومن الوكيل فعلى كل واحد منهما نصف والله أعلم
الفصل السادس : أن الزوج إن كان ممن يحرم عليه نكاح الإماء وهو ممن يجد الطول أو لا يخشى العنت فإنه يفرق بينهما لأننا بينا أن النكاح فاسد من أصله لعدم شرطه وهكذا لو كان تزويجها بغير إذن سيدها أو اختل شرط من شروط النكاح فهو فاسد يفرق بينهما والحكم في الرجوع على ما ذكرنا وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء وكانت شرائط النكاح مجتمعة فالعقد صحيح وللزوج الخيار بين الفسخ والمقام على النكاح وهذا معنى قول الخرقي فرضي بالمقام معها وهذا الظاهر من مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة لا خيار له لأن الكفاءة غير معتبرة في جانب المرأة لأنه يملك الطلاق
ولنا أنه عقد غر فيه أحد الزوجين بحرية الآخر فثبت له الخيار كالآخر لأن الكفاءة وإن لم تعتبر فإن عليه ضررا في استرقاق ولده ورق امرأته وذلك أعظم من فقد الكفاءة فأما الطلاق فلا يندفع به الضرر فإنه يسقط نصف المسمى والفسخ يسقط جميعه فإذا فسخ قبل الدخول فلا مهر لها وإن رضي بالمقام معها فله ذلك لأنه يحل له نكاح الإماء وما ولدت بعد ذلك فهو رقيق لسيدها لأن المانع من رقهم في الغرور اعتقاد الزوج حريتها وقد زال ذلك بالعلم ولو وطئها قبل علمه فعلقت منه ثم علم قبل الوضع فهو حر لأنه وطئها يعتقد حريتها
فصل : والحكم في المدبرة وأم الولد والمعتقة بصفة كالأمة القن لأنها ناقصة بالرق إلا أن ولد أم الولد والمدبرة يقوم كأنه عبد له حكم أمه وكذلك من أعتق بعضها إلا أنه إذا فدى الولد لم يلزمه إلا فداء ما فيه من الرق لأن بقيته حر بحرية أمه لا بإعتقاد الوطء فإن كانت مكاتبة فكذلك إلا أن مهرها لها لأنه من كسبها وكسبها لها وتجب قيمة ولدها على الرواية المشهورة قال أبو بكر ويكون ذلك لها تستعين به في كتابتها فإن كان الغرور منها فلا شيء لها إذ لا فائدة في إيجاب شيء لها يرجع به عليها وإن كان الغرور من غيرها غرمه لها ويرجع به على من غره
فصل : ولا يثبت أنها أمة بمجرد الدعوى فإن اقام بذلك بينة ثبت وإن أقرت أنها أمة فقال أحمد في رواية أبي الحارث لا يستحقها بإقرارها وذلك لأن إقرارها يزيل النكاح عنها ويثبت حقا على غيرها فلم يقبل كإقرارها بمال على غيرها وقال في رواية حنبل لا شيء له حتى يثبت أو تقر هي أنها أمة فظاهر هذا أنه يقبل إقرارها لأنها مقرة على نفسها بالرق أشبه غير الزوجة والأول أولى ولا نسلم أنه يقبل من غير ذات الزوج إقرارها بالرق بعد إقرارها بالحرية لأنها أقرت بما يتعلق به حق الله تعالى
فصل : إذا حملت المغرور بها فضرب بطنها ضارب فألفت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة لأن هذا الجنين محكوم بحريته ويرثها ورثته من كانوا وعلى الضارب كفارة القتل وإن كان الضارب أباه لم يرثه وورثه أقاربه ولا يجب بذل هذا الولد للسيد لأنه إنما يستحق بذل حي وهذا ميت ويحتمل أن يجب له عشر قيمة أمه لأن الواطىء فوت ذلك عليه بإعتقاد الحرية ولولاه لوجب له ذلك
فصل : إذا تزوجت المرأة عبدا على أنه حر فالنكاح صحي وهذا قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأن اختلاف الصفة لا يمنع صحة العقد كما لو تزوج أمة على أنها حرة وهذا إذا كملت شروط النكاح وكان ذلك بإذن سيده وإن كانت المرأة حرة وقلنا الحرية ليست من شروط الكفاءة أو إن فقد الكفاءة لا يبطل النكاح فهو صحيح وللمرأة الخيار بين الفسخ والإمضاء فإن اختارت امضاءه فلأوليائها الإعتراض عليها لعدم الكفاءة وإن كانت أمة فينبغي أن يكون لها الخيار أيضا لأنه لما ثبت الخيار للعبد إذا غر من أمة ثبت للأمة إذا غرت بعبد وكل موضع حكمنا بفساد العقد ففرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فلها مهر المثل أو المسمى على ما قدمنا من الاختلاف وكل موضع فسخ النكاح مع القول بصحته قبل الدخول فلا شيء لها وإن كان بعده فلها المسمى لأنه فسخ طرأ على نكاح فأشبه الطلاق
فصل : فإن غرها بنسب فبان دونه وكان ذلك مخلا بالكفاءة وقلنا بصحة النكاح فلها الخيار فإن اختارت الإمضاء فلأوليائها الإعتراض عليها وإن لم يخل بالكفاءة فلا خيار لها لأن ذلك ليس بمعتبر في النكاح فأشبه ما لو شرطه فقيها فبان بخلافه وكذلك إن شرطت غير النسب فإن كان مما يعتبر في الكفاءة فهو كما لو تبين أنه غير مكافىء لها في النسب وإن لم يعتبر في الكفاءة كالفقه والجمال وأشباه ذلك فلا خيار لها لأن ذلك مما لا يعتبر في النكاح فلا يؤثر اشتراطه وذكر فيما إذا بان نسبة دون ما ذكر وجه في ثبوت الخيار لها أن لم يخل بالكفاة والأولى ما ذكرناه والله أعلم

مسألة إذا كان المغرور عبدا فولده أحرار
مسألة : قال : وإذا كان المغرور عبدا فولده أحرار ويفديهم إذا عتق ويرجع به على من غره
وجملة ذلك أن المغرور إذا كان عبدا فولده أحرار وقال ابو حنيفة يكون رقيقا لأن ابويه رقيق وليس ذلك بصحيح فإنه وطئها معتقدا حريتها فكان ولده حرا كولد الحر فإن هذا هو العلة المقتضية للحرية في محل الوفاق ولولا ذلك لكان رقيقا فإن علة رق الولد رق الأم خاصة ولا عبرة بحال الأب بدليل ولد الحر من الأمة وولد الحر من العبد وعلى العبد فداؤهم لأنه فوت رقهم بإعتقاده وفعله ولا مال له في الحال فيخرج في ذلك وجهان :
أحدهما : يتعلق برقبته بمنزلة جنايتة والثاني : بذمته يتبع به بعد العتق بمنزلة عوض الخلع من الأمة إذا بذلته بغير إذن سيدها ويفارق الإستدانة والجناية لأنه إذا استدان أتلف مال الغريم فكان جناية منه وههنا لم يجن في الأولاد جناية وإنما عتقوا من طريق الحكم وما حصل له منهم عوض فيكون ذلك في ذمته يتبع به بعد العتق ويرجع به حين يغرمه فإنه لا ينبغي أن يجب له بذل ما لم يفت عليه وأما الحرية فتتعجل في الحال وإن قلنا أن الفداء يتعلق برقبته وجب في الحال ويرجع به سيده في الحال ويثبت للعبد الخيار إذا علم كما ثبت للحر لمن يحل له نكاح الإماء لأن عليه ضررا في رق ولده ونقصا في استمتاعه فإنها لا تبيت معه ليلا ونهارا ولم يرض به ويحتمل أن لا يثبت له خيار لأنه فقد صفة لا ينقص بها عن رتبته فأشبه ما لو شرط نسب امرأة فبانت بخلافه لأنها مساوية لنسبه بخلاف تغرير الحر
وقال بعض الشافعية لا خيار له قولا واحدا وقال بعضهم فيه قولان والأولى ما ذكرناه وإذا اختار الإقامة فالمهر واجب لا يرجع به على أحد وإن اختار الفسخ قبل الدخول فلا مهر وإن كان بعده والنكاح بإذن سيده فالمهر واجب عليه وفي الرجوع به خلاف ذكرناه فيما مضى وإن كان بغير إذنه فالنكاح فاسد فإن دخل بها ففي قدر ما يجب عليه وجهان أحدهما : مهر المثل : والثاني : الخمسان وهل يرجع به ؟ على وجهين

فصل حكم ما لو شرطها مسلمة فبانت كافرة
فصل : فإن شرط أنها مسلمة فبانت كافرة فله الخيار لأنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد فأشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمة

فصل فإن شرطها بكرا فبانت ثيبا
فصل : فإن شرطها بكرا فبانت ثيبا فعن أحمد كلام يحتمل أمرين أحدهما : لا خيار له لأن النكاح لا يرد فيه بعيب سوى ثمانية عيوب فلا يرد منه بمخالفة الشرط الثاني : له الخيار لأنه شرط صفة مقصودة فبان خلافها فيثبت له الخيار كما لو شرط الحرية وعلى هذا لو شرطها ذات نسب فبانت دونه أو شرطها بيضاء فبانت سوداء أو شرطها طويلة فبانت قصيرة أو حسناء فبانت شوهاء خرج في ذلك كله وجهان ونحو هذا مذهب الشافعي
وقال أبو ثور : القياس أن له الرد أن كان فيه اختلاف وإن كان إجماعا فالإجماع أولى من النظر قال ابن المنذر لا أعلم أحدا وافق أبا ثور على مقالته وممن ألزم من هذه صفتها الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق وأصحاب الرأي وروى الزهري أن رجلا تزوج امرأة فلم يجدها عذراء كانت الحيضة خرقت عذرتها فأرسلت إليه عائشة أن الحيضة تذهب العذرة يقينا وعن الحسن و الشعبي و إبراهيم في الرجل إذا لم يجد امرأته عذراء ليس عليه شيء العذرة تذهبها الوثبة وكثرة الحيض والتعيش والحمل الثقيل والله أعلم

فصل حكم ما لو تزوج امرأة يظنها حرة فبانت أمة
فصل : وإذا تزوج امرأة يظنها حرة فبانت أمة أو يظنها مسلمة فبانت كافرة أو تزوجت عبدا تظنه حرا فلهم الخيار كما لو شرط ذلك نص عليه احمد في امرأة تزوجت عبدا تظنه حرا فلها الخيار وقال الشافعي في الأمة لا خيار له وفي الكافرة له الخيار وقال بعضهم فيهما جميعا قولان
ولنا أن بعض الرق أعظم ضررا فإنه يؤثر في رق ولده ويمنع كمال استمتاعه فكان له الخيار كما لو كانت كافرة

فصل حكم ما لو شرطها أمة فبانت حرة
فصل : وإن شرطها أمة فبانت حرة أو ذات نسب فبانت أشرف منه أو على صفة دنيئة فبانت خيرا من شرطه أو كافرة فبانت مسلمة فلا خيار له في ذلك لأنه زيادة وقال أبو بكر له الخيار إذا بانت مسلمة لأنه قد يكون له غرض في عدم وجوب العبادات والأول أولى

فصل في كل موضع ثبت له الخيار ففسخ قبل الدخول فلا مهر عليه
فصل : وكل موضع ثبت له الخيار ففسخ قبل الدخول فلا مهر عليه وإن فسخ بعده وكان التغرير ممن له المهر فلا شيء عليه أيضا وإن كان من غيره فعليه المهر يدفعه ثم رجع به على الغار فإن كان التغرير من أوليائها رجع عليهم وإن علم بعضهم احتمل أن يرجع عليه وحده لأنه الغار واحتمل أن يرجع على جميعهم لأن حقوق الآدميين في العمد والسهو سواء

مسألة وفصول
مسألة : قال : وإذا قال قد جعلت عتق أمتي صداقها بحضرة شاهدين فقد ثبت العتق والنكاح وإذا قال أشهد أني قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها كان العتق والنكاح أيضا ثابتين سواء تقدم القول العتق أو تأخر إذا لم يكن بينهما فصل فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها
في هذه المسألة خمس فصول :
الفصل الأول : أن ظاهر المذهب أن الرجل إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها فهو نكاح صحيح نص عليه أحمد في رواية جماعة وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وفعله أنس بن مالك وبه قال سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن و الحسن و الزهري و إسحاق وقال الأوزاعي يلزمها أن تتزوجه وروى المرذوي عن أحمد إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها يوكل رجلا يزوجه وظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة النكاح وقال أبو الخطاب هي الصحيحة واختارها القاضي وابن عقيل وهو قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي لأنه لم يوجد إيجاب وقبول فلم يصح لعدم اركانه كما لو قال أعتقتك وسكت ولأنها بالعتق تملك نفسها فيجب أن يعتبر رضاها كما لو فصل بينهما ولأن العتق يزيل ملكه عن الاستمتاع بحق الملك فلا يجوز أن يستبيح الوطء بالمسمى فإنه لو قال بعتك هذه الأمة على أن تزوجنيها بالثمن لم يصح
ولنا ما روى أنس [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ] متفق عليه وفي لفظ أعتقها وتزوجها فقلت يا أبا حمزة وما أصدقها ؟ قال نفسها عتقها وروى الأثرم بإسناده [ عن صفية قالت أعتقني رسول الله صلى الله عليه و سلم وجعل عتقي صداقي ] وبإسناد عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول إذا أعتق الرجل أم ولده فجعل عتقها صداقها فلا بأس بذلك ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح لأن الصداق لا يتقدم النكاح ولو تأخر العتق عن النكاح لم يجز فدل على أنه انعقد بهذا اللفظ ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه استأنف عقدا ولو استأنفه لظهر ونقل كما نقل غيره ولأن من جاز له تزويج امرأة لغيره من غير قرابة جاز له أن يتزوجها كالإمام وقولهم لم يوجد إيجاب ولا قبول عديم التأثير فإنه لو وجد لم يحكموا بصحته وعلى أنه أن لم يوجد فقد وجد ما يدل عليه وهو جعل العتق صداقا فأشبه ما لو تزوج امرأة هو وليها وكما لو قال الخاطب للولي أزوجت ؟ فقال نعم وقال للزوج أقبلت ؟ قال نعم عند أصحابنا وكما لو أتى بالكنايات عند أبي حنيفة ومن وافقه
الفصل الثاني : أن النكاح ينعقد بقوله أعتقتك وجعلت عتقك صداقك وتزوجتك وبذلك خاليا عن قوله : وتزوجتك وهذا لفظ الخرقي وهو الذي جاء في حديت أنس وبقوله جعلت عتقك صداقك وجعلت صداقك عتقك وهذا معنى قول الخرقي سواء تقدم العتق أو تأخر ونص أحمد على هذا في رواية صالح إذا قال جعلت عتقك صداقك أو صداقك عتقك كل ذلك جائز
الفصل الثالث : أن لا يكون بينهما فصل ولو قال أعتقتك وسكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو تكلم بكلام أجنبي ثم قال جعلت عتقك صداقك لم يصح النكاح لأنها صارت بالعتق حرة فيحتاج إلى تزويجها برضاها بصداق جديد
الفصل الرابع : أنه لا بد من شاهدين إذا قلنا بإشتراط الشهادة في النكاح نص عليه أحمد في رواية الجماعة وذلك لقوله : [ لا نكاح إلا بولي وشاهدين ]
الفصل الخامس : أنه إذا طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها لأن الطلاق قبل الدخول يوجب الرجوع في نصف ما فرض لها قود فرض لها نفسها ولا سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زوالة فرجع بنصف قيمة نفسها وبهذا قال الحسن و الحكم وقال الأوزاعي يرجع بربع قيمتها
ولنا أنه طلاق قبل الدخول فأوجب الرجوع النصف كسائر الطلاق وتعتبر القيمة حالة الإعتاق لأنها حالة الإتلاف فإن لم تكن قادرة على نصف القيمة فهل تستسعى فيها أو تكون دينا تنطر به إلى حال القدرة ؟ على روايتين وإن قلنا إن النكاح لا ينعقد بهذا القول فعليها قيمة نفسها لأنه أزال ملكه بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمة المفوت كالبيع الفاسد وكذلك إن قلنا أن النكاح انعقد به فارتدت قبل الدخول أو فعلت ما ينفسخ به نكاحها مثل أن أرضعت زوجة له صغيرة ونحو ذلك انفسخ نكاحها قيمة نفسها
فصل : وإن قال لأمته أعتقتك على أن تزوجيني نفسك ويكون عتقك صداقك أو لم يقل ويكون عتقك صداقك فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تزوجه نفسها لأنه سلف في نكاح فلم يلزمها كما لو كان أسلف حرة ألفا على أن يتزوجها ولأنها أسقطت حقها من الخيار قبل وجود سببه فلم يسقط كالشفيع يسقط شفعته قبل البيع ويلزمها قيمة نفسها أومأ إليه أحمد في رواية عبد الله وهو مذهب الشافعي لأنه أزال ملكه منها بشرط عوض لم يسلم له فاستحق الرجوع بقيمته كالبيع الفاسد إذا تلفت السلعة في يد المشتري والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول ويحتمل أن لا يلزمها شيء بناء على ما إذا قال لعبده اعتقتك على أن تعطيني ألفا وهذا قول مالك و زفر لأن هذا ليس بلفظ شرط فأشبه ما لو قال أعتقتك وزوجيني نفسك وتعتبر القيمة حالة العتق ويطالبها بها في الحال إن كانت قادرة عليها وإن كانت معسرة فهل تنظر إلى الميسرة أو تجبر على الكسب ؟ على روايتين أصلهما في المفلس هل يجبر على الكسب ؟ على روايتين
فصل : وإن اتفق السيد وأمته على أن يعتقها وتزوجه نفسها فتزوجها على ذلك صح ولا مهر لها غير ما شرط من العتق وبه قال أبو يوسف وقال أبو حنيفة و الشافعي لا يكون العتق صداقا لكن إن تزوجها على القيمة التي له في ذمتها وهما يعلمان القيمة صح الصداق
ولنا أن العتق صلح صداقا في حق النبي صلى الله عليه و سلم فيجوز في حق أمته كالدراهم ولأنه يصلح عوضا في البيع فإنه لة أعتق عبدك على ألف جاز فلأن يكون عوضا في النكاح أولى فإن النكاح لا يقصد فيه العوض وعلى هذا لو تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد في رواية عبد الله إذا ثبت هذا فإن العتق يصير صداقا كما لو دفع إليها مالا ثم تزوجها عليه فإن بذلت له نفسها ليتزوجها فامتنع لم يجبر وكانت له القيمة لأنها إذا لم تجبر على تزويجه نفسها لم يجبر هو على قبولها وحكم المدبرة والمعتقة بصفة وأم الولد حكم الأمة القن في جميع ما ذكرناه
فصل : فإن أعتقت امرأة عبدها بشرط أن يتزوجها عتق ولا شيء عليه لأن النكاح يحصل به الملك للزوج وليس بمملوك به فإذا اشترطت عليه إثبات الملك له لم يلزمه ذلك كما لو اشترطت عليه أن تملكه دارا ولو أراد العبد تزوجها لم تجبر لأن الشرط لها فلا يوجب عليها كما لو شرط السيد على أمته أن تزوجه نفسها لم يلزمه ذلك
فصل : ولا بأس أن يعتق الرجل الأمة ثم يتزوجها سواء أعتقها لوجه الله تعالى أو أعتقها ليتزوجها وكره أنس تزويج من أعتقها لله تعالى قال الأثرم قلت لأبي عبد الله روى شعبة عن قتادة عن أنس أنه كره أن يعتق الأمة ثم يتزوجها فقال نعم قال إذا أعتقها لله كره أن يرجع في شيء منها
ولنا ما روى أبو موسى قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فذلك له أجران ] متفق عليه ولأنه إذا تزوجها فقد أحسن إليها باعفافها وصيانتها فلم يكره كما لو زوجها غيره وليس في هذا رجوع فيما جعل لله فإنه إنما يتزوجها بصداقها فهو بمنزلة من اشترى منها شيئا
فصل : وإذا أراد أن يتزوجها بعد عتقها لم يحتج إلى استبراء سواء كان يطؤها أو لم يكن لأن الاستبراء لصيانة الماء ولا يصان ذلك عنه فإن اشترى أمة فأعتقها قبل أن يستبرئها لم يحل له أن يتزوجها ولا يزوجها حتى يستبرئها لأنه كان واجبا فلا يسقط بإعتاقه لها قال أحمد في الرجل تكون له الأمة لا يطؤها فيعتقها : لا يتزوجها من يومها حتى يستبرئها فإن كان يطؤها فأعتقها تزوجها من يومه ومتى شاء لأنها في مائة قال القاضي معنى قوله إن كان يطؤها أي يحل له وطؤها وهي التي قد استيرأها
وقوله إن كان لا يطؤها أي لا يحل له وطؤها وهي التي لم يمض عليها زمان الاستبراء فلا يحل له تزوجها حتى يستبرئها وإذا مضى لها بعض الاستبراء قبل عتقها أتمته بعده ولا يلزمها استئناف الاستبراء لأن الاستبراء وجب بالشراء لا بالعتق فيحسب ابتداؤه من حين وجد سببه
فصل : وإن قال اعتق عبدك على أن أزوجك ابنتي فأعتقه لم يلزمه أن يزوجه ابنته لأنه سلف في النكاح وعليه قيمة العبد وقال الشافعي في أحد قوليه لا يلزمه شيء لأنه لا فائدة له في العتق
ولنا أنه أزال ملكه عن عبده بعوض شرطه فلزمه عوضه كما لو قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه وكما لو قال طلق زوجتك وعلي ألف فطلقها أو قال الق متاعك في البحر وعلي ثمنه وبهذه الأصول يبطل قولهم أنه لا فائدة له في العتق

مسألة وفصول : الألفاظ التي ينعقد بها النكاح وحكم الأخرس ومن لا يعرف العربية وحكم القبول والإيجاب وما يستحب في النكاح والزواج
مسألة : قال : وإذا قال الخاطب للولي أزوجت فقال نعم وقال للزوج أقبلت قال نعم فقد انعقد النكاح إذا حضره شاهدان
وقال الشافعي لا ينعقد حتى يقول معه زوجتك ابنتي ويقول الزوج قبلت هذا التزويج لأن هذين ركنا العقد ولا ينعقد بدونهما
ولنا أن نعم جواب لقوله أزوجت وقبلت والسؤال يكون مضمرا في الجواب معادا فيه فيكون معنى نعم من الولي زوجته ابنتي ومعنى نعم من المتزوج قبلت هذا التزويج ولا احتمال فيه فيجب أن ينعقد به ولذلك لما قال الله تعالى : { هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } كان إقرارا منهم بوجدان ذلك أنهم وجدوا ما وعدهم ربهم حقا ولو قبل لرجل لي عليك الف درهم قال نعم كان إقرارا صحيحا لا يفتقر إلى نية ولا يرجع في ذلك إلى تفسيره وبمثله تقطع اليد في السرقة فوجب أن ينعقد به التزويج كما لو لفظ بذلك
فصل : ولو قال زوجتك ابنتي فقال قبلت انعقد النكاح وقال الشافعي في أحد قوليه لا ينعقد حتى يقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج لأنه كناية في النكاح يفتقر إلى النية والإضمار فلم ينعقد به كلفظ الهبة والبيع
ولنا أن القبول صريح في الجواب فانعقد به كما ينعقد به البيع وسائر العقود وقولهم يفتقر إلى النية ممنوع فإنه جواب فلا ينصرف إلا إلى المذكور
فصل : وينعقد النكاح بلفظ الإنكاح والتزويج والجواب عنهما إجماعا وهما اللذان ورد بهما نص الكتاب في قوله سبحانه : { زوجناكها } وقوله سبحانه : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وسواء اتفقا من الجانبين أو اختلفا مثل أن يقول زوجتك بنتي هذه فيقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج ولا ينعقد بغير لفظ الإنكاح والتزويج وبهذ قال سعيد بن المسيب و عطاء و الزهري و ربيعة و الشافعي وقال الثوري و الحسن بن صالح و أبو حنيفة وأصحابه و أبو ثور و أبو عبيد و داود ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع والتمليك وفي لفظ الإجارة عن أبي حنيفة روايتان وقال مالك ينعقد بذلك إذا ذكر المهر واحتجوا ب [ أن النبي صلى الله عليه و سلم زوج رجلا امرأة فقال : قد ملكتكها بما معك من القرآن ] رواه البخاري ولأنه لفظ ينعقد به تزويج النبي صلىا لله عليه وسلم فانعقد به نكاح أمته كلفظ الإنكاح والتزويج ولأنه أمكن تصحيحه بمجازة فوجب تصحيحه كإيقاع الطلاق بالكنايات
ولنا قوله تعالى : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } فذكر ذلك خالصا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولأنه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به النكاح كلفظ الإجارة والإباحة والإحلال ولأنه ليس بصريح في النكاح فلا ينعقد به كالذي ذكرنا وهذا لأن الشهادة شرط في النكاح والكناية إنما تعلم بالنية ولا يمكن الشهادة على النية لعدم إطلاعهم عليها فيجب أن لا ينعقد وبهذا فارق بقية العقود والطلاق وأما الخبر فقد روي زوجتكها وأنكحتكها وزوجناكها من طرق صحيحة والقصة واحدة والظاهر أن الراوي روى بالمعنى ظنا منه أن معناها واحد فلا تكون حجة وإن كان النبي صلى الله عليه و سلم جمع بين الألفاظ فلا حجة لهم فيه لأن النكاح انعقد بأحدها والباقي فضلة
فصل : ومن قدر على لفظ النكاح بالعربية لم يصح بغيرها وهذا أحد قولي الشافعي وعند أبي حنيفة ينعقد لأنه أتى بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بلفظ العربية
ولنا أنه عدل عن لفظ الإنكاح والتزويج مع القدرة فلم يصح كلفظ الإحلال فأما من لا يحسن العربية فيصح منه عقد النكاح بلسانه لأنه عاجز عما سواه فسقط عنه كالأخرس ويحتاج أن يأتي بمعناهما الخاص بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي وليس على من لا يحسن العربية تعلم ألفاظ النكاح بها وقال أبو الخطاب عليه أن يتعلم لأن ما كانت العربية شرطا فيه لزمه أن يتعلمها مع القدرة كالتكبير ووجه الأول أن النكاح غير واجب فلم يجب تعلم أركانه بالعربية كالبيع بخلاف التكبير فإن كان أحد المتعاقدين يحسن العربية دون الآخر أتى الذي يحسن العربية بها والآخر يأتي بلسانه فإن كان أحدهما لا يحسن لسان الآخر احتاج أن يعلم أن اللفظة التي أتى بها صاحبه لفظة الإنكاح أن يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعا
فصل : فأما الأخرس فإ نفهمت إشارته صح نكاحه بها لأنه معنى لا يستفاد إلا من جهة واحدة فصح بإشارته كبيعه وطلاقه ولعانه وإن لم تفهم إشارته لم يصح منه كما لم يصح غيره من التصرفات القولية ولأن النكاح عقد بين شخصين ولا بد من فهم كل واحد منهما ما يصدر من صاحبه ولو فهم ذلك صاحبه العاقد معه لم يصح حتى يفهم الشهود أيضا لأن الشهادة شرط ولا يصح على ما لا يفهم قال أحمد لا يزوجه وليه يعني إذا كان بالغا لأن الخرس لا يوجب الحجر فهو كالصمم
فصل : إذا تقدم القبول على الإيجاب لم يصح رواية واحدة وسواء كان اللفظ الماضي مثل أن يقول تزوجت ابنتك فيقول زوجتك أو بلفظ الطلب كقوله زوجني ابنتك فيقول زوجتكها وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي يصح فيهما جميعا لأنه قد وجد الإيجاب والقبول فيصح كما لو تقدم الإيجاب
ولنا أن القبول إنما يكون للإيجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولا فإذا تقدم كان أولى كصيغة الإستفهام ولأنه لو تأخر عن الإيجاب بلفظ الطلب لم يصح فإذا تقدم كان أولى كصيغة الإستفهام ولأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك ابنتي لم يصح فلأن لا يصح إذا أتى بغيرها أولى وأما البيع فلا يشترط فيه صيغة الإيجاب والقبول بل يصح بالمعاطاة ولأنه لا يتعين فيه لفظ بل يصح بأي لفظ كان مما يؤدي المعنى ولا يلزم الخلع لأنه يصح تعليقه على الشروط
فصل : وإذا عقد النكاح هازلا أو تلجئة صح ل [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاث هزلهن جد وجدهن جد : الطلاق والنكاح والرجعة ] رواه الترمذي وعن الحسن قال [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من نكح لاعبا أو طلق لاعبا أو أعتق لاعبا جاز ] قال عمر أربع جائزات إذا تكلم بهن الطلاق والنكاح والعتاق والنذر وقال علي أربع لا لعب فيهن : الطلاق والعتاق والنكاح والنذر
فصل : إذا تراخي القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا عنه بغيره لأن حكم المجلس حكم حالة العقد بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه وثبوت الخيار في عقود المعاوضات فإن تفرقا قبل القبول بطل الإيجاب فإنه لا يوجد معناه فإن الإعراض قد وجد من جهته بالتفريق فلا يكون قبولا وكذلك أن تشاغلا عنه بما يقطعه لأنه معرض عن العقد أيضا بالإشتغال عن قبوله وقد نقل أبو طالب عن أحمد في رجل مشى إليه قوم فقالوا له زوج فلانا قال قد زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا ؟ قال نعم قال القاضي هذا محمول على أنه وكل من قبل العقد في المجلس وقال أبو بكر مسأل أبي طالب التوجه على قولين واختار أنه لا بد من القبول في المجلس وهو الصحيح إن شاء الله تعالى
فصل : فإن أوجب النكاح ثم زال عقله بجنون أو إغماء بطل حكم الإيجاب ولم ينعقد بالقبول بعده ما لم يضامه القبول لم يكن عقدا فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون وهذا مذهب الشافعي وإن زال عقله بنوم لم يبطل حكم الإيجاب لأنه لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هذا
فصل : ولا يثبت في النكاح خيار وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط ولا نعلم أحدا خالف في هذا وذلك لأن الحاجة غير داعية إليه فإنه لا يقع في الغالب إلا بعد ترو وفكر ومسألة كل واحد من الزوجين عن صاحبه والمعرفة بحاله بخلاف البيع الواقع في الأسواق من غير فكر ولا روية ولأن النكاح ليس بمعاوضة محضة ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا صفة ويصح من غير تسمية العوض ومع فساده ولأن ثبوت الخيار فيه يفضي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة فإن في فسخه بعد العقد ضررا بالمرأة ولذلك أوجب الطلاق قبل الدخول نصف الصداق
فصل : ويستحب أن يخطب العاقد أو غيره قبل التواجب ثم يكون العقد بعده لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع ] وقال : [ كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء ] رواهما ابن المنذذر ويجزىء من ذلك أن يحمد الله ويتشهد ويصلي على رسول الله صلى الله عليه و سلم والمستحب أن يخطب بخطبة عبد الله بن مسعود التي قال علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة قال التشهد في الحاجة أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات : { اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } { اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم } الآية رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن قال الخلال حدثنا أبو سلمان أمام طرسوس قال كان الإمام أحمد بن حنبل إذا حضر عقد نكاح فلم يخطب فيه بخطبة عبد الله بن مسعود قام وتركهم وهذا كان من أبي عبد الله من المبالغة في استحبابها لا على الإيجاب فإن حرب بن إسماعيل قال قلت لـ أحمد فيجب أن تكون خطبة النكاح مثل قول ابن مسعود فوسع في ذلك وقد روي عن ابن عمر أنه كان إذا دعي ليزوج قال لا تغصوا علينا الناس الحمد لله وصلى الله على محمد إن فلانا يخطب إليكم فإن أنكحتموه فالحمد لله وإن رددتموه فسبحان الله والمستحب خطبة واحدة يخطبها الولي أو الزوج أو غيرهما وقال الشافعي المسنون خطبتان هذه التي ذكرناها في أوله وخطبة من الزوج قبل قبوله والمنقول عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن السلف خطبة واحدة وهو أولى ما اتبع
فصل : والخطبة غير واجبة عند أحد من أهل العلم علمناه إلا داود فإنه أوجبها لما ذكرناه
ولنا [ أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم يا رسول الله زوجنيها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : زوجتكها بما معك من القرآن ] متفق عليه ولم يذكر خطبة وخطب إلى عمر مولاة له فما زاد على أن قال أنكحناك على ما أمر الله على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقال جعفر بن محمد عن أبيه إن كان الحسين ليزوج بعض بنات الحسن وهو يتعرق العرق رواهما ابن المنذر وروى أبو داود بإسناده [ عن رجل من بني سليم قال خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم امامة بنت عبد المطلب فأنكحني ] من غير أن يتشهد ولأنه عقد معاوضة فلم تجب فيه الخطبة كالبيع وما استدلوا به يدل على عدم الكمال بدون الخطبة لا على الوجوب
فصل : ويستحب إعلان النكاح والضرب فيه بالدف قال أحمد يستحب أن يظهر النكاح ويضرب فيه بالدف حتى يشتهر ويعرف وقيل له ما الدف ؟ قال : هذا الدف قال لا بأس بالغزل في العرس بمثل قول النبي صلى الله عليه و سلم للأنصار : [ أتيناكم أتيانكم فحيونا نحيكم لولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السوداء ما سرت عذاريكم ] لا على ما يصنع الناس اليوم ومن غير هذا الوجه : ولولا الحنطة الحمراء ما سمنت عذاريكم
وقال أحمد أيضا يستحب ضرب الدف الصوت في الإملاك فقيل له ما الصوت ؟ قال يتكلم ويتحدث ويظهر والأصل في ما روى محمد بن حاطب قال [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح ] رواه النسائي و [ قال عليه السلام : أعلنوا النكاح ] ـ وفي لفظ ـ [ أظهروا النكاح ] وكان يجب أن يضرب عليها بالدف وفي لفظ : [ واضربوا عليه بالغربال ]
و [ عن عائشة أنها زوجت يتيمة رجلا من الأنصار وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها قالت فلما رجعنا قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما قلتم يا عائشة ؟ ـ قالت سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا فقال ـ إن الأنصار قوم فيهم غزل ألا قلتم يا عائشة أتيناكم فحيانا وحياكم ؟ ] روى هذا كله أبو عبد الله بن ماجة في سننه وقال أحمد رحمه الله لا بأس بالدف في العرس والختان وأكره الطبل وهو المنكر وهو الكوية التي نهى النبي صلى الله عليه و سلم
فصل : فإن عقده بولي وشاهدين فأسروه أو تواصوا بكتمانه كره ذلك وصح النكاح وبه يقول أبو حنيفة و الشافعي و ابن المنذر وممن كره نكاح السر عمر رضي الله عنه وعروة وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة و الشعبي ونافع مولى ابن عمر وقال أبو بكر عبد العزيز النكاح باطل لأن أحمد قال إذا تزوج بولي وشاهدين : لا حتى يعلنه وهذا مذهب مالك والحجة لهما ما تقدم في الفصل الذي قبل هذا
ولنا قوله : [ لا نكاح إلا بولي ] مفهومه انعقاده بذلك وإن لم يوجد الإظهار ولأنه عقد معاوضة فلم يشترط إظهاره كالبيع وأخبار الإعلان يراد بها الإستحباب بدليل أمره فيها بالضرب بالدف والصوت وليس ذلك بواجب فكذلك ما عطف عليه وقول أحمد : لا نهي كراهة فإنه قد صرح فيما حكينا عنه قبل هذا بإستحباب ذلك ولأن إعلان النكاح والضرب فيه بالدف إنما يكون في الغالب بعد عقده ولو كان شرطا لاعتبر حالة العقد كسائر الشروط
فصل : ويستحب عقد النكاح يوم الجمعة لأن جماعة من السلف استحبوا ذلك منهم سمرة ابن حبيب وراشد بن سعيد وحبيب بن عتبة ولأنه يوم شريف ويوم عيد فيه خلق الله آدم عليه السلام والمساية أولى بأن أبا حفص روى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مسوا بالاملاك فإنه أعظم للبركة ] ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل لإنتظاره
فصل : ويستحب أن يقال للمتزوج بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما على خير وعافية وقد [ روي أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى على عبد الرحمن أثر الصفرة فقال : ما هذا ؟ فقال إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب قال : بارك الله لك أو لم ولو بشاة ] متفق عليه قال بعض أهل وزن النواة خمسة دراهم وذلك ثلاثة مثاقيل ونصف من الذهب وقال المبرد الصواب عند أهل العلم بالعربية أن يقال على نواة فحسب فإن النواة عندهم اسم خمسة دراهم كما أن الأوقية أربعون درهما والنش عشرون والله أعلم
فصل : ويستحب أن يقول إذا زفت إليه ما روى صالح بن أحمد في مسائله عن أبيه حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال تزوج فحضره عبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فحضرت الصلاة فقدموه وهو مملوك فصلى بهم ثم قالوا له إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين ثم خذ برأس أهلك فقل اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في وارزقهم مني وارزقني منهم ثم شأنك وشأن أهلك وروى أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إذا تزوج أحدكم امرأة واشترى خادما فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك ]

مسألة ليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات
مسألة : قال : وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات
أجمع أهل العلم على هذا ولا نعلم أحدا خالفه إلا شيئا يحكى عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعا لقول الله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ولواو للجمع ولأن النبي صلى الله عليه و سلم مات عن تسع وهذا ليس بشيء لأنه خرق للإجماع وترك للسنة ف [ إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة : أمسك أربعا وفارق سائرهن ] و [ قال نوفل بن معاوية أسلمت وتحتي خمس نسوة فقال النبي صلى الله عليه و سلم : فارق واحدة منهن ] رواهما الشافعي في مسنده وإذا منع من استدامة زيادة عن أربع فالابتداء أولى فالآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع كما قال : { أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع } ولم يرد أن لكل ملك تسعة أجنحة ولو أراد ذلك لقال تسعة ولم يكن للتطويل معنى ومن قال غير هذا فقد جهل اللغة العربية وأما النبي صلى الله عليه و سلم فمخصوص بذلك ألا ترى أنه جمع بين أربعة عشر

مسألة ليس للعبد أن يجمع إلا اثنتين
مسألة : قال : وليس للعبد أن يجمع إلا اثنتين
أجمع أهل العلم على أن للعبد أن ينكح اثنتين واختلفوا في إباحة الأربع فمذهب أحمد أنه لا يباح له إلا اثنتان وهذا قول عمر رضي الله عنه وعلي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وبه قال عطاء و الحسن و الشعبي و قتادة و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وقال القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله و طاوس و مجاهد و الزهري و ربيعة و مالك و أبو ثور و داود له نكاح أربع لعموم الاية ولأن هذه طريق اللذة والشهوة فساوى العبد الحر فيه كالمأكول
ولنا قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا وقد روى ليث ابن بني سليم عن الحكم بن قتيبة قال : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين ويقوي هذا ما روى الإمام أحمد عن محمد بن سيرين أن عمر رضي الله عنه سال الناس : كم يتزوج العبد ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف بإثنتين وطلاقه بإثنتين فدل هذا على أن ذلك كان بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر وهذا يخص عموم الآية على أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار وهو قوله : { أو ما ملكت أيمانكم } ويفارق النكاح المأكول فإنه مبني على التفضل ولهذا فارق النبي صلى الله عليه و سلم فيه أمته ولأن فيه ملكا والعبد ينقص في الملك عن الحر

مسألة و فصول : في تسري العبد بإذن سيده وفي أن المكاتب كالعبد القن
مسألة : قال : وله أن يتسرى بإذن سيده
هذا هو المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس و الشعبي و النخعي و الزهري و مالك و الأوزاعي و الثوري و أبي ثور وكره ذلك ابن سيرين و حماد بن أبي سليمان و الثوري وأصحاب الرأي ولـ الشافعي قولان مبنيان على أن العبد هل يملك بتمليك سيده أو لا ؟ قال القاضي أبو يعلي يجب أن يكون في مذهب احمد في تسري العبد وجهان مبنيان على الروايتين في ثبوت الملك له بتمليك سيده واحتج من منع ذلك بأن العبد لا يملك المال ولا يجوز الوطء إلا في نكاح أو ملك يمين لقول الله تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون }
ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفا وروي الأثرم باسناده عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يتسرى العبد ونحوه عن ابن عباس ولأن العبد يملك في النكاح فملك التسري كالحر وقولهم إن العبد لا يملك المال ممنوع ف [ إن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من اشترى عبدا وله مال ] فجعل المال له ولأنه آدمي فملك المال كالحر وذلك لأنه بآدميته يتمهد لأهلية الملك إذ كان الله تعالى خلق الأموال للآدميين ليستعينوا بها على القيام بوظائف التكاليف وأداء العبادات قال الله تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } والعبد داخل في العموم ومن أهل التكليف والعبادات فيكون أهلا للملك ولذلك ملك في النكاح وإذا ثبت الملك للجنين مع كونه نطفة لا حياة فيها باعتبار مآله إلى الآدمية فالعبد الذي هو آدمي مكلف أولى
إذا ثبت هذا فلا يجوز له التسري إلا باذن سيده ولو ملكه سيده جارية لم يبح له وطؤها حتى يأذن له فيه لأن ملكه ناقص ولسيده نزعه منه متى شاء من غير فسخ عقد فلم يكن له التصرف فيه إلا بإذن سيده فإن أذن له فقال تسر بها أو أذنت لك في وطئها أو ما دل عليه أبيح له وما ولد له من التسري فحكمه حكم ملكه لأن الجارية مملوكة له فكذلك ولدها وإن تسرى بغير اذن سيده فالولد ملك سيده
فصل : وله التسري بما شاء إذا أذن له السيد في ذلك نص عليه أحمد لأن من جاز له التسري جاز من غير حصر كالحر فإن أذن له وأطلق التسري تسرة بواحدة وكذلك إذا إذن له في التزويج لم يجز أن يتزوج أكثر من واحدة وبهذا قال أصحاب الرأي و أبو ثور وإذا أذن له في التزويج فعقد على اثنتين في عقد جاز ولنا أن الاذن المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم يقينا وما زاد مشكوك فيه فيبقى على الأصل كما لو أذن له في طلاق امرأته لم يكن له أن يطلق أكثر من واحدة ولأن الزائد على الواحدة يحتمل أن يكون غير مراد فيبقى على أصل التحريم كما لو شك هل أذن له أو لا ؟
فصل : والمكاتب كالعبد القن لا يتزوج ولا يتسرى إلا بإذن سيده لأن في ذلك إتلافا للمال الذي في يديه وقد [ قال عليه السلام : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] وأما المعتق يعضه فإذا ملك بجزئه الحر جارية فملكه تام وله الوطء بغير اذن سيده لقوله سبحانه : { أو ما ملكت أيمانكم } ولأن ملكه عليها تام له التصرف فيها بما شاء بغير اذن سيده فكذلك الوطء وما فيه من الرق لا يمنعه من استيفاء ما يملكه كما له أن يتصرف ويأكل ما ملكه بنصفه الحر وقال القاضي حكمه حكم القن وهو منصوص الشافعي وقال بعض أصحابه كقولنا واحتج من منع ذلك بأنه لا يمكنه الوطء بنصفه الحر وحده وكذلك منعناه التزويج حتى يأذن له سيده
ولنا أنه لا حق لسيده فيها ولا يلحقه ضرر باستمتاعه منها فلم يعتبر اذنه فيها كاستخدامها وأما التزويج فانه يلزمه به حقوق تتعلق بجملته فاعتبر رضا سيده ليكون راضيا بتعلق الحق بملكه بخلاف مسألتنا فان الحق له لا عليه فأما إن أذن له سيده فيه جاز إلا عند من منع العبد التسري لأنه كالقن في قولهم
فصل : نقل محمد بن ماهان عن أحمد لا بأس للعبد أن يتسرى إذا أذن له سيده فإن رجع السيد فليس له أن يرجع إذا أذن له مرة وتسرى وكذلك نقل عنه إبراهيم بن هانىء ويعقوب بن بختان ولم أر عنه خلاف هذا فظاهر هذا أنه إذا تسرى بإذن السيد لم يملك السيد الرجوع لأنه يملك به البضع فلم يملك سيده فسخه قياسا على النكاح
وقال القاضي يحتمل أنه أراد بالتسري ههنا التزويج وسماه تسريا مجازا ويكون للسيد الرجوع فيما ملك عبده وظاهر كلام أحمد خلاف هذا وذلك لأنه ملكه بضعا أبيح له وطؤه فلم يملك رجوعه فيه كما لو زوجه

مسألة حكم ما لو طلق الحر أو العبد إلخ
مسألة : قال : ومتى طلق الحر أو العبد طلاقا يملك الرجعة أو لا يملك لم يكن له أن يتزوج أختها حتى تنقضي عدتها وكذلك إذا طلق واحدة من أربع لم يتزوج حتى تنقضي عدتها وكذلك العبد إذا طلق إحدى زوجتيه
وجملة ذلك أن الرجل إذا تزوج امرأة حرمت عليه أمها على التأييد وتحرم عليه أختها وعمتها وخالتها وبنت أخيها وبنت أختها تحريم جمع وكذلك إن تزوج الحر أربعا حرمت الخامسة تحريم جمع وإن تزوج العبد اثنتين حرمت الثالثة تحريم جمع فإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا فالتحريم باق بحاله في قولهم جميعا وإن كان الطلاق بائنا أو فسخا فكذلك عند امامنا حتى تنقضي عدتها وروي ذلك عن علي وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب و مجاهد و النخعي و الثوري وأصحاب الرأي وقال القاسم بن محمد وعروة و ابن أبي ليلى و مالك و الشافعي و أبو ثور و ابو عبيد و ابن المنذر : له نكاح جميع من سمينا في تحريم الجمع وروي ذلك عن زيد بن ثابت لأن المحرم الجمع بينهما في النكاح بدلي قوله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم } أي نكاحهن ثم قال : { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } معطوفا عليه والبائن ليست في نكاحه ولأنها بائن فاشبهت المطلقة قبل الدخول
ولنا قول علي وابن عباس وروي عن عبيدة السلماني أنه قال ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر وأن لا تنكح امرأة في عدة أختها وروي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين ] وروي عن أبي الزناد قال : كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة فطلق واحدة البتة وتزوج قبل أن تحل فعاب ذلك عليه كثير من الفقهاء وليس كلهم عابه قال سعيد بن منصور : إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأي شيء بقي ؟ ولأنها محبوسة عن النكاح لحقه أشبه ما لو كان الطلاق رجعيا ولأنها معتدة في حقه أشبهت الرجعية وفارق المطلقة قبل الدخول بها

فصل حكم ما لو أسلم زوج المجوسية والوثنية
فصل : ولو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية أو انفسخ النكاح بين الزوجين بخلع أو رضاع أو فسخ بعيب أو إعسار أو غيره لم يكن له أن يتزوج أحدا ممن يحرم الجمع بينه وبين زوجته حتى تنقضي عدتها سواء قلنا بتعجيل الفرقة أو لم نقل وإن أسلمت زوجته فتزوج أختها في عدتها ثم أسلما في عدة الأولى اختار منهما واحدة كما لو تزويجهما معا وإن أسلم بعد انقضاء عدة الأولى بانت وثبت نكاح الثانية

فصل إذا أعتق أو الولد أو أمة كان يصيبها فليس له أن يتزوج أختها حتى ينقضي استبراؤها
فصل : إذا أعتق أم الولد أو أمة كان يصيبها فليس له أن يتزوج أختها حتى ينقضي استبراؤها نص عليه احمد في أم الولد وقال أبو يوسف و محمد بن الحسن يجوز لأنها ليست زوجة ولا في عدة من نكاح
ولنا أنها معتدة منه فلم يجز له نكاح أختها كالمعتدة من نكاح أو وطء بشبهة ولأنه لا يأمن أن يكون ماؤه في رحمها فيكون داخلا في عموم من جمع ماءه في رحم أختين ولا يمنع من نكاح أربع سواها ومنعه زفر وهو غلط لأن ذلك جائز قبل إعتاقها فبعده أولى

فصل لا يمنع من نكاح أمة في عدة حرة
فصل : ولا يمنع من نكاح أمة في عدة حرة بائن ومنعه أبو حنيفة كما يحرم عليه أن يتزوجها في صلب نكاحها
ولنا أنه عادم للطول خائف للعنت فأبيح له نكاح لقوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا } الآية ولا نسلم أنه لا يجوز في صلب نكاح الحرة بل يجوز إذا تحقق الشرطان

فصل إذا زنى بإمرأة فليس له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها
فصل : وإن زنى بإمرأة فليس له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها وحكم العدة من الزنا والعدة من وطء الشبهة كحكم العدة من النكاح فإن زنى بأخت امرأته فقال أحمد يمسك عن وطء امرأته حتى تحيض ثلاث حيض وقد ذكر عنه في المزني بها أنها تستبرىء بحيضة لأنه وطء من غير نكاح ولا أحكامه أحكام النكاح ويحتمل أن لا تحرم بذلك أختها ولا أربع سواها لأنها ليست منكوحة ومجرد الوطء لا يمنع بدليل الوطء في ملك اليمين لا يمنع أربعا سواها

فصل حكم ما لو ادعى الزوج أن امرأته أخبرته بإنقضاء عدتها
فصل : وإذا ادعى الزوج أن امرأته أخبرته بإنقضاء عدتها في مدة يجوز انقضاؤها فيها وكذبته أبيح له نكاح أختها وأربع سواها في الظاهر فأما في الباطن فيبنى على صدقه في ذلك لأنه حق فيما بينه وبين الله تعالى فيقبل قوله فيه ولا يصدق في نفي نفقتها وسكناها ونفي النسب لأنه حق لها ولولدها فلا يقبل قوله فيه وبه قال الشافعي وغيره وقال زفر لا يصدق في شيء لأنه قول واحد لا يصدق في بعض حكمه فلا يصدق في البعض الآخر قياسا لأحدهما على الآخر وذلك لأنه لا يمكن أن يكون القول الواحد صدقا وكذبا
ولنا أنه قول يتضمن إبطال حق لغيره وحقا له لا ضرر على غيره فيه فوجب أن يصدق في أحدهما دون الآخر كما لو اشترى عبدا ثم أقر أن البائع كان أعتقه صدق في حريته ولم يصدق في الرجوع بثمنه وكما لو أقر أن امرأته أخته من الرضاع قبل الدخول صدق في بينونتها وتحريمها عليه ولم يصدق في سقوط مهرها

مسألة و فصول : من شروط النكاح تعيين الزوجين
مسألة : قال : ومن خطب امرأة فزوج بغيرها لم ينعقد النكاح
معنى ذلك أن يخطب الرجل امرأة بعينها فيجاب إلى ذلك ثم يوجب له النكاح في غيرها وهو يعتقد أنها التي خبها فيقبل فلا ينعقد النكاح لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الإيجاب فيه فلم يصح كما لو ساومه بثوب وأوجب العقد في غيره بغير علم المشتري فلو علم الحال بعد ذلك فرضي لم يصح قال أحمد في رجل خطب جارية فزوجوه أختها ثم علم بعد يفرق بينهما ويكون الصداق على وليها لأنه غرة ويجهز إليه أختها التي خطبها بالصداق الأول فإن كانت تلك قد ولدت منه يلحق به الولد وقوله يجهز إليه أختها يعني والله أعلم بعقد جديد بعد انقضاء عدة هذه إن كان أصابها لأن العقد الذي عقده لم يصح في واحدة منهما لأن الإيجاب صدر في إحداهما والقبول في أخرى فلم ينعقد في هذه ولا في تلك فإن اتفقوا على تجديد عقد في احداهما أيتهما كان جاز
وقال أحمد في رجل تزوج امرأة فأدخلت عليها أختها لها المهر بما أصاب منها ولأختها المهر قيل يلزمه مهران ؟ قال نعم ويرجع على وليها هذه مثل التي بها برص أو جذام علي يقول ليس عليه غرم وهذا ينبغي أن يكون في امرأة جاهلة بالحال أو بالتحريم أما إذا علمت أنها ليست زوجة محرمة عليه وأمكنته من نفسها فلا ينبغي أن يجب لها صداق لأنها زانية تطاوعه فأما إن جهلت الحال فلها المهر ويرجع به على من غره وروي عن علي رضي الله عنه في رجلين تزوجا امرأتين فزفت كل امرأة إلى زوج الأخرى لهما الصداق ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها وبه قال النخعي و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي
فصل : من شرط صحة النكاح تعيين الزوجين لأن كل عاقد ومعقود عليه يجب تعيينهما كالمشتري والمبيع ثم ينظر فإن كانت المرأة حاضرة فقال زوجتك هذه صح فإن الإشارة تكفي في التعيين فإن زاد على ذلك فقال بنتي هذه أو هذه فلانة كان تأكيدا وإن كانت غائبة فقال زوجتك بنتي وليس له سواها جاز فإن سماها بإسمها مع ذلك كان تأكيدا فإن كان له ابنتان أو أكثر فقال زوجتك ابنتي لم يصح حتى يضم إلى ذلك ما تتميز به من إسم أو صفة فيقول زوجتك ابنتي الكبرى أو الوسطى أو الصغرى فإن سماها مع ذلك كان تأكيدا وإن قال زوجتك ابنتي عائشة أو فاطمة صح وإن كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فقال زوجتك فاطمة لم يصح لأن هذا الإسم مشترك بينها وبين سائر الفواطم حتى يقول مع ذلك ابنتي
وقال بعض الشافعية يصح إذا نوياها جميعا وليس بصحيح لأن النكاح تعتبر فيه الشهادة على وجه يمكن اداؤها إذا ثبت به العقد وهذا متعذر في النية فلذلك لو قال زوجتك ابنتي وله بنات لم يصح حتى يميزها بلفظه وإن قال زوجتك فاطمة ابنة فلان احتاج أن يرفع في نسبها حتى يبلغ ما تتميز به عن النساء
فصل : فإن كان له ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال زوجتك ابنتي عائشة وقبل الزوج ذلك وهما ينويان الصغرى لم يصح ذكره أبو حفص وقال القاضي يصح في التي نوياها وهذا غير صحيح لوجهين :
أحدهما : أنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه فأشبه ما لو قال زوجتك عائشة فقط أو ما لو قال زوجتك ابنتي ولم يسمها وإذا لم يصح فيما إذا لم يسمها ففيما إذا سماها بغير اسمها أولى أن لا يصح
والثاني : أنه لا يصح النكاح حتى تذكر المرأة بما تتميز به ولم يوجد ذلك فإن اسم أختها لا يميزها بل يصرف العقد عنها وإن كان الولي يريد الكبرى والزوج يقصد الصغرى لم يصح كمسألة الخرقي فيما إذا خطب امرأة وزوج غيرها لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الإيجاب فيه ويحتمل أن يصح إذا لم يتقدم ذلك ما يصرف القبول إلى الصغرى من خطبة ونحوها فإن العقد بلفظه متناول للكبرى ولم يوجد ما يصرفه عنها فصح كما لو نوى الولي الصغرى والزوج الكبرى أو نوى الولي الكبرى ولم يدر الزوج أيتهما هي فعلى الأول لا يصح التزويج لعدم النية منهما في التي يتناولها لفظهما وعلى الإحتمال الذي ذكرناه يصح في المعنية باللفظ لما ذكرناه
فصل : فإن كان له ابنة واحدة فقال لرجل زوجتك ابنتي وسماها بغير اسمها فقال القاضي يصح وهو قول أصحاب الشافعي لأن قوله بنتي آكد من التسمية لأنها لا مشاركة فيها والإسم مشترك ولو قال زوجتك هذه وأشار إليها وسماها بغير إسمها يجب أن يصح على هذا التعليل
فصل : ولو قال زوجتك حمل هذه المرأة لم يصح لأنه لم يثبت له حكم البنات قبل الظهور في غير الإرث والوصية ولأنه لم يتحقق أن في البطن بنتا فأشبه ما لو قال زوجتك من في هذه الدار وهما لا يعلمان ما فيها ولو قيل إذا ولدت امرأتي بنتا زوجتكها لم يصح لأنه تعليق للنكاح على شرط والنكاح لا يتعلق على شرط ولأن هذا مجرد وعد لا ينعقد به عقد

مسألة حكم ما لو تزوجها وشرط لها أن لا يحرجها من دارها وبلدها
مسألة : قال : وإذا تزوجها وشرط لها أن لا يخرجها من دارها وبلدها فلها شرطها لما روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج ] وإن تزوجها وشرط لها أن لا يتزوج عليها فلها فراقه إذا تزوج عليها
وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة : أحدها : ما يلزم الوفاء به وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها ولا يتزوج عليها ولا يتسرى عليها فهذا يلزمه الوفاء لها به فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز و جابر بن زبد و طاوس و الأوزاعي و إسحاق وأبطل هذه الشروط الزهري و قتادة و هشام بن عروة و مالك و الليث و الثوري و الشافعي و ابن المنذر وأصحاب الرأي قال أبوحنيفة و الشافعي ويفسد المهر دون العقد ولها مهر المثل واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ] وهذا ليس في كتاب الله لأن الشرع لا يقتضيه و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ] وهذا يحرم الحلال وهو التزويج والتسري والسفر ولأن هذا شرط ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه ولم يبن على التغليب والسراية فكان فاسدا كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج ] رواه سعيد وفي : [ ان أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج ] متفق عليه وأيضا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ المسلمون على شروطهم ] ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم فكان اجماعا وروى الأثرم باسناده أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال لها شرطها فقال الرجل إذا تطلقينا فقال عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط لها فيه منفعة ومقصود لا يمنع المقصود من النكاح فكان لازما كما لو شرطت عليه زيادة في المهر أو غير نقد البلد وقوله عليه السلام : [ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ] أي ليس في حكم الله وشرعه وهذا مشروع وقد ذكرنا ما دل على مشروعيته على أن الخلاف في مشروعيته وعلى من نفي ذلك الدليل وقولهم ان هذا يحرم الحلال قلنا لا يحرم حلالا وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ إن لم يف لها به وقولهم ليس من مصلحته قلنا لا نسلم ذلك فانه من مصلحة المرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقدة كاشتراط الرهن والضمين في البيع ثم يبطل بالزيادة على مهر المثل وشرط غير نقد البلد
إذا ثبت أنه شرط لازم فلم يف لها به فلها الفسخ ولهذا قال الذي قضى عليه عمر بلزوم الشرط إذا تطلقينا فلم يلتفت عمر إلى ذلك وقال مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط لازم في عقد فيثبت حق الفسخ بترك الوفاء به كالرهن والضمين في البيع

فصل اشتراط المرأة لتزويجها طلاق ضرتها بطلاقه
فصل : فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط لماروى أبو هريرة قال [ نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن تشترط المرأة طلاق أختها ] وفي لفظ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتنكح ] والنهي يقتضي الفساد المنهي عنه ولأنها شرطت عليه فسخ عقده وإبطال حقه وحق امرأته فلم يصح كما لو شرطت عليه فسخ بيعه وقال أبو الخطاب هو شرط لازم لأنه لا ينافي العقد ولها فيه فائدة فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها ولم أر هذا لغيره وقد ذكرنا ما يدل على فساده وعلى قياس هذا لو شرطت عليه بيع أمته
القسم الثاني : ما يبطل الشرط ويصح العقد مثل أن يشترط أن لا مهر لها أو أن ينفق عليها أو ان أصدقها رجع عليها أو تشترط عليه أن لا يطأها أو يعزل عنها أو يقسم لها من قسم صاحبتها أو أكثر أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة أو شرط لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها لأنها تنافي مقتضى العقد ولأنها تتضمن اسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده قلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع فأما العقد في نفسه فصحيح لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطل كما لو شرط في العقد صداقا محرما لأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتاق فقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة ثم رجعت وقالت لا أرضى إلا ليلة وليلة فقال : لها أن تنزل بطيب نفس منها فان ذلك جائز وإن قالت لا أرضى إلا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه إن شاءت
ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط فان شاءت رجعت وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم : النكاح جائز ولها أن ترجع في هذا الشرط وقد نقل عن أحمد كلام في بعض هذه الشروط يحتمل إبطال العقد نقل عنه المروذي في النهاريات والليليات : ليس هذا من نكاح أهل الاسلام وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن شبرمة
وقال الثوري : الشرط باطل وقال أصحاب الرأي إذا سألته أن يعدل لها عدل وكان الحسن و عطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأسا وكان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها على أن يجعل لها في الشهر أياما معلومة ولعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط وإجازة من أجازه راجع إلى أصل النكاح فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط كما قلنا والله أعلم
وقال القاضي إنما كره أحمد هذا النكاح لأنه يقع على وجه السر ونكاح السر منهي عنه فان شرط عليه ترك الوطء احتمل أن يفسد العقد لأنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهذا مذهب الشافعي وكذلك ان شرط عليه أن لا تسلم اليه فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا على أن لا يقبضه وان شرط عليها أن لا يطأها لم يفسد لأن الوطء حقه عليها وهي لا تملكه عليه ويحتمل أن يفسد لأن لها فيه حقا ولذلك تملك مطالبته به إذا آلى والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة
القسم الثالث : ما يبطل النكاح من أصله مثل أن يشترطا تأقيت النكاح وهو نكاح المتعة أو أن يطلقها في وقت بعينه أو يعلقه على شرط مثل أن يقول زوجتك إن رضيت أمها أو فلان أو يشترط الخيار في النكاح لهما أو لأحدهما فهذه شروط باطلة في نفسها ويبطل بها النكاح وكذلك إن جعل صداقها تزويج امرأة أخرى وهو نكاح الشغار ونذكر ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى
وذكر أبو الخطاب فيما إذا شرط الخيار إن رضيت أمها وإن جاءها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما روايتين احداهما : النكاح صحيح والشرط باطل وقد قال أبو ثور إذا شرط الخيار وحكاه عن أبي حنيفة وزعم أنه لا خلاف فيها وقال ابن المنذر قال أحمد و اسحاق إذا تزوجها على أنه إن جاء بالمهر في وفت كذك وكذا وإلا فلا نكاح بينهما الشرط باطل والعقد جائز وهو قول عطاء و الثوري و أبو حنيفة و الأوزاعي وروي ذلك عن الزهري وروى ابن منصور عن أحمد في هذا أن العقد والشرط جائزان لقوله عليه السلام : [ المسلمون على شروطهم ]
والرواية الأخرى : يبطل العقد من أصله في هذا لأن النكاح لا يكون إلا لازما وهذا يوجب جوازه ولأنه إذا قال إن رضيت أمها أو أن جئتني في وقت كذا فقد وقف النكاح على شرط ولا يجوز وقفه على شرط وهذا قول الشافعي ونحوه عن مالك و أبي عبيد

فصل اشتراط الخيار في الصداق خاصة لا يبطل النكاح
فصل : وإن شرط الخيار في الصداق خاصة لم يفسد النكاح لأن النكاح ينفرد عن ذكر الصداق ولو كان الصداق حراما أو فاسدا لم يفسد النكاح فلأن لا يفسد بشرط الخيار فيه أولى ويخالف البيع فإنه إذا فسد أحد العوضين فيه فسد الآخر فإذا ثبت هذا ففي الصداق ثلاثة أوجه :
أحدها : يصح الصداق ويبطل شرط الخيار كما يفسد الشرط في النكاح ويصح النكاح والثاني : يصح ويثبت الخيار فيه لأن عقد الصداق عقد منفرد يجري مجرى الأثمان فثبت فيه الخيار كالبياعات والثالث : يبطل الصداق لأنها لم ترض به فلم يلزمها كما لم يوافقه على شيء

مسألة جواز النظر إلى المرأة التي يريد تزوجها
مسألة : قال : ومن أراد أن يتزوج امرأة فله أن ينظر إليها من غير أن يخلو بها
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها وقد [ روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل قال فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها ] رواه أبو داود وفي هذا أحاديث كثيرة سوى هذا ولأن النكاح عقد يقتضي التمليك فكان للعاقد النظر إلى المعقود عليه كالنظر إلى الأمة المستامة ولا بأس بالنظر إليها بإذنها وغير إذنها لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمرنا بالنظر وأطلق وفي حديث جابر فكنت أتخبأ لها وفي حديث عن المغيرة بن شعبة أنه استأذن أبويها في النظر إليها فكرهاه فأذنت له المرأة رواه سعيد ولا يجوز له الخلوة بها لأنها محرمة ولم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ف [ إن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يخلون رجل بإمرأة فإن ثالثهما الشيطان ] ولا ينظر إليها نظرة نظرة تلذذ وشهوة ولا لريبة وقال أحمد في رواية صالح ينظر إلى الوجه ولا يكون عن طريق لذة وله أن يردد النظر إليها ويتأمل محاسنها لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك

فصل إباحة النظر إلى الوجه لأنه ليس بعورة
فصل : ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها وذلك لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن وموضع النظر ولا يباح له النظر إلى ما لا يظهر عادة وحكي عن الأوزاعي أنه ينظر إلى مواضع اللحم وعن داود أنه ينظر إلى جميعها لظاهر قوله عليه السلام : [ أنظر إليها ]
ولنا قول الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } وروي عن ابن عباس أنه قال الوجه وبطن الكف ولأن النظر محرم أبيح للحاجة فيختص بما تدعو الحاجة إليه وهو ما ذكرنا والحديث مطلق ومن ينظر إلى وجه إنسان سمي ناظرا إليه ومن رآه عليه أثوابه سمي رائيا له كما قال الله تعالى : { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } { وإذا رآك الذين كفروا } فأما ما يظهر غالبا سوى الوجه كالكفين والقدمين ونحو ذلك مما يظهر المرأة في منزلها ففيه روايتان :
احداهما : لا يباح النظر إليه لأنه عورة فلم يبح النظر إليه كالذي لا يظهر فإن عبد الله روى [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : المرأة عورة ] حديث حسن ولأن الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه فبقي ما عداه على التحريم
والثانية : له النظر إلى ذلك قال أحمد في رواية حنبل لا بأس أن ينظر إليها وإلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم ونحو ذلك وقال أبو بكر لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة وقال الشافعي ينظر إلى تلوجه والكفين ووجه جواز النظر ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة إذ لا يمكن افراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور ولأنه يظهر غالبا فأبيح النظر إليه كالوجه ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم وقد روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال خطب عمر بن الخطاب ابنة علي فذكر منها صغيرا فقالوا له إنما ردك فعادوه فقال نرسل بها إليك تنظر إليها فرضيها فكشف عن ساقيها فقالت أرسل لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك

فصل أحكام نظر الرجل إلى المرأة
فصل : ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبا كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى ما يستتر غالبا كالصدر والظهر ونحوهما قال الأثرم سألت أبا عبدالله عن الرجل ينظر إلىشعر امرأة أبيه أو امرأة ابنه فقال هذا في القرآن : { ولا يبدين زينتهن } إلا لكذا وكذا قلت ينظر إلى ساق امرأة أبيه وصدرها قال لا يعجبني ثم قال أنا أكره أن ينظر من أمه وأخته إلى مثل هذا وإلى كل شيء لشهوة وذكر القاضي أن حكم الرجل مع ذوات محارمه حكم الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة وقال أبو بكر كراهية أحمد النظر إلى ساق أمه وصدرها على التوقي لأن ذلك يدعو إلى الشهوة يعني أنه يكره ولا يحرم ومنع الحسن و الشعبي و الضحاك النظر إلى شعر ذوات المحارم فروي عن هند بنة الملهب قالت قلت لـ لحسن ينظر الرجل إلى قرط أخته وإلى عنقها ؟ قال لا ولا كرامة وقال الضحاك لو دخلت على أمي لقلت أيتها العجوز غطي شعرك والصحيح أنه يباح النظر إلى ما يظهر غالبا لقول الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } الآية و [ قالت سهلة بنت سهيل يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا كان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلا وقد أنزل فيهم ما علمت فكيف ترى فيه ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم : أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها ] رواه أبو داود وغيره وهذا دليل على أنه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالبا فإنها قالت يراني فضلا ومعناه في ثياب البذلة التي لا تستر أطرافها
وقال امرؤ القيس :
( فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ... ولم يبق الا لبسة المتفضل )
ومثل هذا يظهر منه الأطراف والشعر فكان يراها كذلك إذا اعتقدته ولدا ثم دلهم النبي صلى الله عليه و سلم على ما يستديمون به ما كانوا يعتقدونه ويفعلونه
وروى الشافعي في مسنده عن زينب بنت أبي سلمة أنها ارتضعت من أسماء امرأة الزبير قالت فكنت أراه أبا وكان يدخل علي وأنا أمشط رأسي فيأخذ ببعض قرون رأسي ويقول أقبلي علي ولأن التحرز من هذا لا يمكن فأبيح كالوجه وما لا يظهر غالبا لا يباح لأن الحاجة لا تدعو إلى نظره ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعه المحظور فحرم النظر إليه كما تحت السرة

فصل معنى ذوات المحارم وحكم النظر إليهن
فصل : وذوات محارمه كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو تحريم المصاهرة بسبب مباح لما ذكرنا من حديث سالم وزينب و [ عن عائشة أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها بعد ما أنزل الحجاب فأبت أن تأذن له فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إيذني له فإنه عمك تربت يمينك ] وقد ذكر الله تعالى آباء بعولتهن وأبناء بعولتهن كما ذكر آباءهن وأبناءهن في إبداء الزينة لهم وتوقف أحمد عن النظر إلى شعر أم امرأته وبنتها لأنهما غير مذكورتين في الآية قال القاضي إنما حكى سعيد بن جبير ولم يأخذ به وقد صرح في رواية المروذي أنه محرم يجوز له المسافرة بها وقال في رواية أبي طالب : ساعة يعقد عقدة النكاح تحرم عليه أم امرأته فله أن يرى شعرها ومحاسنها ليست مثل التي يزني بها لا يحل له أبدا أن ينظر إلى شعرها ولا إلى شيء من جسدها وهي حرام عليه

فصل لا يحل النظر إلى أم المزني بها ولا إلى ابنتها
فصل : فأما أم المزني بها وابنتها فلا يحل له النظر إليهن وإن حرم نكاحهن لأن تحريمهن بسبب محرم فلم يفد إباحة النظر كالمحرمة باللعان وكذلك بنت الموطوءة بشبهة وأمها ليست من ذوات محارمه وكذلك الكافر ليس بمحرم لقرابته المسلمة قال أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت بنته لا يسافر ليس هو محرما لها والظاهر أنه أراد ليس محرما لها في السفر أما النظر فلا يجب عليها الحجاب منه لأن أبا سفيان أتى المدينة وهو مشرك فدخل على ابنته أم حبيبة فطوعت فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم لئلا يجلس عليه ولم تحتجب منه ولا أمرها بذلك النبي صلى الله عليه و سلم

فصل جواز نظر العبد إلى وجه سيدته وكفيها
فصل : وعبد المرأة له النظر إلى وجهها وكفيها لقول الله تعالى : { أو ما ملكت أيمانهن } وروت أم سلمة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه ] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وعن أبي قلابة قال كان أزواج النبي صلى الله عليه و سلم لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه دينار ورواه سعيد في سننه وعن أنس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما تلقى قال : أنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك ] رواه أبو داود وكره أبو عبد الله له أن ينظر إلى شعر مولاته وهو قول سعيد ابن المسيب و طاوس و مجاهد و الحسن وأباح له ذلك ابن عباس لما ذكرنا من الآيتين والحديثين ولأن الله تعالى قال : { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات } ـ إلى قوله ـ { ليس عليكم ولا عليهم جناح } ولأنه يشق التحرز منه فأبيح له ذلك كذوي المحارم وقال أصحاب الشافعي هو محرم حكمه حكم المحارم من الأقارب في أحد الوجهين لما ذكرنا من الدليل ولأنه محرم عليها فكان محرما كالأقارب
ولن ما روى ابن عمر قال [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سفر المرأة مع عبدها ضيعة ] رواه سعيد ولأنها لا تحرم عليه على التأبيد ولا يحل له استمتاعها فلم يكن محرما كزوج أختها ولأنه غير مأمون عليها إذ ليست بينهما نفرة المحرمية والملك لا يقتضي النفرة الطبيعية بدليل السيد مع أمته وإنما أبيح له من النظر ما تدعو الحاجة إليه كالشاهد والمبتاع ونحوهما وجعله بعض أصحابنا كالأجنبي لما ذكرناه والصحيح ما قلنا إن شاء الله تعالى

فصل حكم نظر الغلام إلى المرأة
فصل : فأما الغلام فما دام طفلا غير مميز لا يجب الاستتار منه في شيء وإن عقل ففيه روايتان إحداهما : حكمه حكم ذي المحرم في النظر الثانية : له النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة لأن الله تعالى قال : { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم } ـ إلى قوله ـ { ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض } ـ إلى قوله ـ { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } فدل على التفريق بين البالغ وغيره وقال أبو عبد الله : أو طيبة حجم نساء النبي صلى الله عليه و سلم وهو غلام ووجه الرواية الأولى : قوله أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء وقيل لأبي عبد الله متى تغطي المرأة رأسها من الغلام ؟ قال إذا بلغ عشر سنين

فصل مباح لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسهحتى الفرج
فصل : ومباح لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسه حتى الفرج لما [ روى بهز بن حيكم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ فقال لي : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ] رواه الترمذي وقال حديث حسن ولأن الفرج يحل له الاستمتاع به فجاز النظر إليه ولمسه كبقية البدن ويكره النظر إلى الفرج ف [ إن عائشة رضي الله عنه قالت ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه و سلم قط ] رواه ابن ماجة وفي لفظ [ قالت ما رأيته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا آراه مني ] وقال أحمد في رواية حعفر بن محمد في المرأة تعقد بين يدي زوجها وفي بيتها مكشوفة في ثياب رقاق لا بأس به قلت تخرج من الدار إلى بيت مكشوفة الرأس وليس في الدار هي وزوجها فرخص في ذلك

فصل إباحة نظر السيد إلى جميع بدن أمته
فصل : ويباح للسيد النظر إلى جميع بدن أمته حتى فرجها لما ذكرنا في الزوجين وسواء في ذلك سريته وغيرها لأنه مباح له الاستمتاع من جميع بدنها فأبيح له النظر إليه فإن زوج أمته حرم عليه الاستمتاع والنظر منها إلى ما بين السرة والركبة لأن عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة فإنه عورة ] رواه أبو داود ومفهومه إباحة النظر إلى ما عداه وأما تحريم الاستمتاع بها فلا شك فيه ولا اختلاف فإنها قد صارت مباحة للزوج ولا تحل امرأة لرجلين فإن وطئها لزمه الإثم والتغرير وإن ولدت فقال أحمد لا يلحقه الولد لأنها فراش لغيره فلا يلحقه ولدها كالأجنبية

فصل فيمن يباح له النظر من الأجانب
فصل : فيمن يباح له النظر من الأجانب يباح للطبيب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدنها من العورة وغيرها فإنه موضع حاجة وقد روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم لما حكم سعد في بني قريظة كان يكشف عن مؤتزرهم ] وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق فقال انظروا إلى مؤتزرة فلم يجدوه انبت الشعر فلم يقطعه وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها قال أحمد لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها وإن عامل امرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها ليلعمها بعينها فيرجع عليها بالدرك وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ولعله كرهه لمن يخاف الفتنة أو يستغني عن العاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس

فصل تحريم النظر إلى الأجنبية بدون سبب
فصل : فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فإنه محرم إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد قال أحمد لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها كيف يأكل معها ينظر إلى كفها لا يحل له ذلك وقال القاضي يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لأنه عورة ويباح له النظر إليها مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر لغير شهوة وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال ابن عباس الوجه والكفين وروت عائشة [ أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثياب رقاق فأعرض عنها وقال : يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه ] رواه أبو بكر وغيره ولأنه ليس بعورة فلم يحرم النظر إليه بغير ريبة كوجه الرجل
ولنا قول الله تعالى : { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه ] و [ عن أم سلمة قالت كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه و سلم أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : احتجبن منه ] رواه أبو داود و [ كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءته الخثعمية تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم وجهه عنها ] و [ عن جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري ] حديث صحيح و [ عن علي رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة ] رواهما أبو داود وفي إباحة النظر إلى المرأة إذا أراد تزويجها دليل على التحريم عند عدم ذلك إذ لو كان مباحا على الإطلاق فما وجه التخصيص لهذه وأما حديث أسماء إن صح فيحتمل أنه كان قبل نزول الحجاب فنحمله عليه

فصل النظر إلى العجوز التي لا تشتهي وإلى الأمة
فصل : والعجوز التي لا يشتهى مثلها لا بأس بالنظر منها إلى ما يظهر غالبا لقول الله تعالى : { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا } الآية قال ابن عباس في قوله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } الآية قال فنسخ واستثنى من ذلك القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا الآية وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهي

فصل حكم النظر إلى الأمة
فصل : والأمة يباح النظر منها إلى ما يظهر غالبا كالوجه والرأس واليدين والساقين لأن عمر رضي الله عنه رأى امرأة متلثمة فضربها بالدرة وقال يا لكاع تشتبهن بالحرائر وروى أبو حفص بإسناده أن عمر كان لا يدع أمة تقنع في خلافته وقال إنما القناع للحرائر ولو كان نظر ذلك منها محرما لم يمنع من ستره بل أمر به وقد روى أنس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أخذ صفية قال الناس لا ندري أجعلها أم المؤمنين أم أم ولد فقالوا إن حجبها فهي أم المؤمنين وإن لم يحجبها فهي أم ولد فلما ركب وطأ لها خلفه ومد الحجاب بينه وبين الناس ] متفق عليه وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضا بينهم مشهورا وأن الحجب لغيرهن كان معلوما وقال أصحاب الشافعي يباح النظر منها إلى ما ليس بعورة وهو ما فوق السرة وتحت الركبة وسوى بعض أصحابنا بين الحرة والأمة لقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن } الآية ولأن العلة في تحرم النظر الخوف من الفتنة والفتنة المخوفة تستوي فيها الحرة والأمة فإن الحرية حكم لا يؤثر في الأمر الطبيعي وقد ذكرنا ما يدل على التخصيص ويوجبأم ا الفرق بينهما وإن لم يفترقا فيما ذكروه افترقا في الحرمة وفي مشقة الستر لكن إن كانت الأمة جملية يخاف الفتنة بها حرم النظر إليها كما يحرم النظر إلى الغلام الذي تخشى الفتنة بالنظر إليه قال أحمد في الأمة إذا كانت جملية تنتقب ولا ينظر إلى المملوكة كم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل

فصل حكم النظر إلى الطفلة التي لا تصلح للنكاح
فصل : فأما الطفلة التي لا تصلح للنكاح فلا بأس بالنظر إليها قال أحمد في رواية الأثرم في رجل يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره ويقبلها فإن كان يجد شهوة فلا وإن كان لغير شهوة فلا بأس وقد روى أبو بكر بإسناده عن عمرو بن حفص المديني أن الزبير بن العوام أرسل بإبنه له إلى عمر بن الخطاب مع مولاة له فأخذها عمر بيده وقال ابنة أبي عبد الله فتحركت الأجراس من رجلها فأخذها عمر فقطعها وقال [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مع كل جرس شيطان ] فأما إذا بلغت حدا تصلح للنكاح كإبنة تسع فإن عورتها مخالفة لعورة البالغة بدليل قوله عليه السلام : [ لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] فدل على صحة الصلاة ممن لم تحض مكشوفة الرأس فيحتمل أن يكون حكمها حكم ذوات المحارم كقولنا في الغلام المراهق مع النساء وقد روى أبو بكر عن ابن جريج قال [ قالت عائشة دخلت علي ابنة أخي مزينة فدخل علي النبي صلى الله عليه و سلم فأعرض فقلت يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية فقال : إذا عركت المرأة لم يجز لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى أو نحوها ] وذكر حديث أسماء [ إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه ] واحتج أحمد بهذا الحديث وتخصيص الحائض بهذا التحديد دليل على إباحة أكثر من ذلك في حق غيرها

فصل حكم من ذهبت شهوته من الرجال
فصل : ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر أو عنة أو مرض لا يرجى برؤه والخصي والشيخ والمخنث الذي لا شهوة له فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر لقول الله تعالى : { أو التابعين غير أولي الإربة } أي غير أولي الحاجة إلى النساء وقال ابن عباس هو الذي لا تستحي منه النساء وعنه هو المخنث الذي لا يقوم زبه وعن مجاهد و قتادة لا أرب له في النساء فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره لأن عائشة قالت : [ دخل على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الأربة من الرجال فدخل علينا النبي صلى الله عليه و سلم وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا فحجبوه ] رواه أبو داود وغيره قال ابن عبد البر ليس المخنث الذي تعرف فيه الفاحشة خاصة وإنما التخنيث بشدة التأنيث في الخلقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والنغمة والعقل فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء أرب وكان لا يفطن لأمور النساء وهو من غير أولي الأربة الذين أبيح لهم الدخول على النساء الا ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يمنع ذلك المخنث من الدخول على نسائه فلما سمعه يصف ابنة غيلان وفهم أمر النساء أمر بحجبه

فصل حكم نظر الرجل إلى الرجل
فصل : فأما الرجل مع الرجل فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة وفي حدها روايتان إحداهما : ما بين السرة والركبة والأخرى الفرجان وقد ذكرناهما في كتاب الصلاة ولا فرق بين الأمرد وذي اللحية إلا أن الأمرد إن كان جميلا يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر إليه وقد روي عن الشعبي قال : [ قدم وفد عبدالقيس على النبي صلى ا لله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه و سلم وراء ظهره ] رواه أبو حفص قال المروذي سمعت أبا بكر الأعين يقول قدم علينا إنسان من خراسان صديق لأبي عبد الله ومعه غلام ابن أخت له وكان جميلا فمضى إلى أبي عبد الله فحدثه فلما قمنا خلا بالرجل وقال له من هذا الغلام منك ؟ قال ابن أختي إذا جئتني لا يكون معك والذي أرى لك أن لا يمشي معك في طريق فأما الغلام الذي لم يبلغ تسعا فلا عورة له يحرم النظر إليها وقد روي [ عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و سلم قال فجاء الحسن فجعل يتمرغ عليه فوقع مقدم قميصه أراه فقبل زبيبته ] رواه أبو حفص

فصل حكم نظر المرأة إلى المرأة
فصل : وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل سواء ولا فرق بين المسلمتين وبين المسلمة والذمية كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر قال أحمد ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ولا تقلبلها حين تلد
وعن أحمد رواية أخرى أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ولا تدخل معها الحمام وهو قول مكحول و سليمان بن موسى لقوله تعالى : { أو نسائهن } والأول أولى لأن النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه و سلم فلم يكن يحتجبن ولا أمرن بحجاب وقد قالت عائشة جاءت يهوديه تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر الحديث و [ قالت أسماء قدمت علي أمي وهي راغبة يعني عن الإسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أصلها ؟ قال : نعم ] ولأن الحجب بين الرجال والنساء بمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي ولأن الحجاب إنما يجب بنص أو قياس ولم يوجد منهما فأما قوله : { أو نسائهن } فيحتمل أن يكون المراد جملة النساء

فصل أحكام نظر المرأة إلى الرجل
فصل : فأما نظر المرأة إلى الرجل ففيه روايتان احداهما : لها النظر إلى ما ليس بعورة والأخرى : لا يجوز لها النظر من الرجل إلا إلى مثل ما ينظر إليه منها اختاره أبو بكر وهذا أحدقولي الشافعي لما روى الزهري عن نبهان [ عن أم سلمة قالت : كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه و سلم أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : احتجبن منه فقلت يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ضرير لا يبصر قال : أفعمياوان أنتما لا تبصرانه ؟ ] رواه أبو داود وغيره ولأن الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به ولأن السناء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال يحققه أن المعنى المحرم للنظر خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ فإنها أشد شهوة وأقل عقلا فتسارع الفتنة إليها أكثر
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم لفاطمة بنت قيس : اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك متفق عليه و [ قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ] متفق عليه [ ويوم فرغ النبي صلى الله عليه و سلم من خطبة العيد مضى إلى النساء فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء لئلا ينظرن إليهم ] فأما حديث نبهان فقال أحمد : نبهان روى حديثين عجبيبين يعني هذا الحديث وحديث [ إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه ] وكأنه أشار إلى ضعف حديثه إذ لم يروه إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول وقال ابن عبد البر : نبهان مجهول لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث وحديث فاطمة صحيح فالحجة به لازمة ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم كذلك قال أحمد و أبو داود قال الأثرم قلت لأبي عبد الله كان حديث نبهان لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم خاصة وحديث فاطمة لسائر الناس ؟ قال نعم : وإن قدر التعارض فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الأخذ بحديث مفرد في إسناده مقال

مسألة و فصلان
مسألة : قال : وإذا زوج أمة وشرط عليه أن تكون عندهم بالنهار ويبعث بها إليه بالليل فالعقد والشرط جائزان وعلى الزوج النفقة مدة مقامها عنده
أما الشرط فصحيح لأنه لا يخل بمقصود النكاح فإن الاستمتاع إنما يكون ليلا وإذا كان الشرط صحيحا لم يمنع العقد فيكونان صحيحين وعلى الزوج النفقة في الليل لأنها سلمت إليه فيه وليس عليه نفقة النهار لأنها في مقابلة الاستمتاع وهو لا يتمكن من الاستمتاع بها في تلك الحال وإذا لم تجب نفقة النهار على الزوج وجبت على السيد لأنها في خدمته حينئذ ولأنها باقية على الأصل في وجوبها على السيد فتكون نفقتها بينهما نصفين وكذلك الكسوة وقال بعض أصحاب الشافعي ليس على الزوج شيء من النفقة لأنها لا تجب إلا بالتمكين التام ولم يوجد فلم يجب منها شيء كالحرة إذا بذلت التسليم في بعض الزمان دون بعض ولنا أن النفقة عوض في مقابلة المنفعة فوجب منها بقدر ما يستوفيه كالأجرة في الإجارة وفارقت الحرة لأن التسليم عليها واجب في جميع ما وجب عليه فإذا امتنعت في البعض فلم تسلم ما وجب عليها تسليمه وههنا قد سلم السيد جميع ما وجب عليه
فصل : فإن زوجها من غير شرط فقال القاضي الحكم فيه كما لو شرط وله استخدامها نهارا وعليه ارسالها ليلا للاستمتاع بها لأنه زمانه وذلك لأن السيد يملك من أمته منفعتين منفعة الاستخدام والاستمتاع فإذا عقد على احداهما لم يلزمه تسليمها إلا في زمن استيفائها كما لو أجرها للخدمة لم يلزمه تسليمها إلا في زمنها وهو النهار والنفقة بينهما على قدر إقامتها عندهما وإن تبرع السيد بإرسالها ليلا ونهارا فالنفقة كلها على الزوج وإن تبرع الزوج بتركها عند السيد ليلا ونهارا لم تسقط نفقتها عنه ولو تبرع كل واحد منهما بتركها عند الآخر وتدافعاها كانت نفقتها كلها على الزوج لأن الزوجية تقتضي وجوبها ما لم يمنع من استمتاعها عدوانا أو بشرط أو نحوه ولذلك تجب نفقتها مع تعذر استمتاعها بمرض أو حيض أو نحوهما فإذا لم يكن من السيد ههنا منع فالنفقة على الزوج لوجود الزوجية المقتضية لها وعدم المانع منها
فصل : فإن أراد الزوج السفر بها لم يملك ذلك لأنه يفوت خدمتها المستحقة لسيدها وإن أراد السيد السفر بها فقد توقف احمد عن ذلك وقال ما أدري فيحتمل المنع منه لأنه يفوت حق الزوج منها فمنع منه قياسا على ما لو منعه منه مع الإقامة ولأنه مالك لإحدى منفعيتها فلم يملك منع الآخر من السفر بها كالسيد وكما لو أجرها ثم أراد السفر بها ويحتمل أن له السفر بها لأنه مالك رقبتها كسيد العبد إذا زوجه وإن شرط الزوج أن تسلم إليه الأم ليلا ونهارا جاز وعليه نفقتها كلها وليس للسيد السفر بها لأنه حق له في بعضها

فصل استحباب اختيار ذات الدين لمريد التزويج
فصل : ويستحب لمن أراد التزويج أن يختار ذات الدين لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ تنكح المرأة لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يدالك ] متفق عليه ويختار البكر ل [ قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتزوجت يا جابر ؟ قال قلت نعم قال : بكرا أم ثيبا ؟ قال قلت بل ثيبا قال : فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ؟ ] متفق عليه وعن عطاء [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنقى أرحاما ] رواه الإمام أحمد في رواية : [ وانتق أرحاما وأرض باليسير ] ويستحب أن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة لما روي عن أنس قال [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ] رواه سعيد وروى معقل بن يسار قال [ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد أفأتزوجها ؟ فنهاه ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم ] رواه النسائي
وعن علي بن الحسن [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يا بني هاشم عليكم بنساء الأعاجم فالتمسوا أولادهن فإن في أرحامهن البركة ] ويختار الجميلة لأنها أسكن لنفسه وأغض لبصره وأكمل لمودته ولذلك شرع النظر قبل النكاح وقد روي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم [ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : إنما النساء لعب فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها ]
وعن أبي هريرة قال [ قيل يا رسول الله أي النساء خير ؟ قال : التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره ] رواه النسائي وعن يحيى بن جعدة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة جميلة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها ] رواه سعيد
ويختار ذات العقل ويجتنب الحمقاء لأن النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها وربما تعدى ذلك إلى ولدها وقد قيل اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها بلاء ويختار الحسيبة ليكون ولدها نجيبا فإنه ربما أشبه أهلها ونزع إليهم وكان يقال : إذا أردت أن تتزوج امرأة فانظر إلى أبيها وأخيها وعن عائشة قالت [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم ]
ويختار الأجنبية فإن ولدها أنجب ولهذا يقال اغتربوا لا تضووا يعني أنكحوا الغرائب كيلا تضعف أولادكم وقال بعضهم : الغرائب أنجب وبنات العم أصبر ولأنه لا تؤمن العدواة في النكاح وإفضاؤه إلى الطلاق فإذا كان في قرابته أفضى إلى قطيعة الرحم المأمور بصلبها والله أعلم

باب ما يحرم نكاحه والجمع بينه وغير ذلك
التحريم للنكاح ضربان : تحريم عين وتحريم جمع ويتنوع أيضا نوعين تحريم نسب وتحريم سبب والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع فأما الكتاب فقول الله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم } والآية التي قبلها والتي بعدها وأما السنة فروى أبو هريرة [ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها ولا بينها وبين خالتها ] متفق عليه و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ] أخرجه مسلم وأجمعت الأمة على تحريم ما نص الله تعالى على تحريمه

مسألة المحرمات نكاحهن بالأنساب
مسألة : قال : والمحرمات نكاحهن بالأنساب : الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت والمحرمات بالأسباب : الأمهات المرضعات والأخوات من الرضاعة وأمهات النساء وبنات النساء اللاتي دخل بهن وحلائل الأبناء وزوجات الأب والجمع بين الأختين
وجملة ذلك أن المنصوص على تحريمهن في الكتاب أربع عشرة : سبع بالنسب واثنتان بالرضاع وأربع بالمصاهرة وواحدة بالجمع فأما اللواتي بالنسب فأولادهن الأمهات وهن كل من انتسب إليها بولادة سواء وقع عليهاإسم الأم حقيقة وهي التي ولدتك أو مجازا وهي التي ولدت من ولدك وإن علت من ذلك جدتاك أم أمك وأم أبيك وجدتا أمك وجدتا أبيك وجدات جداتك وجدات أجدادك وإن علوا واراثت كن أو غير وارثات كلهن أمهات محرمات
ذكر أبو هريرة هاجر أم اسماعيل فقال تلك أمكم يا بني ماء السماء وفي الدعاء اللهم صل على أبينا آدم وأمنا حواء والبنات وهن كل أنثى انتسبت إليك بولادتك كابنة الصلب وبنات البنين والبنات وإن نزلت درجتهن وارثات أو غير وارثات كلهن بنات محرمات لقوله تعالى : { وبناتكم } فإن كل امرأة بنت آدم كما أن كل رجل ابن آدم قال الله تعالى : { يا بني آدم } والأخوات من الجهات الثلاث من الأبوين أو من الأب أو من الأم لقوله تعالى : { وأخواتكم } ولا تفريع عليهن والعمات أخوات الأب من الجهات الثلاث وأخوات الأجداد من قبل الأب ومن قبل الأم قريبا كان الجد أو بعيدا وارثا أو غير وارث لقوله تعالى : { وعماتكم } والخالات أخوات محرمة لقوله : { وخالاتكم } وبنات الأخ كل امرأة انتسبت إلى أخ بولادة فهي بنت أخ محرمة من أي جهة كان الأخ لقوله تعالى : { وبنات الأخ } وبنات الأخت كذلك أيضا محرمات لقوله سبحانه : { وبنات الأخت } فهؤلاء المحرمات بالأنساب
النوع الثاني : المحرمات تحريم السبب وهو قسمان : رضاع ومصاهرة فأما الرضاع فالمنصوص على التحريم فيه اثنتان الأمهات المرضعات وهن اللاتي أرضعنك وأمهاتهن وجداتهن وإن علت درجتهن على حسب ما ذكرنا في النسب محرمات بقوله تعالى : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } كل امرأة أرضعتك أمها أو أرضعتها أمك أو أرضعتك وإياها امرأة واحدة أو أرتضعت أنت وهي من لبن رجل واحد كرجل له امرأتان لهما منه لبن أرضعتك إحداهما وأرضعتها الأخرى فهي أختك محرمة عليك لقوله سبحانه : { وأخواتكم من الرضاعة }
القسم الثاني : تحريم المصاهرة والمنصوص عليه أربع : أمهات النساء فمن تزوج امرأة حرم عليه كل أم لها من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة بمجرد العقد نص عليه أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وجابر وعمران بن حصين وكثير من التابعين وبه يقول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن علي رضي الله عنه أنها لا تحرم بالدخول كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول
ولنا قول الله تعالى : { وأمهات نسائكم } والمعقود عليها من نسائه فتدخل أمها في عموم الآية قال ابن عباس أبهموا ما أبهم القرآن يعني عمموا حكمها في كل حال ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من تزوج امرأة فطلقها قبل أن دخل بها لا بأس أن يتزوج ربيبته ولا يحل له أن يتزوج أمها ] رواه أبو حفص بإسناده وقال زيد تحرم بالدخول أو بالموت لأنه يقوم مقام الدخول وقد ذكرنا ما يوجب التحريم مطلقا سواء وجد الدخول أو الموت أو لا ولأنها حرمت بالمصاهرة بقول مبهم فحرمت بنفس العقد كحليلة الابن والأب
الثانية : بنات النساء اللاتي دخل بهن وهن الربائب فلا يحرمن إلا بالدخول بأمهاتهن وهن كل بنت للزوجة من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة وارثة أو غير وارثة على حسب ما ذكرنا في البنات إذا دخل بالأم حرمت عليه سواء كانت في حجرة أو لم تكن في قول عامة الفقهاء إلا أنه روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجرة وهو قول داود لقول الله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم } قال ابن المنذر وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول
وقد ذكرنا حديث عبد الله بن عمرو في هذا و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لأم حبيية : لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ] ولأن التربية لا تأثير لها في التحريم كسائر المحرمات فأما الآية فلم تخرج مخرج الشرط وإنما وصفها بذلك تعريفا لها بغالب حالها وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه وإن لم يدخل بالمرأة لم تحرم عليه بناتها في قول عامة علماء الأمصار إذ بانت من نكاحه إلا أن يموت قبل الدخول ففيه روايتان إحداهما : تحرم ابنتها وبه قال زيد بن ثابت وهي اختيار أبي بكر لنأ الموت أقيم مقام الدخول في تكميل العدة والصداق فيقوم مقامه في تحريم الربيبة والثانية : لا تحرم وهو قول علي ومذهب عامة العلماء قال ابن المنذر وأجمع عوام علماء الأمصار أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل الدخول بها جاز له أن يتزوج ابنتها كذلك قال مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور ومن تبعهم لأن الله تعالى قال : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } وهذا نص لا يترك لقياس ضعيف وحديث عبد الله بن عمر وقد ذكرناه ولأنها فرقة قبل الدخول فلم تحرم الربيبة كفرقة الطلاق والموت لا يجري مجرى الدخول في الإحصان والإحلال وعدة الإقراء وقيامه مقامه من وجه ليس بأولى من مفارقته إياه من وجه آخر ولو قام مقامه من كل وجه فلا يترك صريح نص عليه الله تعالى ونص رسوله لقياس ولا غيره إذا ثبت هذا فإن الدخول بها هو وطؤها كنى عنه بالدخول فإن خلا بها ولم يطأها لم تحرم ابنتها لأنها غير مدخول بها وظاهر قول الخرقي تحريمها لقوله فإن خلا بها وقال لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولها وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورها إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا وفي الزنا فإنهما يجلدان ولا يرجمان وسنذكره فيما بعد إن شاء الله والثالثة : حلائل الأبناء يعني أزواجهم سميت امرأة الرجل حليلة لأنها محل إزار زوجها وهي محللة له فيحرم على الرجل أزواج ابنائه وابناء بناته من نسب أو رضاع قريبا كان أو بعيدا بمجرد العقد لقوله تعالى : { وحلائل أبنائكم } ولا نعلم في هذا خلافا الرابعة : زوجات الأب فتحرم على الرجل امرأة أبيه قريبا كان أو بعيدا وارثا كان أو غير وارث من نسب أو رضاع لقوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } و [ قال البراء بن عازب لقيت خالي ومعه الراية فقلت أين تريد ؟ قال أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه أو أقتله ] رواه النسائي وفي رواية قال لقيت عمي الحارث بن عمرو ومعه الراية فذكر الخبر كذلك رواه سعيد وغيره وسواء في هذا امرأة أبيه أو امرأة جده لأبيه وجده لأمه قرب أم بعد وليس في هذا بين أهل العلم خلافا علمناه والحمد لله ويحرم عليه من وطئها أبوه أو ابنه بملك يمين أو شبهة كما يحرم عليه من وطئها في عقد نكاح قال ابن المنذر الملك في هذا والرضاع بمنزلة النسب وممن حفظنا ذلك عنه عطاء و طاوس و الحسن و ابن سيرين و مكحول و قتادة و الثوري و الأوزاعي و أبو عبيد و أبو ثور وأصحاب الرأي ولا نحفظ عن أحد خلافهم الضرب الثاني : تحريم الجمع والمذكور في الكتاب الجمع بين الأختين سواء كانتا من نسب أو رضاع حرتين كانتا أو أمتين أو حرة وأمة من أبوين كانتا أو من أب أو أم وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده لعموم الآية فإن تزوجهما في عقد واحد فسد لأنه لا مزية لأحدهما على الأخرى وسواء علم بذلك حال العقد أو بعده فإن تزوج إحداهما في عقد الأخرى فنكاح الأولى صحيح لأنه لم يحصل فيه جمع ونكاح الثانية باطل لأنه به يحصل الجمع وليس في هذا بحمد الله اختلاف وليس عليه تفريع

مسألة بيان ما يحرم من الرضاع
مسألة : ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
كل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها من الرضاع وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات بونات الأخ وبنات الأخت على الوجه الذي شرحناه في النسب لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ] وفي رواية مسلم : [ الرضاع يحرم ما تحرم الولادة ] و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم في درة بنت أبي سلمة : إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وإياها ثويبة ] متفق عليه لأن الأمهات والأخوات منصوص عليهن والباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات ولا نعلم في هذا خلافا

مسألة التحريم بلبن الفحل
مسألة : قال : ولبن الفحل محرم
معناه أن المرأة أرضعت طفلا بلبن ثاب من وطء رجل حرم الطفل على الرجل وأقاربه كما يحرم ولده من النسب لأن اللبن من الرجل كما هو من المرأة فيصير الطفل ولد الرجل والرجل أباه وأولاد الرجل إخوته سواء كانوا من تلك المرأة أو من غيرها وإخوة الرجل وأخواته أعمام الطفل وعماته وآباؤه وأمهاته أجداده وجداته قال أحمد لبن الفحل أن يكون للرجل امرأتان فترضع هذه صبية وهذه صبيا لا يزوج هذا من هذا وسئل ابن عباس عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاما فقال لا اللقاح واحد قال الترمذي هذا تفسير لبن الفحل وممن قال بتحريمه علي وابن عباس و عطاء و طاوس و مجاهد و الحسن و الشعبي و القاسم و عروة و مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و ابن المنذر وأصحاب الرأي قال ابن عبد البر وإليه ذهب فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام وجماعة أهل الحديث ورخص في لبن الفحل سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن و سليمان بن يسار و عطاء بن يسار و النخعي وأبو قلابة ويروى ذلك عن ابن الزبير وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم غير مسمين لأن الرضاع من المرأة لا من الرجل ويروى عن زينب بنت أبي سلمة أنها أرضعتها أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير قالت وكان الزبير يدخل علي وأنا أمتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول اقبلي علي فحدثيني أراه والدا وما ولد فهم إخوتي ثم أن عبد الله بن الزبير أرسل يخطب إلي أم كلثوم ابنتي على حمزة بن الزبير وكان حمزة للكلبية فقلت لرسوله وهل تحل له وإنما هي ابنة أخيه فقال عبد الله إنما أردت بهذا المنع لما قبلك أما ما ولدت أسماء فهم إخوتك وما كان من غير أسماء فليسوا لك بإخوة فارسلي فسلي عن هذا فأرسلت فسألت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم متوافرون فقالوا لها ان الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى هلك عنها
ولنا ما [ روت عائشة رضي الله عنها أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعد ما أنزل الحجاب فقلت والله لا آذن له حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته قال : ائذني له فإنه عمك تربت يمينك ] قال عروة فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول [ حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب ] متفق عليه وهذا نص قاطع في محل النزاع فلا يعول على ما خالفه فأما حديث زينب فإن صح فهو حجة لنا فإن الزبير كان يعتقد أنها ابنته وتعتقده أباها والظاهر أن هذا كان مشهورا عندهم وقوله مع إقرار أهل عصره أولى من قول ابنه وقول قوم لا يعرفون

مسألة حرمة الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها
مسألة : قال : والجمع بين المرأة وبين عمتها وبينها وبين خالتها
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على القول به وليس فيه بحمد الله اختلاف إلا أن بعض أهل البدع ممن لا تعد مخالفته خلافا وهو الرافضة والخوارج لم يحرموا ذلك ولم يقولوا بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي ما روى أبو هريرة قال [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ] متفق عليه وفي رواية أبي داود : [ لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها لا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى ] ولأن العلة في تحريم الجمع بين الأختين إيقاع العداوة بين الأقارب وإفضاؤه إلى قطيعة الرحم المحرم وهذا موجود فيما ذكرنا فإن احتجوا بعموم قوله سبحانه : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } خصصناه بما رويناه وبلغنا أن رجلين من الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز فكان مما أنكر عليه رجم الزاني وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها وقالا ليس هذا في كتاب الله تعالى فقال لهما : كم فرض الله عليكم من الصلاة ؟ قالا خمس صلوات في اليوم والليلة وسألهما عن عدد ركعاتها فأخبراه بذلك وسألهما عن مقدار الزكاة ونصبها فأخبراه فقال فهل تجدان ذلك في كتاب الله ؟ قالا لا نجده في كتاب الله قال فمن أين صرتما إلى ذلك ؟ قالا فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون بعده قال فكذلك هذا ثم لا فرق بين الخالة والعمة حقيقة أو مجازا كعمات آبائها وخالاتهم وعمات أمهاتها وخالاتهن وإن علت درجتهن من نسب كان ذلك أو من رضاع فكل شخصين لا يجوز لاحدهما أن يتزوج الآخر لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لأجل القرابة لا يجوز الجمع بينهما لتأدية ذلك إلى قطيعة الرحم القريبة لكا في الطباع من التنافس والغيرة بين الضرائر ولا يجوز الجمع بين المرأة وأمها فيي العقد لما ذكرناه ولأن الأم إلى ابنتها أقرب من الأختين فإذا لم يجمع بين الأختين فالمرأة وابنتها أولى

فصل لا يحرم الجمع بين ابنتي العم وابنتي الخال
فصل : ولا يحرم الجمع بين ابنتي العم وابنتي الخال في قول عامة أهل العلم لعدم النص فيهما بالتحريم ودخولهما في عموم قوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ولأن احداهما تحل لها الأخرى لو كانت ذكرا وفي كراهة ذلك روايتان إحاهما : يكره روي ذلك عن ابن مسعود وبه قال جابر بن زيد و عطاء و الحسن و سعيد بن عبد العزيز وروى أبو حفص بإسناده عن عيسى بن طلحة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تزوج المرأة على ذي قرابتها كراهية القطيعة ولأنه مفض إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها فأقل أحواله الكراهة
والأخرى : لا يكره وهو قول سليمان بن يسار و الشعبي و حسين بن حسن و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد لأنه ليست بينهما قرابة تحرم الجمع فلا يقتضي كراهته كسائر الأقارب

مسألة ما ينتشر إليه التحريم بسبب العقد على المرأة
مسألة : قال : وإذا عقد على المرأة ولم يدخل بها فقد حرمت على ابنه وأبيه وحرمت عليه أمها والجد وإن علا فيما قلت بمنزلة الأب وابن الابن فيه وإن سفل بمنزلة الابن
وجملة ذلك أن المرأة إذا عقد الرجل النكاح عليها حرمت على أبيه بمجرد العقد عليها لقول الله تعالى : { وحلائل أبنائكم } وهذه من حلائل ابنائه وتحرم على أبيه لقوله سبحانه : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } وهذه قد نكحها أبوه وتحرم أمها عليه لقوله سبحانه : { وأمهات نسائكم } وهذه منهن وليس في هذا اختلاف بحمد الله إلا شيء ذكرناه فيم تقدم والجد كالأب في هذا وابن الابن كالابن فيه لأنهم يدخلون في اسم الآباء والأبناء وسواء في هذا القريب والبعيد والوارث وغيره من قبل الأب والأم ومن ولد البنين أو ولد البنات وقد تقدم ذلك

مسألة بنات المحرمات من النسب والرضاع كهن
مسألة : قال : وكل من ذكرنا من المحرمات من النسب والرضاع فبناتهن في التحريم كهن إلا بنات العمات والخالات وبنات من نكحهن الآباء والأبناء فإنهن محللات وكذلك بنات الزوجة التي لم يدخل بها
وجملة ذلك أن كل محرمة تحرم ابنتها لتناول التحريم لها فالأمهات تحرم بناتهن لأنهن أخوات أو عمات أو خالات والبنات يحرم بناتهن لأنهن بنات ويحرم بنات الأخوات وبناتهن لأنهن بنات الأخت وكذلك بنات بنات الأخ إلا بنات العمات والخالات فلا يحرمن بالإجماع لقول الله تعالى : { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } فأحلهن الله لنبيه عليه السلام ولأنهن لم يذكرن في التحريم فيدخلن في قول الله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وكذلك لا يحرم بنات زوجات الآباء والأبناء لأنهن حرمن لكونهن حلائل الآباء والأبناء ولم يوجد ذلك في بناتهن ولا وجدت فيهن علة أخرى تقتضي تحريمهن فدخلن في قوله سبحانه : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وكذلك بنات الزوجة التي لم يدخل بها محللات لقوله سبحانه : { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } وهن الربائب وليس هؤلاء ممن حرمت أمهن وإنما ذكرها لأنها محللة فيشتبه حكمها فإن قيل : فلم حرمت ابنة الربيبة ولم تحرم ابنة حليلة الابن ؟ قلنا لأن ابنة الربيبة وابنة الحليلة ليست حليلة ولأن علة تحريم الربيبة أنه يشق التحرز من النظر إليها والخلوة بها بكونها في حجره في بيته وهذا المعنى يوجد في بنتها وإن سفلت والحليلة حرمت بنكاح الأب والإبن لها ولا يوجد ذلك في ابنتها

مسألة وفصلان حكم وطء الحرام وأنواع الوطء
مسألة : قال : ووطء الحرام محرم كما يحرم وطء الحلال والشبهة
يعني انه يثبت به تحريم المصاهرة فإذا زنى بإمرأة حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وابنتها كما لو وطئها بشبهة أو حلالا ولو وطىء أم امرأته أو بنتها حرمت عليه امرأته نص أحمد على هذا في رواية جماعة وروي نحو ذلك عن عمران بن حصين وبه قال الحسن و عطاء و طاوس و مجاهد و الشعبي و النخعي و الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي
وروى عن ابن عباس أن وطء الحرام لا يحرم وبه قال سعيد بن المسيب و يحيى بن يعمر و عورة و الزهري و مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر لما روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا يحرم الحرام الحلال ] ولأنه وطء لا تصير به الموطوءة فراشا فلا يحرم كوطء الصغيرة
ولنا قوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } والوطء يسمى نكاحا قال الشاعر : ( إذا زنيت فأجد نكاحا ( فحمل في عموم الآية وفي الآية قرينة تصرفه إلى الوطء وهو قوله سبحانه وتعالى : { إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } وهذا التغليط إنما يكون في الوطء وروي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها ] وروى ا الجوزجاني بإسناده عن وهب بن منبه قال : ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها فذكرته لـ سعيد بن المسيب فأعجبه ولأن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور كوطء الحائض ولأن النكاح عقد يفسده الوطء بالشبهة فأفسده الوطء الحرام كالإحرام وحديثهم لا نعرف صحته وإنما هو من كلام ابن أشوع بعض قضاة العراق كذلك قال الإمام أحمد وقيل أنه من قول ابن عباس ووطء الصغيرة ممنوع ثم يبطل بوطء الشبهة
فصل : والوطء على ثلاثة أضرب : مباح وهو الوطء في نكاح صحيح أو ملك يمين فيتعلق به تحريم المصاهرة بالإجماع ويعتبر محرما لمن حرمت عليه لأنها حرمت عليه على التأبيد بسبب مباح أشبه النسب الثاني : الوطء بالشبهة وهو الوطء في نكاح فاسد أو شراء فاسد أو وطء امرأة ظنها امرأته أو أمته أو وطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وأشباه هذا يتعلق به التحريم كتعلقه بالوطء المباح إجماعا قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار على أن الرجل إذا وطىء امرأة بنكاح فاسد أو بشراء فاسد أنها تحرم على أبيه وابنه وأجداده وولد ولده وهذا مذهب مالك و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبي ثور وأصحاب الرأي و لأنه وطء يلحق به النسب فأثبت التحريم كالوطء المباح ولا يصير الرجل محرما لمن حرمت عليه ولا يباح له به النظر إليها لأن الوطء ليس بمباح ولأن المحرمية تتعلق بكمال حرمة الوطء لأنها إباحة ولأن الموطوءة لم يستبح النظر إليها فلأن لا يستبيح النظر إلى غيرها أولى
الثالث : الحرام المحض وهو الزنا فيثبت به التحريم على الخلاف المذكور ولا تثبت به المحرمية ولا إباحة النظر لأنه إذا لم يثبت بوطء الشبهة فالحرام المحض أولى ولا يثبت به نسب ولا يحب به المهر إذا طاوعته فيه
فصل : ولا فرق فيما ذكرنا بين الزنا في القبل والدبر لأنه يتعلق به التحريم فيما إذا وجد في الزوجة والأمة فكذلك في الزنا فإن تلوط بغلام فقال بعض أصحابنا يتعلق به التحريم أيضا فيحرم على اللائط أم الغلام وابنته وعلى الغلام أم اللائط وابنته قال ونص عليه أحمد وهو قول الأوزاعي لأنه وطء في الفرج فنشر الحرمة كوطء المرأة ولأنها بنت من وطئه وأمه فحرمتا عيه كما لو كانت الموطوءة أنثى وقال أبو الخطاب يكون ذلك كالمباشرة دون الفرج يكون فيه روايتان والصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة فإن هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم فيدخلن في عموم قوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ولأنهن غير منصوص عليهن ولا في معنى المنصوص عليه فوجب أن لا يثبت حكم التحريم فيهن فإن المنصوص عليهن في هذا حلائل الأبناء ومن نكحهن الآباء وأمهات النساء وبناتهن وليس هؤلاء منهن ولا في معناهن لأن الوطء في المرأة يكون سببا للبضعية ويوجب المهر ويلحق به النسب وتصير به المرأة فراشا ويثبت أحكاما لا يثبتها اللواط فلا يجوز إلحاقه بهن لعدم العلة وانقطاع الشبهة ولذلك لو أرضع الرجل طفلا لم يثبت حكم التحريم فههنا أولى وإن قدر بينهما شبه من وجه ضعيف فلا يجوز تخصيص عموم الكتاب به واطراح النص بمثله

فصل يحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا إلخ
فصل : ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا وأخته وبنت ابنه وبنت بنته وبنت أخيه وأخته من الزنا وهو قول عامة الفقهاء وقال مالك و الشافعي في المشهور من مذهبه يجوز ذلك كله لأنها أجنبية منه ولا تنسب إليه شرعا ولا يجري التوارث بينهما ولا تعتق عليه إذا ملكها ولا تلزمه نفقتها فلم تحرم عليه كسائر الأجانب
ولنا قول الله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } وهذه بنته فإنها أنثى مخلوقة من مائة هذه حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة ويدل على ذلك [ قول النبي صلى الله عليه و سلم في امرأة هلال بن أمية : انظروه يعني ولدها فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء ] يعني الزاني ولأنها مخلوقة من مائة وهذه حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة فأشبهت المخلوقة من وطء بشبهة ولأنها بضعة منه فلم تحل له كبنته من النكاح وتخلف بعض الأحكام لا ينفي كونها بنتا كما لو تخلف لرق أو اختلاف دين إذا ثبت هذا فلا فرق بين علمه بكونها منه مثل أن يطأ امرأة في طهر لم يصبها فيه غيره ثم يحفظها حتى تضع أو مثل أن يشترك جماعة في وطء امرأة فتأتي بولد لا يعلم هل هو منه أو من غيره ؟ فإنها تحرم على جميعهم لوجهين :
أحدهما : أنها بنت موطوءتهم والثاني : أننا تعلم أنها بنت بعضهم فتحرم على الجميع كما لو زوج الوليان ولم يعلم السابق منهما وتحرم على أولادهم لأنها أخت بعضهم غير معلوم فإن ألحقتها القافة بأحدهم حلت لأولاد الباقين ولم تحل لأحد ممن وطىء أمها لأنها في معنى ربيبته

فصل حكم وطء الميتة
فصل : ووطء الميتة يحتمل وجهين أحدهما : ينشر الحرمة لأنه معنى ينشر الحرمة المؤبدة فلم يختص بالحياة كالرضاع والثاني : لا ينشرها وهو قول أبي حنيفة و الشافعي لأنه ليس بسبب للبضعية ولأن التحريم يتعلق بإستيفاء منفعة الوطء والموت يبطل المنافع وأما الرضاع فيحرم لما يحصل به من انبات اللحم وانشاز العظم وهذا يحصل من لبن الميتة وفي وطء الصغيرة أيضا وجهان أحدهما : ينشرها وهو قول أبي يوسف لأنه وطء لآدمية حية في ا لقبل أشبه وطء الكبيرة والثاني : لا ينشرها وهو قول أبي حنيفة لأنه ليس بسبب للبضعية أشبه وطء الميتة

فصل حكم من باشر فيما دون الفرج
فصل : فأما المباشرة فيما دون الفرج فإن كانت لغير شهوة لم تنشر الحرمة بغير خلاف نعلمه وإن كانت لشهوة وكانت في أجنبية لم تنشر الحرمة أيضا قال الجوزجاني سألت أحمد عن رجل نظر إلى أم امرأته في شهوة أو قبلها أبو باشرها فقال أنا أقول لا يحرمه شيء من ذلك إلا الجماع وكذلك نقل أحمد بن القاسم و إسحاق ابن منصور وإن كانت المباشرة لامرأة محللة له كامرأته أو مملوكته لم تحرم عليه ابنتها قال ابن عباس لا يحرم الربيبة إلا جماع أمها وبه قال طاوس و عمرو بن دينار لأن الله تعالى قال : { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } وهذا ليس بدخول فلا يجوز ترك النص الصريح من أجله وأما تحريم أمها وتحريمها على أبي المباشر لها وابنه فإنها في النكاح تحرم بمجرد العقد قبل المباشرة فلا يظهر للمباشرة أثر وأما الأمة فمتى باشرها دون الفرج لشهوة فهل يثبت تحريم المصاهرة ؟ فيه روايتان إحداهما : ينشرها روي ذلك عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو ومسروق وبه قال القاسم و الحسن و مكحول و النخعي و الشعبي و مالك و الأوزاعي و أبو حنيفة وعلي بن المديني وهو أحد قولي الشافعي لأنه نوع استمتاع فتعلق به تحريم المصاهرة كالوطء في الفرج ولأنه تلذذ بمباشرة يتعلق به التحريم كما لو وطىء والثانية : لا يثبت به التحريم لأنها ملامسة لا توجب الغسل فلم يثبت بها التحريم كما لو لم يكن بشهوة لأن ثبوت التحريم إما أن يكون بنص أو قياس على المنصوص ولا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه ولا المجمع عليه فإن الوطء يتعلق به من الأحكام استقرار المهر والإحصان والإغتسال والعدة وإفساد الإحرام والصيام بخلاف اللمس وذكر أصحابنا الروايتين في جميع الصور من غير تفصيل وهذا الذي ذكرناه أقرب إلى الصواب إن شاء الله سبحانه

فصل حكم ما لو نظر إلى فرج امرأة بشهوة
فصل : ومن نظر إلى فرج امرأة بشهوة فهو كلمسها لشهوة فيه أيضا روايتان إحداهما : ينشر الحرمة في ا لموضع الذي ينشرها اللمس روي عن عمر وابن عمر وعامر بن ربيعة وكان بدريا وعبد الله بن عمرو فيمن يشتري الخادم ثم يجردها أو يقبلها لا يحل لابنه وطؤها وهو قول القاسم و الحسن و مجاهد و مكحول و حماد بن أبي سليمان و أبي حنيفة لما روى عبد الله بن مسعود [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها وابنتها ] وفي لفظ : [ لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها ] والثانية : لا يتعلق به التحريم وهو قول الشافعي وأكثر أهل العلم لقوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ولأنه نظر من غير مباشرة فلم يوجب التحريم كالنظر إلى الوجه والخبر ضعيف قاله الدار قطني وقيل هو موقوف على ابن مسعود ثم يحتمل أنه كني بذلك عن الوطء وأما النظر إلى سائر البدن فلا ينشر حرمة وقال بعض أصحابنا لا فرق بين النظر إلى الفرج وسائر البدن لشهوة والصحيح خلاف هذا فإن غير الفرج لا يقاس عليه لما بينهما من الفرق ولا خلاف نعلمه في أن النظر إلى الوجه لا يثبت الحرمة فكذلك غيره ولا خلاف أيضا في أن النظر إذا وقع من غير شهوة لا ينشر حرمة لأن اللمس الذي هو أبلغ منه لا يؤثر إذا كان لغير شهوة فالنظر أولى وموضع الخلاف في اللمس والنظر فيمن بلغت سنا يمكن الاستمتاع منها كابنة تسع فما زاد فأما الطفلة فلا يثبت فيها ذلك وقد روي عن أحمد في بنت سبع إذا قبلها حرمت عليه أمها قال القاضي هذا عندي محمول على السن الذي توجد معه الشهوة

فصل حكم ما لو نظرت المرأة إلى فرج رجل بشهوة
فصل : فإن نظرت المرأة إلى فرج رجل لشهوة فحكمه في ا لتحريم حكم نظره إليها نص عليه أحمد لأنه معنى يوجب التحريم فاستوى فيه الرجل والمرأة كالجماع وكذلك ينبغي أن يكون حكم لمسها له وقبلتها إياه لشهوة لما ذكرنا

فصل حكم الخلوة بالمرأة
فصل : فأما الخلوة بالمرأة فالصحيح أنها لا تنشر حرمة وقد روي عن أحمد إذا خلا بالمرأة وجب الصداق والعدة ولا يحل له أن يتزوج أمها وابنتها قال القاضي هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين اللتين ذكرناهما فأما مع خلوة من ذلك فلا يؤثر في تحريم الربيبة لما في ذلك من مخالفة قوله سبحانه : { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } وقوله : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وأما الخلوة بأجنبية أو أمته فلا تنشر تحريما لا نعلم في ذلك خلافا وكل من حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين لأنه إذا حرم العقد المراد للوطء أولى

مسألة و فصلان : حكم ما لو تزوج اختين في عقد واحد وفي عقدين وحكم المهر
مسألة : قال : وإن تزوج أختين من نسب أو رضاع في عقد واحد فسد وإن تزوجهما في عقدين فالأولى زوجته والقول فيهما القول في المرأة وعمتها والمرأة وخالتها
وجملة ذلك أن الجمع بين المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها محرم فمن جمع بينهما فعقد عليهما معا لم يصح العقد في واحدة منهما لأنه لا يمكن تصحيحه فيهما ولا مزية لاحداهما على الأخرى فيبطل فيهما كما لو زوجت المرأة لرجلين وهكذا لو تزوج خمسة في عقد واحد بطل في الجميع لذلك وإن تزوجهما في عقدين فنكاح الأولى صحيح لأنه لا جمع فيه ونكاح الثانية باطل لأن الجمع يحصل به فالعقد على الأولى تحرم الثانية ولا يصح عقده عليها حتى تبين الأولى منه ويزول نكاحها وعدتها
فصل : فإن تزوجهما في عقدين ولم يدر أولاهما فعليه فرقتهما معا قال أحمد في رجل تزوج أختين لا يدري أيتهما تزوج أولا : نفرق بينه وبينهما وذلك لأن احداهما محرمة عليه ونكاحها باطل ولا تعرف المحللة له فقد اشتبهتا عليه ونكاح احداهما يصح ولا تتيقن ببنونتها منه إلا بطلاقهما جميعا أو فسخ نكاحهما فوجب ذلك كما لو زوج الوليان ولم يعرف الأول منهما وإن أحب أن يفارق احداهما ثم يجدد عقد الأخرى ويمسكها فلا بأس وسواء فعل ذلك بقرعة أو بغير قرعة ولا يخلو من ثلاثة أقسام أحدها : أن لا يكون دخل بواحدة منهما فله أن يعقد على احداهما في الحال بعد فراق الأخرى الثاني : إذا دخل باحداهما فإن أراد نكاحها فارق التي لم يصبها بطلقة ثم ترك المصابة حتى تنقضي عدتها ثم نكحها لأننا لا نأمن أن تكون هي الثانية فيكون قد أصابها في نكاح فاسد فلهذا اعتبرنا انقضاء عدتها ويحتمل أن يجوز له العقد عليها في الحال لأن النسب لا حق به ولا يصان ذلك عن مائة وان أحب نكاح الأخرى فارق المصابة بطلقة ثم انتظرها حتى تنقضي عدتها ثم تزوج أختها القسم الثالث : إذا دخل بهما فليس له نكاح واحدة حتى يفارق الأخرى وتنقضي عدتها من حين فرقتها وتنقضي عدة الأخرى من حين أصابها وإن ولدت منه احداهما أو هما جميعا فالنسب لا حق به لأنه إما من نكاح صحيح أو نكاح فاسد وكلاهما يلحق النسب فيه وإن لم يرد نكاح واحدة منهما فارقهما بطلقة طلقة
فصل : فأما المهر فإن لم يدخل بواحدة منهما فلإحداهما نصف المهر ولا نعلم من يستحقه منهما فيصطلحان عليه وإن لم يفعلا أقرع بينهما فكان لمن خرجت قرعتها مع يمينها وقال أبو بكر اختياري أن يسقط المهر إذا كان مجبرا على الطلاق قبل الدخول وإن دخل بواحدة منهما أقرع بينهما فإن وقعت لغير المصابة فلها نصف المهر وللمصابة مهر المثل بما استحل من فرجها وإن وقعت على المصابة فلا شيء للأخرى وللمصابة المسمى جميعه وإن أصابهما معا فلاحداهما المسمى وللأخرى مهر المثل يقرع بينهما فيه إن قلنا الواجب في النكاح الفاسد مهر المثل وإن قلنا بوجوب المسمى فيه وجب ههنا لكل واحد منهما

فصل رأي الإمام أحمد إذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها ودخل بها
فصل : قال أحمد إذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها ودخل بها اعتزل زوجته حتى تنقضي عدة الثانية إنما كان كذلك لأنه لو أراد العقد على أختها في الحال لم يجز له حتى تنقضي عدة الموطوءة كذلك لا يجوز الوطء لامرأته حتى تنقضي عدة أختها التي أصابها

مسألة حكم ما لو تزوج أخته من الرضاع وأجنبية في عقد
مسألة : قال : وإن تزوج أخته من الرضاع وأجنبية في عقد واحد ثبت نكاح الأجنبية
وجملة ذلك أنه إذا عقد النكاح على أخته وأجنبية معا بأن يكون لرجل أخت وابنة عم احداهما رضيعة المتزوج فيقول له زوجتكهما معا فيقبل ذلك فالمنصوص ههنا صحة نكاح الأجنبية ونص فيمن تزوج حرة وأمة على أنه يثبت نكاح الحرة ويفارق الأمة وقيل فيه روايتان احداهما : يفسد فيهما وهو أحد قولي الشافعي واختيار أبي بكر لأنها لفظة واحدة جمعت حلالا وحراما فلم تصح كما لو جمع بين أختين
والثانية : يصح في الحرة وهي أظهر الروايتين وهذا قول مالك و الثوري و أصحاب الرأي لأنها محل قابل للنكاح أضيف إليها عقد صار عن أهله لم يجتمع معها فيه مثلها فصح كما لو انفردت به وفارق العقد على الأختين لأنه لا مزية لاحداهما على الأخرى وههنا قد تعينت التي بطل النكاح فيها فعلى هذا القول يكون لها من المسمى بقسط مهر مثلها منه وفيه وجه آخر أن لها نصف المسمى وأصل هذين الوجهين إذا تزوج امرأتين يجوز له نكاحهما بمهر واحد هل يكون بينهما على قدر صداقهما أو نصفين ؟ على وجهين يأتي ذكرهما إن شاء الله

فصل حكم ما لو تزوج يهودية ومجوسية في عقد واحد
فصل : ولو تزوج يهودية ومجوسية ومحللة أو محرمة في عقد واحد فسد في المجوسية والمحرمة وفي الأخرى وجهان وإن نكح أربع حرائر وأمة فسد في الأمة وفي الحرائر وجهان وإن نكح العبد حرتين وأمة بطل نكاح الجميع وإن تزوج امرأة وابنتها فسد فيهما لأن الجمع بينهما محرم فلم يصح فيهما كالأختين

مسألة وفصول : حكم ما لو اشترى اختين فأصاب إحداهما
مسألة : قال : وإذا اشترى أختين فأصاب إحداهما لم يصب الأخرى حتى تحرم الأولى ببيع أو نكاح أو هبة وما أشبهه ويعلم أنها ليست بحامل فإن عادت إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى تحرم عليه الأولى
الكلام في هذه المسألة في فصول ستة :
الفصل الأول : أنه يجوز الجمع بين الأختين في الملك بغير خلاف بين أهل العلم وكذلك بينها وبين عمتها وخالتها ولو اشترى جارية فوطئها حل له شراء أختها وعمتها وخالتها لأن الملك يقصد به التمول دون الاستمتاع وكذلك حل له شراء المجوسية والوثنية والمعتدة والمزوجة والمحرمات عليه بالرضاع والمصاهرة
الفصل الثاني : أنه لا يجوز الجمع بين الأختين من امائه في الوطء نص عليه أحمد في رواية الجماعة وكرهه عمر وعثمان وعلي وعمار وابن عمر وابن مسعود وممن قال بتحريمه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة جابر بن زيد و طاوس و مالك و الأوزاعي و أبو حنيفة و الشافعي وروي عن ابن عباس أنه قال أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله يروى ذلك عن علي أيضا يريد بالمحرمة قوله : { وأن تجمعوا بين الأختين } وبالمحللة قوله تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
وقد روى ابن منصور عن أحمد وسأله عن الجمع بين الأختين المملوكتين أحرام هو ؟ قال لا أقول حرام ولكن ننهى عنه وظاهر هذا أنه مكروه غير محرم وقال داود وأهل الظاهر لا يحرم استدلالا بالآية المحللة لأن حكم الحرائر في الوطء مخالف لحكم الإماء ولهذا تحرم الزيادة على أربع في الحرائر وتباح في الإماء بغير حصر والمذهب تحريمه للآية المحرمة فإنه يريد بها الوطء والعقد جميعا بدليل من سائر المذكورات في الآية يحرم وطؤهن والعقد عليهن وآية الحل مخصوصة بالمحرمات جميعهن وهذه منهن ولأنها امرأة صارت فراشا فحرمت أختها كالزوجة
الفصل الثالث : أنه إذا كان في ملكه اختان فله وطء احداهما في قول أكثر أهل العلم وقال الحكم و حماد لا يقرب واحدة منهما وروي ذلك عن النخعي وذكره أبو الخطاب مذهبا لـ أحمد ولنا أنه ليس يجمع بينهما في الفراش فلم يحرم كما لو كان في ملكه احداهما فقط
الفصل الرابع : أنه إذا وطىء احداهما فليس له وطء الأخرى قبل تحريم الموطوءة على نفسه بإخراج عن ملكه أو تزويج هذا قول علي وابن عمر و الحسن و الأوزاعي و إسحاق و الشافعي فإن رههنا لم تحل له أختها لأنه منعه من وطئها لحق المرتهن لا لتحريمها ولهذا يحل له بإذن المرتهن في وطئها ولأنه يقدر على فكها متى شاء واسترجاعها إليه وقال قتادة إن استبرأها حلت له أختها لأنه قد زال فراشه ولهذا لو أتت بولد فنفاه بدعوى الاستبراء انتفى فأشبه ما لو زوجها
ولنا قول علي وابن عمر ولأنه لم يزل ملكه عنها ولا حلها له فأشبه ما لو وطئت بشبهة فاستبرأها من ذلك الوطء ولأن ذلك لا يمنعه وطأها فلا يأمن عوده إليها فيكون ذلك ذريعة إلى الجمع بينهما وإن حرم احداهما على نفسه لم تبح الأخرى لأن هذا لا يحرمها إنما هو يمين يكفر ولو كان يحرمها إلا أنه لعارض متى شاء أزاله بالكفارة فهو كالحيض والنفاس والإحرام والصيام وإن كاتب احداهما فظاهر كلام الخرقي أنه لا تحل له الأخرى وقال أصحاب الشافعي تحل له الأخرى لأنها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه فأشبه التزويج
ولنا أنه بسبيل من استباحتها بما لا يقف على غيرهما فلم تبح له أختها كالمرهونة
الفصل الخامس : أنه إذا أخرجها من ملكه لم تحل له أختها حتى يستبرىء المخرجة ويعلم براءتها من الحمل ومتى كانت حاملا منه لم تحل له أختها حتى تضع حملها لأنه يكون جامعا ماءه في رحم أختين بمنزلة نكاح الأخت في عدة أختها
فصل : فإن وطىء أمتيه الأختين معا فوطء الثانية محرم ولا حد فيه ولأن وطأه في ملكه ولأنها مختلف في حكمها وله سبيل إلى استباحتها بخلاف أخته من الرضاع المملوكة له ولا يحل له وطء إحداهما حتى يحرم الأخرى ويستبرئها وقال القاضي وأصحاب الشافعي الأولى باقية على الحل لأن الوطء الحرام لا يحرم الحلال إلا أن القاضي قال : لا يطؤها حتى يستبرىء الثانية
ولنا أن الثانية قد صارت فراشا له يلحقه نسب ولدها فحرمت عليه أختها كما لو وطئها ابتداء وقولهم أن الحرام لا يحرم الحلال ليس بخبر صحيح وهو متروك بما لو وطىء الأولى في حيض أو نفاس أو إحرام حرمت عليه أختها وتحرم عليه أمها وابنتها على التأبيد وكذلك لو وطىء امرأة بشبهة في هذا الحال ولو وطىء امرأة حرمت عليه ابنتها سواء وطئها حراما أو حلالا
الفصل السادس : أنه متى زال ملكه عن الموطوءة زوالا أحل له أختها فوطئها ثم عادت الأولى إلى ملكه فليس له وطء إحداهما حتى تحرم الأخرى بإخراج عن ملكه أو تزويج نص عليه أحمد وقال أصحاب الشافعي لا يحرم عليه واحدة منهما لأن الأولى لم تبق فراشا فأشبه ما لو وطىء أمة ثم اشترى أختها
ولنا أن هذه صارت فراشا وقد رجعت إليه التي كانت فراشا فحرمت عليه كل واحدة منهما بكون أختها فراشا كما لو انفردت به فأما إن استفرش أمة واشترى أختها فإن المشتراة لم تكن فراشا له بل هي محرمة عليه بافتراش أختها ولو أخرج الموطوءة عن ملكه ثم عادت إليه قبل وطء أختها فهي حلال له وأختها محرمة عليه لأن أختها فراشه

فصل حكم المباشرة من الإماء فيما دون الفرج
فصل : وحكم المباشرة من الإماء فيما دون الفرج والنظر إلى الفرج بشهوة فيما يرجع إلى تحريم للأخت كحكمه في تحريم الربيبة والصحيح أنه لا يحرم لأن الحل ثابت بقوله : { أو ما ملكت أيمانكم } ومخالفة ذلك إنما ثبتت بقوله : { وأن تجمعوا بين الأختين } والمراد به الجمع في العقد أو الوطء ولم يوجد واحد منهما ولا ما في معناهما

فصل حكم إن وطىء أمته ثم أراد نكاح أختها
فصل : وإن وطىء أمته ثم أراد نكاح أختها فقد سئل أحمد عن هذا فقال لا يجمع بين الأختين الأمتين فيحتمل أنه أراد أن النكاح لا يصح وهي إحدى الروايات عن مالك قال القاضي هو ظاهر كلام أحمد لأن النكاح تصير به المرأة فراشا فلم يجز أن ترد على فراش الأخت كالوطء ولأنه فعل في الأخت ما ينافي إباحة أختها المفترشة فلم يجز كالوطء ويحتمل أن يصح النكاح ولا تباح المنكوحة حتى تحرم أختها وهو مذهب أبي حنيفة قال أبو الخطاب وهو ظاهر كلام أحمد لأنه سبب يستباح به الوطء فجاز أن يرد على وطء الأخت ولا يبيح كالشراء وقال الشافعي يصح النكاح وتحل له المنكوحة وتحرم أختها لأن النكاح أقوى من الوطء بملك اليمين فإذا اجتمعا وجب تقديم الأقوى ووجه الأول ما ذكرنا ولأن وطء مملوكته معنى يحرم أختها لعلة الجمع فمنع صحة نكاحها كالزوجية ويفارق الشراء فإنه لا يقصد به الوطء ولهذا صح شراء الأختين ومن لا يحل له وقولهم النكاح أقوى من الوطء ممنوع وإن سلم فالوطء أسبق فيقدم ويمنع صحة ما يطرأ عليه مما ينافيه كالعدة تمنع ابتداء نكاح الأخت وكذلك وطء الأمة يحرم نكاح ابنتها وأمها ولأن هذا بمنزلة نكاح الأخت في عدة أختها لكونه لم يستبرىء الموطوءة

فصل حكم ما لو زوج الأمة الموطوءة أو أخرجها عن ملكه
فصل : فإن زوج الأمة الموطوءة أو أخرجها عن ملكه فله نكاح أختها فإن عادت الأمة إلى ملكه فالزوجية بحالها وحلها باق لأن النكاح صحيح وهو أقوى ولا تحل له الأمة وعنه أنه ينبغي أن تحرم احداهما لأن امته التي كانت فراشا قد عادت إليه والمنكوحة مستفرشة فأشبه أمتيه التي وطىء إحداهما بعد تزويج الأخرى ثم طلق الزوج أختها وإن تزوج امرأة ثم اشترى أختها صح الشراء ولم تحل له لأن النكاح كالوطء فأشبه ما لو وطىء أمته ثم اشترى أختها فإن وطىء أمته حرمت عليه حتى يستبرىء الأمة ثم تحل له وزوجته دون أمته لأن النكاح أقوى وأسبق وإنما وجب الاستبراء لئلا يكون جامعا لمائة في رحم أختين ويحتمل أن يحرما عليه جميعا حتى تحرم أحداهما كالأمتين

مسألة عمة الأمة وخالتها فيما سبق من أحكام كحكم أختها
مسألة : قال رحمه الله : وعمة الأمة وخالتها في ذلك كأختها
يعني في تحريم الجمع بينهما في الوطء والتفصيل فيهما كالتفصيل في الأختين على ما ذكرنا

مسألة وثلاث فصول : أحكام مختلفة في الزواج
مسألة : قال : ولا بأس أن يجمع بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها
أكثر أهل العلم يرون الجمع بين المرأة وربيبتها جائزا لا بأس به فعله عبد الله بن جعفر وصفوان بن أمية وبه قال سائر الفقهاء إلا الحسن وعكرمة و ابن أبي ليلى عنهم كراهيته لأن احداهما لو كانت ذكرا حرمت عليه الأخرى فأشبه المرأة وعمتها
ولنا قول الله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ولأنهما لا قرابة بينهما فأشبهتا الأجنبيتين ولأن الجمع حرم خوفا من قطيعة الرحم القريبة بين المتناسبين ولا قرابة بين هاتين وبهذا يفارق ما ذكروه
فصل : لو كان لرجل ابن من غير زوجته ولها بنت من غيره أو كان له بنت ولها ابن جاز تزويج أحدهما من الآخر في قول عامة الفقهاء وحكي عن طاوس كراهيته إذا كان مما ولدته المرأة بعد وطء الزوج لها والأول أولى لعموم الآية والمعنى الذي ذكرناه فإنه ليس بينهما نسب ولا سبب يقتضي التحريم وكونه أخا لأختها لم يرد الشرع بأنه سبب للتحريم فبقي على الإباحة لعموم الآية ومتى ولدت المرأة من ذلك الرجل ولدا صار عما لولد ولديهما وخالا
فصل : وإن تزوج امرأة لم تحرم أمها ولا ابنتها على أبيه فمتى تزوج امرأة وزوج ابنه أمها جاز لعدم اسباب التحريم فإذا ولد لكل واحد منهما ولد كان ولد الابن خال ولد الأب وولد الأب عم ولد الابن ويروى أن رجلا أتى عبد الملك بن مروان فقال يا أمير المؤمنين إني تزوجت امرأة وزوجت ابني بأمها فأخبرنا فقال عبد الملك أن أخبرتني بقرابة ولدك من ولد ابنك أخبرتك فقال الرجل يا أمير المؤمنين هذا العريان بن الهيثم الذي وليته قائم سيفك إن علم ذلك فلا تخبرني فقال العريان أحدهما عم الآخر والآخر خاله
فصل : وإذا تزوج رجل بإمرأة وزوج ابنه بنتها أو أمها فزفت امرأة كل واحد منهما إلى صاحبه فوطئها فإن وطء الأول يوجب مهر مثلها لأنه وطء شبهة ويفسخ به نكاحها من زوجها لأنها صارت بالوطء حليلة ابنه أو أبيه ويسقط به مهر الموطوءة عن زوجها لأن الفسخ جاء من قبلها بتمكينها من وطئها ومطاوعتها عليه ولا شيء لزوجها على الواطىء لأنه لم يلزمه شيء يرجع به ولأن المرأة مشاركة في إفساد نكاحها بالمطاوعة فلم يجب على زوجها شيء كما لو انفردت به ويحتمل أن يلزمه لزوجها نصف مهر مثلها لأنه أفسد نكاحها قبل الدخول أشبه المرأة تفسد نكاحه بالرضاع وينفسخ نكاح الواطىء أيضا لأن امرأته صارت أما لموطوءته أو بنتا لها ولها نصف المسمى فأما وطء الثاني فيوجب مهر المثل للموطوءة خاصة فإن أشكل الأول انفسخ النكاحان ولكل واحدة مهر مثلها على واطئها ولا يثبت رجوع أحدهما على الآخر ويجب لامرأة كل واحد منهما على الآخر نصف المسمى ولا يسقط بالشك

مسألة و فصل : حرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم حلال للمسلمين ومن هم أهل الكتاب
مسألة : قال : وحرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم حلائل للمسلمين
ليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب وممن روي عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم قال ابن المنذر ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى واذينه العبدي تزوجوا نساء من أهل الكتاب وبه قال سائر أهل العلم وحرمته الأمامية تمسكا بقوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } { ولا تمسكوا بعصم الكوافر }
ولنا قول الله تعالى : { اليوم أحل لكم الطيبات } إلى قوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن } وإجماع الصحابة فأما قوله سبحانه : { ولا تنكحوا المشركات } فروي عن ابن عباس أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الاية الأخرى لأنهما متقدمتان والآية التي في آخر المائدة متأخرة عنهما وقال آخرون ليس هذا نسخا فإن لفظ المشركين بإطلاقه لا يتناول أهل الكتاب بدليل قوله سبحانه : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } وقال : { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } وقال : { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } وقال : { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين } وسائر آي القرآن يفصل بينهما فدل على أن لفظة المشكرين بإطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب وهذا معنى قول سعيد بن جبير و قتادة ولأن ما احتجوا به عام في كل كافرة وآتينا خاصة في حل أهل الكتاب والخاص يجب تقديمه إذا ثبت هذا فالأولى أن لا يتزوج كتابية لأن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب طلقوهن فطلقونه إلا حذيفة فقال له عمر طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي حرة طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي حرة قال قد علمت أنها حرة ولكنها لي حلال فلما كان بعد طلقها فقيل له ألا طلقتها حين أمرك عمر ؟ قال كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته وربما كان بينهما ولد فيميل إليها
فصل : وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم هم أهل التوارة والإنجيل قال الله تعالى : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } فأهل التوارة اليهود والسامرة وأهل الإنجيل النصارى ومن وافقهم في أصل دينهم من الإفرنج والأرمن وغيرهم وأما الصابئون فاختلف فيهم السلف كثيرا فروي عن أحمد أنهم جنس من النصارى ونص عليه الشافعي وعلق القول فيهم في موضع آخر وعن أحمد أنه قال بلغني أنهم يسبتون فهؤلاء إذا يشبهون اليهود والصحيح فيهم أنهم أن كانوا يوافقون النصارى أو اليهود في أصل دينهم ويخالفونهم في فروعه فهم ممن وافقوه وإن خالفوهم في أصل الدين فليس هم منه والله أعلم وأما من سوى هؤلاء من الكفار مثل المتمسك بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فليسوا بأهل كتاب ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم وهذا قول الشافعي وذكر القاضي فيهم وجها آخر أنهم من أهل الكتاب وتحل ذبائحهم ونكاح نسائهم ويقرون بالجزية لأنهم تمسكوا بكتاب من كتب الله فأشبهوا اليهود والنصارى

فصلان : لا تحل نساء المجوس وسائر الكفار للمسلمين
فصل : وليس للمجوس كتاب ولا تحل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم نص عليه أحمد وهو قول عامة العلماء إلا أبا ثور فإنه أباح ذلك لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ سنوا بهم سنة أهل الكتاب ] ولأنه يروى أنه حذيفة تزوج مجوسية ولأنهم يقرون بالجزية فأشبهوا اليهود والنصارى
ولنا قول الله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات } وقوله : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فرخص من ذلك في أهل الكتاب فمن عداهم يبقى على العموم ولم يثبت أن للمجوس كتابا وسئل أحمد أيصح عن علي أن للمجوس كتاببا ؟ فقال هذا باطل واستعظمه جدا ولو ثبت أن لهم كتابا فقد بينا أن حكم أهل الكتاب لا يثبت لغير أهل الكتابين وقوله عليه السلام : [ سنوا بهم سنة أهل الكتاب ] دليل على أنه لا كتاب لهم وإنما أراد به النبي صلى الله عليه و سلم في حقن دمائهم وإقرارهم بالجزية لا غير وذلك أنهم لما كانت لهم شبهة كتاب غلب ذلك في تحريم دمائهم فيجب أن يغلب حكم التحريم لنسائهم وذبائحهم فإننا إذا غلبنا الشبهة في التحريم فتغليب الدليل الذي عارضته الشبهة في التحريم أولى ولم يثبت أن حذيفة تزوج مجوسية وضعف أحمد رواية من روى عن حذيفة أنه تزوج مجوسية وقال أبو وائل يقول تزوج يهودية وهو أوثق ممن روي عنه أنه تزوج مجوسية وقال ابن سيرين كانت امرأة حذيفة نصرانية ومع تعارض الروايات لا يثبت حكم إحداهن إلا بترجيح على أنه لو ثبت ذلك عن حذيفة فلا يجوز الاحتجاج به مع مخالفة الكتاب وقول سائر العلماء وأما إقرارهم بالجزية فلأننا غلبنا حكم التحريم لدمائهم فيجب أن يغلب حكم التحريم في ذبائحهم ونسائهم
فصل : وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار والشجر والحيوان فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم وذلك لما ذكرنا من الآيتين وعدم المعارض لهما والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت لأنه لم يثبت لها حكم أهل الدين الذي انتقلت إليه في إقرارها عليه ففي حلها أولى

مسألة إذا كان أحد أبوي الكافرة كتابيا والآخر وثنيا
مسألة : قال : وإذا كان أحد أبوي الكافرة كتابيا والآخر وثنيا لم ينكحها مسلم
وجملته أنه إذا كان أحد أبوي الكتابية غير كتابي لم يحل نكاحها سواء كان وثنيا أو مجوسيا أو مرتدا وبهذا قال الشافعي في ما إذا كان الأب غير كتابي لأن الولد ينسب إلى أبيه ويشرف بشرفه وينسب إلى قبيلته وإن كانت الأم غير كتابية فله فيه قولان ولنا أنها غير متمحضة من أهل الكتاب فلم يجز للمسلم نكاحها كما لو كان أبوها وثنيا ولأنها مولودة بين من يحل وبين من لا يحل فلم يحل كالسمع والبغل ويحتمل أن تحل بكل حال لدخولها في عموم الآية المبيحة ولأنها كتابية تقر على دينها فأشبهت من أبواها كتابيان والحكم فيمن أبواها غير كتابيين كالحكم فيمن أحد أبويها كذلك لأنها إذا حرمت لكون أحد أبويها وثنيا فلأن تحرم إذا كانا وثنيين أولى والاحتمال الذي ذكرناه ثم يتحقق ههنا اعتبارا بحال نفسها دون أبويها

مسألة و فصول
مسألة : قال : وإذا تزوج كتابية فانتقلت إلى دين آخر من الكفر غير دين أهل الكتاب أجبرت على الإسلام فإن لم تسلم حتى انقضت عدتها انفسخ نكاحها
الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة :
الفصل الأول : أن الكتابي إذا انتقل إلى غير دين أهل الكتاب لم يقر عليه لا نعلم في هذا خلافا فإنه إذا انتقل إلى دين لا يقر أهله بالجزية كعبادة الأوثان وغيرها مما يستحسنه فالأصلي منهم لا يقر على دينه فالمنتقل إليه أولى وإن انتقل إلى المجوسية لم يقر أيضا لأنه انتقل إلى أنقص من دينه فلم يقر عليه كالمسلم إذا ارتد فأما إن انتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب كاليهودي يتنصر أو النصراني يتهود ففيه روايتان إحداهما : لا يقر ايضا لأنه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه فلم يقر عليه كالمرتد والثانية : يقر عليه نص عليه أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار الخلال وصاحبه وقول أبي حنيفة لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب فأشبه المنتقل ولـ لشافعي قولان كالروايتين فأما المجوسي إذا انتقل إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقر كأهل ذلك الدين وإن انتقل إلى دين أهل الكتاب خرج فيه الروايتان وسواء فيما ذكرنا الرجل والمرأة لعموم قوله عليه السلام : [ من بدل دينه فاقتلوه ] ولعموم المعنى الذي ذكرناه فيهما جميعا
الفصل الثاني : المنتقل إلى غير دين أهل الكتاب لا يقبل منه إلا الإسلام نص عليه أحمد واختاره الخلال وصاحبه وهو أحد أقوال الشافعي لأن غير الإسلام أديان باطلة قد أقر ببطلانها فلم يقر عليها كالمرتد وعن أحمد أنه لا يقبل إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه لأن دينه الأول قد أقررناه عليه مرة ولم ينتقل إليه كالمرتد إذا رجع إلى الإسلام وعن أحمد رواية ثالثة أنه يقبل منه أحد ثلاثة أشياء الإسلام أو الرجوع إلى دينه الأول أو دين يقر أهله عليه لعموم قوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } وإن انتقل إلى دين أهل الكتاب وقلنا لا يقر ففيه الروايتان : احداهما : لا يقبل منه إلا الإسلام والأخرى لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه
الفصل الثالث : في صفة إجباره على ترك ما انتقل إليه وفيه روايتان احداهما : أنه يقتل ان لم يرجع رجلا كان أو امرأة لعموم قوله عليه السلام : [ من بدل دينه فاقتلوه ] ولأنه ذمي نقض العهد فأشبه ما لو نقضه بترك التزام الذمة وهل يستتاب ؟ يحتمل وجهين
أحدهما : يستتاب لأنه يسترجع عن دين باطل انتقل إليه فيستتاب كالمرتد والثاني : لا يستتاب لأنه كافر أصلي أبيح قتله فأشبه الحربي فعلى هذا إن بادر وأسلم أو رجع إلى ما يقر عليه عصم دمه وإلا قتل والرواية الثانية : عن أحمد قال إذا دخل اليهودي في النصرانية رددته إلى اليهودية ولم أدعه فيما انتقل إليه فقيل له أتقتله ؟ قال لا ولكن يضرب ويحبس قال وإن كان نصرانيا أو يهوديا فدخل في المجوسية كان أغلظ لأنه لا تؤكل ذبيحة ولا تنكح له امرأة ولا يترك حتى يرد إليها فقيل له تقتله إذا لم يرجع ؟ قال أنه لأهل ذلك وهذا نص في أن الكتابي المنتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب لا يقتل بل يكره بالضرب والحبس
الفصل الرابع : أن امرأة المسلم الذمية إذا انتقلت إلى دين غير دين أهل الكتاب فهي كالمرتدة لأن غير دين أهل الكتاب لا يحل نكاح نسائهم فمتى كان قبل الدخول انفسخ نكاحها في الحال ولا مهر لها لأن الفسخ من قبلها وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة في إحدى الروايتين والأخرى ينفسخ في الحال أيضا

مسألة وفصلان
مسألة : قال : وأمته الكتابية حلال له دون أمته المجوسية
في هذه المسألة في فصلين :
الفصل الأول : الكلام ان أمته الكتابية حلال له وهذا قول عامة أهل العلم إلا الحسن فإنه كرهه لأن الأمة الكتابية يحرم نكاحها فحرم التسري بها كالمجوسية
ولنا قول الله تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } ولأنها ممن يحل نكاح حرائرهم فحل له التسري بها كالمسلمة فأما نكاحها فيحرم لأن فيه ارقاق ولد وابقاءه مع كافرة بخلاف التسري
الفصل الثاني : أن من حرم نكاح حرائرهم من المجوسيات وسائر الكوافر سوى أهل الكتاب لا يباح وطء الإماء منهن بملك اليمين في قول أكثر أهل العلم منهم مرة الهمذاني و الزهري و سعيد بن جبير و الأوزاعي و الثوري و أبو حنيفة و مالك و الشافعي وقال ابن عبد البر على هذا جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء وما خالفه فشذوذ لا يعد خلافا ولم يبلغا إباحة ذلك إلا عن طاوس ووجه قوله عموم تعالى : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } والآية الأخرى روى أبو سعيد [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث يوم حنين بعثا قبل أوطاس فأصابوا منهم سبايا وكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز و جل في ذلك : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ] قال فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن وعنه [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في سبايا أوطاس : لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة ] رواهما أبو داود وهو حديث صحيح وهم عبدة أوثان وهذا ظاهر في إباحتهن ولأن الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه و سلم كان أكثر سباياهم من كفار العرب وهم عبدة أوثان فلم يكونوا يرون تحريمهن لذلك ولا نقل عن النبي صلى الله عليه و سلم تحريمهن ولا أمر الصحابة باجتنابهن وقد دفع أبو بكر إلى سلمة بن الأكوع امرأة من بعض السبي نفلها إياه وأخذ عمر وابنه من سبي هوزان وغيرهم من الصحابة والحنيفة أم محمد بن الحنفية من سبي بني حنيفة وقد أخذ الصحابة سبايا فارس وهم مجوس فلم يبلغنا أنهم اجتنبوهن وهذا ظاهر في إباحتهن ولا اتفاق بين أهل العلم على خلافه وقد أجبت عن حديث أبي سعيد باجوبة منها أنه يحتمل أنهن أسلمن كذلك وري عن أحمد أنه سأله محمد بن الحكم قال : قلت لأبي عبد الله هوزان أليس كانوا عبدة أوثان ؟ قال لا أدري كانوا أسلموا أو لا وقال ابن عبد البر إباحة وطئهن منسوخة بقوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن }

مسألة ليس للمسلم إن كان عبدا أن يتزوج أمه كتابية
مسألة : قال : وليس للمسلم وإن كان عبدا أن يتزوج أمة كتابية
لأن الله تعالى قال : { من فتياتكم المؤمنات } هذا ظاهر مذهب أحمد رواه عنه جماعة وهو قول الحسن و الزهري و مكحول و مالك و الشافعي و االثوري و الأوزاعي و الليث و إسحاق وروي ذلك عن عمر وابن مسعود و مجاهد وقال أبو ميسرة و أبو حنيفة يجوز للمسلم نكاحها لأنها تحل بملك اليمين فحلت بالنكاح كالمسلمة
ونقل ذلك عن أحمد قال لا بأس بتزويجها إلا أن الخلال رد هذه الرواية وقال إنما توقف أحمد فيها ولم ينفذ له قول ومذهبه أنها لا تحل لقول الله تعالى : { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } فشرط في إباحة نكاحهن الإيمان ولم يوجد وتفارق المسلمة لأنه لا يؤدي إلى استرقاق الكافر ولدها لأن الكافر لا يقر ملكه على مسلمة والكافرة تكون ملكا لكافر ويقر ملكه عليها وولدها مملوك لسيدها ولأنه عقد اعتوره نقصان الكفر والملك فإذا اجتمعا منعا كالمجوسية لما اجتمع فيها نقص الكفر وعدم الكتاب لم يبح نكاحها ولا فرق بين الحر والعبد في تحريم نكاحها لعموم ما ذكرنا من الدليل ولأن ما حرم على الحر تزويجه لأجل دينه حرم على العبد كالمجوسية

مسألة حكم تزوج المسلم الأمة المسلمة وما يشترط له
مسألة : قال : ولا لحر مسلم أن يتزوج أمة مسلمة إلا أن لا يجد طولا لحرة مسلمة ويخاف العنت
الكلام في هذه المسألة في شيئين أحدهما : أنه يحل له نكاح الأمة المسلمة إذا وجد فيه الشرطان عدم الطول وخوف العنت وهذا وقول عامة العلماء لا نعلم بينهم اختلافا فيه والأصل فيه قول سبحانه : { ومن لم يستطع منكم طولا } الآية والصبر عنها مع ذلك خير وأفضل لقول الله تعالى : { وأن تصبروا خير لكم } والثاني : إذا عدم الشرطان أو أحدهما لم يحل نكاحها لحر روي ذلك عن جابر وابن عباس وبه قال عطاء و طاوس و الزهري و عمرو بن دينار و مكحول و مالك و الشافعي و إسحاق
وقال مجاهد مما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة وإن كان موسرا وبه قال أبو حنيفة إلا أن يكون تحته حرة لأن القدرة على النكاح لا تمنع النكاح كما يمنعه وجود النكاح كنكاح الأخت والخامسة وقال قتادة و الثوري إذا خاف العنت حل له نكاح الأمة وإن وجد الطول لأن إباحتها لضرورة خوف العنت وقد وجدت فلا يندفع إلا بنكاح الأمة فأشبهه عادم الطول
ولنا قول الله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } ـ إلى قوله ـ { ذلك لمن خشي العنت منكم } فشرط في نكاحها عدم استطاعة الطول فلم يجز مع الاستطاعة كالصوم في كفارة الظهار مع عدم استطاعة الاعتاق ولأن في تزويج الأمة إرقاق ولده مع الغنى عنه فلم يجز كما لو كان تحته حرة وقياسهم ليس بصحيح فإن نكاح الخامسة والأخت إنما حرم لأجل الجمع وبالقدرة على الجمع لا يصير جامعا والعلة ههنا هو الغنى عن إرقاق ولده وذلك يحصل بالقدرة على نكاح الحرة وأما من يجد الطول ويخاف العنت فإن كان ذلك لكونه لا يجد إلا حرة صغيرة أو غائبة أو مريضة لا يمكن وطؤها أو وجد مالا ولم يتزوج لقصور نسبه فله نكاح الأمة لأنه عاجز عن حرة تعفه وإن كانت الحرة في حبالة غيره فله نكاح أمة نص عليه أحمد في الغائبة وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يجوز لوجدان الطول
ولنا أنه غير مستطيع الطول إلى حرة تعفه فأشبه من لا يجد شيئا ألا ترى أن الله سبحانه جعل ابن السبيل الذي له اليسار في بلده فقيرا لعدم قدرته عليه في الحال فإن كانت له حرة يتمكن من وطئها والعفة بها فليس بخائف العنت

فصل كل من قدر على تزوج كتابية تعفه لا يحل له نكاح الأمة
فصل : وإن قدر على تزوج كتابية تعفه لم يحل له نكاح الأمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وذكر وجها آخر أنه يجوز لقول الله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } وهذا غير مستطيع لذلك
ولنا قول الله تعالى : { ذلك لمن خشي العنت منكم } وهذا غير خائف له ولأنه قدر على صيانة ولده عن الرق فلم يجز له إرقاقه كما لو قدر على نكاح مؤمنة

فصل من كانت تحته حرة تعفه لا يجوز له نكاح الأمة
فصل : ومن كانت تحته حرة يمكنه أن يستعف بها لم يجز له نكاح الأمة لا نعلم في هذا خلافا ولا فرق بين الكتابية و المسلمة في ذلك لما ذكرنا من قبل

فصل فإن لم يجد طولا لكن وجد من يقرضه لم يلزمه
فصل : فإن لم يجد طولا لكن وجد من يقرضه ذلك لم يلزمه لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته ولصاحبه مطالبته به في الحال وكذلك إن رضيت الحرة بتأخير صداقها أو تفويض بضعها لأن لها مطالبته بعوضه وكذلك إن باذل أن يزنه أو يهبه إياه لم يلزمه قبوله لما عليه من ضرر المنة وله في ذلك كله نكاح الأمة وإن لم يجد من يزوجه إلا بأكثر من مهر المثل وكان قادرا عليه ولا يجحف به لم يكن له نكاح الأمة وقال أصحاب الشافعي له ذلك كما لو لم يجد الماء إلا بزيادة عن ثمن المثل فله التيمم ولنا قول الله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا } وهذا مستطيع ولأنه قادر على نكاح حرة بما لا يضره فلم يجز له إرقاق ولده كما لو كان بمهر مثلها ولا نسلم ما ذكروه في التيمم ثم هذا مفارق للتيمم من وجهين أحدهما : أن التيمم رخصة عامة وهذا أبيح للضرورة ومع القدرة على الحرة لا ضرورة والثاني : أن التيمم يتكرر فإيجاب شرائه بزيادة على ثمن المثل يفضي إلى الإجحاف به وهذا لا يتكرر فلا ضرر فيه

فصل إذا كان في يده مال فذكر أنه لغيره فالقول قوله
فصل : وإن كان في يده مال فذكر أنه معسر وإن المال لغيره فالقول قوله لأنه حكم بينه وبين الله تعالى فقبل قوله فيه كما لو ادعى مخافة العنت ومتى تزوج الأمة ثم أقر أنه كان موسرا حال النكاح فرق بينهما لأنه أقر بفساد نكاحه وهكذا إن أقر أنه لم يكن يخشى العنت فإن كان قبل الدخول وصدقه السيد فلا مهر وإن كذبه فله نصف المسمى لأنه يدعي صحة النكاح والأصل معه وإن كان بعد الدخول فعليه المسمى جميعه إلا أن يكون مهر المثل أكثر فعلى قول من أوجب مهر المثل في النكاح الفاسد يلزمه مهر المثل لإقراره به فإن كان المسمى أكثر وجب وللسيد أن لا يصدقه فيما قال فيكون له من المهر ما يجب في النكاح الفاسد وهل ذلك المسمى أو مهر المثل ؟ على روايتين

مسألة متى عقد عليها وفيه الشرطان عدم الطول وخوف العنت ثم أيسر لم ينفسخ النكاح
مسألة : قال : ومتى عقد عليها وفيه الشرطان عدم الطول وخوف العنت ثم أيسر لم ينفسخ النكاح
هذا ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي وفي المذهب وجه آخر أنه يفسد النكاح وهو قول المزني لأنه إنما أبيح للحاجة فإذا زالت الحاجة لم يجز له استدامته كمن أبيح له أكل الميتة للضرورة فإذا وجد الحلال لم يستدمه
ولنا أن فقد الطول أحد شرطي إباحة نكاح الأمة فلم تعتبر استدامته كخوف العنت ويفارق أكل الميتة فإن أكلها بعد القدرة ابتداء للأكل وهذا لا يبتدىء النكاح إنما يستديمه والاستدامة للنكاح تخالف ابتداءه بدليل أن العدة والردة وأمن العنت يمنعن ابتداءه دون استدامته

فصل حكم تزوج الحرة على الأمة
فصل : وإن تزوج على الأمة حرة صح وفي بطلان نكاح الأمة روايتان إحداهما : لا يبطل وهو قول سعيد بن المسيب و عطاء و الشافعي و أصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن علي رضي الله عنه والرواية الثانية : ينفسخ نكاح الأمة وهو قول ابن عباس ومسروق و إسحاق و المزني ووجه الروايتين ما تقدم في المسألة وقال النخعي إن كان له من الأمة ولد لم يفارقها ولا يصح لأن ما كان مبطلا للنكاح في غير ذات الولد أبطله في ذات الولد كسائر مبطلانه ولأن ولده منها مملوك لسيدها ونفقته عليه وقد استدل على بقاء النكاح بما روي عن علي أنه قال : إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة فإنه لو بطل بنكاح الحرة لبطل بالقدرة عليه فإن القدرة على المبدل كاستعماله بدليل الماء مع التراب

مسألة له أن ينكح من الإماء أربعا إذا كان الشرطان فيه قائمين
مسألة : قال : وله أن ينكح من الإماء أربعا إذا كان الشرطان فيه قائمين
اختلفت الرواية عن أحمد في إباحة أكثر من أمة إذا لم تعفه فعنه أنه قال إذا خشي العنت تزوج أربعا إذا لم يصبر كيف يصنع ؟ وهذا قول الزهري و الحارث العكلي و مالك و أصحاب الرأي والرواية الثانية : قال أحمد لا يعجبني أن يتزوج إلا أمة واحدة يذهب إلى حديث ابن عباس وهو ما روي عن ابن عباس أن الحر لا يتزوج من الإماء إلا واحدة وقرأ { ذلك لمن خشي العنت منكم } وبه قال قتادة و الشافعي و ابن المنذر لأن من له زوجة يمكنه وطؤها لا يخشى العنت ووجه الأولى قوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا } الآية وهذا داخل في عمومها ولأنه عادم للطول خائف للعنت فجاز له نكاح أمة كالأولى وقولهم لا يخشى العنت قلنا الكلام فيمن يخشاه ولا نبيحه إلا له وقول ابن عباس يحمل على من لم يخش العنت فكذلك الرواية الأخرى عن أحمد وإن تزوج حرة فلم تعفه فذكر فيها أبو الخطاب روايتين مثل نكاح الأمة في حق من تحته أمة لم تعفه لما ذكرنا وإن كانت الحرة تعفه فلا خلاف في تحريم نكاح الأمة وإن نكح أمة تعفه لم يكن له أن ينكح أخرى فإن نكحها فنكاحها باطل لأنه يبطل في إحداهما وليست احداهما بأولى من الأخرى فبطل كما لو جمع بين أختين

فصل للعبد أن ينكح الأمة وإن فقد فيه الشرطان
فصل : وللعبد أن ينكح الأم وإن فقد فيه الشرطان لأنه مساو لها فلم يعتبر فيه هذان الشرطان كالحر مع الحرة وله نكاح أمتين معا وواحدة بعد واحدة لأن خشية العنت غير مشروطة فيه وإن تزوج حرة ليست الحرية شرطا في نكاح الحرة فهل له أن ينكح أمة ؟ فيه روايتان احداهما : له ذلك وهو قول مالك و الشافعي لأنها مساوية له فلم يشترط لصحة نكاحها عدم الحر كالحر مع الحرة ولأنه لو اشترط عدم الحرة لاشتراط عدم القدرة عليها كما في حق الحرة والثانية : لا يجوز وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي لأنه يروى عن سعيد بن المسيب أنه قال تنكح الحرة على الأمة ولا تنكح الأمة على الحرة ولأنه مالك لبضع حرة فلم يكن له أن يتزوج أمة كالحر وإن عقد النكاح عليهما جميعا صح فيهما لأن كل واحدة يجوز افراداها بالعقد فجاز بالجمع بينهما كالأمتين

فصل أحكام نكاح المرأة الزانية
فصل : وإذا زنت المرأة لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين أحدهما : انقضاء عدتها فإن حملت من الزنا فقضاء عدتها بوضعه ولا يحل نكاحها قبل وضعه وبهذا قال مالك و أبو يوسف و هو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وفي الأخرى قال يحل نكاحها ويصح وهو مذهب الشافعي لأنه وطء لا يلحق به النسب فلم يحرم النكاح كما لو لم تحمل
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره ] يعني وطء الحوامل وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا توطأ حامل حتى تضع ] صحيح وهو عام وروي سعيد بن المسيب [ أن رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم ففرق بينهما وجعل لها الصداق وجلدها مائة ] رواه سعيد و [ رأى النبي صلى الله عليه و سلم امرأة مجحا على باب فسطاط فقال : لعله يريد أن يلم بها قالوا نعم قال : لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يستخدمه وهو لا يحل له أم كيف يورثه وهو لا يحل له ] أخرجه مسلم ولأنها حامل من غيره فحرم عليه نكاحها كسائر الحوامل
وإذا ثبت هذا لزمتها العدة وحرم عليها النكاح فيها لأنها في الأصل لمعرفة براءة الرحم ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملا فيكون نكاحها باطلا فلم يصح كالموطوءة بشبهة وقال أبو حنيفة و الشافعي لا عدة عليها لأنه وطء لا تصير به المرأة فراشا فأشبه وطء الصغير
ولنا ما ذكرناه لأنه إذا لم يصح نكاح الحامل فغيرها أولى لأن وطء الحامل لا يفضي إلى اشتباه النسب ويحتمل أن يكون ولدها من الأول ويحتمل أن يكون من الثاني فيفضي إلى اشتباه الأنساب فكان بالتحريم أولى ولأنه وطء في القبل فأوجب العدة كوطء الشبهة ولا نسلم وطء الصغير الذي يمكن منه الوطء والشرط الثاني : أن تترب من الزنا قاله قتادة و إسحاق و أبو عبيد وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي لا يشترط ذلك لما روي أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنا وحرص أن يجمع بينهما فأبى الرجل وروي أن رجلا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية فقال : يجوز أرأيت لو سرق من كرم ثم ابتاعه أكان يجوز ؟
ولنا قول الله تعالى : { الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } ـ إلى قوله ـ { وحرم ذلك على المؤمنين } وهي قبل التوبة في حكم الزنا فإذا تابت زال ذلك لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ التائب من الذنب كمن لا ذنب له ] وقوله : [ التوبة تمحو الحوبة ] و [ روي أن مرثدا دخل مكة فرأى امرأة فاجرة يقال لها عناق فدعته إلى نفسها فلم يجبها فلما قدم المدينة سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أنكح عناقا ؟ فلم يجبه فأنزل الله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فتلا عليه الآية وقال : لا تنكحها ] ولأنها إذا كانت مقيمة على الزنا لم يأمن أن تلحق به ولد غيره وتفسد فراشه فأما حديث عمر فالظاهر أنه استنابها وحديث ابن عباس ليس فيه بيان ولا تعرض له لمحل النزاع إذا ثبت هذا فإن عدة الزانية كعدة المطلقة لأنه استبراء الحرة فأشبه عدة الموطوءة بشبهة وحكى ابن أبي موسى أنها تستبرأ بحيضه لأنه ليس من نكاح ولا شبهه نكاح فأشبه استبراء أم الولد إذا عتقت وأما التوبة فهي للإستغفار والندم والإقلاع عن الذنب كالتوبة من سائر الذنوب وروي عن ابن عمر أنه قيل له كيف تعرف توبتها ؟ قال يريدها على ذلك فإن طاوعته فلم تتب وإن أبت فقد تابت فصار أحمد إلى قول ابن عمر ابتاعا له والصحيح الأول فإنه لا ينبغي لمسلم أن يدعو امرأة إلى الزنا ويطلبه منها ولأن طلبه ذلك منها إنما يكون في خلوة ولا يحل الخلوة بأجنبية ولو كان في تعليمها القرآن فكيف يحل في مراودتها على الزنا ؟ ثم لا يأمن ان أجابته إلى ذلك أن تعود إلى المعصية فلا يحل التعرض لمثل هذا ولأن التوبة من سائر الذنوب وفي حق سائر الناس وبالنسبة إلى سائر الأحكام على غير هذا الوجه فكذلك يكون هذا

فصل إذا وجد الشرطان حل نكاحها للزاني وغيره
فصل : وإذا وجد الشرطان حل نكاحها للزاني وغيره في قول أهل العلم منهم أبو بكر وعمر وابنه وابن عباس و جابر بن زيد و عطاء و الحسن و عكرمة و الزهري و الثوري و الشافعي و ابن المنذر وأصحاب الرأي وروي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة أنها لا تحل للزاني بحال قالوا لا يزالان زانيين ما اجتمعا لعموم الآية والخبر ويحتمل أنهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة أو قبل استبرائها فيكون كقولنا فأما تحريمها على الإطلاق فلا يصح لقول الله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم } ولأنها محللة لغير الزاني فحلت له كغيرها

فصل إن زنت امرأة رجل أو زنى زوجها لم ينفسخ النكاح
فصل : وإن زنت امرأة رجل أو زنى زوجها لم ينفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده في قول عامة أهل العلم وبذلك قال مجاهد و عطاء و النخعي و الثوري و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي وعن جابر بن عبد الله أن المرأة إذا زنت يفرق بينهما وليس لها شيء وكذلك روي عن الحسن وعن علي رضي الله عنه أنه فرق بين رجل وامرأته زنى قبل الدخول بها واحتج لهم بأنه لو قذفها ولاعنها بانت لتحقيقه الزنا عليها فدل على أن الزنا بينهما
ولنا أن دعواه الزنا عليها لا يبينها ولو كان النكاح ينفسخ به لانفسخ بمجرد دعواه كالرضاع ولأنها معصية لا تخرج عن الإسلام فأشبهت السرقة فأما اللعان فإنه يقتضي الفسخ بدون الزنا بدليل أنها إذا لاعنته فقد قابلته فلم يثبت زناها ولذلك أوجب النبي صلى الله عليه و سلم الحد على من قذفها والفسخ واقع ولكن أحمد استحب للرجل مفارقة امرأته إذا زنت وقال لا أرى أن يمسك مثل هذه وذلك أنه لا يؤمن أن تفسد وتلحق به ولدا ليس منه وقال ابن المنذر لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه التحريم فيكون مثل قول أحمد هذا قال أحمد ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض وذلك لما [ روى رويفع بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم حنين : لا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر يسقي ماءه زرع غيره ] يعني اتيان الحبالى ولأنها ربما تأتي بولد من الزنا فينسب إليه والأولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضة الواحدة لأنها تكفي في استبراء الإماء وفي أم الولد إذا عتقت بموت سيدها أو بإعتاق سيدها فيكفي ههنا والمنصوص ههنا مجرد الاستبراء وقد حصل بحيضة فيكتفي بها

فصل منع الرجل من وطء أمته الفاجرة
فصل : وإذا علم الرجل من جاريته الفجور فقال أحمد لا يطؤها لعلها تلحق به ولدا ليس منه قال ابن مسعود أكره أن أطأ أمتي وقد بغت وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان ينهى أن يطأ الرجل مته وفي بطنها ولد جنين لغيره قال ابن عبد البر هذا مجمع على تحريمه وكان ابن عباس يرخص في وطء الأمة الفاجرة وروي ذلك عن سعيد بن المسيب ولعل من كره ذلك قبل الاستبراء أو إذا لم يحصنها أو يمنعها من الفجور ومن إباحة بعدهما فيكون القولان متفقين والله أعلم

مسألة وفصول
مسألة : قال : ومن خطب امرأة فلم تسكن إليه فلغيره خطبتها
الخطبة بالكسر خطبة الرجل المرأة لينكحها والخطبة بالضم هي حمد الله والتشهد ولا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تسكن إلى الخاطب لها فتجيبه أو تأذن لوليها في إجابته أو تزويجه فهذه يحرم على غير خاطبها خطبتها ملا روى ابن عمر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ] وعن أبي هريرة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ] متفق عليهما ولأن ذلك إفسادا على الخاطب الأول وإيقاع العداوة بين الناس ولذلك نهى النبي صلى ا لله عليه وسلم عن بيع الرجل على بيع أخيه ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم إلا أن قوما حملوا النهي على الكراهية والظاهر أولى
القسم الثاني : أن ترده ولا تركن إليه فهذه يجوز خطبتها لما [ روت فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحي أسامة بن زيد ] متفق عليه فخطبها النبي صلى الله عليه و سلم بعد إخبارها إياه بخطبة معاوية وأبي جهم لها ولأن تحريم خطبتها على هذا الوجه اضرار بها فإنه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة النكاح إلا منعها بخطبته إياها وكذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة فقال لا تفوتيني بنفسك وأشباه ذلك هذا لم تحرم خطبتها لأن في قصة فاطمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها : [ لا تفوتينا بنفسك ] ولم ينكر خطبة أبي جهم ومعاوية لها
وذكر ابن عبد البر أن ابن وهب روى بإسناده عن الحارث بن سعد بن أبي ديان أن عمر بن الخطاب خطب امرأة على جرير بن عبد الله وعلى مروان بن الحكم وعلى عبد الله بن عمر فدخل على المرأة وهي جالسة في بيتها فقال عمر أن جرير بن عبد الله يخطب وهو سيد أهل المشرق ومروان يخطب وهو سيد شباب قريش وعبد الله بن عمر وهو من قد علمتم وعمر بن الخطاب فكشفت المرأة الستر فقالت أجاد أمير المؤمنين فقال نعم ؟ فقالت فقد أنكحت أمير المؤمنين فأنحكوه فهذا عمر قد خطب على واحد بعد واحد قبل أن يعلم ما تقول المرأة في الأول
القسم الثالث : أن يوجد من المرأة ما يدل على الرضا والسكون تعريضا لا تصريحا كقولها ما أنت إلا رضا وما عنك رغبة فهذه في حكم القسم الأول لا يحل لغيره خطبتها هذا ظاهر كلام الخرقي وظاهر كلام أحمد فإنه قال إذا ركن بعضهم إلى بعض فلا يحل لأحد أن يخطب والركون يستدل عليه بالتعريض تارة وبالتصريح أخرى وقال القاضي ظاهر كلاك أحمد إباحة خطبتها وهو مذهب الشافعي في الجديد لحديث فاطمة حيث خطبها النبي صلى ا لله عليه وسلم وزعموا أن الظاهر من كلامها ركونها إلى أحدهما واستدل القاضي بخطبته لها قبل سؤالها هل ويجد منها ما دل على الرضا أولا ؟
ولنا عموم قوله عليه السلام : [ لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ] ولأنه وجد منها ما دل على الرضا به وسكوتها إليه فحرمت خطبتها كما لو صرحت بذلك وأما حديث فاطمة فلا حجة لهم فيه فإن فيه ما يدل على أنها لم تركن إلى واحد منهما من وجهين :
أحدهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها : [ لا تسبقيني بنفسك ] ـ وفي لفظ ـ [ لا تفوتيني بنفسك ] ـ وفي رواية ـ [ إذا حللت فآذنيني ] فلم تكن لتفتات بالإجابة قبل أن تؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثاني : أنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم كالمستشيرة له فيهما أو في العدول عنهما إلى غيرهما وليس في الإستشارة دليل على ترجيح أحد الأمرين ولا ميل إلى أحدهما على أنها إنما ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم لترجع إلى قوله ورأيه وقد أشار عليها بتركهما لما ذكرنا من عيبهما فجرى ذلك مجرى ردها لهما وتصريحها بمنعهما ومن وجه آخر أن النبي صلى الله عليه و سلم قد سبقهما بخطبتها تعريضا بقول لها ما ذكرنا فكانت خطبته بعدهما مبنية على الخطبة السابقة لهما بخلاف ما نحن فيه
فصل : والتعويل في الرد والإجابة على الولي إن كانت مجبرة وعليها إن لم نكن مجبرة لأنها أحق بنفسها من وليها ولو أجاب هو ورغبت عن النكاح كان الأمر أمرها وإن أجاب وليها فرضيت فهو كإجابتها وإن سخطت فلا حكم لإجابته لأن الحق لها ولو أجاب الولي في حق المجبرة فكرهت المجاب واختارت غيره سقط حكم إجابة وليها لكون اختيارها مقدما على اختياره وإن كرهته ولم تجز سواه فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضا لأنه قد أمر بإستئمارها فلا ينبغي له أن يكرهها على ما لا ترضاه وإن أجابته ثم رجعت عن الإجابة وسخطته زال حكم الإجابة لأن لها الرجوع وكذلك إذا رجع الولي المجبر عن الإجابة زال حكمها لأن له النظر في أمر موليته ما لم يقع العقد وإن لم ترجع هي ولا وليها ولكن ترك الخاطب الخطبة أو أذن فيها جازت خطبتها لما روي في حديث بن عمر [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يأذن له أو يترك ] رواه البخاري
فصل : وخطبة الرجل على خطبة أخيه في موضع النهي محرمة قال أحمد لا يحل لأحد أن يخطب في هذه الحال وقال أبو جعفر العكبري هي مكروهة غير محرمة وهذا نهي تأديب لا تحريم
ولنا ظاهر النهي فإن مقتضاه التحريم ولأنه نهي عن الإضرار بالآدمي المعصوم فكان على التحريم كالنهي عن أكل ماله وسفك دمه فإن فعل فنكاحه صحيح نص عليه أحمد فقال لا يفرق بينهما وهو مذهب الشافعي وروي عن مالك و داود أنه لا يصح وهو قياس قول أبي بكر لأنه قال في البيع على بيع أخيه هو باطل وهذا في معناه ووجهه أنه نكاح منهي عنه فكان باطلا كنكاح الشغار
ولنا أن المحرم لم يفارق العقد فلم يؤثر فيه كما لو صرح بالخطبة في العدة
فصل : ولا يكره للولي الرجوع عن الإجابة إذا رأى المصلحة لها في ذلك لأن الحق لها وهو نائب عنها في النظر لها فلا يكره له الرجوع الذي رأى المصلحة فيه كما لو ساوم في بيع دارها ثم تبين له المصلحة في تركها ولا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب لأنه عقد عمري يدوم الضرر فيه فكان لها الإحتياط لنفسها والنظر في حظها وإن رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من إخلاف الوعد والرجوع عن القول ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزمهما كمن سام سلعة ثم بدا له إلا يبيعها
فصل : فإن كان الخاطب الأول ذميا لم تحرم الخطبة على خطبته نص عليه أحمد فقال لا يخطب على خطبة أخيه ولا يساوم على سوم أخيه إنما هو للمسلمين ولو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو استام على سومهم لم يكن داخلا في ذلك لأنهم ليسوا بإخوة للمسلمين وقال ابن عبد البر لا يجوز أيضا لأن هذا خرج مخرج الغالب لا لتخصيص المسلم به
ولنا أن لفظ النهي خاص في المسلمين وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله وليس الذمي كالمسلم ولا حرمته كحرمته ولذلك لم تجب إجابتهم في دعوة الوليمة ونحوها وقوله خرج مخرج الغالب قلنا متى كان في المخصوص بالذكر معنى يصح أن يعتبر في الحكم لم يجز حذفه ولا تعدية الحكم بدونه وللأخوة الإسلامية تأثير في وجوب الإحترام وزيادة الإحتياط في رعاية حقوقه وحفظ قلبه واستبقاء مودته فلا يجوز خلاف ذلك والله أعلم

مسألة يجوز التعريض للمرأة المعتدة بالنكاح دون التصريح
مسألة : قال : ولو عرض لها وهي في العدة بأن يقول إني في مثلك لراغب وإن قضي شيء كان وما أشبهه من الكلام مما يدلها على رغبته فيها فلا بأس إذا لم يصرح
وجملة ذلك أن المعتدات على ثلاثة أضرب : معتدة من وفاة أو طلاق ثلاث أو فسخ لتحريمها على زوجها كالفسخ برضاع أو لعان ونحوه مما لا تحل بعده لزوجها فهذه يجوز التعريض بخطبتها في عدتها لقول الله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } ولما [ روت فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها لما طلقها زوجها ثلاثا : إذا حللت فآذنيني ] ـ وفي لفظ [ لا تسقيني بنفسك ] ـ وفي لفظ ـ [ لا تفوتينا بنفسك ] وهذا تعريض بخطبتها في عدتها ولا يجوز التصريح لأن الله تعالى لما خص التعريض بالإباحة دل على تحريم التصريح ولأن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن أن يحملها الحرص عليه على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها والتعريض بخلافه
القسم الثاني : الرجعية فلا يحل لأحد التعريض بخطبتها ولا التصريح لأنها في حكم الزوجات فهي كالتي في صلب نكاحه
القسم الثالث : بائن يحل لزوجها نكاحها كالمختلعة والبائن بفسخ لغيبة او إعسار ونحوه فلزوجها التصريح بخطبتها أو التعريض لأنها مباحة له نكاحها في عدتها فهي كغير لمعتدة وهل يجوز لغيره التعريض بخطبتها ؟ فيه وجهان و لـ لشافعي فيه أيضا قولان أحدهما : يجوز لعموم الآية ولأنها بائن فأشبهت المطلقة ثلاثا والثاني : لا يجوز لأن الزوج يملك أن يستبيحها فهي كالرجعية والمرأة في الجواب كالرجل في الخطبة في ما يحل ويحرم لأن الخطبة للعقد فلا يختلفان في حله وحرمته إذا ثبت هذا فالتعريض أن يقول إني في مثلك لراغب ورب راغب فيك
وقال القاسم بن محمد : التعريض أن يقول انك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا أو رزقا وقال الزهري أنت جملية وأنت مرغوب فيك وإن قال لا تسبقينا بنفسك أو لا تفوتينا بنفسك أو إذا حللت فآذنيني ونحو ذلك جاز قال مجاهد مات رجل وكانت امرأته تتبع الجنازة فقال رجل لا تسبقينا بنفسك فقالت سبقك غيرك وتجيبه المرأة إن قضي شيء كان وما نرغب عنك وما أشبهه والتصريح هو اللفظ الذي لا يحتمل غير النكاح نحو أن يقول زوجيني نفسك أو إذا انقضت عدتك تزوجتك ويحتمل أن هذا معنى قوله تعالى : { لا تواعدوهن سرا } يسمى سرا قال الشاعر :
( فلن تطلبوا سرها للفنى ... ولن تسلموها لازهادها )
وقال الشافعي السر الجماع وأنشد لامرىء القيس :
( ألا زعمت بسباسة القوم إنني ... كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي )
ومواعدة السر أن يقول عندي جماع يرضيك ونحوه وكذلك إن قال رب جماع يرضيك فنهي عنه لما فيه من الهجر والفحش والدناءة والسخف

فصل حكم ما لو صرح أو عرض في موضع يحرم التعريض فيه صح نكاحه
فصل : فإن صرح بالخطبة أو عرض في موضع يحرم التعريض ثم تزوجها بعد حلها صح نكاحه وقال مالك يطلقها تطليقة ثم يتزوجها وهذا غير صحيح لأن هذا المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر فيه كما في النكاح الثاني أو كما لو رآها متجردة ثم تزوجها

فصل يحرم على العبد نكاح سيدته
فصل : ويحرم على العبد نكاح سيدته قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن نكاح المرأة عبدها باطل وروى الأثرم بإسناده عن أبي الزبير قال سألت جابرا عن العبد ينكح سيدته فقال جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية وقد نكحت عبدها فانتهرها عمر وهم أن يرجمها وقال لا يحل لك ولأن أحكام النكاح مع أحكام الملك يتنافيان فإن كل واحد منهما يقتضي أن يكون الآخر بحكمه يسافر بسفره ويقيم بإقامته وينفق عليه فيتنافيان

فصل ليس للسيد أن يتزوج أمته
فصل : وليس للسيد أن يتزوج أمته لأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه ولو ملك زوجته وهي أمة انفسخ نكاحها وكذلك لو ملكت المرأة زوجها انفسخ نكاحها ولا نعلم في هذا خلافا ولا يجوز أن يتزوج أمة له فيها ملك ولا يتزوج مكاتبته لأنها مملوكته

فصل ليس للحر أن يتزوج أمة ابنه
فصل : ولا يجوز للحر أن يتزوج أمة ابنه لأن له فيها شبهة وهذا قول أهل الحجاز وقال أهل العراق له ذلك لأنها ليست مملوكة له ولا تعتق بإعتاقه لها
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنت ومالك لأبيك ] ولأنه لو ملك جزءا من أمة لم يصح نكاحه لها فما هي مضافة إليه بجملتها شرعا أولى بالتحريم وكذلك لا يجوز للعبد نكاح أم سيده أو سيدته مع ما ذكرنا من الخلاف ويجوز لعبد أن يتزوج أمة أبنه لأن الرق يقطع ولايته عن أبيه وماله ولهذا لا يلي ماله ولا نكاحه ولا يرث أحدهما صاحبه فهو كالأجنبي منه

فصل يجوز للابن نكاح أمة أبيه
فصل : وللابن نكاح أمة أبيه لأنه لا ملك له فيها ولا شبهة ملك فأشبه الأجنبي وكذلك سائر القرابات ويجوز أن يزوج الرجل ابنته المملوكة إذا قلنا ليست الحرية شرطا في ا لصحة ومتى مات الأب فورث أحد الزوجين صاحبه أو جزءا منه انفسخ النكاح وكذلك ان ملكه أو جزءا منه بغير الإرث لا نعلم فيه خلافا إلا الحسن قال إذا اشترى امرأته للعتق فأعتقها حين ملكها فهما على نكاحهما ولا يصح لأنهما متنافيان فلا يجتمعان قليلا ولا كثيرا فبمجرد الملك لها انفسخ نكاحه سابقا على عتقها وحكم المكاتب يتزوج بنت سيده أو سيدته حكم العبد في أنه إذا مات سيده انفسخ نكاحه قال أصحاب الرأي النكاح بحاله لأنها لا تملكه إنما لها عليه دين وليس بصحيح فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] ولأنه زال الملك عنه لما عاد بعجزه كما لو أعتق

فصل حكم ما لو ملكت المرأة زوجها أو بعضه
فصل : وإذا ملكت المرأة زوجها أو بعضه فانفسخ نكاحها فليس ذلك بطلاق فمتى أعتقه ثم تزوجها لم تحتسب عليه بتطليقة وبهذا قال الحكم و حماد و مالك و الشافعي و ابن المنذر و إسحاق وقال الحسن و الزهري و قتادة و الأوزاعي هي تطليقه وليس بصحيح لأنه لم يلفظ بطلاق صريح ولا كناية وإنما انفسخ النكاح بوجود ما ينافيه فأشبه انفساخه بإسلام أحدهما أو ردته ولو ملك الرجل بعض زوجته انفسخ نكاحها وحرم وطؤها في قول عامة المفتين حتى يستخلصها فتحل له بملك اليمين روي عن قتادة أنه قال لم يزده ملكه فيها إلا قربا وليس بصحيح لأن النكاح لا يبقى في بعضها وملكه لم يتم عليها ولا يثبت الحل فيما لا يملكه ولا نكاح فيه

فصل لا يجوز للرجل أن يطأ جارة ابنه
فصل : ولا يجوز للرجل وطء جارية ابنه لأن الله تعالى قال : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } وليست هذه زوجة له ولا مملوكته ولأنه يحل لابنه وطؤها ولا تحل المرأة لرجلين فإن وطئها فلا حد عليه نص عليه أحمد وقال داود : يحد وقال بعض الشافعية : إن كان ابنه وطئها حد لأنها محرمة عليه على التأبيد
ولنا أن له فيها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنت ومالك لأبيك ] والحد يدرأ بالشبهات ولأن الأب لا يقتل بقتل ابنه والقصاص حق آدمي فإذا سقط بشهبة الملك فالحد الذي هو حق الله تعالى بطريق الأولى ولأنه لا يقطع بسرقة ماله ولا يحد بقذفه فكذلك لا يحد بالزنا بجاريته فإذا ثبت هذا فإنه تحرم على الابن على التأبيد وإن كان الابن قد وطئها حرمت عليهما على التأبيد وإذا لم تعلق من الأب لم يزل ملك الابن عنها ولم يلزمه قيمتها وقال أبو حنيفة : يلزمه ضمانها لأنه أتلفها عليه وحرمه وطأها فأشبه ما لو قبلها
ولنا أنه لم يخرجها عن ملكه ولم تنقص قيمتها فأشبه ما لو أرضعتها مرأته فإنها تحرم على الابن ولا يجب له ضمانها وإن علقت منه فالولد حر يلحق به النسب لأنه من وطء لا يجب به الحد لأجل الشبهة فأشبه ولد الجارية المشتركة وتصير الجارية أم ولد للأب وقال الشافعي في أحد قوليه لا تصير أم ولد لأنها غير مملوكة له فأشبه ما لو وطىء جارية أجنبي بشبهة
ولنا أنها علقت منه بحر لأجل الملك فأشبهت الجارية المشتركة إذا كان موسرا قال أصحابنا ولا يلزم الأب قيمة الجارية ولا قيمة ولدها ولا مهرها وقال الشافعي يلزمه ذلك كله إذا حكم بأنها أم ولد وهذا يبنى على أصل وهو أن للأب أن يتملك من مال ولده ما شاء وأنه ليس للابن مطالبة أبيه بدين له عليه ولا قيمة متلف وعندهم بخلاف ذلك وهذا يذكر في موضع آخر إن شاء الله تعالى

فصل حكم لو وطىء الابن جارية أبيه عالما بالتحريم
فصل : وإن وطىء الابن جارية أبيه عالما بتحريم ذلك فعليه الحد ولا يلحقه النسب ولا تصير به الجارية أم ولد لأنه لا ملك له ولا شبهة ملك فأشبه وطء الأجنبية وكذلك سائر الأقارب

فصل حكم او وطىء الأب وابنه جارية الابن في طهر واحد فأتت بولد
فصل : وإن وطىء الأب وابنه جارية الابن في طهر واحد فأتت بولد أري القافة فألحق بمن ألحقته به منهما وصارت أم ولد له كما لو انفرد بوطئها وإن ألحقته بهما لحق بهما وإن أولدها أحدهما بعد الآخر فهي أو ولد للأول منهما خاصة لأنها بولادتها منه صارت له أم ولد لانفراده بإيلادها فلا تنقل بعد ذلك إلى غيره لأن أم الولد لا ينتقل الملك فيها إلى غير مالكها
وقد نقل عن أحمد في رجل وقع على جارية ابنه فإن كان الأب قابضا لها ولم يكن الابن وطئها فأحبلها الأب فالولد ولده والجارية له وليس للابن فيها شيء قال القاضي ظاهر هذا أن الابن إن كان وطئها لم تصر أم ولد للأب لأنه يحرم عليه وطؤها وأخذها فتكون قد علقت بمملوك وإن كان الأب قبضها ولم يكن الابن وطئها ملكها لأن للأب أن يأخذ من مال ولده ما زاد على قدر نفقته ولم تتعلق به حاجته فيتملكه

باب نكاح أهل الشرك
أنكحة الكفار صحيحة يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا إذا كانت المرأة ممن يجوز ابتداء نكاحها في الحال ولا ينظر صفة عقدهم وكيفيته ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة الإيجاب والقبول وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين
قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب ولا رضاع وقد أسلم خلق في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأسلم نساؤهم وأقروا على أنكحتهم ولم يسألهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شروط النكاح ولا كيفتيه وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة فكان يقينا ولكن ينظر في الحال فإذا كانت المرأة على صفة يجوز له ابتداء نكاحها أقر وإن كانت ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كأحد المحرمات بالنسب أو السبب أو المعتدة والمرتدة والوثنية والمجوسية والمطلقة ثلاثا لم يقر وإن تزوجها في العدة وأسلما بعد انقضائها أقر لأنها يجوز ابتداء نكاحها

مسألة و فصول : حكم ما إذا أسلم الوثني وقد تزوج بأربع وثنيات لم يدخل بهن
مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله تعالى : وإذا أسلم الوثني وقد تزوج بأربع وثنيات ولم يدخل بهن بن منه وكان لكل واحدة نصف ما سمى لها إن كام حلالا أو نصف صداق مثلها إن كان ما سمى لها حراما ولو أسلم النساء قبله وقبل الدخول بن منه أيضا ولا شيء عليه لواحدة منهن فإن كان إسلامه وإسلامهن قبل الدخول معا فهن زوجات فإن كان دخل بهن ثم أسلم فمن لم تسلم منهن قبل انقضاء عدتها حرمت عليه منذ اختلف الدينان
في هذه المسألة فصول خمسة :
الفصل الأول : أنه إذا أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو كتابي يتزوج بوثنية أو مجوسية قبل الدخول تعجلت الفرقة بينهما من حين إسلامه ويكون ذلك فسخا لا طلاقا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تتعجل الفرقة بل إن كانا في دار الإسلام عرض الإسلام على الآخر فإن أبى وقعت الفرقة حينئذ وإن كان في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها فإن لم يسلم الآخر وقعت الفرقة فإن كان الاباء من الزوج كان طلاقا لأن الفرقة حصلت من قبله فكان طلاقا كما لو لفظ به وإن كان من المرأة كان فسخا لأن المرأة لا تملك الطلاق وقال مالك إن كانت هي المسلمة عرض الإسلام فإن أسلم وإلا وقعت الفرقة وإن كان هو المسلم تعجلت الفرقة لقوله سبحانه : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر }
ولنا أنه اختلاف دين يمنع الإقرار على النكاح فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة كالردة على ملك كإسلام الزوج أو كما لو أبى الآخر الإسلام ولأنه إن كان هو المسلم فليس له إمساك كافرة لقوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } وإن كانت هي المسلمة فلا يجوز إبقاؤها على نكاح مشرك
ولنا على أنها فرقة فسخ بإختلاف الدين فكان فسخا كما لو أسلم الزوج وأبت المرأة ولأنها فرقة بغير لفظ فكانت فسخا كفرقة الرضاع
الفصل الثاني : أن الفرقة إذا حصلت قبل الدخول بإسلام الزوج فللمرأة نصف المسمى أن كانت التسمية صحيحة أو نصف مهر مثلها إن كانت فاسدة مثل أن يصدقها خمرا أو خنزيرا لأن الفرقة حصلت بفعله وإن كانت بإسلام المرأة فلا شيء لها لأن الفرقة من جهتها وبهذا قال الحسن و مالك و الزهري و الأوزاعي و ابن شبرمة و الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف المهر إذا كانت هي المسلمة واختارها أبو بكر وبه قال قتادة و الثوري ويقتضيه قول أبي حنيفة لأن الفرقة حصلت من قبله بإبائه الإسلام وإمتناعه منه وهي فعلت ما فرض الله عليها فكان لها نصف ما فرض الله كما لو علق طلاقها على الصلاة فصلت
ونقل عن أحمد في مجوسي أسلم قبل أن يدخل بإمرأته لا شيء لها من الصداق ووجها ما ذكرناه ووجه الأول أن الفرقة حصلت بإختلاف الدين واختلاف الدين حصل بإسلامها فكانت الفرقة حاصلة بفعلها فلم يجب لها شيء كما لو ارتدت ويفارق تعليق الطلاق فإنه من جهة الزوج ولهذا لو علقه على دخول الدار فدخلت وقعت الفرقة ولها نصف المهر
الفصل الثالث : أن الزوجين إذا أسلما معا فهما على النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده وليس بين أهل العلم في هذا اختلاف بحمد الله ذكر ابن عبد البر أنه إجماع من أهل العلم وذلك لأنه لم يوجد منهم اختلاف دين وقد روى أبو داود عن ابن عباس [ أن رجلا جاء مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم جاءت امرأته مسلمة بعده فقال يا رسول الله إنها كانت أسلمت معي فردها عليه ] ويعتبر تلفظهما بالإسلام دفعة واحدة لئلا يسبق أحدهما صاحبه فيفسد النكاح ويحتمل أن يقف على المجلس كالقبض ونحوه فإن حكم المجلس كله حكم حالة العقد ولأنه يبعد اتفاقهما على النطق بكلمة الإسلام دفعة واحدة فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين قيل الدخول إلا في الشاذ النادر فيبطل الإجماع
الفصل الرابع : إنه إذا كان إسلام أحدهما بعد الدخول ففيه عن أحمد روايتان إحداهما : يقف على انقضاء العدة فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى انقضت العدة وقعت الفرقة منذ اختلف الدينان فلا يحتاج إلى استئناف العدة وهذا قول الزهري و الليث و الحسن بن صالح و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق ونحوه عن مجاهد وعبد الله بن عمر و محمد بن الحسن والرواية الثانية تتعجل الفرقة وهو اختيار الخلال وصاحبه وقول الحسن و طاوس و عكرمة و قتادة و الحكم وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ونصره ابن المنذر وقول أبي حنيفة ههنا كقوله فيما قبل الدخول إلا أن المرأة إذا كانت في دار الحرب فانقضت عدتها وحصلت الفرقة لزمها استئناف العدة وقال مالك إن أسلم الرجل قبل امرأته عرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا وقعت الفرقة وإن كانت غائبة تعجلت الفرقة وإن أسلمت المرأة قبله وقفت على انقضاء العدة واحتج من قال بتعجيل الفرقة بقوله سبحانه : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ولأن ما يوجب فسخ النكاح لا يختلف بما قبل الدخول وبعده كالرضاع
ولنا ما روى مالك في موطئه إن ابن شهاب قال [ كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم فلم يفرق النبي صلى الله عليه و سلم بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح ] قال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده وقال ابن شهاب [ أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن فارتحلت حتى قدمت على اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم فبايع النبي صلى الله عليه و سلم فثبتا على نكاحهما ] وقال ابن شبرمة كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما ولأن أبا سفيان خرج فأسلم عام الفتح قبل دخول النبي صلى الله عليه و سلم مكة ولم تسلم هند امرأته حتى فتح النبي صلى الله عليه و سلم مكة فثبتا على النكاح وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية فلقيا النبي صلى الله عليه و سلم عام الفتح بالأبواء فأسلما قبل نسائهما ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم فرق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته ويبعد أن يتفق إسلامهما دفعة واحدة ويفارق ما قبل الدخول فإنه لا عدة لها فتتعجل البينونة كالمطلقة واحدة وههنا لها عدة فإذا انقضت تبينا وقوع الفرقة من حين أسلم الأول فلا يحتاج إلى عدة ثانية لأن اختلاف الدين سبب الفرقة فتحتسب الفرقة منه كالطلاق
الفصل الخامس : أنه إذا أسلم أحد الزوجين وتخلف الآخر حتى انقضت عدة المرأة انفسخ النكاح في قول عامة الفقهاء قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في هذا إلا شيء روي عن النخعي شذ فيه عن جماعة فلم يتبعه عليه أحد زعم أنها ترد إلى زوجها وإن طالت المدة لما روى ابن عباس [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رد زينب على زوجها أبي العاص بنكاحها الأول ] رواه أبو داود واحتج به أحمد قيل له أليس يروى أنه ردها بنكاح مستأنف ؟ قال ليس له أصل وقيل كان بين إسلامها وردها إليه ثمان سنين
ولنا قول الله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقوله سبحانه : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } والإجماع المنعقد على تحريم تزوج المسلمات على الكفار فأما قصة أبي العاص مع امرأته فقال ابن عبد البر لا يخلو من أن تكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار فتكون منسوخة بما جاء بعدها أو تكون حاملا استمر حكمها حتى أسلم زوجها أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم أو تكون ردت إليه بنكاح جديد فقد روى ابن أبي شيبة عن سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن النبي صلى الله عليه و سلم ردها على أبي العاص بنكاح جديد ] ورواه الترمذي وقال سمعت عبد بن حميد يقول : سمعت يزيد بن هارون يقول حديث ابن عباس أجود إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب

فصل إذا وقعت الفرقة بإسلام أحد الزوجين فلها المهر كاملا
فصل : وإذ وقعت الفرقة بإسلام أحدهما بعد الدخول فلها المهر كاملا لأنه استقر بالدخول فلم يسقط بشيء فإن كان مسمى صحيحا فهو لها لأن أنكحة الكفار صحيحة يثبت لها أحكام الصحة وإن كان محرما وقد قبضته في حال الكفر فليس لها غيره لأننا لا نتعرض لما مضى من أحكامهم وإن لم تقبضه وهو حرام فلها مهر مثلها لأن الخمر والخنزير لا يجوز أن يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم وقد صارت أحكامهم أحكام المسلمين فأما نفقة العدة فإن كانت هي المسلمة قبله فلها نفقة عدتها لأنه يتمكن من إبقاء نكاحها واستمتاعه منها بإسلامه معها فكانت لها النفقة كالرجعية وإن كان هو المسلم قبلها فلا نفقة لها عليه لأنه لا سبيل له إلى إستبقاء نكاحها وتلافي حالها فأشبهت البائن وسواء أسلمت في عدتها أو لم تسلم فإن قيل إذا لم تسلم تبينا أن نكاحها انفسخ بإختلاف الدينين فكيف تجب النفقة للبائن ؟ قلنا لأنه كان يمكن الزوج تلافي نكاحها إذا أسلمت بل يجب عليها ذلك فكانت في معنى الرجعية فإن قيل الرجعية جرت إلى البينونة بسبب منه وهذه السبب منها قلنا إلا أنه كان فرضا عليها مضيقا ويمكنه تلافيه بخلاف ما إذا أسلمت قبل الدخول فإنه يسقط مهرها جميعه لأنه ما أمكنه تلافيه

فصول ومسائل : في اختلاف الزوجين
فصل في إختلاف الزوجين : لا يخلو اختلافهما من حالين أحدهما : لأن يكون قبل الدخول ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : أن يقول الزوج أسلمنا معا فنحن على النكاح وتقول هي بل أسلم أحدنا قبل صاحبه فانفسخ النكاح فقال القاضي القول قول المرأة لأن الظاهر معها وكذلك إذ يتعذر إتفاق الإسلام منهما دفعهة واحدة والقول قول من الظاهر معه ولذلك كان القول قول صاحب اليد وذكر أبو الخطاب فيها وجها آخر أن القول قول الزوج لأن الأصل بقاء النكاح والفسخ طارىء عليه فكان القول قول من يوافق قوله الأصل كالمنكر ولـ لشافعي قولان كهذين الوجهين
المسألة الثانية : أن يقول الزوج أسلمت قبلي فلا صداق لك وتقول هي أسلمت قبلي فلي نصف الصداق فالقول قولها لأن المهر وجب بالعقد والزوج يدعي ما يسقطه والأصل بقاؤه ولم يعارضه ظاهر فبقي فإن اتفقا على أن أحدهما أسلم قبل صاحبه ولا يعلمان عينه فلها نصف الصداق كذلك ذكره أبو الخطاب وقال القاضي إن لم تكن قبضت فلا شيء لها لأنها تشك في استحقاقها فلا تستحق بالشك وإن كان بعد القبض لم يرجع عليها لأنه يشك في إستحاق الرجوع ولا يرجع مع الشك والأول أصح لأن اليقين لا يزال بالشك وكذلك إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين وهذه قد كان صداقها واجبا لها وشكا في سقوطه فيبقى على الوجوب وأما إن اختلفا بعد الدخول ففيه أيضا مسألتان
المسألة الأولى : أن يقولا أسلمنا معا أو أسلم الثاني منا في العدة فنحن على النكاح وتقول هي بل أسلم الثاني بعد العدة فانفسخ النكاح ففيه وجهان أحدهما : القول قوله لأن الأصل بقاء النكاح والثاني : القول قولها لأن الأصل عدم إسلام الثاني
المسألة الثانية : أن تقول أسلمت قبلك فلي نفقة العدة ويقول هو أسلمت قبلك فلا نفقة لك فالقول قولها لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها وإن قال أسلمت بعد شهرين من إسلامي فلا نفقة لك فيهما وقالت بعد شهر فالقول قوله لأن الأصل عدم إسلامها في الشهر الثاني فأما إن ادعى هو ما يفسخ النكاح وأنكرته انفسخ النكاح لأنه يقر على نفسه بزوال نكاحه وسقوط حقه فأشبه ما لو ادعى أنها أخته من الرضاع فكذبته
فصل : وسواء فيما ذكرنا اتفقت الداران أو اختلفتا وبه قال مالك و الأوزاعي و الليث و الشافعي وقال أبو حنيفة أن أسلم أحدهما وهما في دار الحرب ودخل دار الإسلام انفسخ النكاح ولو تزوج حربي حربية ثم دخل دار الإسلام وعقد الذمة انفسخ نكاحه لاختلاف الدارين ويقتضي مذهبه أن أحد الزوجين الذميين إذا دخل دار الحرب ناقضا للعهد انفسخ نكاحه لأن الدار اختلفت بهما فعلا وحكما فوجب أن تقع الفرقة بينهما كما لو أسلمت في دار الإسلام قبل الدخول
ولنا أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته بمكة لم تسلم وهي دار حرب وأم حكيم أسلمت بمكة وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن وامرأة صفوان بن أمية اسلمت يوم الفتح وهرب زوجها ثم أسلموا وأقروا على أنكحتهم مع اختلاف الدين والدار بهم ولأنه عقد معاوضة فلم ينفسخ بإختلاف الدار كالبيع ويفارق ما قبل الدخول فإن القاطع للنكاح اختلاف الدين المانع من الإقرار على النكاح دون ما ذكروه فعلى هذا لو تزوج مسلم مقيم بدار الإسلام حربية من أهل الكتاب صح نكاحه وعندهم لا يصح
ولنا عموم قوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } ولأنها امرأة يباح نكاحها إذا كانت في دار الإسلام فأبيح نكاحها في دار الحرب كالمسلمة

مسألة وفصول : حكم ما لو أسلم الكافر ومعه أكثر من أربع نسوة
مسألة : قال : ولو نكح أكثر من أربع في عقد واحد أو في عقود متفرقة ثم أصابهن ثم أسلم ثم أسلمت كل واحدة منهن في عدتها اختار أربعا منهن وفارق ما سواهن سواء كان من أمسك منهن أول من عقد عليهن أو آخرهن
وجملة ذلك أن الكافر إذا أسلم ومعه أكثر من أربع نسوة فأسلمن في عدتهن أو كن كتابيات لم يكن له إمساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه ولا يملك إمساك أكثر من أربع فإذا أحب ذلك اختار أربعا منهن وفارق سائرهن سواء تزوجن في عقد أو في عقود وسواء اختار الأوائل أو الأواخر نص عليه أحمد و به قال الحسن و مالك و الليث و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و إسحاق و محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة و أبو يوسف إن كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاح جميعهن وإن كان في عقود فنكاح الأوائل صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل لأن العقد إذا تناول أكثر من أربع فتحريمه من طريق الجمع فلا يكون فيه مخيرا بعد الإسلام كما لو تزوجت المرأة زوجين في حال الكفر ثم أسلموا
ولنا ما [ روى قيس بن الحارث قال أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى ا لله عليه وسلم فقلت له ذلك فقال : اختر منهن أربعا ] رواه أحمد و أبو داود وروى محمد بن سويد الثقفي [ أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يتخير منهن أربعا ] رواه الترمذي ورواه مالك في موطئه عن الزهري مرسلا ورواه الشافعي في مسنده عن ابن علية عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه إلا أنه غير محفوظ غلط فيه معمر وخالف فيه أصحاب الزهري كذلك قال الحفاظ الإمام أحمد و الترمذي وغيرهما ولأن كل عدد جاز له ابتداء العقد عليه جاز له إمساكه بنكاح مطلق في حال الشرك كما لو تزوجهن بغير شهود وأما إذا تزوجت بزوجين فنكاح الثاني باطل لأنها ملكته ملك غيرها وإن جمعت بينهما لم يصح لأنها لم تملكه جميع بضعها ولأن ذلك ليس بشائع عند أحد من أهل الأديان ولأن المرأة ليس لها اختيار النكاح وفسخه بخلاف الرجل
فصل : ويجب عليه أن يختار أربعا فيما دون ويفارق سائرهن أو يفارق الجميع لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر غيلان وقيسا بالإختيار وأمره يقتضي الوجوب ولأن المسلم لا يجوز إقراره على نكاح أكثر من أربع فإن أبى أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يحتار لأن هذا حق عليه يمكنه إيفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه كإيفاء الدين وليس للحاكم أن يختار عنه كما يطلق على المولي إذا امتنع من الطلاق لأن الحق ههنا لغير معين وإنما تتعين الزوجات بإختياره وشهوته وذلك لا يعرفه الحاكم فينوب عنه فيه بخلاف المولي فإن الحق لمعين يمكن الحاكم إيفاؤه والنيابة عن المستحق فيه فإن جن خلي حتى يعود عقله ثم يجبر على الإختيار وعليه نفقة الجميع إلى أن يختار لأنهن محبوسات عليه ولأنهن في حكم الزوجات أيتهن اختار جاز
فصل : ولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع ثم أسلموا جميعا لم يكن له الإختيار قبل بلوغه فإنه لا حكم لقوله وليس لأبيه الإختيار عنه لأن ذلك حق يتعلق بالشهرة فلا يقوم غيره مقامه فيه فإذا بلغ الصبي كان له أن يختار حينئذ وعليه النفقة إلى أن يختار
فصل : فإن مات قبل أن يختار لم يقم وارثه مقامه لما ذكرنا في الحاكم وعلى جميعهن العدة لأن الزوجات لم يتعين منهن فمن كانت منهن حاملا فعدتها بوضعه ومن كانت آيسة أو صغيرة فعدتها أربعة أشهر وعشر لأنها أطول العدتين في حقها وإن كانت من ذوات القروء فعدتها أطول الأجلين من ثلاثة قروء أو أربعة أشهر وعشر لتقتضي العدة بيقين لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة أو مفارقة وعدة المختارة عدة الوفاء وعدة المفارقة ثلاثة قروء فأوجبنا أطولهما لتنقضي العدة بيقين كما قلنا فيمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها عليه خمس صلوات وهذا مذهب الشافعي فأما الميراث فإن اصطلحن عليه فهو جائز كيفما اصطلحن لأن الحق لهن لا يخرج عنهن وإن أبين الصلح فقياس المذهب أن يقرع بينهن فتكون الأربع منهن بالقرعة وعند الشافعي يوقف الميراث حتى يصطلحن وأصل هذا يذكر في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى
فصل : وصفة الإختيار أن يقول اخترت نكاح هؤلاء أو اخترت هؤلاء أو أمسكتهن أو اخترت حبسهن أو إمساكهن أو نكاحهن أو أمسكت نكاحهن أو ثبت نكاحهن أو أثبتهن وإن قال لما زاد على الأربع فسخت نكاحهن كان اختياراأ للأربع وإن طلق إحداهن كان إختيارا لها لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة وإن قال قد فارقت هؤلاء أو اختر فراق هؤلاء فإن لم ينو الطلاق كان إختيارا لغيرهن ل [ قول النبي صلى الله عليه و سلم لغيلان : اختر منهن أربعا وفارق سائرهن ] وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحا فيه كما كان لفظ الطلاق صريحا فيه وكذا في حديث فيروز الديلمي قال فعمدت إلى أقدمهن صحبة ففارقتها وهذا الموضع أخص بهذا اللفظ فيجب أن يتخصص فيه بالفسخ وإن نوى به الطلاق كان إختيارا لهن دون غيرهن وذكر القاضي فيه عند الإطلاق وجهين
أحدهما : أنه يكون إختيارا للمفارقات لأن لفظ الفراق صريح في الطلاق والأولى ما ذكرناه وإن وطىء إحداهن كان إختيارا لها في قياس المذهب لأنه لا يجوز إلا في ملك فيدل على الإختيار كوطء الجارية المبيعة بشرط الخيار ووطء الرجعية أيضا اختيار لها وإن آلى من واحدة منهن أو ظاهر منها لم يكن اختيارا لها لأنه يصح في غير زوجة في أحد الوجهين وفي الآخر يكون اختيارا لها لأن حكمه لا يثبت في غير زوجة وإن قذفها لم يكن اختيارا لها لأنه يقع في غير زوجة
فصل : وإذا اختار منهن أربعا وفارق البواقي فعدتهن من حين اختار لأنهن بن منه بالإختيار ويحتمل أن تكون عدتهن من حين أسلم لأنهن بن بإسلامه وإنما يتبين ذلك بإختياره فيثبت حكمه من حين الإسلام كما إذا أسلم أحد الزوجين ولم يسلم الآخر حتى انقضت عدتها وفرقهن فسخ لأنها تثبت بإسلامه من غير لفظ منهن وعدتهن كعدة المطلقات لأن عدة من انفسخ نكاحها كذلك وإن ماتت إحدى المختارات أو بانت منه وانقضت عدتها فله أن ينكح من المفارقات وتكون عنده على طلاق ثلاث لأنه لم يطلقها قبل ذلك وإن اختار أقل من أربع أو اختار ترك الجميع أمر بطلاق أربع أو تمام أربع لأن الأربع الزوجات لا بين منه إلا بطلاق أو ما يقوم مقامه فإذا طلق أربعا منهن وقع طلاقه بهن وانفسخ نكاح الباقيات لاختياره لهن وتكون عدة المطلقات من حين طلق وعدة الباقيات على الوجهين وإن طلق الجميع أقرع بينهن فإذا وقعت القرعة على أربع منهن كن المختارات ووقع طلاقه بهن وانفسخ نكاح البواقي فإن كان الطلاق ثلاثا فمتى انقضت عدتهن فله أن ينكح من الباقيات لأنهن لم يطلقن منه ولا تحل له المطلقات إلا بعد زوج وإصابة ولو أسلم ثم طلق الجميع قبل إسلامهن ثم أسلمن في العدة أمر أن يختار أربعا منهن فإذا اختارهن تبينا أن طلاقه وقع بهن لأنهن زوجات ويعتددون من حين طلاقه وبان البواقي بإختياره لغيرهن ولا يقع بهن طلاقه ولا نكاح أربع منهن إذا انقضت عدة المطلقات لأن هؤلاء غير مطلقات والفرق بين هذه وبين التي قبلها ان طلقها قبل إسلامهن في زمن ليس له الإختيار فيه فإذا أسلمن تجدد له الإختيار حينئذ وفي التي قبلها يطلقن وله الإختيار والطلاق يصلح اختيارا وقد أوقعه في الجميع وليس بعضهن أولى من بعض فصرنا إلى القرعة لتساوي الحقوق
فصل : وإذا أسلم قبلهن وقلنا بتعجيل الفرقة بإختلاف الدين فلا كلام وإن قلنا يقف على انقضاء العدة ولم يسلمن حتى انقضت عدتهن تبينا أنهن بن منذ اختلف الدينان فإن كان قد طلقهن قبل انقضاء عدتهن تبينا أن طلاقه لم يقع بهن وله نكاح أربع منهن إذا أسلمن وإن كان وطئهن تبينا أنه وطىء غير نسائه وإن لاعنهن أو طاهر أو قذف تبينا أن ذلك كان في غير زوجته وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك أجنبية فإن أسلم بعضهن في العدة تبينا أنها زوجته فوقع الطلاق بها وكان وطؤه لها وطأ لمطلقته وإن طلق الجميع فأسلم أربع نسوة منهن أو أقل في عدتهن ولم تسلم البواقي تعينت الزوجية في ا لمسلمات ووقع الطلاق بهن فإذا أسلم البواقي فله أن يتزوج بهن لأنه لم يقع طلاقه بهن
فصل : وإذا أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم أربع منهن فله اختيارهن وله الوقوف إلى أن يسلم البواقي فإن مات اللائي أسلمن ثم أسلم الباقيات فله اختيار الميتات وله اختيار الباقيات وله اختيار بعض هؤلاء وبعض هؤلاء لأن الاختيار ليس بعقد وإنما هو تصحيح للعقد الأول فيهن والاعتبار في الإختيار بحال ثبوته وحال ثبوته كن أحياء وإن أسلمت واحدة منهن فقال اخترتها جاز فإذا اختار أربعا على هذا الوجه انفسخ نكاح البواقي وإن قال للمسلمة اخترت فسخ نكاحها لم يصح لأن الفسخ إنما يكون فيم زاد على الأربع والاختيار للأربع وهذه من جملة الأربع إلا أن يريد بالفسخ الطلاق فيقع لأنه كناية ويكون طلاقه لها اختيارا لها وإن قال اخترت فلانة قبل أن تسلم لم يصح لأنه ليس بوقت للاختيار لأنها جارية إلى بينونة فلا يصح إمساكها وإن فسخ نكاحها لم ينفسخ لأنه لما لم يجز الاختيار لم يجز الفسخ وإن نوى بالفسخ الطلاق أو قال أنت طالق فهو موقوف فإن أسلمت ولم يسلم زيادة على أربع أو أسلم زيادة فاختارها تبينا وقوع الطلاق بها وإلا فلا
فصل : وإن قال كلما أسلمت واحدة اخترتها لم تصح لأن الاختيار لا يصح تعليقه على شرط ولا يصح في غير معنى وإن قال كلما أسلمت واحدة اخترت فسخ نكاحها لم يصح أيضا لأن الفسخ لا يتعلق بالشرط ولا يملكه في واحدة حتى يزيد عدد المسلمات على الأربع وإن أراد به الطلاق فهو كما لو قال كلما أسلمت واحدة فهي طالق وفي ذلك وجهان أحدهما : يصح لأن الطلاق يصح تعليقه بالشرط ويتضمن الاختيار لها فكلما أسلمت واحدة كان اختيارا لها وتطلق بطلاقه والثاني : لا يصح لأن الطلاق يتضمن الاختيار والاختيار لا يصح تعليقه بالشرط
فصل : وإذا أسلم ثم أحرم بحج أو عمرة ثم أسلمن فله الاختيار لأن الاختيار استدامة النكاح وتعيين المنكوحة فليس ابتداء له وقال القاضي ليس له الاختيار وهو ظاهر مذهب الشافعي
ولنا أنه استدامه نكاح لا يشترط له رضاء المرأة ولا ولي ولا شهود ولا يتجدد به مهر فجاز له في الإحرام كالرجعية
فصل : وإذا أسلمن معه ثم متن قبل اختياره فله أن يختار منهن أربعا فيكون له ميراثهن ولا يرث الباقيات لأنهن ليس بزوجات له وإن مات بعضهن فله الاختيار من الأحياء وله الإختيار من الميتات وكذلك لو أسلم بعضهن فمتن ثم أسلم البواقي فله الإختيار من الجميع فإن اختار الميتات فله ميراثهن لأنهن متن وهن نساؤه وإن اختار غيرهن فلا ميراث له منهن لأنهن أجنبيات وإن لم يسلم البواقي لزم النكاح في المتيات وله ميراثهن وإن وطىء الجميع قبل إسلامهن ثم أسلمن فاختار أربعا منهن فليس لهن إلا المسمى لأنهن زوجات ولسائرهن المسمى بالعقد الأول ومهر المثل للوطء الثاني لأنهن أجنبيات وإن وطئهن بعد إسلامهن فالموطوءات أولاهن المختارات والبواقي أجنبيات والحكم في المهر على ما ذكرناه

مسألة وثلاث فصول
مسألة : قال : ولو أسلم وتحته أختان اختار منهما واحدة
وهذا قول الحسن و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد وقال أبو حنيفة في هذه كقوله في عشر نسوة
ولنا ما [ روى الضحاك بن فيروز عن أبيه قال : قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان ؟ قال : طلق أيهما شئت ] رواه أبو داود و ابن ماجة وغيرهما ولأن أنكحة الكفار صحيحة وإنما حرم الجمع في الإسلام وقد أزاله فصح كما لو طلق إحداهما قبل إسلامه ثم أسلم والأخرى في حباله وهكذا الحكم في المرأة وعمتها أو خالتها لأن المعنى في الجميع واحد
فصل : ولو تزوج وثنية فأسلمت قبله ثم تزوج في شركه أختها ثم أسلما في عدة الأولى فله أن يختار منهما لأنه أسلم وتحته أختان مسلمتان وإن أسلم هو قبلها لم يكن له أن يتزوج أختها في عدتها ولا أربعا سواها فإن فعل لم يصح النكاح الثاني وإذا أسلمت الأولى في عدتها فنكاحها لازم لأنها انفردت به
فصل : وإن تزوج أختين ودخل بهما ثم أسلم وأسلمتا معه فاختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة أختها لئلا يكون واطئا لأحد الأختين في عدة الأخرى وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع قد دخل بهن فأسلمن معه وكن ثمانيا فاختار أربعا منهن وفارق أربعا لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات لئلا يكون واطئا لأكثر من أربع فإن كن خمسا ففارق إحداهن فله وطء ثلاث من المختارات ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي عدة المفارقة فإن كن ستا ففارق اثنتين فله وطء اثنتين من المختارات فإن كن سبعا ففارق ثلاثا فله وطء واحدة من المختارات ولا يطأ الباقيات حتى تنقضي عدة المفارقات فكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطء واحدة من المختارات هذا قياس المذهب
فصل : وإذا تزوج أختين في حال كفره فأسلم وأسلمتا معا قبل الدخول فاختار احداهما فلا مهر للأخرى لأننا تبينا أن الفرقة وقعت بإسلامهم جميع فلا تستحق مهرا كما لو فسخ النكاح لعيب في إحداهما ولأنه نكاح لا يقر عليه في الإسلام فلا يجب به مهر إذا لم يدخل بها كما لو تزوج المجوسي أخته ثم أسلما قبل الدخول وهكذا الحكم فيما زاد على الأربع إذا أسلموا جميعا قبل الدخول فاختار أربعا وانفسخ نكاح البواقي فلا مهر لهن لما ذكرنا والله أعلم

مسألة و فصلان : حكم ما لو كانت أم وبنت فأسلم وأسلمتا الخ
مسألة : قال : وإن كانتا أما وبنتا فأسلم وأسلمتا معا قبل الدخول فسد نكاح الأم وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما
الكلام في هذه المسألة في فصلين :
الفصل الأول : إذا كان إسلامهم جميعا قبل الدخول فإنه يفسد نكاح الأم ويثبت نكاح البنت وهذا أحد قولي الشافعي واختيار المزني وقال في الآخر يختار أيهما شاء لأن عقد الشرك إنما يثبت له حكم الصحة إذا انضم إليه الاختيار فإذا اختار الأم فكأنه لم يعقد على البنت
ولنا قول الله تعالى : { وأمهات نسائكم } وهذه أم زوجته فتدخل في عموم الآية ولأنها أم زوجته فتحرم عليه كما لو طلق ابنتها في حال شريكه ولأنه لو تزوج البنت وحدها ثم طلقها حرمت عليه أمها إذا أسلم فإذا لم يطلقها وتمسك بنكاحها أولى وقولهم إنما يصح العقد بإنضمام الاختيار إليه غير صحيح فإن أنكحة الكفار صحيحة ثبت لها أحكام الصحة وكذلك لو انفردت كان نكاحها صحيحا لازما من غير اختيار ولهذا فوض إليه الاختيار ههنا ولا يصح أن يختار من ليس نكاحها صحيحا وإنما اختصت الأم بفساد نكاحها لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها على التأبيد فلم يمكن اختيارها والبنت لا تحرم قبل الدخول بأمها فتعين النكاح فيها بخلاف الأختين
الفصل الثاني : إذا دخل بهما حرمت على التأبيد الأم لأنها أم زوجته والبنت لأنها ربيبته من زوجته التي دخل بها قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من محفظ عنه من أهل العلم وهذا قول الحسن و عمر بن عبد العزيز و قتادة و مالك وأهل الحجاز و الثوري و أهل العراق و الشافعي ومن تبعهم وإن دخل بالأم وحدها فكذلك أن البنت تكون ربيبته مدخولا بأمها والأم حرمت بمجرد العقد على ابنتها وإن دخل بالبنت وحدها ثبت نكاحها وفسد نكاح أمها كما لو لم يدخل بها ولو لم تسلم معه إلا احداهما كان الحكم كما لو أسلمتا معه معا فإن كانت المسلمة هي الأم فهي محرمة عليه على كل حال وإن كانت البنت ولم يكن دخل بأمها ثبت نكاحها وإن كان دخل بأمها فهي محرمة على التأبيد ولو أسلم وله جاريتان إحداهما أم الأخرى وقد وطئهما جميعا حرمتا عليه على التأبيد وإن كان قد وطىء احداهما حرمت الأخرى على التأبيد ولم تحرم الموطوءة وإن كان لم يطأ واحدة فله وطء أيتهما شاء فإذا وطئها حرمت الأخرى على التأبيد والله أعلم

مسألة و فصلان : حكم ما لو أسلم العبد وتحته زوجتان أو أكثر
مسألة : قال : ولو أسلم عبد وتحته زوجتان قد دخل بهما فأسلمتا في العدة فهما زوجتاه ولو كن أكثرا اختار منهن اثنتين
وجملة ذلك أن حكم العبد فيما زاد على الاثنتين حكم الحر فيما زاد على أربع فإذا أسلم وتحته زوجتان فأسلمتا معه أو في عدتهما لزم نكاحهما حرتين كانتا أو أمتين أو حرة وأمة لأنه له الجمع بينهما في ابتداء نكاحه فكذلك في اختياره وإن كن أكثر اختار منهن اثنتين شاء على ما مضى في الحر فلو كان تحته حرتان وأمتان فله أن يختار الحرتين أو الأمتين أو حرة وأمة وليس للحرة إذا اسلمت معه الخيار في فراقه لأنها رضيت بنكاحه وهو عبد ولم يتجدد رقه بالإسلام ولا تجددت حريتها بذلك فلم يكن لها خيار كما لو تزوجت معيبا تعلم عيبه ثم أسلما وذكر القاضي وجها أن لها الخيار لأن الرق عيب تجددت أحكامه بالإسلام فكأنه عيب حادث والأول أصح فإن الرق لم يزل عيبا ونقصا عند العقلاء ولم يتجدد نقصه بالإسلام فهو كسائر العيوب
فصل : وإن أسلم وتحته أربع حرائر فأعتق ثم أسلمن في عدتهن أو أسلمن قبله ثم أعتق ثم أسلم لزمه نكاح الأربع لأنه ممن يجوز له الأربع في وقت اجتماع إسلامهم فإنه حر فأما إن أسلموا كلهم ثم أعتق قبل أن يختار لم يكن له أن يختار إلا اثنتين لأنه كان عبدا حين ثبت له الإختيار وهو حال اجتماعهم على الإسلام فتغير حاله بعد ذلك لا يغير الحكم كمن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه ثم أيسر ولو أسلم ومعه اثنتان ثم أعتق ثم أسلم الباقيات لم يجز إلا اثنتين لأنه ثبت له الخيار باسلام الأولتين
فصل : وإن تزوج أربعا فأسلمن وأعتقن قبل إسلامه فلهن فسخ النكاح لأنهن عتقن تحت عبد وإنما ملكن الفسخ وإن كن جاريات إلى بينونة لأنه قد يسلم فيقطع جريانهن إلى البينونة فإذا فسخن ولم يسلم الزوج بن بإختلاف الدين من حين أسلمن وإن أسلم في العدة بن لفسخ النكاح وعليهن عدة الحرائر في الموضعين لأنهن ههنا وجبت عليهن العدة وهن حرائر وفي التي قبلها عتقن في أثناء العدة التي يمكن الزوج تلافي النكاح فيها وأشبهن الرجعية فإن أخرن الفسخ حتى أسلم الزوج لم يسقط بذلك حقهن من الفسخ لأن تركهن للفسخ اعتماد على جريانهن لبينونة فلم يتضمن الرضا بالنكاح كالرجعية إذا عتقت وأخرت الفسخ ولو أسلم قبلهن ثم أعتقن فاخترن الفسخ صح لأنهن إماء عتقن تحت عبد : وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا خيار لهن لأنه لا حاجة بهن إلى الفسخ لكونه يحصل بإقامتهن على الشرك بخلاف التي قبلها وليس بصحيح فإن السبب متحقق وقد يبدو لهن الإسلام وهو واجب عليهن فإن قيل فإذا أسلمن اخترن الفسخ قلنا يتضررن بطول العدة فإن ابتداءها من حين الفسخ ولذلك ملكن الفسخ فيما إذا أسلمن وعتقن قبله
فأما إن اخترن المقام وقلن قد رضينا بالزوج فذكر القاضي أنه يسقط خيارهن لأنها حالة يصح فيها اختيار الفسخ فصح فيها اختيار الإقاة كحالة اجتماعهم على الإسلام وقال أصحاب الشافعي لا يسقط خيارهن لأن اختيارهن للإقامة ضد للحالة التي هن عليه وهي جريانهن إلى البينونة فلم يصح كما لو ارتدت الرجعية فراجعها الزوج حال ردتها وخذا يبطل بما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثم عتقت فاختارت زوجها

فصول : حكم ما لو أسلم وتحته إماء أو إماء وحرة
فصل : وإذا أسلم الحر وتحته إماء فأعتقت إحداهن ثم أسلمت ثم أسلم البواقي لم يكن له أن يختار من الإماء لأنه مالك لعصمة حرة حين اجتماعها على الإسلام وإن أسلمت إحداهن معه ثم أعتقت ثم أسلم البواقي فله أن يختار من الإماء لأن العبرة بحال الإختيار وهي حالة اجتماعهم على الإسلام وحالة اجتماعهما على الإسلام كانت أمة
فصل : ولو أسلم وتحته أربع إماء وهو عادم للطول خائف للعنت فأسلمن معه فله أن يختار منهن واحدة فإن كانت لاتعفه فله أن يختار منهن من تعفه في إحدى الروايتين والأخرى لا يختار إلا واحدة وهذا مذهب الشافعي وتوجيههما قد مضى في ابتداء نكاح الإماء وإن عدم فيه الشرطان انفسخ النكاح في الكل ولم يكن له خيار وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور له أن يختار منهن لأنه استدامة للعقد لا ابتداء له بدليل أنه لا يشترط له شروط العقد فأشبه الرجعة
ولنا أن هذه امرأة لا يجوز ابتداء العقد عليها حال الإسلام فلم يملك اختيارها كالمعتدة من غيره وكذوات محارمه وأما الرجعة فهي قطع جريان النكاح إلى البينونة وهذا اثبات النكاح في امرأة وإن كان دخل بهن ثم أسلم ثم أسلمن في عدتهن فالحكم كذلك وقال أبو بكر لا يجوز له ههنا اختيار بل يبين بمجرد إسلامه لئلا يفضي إلى استدامة نكاح مسلم في أمة كافرة
ولنا أن إسلامهن في العدة بمنزلة إسلامهن معه ولهذا لو كن حرائر مجوسيات أو وثنيات فأسلمن في عدتهم كان ذلك كإسلامهن معه وإن لم يسلمن حتى انقضت عدتهن انفسخ نكاحهن سواء كن كتابيات أو غير كتابيات لأنه لا يجوز له استدمة النكاح في أمة كتابية
فصل : ولو أسلم وهو واجد للطول فلم يسلمن حتى أعسر ثم أسلمن فله أن يختار منهن لأن شرائط النكاح تعتبر في وقت الإختيار وهو وقت اجتماعهم على الإسلام وهو حينئذ عادم للطول خائف للعنت فكان له الإختيار وإن أسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر لم يكن له الإختيار لذلك وإن أسلمت واحدة منهن وهو موسر ثم أسلم البواقي بعد إعساره لم يكن له أن يختار منهن شيئا لأن وقت الإختيار دخل بإسلام الأولى ألا ترى أنه لو كان معسرا كان له اختيارها فإذا كان موسرا بطل اختياره وإن أسلمت الأولى وهو معسر فلم تسلم البواقي حتى أيسر لزم نكاح الأولى ولم يكن له الاختيار من البواقي لأن الأولى اجتمعت معه في حالة يجوز له ابتداء نكاحها بخلاف البواقي ولو أسلم وأسلمن معه وهو معسر فلم يختر حتى أيسر كان له أن يختار لأن حال ثبوت الإختيار كان له ذلك فبغير حاله لا يسقط ما ثبت له كما لو تزوج أو اختار ثم أيسر لم يحرم عليه استدامة النكاح
فصل : فإن أسلم وأسلمت معه واحدة منهن وهو ممن يجوز له نكاح الإماء فله أن يختار من أسلمت معه لأن له أن يختارها لو أسلمن كلهن فكذلك إذا أسلمت وحدها وإن أحب انتظار البواقي جاز لأن له غرضا صحيحا وهو أن يكون منهن من هي أبر عنده من هذه فإن انتظر فلم يسلمن حتى انقضت عدتهن تبين أن نكاح هذه كان لازما وبان البواقي منذ اختلف الدينان وإن أسلمن في العدة اختار منهن واحدة وانفسخ نكاح الباقيات من حين الاختيار وعددهن من حين الاختيار وإن أسلم بعضهن دون بعض بان اللائي لم يسلمن منذ اختلف الدينان والبواقي من حين اختار وإن اختار التي أسلمت معه حين أسلمت انقضت عصمة البواقي وثبت نكاحها فإن أسلم البواقي في العدة تبين أنهن بن منه بإختياره وعدتهن من حينئذ وإن لم يسلمن بن بإختلاف الدين عدتهن منه وإن طلق التي أسلمت معه طلقت وكان اختيارا لها وحكم ذلك حكم ما لو اختارها صريحا لأن إيقاع طلاقه عليها يتضمن اختيارها فأما ان اختار فسخ نكاحها لم يكن له لأن الباقيات لم يسلمن معه فما زاد العدد على ما له إمساكه في هذه الحال ولا ينفسخ النكاح ثم ننظر فإن لم يسلم البواقي لزمه نكاحها وإن أسلمن فاختار منهن واحدة انفسخ نكاح البواقي والأولى معهن وإن اختار الأولى التي فسخ نكاحها صح اختياره لها لأن فسخه لنكاحها لم يصح وفيه وجه آخر ذكره القاضي أنه لا يصح اختياره لها لأن فسخه إنما لم يصح مع إقامة البواقي على الكفر حتى تنقضي العدة لأننا نتبين أن نكاحها كان لازما فإذا أسلمن لحق إسلامهن بتلك الحال وصار كأنهن أسلمن في ذلك الوقت فإذا فسخ نكاح إحداهن صح الفسخ ولم يكن له أن يختارها وهذا يبطل بما لو فسخ نكاح إحداهن قبل إسلامها فإنه لا يصح ولا يجعل إسلامهن الموجودة في الثاني كالموجود سابقا كذلك ههنا
فصل : فإن أسلم وتحته إماء وحرة ففيه ثلاث مسائل إحداهن : أسلم وأسلمن معه كلهن فإنه يلزم نكاح الحرة وينفسخ نكاح الإماء لأنه قادر على الحرة فلا يختار أمة وقال أبو ثور له أن يختار وقد مضى الكلام معه الثانية : أسلمت الحرة معه دون الإماء فقد ثبت نكاحها وانقطعت عصمة الأماء فإن لم يسلمن حتى انقضت عدتهن بن بإختلاف الدين وابتداء عدتهن من حين أسلم وإن أسلمن في عددهن بن من حين إسلام الحرة وعددهن من حين إسلامها فإن ماتت الحرة بعد إسلامها لم يتغير الحكم بموتها لأن موتها بعد ثبوت نكاحها وانفساخ نكاح الأماء لا يؤثر في إباحتهن الثالثة : اسلم الأماء دون الحرة وهو معسر فلا يخلو إما أن تنقضي عدتها قبل إسلامها فتبين بإختلاف الدين وله أن يختار من الأماء لأنه لم يقدر على الحرة أو يسلم في عدتها فيثبت نكاحها ويبطل نكاح الأماء كما لو أسلمن دفعة واحدة وليس له أن يختار من الأماء قبل إسلامها وقضاء عدتها لأننا لا نعلم أنها لا تسلم فإن طلق الحرة ثلاثا قبل إسلامها ثم لم تسلم لم يقع الطلاق لأنا تبينا أن النكاح انفسخ بإختلاف الدين وله الإختيار من الأماء وإن اسلمت في عدتها بان أن نكاحها كان ثابتا وأن الطلاق وقع فيه والإماء بن بثبوت نكاحها قبل الطلاق
فصل : وإن أسلم وتحته إماء وحرة فأسلمن ثم عتقن قبل إسلامهن لم يكن له أن يختار منهن لأن نكاح الأمة لا يجوز لقادر على حرة وإنما يعتبر حالهن حال ثبوت الإختيار وهو حالة إجتماع إسلامه وإسلامهن ثم ننظر فإن لم تسلم الحرة فله الإختيار منهن فلا يختار إلا واحدة اعتبارا لحالة اجتماع إسلامه وإسلامهن وإن أسلمت في عدتها ثبت نكاحها وانقطعت عصمتهن فإن كان قد اختار واحدة من المعتقات في عدة الحرة ثم لم تسلم فلا عبرة بإختياره وله أن يختار غيرها لأن الإختيار لا يكون موقوفا فأما إن عتقن قبل أن يسلمن ثم أسلمن واجتمعن معه على الإسلام وهن حرائر فإن كان جميع الزوجات أربعا فما دون ثبت نكاحهن وإن كن زائدات على أربع فله أن يختار منهن أربعا وتبطل عصمة الخامسة لأنهن صرن حرائر في حالة الإختيار وهي حالة اجتماع إسلامه وإسلامهن فصار حكمهن حكم الحرائر الأصليات وكما لو أعتقن قبل إسلامه وإسلامهن ولو أسلمن قبله ثم أعتقن ثم أسلم فكذلك ويرون الحكم في هذا كما لو أسلم وتحته خمس حرائر أو أكثر على ما مر تفصيله
فصل : ولو أسلم وتحته خمس حرائر فأسلم معه منهن اثنتان احتمل أن يجبر على اختيار إحداهما لأنه لا بد أن يلزمه تكاح واحدة منهما فلا معنى لانتظار البواقي فإذا اختار واحدة ولم يسلم البواقي لزمه نكاح الثانية وكذلك إن لم يسلم من البواقي إلا اثنتان لزمه نكاح الأربع وإن أسلم الجميع في العدة كلف أن يختار ثلاثا مع التي اختارها أولا ولاينفسخ نكاح الباقية وعلى هذا لو أسلم معه ثلاث كلف اختيار اثنتين وإن أسلم معه أربع كلف اختيار ثلاث منهن إذ لا معنى لانتظاره الخامسة ونكاح ثلاث منهن لازم له على كل حال ويحتمل أن لا يجبر على الاختيار لأنه إنما يكون عند زيادة العدد على أربع وما وجد ذلك وكذلك لو أسلمت معه واحدة من الإماء لم يجبر على اختيارها كذا ههنا والصحيح ههنا أن يجبر على اختيارها لما أدركنا من المعنى وأما الأمة فقد يكون له غرض في اختيار غيرها بخلاف مسألتنا

مسألة إسلام زوج الكتابية قبل الدخول
مسألة : قال : وإذا تزوجها وهما كتابيان فأسلم قبل الدخول أو بعده فهي زوجته وإن كانت هي المسلمة قبله وقبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر لها
وجملة ذلك أنه إذا أسلم زوج الكتابية قبل الدخول أو بعده أو أسلما معا فالنكاح باق بحاله سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي لأن للمسلم أن يبتدىء نكاح كتابية فاستدامته أولى ولا خلاف في هذا بين القائلين بإجازة نكاح الكتابية فأما إن أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول تعجلت الفرقة سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم وإن كان إسلامها بعد الدخول فالحكم فيه كالحكم فيما لو أسلم أحد الزوجين الوثنيين على ما تقدم فإذا كانت هي المسلمة قبل الدخول فلا مهر لها لأن الفسخ منها وقد مضى الكلام في هذا أيضا بما فيه كفاية

فصل إذا تزوج المجوسي كتابية ثم ترافعا إلينا قبل الإسلام فرق بينهما
فصل : وإذا تزوج المجوسي كتابية ثم ترافعا إلينا قبل الإسلام فرق بينهما قال أحمد في مجوسي تزوج كتابية يحال بينه وبينها قيل من يحول بينه وبين ذلك ؟ قال الإمام ويحتمل هذا الكلام أن يحال بينهما وإن لم يترافعا إلينا لأنها أعلى دينا منه فيمنع نكاحها كما يمنع الذمي نكاح المسلمة وإن تزوج الذمي وثنية أو مجوسية ثم ترافعوا إلينا ففيه وجهان أحدهما : يقر على نكاحها لأنها ليست أعلى دينا منه فيقر على نكاحها كما يقر المسلم على نكاح الكتابية والثاني : لا يقر على نكاحها لأنها ممن لا يقر المسلم على نكاحها فلا يقر الذمي على نكاحها كالمرتدة

مسألة و فصول : حكم الذمي يتزوج ذمية إذا تحاكما إلينا وحكم مهرها وأحكام نكاحهم
مسألة : قال : وما سمي لها وهما كافران فقبضته ثم أسلما فليس لها غيره وإن كان حراما ولو لم تقبضه وهو حرام فلها عليه مهر مثلها أو نصفه حيث أوجب ذلك
جملته أن الكفار إذا أسلموا وتحاكموا إلينا بعد العقد والقبض لم نتعرض إلى ما فعلوه وما قبضت من المهر فقد نفذ وليس لها غيره حلالا كان أو حراما بدليل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } فأمر بترك ما بقي دون ما قبض وقال تعالى : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله } ولأن التعرض للمقبوض بإبطاله بشق لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام ففيه تنفيرهم عن الإسلام فعقي عنه كما عفي عما تركوه من الفرائض والواجبات ولأنهما تقابضا بحكم الشرك فبرئت ذمة من هو عليه منه كما لو تبايعا فاسدا وتقابضا وإن لم يتقابضا فإن كان المسمى حلالا وجب ما سمياه لأنه مسمى صحيح في نكاح صحيح فوجب كتسمية المسلم وإن كان حراما كالخمر والخنزير بطل ولم يحكم به لأن ما سمياه لا يجوز إيجابه في الحكم ولا يجوز أن يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم ويجب مهر المثل إن كان بعد الدخول ونصفه إن وقعت الفرقة قبل الدخول وهذا معنى قوله حيث أوجب ذلك وبهذا قال الشافعي و أبو يوسف
وقال أبو حنيفة إن كان صداقها خمرا أو خنزيرا معينين فليس لها إلا ذلك وإ كانا غير معينين فلها في الخمر القيمة وفي الخنزير مهر المثل استحسانا
ولنا أن الخمر لا قيمة لها في الإسلام فكان الواجب مهر المثل كما لو أصدقها خنزيرا ولأنه محرم فأشبه ما ذكرنا
فصل : وإن قبضت بعض الحرام دون بعض سقط من المهر بقدر ما قبض ووجب بحصة ما بقي من مهر المثل فإن كان الصداق عشرة زقاق خمر متساوية فقبلت خمسا منها سقط نصف المهر ووجب لها نصف مهر المثل وإن كانت مختلفة اعتبر ذلك بالكيل في أحد الوجهين لأنه إذا وجب اعتباره اعتبر بالكيل فيماله مثل يتأنى الكيل فيه
والثاني : يقسم على عددها لأنه لا قيمة لها فاستوى صغيرها وكبيرها وإن أصدقها عشرة خنازير ففيه الوجهان أحدهما : يقسم على عددها لما ذكرنا والثاني : يعتبر قيمتها كأنها مما يجوز بيعه كما تقوم شجاج الحر كأنه عبد وإن أصدقها كلبا وخنزيرا وثلاثة زقاق خمر ففيه ثلاثة أوجه أحدها : يقسم على قدر قيمتها عندهم والثاني : يقسم على عدد الأجناس فيجعل لكل جنس ثلث المهر والثالث : يقسم على العدد كله فالكل واحد سدس المهر فللكلب سدسه ولكل واحد من الخنزيرين والزقاق سدسه ومذهب الشافعي فيه على نحو من هذا
فصل : فإن نكحها نكاحا فاسدا وهو ما لا يقرون عليه إذا أسلموا كنكاح ذوات الرحم المحرم فاسلما قبل الدخول أو ترافعوا إلينا فرق بينهما ولا مهر لها قال أحمد في المجوسية تكون تحت أخيها أو أبيها فيطلقها أو يموت عنها فترفع إلى المسلمين بطلب مهرها لا مهر لها وذلك لأنه نكاح باطل من أصله لا يقر عليه في الإسلام وحصل فيه الفرقة قبل الدخول فأما إن دخل بها فهل يجب لها مهر المثل ؟ يخرج على الراويتين في المسلم إذا وطىء امرأة من محارمه بشبهة
فصل : إذا تزوج ذمي ذمية على أن لا صداق لها أو سكت عن ذكره فلها المطالبة بفرضه إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها مهر المثل كما في نكاح المسلمين وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة أن تزوجها على أن لا مهر لها فلا شيء لها وإن سكت عن ذكره ففيه روايتان إحداهما : لا مهر لها والأخرى لها مهر المثل واحتج بأن المهر يجل لحق الله وحقها وقد أسقطت حقها والذمي لا يطالب بحق الله تعالى ولنا أن هذا نكاح خلا عن تسمية فيجب للمرأة مهر المثل كالمسلمة وإنما وجب المهر في حق المفوضة لئلا تصير كالموهوبة والمباحة وهذا يوجد في حق الذمي
فصل : إذا ارتفعوا إلى الحاكم في ابتداء العقد لم يزوجهم إلا بشروط نكاح المسلمين لقول الله عز و جل : { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } وقوله : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ولأنه لا حاجة إلى عقده بخلاف ذلك وإن أسلموا وترافعوا إلينابعد العقد لم نتعرض لكيفية عقدهم ونظرنا في الحال فإن كانت المرأة ممن يجوز عقد النكاح عليها ابتداء أقرهما وإن كانت ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كذوت محرمة فرق بينهما فإن تزوج معتدة وأسلما أو ترافعا في عدتها فرق بينهما لأنه لا يجوز ابتداء نكاحها وإن كان بعد انقضائها أقرا لجواز ابتداء نكاحها وإن كان بينهما نكاح متعة لم يقرا عليه لأنه إن كان بعد المدة فلم يبق بينهما نكاح فإن كان في المدة فهما لا يعتقدان تأبيده والنكاح عقد مؤبد إلا أن يكونا ممن يعتقدان فساد الشرط وصحة النكاح مؤبدا فيقران عليه وإن كان بينهما نكاح شرط فيه الخيار متى شاء أو شاء أحدهما لم يقرا عليه لأنهما لا يعتقدان لزومه إلا أن يعتقدا فساد الشرط وحده وإن كان خيار مدة فأسلما فيها لم يقرا لذلك وإن كان بعدها أقرا لأنهما يعتقدان لزومه وكل ما اعتقدوه فهو نكاح يقرون عليه وما لا فلا فلو مهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته ثم أسلما فإن كان ذلك في اعتقادهم نكاحا أقرا عليه لأنه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه كالنكاح بلا ولي وإن لم يعتقدوا نكاحا لم يقرا عليه
فصل : وأنكحة الكفار تتعلق بها أحكام الصحيح من وقوع الطلاق والظهار والإيلاء ووجوب المهر والقسم والإباحة للزوج الأول والإحصان وغير ذلك وممن أجاز طلاق الكفار عطاء و الشعبي و النخعي و الزهري و حماد و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أصحاب الرأي ولم يجوزه الحسن و قتادة و ربيعة و مالك
ولنا أنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح فوقع كطلاق المسلم فإن قيل لا نسلم صحة أنكحتهم قلنا دليل ذلك أن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال : { وامرأته حمالة الحطب } وقال : { امرأة فرعون } وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : ولدت من نكاح لا من سفاح ] وإذا ثبت صحتها ثبتت أحكامها كأنكحة المسلمين فعلى هذا إذا طلق الكافر ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج وأصابها ثم أسلما لم يقرا عليه وإن طلق امرأته أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عنده على ما بقي من طلاقها وإن نكحها كتابي وأصابها حلت لمطلقها ثلاثا سواء كان المطلق مسلما أو كافرا وإن ظاهر الذمي من امرأته ثم أسلما فعليه كفارة الظهار لقوله تعالى : { والذين يظاهرون من نسائهم } وإن آلى ثبت حكم الإيلاء لقوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم }
فصل : ويحرم عليهم في النكاح ما يحرم على المسلمين على ما ذكرنا في ا لباب قبله إلا أنهم يقرون على الأنكحة المحرمة بشرطين أحدهما : أن لا يترافعوا إلينا والثاني : أن يعتقدوا إباحة ذلك في دينهم لأن الله تعالى قال : { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا } فدل هذا على أنهم يخلون وأحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يعترض عليهم في أحكامهم ولا في أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم وقد روي عن أحمد في المجوسي تزوج نصرانية قال : يحال بينه وبينها قيل من يحول بينهما ؟ قال الإمام قال : أبو بكر لأن علينا ضررا في ذلك يعني بتحريم أولاد النصرانية علينا وهكذا يجيء على قوله في تزويج النصراني المجوسية ويجيء على هذا القول أن يحال بينهم وبين نكاح محارمهم فإن عمر رضي الله عنه كتب : إن فرقوا بين كل محرم من المجوس وقال أحمد في مجوسي ملك أمة نصرانية يحال بينه وبينها ويجبر على بيعها لأن النصارى لهم دين فإن ملك نصراني مجوسية فلا بأس أن يطأها وقال أبو بكر عبد العزيز لا يجوز له وطؤها أيضا لما ذكرناه من الضرر

مسألة ارتداد أحد الزوجين قبل الدخول وانفساخ النكاح به
مسألة : قال : ولو تزوجها وهما مسلمان فارتدت قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر لها وإن كان هو المرتد قبلها وقبل الدخول فكذلك إلا أن عليه نصف المهر
وجملة ذلك أنه إذا أرتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم إلا أنه حكي عن داود أنه لا ينفسخ بالردة لأن الأصل بقاء النكاح
ولنا قول الله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } وقال تعالى : { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة فأوجب فسخ النكاح كما لو أسلمت تحت كافر ثم ينظر فإن كانت المرأة هي المرتدة فلا مهر لها لأن الفسخ من قبلها وإن كان الرجل هو المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ من جهته فأشبه ما لو طلق وإن كانت التسمية فاسدة فعليه نصف مهر المثل

مسألة أحكام ارتداد أحد الزوجين بعد الدخول
مسألة : قال : وإن كنت ردتها بعد الدخول فلا نفقة لها وإن لم تسلم حتى انقضت عدتها انفسخ نكاحها ولو كان هو المرتد فلم يعد إلى الإسلام حتى انقضت عدتها انفسخ النكاح منذ اختلف الدينان
اختلفت الرواية عن أحمد فيما إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول حسب اختلافها فيما إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين ففي أحداهما تتعجل الفرقة وهو قول أبي حنيفة و مالك وروي ذلك عن الحسن و عمر بن عبد العزيز و الثوري و زفر و أبي ثور و ابن المنذر لأن ما أوجب فسخ النكاح استوى فيه ما قبل الدخول وبعده كالرضاع والثانية : يقف على انقضاء العدة فإن أسلم المرتد قبل انقضائها فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى انقضت بانت منذ اختلف الدينان وهذا مذهب الشافعي لأنه لفظ تقع به الفرقة فإذا وجد بعد الدخول جاز أن يقف على انقضاء العدة كالطلاق الرجعي أو اختلاف دين بعد الإصابة فلا يوجب فسخه في الحال كإسلام الحربية تحت الحربي وقياسه على إسلام أحد الزوجين أقرب من قياسه على الرضاع فأما النفقة فإن قلنا بتعجيل الفرقة فلا نفقة لها لأنها بائن منه وإن قلنا يقف على انقضاء العدة وكانت المرأة المرتدة فلا نفقة لها لأنه لا سبيل للزوج إلى رجعتها وتلافي نكاحها فلم يكن لها نفقة كما بعد العدة وإن كان هو المرتد فعليه النفقة للعدة لأنه بسبيل من الاستمتاع بها بأن تسلم ويمكنه تلافي نكاحها فكانت النفقة واجبة عليه كزوج الرجعية

فصول : في إرتداد أحد الزوجين أو كليهما
فصل : فإن ارتد الزوجان معا فحكمهما حكم ما لو ارتد أحدهما إن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة وإن كان بعده فهل تتعجل أو يقف على انقضاء العدة ؟ على روايتين وهذا مذهب الشافعي قال أحمد في رواية ابن منصور إذا ارتدا معا أو أحدهما ثم تابا أو تاب فهو أحق لها ما لم تنقض العدة وقال أبو حنيفة لا ينفسخ النكاح استحسانا لأنه لم يختلف بهما الدين فأشبه ما لو أسلما
ولنا أنها ردة طارئة على النكاح فوجب أن يتعلق بها فسخه كما لو ارتد أحدهما ولأن كل ما زال عنه ملك المرتد إذا ارتد وحده زال إذا ارتد غيره معه كماله وما ذكروه يبطل بما إذا انتقل المسلم واليهودية إلى دين النصرانية فإن نكاحهما ينفسخ وقد انتقلا إلى دين واحد وأما إذا أسلما فقد انتقلا إلى دين الحق ويقران عليه بخلاف الردة
فصل : وإذا ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا منع وطأها فإن وطئها في عدتها وقلنا أن الفرقة تعجلت فلها عليه مهر مثلها لهذا الوطء مع الذي يثبت عليه بالنكاح لأنه وطىء أجنبية فيكون عليه مهر مثلها وإن قلنا أن الفرقة موقوفة على لنقضاء العدة فإن أسلم المرتد منهما أو أسلما جميعا في عدتها وكانت الردة منهما فلا مهر لها عليه بهذا الوطء لأنا تبينا أن النكاح لم يزل وإنه وطئها وهي زوجته وإن ثبتا أو ثبت المرتد منهما على الردة حتى انقضت عدتها فلها عليه مهر المثل لهذا الوطء لأنه وطء في غير نكاح يشبه النكاح لأننا تبينا أن الفرقة وقعت منذ اختلف الدينان وكذا الحكم فيما إذا أسلم أحد الزوجين بعد الدخول فوطئها في العدة قبل إسلام الآخر فالحكم فيه مثل الحكم ههنا لما ذكرنا من التعليل فيه
فصل : وإذا أسلم أحد الزوجين ثم ارتد نظرت فإن لم يسلم الآخر في العدة تبينا أن وقوع الفرقة كان منذ اختلف الدينان وعدتها من حين أسلم المسلم منهما وإن أسلم الآخر منهما في العدة قبل ارتداد الأول اعتبر ابتداء العدة من حين ارتد لأن حكم اختلاف الدين بإسلام الأول زاد بإسلام الثاني في العدة ولو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه ثم ارتد لم يكن له أن يختار منهن لأنه لا يجوز أن يبتدىء العقد عليهن في هذه الحال وكذلك لو ارتددن دونه أو معه لم يكن له أن يختار منهن لذلك
فصل : فإذا تزوج الكافر بمن لا يقر على نكاحه في الإسلام مثل أن جمع بين الأختين أو بين عشر نسوة أو نكح معتدة أو مرتدة ثم طلقها ثلاثا ثم أسلما لم يكن له أن ينكحها لأننا أجرينا أحكامهم على الصحة فيما يعتقدونه في النكاح فكذلك في الطلاق ولهذا جاز له إمساك الثانية من الأختين والخامسة المعقود عليها آخر

مسألة حكم نكاح الشغار وبطلانه
مسألة : قال : وإذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته فلا نكاح بينهما وإن سموا مع ذلك صداقا أيضا
هذا النكاح يسمى الشغار فقيل إنما سمي شغارا لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول في القبح يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول وحكي عن الأصمعي أنه قال : الشغار الرفع فكأن كل واحد منهما رفع رجله للآخر عما تريد ولا تختلف الرواية عن أحمد في أن نكاح الشغار فاسد رواه عنه جماعة قال أحمد وروي عن عمر وزيد ابن ثابت أنهما فرقا فيه وهو قول مالك و الشافعي وحكي عن عطاء و عمرو بن دينار و مكحول و الزهري و الثوري أنه يصح وتفسد التسمية ويجب مهر المثل لأن الفساد من قبل المهر لا يوجب فساد العقد كما لو تزوج على خمر أو خنزير وهذا كذلك
ولنا ما روى ابن عمر [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الشغار ] متفق عليه وروى أبو هريرة مثله أخرجه مسلم وروى الأثرم بإسناده عن عمران بن حصين [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ] ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح كما لو قال بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي وقولهم أن فساده من قبل التسمية قلنا لا بل إفساده من جهة أنه وقفه على شرط فاسد أو لأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج فإنه جعل تزوجيه إياها مهرا للأخرى فكان ملكه إياه بشرط انتزاعه منه إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يقول على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى أو لم يقل ذلك وقال الشافعي هو أن يقول ذلك ولا يسمي لكل واحدة صداقا لما روى ابن عمر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الشغار ] والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى
ولنا ما روى ابن عمر [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق ] هذا لفظ الحديث الصحيح المتفق عليه وفي حديث أبي هريرة والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أز زوجني أختك وازوجك أختي رواه مسلم وهذا يجب تقديمه لصحته وعلى أنه قد أمكن الجمع بينهما بأن يعلم بالجميع ويفسد بأي ذلك كان ولأنه إذا شرط في نكاح إحداهما تزويج الأخرى فقد جعل بضع كل واحدة صداق الأخرى ففسد كما لو لفظ به فأما إن سموا مع ذلك صداقا فقال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة منهما مائة أو مهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل أو صداقا فالمنصوص عن أحمد فيما وقفنا عليه صحته وهو قول الشافعي لما تقدم من حديث ابن عمر ولأنه قد سمى صداقا فصح كما لو لم يشرط ذلك وقال الخرقي لا يصح لحديث لأبي هريرة ولما روى أبو داود عن الأعرج أن العباس بن عبيد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحة عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان فأمره أن يفرق بينهما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم ولأنه شرط نكاح إحداهما لنكاح الأخرى فلم يصح كما لو يسميا صداقا يحققه إن عدم التسمية ليس بمفسد للعقد بدليل نكاح المفوضة فدل على أن المفسد هو الشرط وقد وجد ولأنه سلف في عقد فلم يصح كما لو قال بعتك ثوبي بعشرة على أن تبيعني ثوبك بعشرين وهذا الإختلاف فيما إذا لم يصرح بالتشريك فأما إذا قال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة منهما مائة وبضع الأخرى فالنكاح فاسد لأنه صرح بالتشريك فلم يصح العقد كما لو يذكر مسمى

فصول : حكم ما إذا سميا صداقا في العقد
فصل : ومتى قلنا بصحة العقد إذا سميا صداقا ففيه وجهان أحدهما : تفسد التسمية ويجب مهر المثل وهذا قول الشافعي لأن كل واحد منهما لم يرض بالمسمى إلا بشرط أن يزوج وليه صاحبه فنيقص المهر لهذا الشرط وهو باطل فإذا احتجنا إلى ضمان النقص صار المسمى مجهولا فبطل والوجه الذي ذكره القاضي في الجامع أنه يجب المسمى لأنه ذكر قدرا معلوما يصح أن يكون مهرا فصح كما لو قال زوجتك ابنتي على ألف أن لي منها مائة والله أعلم
فصل : وإن سمى لإحداهما مهرا دون الأخرى فقال أبو بكر يفسد النكاح فيهما لأنه فسد في إحداهما فسد في الأخرى والأولى أنه يفسد في التي لم يسم لها صداقا لأن نكاحها خلا من صداق سوى نكاح الأخرى ويكون في التي سمى لها صداقا روايتان لأن فيه تسمية وشرطا فأشبه ما لو سمى لكل واحدة منهما مهرا ذكره القاضي هكذا
فصل : فإن قال زوجتك جاريتي هذه على أن تزوجني ابنتك وتكون رقبتها صداقا لابنتك لم يصح تزويج الجارية في قياس المذهب لأنه لم يجعل لها صداقا سوى تزويج ابنته وإذا زوجه ابنته على أن يجعل رقبة الجارية صداقا لها صح لأن الجارية تصلح أن تكون صداقا وإن زوج عبده امرأة وجعل رقبته صداقا لها لم يصح الصداق لأن ملك المرأة زوجها يمنع صحة النكاح فيفسد الصداق ويصح النكاح ويجب مهر المثل

مسألتان وفصلان : لا يجوز نكاح المتعة
مسألة : قال رحمه الله تعالى : ولا يجوز نكاح المتعة
معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول زوجتك ابنتي شهرا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحاج وشبهه سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال نكاح المتعة حرام وقال أبو بكر فيها رواية أخرى أنها مكروهة غير حرام لأن ابن منصور سأل أحمد عنها فقال يجتنبها أحب إلي وقال فظاهر هذا الكراهة دون التحريم وغير أبي بكر من أصحابنا يمنع هذا ويقول في المسألة رواية واحدة في تحريمها وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء وممن روي عنه تحريمها عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن الزبير قال ابن عبد البر وعلى تحريم المتعة مالك وأهل المدينة و أبو حنيفة في أهل الكوفة و الأوزاعي في أهل الشام و الليث في أهل مصر و الشافعي وسائر أصحاب الآثار وقال زفر يصح النكاح ويبطل الشرط
وحكي عن ابن عباس أنها جائزة وعليه أكثر أصحابه عطاء و طاوس وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد الخذري و جابر وإليه ذهب الشيعة لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن فيها وروي أن عمر قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أفأنهى عنهما وأعاقب عليهما ؟ متعة النساء ومتعة الحج ولأنه عقد على منفعة فيكون مؤقتا كالإجارة
ولنا ما روى الربيع بن سبرة أنه قال : أشهد على أبي أنه حدث أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عنه في حجة الوداع وفي لفظ [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حرم متعة النساء ] رواه أبو داود وفي لفظ رواه ابن ماجة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حرم المتعة فقال : يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع إلا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة ] وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية ] رواه مالك في الموطأ وأخرجه الأئمة النسائي وغيره واختلف أهل العلم في الجميع بين هذين الخبرين فقال قوم في حديث علي تقديم وتأخير وتقديره أن النبي صلىالله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ونهى عن متعة النساء ولم يذكر ميقات النهي عنها وقد بينه الربيع بن سبرة في حديثه أنه كان في حجة الوداع حكاه الإمام أحمد عن قوم وذكره ابن عبد البر وقال الشافعي لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة فحمل الأمر على ظاهره وإن النبي صلى الله عليه و سلم حرمها يوم خيبر ثم أباحها في حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها ولأنه لا تتعلق به أحكام النكاح من الطلاق والظهار واللعان والتوارث فكان باطلا كسائر الأنكحة الباطلة وأما قول ابن عباس فقد حكي عنه الرجوع عنه وروى أبو بكر بإسناده عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس لقد كثرت في المتعة حتى قال فيها الشاعر :
( أقول وقد طال الثواء بنا معا ... يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس )
( هل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواك حتى مصدر الناس )
فقام خطيبنا وقال ان المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير فأما اذن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها فقد ثبت نسخه وأما حديث عمر أن صح عنه فالظاهر أنه إنما قصد الأخبار عن تحريم النبي صلى الله عليه و سلم لها ونهيه عنها إذ لا يجوز أن ينهى عما كان النبي صلى الله عليه و سلم أباحه وبقي على إباحته
فصل : وإن تزوجها بغير شرط إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم إلا الأوزاعي قال هو نكاح متعة والصحيح أنه لا بأس به ولا تضر نيته وليس على الرجل أن ينوي حبس امرأته وحسبه إن وافقته وإلا طلقها
مسألة : قال : ولو تزوجها على أن يطلقها في وقت بعينه لم ينعقد النكاح
يعني إذا تزوجها بشرط أن يطلقها في وقت معين لم يصح النكاح سواء كان معلوما أو مجهولا مثل أن يشترط عليها طلاقها إن قدم أبوها أو أخوها وقال أبو حنيفة يصح النكاح ويبطل الشرط وهو أظهر قولي الشافعي قاله في عامة كتبه لأن النكاح وقع مطلقا وإنما شرط على نفسه شرطا وذلك لايؤثر كما لو شرط أن لا يتزوج عليها ولا يسافر بها
ولنا أن هذا شرط مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة ويفارق ما قاسوا عليه فإنه لم يشترط قطع النكاح

مسألة وفصول : بطلان نكاح المحلل
مسألة : قال : وكذلك إن شرط عليه أن يحلها لزوج كان قبله
وجملته أن نكاح المحلل حرام باطل في قول عامة أهل العلم منهم الحسن و النخعي و قتادة و مالك و الليث و الثوري و ابن المبارك و الشافعي وسواء قال زوجتكها إلى أن تطأها أو شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما أو أنه إذا أحلها للأول طلقها وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح ويبطل الشرط وقال الشافعي في الصورتين الأولتين لا يصح وفي الثالثة على قولين
ولنا ما وري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لعن الله المحلل والمحلل له ] رواه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي وقال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم منهم عمر بن الخطاب وعثمان وعبد الله بن عمر وهو قول الفقهاء من التابعين وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وقال ابن مسعود المحلل والمحلل له ملعون على لسان محمد صلى الله عليه و سلم
وروى ابن ماجة عن عقبة بن عامر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا يا رسول الله قال : هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له ] وروى الأثرم بإسناده عن قبيصة بن جابر قال سمعت عمر وهو يخطب الناس وهو يقول : والله لا أوتى بمحل ولا محل له إلا رجمتهما ولأنه نكاح إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاءه فأشبه نكاح المتعة
فصل : فإن شرط عليه التحليل قبل العقد ولم يذكره في العقد ونواه في العقد أو نوى التحليل من غير شرط فالنكاح باطل أيضا قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يحلها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك قال هو محلل إذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون وهذا ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم وروى نافع عن ابن عمر أن رجلا قال له امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني ولم يعلم قال لا إلا زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها وهذا قول عثمان رضي الله عنه وجاء رجل إلى ابن عباس فقال له إن عمي طلق امرأته ثلاثا أيحلها له رجل ؟ قال من يخادع الله يخدعه وهذا قول الحسن و النخعي و الشعبي و قتادة و بكر المزني و الليث و مالك و الثوري و إسحاق وقال أبو حنيفة و الشافعي العقد صحيح وذكر القاضي في صحته وجها مثل قولهما لأنه خلا من شرط يفسده فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الإحلال أو ما لو نوت المرأة ذلك ولأن العقد إنما يبطل بما شرط لا بما قصد بدليل ما لو اشترى عبدا فشرط أن يبيعه لم يصح ولو نوى ذلك لم يبطل ولأنه روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل على إجازته وروى أبو حفص بإسناده عن محمد بن سيرين قال قدم مكة رجل ومعه إخوة له صغار وعلي إزار من بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة فسأل عمر فلم يعطه شيئا فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها فقال لها هل لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئا ويحلك لي ؟ فالت نعم إن شئت فأخبروه بذلك قال نعم وتزوجها ودخل بها فلما أصبحت أدخلت إخوته الدار فجاء القرشي يحوم حول الدار ويقول ياويله غلب على امرأته فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين غلبت على امرأتي قال من غلبك قال ذو الرقعتين قال أرسلوا إليه فلما جاءه الرسول قالت له المرأة كيف موضعك من قومك ؟ قال ليس بموضعي بأس قالت إن أمير المؤمنين يقول لك طلق امرأتك فقل لا والله لا أطلقها فإنه لا يكرهك وألبسته حلة فلما رآه عمر من بعيد قال الحمد لله الذي رزق ذا الرقعتين فدخل عليه فقال أتطلق امرأتك ؟ قال لا والله لا أطلقها قال عمر لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط رواه سعيد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين نحوا من هذا وقال من أهل المدينة وهذا قد تقدم فيه الشرط على العقد ولم ير به عمر بأسا
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ لعن الله المحلل والمحلل له ] وقول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم فكان إجماعا ولأنه قصد به التحليل فلم يصح كما لو شرطه وأما حديث ذي الرقعتين فقال أحمد ليس له إسناد يعني أن ابن سيرين لم يذكر إسناده إلى عمر وقال أبو عبيد هو مرسل فأين هو من الذي سمعوه يخطب به على المنبر لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ؟ ولأنه ليس فيه أن ذا الرقعتين قصد التحليل ولا نواه وإذا كان كذلك لم يتناول محل النزاع
فصل : فإن شرط عليه أن يحلها قبل العقد فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه وقصد نكاح رغبة صح العقد لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه فصح كما لو لم يذكر ذلك وعلى هذا يحمل حديث ذي الرقعتين وإن قصدت المرأة التحليل أو وليها دون الزوج لم يؤثر ذلك في العقد وقال الحسن و إبراهيم إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح قال أحمد كان الحسن و إبراهيم والتابعون يشددون في ذلك قال أحمد الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ] ونية المرأة ليس بشيء إنما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لعن الله المحلل والمحلل له ] ولأن العقد إنما يبطل بنية الزوج لأنه الذي إليه المفارقة والإمساك أما المرأة فلا تملك رفع العقد فوجود نيتها وعدمها سواء وكذلك الزوج الأول لا يملك شيئا من العقد ولا من رفعه فهو أجنبي كسائر الأجانب فإن قيل كيف لعنه النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قلنا إنما لعنه إذا رجع إليها بذلك التحليل لأنها لم تحل له فكان زانيا فاستحق اللعنة لذلك
فصل : فإن اشترى عبدا فزوجها إياه ثم وهبها إياه لينفسخ النكاح بملكها له لم يصح قال أحمد في رواية حنبل إذا طلقها ثلاثا وأراد أن يراجعها فاشترى عبدا فأعتقه وزوجها إياه فهذا الذي نهى عنه عمر يؤدبان جميعا وهذا فاسد ليس بكفء وهو شبه المحلل وعلل أحمد فساده بشيئين أحدهما : شبهه بالمحلل لأنه إنما زوجه إياها ليجعلها له والثاني : كونه ليس بكفء لها وتزويجه لها في حال كونه عبدا أبلغ في هذا المعنى لأن العبد في عدم الكفاءة أشد من المولى والسيد له سبيل إلى إزالة نكاحه من غير إرادته بأن يهبه للمرأة فينفسخ نكاحه بملكها إياه والمولى بخلاف ذلك ويحتمل أن يصح النكاح إذا لم يقصد العبد التحليل لأن المعتبر في الفساد نية الزوج لا نية غيره ولم ينو وإذا كان مولى ولم ينو التحليل فهو أولى بالصحة لأنه لا سبيل لمعتقه إلى فسخ نكاحه ولا عبرة بنيته
فصل : ونكاح المحلل فاسد يثبت فيه سائر أحكام العقود الفاسدة ولا يحصل به الإحصان ولا الإباحة للزوج الأول كما لا يثبت في سائر العقود الفاسدة فإن قيل فقد سماه النبي صلى الله عليه و سلم محللا وسمى الزوج محللا له ولو لم يحصل الحل لم يكن محللا ولا محللا له قلنا إنما سماه محللا لأنه قصد التحليل في موضع لا يحصل فيه الحل كما قال : [ ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ] وقال الله تعالى : { يحلونه عاما ويحرمونه عاما } ولو كان محللا في الحقيقة والآخر محللا له لم يكونا ملعونين

مسألة حكم ما لو عقد المحرم نكاحا إلخ
مسألة : قال رحمه الله : وإن عقد المحرم نكاحا لنفسه أو لغيره أو عقد نكاحا لمحرم أو على محرمة فالنكاح فاسد
وجملته أن المحرم إذا تزوج لنفسه أو عقد النكاح لغيره ككونه وليا أو وكيلا فإنه لا يصح لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ] رواه مسلم وإن عقد الحلال نكاحا لمحرم بأن يكون وكيلا له أو وليا عليه أو عقده على محرمة لم يصح لدخوله في عموم الحديث لأنه إذا تزوج له وكيله فقد نكح وحكى القاضي في كون المحرم وليا لغيره روايتين إحداهما : لا تصح وهي اختيار الخرقي والثانية : تصح وهي اختيار أبي بكر لأن النكاح حرم على المحرم لأنه في دواعي الوطء المفسد للحج ولا يحصل ذلك فيه بكونه وليا لغيره والأول أولى لدخوله في عموم الخبر ولأنه عقد لا يصح للمحرم فلا يصح منه كشراء الصيد وقد مضت هذه المسألة في الحج بأبسط من هذا الشرح

مسألة و فصول : حكم ما لو وجد أحد الزوجين بصاحبه جنونا أو جذاما أو برصا إلخ وأحكام الفسخ
مسألة : قال رحمه الله : وأي الزوجين وجد بصاحبه جنونا أو جذاما أو برصا أو كانت المرأة ورتقاء أو قرناء أو عفلاء أو فتقاء أو الرجل مجنونا فلمن وجد ذلك منهما بصاحبه الخيار في فسخ النكاح
الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة :
الفصل الأول : أن خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه في الجملة روي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وبه قال جابر و الشافعي و إسحاق وروي عن علي لا ترد الحرة بعيب وبه قال النخعي و الثوري وأصحاب الرأي وعن ابن مسعود لا ينفسخ النكاح بعيب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه إلا أن يكون الرجل مجبوبا أو عنينا فإن للمرأة الخيار فإن اختارت الفراق فرق الحاكم بينهما بطلقة ولا يكون فسخا لأن وجود العيب لا يقتضي فسخ النكاح كالعمى والزمانة وسائر العيوب
ولنا أن المختلف فيه عيب يمنع الوطء فأثبت الخيار كالجب والعنة ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز ردها بعيب كالصداق أو أحد العوضين في عقد النكاح فجاز رده بالعيب أو أحد الزوجين فثبت له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة وأما غير هذه العيوب فلا يمنع المقصود بعقد النكاح وهو الوطء بخلاف العيوب المختلف فيها فإن قيل فالجنون والجذام والبرص لا يمنع الوطء قلنا بل يمنعه فإن ذلك يوجب نفرة تمنع قربانه بالكلية ومسه ويخاف منه التعدي إلى نفسه ونسله والمجنون يخاف منه الجناية فصار كالمانع الحسي
الفصل الثاني في عدد العيوب المجوزة للفسخ :
وهي فيما ذكر الخرقي ثمانية ثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي الجنون والجذام والبرص واثنان يختصان الرجل وهما الجب والعنة وثلاثة تختص بالمرأة وهي الفتق والقرن والعفل وقال القاضي هي سبعة جعل القرن والعفل شيئا واحدا وهو الرتق أيضا وذلك لحم ينبت في الفرج وحكي ذلك عن أهل الأدب وحكي نحوه عن أبي بكر وذكره أصحاب الشافعي وقال الشافعي القرن عظم في الفرج يمنع الوطء وقال غيره لا يكون في الفرج عظم إنما هو لحم ينبت فيه وحكي عن أبي حفص أن العفل كالرغوة في الفرج يمنع لذة الوطء فعلى هذا يكون عيبا ناميا وقال أبو الخطاب الرتق أن يكون الفرج مسدودا يعني أن يكون ملتصقا لا يدخل الذكر فيه والقرن والعفل لحم ينبت في الفرج فيسده فهما في معنى الرتق إلا أنهما نوع آخر وأما الفتق فهو انخراق ما بين مجرى البول ومجرى المني وقيل ما بين القبل والدبر وذكرها أصحاب الشافعي سبعة أسقطوا منها الفتق ومنهم من جعلها ستة جعل القرن والعفل شيئا واحدا وإنما اختص الفسخ بهذه العيوب لأنها تمنع الإستمتاع المقصود بالنكاح فإن الجذام والبرص يثيران نفرة في النفس تمنع قربانه ويخشى تعديه إلى النفس والنسل فيمنع الإستمتاع والجنون يثير نفرة ويخشى ضرره والجب والرتق يتعذر معه الوطء والفتق يمنع لذة الوطء وفائدته وكذلك العفل على قول من فسره بالرغوة فإن اختلفا في وجود العيب مثل أن يكون بجسده بياض يمكن أن يكون بهقا أو مرارا واختلفا في كونه برصا أو كانت به علامات الجذام من ذهاب شعر الحاجبين فاختلفا في كونه جذاما فإن كانت للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة يشهدان له بما قال ثبت قوله وإلا حلف المنكر والقول قوله لقول النبي صلى الله عليه و سلم ولكن اليمين على المدعى عليه وإن اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات ويقبل فيه قول امرأة واحدة فإن شهدت بما قال الزوج وإلا فالقول قول المرأة وأما الجنون فإنه يثبت الخيار سواء كان مطبقا أو كان يجن في الأحيان فإن زال المرض ودام به الإغماء فهو كالجنون يثبت به الخيار وأما الجب فهو أن يكون جميع ذكره مقطوعا أو لم يبق منه إلا ما لا يمكن الجماع به فإن بقي منه ما يمكن الجماع به ويغيب منه في الفرج قدر الحشفة فلا خيار لها لأن الوطء يمكن وإن اختلفا في ذلك فالقول قول المرأة لأنه يضعف بالقطع والأصل عدم الوطء ويحتمل أن القول قوله كما لو ادعى الوطء في العنة ولأن له ما يمكن الجماع بمثله فأشبه من له ذكر قصير
الفصل الثالث : أنه لا يثبت الخيار لغير ما ذكرناه لأنه لا يمنع من الإستمتاع بالمعقود عليه ولا يخشى تعديه فلم ينفسخ به النكاح كالعمى والعرج ولأن الفسخ إنما يثبت بنص أو إجماع أو قياس ولا نص في غير هذا ولا إجماع ولا يصح قياسها على هذه العيوب لما بينهما من الفرق وقال أبو بكر وأبو حفص إذا كان أحدهما لا يستمسك بوله ولا خلاؤه فللآخر الخيار قال أبو الخطاب ويتخرج على ذلك من به الباسور والناسور والقروح السيالة في الفرج لأنها تثير نفرة وتتعدى نجاستها وتسمى من لا يحبس نجوها الشريم ومن لا يحبس بولها المأشولة ومثلها من الرجل الأفين وقال أبو حفص والخصاء عيب يرد به وهو أحد قولي الشافعي لأن فيه نقصا وعارا ويمنع الوطء أو يضعفه
وقد روى ابو عبيد بإسناده عن سليمان بن يسار أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصي فقال له عمر أعلمتها ؟ قال لا قال أعلمها ثم خيرها وفي البخر وكون أحد الزوجين خنثى وجهان :
أحدهما : يثبت الخيار لأن فيه نفرة ونقصا وعارا والبخر نتن الفم وقال ابن حامد هو نتن في ا لفرج يثور عند الوطء وهذ ان أراد به أنه يسمى أيضا بخرا ويثبت الخيار وإلا فلا معنى له فإن نتن الفم يسمى بخرا ويمنع مقاربة صاحبه إلا على كره وما عدا هذا فلا يثبت الخيار وجها واحدا كالقرع والعمى والعرج وقطع اليدين والرجلين لأنه لا يمنع الإستمتاع ولا يخشى تعديه ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا إلا أن الحسن قال إذا وجد الآخر عقيما يخير وأحب تبيين أمره وقال عسى امرأته تريد الولد وهذا في ابتداء النكاح فأما الفسخ فلا يثبت به ولو ثبت بذلك لثبت في الآيسة ولأن ذلك لا يعلم فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو شاب ثم يولد له وهو شيخ فلا يتحقق ذلك منهما وأما سائر العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم والله أعلم
الفصل الرابع : أنه إذا أصاب أحدهما بالآخر عيبا وبه عيب جنسه كالأبرص يجد المرأة مجنونة أو مجذوما فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي أن يثبت لهما الخيار لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الإستمتاع وإنما امتنع لعيب نفسه وإن وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله ففيه وجهان أحدهما لا خيار لهما لأنهما متساويان ولا مزية لأحدهما على صاحبه فأشبها الصحيحين والثاني له الخيار لوجود سببه فأشبه ما لو غر عبد بأمة
فصل : وإن حدث العيب بأحدهما بعد العقد ففيه وجهان أحدهما : يثبت الخيار وهو ظاهر قول الخرقي لأنه قال فإن وجب قبل الدخول فلها الخيار في وقتها لأنه عيب في النكاح يثبت الخيار مقارنا فأثبته طارئا كالإعسار وكالرق فإنه يثبت الخيار إذا قارن مثل أن تغر الأمة من عبد ويثبته إذا طرأت الحرية مثل أن عتقت الأمة تحت العبد ولأنه عقد على منفعة فحدوث العيب بها يثبت الخيار كالإجارة والثاني : لا يثبت الخيار وهو قول أبي بكر وابن حامد ومذهب مالك لأنه عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد أشبه الحادث بالمبيع وهذا ينتقض بالعيب الحادث في الإجارة وقال أصحاب الشافعي إن حدث بالزوج ثبت الخيار وإن حدث بالمرأة فكذلك في أحد الوجهين والآخر لا يثبته لأن الرجل يمكنه طلاقها بخلاف المرأة
ولنا أنهما تساويا فيما إذا كان العيب سابقا فتساويا فيه لاحقا كالمتبايعين
فصل : ومن شرط بثبوت الخيار بهذه العيوب أن لا يكون عالما بها وقت العقد ولا يرضى بها بعده فإن علم بها في العقد أو بعده فرضي فلا خيار له لا نعلم فيه خلافا لأنه رضي به فأشبه مشتري المعيب وإن ظن العيب يسيرا فبان كثيرا كمن ظن أن البرص في قليل من جسده فبان في كثير منه فلا خيار له أيضا لأنه من جنس ما رضي به وإن رضي بعيب فبان به غيره فله الخيار لأنه وجد عيبا لم يرض به ولا بجنسه فثبت له الخيار كالمبيع إذا رضي بعيب فيه فوجد به غيره وإن رضي بعيب فزاد بعد العقد كأن به قليل من البرص فانبسط في جلده فلا خيار له لأن رضا به رضى بما يحدث منه
فصل : وخيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضا به من القول والإستمتاع من الزوج أو التمكين من المرأة هذا ظاهر كلام الخرقي لقوله فإن علمت أنه عنين فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك وذكر القاضي أنه على الفور وهو مذهب الشافعي فمتى أخر الفسخ مع العلم والإمكان بطل خياره لأنه خيار الرد بالعيب فكان على الفور كالذي في البيع
ولنا أنه خيار له لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي كخيار القصاص وخيار العيب في المبيع بمنعه ثم الفرق بينهما أن ضرره في المبيع غير متحقق لأنه قد يكون المقصود ماليته أو خدمته ويحصل ذلك مع عيبه وههنا المقصود الإستمتاع ويفوت ذلك بعيبه وأما خيار المجبرة والشفعة والمجلس فهو لدفع ضرر غير متحقق
فصل : ويحتاج الفسخ إلى حكم حاكم لأنه مجتهد فيه فهو كفسخ العنة والفسخ للإعسار بالنفقة ويخالف خيار المعتقة فإنه متفق عليه

مسألة و فصول : حكم ما لو كان الفسخ قبل المسيس وبعده وحكم المهر
مسألة : قال : وإذا فسخ قبل المسيس فلا مهر وإن كان بعده وادعى أنه ما علم حلف وكان له أن يفسخ وعليه المهر يرجع به على من غره
الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة :
الفصل الأول : أن الفسخ إذا وجد قبل الدخول فلا مهر لها عليه سواء كان من الزوج أو المرأة وهذا قول الشافعي لأن الفسخ إن كان منها فالفرقة من جهتها فسقط مهرها كما لو فسخه برضاع زوجة له أخرى وإن كان منه فإنما فسخ لعيب بها دلسته بالإخفاء فصار الفسخ كأنه منها فإن قيل فهلا جعلتم فسخها لعيب كأنه منه لحصوله بتدليسه ؟ قلنا العوض من الزوج في مقابلة منافعها فإذا اختارت فسخ العقد مع سلامة ما عقدت عليه رجع العوض إلى العاقد معها وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وإنما ثبت لها الخيار لأجل ضرر يلحقها لا لتعذر ما استحقت عليه في مقابلته عوضا فافترقا
الفصل الثاني : أن الفسخ إذا كان بعد الدخول فلها المهر لأن المهر يجب بالعقد ويستقر بالدخول فلا يسقط بحادث بعده ولذلك لا يسقط بردتها ولا يفسخ من جهتها ويجب المهر المسمى وذكر القاضي في المجرد فيه روايتين إحداهما : يجب المسمى والآخر مهر المثل بناء على الروايتين في العقد الفاسد وقال الشافعي الواجب مهر المثل لأن الفسخ استند إلى العقد فصار كالعقد الفاسد
ولنا أنها فرقة بعد الدخول في نكاح صحيح فيه مسمى صحيح فوجب المسمى كغير المعيبة وكالمعتقة تحت عبد والدليل على أن النكاح صحيح أنه وجد بشروطه وأركانه فكان صحيحا كما لو لم يفسخه ولأنه لو لم يفسخه لكان صحيحا فكذلك إذا فسخه كنكاح الأمة إذا عتقت تحت عبد ولأنه تترتب عليه أحكام الصحة من ثبوت الإحصان والإباحة للزوج الأول وسائر أحكام الصحة ولأنه لو كان فاسدا لما جاز إبقاؤه وتعين فسخه وما ذكروه غير صحيح فإن الفسخ يثبت حكمه في حينه غير سابق عليه وما وقع على صفة يستحيل أن يكون واقعا على غيرها وكذلك لو فسخ البيع بعيب لم يصر العقد فاسدا ولا يكون النماء لغير المشتري ولو كان المبيع أمة فوطئها لم يجب به مهرها فكذلك النكاح
الفصل الثالث : إذا علم بالعيب وقت العقد أو بعده ثم وجد منه رضا أو دلالة عليه كالدخول بالمرأة أو تمكينها إياه من الوطء لم يثبت له الفسخ لأنه رضي بإسقاط حقه فسقط كما لو علم المشتري بالعيب فرضيه وإذا اختلفا في العلم فالقول قول من ينكره لأن الأصل عدمه
الفصل الرابع : أن يرجع بالمهر على من غره وقال أبو بكر فيه روايتان إحداهما : يرجع به والأخرى : لا يرجع والصحيح أن المذهب رواية واحدة وإنه يرجع به فإن أحمد قال كنت أذهب إلى قول علي فهبته فملت إلى قول عمر إذا تزوجها فرأى جذاما أو برصا فإن لها المهر بمسيسه إياها ووليها ضامن للصداق وهذا يدل على أنه رجع إلى هذا القول وبه قال الزهري و قتادة مالك و الشافعي في القديم وروي عن علي أنه قال لا يرجع وبه قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد لأنه ضمن ما استوفى بدله وهو الوطء فلا يرجع به على غيره كما لو كان المبيع معيبا فأكله
ولنا ما روى مالك عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج بإمرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها ولأنه غره في النكاح بما يثبت به الخيار فكان المهر عليه كما لو غره بحرية أمة فإذا ثبت هذا فإن كان الولي علم غرم وإن لم يكن علم فالتغرير من المرأة فيرجع عليها بجيمع الصداق فإن اختلفوا في علم الولي فشهدت بينة عليه بالإقرار بالعلم وإلا فالقول قوله مع يمينه قال الزهري و قتادة إن علم الولي غرم وإلا استحلف بالله العظيم أنه ما علم ثم هو على الزوج
وقال القاضي إن كان أبا أو جدا أو من يجوز أن يراها فالتغرير من جهته علم أو لم يعلم وإن كان ممن لا يجوز له أن يراها كابن العم والمولى وعلم غرم وإن أنكره ولم تقم بإقراره فالقول قوله ويرجع على المرأة بجميع الصداق وهذا قول مالك إلا أنه قال إذا ردت المرأة ما أخذت لها قدر ما تستحل به لئلا تصير كالموهوبة ولـ لشافعي قولان كقول مالك و القاضي
ولنا على أن الولي إذا لم يعلم لا يغرم أن التغرير من غيره فلم يغرم كما لو كان ابن عم وعلى أنه يرجع بكل الصداق أنه مغرور منها فرجع بكل الصداق كما لو غره الولي وقولهم لا يخفى على من يراها لا يصح فإن عيوب الفرج لا إطلاع له عليها ولا يحل له رؤيتها وكذلك العيوب تحت الثياب فصار في هذا كمن لا يراها إلا في الجنون فإنه لا يكاد يخفى على من يراها إلا أن يكون غائبا وأما الرجوع بالمهر فإنه لسبب آخر فيكون بمنزلة ما لو وهبته إياه بخلاف الموهوبة
فصل : إذا طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب فعليه نصف الصداق ولا يرجع به لأنه رضي بإلتزام نصف الصداق فلم يرجع على أحد وإن ماتت أو مات قبل العلم بالعيب فلها الصداق كاملا ولا يرجع على أحد لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد وههنا استقر الصداق بالموت فلا يرجع به

مسألة إذا طلق زوجته قبل الدخول فلا سكنى لها ولا نفقة
مسألة : قال : ولا سكنى لها ولا نفقة لأن السكنى والنفقة إنما تجب لامرأة زوجها له عليها الرجعة
إنما كان كذلك لأنها تبين بالفسخ كما تبين بطلاق ثلاث ولا يستحق زوجها عليها رجعة فلم تجب لها سكنى ولا نفقة ل [ قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لفاطمة بنت قيس : إنما السكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة ] رواه النسائي وهذا إذا كانت حائلا فإن كانت حاملا فلها النفقة لأنها بائن من نكاح صحيح في حال حملها فكانت لها النفقة كالمطلقة ثلاثا والمختلعة وفي السكنى روايتان وقال القاضي لا نفقة لها إن كانت حاملا في أحد الوجهين لأنها بائن من نكاح فاسد وكذلك قال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وفي الآخر لها النفقة لأن النفقة للحمل والحمل لاحق به وبنوه على أن النكاح فاسد وقد بينا صحته فيما مضى

فصل ليس للولي الصغير والصغيرة وسيد الأمة تزويجهم بمعيب
فصل : وليس لولي الصغير والصغيرة وسيد الأمة تزويجهم لمن به أحد هذه العيوب لأنه ناظر لهم بما فيه الحظ ولاحظ لهم في هذا العقد فإن زوجهم مع العلم بالعيب لم يصح النكاح لأنه عقد لهم عقدا لا يجوز عقده فلم يصح كما لو باع عقاره لغير غبطة ولا حاجة وإن لم يعلم بالعيب صح كما لو اشترى لهم معيبا لا يعلم عيبه ويجب عليه الفسخ إذا علم لأن عليه النظر لهم بما فيه الحظ والحظ في الفسخ ويحتمل أن لا يصح النكاح لأنه زوجهم ممن لا يملك تزويجهم إياه فلم يصح كما لو زوجهم بمن يحرم عليهم

فصل لا يجوز تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها
فصل : وليس له تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها بغير خلاف نعلمه لأنها تملك الفسخ إذا علمت به بعد العقد فالإمتناع أولى وإن أرادت أن تتزوج معيبا فله منعها في أحد الوجهين قال أحمد ما يعجبني أن يزوجها بعنين وإن رضيت الساعة تكره إذا دخلت عليه لأن من شأنهن النكاح ويعجبهن من ذلك ما يعجبنا وذلك لأن الضرر في هذا دائم والرضا غير موثوق بداومه ولا يتمكن من التخلص إذا كانت عالمة في ابتداء العقد وربما أفضى إلى الشقاق والعداوة فيتضرر وليها وأهلها فملك الولي منعها كما لو أرادت نكاح من ليس بكفء والثاني : ليس له منعها لأن الحق لها وقال القاضي له منعها من نكاح المجنون وليس له منعها من نكاح المجبوب والعنين لأن ضررها عليها خاصة وفي الأبرص والمجذوم وجهان أحدهما : لا يملك منعها لأن الحق لها والضرر عليها فأشبها المجبوب والعنين والثاني : له منعها لأن عليه ضررا فإنه يتغير به ويخشى تعديه إلى الولد فأشبه التزويج لمن لا يكافئها وهذا مذهب الشافعي والأولى أن له منعها في جميع الصور لأن عليها فيه ضررا دائما وعار عليها وعلى أهلها فملك منعها منه كالتزويج بغير كفء فأما إذا اتفقا على ذلك ورضي به جاز وصح النكاح لأن الحق لهما ولا يخرج عنهما ويكره لهما ذلك لما ذكره الإمام أبو عبد الله من أنها وإن رضت الان تكره فيما بعد ويحتمل أن يملك سائر الأولياء الاعتراض عليها ومنعها من هذا التزويج لأن العار يلحق بهم وينالهم الضرر فأشبه ما لو زوجها بغير كفء فأما إن حدث العيب بالزوج ورضيته المرأة يملك وليها إجبارها على الفسخ لأن حقه في ابتداء العقد لا في دوامه ولهذا لو دعت وليها إلى تزويجها بعبد لم يلزمه إجابتها ولو عتقت تحت عبد لم يملك إجبارها على الفسخ

مسألة إذا عتقت الأمة وزوجها عبد فلها الخيار
مسألة : قال : وإذا عتقت الأمة وزوجها عبد فلها الخيار في فسخ النكاح
أجمع أهل العلم على هذا ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما والأصل فيه خبر بريرة [ قالت عائشة كاتبت بريرة فخيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم في زوجها وكان عبدا فاختارت نفسها ] قال عروة ولو كان حراما ما خيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه مالك و أبو داود و النسائي ولأن عليها ضررا في كونها حرة تحت العبد فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر فبان عبدا فإن اختارت الفسخ فلها فراقه وإن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك لأنها أسقطت حقها وهذا مما لا خلاف فيه بحمد الله

فصل إذا عتقت الأمة تحت حر فلا خيار لها
فصل : وإن عتقت تحت حر فلا خيار لها وهذا قول ابن عمر وابن عباس و سعيد بن المسيب و الحسن و عطاء و سليمان بن يسار و أبي قلابة و ابن أبي ليلى و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وقال طاوس و ابن سيرين و مجاهد و النخعي و حماد بن أبي سليمان و الثوري وأصحاب الرأي لها الخيار لما روى الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم خير بريرة وكان زوجها حرا رواه النسائي ولأنها كملت بالحرية فكان لها الخيار كما لو زوجها عبدا
ولنا أنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها الخيار كمكا لو أسلمت الكتابية تحت مسلم فأما خبر الأسود عن عائشة فقد روى عنها القاسم بن محمد و عروة أن زوج بريرة كان عبدا وهما أخص بها من الأسود لأنهما ابن أخيها واين أختها وقد روى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا فتعارضت روايتاه وقال ابن عباس كان زوج بريرة عبدا أسود لبني المغيرة يقال له مغيث رواه البخاري وغيره وقالت صفية بنت أبي عبيد كان زوج بريرة عبدا قال أحمد هذا ابن عباس وعائشة قالا في زوج بريرة إنه عبد ورواية علماء المدينة وعملهم وإذا روى أهل المدينة حديثا وعملوا به فهو أصح شيء وإنما يصح أنه حر عن الأسود وحده وأما غيره فليس بذاك قال والعقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه والحر فيه اختلاف والعبد لا اختلاف فيه ويخالف الحر العبد لأن العبد ناقص فإذا كملت تحته تضررت ببقائها عنده بخلاف الحر

فصل فرقة الخيار فسخ لا ينقص بها عدد الطلاق
فصل : وفرقة الخيار فسخ لا ينقص بها عدد الطلاق نص عليه أحمد ولا أعلم فيه خلافا قيل لـ أحمد لم لا يكون طلاقا ؟ قال لأن الطلاق ما تكلم به الرجل ولأنها فرقة لاختيار المرأة فكانت فسخا كالفسخ لعنة أو عته

مسألة حكم ما لو أعتق قبل أن تختار
مسألة : قال رحمه الله تعالى : فإن أعتق قبل أن تختار أو وطئها بطل خيارها علمت أن الخيار لها أو لم تعلم
وجملة ذلك أن خيار المعتقة على التراخي ما لم يوجد أحد هذين الأمرين عتق زوجها أو وطؤه لها ولا يمنع الزوج من وطئها وممن قال إنه على التراخي مالك و الأوزاعي وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة وبه قال سليمان بن يسار ونافع و الزهري و قتادة وحكاه بعض أهل العلم عن الفقهاء السبعة وقال أبو حنيفة وسائر العراقيين لها الخيار في مجلس العلم و لـ لشافعي ثلاثة أقوال أظهرها : كقولنا والثاني : أنه على الفور كخيار الشفعة والثالث : أنه إلى ثلاثة أيام
ولنا ما روى الإمام أحمد في المسند بإسناده عن الحسن بن عمرو بن أمية قال سمعت رجالا يتحدثون عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا عتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها إن شاءت فارقته وإن وطئها فلا خيار لها ] رواه الأثرم أيضا وروى أبو داود [ أن بريرة عتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد فخيرها النبي صلى الله عليه و سلم فقال لها : إن قربك فلا خيار لك ] ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم قال ابن عبد البر لا أعلم لابن عمر وحفصة مخالفا من الصحابة ولأن الحاجة داعية إلى ذلك فثبت كخيار القصاص أو خيار لدفع ضرر متحقق فأشبه ما قلناه إذا ثبت هذا فمتى عتق قبل أن تختار سقط خيارها لأن الخيار لدفع الضرر بالرق وقد زال بعتقه فسقط كالمبيع إذا زال عيبه وهذا أحد قولي الشافعي وإن وطئها بطل خيارها علمت بالخيار أو لم تعلم نص عليه أحمد وهو قول من سمينا في صدر المسألة وذكر القاضي وأصحابه أن لها الخيار وإن أصيبت ما لم تعلم فإن أصابها بعد علمها فلا خيار لها وهذا قول عطاء و الحكم و حماد و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق لأنها إذا أمكنت من وطئها قبل علمها فلم يوجد منها ما يدل على الرضا فهو كما لو لم تصب
ولنا ما تقدم من الحديث وروى مالك عن ابن شهاب عن عروة أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد فعتقت قالت فأرسلت إلي حفصة فدعتني فقالت ان أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك فإن مسك فليس لك من الأمر شيء فقلت هو الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثا وقال مالك عن نافع عن ابن عمر أن لها الخيار ما لم يمسها ولأنه خيار عيب فيسقط بالتصرف فيه مع الجهالة كخيار الرد بالعيب ولا تفريع على هذا القول فأما على القول الآخر فإذا وطئها وادعت الجهالة بالعتق وهي ممن يجوز خفاء ذلك عليها مثل أن يعتقها سيدها في بلد آخر فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم ذلك وإن كانت ممن لا يخفى ذلك عليهما لكونهما في بلد واحد وقد اشتهر ذلك لم يقبل فولها لأنه خلاف الظاهر وإن علمت العتق وادعت الجهالة بثبوت الخيار فالقول قولها لأن ذلك لا يعلمه إلا خواص الناس والظاهر صدقها فيه ولـ لشافعي في قبول قولها في ذلك قولان

فصل حكم ما لو أعتق العبد والأمة دفعة واحدة
فصل : فإن أعتق العبد والأمة دفعة واحدة فلا خيار لها والنكاح بحاله سواء أعتقهما رجل واحد أو رجلان نص عليه أحمد وعنه لها الخيار والأول أولى لأن الحرية الطارئة بعد عتقها تمنع الفسخ فالمقارنة أولى كإسلام الزوجين وعن أحمد إذا عتقا معا انفسخ النكاح ومعناه والله أعلم أنه إذا وهب العبد سرية وأذن له في التسري بها ثم أعتقهما جميعا صارا حرين وخرجت عن ملك العبد فلم يكن له إصابتها إلا بنكاح جديد هكذا روى جماعة من أصحابه فيمن وهب لعبده سرية أو اشترى له سرية ثم أعتقها لا يقربها إلا بنكاح جديد واحتج أحمد على ذلك بما روى نافع عن ابن عمر أن عبدا له كان له سريتان فأعتقهما فنهاه أن يقربهما إلا بنكاح جديد ولأنها بإعتاقها خرجت عن أن تكون مملوكة فلم يبح له التسري بها كالحرة الأصلية وأما إذا كانت امرأته فعتقا لم ينفسخ نكاحه بذلك لأنه إذا لم ينفسخ بإعتاقها وحدها فلأن لا ينفسخ بإعتاقهما معا أولى ويحتمل أن أحمد إنما أراد بقوله انفسخ نكاحها أن لها فسخ النكاح وهذا تخريج على الراوية التي تقول بأن لها الفسخ إذا كان زوجها حرا

فصل يستحب لمن له عبد وأمة متزوجان أن يعتق العبد أولا
فصل : ويستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فأراد عتقهما البداية بالرجل لئلا يثبت للمرأة خيار عليه فيفسخ نكاحه وقد روى أبو داود و الأثرم بإسنادهما [ عن عائشة أنه كان لها غلام وجارية فتزوجا فقالت للنبي صلى الله عليه و سلم اريد أن أعتقهما فقال لها : فابدئي بالرجل قبل المرأة ] وعن صفية بنت أبي عبيد أنها فعلت ذلك وقالت للرجل إني بدأت بعتقك لئلا يكون لها عليك خيار

فصل إذا عتقت المجنونة والصغيرة فلا خيار لها
فصل : إذا عتقت المجنونة والصغيرة فلا خيار لهما في الحال لأنه لا عقل لهما ولا قول معتبر ولا يملك وليهما الإختيار عنهما لأن هذا طريقة الشهوة فلا يدخل تحت الولاية كالإقتصاص فإذا بلغت الصغيرة وعقلت المجنونة فلهما الخيار حينئذ لكونهما صارتا على صفة لكل منهما حكم وهذا الحكم فيما لو كان بزوجيهما عيب يوجب الفسخ فإن كان زوجاهما قد وطئاهما فظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار لهما لأن مدة الخيار انقضت وعلى قول القاضي وأصحابه لهما الخيار لأنه لا رأي لهما فلا يكون تمكينهما من الوطء دليلا على الرضا بخلاف الكبيرة العاقلة ولا يمنع زوجاهما من وطئهما

مسألتان وفصول في عتق الأمة ونكاحها واختيارها وغير ذلك
مسألة : قال رحمه الله : فإن كانت لنفسين فاعتق أحدهما فلا خيار لها إذا كان المعتق معسرا
إنما شرط الإعسار في المعتق لأن الموسر يسري عتقه إلى جميعها فتصير حرة ويثبت لها الخيار والمعسر لا يسري عتقه بل يعتق منها ما أعتق وباقيها رقيق فلا تكمل حريتها فلا يثبت لها الخيار حينئذ وهذا قول الشافعي وعن احمد أن لها الخيار حكاها أبو بكر واختارها لأنها أكمل منه فإنها ترث وتورث وتحجب بقدر ما فيها من الحرية ووجه قول الخرقي أنه لا نص في المعتق بعضها ولا هي في معنى الحرة الكاملة لأنها كاملة الأحكام وأيضا ما علل به أحمد وهو أن العقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه وهذه مختلف فيها
فصل : ولو زوج أمة قيمتها عشرة بصداق عشرين ثم أعتقها في مرضه بعد الدخول بها ثم مات ولا يملك غيرها وغير مهرها بعد استيفائه عتقت لأنها تخرج من الثلث ولها الخيار وإن لم تكن قبضته عتق ثلثها في الحال وفي الخيار لها وجهان فكلما اقتضي من مهرها شيء عتق منها بقدر ثلثه فإذا استوفى كله عتقت كلها ولها الخيار حينئذ عند من لم يثبت لها الخيار قبل ذلك فإن كان زوجها قد وطئها قبل استيفاء مهرها فقد بطل خيارها عند من جعل لها الخيار فأشبه ما لو مكنت منه قبل عتقها فأما إن عتقت قبل الدخول بها فلا خيار لها على قول الخرقي لأن فسخها النكاح يسقط به صداقها فيعجز الثلث عن كمال قيمتها فيرق ثلثاها ويسقط خيارها فيفضي إثبات الخيار لها إلى اسقاطه فيسقط وهذا مذهب الشافعي وعند أبي بكر لها الخيار فعلى قول من أوجب لسيدها نصف المهر فإذا استوفى عتق ثلثاها وعلى قول من أسقطه يعتق ثلثها
مسألة : قال : فإن اختارت المقام معه قبل الدخول أو بعده فالمهر للسيد وإن اختارت فراقه قبل الدخول فلا مهر لها وإن اختارته بعد الدخول فالمهر للسيد
وجملته أن المعتقة إن اختارت المقام مع الزوج قبل الدخول أو بعده أو اختارت الفسخ بعد الدخول فالمهر واجب لأنه واجب بالعقد فإذا اختارت المقام فلم يوجد به مسقط وإن فسخت بعد الدخول فقد استقر بالدخول فلم يسقط بشيء وهو للسيد في الحالين لأنه وجب بالعقد في ملكه والواجب المسمى في الحالين سواء كان الدخول قبل العتق أو بعده وقال أصحاب الشافعي إن كان الدخول قبل العتق أو بعده فالواجب المسمى وإن كان بعده فالواجب مهر المثل لأن الفسخ استند إلى حالة العتق فصار الوطء في نكاح فاسد
ولنا أنه عقد صحيح فيه مسمى صحيح اتصل به الدخول قبل الفسخ فأوجب المسمى كما لو لم يفسخ ولأنه لو وجب بالوطء بعد الفسخ لكان المهر لأنها حرة حينئذ وقولهم إن الوطء في نكاح فاسد غير صحيح فإنه كان صحيحا ولم يوجد ما يفسده ويثبت فيه أحكام الوطء في النكاح الصحيح من الإحلال للزوج الأول والإحصان وكونه حلالا وأما إن اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد رواية أخرى للسيد نصف المهر لأنه وجب للسيد فلا يسقط بفعل غيره
ولنا أن الفرقة جائت من قبلها فسقط مهرها كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من يفسخ نكاحها رضاعه وقوله وجب للسيد قلنا لكن بواسطتها ولهذا سقط نصفه بفسخها وجميعه بإسلامها وردتها
فصل : ولو كانت مفوضة ففرض لها مهر المثل فهو للسيد أيضا لأنه وجب بالعقد في ملكه لا بالفرض وكذلك لو مات أحدهما وجب والموت لا يوجب فدل على أنه وجب بالعقد وإن كان الفسخ قبل الدخول والفرض فلا شيء إلا على الرواية الأخرى ينبغي أن تجب المتعة لأنها تجب بالفرقة قبل الدخول في موضع لو كان مسمى وجب نصفه
فصل : فإن طلقها طلاقا بائنا ثم أعتقت فلا خيار لها لأن الفسخ إنما يكون في نكاح ولا نكاح ههنا وإن كان رجعيا فلها الخيار في العدة لأن نكاحها باق فيمكن فسخه ولها في الفسخ فائدة فإنها لا تأمن رجعته إذا لم يفسخ فإن قيل فيفسخ حينئذ قلنا إذا تحتاج إلى عدة أخرى وإذا فسخت في عدتها ثبتت على ما مضى من عدتها ولم تحتج إلى عدة أخرى لأنها معتدة من الطلاق والفسخ لا ينافيها ولا يقطعها فهو كما لو طلقها طلقة أخرى وينبني على عدة حرة لأنها عتقت في أثناء العدة وهي رجعية فإن اختارت المقام بطل خيارها وقال الشافعي لا يبطل لأنها اختارت المقام مع جريانها إلى البينونة وذلك ينافي اختيار المقام
ولنا أنها حالة يصح فيها اختيار الفسخ فصح اختيار المقام كصلب النكاح وإن لم تختر شيئا لم يسقط خيارها لأنه على التراخي ولأن سكوتها لا يدل على رضاها لاحتمال أنه كان لجريانها إلى بينونة اكتفاء منها بذلك فإن ارتجعها فلها الفسخ حينئذ فإن فسخت ثم عاد فتزوجها بقيت معه بطلقة واحدة لأن طلاق العبد اثنتان وإن تزوجها بعد أن أعتق رجعت معه على طلقتين لأنه صار حرا فملك ثلاث طلقات كسائر الأحرار
فصل : فإن طلقها بعد عتقها وقبل اختيارها أو طلق الصغيرة والمجنونة بعد العتق وقع طلاقه وبطل خيارها لأنه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح صحيح فنفذ كما لو لم يعتق وقال القاضي طلاقه موقوف فإن اختارت الفسخ لم يقع الطلاق لأنه طلاقه يتضمن إبطال حقها من الخيار وإن لم تختر وقع ولـ لشافعي قولان كهذين الوجهين وبنوا عدم الوقوع على أن الفسخ استند إلى حالة العتق فيكون الطلاق واقعا في نكاح مفسوخ
ولنا أنه طلاق من زوج مكلف مختار في نكاح صحيح فوقع كما لو طلقها قبل عتقها أو كما لو لم تختر وقد ذكرنا أن الفسخ يوجب الفرقة حينئذ ولا يجوز تقديم الفرقة عليه والحكم لا يتقدم سببه ولأن العدة تبتدأ من حين الفسخ لا من حين العتق وما سبقه من الوطء وطء في نكاح صحيح يثبت الإحصان والإحلال للزوج الأول ولو كان الفسخ سابقا عليه لانعكست الحال وقول القاضي أنه يبطل حقها من الفسخ غير صحيح فإن الطلاق يحصل به مقصود الفسخ مع زيادة وجوب نصف المهر وتصير العدة عليها فإن ابتداءها من حين طلاقه لا من حين فسخه ثم لو كان مبطلا لحقها لم يقع وإن لم تختر الفسخ كما لم يصح تصرف المشتري في المبيع في مدو الخيار سواء فسخ البائع أو لم يفسخ وهذا فيما إذا كان الطلاق بائنا فإن كان رجعيا لم يسقط خيارها على ما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا فعلى قولهم إذا طلقها قبل الدخول ثم اختارت الفسخ سقط مهرها لأنها بانت بالفسخ وإن لم يفسخ فلها نصف الصداق لأنها بانت بالطلاق
فصل : وللمعتقة الفسخ من غير حكم حاكم لأنه مجمع عليه غير مجتهد فيه فلم يفتقر إلى حاكم كالرد بالعيب في المبيع بخلاف الفسخ في النكاح فإنه مجتهد فيه فافتقر إلى حكم الحاكم كالفسخ للإعسار
فصل : فإن اختارت المعتقة الفراق كان فسخا ليس بطلاق وبهذا قال أبو حنيفة و الثوري و الحسن بن حي و الشافعي وذهب مالك و الأوزاعي و الليث إلى أنه طلاق بائن قال مالك إلا أن تطلق نفسها ثلاثا فتطلق ثلاثا واحتج له بقصة زبراء حين طلقت نفسها ثلاثا فلم يبلغنا أن أحدا من الصحابة أنكر ذلك ولأنها تملك الفراق فملكت الطلاق كالرجل
ولنا قوله صلى الله عليه و سلم : [ الطلاق لمن أخذ بالساق ] ولأنها فرقة من قبل الزوجة فكانت فسخا كما لو اختلف دينهما أو أرضعت من ينفسخ نكاحها برضاعه وفعل زبراء ليس بحجة ولم يثبت انتشاره في الصحابة فعلى هذا لو قالت اخترت نفسي أو فسخت النكاح انفسخ ولو قالت طلقت نفسي ونوت المفارقة كان كناية عن الفسخ لأنه يؤدي إلى معناه فصح كناية عنه كالكناية بالفسخ عن الطلاق
فصل : وإن عتق زوج الأمة لم يثبت له خيار لأن عدم الكمال في الزوجة لا يؤثر في النكاح وكذلك لا تعتبر الكفاءة إلا في الرجل دون المرأة ولو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة لم يثبت له خيار ولو تزوجت المرأة رجلا مطلقا فبان عبدا كان لها الخيار وكذلك في الإستدامة لكن إن عتق ووجد الطول لحرة فهل يبطل نكاحه ؟ على وجهين تقدم ذكرهما
فصل : وإذا عتقت الأمة فقالت لزوجها زدني في مهري ففعل فالزيادة لها دون سيدها سواء كان زوجها حرا أو عبدا وسواء عتق معها أو لم يعتق نص عليه أحمد فيما إذا زوج عبده من أمته ثم أعتقا جميعا فقالت الأمة زدني في مهري فالزيادة للأمة لا للسيد فقيل أرأيت إن كان الزوج لغير السيد لمن تكون الزيادة ؟ قال للأمة وعلى قياس هذا لو زوجها سيدها ثم باعها فزادها زوجها في مهرها فالزيادة للثاني وقال القاضي الزيادة للسيد المعتق في الموضعين على قياس المذهب لأن من أصلنا أن الزيادة في الصداق تلحق بالعقد الأول فتكون كالمذكورة فيه والذي قلناه أصح لأن الملك في الزيادة إنما ثبت حال وجودها بعد زوال ملك سيدها عنها فيكون لها ككسبها والموهوب لها وقولنا أن الزيادة تلحق بالعقد معناه أنها تلزم ويثبت الملك فيها ويصير الجميع صداقا وليس معناه أنا تبينا أن الملك كان ثابتا فيها وكان لسيدها فإن هذا محال ولأن سبب ملك هذه الزيادة وجد بعد العتق فلا يجوز أن يتقدم الملك عليه لأنه يؤدي إلى تقدم الحكم قبل سببه ولو كان الملك ثابتا للمعتق فيه حين التزويج للزمته وزكاته وكان له نماؤه وهذا أظهر من أن نطيل فيه

باب أجل العنين والخصي غير المجبوب
العنين هو العاجز عن الإيلاج وهو مأخوذ من عن أي اعترض لأن ذكره يعن إذا أراد إيلاجه أي يعترض والعنن الإعتراض وقيل لأنه يعن لقبل المرأة عن يمنيه وشماله ولا يقصده فإذا كان الرجل كذلك فهو عيب به ويستحق به فسخ النكاح بعد أن تضرب له مدة يختبر فيها ويعلم حاله بها وهذا قول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب و عطاء و عمرو بن دينار و النخعي و قتادة و حماد بن أبي سليمان و عليه فتوى فقهاء الأمصار منهم مالك و أبو حنيفة وأصحابه و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبو عبيدة وشذ الحكم بن عيينة و داود فقالا لا يؤجل وهي امرأته وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ل [ أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إن رفاعه طلقني فبت طلاقي فتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير وإنما له مثل هدبة الثوب فقال : تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ] ولم يضرب له مدة
ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه أجل العنين سنة وروى ذلك الدار قطني بإسناده عن عمر وابن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم وراه أبو حفص عن علي ولأنه عيب يمنع الوطء فأثبت الخيار كالجب في الرجل والرتق في المرأة فأما الخبر فلا حجة لهم فيه فإن المدة إنما تضرب له مع اعترافه وطلب المرأة ذلك ولم يوجد واحد منهما وقد روي أن الرجل أنكر ذلك وقال إني لأعركها عرك الأديم وقال ابن عبد البر وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة وصحح ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ] ولو كان قبل طلاقه لما كان ذلك إليها وقيل أنها ذكرت ضعفه وشبهته بهدبة الثوب مبالغة ولذلك [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : حتى تذوقي عسيلته ] والعاجز عن الوطء لا يحصل منه ذلك

مسألة أجل العنين وابتداؤه وكيفية ثبوت العنة
مسألة : قال : وإذا ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها أجل سنة منذ ترافعه فإن لم يصبها فيها خيرت في المقام معه أو فراقه فإن اختارت فراقه كان ذلك فسخا بلا طلاق
وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت عجز زوجها عن وطئها لعنة سئل عن ذلك فإن أنكر والمرأة عذراء فالقول قولها وإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمنيه في ظاهر المذهب لأن هذا أمر لا يعلم إلا من جهته والأصل السلامة وقال القاضي هل يستخلف أو لا ؟ على وجهين بناء على دعوى الطلاق فإن أقر بالعجز أو ثبت ببينة على إقراره به أو أنكر وطلبت يمينه فنكل ثبت عجزه ويؤجل سنة في قول عامة أهل العلم وعن الحارث بن ربيعة أنه أجل عشرة أشهر
ولنا قول من سمينا من الصحابة ولأن هذا العجز قد يكون لعنة وقد يكون لمرض فضربت له سنة لتمر به الفصول الأربعة فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة وإن كان من رطوبة زال في فصل الحرارة وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الإعتدال فإذا مضت الفصول الأربعة واختلفت عليه الأهوية فلم تزل علم أنه خلقه وحكي عن أبي عبيد أنه قال : أهل الطب يقولون الداء لا يستمر في البدن أكثر من سنة ثم يظهر وابتداء السنة منذ ترافعه قال ابن عبد البر على هذا جماعة القائلين بتأجيله قال معمر في حديث عمر يؤجل سنة من يوم مرافعته فإذا انقضت المدة فلم يطأ فلها الخيار فإن اختارت الفسخ لم يجز إلا بحكم الحاكم لأنه مختلف فيه فإما أن يفسخ وإما أن يرده إليها فتفسخ هي في قول عامة القائلين به ولا يفسخ حتى تختار الفسخ وتطلبه لأنه لحقها فلا تجبر على استيفائه كالفسخ بالإعسار فإذا فسخ فهو فسخ وليس بطلاق وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك و الثوري يفرق الحاكم بينهما وتكون تطليقة لأنه فرقه لعدم الوطء فكانت طلاقا كفرقة المولي
ولنا أن هذا خيار ثبت لأجل العيب فكان فسخا كفسخ المشتري لأجل العيب

فصل إذا اتفقا على الرجعة بعد الفرقة لم يجز إلا بنكاح جديد
فصل : فإن اتفقا بعد الفرقة على الرجعة لم يجز إلا بنكاح جديد لأنها قد بانت عنه وانفسخ النكاح فإذا تزوجها كانت عنده على طلاق ثلاث نص عليه أحمد وذكر أبو بكر فيها قولا ثانيا أنهما لا يجتمعان أبدا لأنها فرقة تتعلق بحكم الحاكم فحرمت النكاح كفرقة اللعان والمذهب أنها تحل له لأنها فرقة لأجل العيب فلم تمنع النكاح كفرقة المعتقة والفرقة من سائر العيوب وأما فرقة اللعان فإنها حصلت بلعانهما قبل تفريق الحاكم وههنا بخلافه ولأن اللعان يحرم المقام على النكاح فمنع ابتداءه ويوجب الفرقة فمنع الإجتماع وههنا بخلافه ولو رضيت المرأة بالمقام أو لم تطلب الفسخ لم يجز الفسخ فكيف يصح القياس مع هذه الفروق

فصل من علم أن عجزه عن الوطء لعارض لم تضرب له مدة
فصل : ومن علم أن عجزه عن الوطء لعارض من صغر أو مرض مرجو الزوال لم تضرب له المدة لأن ذلك عارض يزول والعنة خلقة وجبلة لا تزول وإن كان لكبر أو مرض ولا يرجى زواله ضربت له المدة لأنه في معنى من خلق كذلك وإن كان لجب أو شلل ثبت الخيار في الحال لأن الوطء مأيوس منه ولا معنى لإنتظاره وإن كان قد بقي من الذكر مايمكن الوطء به فالأولى ضرب المدة له لأنه في معنى العنين خلقة وإن اختلف في القدر الباقي هل يمكن الوطء بمثله أو لا ؟ رجع إلى أهل الخبرة في معرفة ذلك

فصل أحكام الخصي وكونه كالعنين
فصل : فأما الخصي فإن الخرقي ذكره في ترجمة الباب ولم يفرده بحكم فظاهر كلامه أنه ألحقه بغيره في أنه متى لم يصل إليها أجل وإن وصل إليها فلا خيار لها لأن الوطء ممكن والإستمتاع حاصل بوطئه وقد قيل إن وطأه أكثر من وطء غيره لأنه لا ينزل فيفتر بالإنزال وقد ذكرنا اختلاف أصحابنا في ذلك فيما مضى ولا فرق بين من قطعت خصيتاه والموجور وهو الذي رضت خصيتاه والمسلول الذي سلت خصيتاه فإن الحكم في الجميع واحد فإنه لا ينزل ولا يولد له

مسألة في دعوى العنين علم امرأته بعنته قبل العقد
مسألة : قال : وإن قال قد علمت أني عنين قبل أن أنكحها فإن أقرت أو ثبت ببينة فلا يؤجل وهي امرأته
وجملة ذلك أن المرأة إذا علمت عنه الرجل وقت العقد مثل أن يعلمها بعنته أو تضرب له المدة وهي امرأته ن فينفسخ النكاح ثم يتزوجها ونحو ذلك لم تضرب له المدة وهي امرأته في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء و الثوري و ابن القاسم وأصحاب الرأي وهو قول الشافعي القديم وقال في الجديد يؤجل لأنه قد يكون عنينافي نكاح دون نكاح
ولنا أنها رضيت بالعيب ودخلت في العقد عالمة به فلم يثبت لها خيار كما لو علمته مجبوبا ولأنها لو رضيت به بعد العقد أو بعد المدة لم يكن لها فسخ فكذلك إذا رضيت به في العقد كسائر العيوب ولو أنها رضيت بالمقام معه ثم طلقها ثم ارتجعها لم يثبت لها المطالبة كذا ههنا وقولهم أنها تكون في نكاح دون نكاح احتمال بعيد فإن العنة جبلة وخلفة لا تتغير ظاهرا ولذلك ثبت لها الفسخ بعد المدة فإن ادعى عليها العلم بعنته فأنكرته فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم العلم وإن أقرت أو ثبتت ببينة ثبت نكاحها وبطل خيارها

مسألة علم المرأة بصفة زوجها بعد الدخول
مسألة : قال : وإن علمت أنه عنين بعد الدخول فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك ويؤجل سنة من يوم ترافعه
لا نعلم في هذا اختلافا وذلك لأن سكوتها بعد العقد ليس بدليل على الرضا لأنه زمن لا تملك فيه الفسخ ولا الامتناع من استماعه فلم يكن سكوتها مسقطا لحقها كسكوتها بعد ضرب المدة وقبل انقضائها ولو سكتت بعد المدة لم يبطل خيارها أيضا لأن الخيار لا يثبت إلا بعد رفعه إلى الحاكم وثبوت عجزه فلا يضر السكوت قبله

مسألة رضا المرأة بعنة الرجل يبطل خيارها
مسألة : قال : وإن قالت في وقت من الأوقات قد رضيت به عنينا لم يكن لها المطالبة بعد
وجملة الأمر أنها متى رضيت به عنينا بطل خيارها سواء قالت عقيب العقد أو بعد ضرب المدة أو بعد انقضائها ولا نعلم في بطلان خيارها بقولها ذلك بعد انقضاء المدة خلافا فأما قبلها فإن الشافعي قال في الجديد لا يبطل خيارها لأن حقها في الفسخ إنما يثبت بعد انقضاء المدة فلم يصح اسقاطه قبلها كالشفيع يسقط حقه قبل البيع
ولنا أنها رضيت بالعيب بعد العقد فسقط خيارها كسائر العيوب وكما بعد انقضاء المدة وما ذكروه غير صحيح فإن العنة التي هي سبب الفسخ موجودة وإنما المدة ليعلم وجودها ويتحقق علمها فهي كالبينة في سائر العيوب ويفارق الشفعة فإن سببها البيع ولم يوجد بعد فإن قيل فلو رضيت المرأة بالإعسار ثم اختارت الفسخ ملكته ولو آلى منها فرضيت بالمقام معه ثم طالبت بالعنة كان لها ذلك قلنا الفرق بينهما أن النفقة يتجدد وجوبها كل يوم فإذا رضيت بإسقاط ما يجب لها في المستقبل لم يسقط لأنها أسقطته قبل وجوبه فأشبه إسقاط الشفعة قبل البيع بخلاف العيب ولأن الإعسار يعقبه اليسار فترضى بالمقام رجاء ذلك وكذلك المولي يجوز أن يكفر عن يمينه ويطأ فإذا لم يوجد ذلك ثبت لها الخيار فأما العنين إذا رضيته فقد رضيت بالعجز من طريق الخلقة وهو معنى لا يزول في العادة فافترقا

مسألة إذا اعترفت أنه قد وصل إليها مرة بطل أن يكون عنينا
مسألة : قال : وإن اعترفت أنه قد وصل إليها مرة بطل أن يكون عنينا
أكثر أهل العلم على هذا يقولون متى وطىء امرأته مرة ثم ادعت عجزه لم تسمع دعواها ولم تضرب له مدة منهم عطاء و طاوس و الحسن و يحيى الأنصاري و الزهري و عمرو بن دينار و قتادة و ابن هاشم و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد وأصحاب الرأي وقال أبو ثور : ان عجز عن وطئها فيثبت حقها كما لو وجب بعد الوطء
ولنا أنه قد تحققت قدرته على الوطء في هذا النكاح وزوال عنته فلم تضرب له مدة كما لو لم يعجز ولأن حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة تثبت بوطء واحد وقد وجد وأما الجب فإنه يتحقق به العجز فافترقا

فصل بيان الوطء الذي يخرج به عن العنة
فصل : والوطء الذي يخرج به عن العنة هو تغييب الحشفة في الفرج لن الأحكام المتعلقة بالوطء تتعلق بتغييب الحشفة فكان الوطأ صحيحا فإن كان الذكر مقطوع الحشفة ففيه وجهان أحدهما : لا يخرج عن العنة إلا بتغييب جميع الباقي لأنه لا حد ههنا يمكن اعتباره فاعتبر تغييب جميعه ولأنه المعنى الذي يتحقق به حصول حكم الوطء والثاني : يعتبر تغييب قدر الحشفة ليكون ما يجرىء من المقطوع مثل ما يجزىء من الصحيح ولـ لشافعي قولان كهذين

فصل لا يخرج من العنة بالوطء في الدبر
فصل : ولا يخرج عن العنة بالوطء في الدبر لأنه ليس بمحل للوطء فأشبه الوطء فيما دون الفرج ولذلك لا يتعلق به الإحلال للزوج الأول ولا الإحصان وإن وطئها في القبل حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة خرج عن العنة وذكر القاضي أن قياس المذهب أن لا يخرج من العنة لنص أحمد على أنه لا يحصل به الإحصان والإباحة للزوج ولأنه وطء محرم أشبه الوطء في الدبر
ولنا أنه وطء في محل فخرج به عن العنة كما لو وطئها وهي مريضة يضرها الوطء ولأن العنة العجز عن الوطء ولا يبقى مع وجود الوطء فإن العجز ضد القدرة فلا يبقى مع وجود ضده وما ذكروه غير صحيح لأن تلك أحكام يجوز أن تبقى مع وجود سببها لمانع أو لفوات شرط والعنة في نفسها أمر حقيقي لا يتصور بقاؤه مع انتفائه فأما الوطء في الدبر فليس بوطء في محله بخلاف مسألتنا وقد اختار ابن عقيل أنه تنتفي به العنة لأنه أصعب فمن قدر عليه فهو على غيره أقدر

فصل كون وطء امرأة لا يخرجه عن العنة في حق غيرها
فصل : وإن وطىء امرأة لم يخرج به عن العنة في حق غيرها واختار ابن عقيل أنه يخرج عن العنة في حق جميع النساء ولا نسمع دعواها عليه منها ولا من غيرها وهذا مقتضى قول أبي بكر وقول كل من قال أنه يختبر بتزويج امرأة أخرى ويحكى ذلك عن سمرة وعن عمر بن عبد العزيز وذلك لأن العنة خلقة وجبلة لا تتغير بتغيير النساء فإذا انتفت في حق امرأة لم تبق في حق غيرها
ولنا أن حكم كل امرأة معتبر بنفسها ولذلك لو ثبتت عنته في حقهن فرضي بعضهن سقط حقها وحدها دون الباقيات ولأن الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن وطئها وهو ثابت في حقها لا يزول بوطء غيرها وقوله كيف يصح عجزه عن واحدة دون أخرى ؟ قلنا قد تنهض شهوته في حق إحداهما لفرط حبه إياها وميله إليها واختصاصها بجمال وجهها دون الأخرى فعلى هذا لو تزوج امرأة فأصابها ثم أبانها ثم تزوجها فعن عنها فلها المطالبة لأنه إذا جاز أن يعن عن امرأة دون أخرى ففي نكاح دون نكاح أولى وعلى قول أبي بكر ومن وافقه لا يصح هذا بل متى وطىء مرة لم تثبت عنته أبدا

مسألة إذا وجب قبل الحول فلها الخيار في وقتها
مسألة : وإن جب قبل الحول فلها الخيار في وقتها
كأن الخرقي أراد إذا ضربت له المدة فلم يصبها حتى جب لها الخيار في الحال لأننا ننتظر الحول لنعلم عجزه وقد علمناه ههنا يقينا فلا حاجة إلى الإنتظار قال القاضي ويلزم على هذا أن سائر العيوب الحادثة بعد العقد يثبت بها الخيار فإن الخيار ههنا إنما يثبت بالجب الحادث ولولاه لم يثبت الفسخ لأننا لم نتيقن عنته والجب حادث فلما ثبت الفسخ به علم أنه إنما استحق بالعيب الحادث وفي بعض النسخ قبل الدخول ومعناهما واحد ويحتمل أنه إنما استحق الفسخ ههنا بالجب الحادث لأنه متضمن مقصود العنة في العجز عن الوطء ومحقق للمعنى الذي ادعته المرأة بخلاف غيره من العيوب والله أعلم

مسألة دعوى المرأة زوجها وادعاؤه وطأها
مسألة : قال : وإن زعم أنه قد وصل إليها وادعت أنها عذراء أريت النساء الثقات فإن شهدن بما قالت أجل سنة
وجملته أن المرأة إذا ادعت عنة زوجها فزعم أنه وطئها وقالت أنها عذراء أريت النساء فإن شهدن بعذرتها فالقول قولها ويؤجل وبهذا قال الثوري و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وإنما كان كذلك لأن الوطء يزيل عذرتها فوجودها يدل على عدم الوطء فإن ادعى أن عذرتها عادت بعد الوطء فالقول قولها لأن هذا بعيد جدا وإن كان متصورا وهل تستحلف المرأة ؟ يحتمل وجهين أحدهما : تستحلف لإزالة هذا الإحتمال كما يستحلف سائر من قلنا القول قوله والآخر : لا تستحلف لأن ما يبعد جدا لا التفات إليه لاحتمال كذب البينة العادلة وكذب المقر في إقراره وهل يقبل قول امرأة واحدة ؟ على روايتين وهذا الذي ذكره الخرقي فيما إذا اختلفا في ابتداء الأمر قبل ضرب الأجل فإن اختلفا في ذلك بعد ضرب المدة وشهد النساء بعذرتها لم تنقطع المدة وإن كان بعد انقضاء المدة فحكمه كحكم من اعترف أنه لم يطأها وفي كل موضع شهد النساء بزوال عذرتها فالقول قوله فيسقط حكم قولها لأنه تبين كذبها وإن ادعت أن عذرتها زالت بسبب آخر فالقول قوله لأن الأصل عدم الأسباب

مسألة دعوى الرجل وطء الثيب وإنكارها
مسألة : قال : وإن كانت ثيبا وادعى أنه يصل إليها أخلي معها في بيت وقيل له أخرج ماءك على شيء فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني وبطل قولها وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أن القول قوله مع يمينه
اختلفت الرواية عن أبي عبد الله رحمه الله في هذه المسألة فحكى الخرقي روايتين إحداهما : أنه يخلى معها ويقال أخرج ماءك على شيء فإن أخرجه فالقول قوله لأن العنين يضعف عن الإنزال فإذا أنزل تبينا صدقه فنحكم به وهذا مذهب عطاء فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني لأنه شبيه ببياض البيض وذاك إذا وضع على النار تجمع ويبس وهذا يذوب فيتميز بذلك أحدهما من الآخر فيختبر به وعلى هذا متى عجز عن إخراج مائه فالقول قول المرأة لأن الظاهر معها
الرواية الثانية : القول قول الرجل مع يمينه وبهذا قال الثوري و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي و ابن المنذر لأن هذا مما يتعذر إقامة البينة عليه وجنبته أقوى فإن دعواه سلامة العقد وسلامة نفسه من العيوب والأصل السلامة فكان القول قوله كالمنكر في سائر الدعاوى وعليه اليمين على صحة ما قال وهذا قول من سمينا ههنا لأن قوله محتمل للكذب فقوينا قوله بيمينه كما في سائر الدعاوى التي يستحلف فيها فإن نكل قضي عليه بنكوله ويدل على وجوب اليمين عليه قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ولكن اليمين على المدعى عليه ]
قال القاضي ويتخرج أن لا يستحلف بناء على إنكاره دعوى الطلاق فإن فيها روايتين كذا ههنا والصحيح ما قال الخرقي لدلالة الخبر والمعنى عليه وروي عن أحمد رواية ثالثة أن القول قول المرأة مع يمينها حكاها القاضي في المجرد لأن الأصل عدم الإصابة فكان القول قولها لأن قولها موافق للأصل واليقين معها وفي كل موضع حكمنا بوطئه بطل حكم عنته فإن كان في ابتداء الأمر لم تضرب له مدة وإن كان بعد ضرب المدة انقطعت وإن كان بعد انقضائها لم يثبت لها خيار وكل موضع حكمنا بعدم الوطء منه ثبت حكم عنته كما لو أقر بها واختار أبو بكر أنه يزوج امرأة لها حظ من الجمال وتعطى صداقها من بيت المال ويخلى معها وتسألة عنه ويؤخذ بما تقول فإن أخبرت أنه يطأ كذبت الأولى والثانية بالخيار بني الإقامة والفسخ وصداقها من بيت المال وإن كذبته فرق بينه وبينهما وصداق الثانية من ماله ههنا لما روي أن امرأة جاءت إلى سمرة فشكت إليه أنه لا يصل إليها زوجها فكتب إلى معاوية فكتب إليه : إن زوجه بامراة ذات جمال يذكر عنها الصلاح وسق إليها المهر من بيت المال عنه فإن أصابها فقد كذبت وإن لم يصبها فقد صدقت ففعل ذلك سمرة فجاءت المرأة فقالت ليس عنده شيء ففرق بينهما
وقال الأوزاعي : يشهده امرأتان ويترك بينهما ثوب ويجامع امرأته فإذا قام عنها نظرنا إلى فرجها فإن كان فيه رطوبة الماء فقد صدق وإلا فلا وحكي عن مالك مثل ذلك إلا أنه اكتفى بواحدة والصحيح أن القول قوله كما لو ادعى الوطء في الإيلاء ولما قدمنا واعتبار خروج الماء ضعيف لأنه قد يطأ ولا ينزل وقد ينزل من غير وطء فإن ضعف الذكر لا يمنع سلامة الظهر ونزول الماء وقد يعجز السليم القادر عن الوطء في بعض الأحوال وليس كل من عجز عن الوطء في حال من الأحوال أو وقت من الأوقات يكون عنينا ولذلك جعلنا مدته سنة وتزوجه بامرأة ثانية لا يصح لذلك أيضا ولأنه قد يعن عن امرأة دون أخرى ولأن نكاح الثانية إن كان مؤقتا أو غير لازم فهو نكاح باطل والوطء فيه حرام وإن كان صحيحا لازما ففيه اضرار بالثانية ولا ينبغي أن يقبل قولها لأنها تريد بذلك تخليص نفسها فهي متهمة فيه وليست بأحق أن يقبل قولها من الأولى ولأن الرجل لو أقر بالعجز عن الوطء في يوم أو شهر لم تثبت عنته بذلك وأكثر ما في الذي ذكروه أن يثبت عجزه عن الوطء في اليوم الذي اختبروه فيه فإذا لن تثبت عنته بإقراره بعجزه فلأن لا تثبت بدعوى غيره ذلك عليه أولى

مسألة دعوى الخنثى المشكل أنه رجل وأحكامه
مسألة : قال : وإذا قال الخنثى المشكل أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء ولم يكن له أن ينكح بغير ذلك بعد وكذلك لو سبق فقال أنا امرأة لم ينكح إلا رجلا
والخنثى هو الذي في قبله فرجان : ذكر رجل وفرج امرأة لا يخلو من أن يكون ذكرا أو أنثى قال الله تعالى : { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى } وقال تعالى : { وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } فليس ثم خلق ثالث ولا يخلو الخنثى من أن يكون مشكلا أو غير مشكل فإن لم يكن مشكلا بأن تظهر فيه علامات الرجال فهو رجل له أحكام الرجال أو تظهر فيه علامات النساء فهو امرأة له أحكامهن وإن كان مشكلا فلم تظهر فيه علامات الرجال ولا النساء فاختلف أصحابنا في نكاحه فذكر الخرقي أنه يرجع إلى قوله فإن ذكر أنه رجل وأنه يميل طبعه إلى نكاح النساء فله نكاحهن وإن ذكر أنه امرأة يميل طبعه إلى الرجال زوج رجلا لأنه معنى لا يتوصل إليه إلا من جهته وليس فيه إيجاب حق على غيره فقبل قوله فيه كما يقبل قول المرأة في حيضها وعدتها وقد يعرف نفسه يميل طبعه إلى أحد الصنفين وشهوته له فإن الله تعالى أجرى العادة في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى وميلها إليه وهذا الميل أمر في النفس والشهوة لا يطلع عليه غيره وقد تعذرت علينا معرفة علاماته الظاهرة فرجع فيه إلى الأمور الباطنة فيما يختص هو بحكمه
وأما الميراث والدبة فإن أقر على نفسه بما يقلل ميراثه أو ديته قبل منه وإن ادعى ما يزيد ذلك لم يقبل لأنه متهم فيه فلا يقبل قوله على غيره وما كان من عباداته وسترته وغير ذلك فينبغي أن يقبل قوله فيه لأنه حكم بينه وبين الله تعالى قال القاضي ويقبل قوله في الإمامة وولاية النكاح وما لا يثبت حقا على غيره وإذا زوج امرأة أو رجلا ثم عاد فقال خلاف قوله الأول لم يقبل في التزويج بغير الجنس الذي زوجه أولا لأنه مكذب لنفسه ومدع ما يوجب الجمع بين تزويج الرجال والنساء لكن إن تزوج امرأة ثم قال أنا امرأة انفسخ نكاحه لإقراره ببطلانه ولا يقبل قوله في سقوط المهر عنه وإن تزوج رجلا وقال أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ نكاحه لأن الحق عليه وهذا قول الشافعي وقال أبو بكر لا يجوز أن يتزوج حتى يبين أمره وذكره نصا عن أحمد في رواية الميموني وهذا الذي ذكره أبو إسحاق مذهبا لـ لشافعي وذلك لأنه لم يتحقق وجود ما يبيح له النكاح فلم يبح له كما لو اشتبهت عليه أخته بنسوة وكما لو لم يقل إني رجل ولا امرأة ولأن قوله لا يرجع إليه في شيء من أحكامه من الميراث والديه وغيرهما في نكاحه ولأنه لا يعرف نفسه كما لا يعرفه غيره ولأنه قد أشتبه المباح بالمحظور في حقه فحرم كما ذكرناه

مسألة حكم ما زنى المحصن
مسألة : قال : وإذا أصاب الرجل أو أصيبت المرأة بعد الحرية والبلوغ بنكاح صحيح وليس واحد منهما بزائل العقل رجما إذا زنيا والمسلم والكافر الحران فيما وصفت سواء
ذكر الخرقي رحمه الله في هذا الباب شرائط الإحصان ونحن نؤخره إلى الحدود فإنه أخص به والله أعلم

كتاب الصداق الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع
الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع : أما الكتاب فقوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } وقال تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } قال أبو عبيد : يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى وقيل النحلة الهبة والصداق في معناهها لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه وجعل الصداق للمرأة فكأنه عطية بغير عوض وقيل نحلة من الله تعالى للنساء وقال تعالى : { فآتوهن أجورهن فريضة }
وأما السنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فـ [ روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران فقال النبي صلى الله عليه و سلم مهيم ؟ فقال يا رسول الله : تزوجت امرأ' فقال : ما صدقتها ؟ قال : وزن نواة من ذهب فقال : بارك الله لك أولم ولو بشاة ] وعنه [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ] متفق عليهما وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح

فصلان : أسماء الصداق واستحباب تسميته
فصل : وللصداق تسعة أسماء : الصداق والصدقة والمهر والنحلة والفريضة والأجر والعلائق والعقر والحباء [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أدوا العلائق قيل يا رسول الله وما العلائق ؟ قال : ما يتراضى به الأهلون ] وقال عمر : لها عقر نسائها وقال مهلهل :
( انكحها فقدها الاراقم ... في جنب وكان الحباء من أدم )
( لو بأبانين جاء يخطبها ... خضب ماء وجه خاطب بدم )
يقال أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال أمهرتها
فصل : ويستحب أن لا يعرى النكاح عن تسمية الصداق لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يزوج بناته وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق و [ قال للذي زوجه الموهوبة : هل من شيء تصدقها ؟ فالتمس ولم يجد قال : التمس ولو خاتما من حديد فلم يجد شيئا فزوجه إياها بما معه من القرآن ] ولأنه أقطع للنزاع وللخلاف فيه وليس ذكره شرطا بدليل قوله سبحانه وتعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } [ وروي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوج رجلا امرأة ولم يسم لها مهرا ]

مسألة وفصلان : مقدار المهر
مسألة : قال : وإذا كانت المرأة بالغة رشيدة أو صغيرة عقد عليها أبوها فأي صداق اتفقوا عليه فهو جائز إذا كان شيئا له نصف يحصل
في هذه المسالة ثلاث فصول :
الفصل الأول : أن الصداق غير مقدر لا أقله ولا أكثره بل كل ما كان ما لا جاز أن يكون صداقا وبهذا قال الحسن و عطاء و عمرو بن دينار و ابن أبي ليلى و الثوري و الأوزاعي و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و داود وزج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وقال : لو أصدقها سوطا لحلت وعن سعيد بن جبير و النخعي و ابن شبرمة و مالك و أبي حنيفة هو مقدر الأقل ثم اختلفوا فقال مالك و أبو حنيفة : أقله ما يقطع به السارق وقال ابن شبرمة : خمسة دراهم وعن النخعي أربعون درهما وعنه عشرون وعنه رطل من الذهب وعن سعيد بن جبير خمسون درهما واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا مهر أقل من عشرة دراهم ] ولأنه يستباح به عضو فكان مقدرا كالذي يقطع به السارق
ولنا [ قول النبي صلى الله عليه و سلم للذي زوجه : هل عندك من شيء تصدقها ؟ قال : لا أجد قال : التمس ولو خاتما من حديد ] متفق عليه و [ عن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أرضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم فأجازه ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح و [ عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يده طعاما كانت له حلالا ] رواه الإمام أحمد في المسند وفي لفظ عن جابر قال : كنا ننكح على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم على القبضة من الطعم رواه الأثرم ولأن قول الله عز و جل : { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم } يدخل فيه القليل والكثير ولأنه بدل منفعتها فجاز ما تراضيا عليه من المال كالعشرة وكالأجرة وحديثهم غير صحيح رواه ميسرة بن عبيد وهو ضعيف عن الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ورووه عن جابر وقد روينا عنه خلافه أو نحمله على مهر امرأة بعينها أو على الإستحاب وقياسهم لا يصح فإن النكاح إستباحة الإنتفاع بالجملة والقطع إتلاف عضو دون إستباحته وهو عقوبة وحد وهذا عوض فقياسه على الأعواض أولى وأما أكثر الصداق فلا توقيت فيه فإجماع أهل العلم قاله ابن عبد البر وقد قال الله عز و جل : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } وروى أبو حفص بإسناده أن عمر أصدق أم كلثوم ابنة علي أربعين ألفا وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : خرجت وأنا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرات هذه الآية { وآتيتم إحداهن قنطارا } وقال أبو صالح : القنطار مائة رطل وقال أبو سعيد الخدري : ملء مسك ثور ذهبا وعن مجاهد سبعون ألف مثقال
فصل : ويستحب أن لا يغلي الصداق لما روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة ] رواه أبو حفص بإسناده وعن أبي العجفاء قال : قال عمر رضي الله عنه : ألا لا تغلو صداق النساء فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه وحتى يقول كلفت لكم علق القربة أخرجه النسائي و أبو داود مختصرا وعن أبي سلمة قال : سألت عائشة عن صداق النبي صلى الله عليه و سلم فقالت اثنتا عشرة أوقية ونش فقلت : وما ونش ؟ قالت : نصف أوقية أخرجاه أيضا والأوقية أربعون درهما فلا تستحب الزيادة على هذا لأنه إذا كثر ربما تعذر عليه فيتعرض للضرر في الدنيا والآخرة

فصول : ما يجوز أن يكون مهرا وما تستحقه الزوجة إن لم يتم تسمية المهر
فصل : وكل ما جاز ثمنا في البيع أو أجرة في الإجارة من العين والدين والحال والمؤجل والقليل والكثير ومنافع الحر والعبد وغيرهما جاز أن يكون صداقا وقد روي الدارقطني بإسناده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق - قيل : ما العلائق يا رسول الله ؟ قال : ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيبا من أراك ] ورواه الجوزجاني وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : منافع الحر لا تكون صداقا لأنها ليست مالا وإنما قال الله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم }
ولنا قول الله تعالى : { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } والحديث ألذي ذكرناه ولأنها منفعة يجوز العوض عنها في الإجازة فجازت صداقا كمنفعة العبد وقولهم ليست مالا ممنوع فإنها المعاوضة عنها وبها ثم أن تكون مالا فقد أجريت مجرى المال في هذا فكذلك في النكاح وقد نقل مهنا عن أحمد إذا تزوجها على أن يخدمها سنة أو أكثر كيف يكون هذا قيل له : فامرأة لها ضياع وأرضون لا تقدر على أن تعمرها قال : لا يصلح هذا قال أبو بكر : إن كانت الخدمة معلومة جاز وإن كانت مجهولة لا تضبط فلها صداق مثلها كأنه تأول مسألة منها على أن الخدمة مجهولة فلذلك لم يصح ونقل أبو طالب عن أحمد التزويج على بناء الدار وخياطة الثوب وعمل شيء جائز لأنه معلوم يجوز أخذ العوض عنه فجاز أن يكون صداقا كالأعيان ولو تزوجها على أن يأتيها بعبدها الآبق من مكان معين صح لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الأجرة عنه وإن أصدقها الإتيان به أين كان لم يصح لأنه مجهول
فصل : ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية وبهذا قال الشافعي وقال النخعي و مالك و الثوري و الأوزاعي وأصحاب الرأي و أبو عبيد : يصح
ولنا أن الحملان مجهول لا يوقف له على حد فلم يصح كما لو أصدقها شيئا فعلى هذا لها مهر المثل وكذلك كل موضع قلنا لا تصح التسمية
فصل : وإن أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب لم تفسد التسمية ولا يجب مهر المثل لأن تعذر تسليم ما أصدقها بعينه لا يوجب مهر المثل كما لو أصدقها قفيز حنطة فهلك قبل تسليمه ويجب عليه أجر مثل خياطته لأن العقود على العمل فيه تلف فوجب الرجوع إلى عوض العمل كما لو أصدقها تعليم عبدها صناعة فمات قبل التعليم وإن عجز عن خياطته مع بقاء الثوب لمرض أو نحوه فعليه أن يقيم مقامه من يخيطه وإن طلقها قبل خياطته قبل الدخول فعليه خياطة نصفه إن أمكن معرفة نصفه وإن لم يكن فعليه نصف أجر خياطته إلا أن يبذل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قدر خاط النصف يقينا وإن كان الطلاق بعد خياطته رجع عليها بنصف أجره
فصل : وإن أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة صح لأنه منفعة معلومة معلومة يجوز بذل العوض عنها فجاز جعلها صداقا كخياطة ثوبها وإن أصدقها تعليمه أو تعليمها شعرا مباحا معينا أو فقها أو أخذ الأجرة عليه فجاز صداقا كمنافع الدار
فصل : فأما تعليم القرآن فاختلفت الرواية عن أحمد في جعله صداقا فقال في موضع أكرهه وقال في موضع لا بأس أن يتزوج المرأة على أن يعلمها سورة القرآن أو على نعلين وهذا مذهب الشافعي قال أبو بكر في المسألة قولان يعني روايتين قال : واختياري أنه لا يجوز وهو مذهب مالك و الليث و أبي حنيفة و مكحول و إسحاق واحتج من أجازه بما روى سهل بن سعد الساعدي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال : هل عندك من شيء تصدقها ؟ فقال ما عندي إلا إزاري فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا - قال : لا أحد قال - التمس شيئا ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : زوجتكما بما معك من القرآن ] متفق عليه ولأنها منفعة معينة مباحة فجاز جعلها صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح
ووجد الرواية الأخرى أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال لقوله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } وقوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } والطول المال وقد [ روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوج رجلا على سورة من القرآن ثم قال : لا تكون لأحد بعدك مهرا ] رواه النجاد بإسناده ولأن تعليم القرآن لا يجوز أن يقع إلا قربة لفاعله فلم يصح أن يكون صداقا كالصوم والصلاة وتعليم الإيمان ولأن التعليم من المعلم والمتعلم مختلف ولا يكاد ينضبط فأشبه الشيء المجهول فأما حديث الموهوبة فقد قيل معناه أنكحتكها بما معك من القرآن أي زوجكها لأنك من أهل القرآن أي زوجتكها لأنك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على إسلامه فروى ابن عبد البر بإسناده عن أنس أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم فقالت : أتزوج بك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بني فلان ؟ إن أسلمت تزوجت بك قال : فأسلم أبو طلحة فتزوجها على إسلامه وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم ويحتمل أن يكون خاصا لذلك الرجل بدليل ما رواه النجاد ولا تفريع على هذه الرواية فأما على الأخرى فلا بد من تعيين ما يعلمها إياه إما سورة معينة أو سورا أو آيات بعينها لأن السور تختلف وكذلك الآيات وهل تحتاج إلى تعيين قراءة مرتبة فيه وجهان أحدهما : يحتاج إلى ذلك لأن الأغراض تختلف والقراءات تختلف فمنها صعب كقراءة حمزة وسهل فأشبه تعيين الآيات
والثاني : لا يفتقر إلى التعيين لأن هذا اختلاف يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه ويقوم مقامه ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه و سلم للمرأة قراءة وقد كانوا يختلفون في القراءة أشد من اختلاف القراء اليوم فأشبه ما لو أصدقها قفيزا من صبرة ول الشافعي في هذا وجهان كهذين

فصول : جعل تعاليم القرآن مهرا
فصل : فإن أصدقها تعليم سورة لا يحسنها نظرت فإن قال أحصل لك تعليم هذه السورة صح لأن هذه منفعة في ذمته لا تختص به فجاز أن يستأجر عليها من لا يحسنها كالخياطة إذا استأجر من يحصلها له وإن قال علي أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح لأنه تعين بفعله وهو لا يقدر عليه فأشبه ما لو استأجر من لا يحسن الخياطة ليخيط له وذكر في المجرد أنه يحتمل الصحة لأن هذه تكون في ذمته فأشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال
فصل : فإن جاءته بغيرها فقالت علمه السورة التي تريد تعليمي إياها لم يلزمه لأن المستحق عليه العمل في عين فلم يلزمه إيقاعه في غيره كما لو استأجرته لخياطة ثوبه فأتته بغيره فقالت خط هذا ولأن المتعلمين يختلفون في التعليم إختلافا كثيرا ولأن له غرضا فلا يجبر على تعليم غيرها وإن أتاها بغيره يعلمها لم يلزمها قبول ذلك لأن المعلمين يختلفون في التعليم ولأن لها غرضا في التعليم منه لكونه زوجها تحل له ويحل لها ولأنه لما لم يلزمه تعليم غيرها لم يلزمها التعليم من غيره قياسا لأحدهما على الآخر
فصل : فإن تعلمتها من غيره أو تعذر عليه تعليمها فعليه أجر فإن اختلفا فقال : علمتكها فأنكرت فالقول قولها لأن الأصل عدم تعليمها وفيه وجه آخر إنهما إن اختلفا بعد أن تعلمتها فالقول قوله لأن الظاهر معه وإن علمها السورة ثم نسيتها فلا شيء عليه لأنه قد وفى لها بما شرط وإنما تلف الصداق بعد القبض وإن لقنها الجميع وكلما لقنها آية نسيتها لم يعتد بذلك تعليما لأن ذلك لا يعد تعليما ولو جاز ذلك لأفضى إلى أنه متى قرأها فقرأتها بلسانها من غير حفظ كان تلقينا ويحتمل أن يكون ذلك تلقينا لأنه قد لقنها الآية وحفظتها فأما ما دن الآية فليس بتلقين وجها واحدا
فصل : فإن طلقها قبل الدخول بعد تعليمها السورة رجع عليها بنصف أجر تعليمها لأن الطلاق قبل الدخول يوجب الرجوع بنصف الصداق وإن لم يكن علمها فقيه وجهان :
أحدهما : عليه نصف أجر تعليمها لأنها قد صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها الفتنة
والثاني : يباح له تعليمها من وراء حجاب من غير خلوة بها كما يجوز له سماع كلامها في المعاملات وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها السورة الوجهان وإن أصدقها رد عبدها من مكان معين فطلقها قبل الدخول وقبل الرد وقبل الرد فعليه نصف أجر الرد لأنه لا يمكنه نصف الرد وإن طلقها بعد الرد رجع عليها بنصف أجره
فصل : ولو أصدق الكتابية تعليم سورة من القرآن لم يجز ولها مهر المثل وقال الشافعي يصح لقوله تعالى : { حتى يسمع كلام الله }
ولنا أن الجنب يمنع قراءة القرآن مع إيمانه واعتقاده أنه حق فالكافر أولى وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم ] فالتحفظ أولى أن يمنع منه فأما الآية التي احتجوا بها فلا حجة لهم فيها فإن السماع غير الحفظ وإن أصدقها أو أصدق المسلمة تعليم شيء من التوراة والإنجيل لم يصح في المذهبين لأنه مبدل مغير ولو أصدق الكتابي الكتابية شيئا من ذلك كان كما لو أصدقها محرما

فصل : الأتفاق على المهر بين ولي المرأة والزوج
الفصل الثاني : إن الصداق ما أتفقوا عليه ورضوا به لقول الله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ العلائق ما تراضى عليه الأهلون ] ولأنه عقد معاوضة فيعتبر رضا المتعاقدين كسائر عقود المعاوضات فإن كان الولي الأب فمهما كان الولي الأب فمهما اتفق هو والزوج عليه جاز أن يكون صداقا قليلا كان أو كثيرا بكرا كانت أو ثيبا صغيرة أو كبيرة على ما أسلفناه فيما مضى ولذلك زوج شعيب عليه السلام موسى عليه السلام ابنته وجعلا الصداق إجارة ثماني حجج من غير مراجعة الزوجة وإن كان الولي غير الأب اعتبر رضا المرأة والزوج لأن الصداق لها وهو عوض منفعتها فأشبه أجر دارها وصداق أمتها فإن لم يستأذنها الولي في الصداق فحكمه حكم الوكيل المطلق في البيع إن جعل الصداق مهر المثل فما زاد صح ولزم وإن نقص عنه فلها مهر المثل

فصل : الصداق لا يكون إلا مالا
الفصل الثالث : أن الصداق لا يكون إلا مالا لقول الله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } ويشترط أن يكون له نصف يتمول عادة بحيث إذا طلقها قبل الدخول بقي لها من النصف مال حلال وهذا معنى قول الخرقي له نصف يحصل وما لا يجوز أن يكون ثمنا في البيع كالمحرم والمعدوم والمجهول وما لا منفعة فيه وما لا يتم ملكه عليه كالبيع من المكيل والموزون قبل قبضه وما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء وما لا يتمول عادة كحبة حنطة وقشرة جوزة لا يجوز أن يكون صداقا لأنه نقل للملك فيه بعوض فلم يجز فيه ما ذكرناه كالبيع ويعتبر أن يكون نصفه مما يتمول عادة ويبذلك العوض في مثله عرفا لأن الطلاق يعرض فيه قبل الدخول فلا ييقى للمرأة إلا نصفه فيجب أن يكون لها مال تنتفع به ويعتبر نصف القيمة لا نصف عين الصداق فإنه لو أصدقها عبدا جاز وإن لم تمكن قسمته

مسألتان وفصول : إذا تبين أن المهر معيبا أو غير متقوم
مسألة : قال : وإذا أصدقها عبدا بعينه فوجدت به عيبا فردته فلها عليه قيمته
وجملة ذلك أن الصداق إذا كان معينا فوجدت به عيبا فلها رده كالبيع المعيب ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان العيب كثيرا فإن كان يسيرا فحكي عن أبي حنيفة أنه لا يرد به
ولنا أنه عيب يرد به المبيع فرد به الصداق كالكثير وإذا رد به فلها قيمته لأن العقد لا ينفسخ برده فيبقى سبب استحقاقه فيجب عليه قيمته كما لو غصبها إياه فأتلفه وإن كان الصداق مثليا كالمكيل والموزون فردته فلها عليه مثله لأنه أقرب إليه وإن اختارت إمساك المعيب وأخذ أرشه فلها ذلك في قياس المذهب وإن حدث به عيب عندها ثم وجدت به عيبا خيرت بين أخذ أرشه وبين رده ورد أرش عيبه لأنه عوض في عقد معاوضة فيثبت في ذلك كالبيع وسائر فروع الرد بالعيب فيثبت فيها ههنا مثل ما يثبت في البيع لما ذكرنا
فصل : وإن شرطت في الصداق صفة مقصودة كالكتابة والصناعة فبان بخلافها فلها الرد كما ترد به في البيع وهكذا إن دلسه تدليسا يرد به المبيع مثل تحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده وتضمير الماء على الحجر وأشباه ذلك فلها الرد به وإن وجدت الشاة مصراة فلها ردها ورد صاع من تمر قياسا على البيع وقد نقل مهنا عن أحمد فيمن تزوج امرأة على ألف ذراع فإذا هي تسعمائة هي بالخيار إن شاءت أخذت الدار وإن شاءت أخذت قيمة ألف ذراع والنكاح جائز وهذا فيما إذا أصدقها دارا بعينها على أنها ذراع فخرجت تسعمائة فهذا كالعيب في ثبوت الرد لأنه شرط شرطا مقصودا فبان بخلافه فأشبه ما لو شرط العبد كاتبا فبان بخلاف وجوز أحمد الإمساك لأن المرأة رضيت بها ناقصة ولم يجعل لها مع الإمساك أرشا لأن ذلك ليس بعيب ويحتمل أن لها الرجوع بقيمة نقصها أو ردها وأخذ قيمتها
مسألة : قال : وكذلك إذا تزوجها على عبد فخرج حرا أو استحق سواء سلمه إليها أو لم يسلمه
وجملة ذلك إنه إذا تزوجها على عبد تظنه عبدا مملوكا حرا أو مغصوبا فلها قيمته وبهذا قال أبو يوسف و الشافعي في قديم قوليه وقال في الجديد لها مهر المثل وقال أبو حنيفة و محمد في المغصوب كقولنا وفي الحر كقوله لأن العقد تعلق بعين الحر بإشارته إليه فأشبه ما لو علماه حرا
ولنا أن العقد وقع على التسمية فكانت لها قيمته كالمغصوب ولأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكا فكان لها قيمته كما لو وجدته معيبا فردته بخلاف ما إذا قال أصدقتك هذا الحر أو هذا المغصوب فإنها رضيت بلا شيء لرضاها بما تعلم أنه ليس بمال أو بما لا يقدر على تمليكه إياها فكان وجود التسمية كعدمها فكان لها مهر المثل وقول الخرقي سواء سلمه إليها أو لم يسلمه يعني أن تسليمه لا يفيد شيئا لأنه سلم ما لا يجوز تسليمه ولا تثبت اليد عليه فكان وجوده كعدمه
فصل : فإن أصدقها مثليا فبان مغصوبا فلها مثله لأن المثل أقرب إليه ولهذا يضمن به في الإتلاف وإن أصدقها جرة خل فخرجت خمرا أو مغصوبة فلها مثل ذلك خلا لأن الخل من ذوات الأمثال وهذا مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وقال القاضي : لها قيمته لأن الخمر ليس بمال ولا من ذوات الأمثال والصحيح ما قلناه لأنه سماه خلا فرضيت به على ذلك فكان لها بدل المسمى كالحر وما ذكره ببطل بما إذا أصدقها فبان حرا ولأنه إن أوجب قيمة الخمر فالخمر لا قيمة له وإن أوجب قيمة الخل فقد اعتبر التسمية في إيجاب قيمته ففي إيجاب مثله أولى
فصل : فإن قال أصدقتك هذا الخمر وأشار إلى الخل أو عبد فلان هذا وأشار إلى عبده صحت التسمية ولها المشار إليه لأن المعقود عليه يصح العقد عليه فلا يختلف حكمه بإختلاف صفته كما لو قال : بعتك هذا الأسود وأشار إلى أبيض أو هذا الطويل إلى قصير
فصل : وإن تزوجها على عبدين فخرج أحدهما حرا أو مغصوبا صح الصداق في تملكه ولها قيمة الآخر نص عليه أحمد وإن كان عبدا واحدا فخرج نصفه حرا أو مغصوبا فلها الخيار بين رده وأخذ قيمته وبين إمساك نصفه وأخذ قيمة باقيه نص عليه أحمد لأن الشركة عيب فكان لها الفسخ كما لو وجته معيا فإن قيل فلم لا تقولون ببطلان التسمية في الجميع وترجع بالقيمة كلها في المسألتين كما في تفريق الصفقة قلنا إن القيمة بدل إنما يصار إليها عند العجز عن الأصل وههنا العبد المملوك مقدور عليه ولا عيب فيه وهو مسمى في العقد فلا يجوز الرجوع إلى بدله أما تفريق الصفقة فإنه إذا بطل العقد في الجميع صرنا إلى الثمن وليس هو بدلا عن المبيع وإنما انفسخ العقد فرجع في رأس ماله وههنا لا ينفسخ العقد وإنما رجع إلى قيمة الحر منهما لتعذر تسليمه فلا وجه لإيجاب قيمته وأما إذا كان نصفه حرا ففيه عيب فجاز رده بعيبه وقال أبو حنيفة : إذا أصدقها عبدين فإذا أحدهما حر فلها العبد صداقا ولا شيء لها سواه
ولنا أنه أصدقها حرا فلم تسقط تسميته إلى غير شيء كما لو كان منفردا

مسألة وفصلان : ما يجب إذا تعذر تسليم المهر المعين
مسألة : قال : وإذا تزوجها على أن يشتري لها عبدا بعينه فلم يبع أو طلب فيه أكثر من قيمته أو لم يقدر عليه فلها قيمته
نص أحمد على هذا في رواية الأثرم وقال الشافعي : لا تصح التسمية ولها مهر المثل لأنه جعل ملك غيره عوضا فلم يصح كالبيع
ولنا أنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو تزوجها على رد عبدها الآبق من مكان معلوم ولا نسلم أنه جعل ملك غيره عوضا وإنما العوض تحصيله وتمليكها إياه إذا ثبت هذا فإنه إذا قدر عليه بثمن مثله لزمه تحصيله ودفعه إليها وإن جاءها بقيمته لم يلزمها قبول لأنه قدر على دفع صداقها إليها فلزمه كما لو أصدقها عبدا يملكه وإن لم يبعه سيده أو تعذر عليه الوصول إليه لتلفه أو غير ذلك أو طلب فيه أكثر من قيمته فلها قيمته لأنه تعذر الوصول إلى قبض المسمى المتقوم فوجبت قيمته كما لو تلف وإن كان الذي جعل لها مثليا فتعذر شراؤه وجب لها مثله لأن المثل أقرب إليه
فصل : وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لأنه يصح أن يكون عوضا في البيع فإن جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها وبهذا قال الشافعي واختاره أبو الخطاب وقال القاضي : يلزمها قبولها قياسا على الإبل في الدية
ولنا أنها استحقت عليه عبدا بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه ولأنه عبد وجب صداقا فأشبه ما لو كان معيبا وأما الدية فلا يلزم أخذ قيمة الإبل وإنما الأثمان أصل في الدية كما أن الإبل أصل فيتخير بين دفع أي الأصول شاء فيلزم الولي قبوله لا على طريق القيمة بخلاف مسألتنا ولأن الدية خارجة عن القياس فلا يناقض بها ولا يقاس عليها ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من قياسه على غير عقود المعاوضات ثم ينتقض بالعبد المعين
فصل : وإن تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد فإن طلب به أكثر من قيمته أو لم يقدر عليه فلها قيمته وهذا قول الشعبي ووجهه ما تقدم فإن جاءها بقيمته مع إمكان شرائه لم يلزمها قبولها لما ذكرنا ولأنه يفوت عليها الغرض في عتق أبيها

فصل : لا يصح الصداق إلا معلوما يصح بمثله البيع
فصل : ولا يصح الصداق إلا معلوما يصح بمثله البيع وهذا اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي وقال القاضي : مجهولا ما لم تزد جهالته على مهر المثل لأن جعفر بن محمد نقل عن أحمد في رجل تزوج امرأة على ألف درهم وخادم فطلقها قبل أن يدخل بها ويقوم الخادم وسطا على قدر ما يخدم مثلها ونحو هذا قول أبي حنيفة فعلى هذا إذا تزوجها على عبد أو أمة أو فرس أو بغل أو حيوان من جنس معلوم أو ثوب هروي أو مروي وما أشبهه مما يذكر جنسه فإنه يصح ولها الوسط وكذلك قفيز حنطة وعشرة أرطال زيت وإن كانت الجهالة تزيد على جهالة مهر المثل كثوب أو دابة أو حيوان أو على حكمها أو حكمه أو حكم أجنبي أو على حنطة أو شعير أو زيت أو على ما اكتسبه في العام لم يصح لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط فيتعذر تسليمه وفي الأول يصح لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ العلائق ما تراضى عليه الأهلون ] وهذا قد تراضوا عليه ولأنه موضع يثبت فيه الحيوان في الذمة بدلا عما ليس المقصود فيه المال فثبت مطلقا كالدية ولأن جهالة التسمية ههنا أقل من جهالة مهر المثل لأنه يعتبر بنسائها ممن يساويها في صفاتها وبلدها وزمانها ونسبها ثم لو تزوجها على مهر مثلها صح فههنا مع قلة الجهل فيه أولى ويفارق البيع فإنه لا تحتمل فيه الجهالة بحال وقال مالك : يصح مجهولا لأن ذلك ليس بأكثر من ترك ذكره وقال أبو الخطاب إن تزوجها على عبد من عبيده أو قميص من قمصانه أو عمامة من عمائمه ونحو ذلك صح لأن أحمد قال في رواية مهنا فيمن تزوج على عبد من عبيده جائز فإن كانوا عشرة عبيد تعطى من أوسطهم فإن تشاحا أقرع بينهم قلت : وتستقيم القرعة في هذا ؟ قال : نعم ووجهه أن الجهالة ههنا يسيرة ويمكن التعيين بالقرعة بخلاف ما إذا أصدقها عبدا مطلقا فإن الجهالة تكثر فلا يصح
ولنا : أن الصداق عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كعوض البيع والإجازة ولأن المجهول لا يصلح عوضا في البيع فلم تصح تسميته كالمحرم وكما لو زادت جهالته على مهر المثل وأما الخبر فالمراد به ما تراضوا عليه مما يصلح عوضا بدليل سائر ما لا يصلح وأما الدية فإنها تثبت بالشرع لا بالعقد وهي خارجة عن القياس في تقديرها ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا ثم إن الحيوان الثابت فيها موصوف بسنه مقدر بقيمته فكيف يقاس عليه العبد المطلق في الأمرين ثم ليست عقدا وإنما الواجب بدل متلف لا يعتبر فيه التراضي فهو كقيم المتلفات فكيف يقاس عليها عوض في عقد يعتبر تراضيهما به ؟ ثم أن قياس العوض في عقد معاوضة على عوض في معاوضة أخرى أصح وأولى من قياسه على بدل متلف وأما مهر المثل فإنما يجب عند عدم التسمية الصحيحة كما يجب قيم المتلفات وإن كانت تحتاج إلى نظر ألا ترى أنا نصير إلى مهر المثل عند عدم التسمية ولا نصير إلى عبد مطلق ولو باع ثوبا بعبد مطلق فأتلفه المشتري فإنا نصير إلى تقويمه ولا نوجب العبد المطلق ثم لا نسلم أن جهالة المطلق من الجنس الواحد دون جهالة مهر المثل فإن العادة في القبائل والقرى أنيكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف إلا بالبكارة والثيوبة فحسب فيكون إذا معلوما والوسط من الجنس يبعد الوقوف عليه لكثرة أنواع الجنس وإختلافها وإختلاف الأعيان في النوع الواحد وأما تخصيص التصحيح بعبد من عبيده فلا نظير له يقاس عليه ولا نعلم فيه نصا غليه فكيف يثبت الحكم فيه بالتحكيم وأما نصوص أحمد على الصحة فتأولها أبو بكر على أنها تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه إذا ثبت هذا فإن لها مهر المثل في كل موضع حكمنا بفساد التسمية ومن قال بصحتها أوجب الوسط من المسمى والوسط من العبيد السندي لأن الأعلى التركي والرومي والأسفل الزنجي والحبشي والوسط السندي والمنصوري قال القاضي : وإن أعطاها قيمة العبد لزمها قبولها إلحافا بالإبل في الدية

فصل : تأجيل المهر وتعجيله
فصل : ويجوز أن يكون الصداق معجلا ومؤجلا وبعضه معجلا وبعضه مؤجلا لأنه عوض في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلا إلى وقت فهو إلى أجله وإن أجله ولم يذكر أجله فقال القاضي : المهر صحيح ومحله الفرقة فإن أحمد قال : إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة وهذا قول النخعي و الشعبي وقال الحسن و حماد بن أبي سليمان و أبو حنيفة و الثوري و أبو عبيد : يبطل الآجل ويكون حالا وقال إياس بن معاوية و قتادة : لا يحل حتى يطلق أو يخرج من مصرها أو يتزوج عليها
وعن مكحول و الأوزاعي و العنبري يحل إلى سنة بعد دخوله بها وأختار أبو الخطاب أن المهر فاسد ولها مهر المثل وهو قول الشافعي لأنه عوض مجهول المحل ففسد كالثمن في البيع ووجه القول الأول أن المطلق يحمل على العرف والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوما بذلك فأما إن جعل مدة مجهولة كقدوم زيد ومجيء المطر ونحوه لم يصح لأنه مجهول وإنما صح المطلق لأن أجله الفرقة بحكم العادة وههنا صرفه عن العادة بذكر الأجل ولم يبينه فبقي مجهولا فيحتمل أن تبطل التسمية ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل

مسألة وفصول : تسمية مهر محرم في عقد النكاح
مسألة : قال : وإذا تزوجها على محرم وهما مسلمان ثبت النكاح وكان لها مهر المثل أو نصفه إن كان طلقها قبل الدخول
في هذه المسألة ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : أنه إذا سمى في النكاح صداقا محرما كالخمر والخنزير فالتسمية فاسدة والنكاح صحيح نص عليه أحمد وبه قال عامة الفقهاء منهم الثوري و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن أبي عبيد أن النكاح فاسد واختاره أبو بكر عبد العزيز قال لأن أحمد قال : في رواية المروذي إذا تزوج على مال غير طيب فكرهه فقلت ترى استقبال النكاح فأعجبه وحكي عن مالك أنه إن كان بعد الدخول ثبت النكاح وإن كان قبله فسخ واحتج من أفسده بأنه نكاح جعل الصداق فيه محرما فأشبه نكاح الشغار
ولنا : أنه نكاح لو كان عوضه صحيحا كان صحيحا فوجب أن يكون صحيحا وإن كان عوضه فاسدا كما لو كان مغصوبا أو مجهولا ولأنه عقد لا يفسد بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه ولو عدم كان العقد صحيحا فكذلك إذا فسد وكلام أحمد في رواية المروذي محمول على الاستحباب فإن مسألة المروذي في المال الذي ليس يطيب وذلك لا يفسد العقد بتسميته فيه إتفاقا وما حكي عن مالك لا يصح فإن ما كان فاسدا قبل الدخول فهو بعده فاسد كنكاح ذوات المحارم فأما إذا فسد الصداق لجهالته أو عدمه أو العجز عن تسليمه فإن النكاح ثابت لا نعلم فيه خلافا وقول الخرقي وهما مسلمان احتراز من الكافرين إذا عقد النكاح بمحرم فإن هذه قد مر تفصيلها
المسألة الثانية : أنه يجب مهر المثل وهذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وذلك لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض وقد تعذر رده لصحة النكاح فيجب رد قيمته وهو مهر المثل كمن اشترى شيئا بثمن فاسد فقبض المبيع وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته فإن دخل بها استقر مهر المثل في قولهم جميعا وإن مات أحدهما فكذلك لأن الموت يقوم مقام الدخول في تكميل الصداق وتقريره وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى : لا يستقر بالموت إلا أن يكون قد فرضه لها و طلق قبل الدخول فلها نصف مهر المثل وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي لها المتعة لأنه لو لم يسم لها صداقا كان لها المتعة فكذلك إذا سمى لها تسمية فاسدة لأن هذه التسمية كعدمها وذكر القاضي في الجامع أنه لا فرق بين من لم يسم لها صداقا وبين من سمى لها محرما كالخمر أو مجهولا كالثوب وفي الجميع روايتان :
إحداهما : لها المتعة إذا طلقها قبل الدخول لأن ارتفاع العقد يوجب رفع ما أوجبه من العوض كالبيع لكن تركناه في نصف المسمى لتراضيهما عليه فكان ما تراضيا عليه أولى ففي مهر المثل يبقى على الأصل في أنه يرتفع وتجب المتعة
والثانية : أن لها نصف مهر المثل لأن ما أوجبه عقد النكاح يتنصف بالطلاق قبل الدخول ومهر المثل قد أوجبه فيتنصف به كالمسمى و الخرقي فرق بينهما فأوجب في التسمية الفاسدة نصف مهر المثل وفي المفوضة المتعة وهو مذهب الشافعي لأن المفوضة رضيت بلا عوض وعاد إليها بضعها سليما وإيجاب نصف المهر لها لا وجه له لأن الله تعالى أوجب لها المتعة ففي إيجاب نصف المهر جمع بينهما أو إسقاط للمتعة المنصوص عليها ولكاهما فاسد وأما التي اشترطت لنفسها مهرا فلم ترض إلا بعوض ولم يحصل لها العوض الذي اشترطته فوجب لها بدل ما فات عليها من العوض وهو مهر المثل أو نصفه إن كان قبل الدخول ولأن الأصل وجوب مهر المثل لأنه وجب بالعقد بدليل أنه يستقر بالدخول والموت وإنما خولف هذا في المفوضة بالنصف الوارد بالنص فيها ففيما عداها يبقى على الأصل
المسألة الثالثة : أنه إذا سمى لها تسمية فاسدة وجب مهر المثل بالغا ما بلغ وبه قال الشافعي وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه : يجب الأقل من المسمى أو مهر المثل لأن البضع لا يقوم إلا بالعقد فإذا رضيت بأقل من مهر مثلها لم يقوم بأكثر مما رضيت به لأنها رضيت بإسقاط الزيادة
ولنا : أن ما يضمن بالعقد الفاسد اعتبرت قيمته بالغا ما بلغ كالمبيع وما ذكروه فغير مسلم ثم لا يصح عندهم فإنه لو وطئها وجب مهر المثل ولو لم يكن له قيمة لم يجب فإن : إنما وجب لحق الله تعالى قيل لو كان كذلك لوجب أقل المهر ولم يجب مهر المثل

مسألة وفصلان : اشتراط الولي لنفسه شيئا من المهر
مسألة : قال : وإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها كان ذلك جائزا فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين ولم يكن على الأب شيء مما أخذ
وجملة الأمر أنه يجوز لأبي المرأة أن يشترط شيئا من صداق لنفسه وبهذا قال إسحاق وقد روي عن مسروق أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف فجعلها في الحج والمساكين ثم قال للزوج : جهز امرأتك وروي نحو ذلك عن علي بن الحسين وقال عطاء و طاوس و عكرمة و عمر بن عبد العزيز و الثوري و أبو عبيد يكون كل ذلك للمرأة وقال الشافعي : إذا فعل ذلك فلها المثل وتفسد التسمية لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد لأن المهر لا يجب إلا للزوجة لأنه عوض بضعها فيبقى مجهولا لأننا نحتاج أن نضم إلى المهر نقص منه لأجل هذا الشرط وذلك مجهول فيقسد
ولنا قول الله تعالى في قصة شعيب عليه السلام : { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } فجعل الصداق الإجارة على راعية غنمه وهو شرط لنفسه ولأن للوالد الأخذ من مال ولده بدليل قوله عليه السلام : [ أنت ومالك لأبيك ] وقوله : [ إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم ] أخرجه أبو داود ونحوه الترمذي وقال : حديث حسن فإذا شرط لنفسه شيئا من الصداق يكون ذلك أخذا من مال ابنته وله ذلك
قولهم : أنه شرط فاسد ممنوع قال القاضي : ولو شرط جميع الصداق لنفسه صح بدليل قصة شعيب فإنه شرط الجميع لنفسه وإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها فطلقت قبل الدخول رجع الزوج في الألف الذي قبضته ولم يكن على الأب شيء مما أخذ لأن الطلاق قبل الدخول يوجب نصف الصداق والألفان جميع صداقها فرجع عليها بنصفيهما وهو ألف ولم يكن على الأب شيء لأنه أخذ من مال ابنته ألفا فلا يجوز الرجوع عليه به وهذا فيما إذا كان قد قبضها الألفين ولو طلقها قبل قبضهما سقط عن الزوج ألف وبقي عليه ألف للزوجه يأخذ الأب منها ما شاء
وقال القاضي : يكون بينهما نصفين وقال نقله مهنا عن أحمد لأنه شرط لنفسه النصف ولم يحصل من الصداق إلا النصف وليس هذا القول على سبيل الإيجاب فإن للأب أن يأخذ ما شاء ويترك ما شاء وإذا ملك أن يأخذ من غير شرط فكذلك إذا شرط
فصل : فإن شرط ذلك غير الأب من الأولياء كالجد والأخ والعم فالشرط باطل نص عليه أحمد وجميع المسمى لها ذكره أبو حفص وهو قول من سمينا في أول المسألة وقال الشافعي : يجب مهر المثل وهكذا ذكر القاضي في المجرد لأن الشرط إذا بطل احتجنا أن نرد إلى الصداق ما نقصت الزوجة لأجله ولا يعرف قدره فيصير الكل مجهولا فيفسد وإن أصدقها ألفين على أن تعطي أخاها ألفا فالصداق صحيح لأنه شرط لا يزاد في المهر من أجله ولا ينقص منه فلا يؤثر في المهر بخلاف التي قبلها
ولنا أن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها فيكون صداقا لها كما لو جعله لها وإذا كان صداقا انتفت الجهالة وهكذا لو كان الأب هو المشترط لكان الجميع صداقا وإنما هو أخذ من مال ابنته لأن له ذلك ويشترط أن لا يكون ذلك مجحفا بمال ابنته فها ألفين على أن تعطي أخاها ألفا فالصداق صحيح لأنه شرط لا يزاد في المهر من أجله ولا ينقص منه فلا يؤثر في المهر بخلاف التي قبلها
ولنا أن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها فيكون صداقا لها كما لو جعله لها وإذا كان صداقا انتفت الجهالة وهكذا لو كان الأب هو المشترط لكان الجميع صداقا وإنما هو أخذ من مال ابنته لأن له ذلك ويشترط أن لا يكون ذلك مجحفا بمال ابنته فإن كان مجحفا بمالها لم يصح الشرط وكان الجميع لها كما لو اشترط سائر أوليائها ذكره القاضي في المجرد
فصل : فإن شرط لنفسه جميع الصداق ثم طلق قبل الدخول بعد تسليم الصداق إليه رجع في نصف ما أعطى الأب لأنه الذي فرضه لها فترجع في نصفه لقوله تعالى : { فنصف ما فرضتم } ويحتمل كأنها قبضته ثم أخذه منها وهكذا لو أصدقها ألفا لها وألفا لأبيها ثم ارتدت قبل الدخول فهل يرجع في الألف الذي قبضه الأب عليه أو عليها ؟ على وجهين

مسألة وفصل : ينصف المهر بالطلاق قبل الدخول وحكم المخالفة بعد الدخول
مسألة : قال : وإذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر ثم طلقها قبل الدخول فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد أو تدفع إليه نصفه زائدا إلا أن يكون يصلح صغيرا لما لا يصلح له كبيرا فيكون له عليها نصف قيمته يوم وقع عليه العقد إلا أن يشاء أخذ ما بذلته من نصفه
في هذه المسألة أحكام منها : أن المرأة تملك الصداق بالعقد وهذا قول عامة أهل العلم إلا أنه حكي عن مالك أنها لا تملك إلا نصفه وروي عن أحمد ما يدل على ذلك وقال ابن عبد البر هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار وأما الفقهاء اليوم فعلى أنها تملكه وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك ] دليل على أن الصداق كله للمرأة لا يبقى للرجل منه شيء ولأنه عقد تملك به العوض بالعقد فملك فيه العوض كاملا كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى أنها لو أرتدت سقط جميعه وإن كانت قد ملكت نصفه إذا ثبت هذا فإن نماءه وزيادته لها سواء قبضته أو لم تقبضه متصلا كان أو منفصلا وإن كان مالا زكاتيا حال عليه الحول فزكاته عليها نص عليه أحمد وإن نقص بعد قبضها له أو تلف فهو من ضمانها ولو زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كلها عليها وأما قبل القبض فهو من ضمان الزوج إن كان مكيلا أو موزونا وأما غيرهما فإن منعها منه ولم يمكنها من قبضه فهو من ضمانه لأنه بمنزلة الغاصب وإن لم يحل بينه وبينها فهل يكون من ضمانها أو من ضمانه ؟ على وجهين بناء على المبيع وقد ذكرنا حكمه في بابه الحكم الثاني أن الصداق ينتصف بالطلاق قبل الدخول لقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وليس في هذا إختلاف بحمد الله وقياس المذهب أن نصف الصداق يدخل في ملك الزوج حكماص كالميراث لا يفتقر إلى اختياره وإرادته فما يحدث من النماء يكون بينهما وهو قول زفر وذكر القاضي احتمالا آخر أنه لا يدخل في ملكه حتى يختار كالشفيع وهو قول ابي حنيفة ول الشافعي قولان كالوجهين
ولنا قوله تعالى : { فنصف ما فرضتم } أي لكم أو لهن فاقتضى ذلك أن النصف لها والنصف له بمجرد الطلاق ولأن الطلاق سبب يملك به بغير عوض فلم يقف الملك على إرادته واختياره كالإرث ولأنه سبب لنقل الملك فنقل الملك بمجرده كالبيع وسائر الأسباب ولا تلزم الشفعة فإن سبب الملك فيها الأخذ بها ومتى أخذ بها ثبت الملك من غير إرادته وأختياره وقبل الأخذ ما وجد السبب وإنما استحق بمباشرة سبب الملك ومباشرة الأسباب موقوفة على اختياره كما أن الطلاق مفوض إلى اختياره فالأخذ بالشفعة نظير الطلاق وثبوت الملك للآخذ بالشفعة نظير ثبوت الملك للمطلق فإن ثبوت الملك حكم لهما وثبوت أحكام الأسباب بعد مباشرتها لا يقف على اختيار أحد ولا إرادته فإن نقص الصداق في يد المرأة بعد الطلاق فإن كان قد طالبها فمنعته فعليها الضمان لأنها غاصبة وإن تلف قبل مطالبته فقياس المذهب أنه لا ضمان عليها لأنه حصل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه كالوديعة إن اختلفا في مطالبته لها فالقول قولها لأنها منكرة وإن ادعى أن التلف أو النقص كان قبل الطلاق وقالت بعده فالقول أيضا قولها لأنه يدعي ما يوجب الضمان عليها وهي تنكره والقول قول المنكر وظاهر قول أصحاب الشافعي أن علي المرأة الضمان لما تلف أو نقص في يدها بعد الطلاق لأنه حصل في يدها قطع العقد فأشبه المبيع إذا ارتفع العقد بالفسخ
ولنا : ما ذكرناه وأما المبيع فيحتمل أن يمنع وإن سلمنا فإن الفسخ إن كان منهما أو من المشتري فقد حصل منه التسبب إلى جعل ملك غيره في يده وفي مسألتنا ليس من المرأة فعل وإنما حصل ذلك بفعل الزوج وحده فأشبه ما لو ألقى ثوبه في دارها بغير أمرها
فصل : ولو خالع امرأته بعد الدخول ثم تزوجها في عدتها وطلقها قبل دخوله بها فلها في النكاح الثاني نصف الصداق أو المسمى فيه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لها جميعه لأن حكم الوطء موجود فيه بدليل أنها لو أتت بولد لزمه
ولنا قول الله سبحانه : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ولأنه طلاق من نكاح لم يمسها فيه فوجب أن ينتصف به المهر كما لو تزوجها بعد العدة وما ذكره غير صحيح فإن لحوق النسب لا يقف على الوطء عنده ولا يقوم مقامه فأما إن كان لم يدخل بها في النكاح الأول أيضا فعليه نصف الصداق الأول ونصف الصداق الثاني بغير خلاف
الحكم الثالث : أن الصداق إذا زاد بعد العقد لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة كعبد يكبر أو يتعلم صناعة أو يسمن أو متميزة كالولد والكسب والثمرة فإن كانت متميزة أخذت الزيادة ورجع بنصف الأصل وإن كانت غير متميزة فالخيرة إليها إن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم العقد لأن الزيادة لها لا يلزمها بدلها ولا يمكنها دفع الأصل بدونها فصرنا إلى نصف القيمة وإن شاءت دفعت إليه نصفا زائدا فيلزمه قبوله لأنها دفعت إليه حقه وزيادة لا تضر ولا تتميز فإن كان محجورا عليها لم يكن لها الرجوع إلا في نصف القيمة لأن الزيادة لها ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشيء ولا يجب عليها وإن نقص الصداق بعد العقد فهو من ضمانها ولا يخلو أيضا من أن يكون النقص متميزا أو غير متميز فإن كان متميزا كعبدين تلف أحدهما فإنه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة التالف أو مثل نصف التالف إن كان ذوات الأمثال وإن لم يكن متميزا كعبد كان أو شابا فصار شيخا فنقصت قيمته أو نسي ما كان يحسن من صناعة أو كتابة أو هزل فالخيار إلى الزوج إن شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لأنه دون حقه وإن شاء رجع بنصفه ناقصا فتجبر المرأة على ذلك لأنه رضي أن يأخذ حقه ناقصا وإن اختار أن يأخذ أرش النقص مع هذا لم يكن له هذا في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء وقال القاضي : القياس أن له ذلك كالمبيع بملكه ويطالب بالأرش وبما ذكرناه كله قاله أبو حنيفة و الشافعي وقال محمد بن الحسن : الزيادة غير المتميزة تابعة للعين فله الرجوع فيها لأنها تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة السوق
ولنا : أنها زيادة حدثت في ملكها فلم تنصف بالطلاق كالمتميزة وأما زيادة السوق فليست ملكه وفارق نماء المبيع لأن سبب الفسخ العيب وهو سابق على الزيادة وسبب تنصيف المهر الطلاق وهو حادث بعدها ولأن الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين ولهذا لو وجدها ناقصة كان له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها بخلاف المبيع المعيب والمفروض لم يكن سمينا فلم يكن له أخذه والمبيع تعلق حقه بعينه فتبعه ثمنه فأما إن نقص الصداق من وجه وزاد من وجه مثل أن يتعلم صنعة وينسى أخرى أو هزل وتعلم ثبت الخيار لكل واحد منهما وكان له الإمتناع من العين والرجوع إلى القيمة فإن اتفقا على نصف العين جاز وإن امتنعت المرأة من بذلك نصفها فلها ذلك لأجل الزيادة وإن امتنع هو من الرجوع في نصفها فله ذلك لأجل النقص وإذا امتنع احدهما رجع في نصف قيمتها

فصول : الرجوع على المطلقة قبل الدخول بنصف المهر في حال زيادته ونقصه وما تستحقه المطلقة قبل الدخول من نماء المهر
فصل : فإن كانت العين تالفة وهي من ذوات الأمثال رجع في نصف مثلها وإلا رجع في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض أو إلى حين التمكين منه على ما ذكرنا من الإختلاف لأن العين إن زادت فالزيادة لها تختص بها وإن نقصت قبل ذلك فالنقص من ضمانه وإن طلقها قبل قبض الصداق وقبل الدخول وقد زادت زيادة منفصلة فهي لها تنفرد بها وتأخذ نصف الأصل وإن كانت الزيادة متصلة فلها الخيار بين أن تأخذ النصف ويبقى له النصف وبين أن تأخذ الكل وتدفع إليه قيمة النصف غير زائد وإن كان ناقصا فلها الخيار بين أخذه ناقصا وبين مطالبته بنصف قيمته غير ناقص
فصل : إذا أصدقها نخلا حائلا فأطلعت ثم طلقها قبل الدخول فله نصف قيمتها وقت ما أصدقها وليس له الرجوع في نصفها لأنها زائدة زيادة متصلة فأشبهت الجارية إذا سمنت وسواء كان الطلع مؤبرا أو غير مؤبر لأنه متصل بالأصل ولا يجب فصله عنه في هذه الحال فأشبه السمن وتعلم الصناعة فإن بذلت له المرأة الرجوع فيها مع طلعها أجبر على ذلك لأنها زيادة متصلة ولا يجب فصلها وإن قال : اقطعي ثمرتك حتى أرجع في نصف الأصل لم يلزمها لأن عرف هذه الثمرة أنها لا تؤخذ إلا بالجذاذ بدليل البيع ولأن حق الزوج انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين إلا برضاها فإن قالت المرأة : اترك الرجوع حتى أجذ ثمرتي وترجع في نصف الأصل أو أرجع في الأصل وأمهلني حتى أقطع الثمرة أو قال الزوج : أنا أصبر حتى إذا جذذت ثمرتك رجعت في الأصل أو قال : أنا أرجع في الأصل وأصبر حتى تجذي ثمرتك لم يلزم واحدا منهما قبول قول الآخر لأن الحق انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين إلا برضاهما ويحتمل أن يلزمها قبول ما عرض عليها لأن الضرر عليه فأشبه ما لو بذلت له نصفها مع طلعها وكما لو وجد العين ناقصة فرضي بها وإن تراضيا على شيء من ذلك جاز والحكم في سائر الشجر كالحكم في النخل وإخراج النور في الشجر بمنزلة الطلع الذي لم يؤثر وإن كانت أرضا فحرثها فتلك زيادة محضة إن بذلتها له بزيادتها لزمه قبولها كالزيادات المتصلة كلها وإن لم تبذلها دفعت نصف قيمتها وإن زرعتها فحكمها حكم النخل إذا أطلع إلا في موضع واحد وهو أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله بخلاف الطلع مع النخل والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الثمرة لا ينقص بها الشجر والأرض تنقص بالزرع وتضعف
الثاني : أن الثمرة متولدة من النخل فهي تابعة له والزرع ملكها أودعته في الأرض فلا يجبر على قبوله وقال القاضي : يجبر على قبوله كالطلع سواء وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق ومسائل الغراس كمسائل الزرع فإن طلقها بعد الحصاد ولم تكن الأرض زادت ولا نقصت رجع في نصفها وإن نقصت بالزرع أو زادت به رجع في نصف قيمتها إلا أن يرضى بأخذها ناقصة أو ترضى هي ببذلها زائدة
فصل : وإذا أصدقها خشبا فشققته أبوابا فزادت قيمته لم يكن له الرجوع في نصفه لزيادته ولا يلزمه قبول نصفه لأنه نقص من وجه فإنه لم يبق مستعدا لما كان يصلح له من التسقيف وغيره وإن أصدقها ذهبا أو فضة فصاغته حليا فزادت قيمته فلها منعه من نصفه وإن بذلت له النصف لزمه القبول لأن الذهب لا ينقص بالصياغة ولا يخرج عن كونه مستعدا لما كان يصلح له قبل صياغته وإن أصدقها دنانير أو دراهم أو حليا فكسرته ثم صاغته على غير ما كان عليه لم يلزمه قبول نصفه لأن نقص في يدها ولا يلزمها بدل نصفه لزيادة الصناعة التي أحدثتها فيه وإن عادت الدنانير والدراهم إلى ما كانت عليه فله الرجوع في نصفها وليس له طلب قيمتها لأنها عادت إلى ما كانت عليه من غير نقص ولا زيادة فأشبه ما لو أصدقها عبدا فمرض ثم برئ وإن صاغت الحلي على ما كان عليه ففيه وجهان :
أحدهما : له الرجوع الدراهم إذا أعيدت
والثاني : ليس له الرجوع في نصفه لأنها جددت فيه صناعة فأشبه ما لو صاغته على صفة أخرى ولو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت فعادت إلى حالتها الأولى فهل يرجع في نصفها ؟ على وجهين =

12.

مجلد 12.  المغني - ابن قدامة   المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني  عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد

 = فصل : حكم الصداق حكم البيع مكيلا أو موزونا
فصل : وحكم الصداق البيع في أن ما كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه قبل قبضه وما عداه لا يحتاج إلى قبض ولها التصرف فيه قبل قبضه وقال القاضي وأصحابه : ما كان متعينا فلها التصرف فيه وما لم يكن متعينا كالقفيز من صبرة والرطل من زيت من دن لا تملك التصرف فيه حتى تقبضه كالمبيع وقد ذكرنا في المبيع رواية أخرى أنها لا تملك التصرف في شيء منه قبل قبضه وهذا مذهب الشافعي وهذا أصل ذكر في البيع وذكر القاضي في موضع آخر أن ما لم ينتقض العقد بهلاكه كالمهر وعوض الخلع يجوز التصرف فيه قبل قبضه لأنه بذل لا ينفسخ السبب الذي ملك به بهلاكه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالوصية والميراث وقد نص أحمد علىهبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضها وهو نوع تصرف فيه وقياس المذهب أن ما جاز لها التصرف فيه فهو من ضمانها إن تلف أو نقص وما لا تصرف لها فيه فهو من ضمان الزوج وإن منعها الزوج قبضه أو لم يمكنها منه فهو من ضمانه على كل حال لأن يده عادية فضمنه كالغاصب وقد نقل مهنا عن أحمد في رجل تزوج امرأة على هذا الغلام ففقئت عينه فقال : إن كانت قبضته فهو لها وإن لم تكن قبضته فهو على الزوج فظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من ضمان الزوج بكل حال وهو مذهب الشافعي وكل موضع قلنا هو من ضمان الزوج قبل القبض إذا تلف قبل قبضه لم يبطل الصداق بتلفه ويضمنه بمثله إن كان مثليا وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي : في القديم وقال في الجديد : يرجع إلى مهر المثل لأن تلف العوض يوجب الرجوع في المعرض فإذا تعذر رده رجع إلى قيمته كالمبيع ومهر المثل هو القيمة فوجب الرجوع إليه
ولنا : أن كل عين يجب تسليمها مع وجودها إذا تلفت مع بقاء سبب استحقاقها فالواجب بدلها كالمغصوب والقرض والعارية وفارق المبيع إذا تلف فإن البيع انفسخ وزال سبب الاستحقاق إذا ثبت هذا فإن التالف في يد الزوج لا يخلو من أربعة أحوال
أولا : أن يتلف بفعلها فيكون ذلك قبضا منها ويسقط عن الزوج ضمانه
الثاني : تلف بفعل الزوج فهو من ضمانه على كل حال ويضمنه لها بما ذكرناه
الثالث : أتلفه أجنبي فلها الخيار بين الرجوع على الأجنبي وبين الرجوع على الزوج ويرجع الزوج على المتلف
الرابع : تلف بفعل الله تعالى فهو على ما ذكرناه من التفصيل في صدر المسألة

فصلان : حكم ما لو طلقت قبل الدخول وقد تصرفت بالمهر
فصل : إذا طلق المرأة قبل الدخول وقد تصرفت في الصداق بعقد من العقود لم يخل من ثلاثة أقسام :
أحدها : ما يزيل الملك عن الرقبة كالبيع والهبة والعتق فهذا يمنع الرجوع وله نصف القيمة لزوال ملكها وانقطاع تصرفها فإن عادت العين إليها قبل طلاقها ثم طلقها وهي في يدها بحالها فله الرجوع في نصفها لأنه وجدها بعينها فأشبه ما لو لم يخرجها ولا يلزم الوالد إذا وهب لولده شيئا فخرج عن ملكه ثم عاد إليه حيث لا يملك الوجوع فيه لأننا نمنع ذلك وإن سلمناه فإن حق الوالد سقط بخروجه عن يد الولد بكل حال بدليل أنه لا يطالب ببذله والزوج لم يسقط حقه بالكلية بل يرجع بنصف قيمته عند عدمه فإذا وجد كان الرجوع في عينه أولى وفي معنى هذه التصرفات الرهن فإنه وإن لم يزل الملك عن الرقبة لكنه يراد للبيع المزيل للملك ولذلك لا يجوز رهن ما لا يجوز بيعه ففي الرجوع في العين إبطال لحق المرتهن من الوثيقة فلم يجز وكذلك الكتابة فإنها تراد للعتق المزيل للملك وهي عقد لازم فجرت مجرى الرهن فإن طلق الزوج قبل إقباض الهبة أو الرهن أو في مدة الخيار في البيع ففيه وجهان :
أحدهما : لا تجبر على رد نصفه إليه لأنه عقدته في ملكها فلم تملك إبطاله كاللازم ولأن ملكها قد زال فلم تملك الرجوع في ما ليس بمملوك لها
والثاني : تجبر على تسليم نصفه لأنها قادرة على ذلك ولا زيادة فيها ول الشافعي قولان كهذين الوجهين فإما إن طلقها بعد تقبيض الهبة والرهن ولزوم البيع فلم يأخذ قيمة النصف حتى فسخ البيع والرهن والهبة لم يكن له الرجوع في نصفها لأن حقه يثبت في القيمة
الثاني : تصرف غير لازم لا ينقل الملك كالوصية والشركة والمضاربة فهذا لا يبطل حق الرجوع في نصفه ويكون وجود هذا التصرف كعدمه لأنه تصرف لم ينقل الملك ولم يمنع المالك من التصرف فلا يمنع من له الرجوع على المالك من الرجوع كالإيداع فأما إن دبرته فظاهر المذهب أنه لا يمنع الرجوع لأنه وصية أو تعليق نصفه وكلاهما لا يمنع الرجوع ولأنه لا يمنع البيع فلم يمنع الرجوع كالوصية ولا يجبر الزوج على الرجوع في نصفه بل يخير بين ذلك وبين أخذ نصف قيمته لأن شركة من نصفه مدبر نقص ولا يؤمن أن يرفع إلى حاكم حنفي فيحكم بعتقه وإن كانت أمة فدبرتها خرج على الروايتين إن قلنا تباع في الدين فهي كالعبد وإن قلنا لا تباع لم يجبر الزوج على الرجوع في نصفها وإن كانت الأمة أو العبد لم يجبر الزوج على الرجوع في العبد لأنه نقص وإن اختار الرجوع وقلنا الكتابة تمنع البيع منعت الرجوع وإن قلنا لا تمنع البيع أحتمل أن لا تمنع الرجوع كالتدبير واحتمل أن تمنعه لأن الكتابة عقد لازم يراد لإزالة الملك فمنعت الرجوع كالرهن
الثالث : تصرف لازم لا يراد لإزالة الملك كالإجارة والتزويج فهذا نقص فيتخير بين أن يرجع في نصفه ناقصا لأنه رضي بحقه ناقصا وبين الرجوع في نصف قيمته فإن رجع في نصف المستأجر صبر حتى تنفسخ الإجارة فإن قيل فقد قلتم في الطلع الحادث في النخل إذا قال : أنا أصبر حتى تنتهي الثمرة لم يكن له ذلك قلنا الفرق بينهما أن في تلك المسألة تكون المنة له فلا يلزمها منته بخلاف مسألتنا ولأن ذلك يؤدي إلى التنازع في سقي الثمرة ووقت جذاذها وقطعها لخوف العطش أو غيره بخلاف مسألتنا
فصل : فإن أصدقها شقصا فهل للشفيع أخذه ؟ على وجهين فإن قلنا له أخذه فأخذه ثم طلق الزوج رجع في نصف قيمته لأنه قد زال ملكها عنه وإن طلقها قبل أخذه بالشفعة وطالب الشفيع ففيه وجهان :
أحدهما : يقدم الشفيع لأن حقه أسبق فإنه ثبت بالنكاح وحق الزوج ثبت بالطلاق ولأن الزوج يرجع إلى بدله وهو نصف القيمة وحق الشفيع إذا بطل بغير بدل
والثاني : يقدم الزوج لأن حقه آكد فإنه ثبت بنص القرآن والإجماع وحق الشفعة مجتهد فيه غير مجمع عليه فعلى هذا يكون للشفيع أخذ النصف الباقي بنصف ما كان يأخذ به الجميع
أحدهما : يقدم الشفيع لأن حقه أسبق فإنه ثبت بالنكاح وحق الزوج ثبت بالطلاق ولأن الزوج يرجع إلى بدله وهو نصف القيمة وحق الشفيع إذا بطل بغير بدل
والثاني : يقدم الزوج لأن حقه آكد فإنه ثبت بنص القرآن والإجماع وحق الشفعة مجتهد فيه غير مجمع عليه فعلى هذا يكون للشفيع أخذ النصف الباقي بنصف ما كان يأخذ به الجميع

مسألتان وفصول : الاختلاف في الصداق في المقدار وفي العين المجعولة والإنكار
مسألة : قال : وإذا اختلفا في الصداق بعد العقد في قدره ولا بينة على مبلغه فالقول قولها ما ادعت مهر مثلها
وجملة ذلك أن الزوجين إذا اختلفا في قدر المهر ولا بينة على مبلغه فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما فإن ادعت المرأة مهر مثلها أو أقل فالقول قولها وإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر فالقول قوله وبهذا قال أبو حنيفة وعن الحسن و النخعي و حماد بن أبي سليمان و أبي عبيد نحوه وعن أحمد رواية أخرى أن القول قول الزوج بكل حال وهذا قول الشعبي و ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و أبي ثور وبه قال أبو يوسف إلا أن يدعي مستنكرا وهو أن يدعي مهرا لا يتزوج بمثله في العادة لأنه منكر للزيادة ومدعي عليه فيدخل تحت قوله عليه السلام : [ ولكن اليمين على المدعى عليه ] وقال الشافعي : يتحالفان فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت ما قاله وإن حلفا وجب مهر المثل وبه قال الثوري : لأنهما اختلفا في العوض المستحق في العقد ولا بينة فيتحالفا قياسا على المتبايعين إذا اختلفا في الثمن وقال مالك : إن كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح وإن كان بعده فالقول قول الزوج وبناه على أصله في البيع فإنه يفرق في التحالف بين ما قبل القبض وبعده ولأنها إذا أسلمت نفسها بغر إشهاد فقد رضيت بأمانته
ولنا أن الظاهر قول من يدعي مهر المثل فكان القول قوله قياسا على المنكر في سائر الدعاوى وعلى المودع إذا ادعى التلف أو الرد ولأنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلا يشرع فيه كالعفو عن دم العمد ولأن القول بالتحالف يفضي إلى إيجاب أكثر مما يدعيه أو أقل مما يقولها به فإنها إذا كان مهر مثلها مائة فادعت ثمانين وقال بل هو خمسون لها عشرين يتفقان على أنها غير واجبة ولو ادعت مائتين وقال بل هو مائة وخمسون ومهر مثلها فأوجب مائة لأسقط خمسون يتفقان على وجوبها ولأن مهر المثل إن لم يوافق دعوى أحدهما لم يجز إيجابه لاتفاقهما على أنه غير ما أوجبه العقد وإن وافق قول أحدهما فلا حاجة في إيجابه إلى يمين من ينفيه لأنها لا تؤثر في إيجابه وفارق البيع فإنه ينفسخ بالتحالف ويرجع كل واحد منهما في ماله وما أدعاه مالك من أنها استأمنته لا يصح فإنها لم تجعله أمينها ولو كان أمينا لها لوجب أن تكون أمينة له حين لم يشهد عليها على أنها لا يلزم من الاختلاف عدم الإشهاد فقد تكون بينهما بينة فتموت أو تغيب أو تنسى الشهاد إذا ثبت هذا فكل من قلنا القول قوله فهو مع يمينه لأنه اختلاف في ما يجوز بذله فتشرع فيه اليمين كسائر الدعاوى في الأموال وحكي عن القاضي أن اليمين لا تشرع في الأحوال كلها لأنها دعوى في النكاح
فصل : فإن أدعى أقل من مهر المثل وادعت هي أكثر منه رد إلى مهر المثل ولم يذكر أصحابنا يمينا والأولى أن يتحالفا فإن ما يقوله كل واحد منهما محتمل للصحة فلا يعدل عنه إلا بيمين من صاحبه كالمنكر في سائر الدعاوى ولأنهما تساويا في عدم الظهور فيشرع التحالف كما لو اختلف المتبايعان وهذا قول أبي حنيفة والباقون على أصولهم
فصل : فإن قال : تزوجتك على هذا العبد فقالت : بل على هذه الأمة وكانت قيمة العبد مهر المثل أو أكثر وقيمة الأمة فوق ذلك حلف الزوج ووجبت لها قيمة العبد لأن قوله يوافق الظاهر ولا تجب عين العبد لئلا يدخل في ملكها ما ينكره وإن كان قيمة الأمة مهر المثل أو أقل وقيمة العبد أقل من ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها وهل تجب الأمة أو قيمتها ؟ فيه وجهان :
أحدهما : تجب عين الأمة لأننا قبلنا قولها في القدر فكذلك في العين وليس في ذلك إدخال ما ينكره في ملكها
والثاني : تجب لها قيمتها لأن قولها إنما وافق الظاهر في القدر لا في العين فأوجبنا لها ما وافقت الظاهر فيه وإن كان كل واحد منهما قدر مهر المثل أو كان العبد أقل من مهر المثل والأمة أكثر منه وجبت مهر المثل إذا تخالفا وظاهر قول القاضي أن اليمين لا يشرع في هذا كله
مسألة : قال : وإن أنكر أن يكون لها عليه صداق فالقول أيضا قولها قبل الدخول وبعده ما ادعت مهر مثلها إلا أن يأتي ببينة تبرئه منه
وجملة ذلك أن الزوج إذا أنكر صداق امرأته وادعت ذلك عليه فالقول قولها فيما يوافق مهر مثلها سواء ادعى أنه وفي أو أبرأته منه أو قال لا تستحق علي شيئا وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده وبه قال سعيد بن جبير و الشعبي و ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الثوري و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وحكي عن فقهاء المدينة السبعة أنهم قالوا إن كان بعد الدخول فالقول قول الزوج والدخول بالمرأة يقطع الصداق وبه قال مالك قال أصحابه إنما قال ذلك إذا كانت العادة تعجيل الصداق كما كان بالمدينة أو كان الخلاف فيما تعجل منه في العادة لأنها لا تسلم نفسها في العادة إلا بقبضه فكان الظاهر معه
ولنا [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اليمين على المدعى عليه ] ولأنه ادعى تسليم الحق الذي عليه فلم يقبل بغير بينة كما لو ادعى تسليم الثمن أو كما قبل الدخول
فصل : فإن دفع إليها ألفا ثم اختلفا فقال دفعتها إليك صداقا وقالت بل هبة فإن كان اختلافهما في نيته كأن قالت قصدت الهبة وقال قصدت دفع الصداق فالقول قول الزوج لا يمين لأنه أعلم بما نواه ولا تطع المرأة على نيته وإن اختلفا في لفظه فقالت قد قلت خذي هذا هبة أو هدية فأنكر ذلك فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعي عليه عقدا على ملكه وهو ينكره فأشبه ما لو ادعت عليه بيع ملكه لها لكن إن كان المدفوع من غير جنس الواجب عليه كأن أصدقها دراهم فدفع إليها عوضا ثم اختلفا وحلف أنه دفع إليها ذلك من صداقها فللمرأة رد العوض ومطالبته بصداقها
قال أحمد في رواية الفضل بن زياد في رجل تزوج امرأة على صداق ألف فبعث إليها بقيمته متاعا وثيابا ولم يخبرهم أنه من الصداق فلما دخل سألته الصداق فقال لها : قد بعثت إليك بهذا المتاع واحتسبته من الصداق فقالت المرأة : صداقي دراهم ترد الثياب والمتاع وترجع عليه بصداقها فهذه الرواية إذا لم تخبرهم أنه صداق فأما إذا ادعى أنها احتسبت به من الصداق وادعت هي أنه قال : هو هبة فينبغي أن يحلف كل واحد منهما ويتراجعان بما كل واحد منهما وحكي عن مالك أنه قال : إن كان مما جرت العادة بهديته كالثوب والخاتم فالقول قولها لأن الظاهر معها وإلا فالقول قوله
ولنا أنهما اختلفا في صفة انتقال ملكه إلى يدها فكان القول قول المالك كما لو قال أودعتك هذه العين قال بل وهبتها

فصل : اختلاف الورثة في المهر
فصل : إذا مات الزوجان واختلف ورثتهما قام ورثة كل إنسان مقامه إلا أن من يحلف منهم على الإثبات يحلف على البت ومن يحلف على النفي يحلف على نفي العلم لأنه يحلف على نفي فعل الغير وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إن مات أحد الزوجين فكذلك وإن مات الزوجان فادعى ورثة المرأة التسمية فأنكرها ورثة الزوج جملة لم يحكم عليهم بشيء قال أصحابه : إنما قال ذلك إذا تقادم العهد لأنه تعذر الرجوع إلى مهر المثل لأنه تعتبر فيه الصفات والأوقات وقال محمد بن الحسن يقضى بمهر المثل وقال زفرة بعشرة دراهم لأنه أقل الصداق
ولنا أن ما اختلف فيه المتعاقدان قام ورقتهما مقامهما كالمتبايعين وما ذكروه ليس بصحيح لأنه لا يسقط الحق لتقادم العهد ولا يتعذر الرجوع في ذلك كقيم سائر المتلفات

فصل : اختلاف الزوج مع ولي الصغيرة أو المجنونة في المهر
فصل : وإن اختلف الزوج وأبو الصغيرة والمجنونة قال الأب مقام الزوجة في اليمين لأنه يحلف على فعل نفسه ولأن قوله مقبول فيما اعترف به من الصداق فسمعت يمينه فيه كالزوجة فإذا لم يحلف حتى بلغت وعقلت فاليمين عليها دونه لأن الحق لها وإنما يحلف هو لتعذر اليمين من جهتها فإذا أمكن في حقها صارت اليمين عليها كالوصي إذا بلغ الأطفال قبل يمينه فيما يحلف فيه فأما البكر البالغة العاقلة فلا تسمع مخالفتها لأن الكبيرة قولها مقبول في الصداق والحق لها دونه وأما سائر الأولياء فليس لهم تزويج صغيرة إلا على رواية في بنت ستع وليس لهم أن يزوجوا بدون مهر المثل ولو زوجوها بدون مهر المثل ثبت مهر المثل من غير يمين فإن ادعى أن زوجها بأكثر من مهر مثلها فاليمين على الزوج لأن القول قوله في قدر مهر المثل

فصل : اختلاف الزوجة في تسمية المهر وعدم تسميته
فصل : إذا أنكر الزوج تسمية الصداق وادعى أنه تزوجها بغير صداق فإن كان بعد الدخول نظرنا فإن ادعت المرأة مهر المثل أو دونه وجب ذلك من غير يمين لأنها لو صدقته في ذلك لوجب مهر المثل فلا فائدة في الاختلاف وإن ادعت أقل من مهر المثل فهي مقرة بنقصها عما يجب لها بدعوى الزوج فيجب أن يقبل قولها بغير يمين وإن ادعت أكثر من مهر المثل لزمته اليمين على نفي ذلك ويجب لها مهر المثل وإن كان اختلافهما قبل الدخول انبنى على الروايتين فيما إذا اختلفا في قدر الصداق فإن قلنا القول قول الزوج فلها المتعة وإن قلنا القول قول من يدعي مهر المثل قبل قولها ما ادعت مهر مثلها هذا إذا طلقها وإن لم يطلقها فرض لها مهر المثل على الروايتين وكل من قلنا القول قوله فعليه اليمين

مسألة وفصول : ما تستحقه المفوضة إذا كلفت قبل الدخول وحكم المتعة لها
مسألة : قال : وإذا تزوجها بغير صداق لم يكن لها عليه إذا طلقها قبل الدخول إلا المتعة
وجملته أن النكاح يصح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم وقد دل على هذا قول الله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة }
و [ روي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات قال ابن مسعود : لها صداق نسائها ولا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث ؟ فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه مثل أن يقول زوجتك بغير مهر فيقبله كذلك ولو قال : زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح أيضا
وقال بعض الشافعية : لا يصح في هذه الصورة لأنها تكون كالموهوبة وليس بصحيح لأنه قد صح فيما إذا قال زوجتك بغير مهر فيصح ههنا لأن معناهما واحد وما صح في إحدى الصورتين المتساويتين صح في الأخرى وليست كالموهوبة لأن الشرط يفسد ويجب المهر إذا ثبت هذا فإن المزوجة بغير مهر تسمى مفوضة بكسر الواو وفتحها فمن كسر أضاف الفعل إليها على أنها فاعلة مثل مقومة ومن فتح إضافة إلى وليها ومعنى التفويض الإهمال كأنها أهملت أمر المهر حيث لم تسمه ومنه قول الشاعر :
( لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا )
يعني مهملين والتفويض على ضربين : تفويض بضع وتفويض مهر فأما تفويض البضع فهو الذي ذكره الخرقي وفسرناه وهو الذي ينصرف إليه إطلاق التفويض وأما تفويض المهر فهو أن يجعل الصداق إلى رأي أحدهما أو رأي أجنبي فيقول زوجتك على ما شئت أو على حكمك أو على حكمي أو حكمها أو حكم أجنبي ونحو فهذه لها مهر المثل في ظاهر كلام الخرقي لأنها لم تزوج نفسها إلى بصداق لكنه مجهول فسقط لجهله ووجب مهر المثل والتفويض الصحيح أن تأذن المرأة الجائزة الأمر لوليها في تزويجها بغير مهر أو بتفويض قدره أو يزوجها أبوها كذلك فأما إن زوجها غير أبيها ولم يذكر مهرا بغير إذنها في ذلك فإنه يجب مهر المثل
وقال الشافعي : لا يكون التفويض إلا في الصورة الأولى وقد سبق الكلام معه في إن للأب أن يزوج ابنته بدون صداق مثلها فكذلك يجوز تفويضه فإذا طلقت المفوضة البضع قبل الدخول فليس لها إلا المتعة نص عليه أحمد في رواية الجماعة هو قول ابن عمر وابن عباس والحسن و عطاء و جابر بن زيد و الشعبي و الزهري و النخعي و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أن الواجب لها نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فيوجب نصفه بالطلاق قبل الدخول كما لو سمى محرما
وقال مالك و الليث و ابن أبي ليلى : المتعة مستحبة غير واجبة لأن الله تعالى قال : { حقا على المحسنين } فخصهم بها فيدل أنها على سبيل الإحسان والتفضل والإحسان ليس بواجب ولأنها لو كانت واجبة لم تختص المحسنين دون غيرهم
ولنا قوله تعالى : { ومتعوهن } أمر والأمر يقتضي الوجوب وقال تعالى : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } وقال تعالى : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن } ولأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضا فلم يعر عن العوض كما لو سمى مهرا وأداء الواجب من الإحسان فلا تعارض بينهما
فصل : فإن فرض لها بعد العقد ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف ما فرض لها ولا متعة وهذا قول ابن عمر و عطاء و الشعبي و النخعي و الشافعي و أبي عبيد وعن أحمد أن لها المتعة ويسقط المهر وهو قول أبي حنيفة لأنه نكاح عري عن تسميته فوجبت به المتعة كما لو لم يفرض لها
ولنا قوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ولأنه مفروض يستقر بالدخول فتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد
فصل : ومن أوجب لها نصف المهر لم تجب لها متعة سواء كانت ممن سمي لها صداق أو لم يسم لها لكن فرض بعد العقد وبهذا قال أبو حنيفة فيمن سمي لها وهو قديم قولي الشافعي وروي عن أحمد لكل مطلقة متاع وروي ذلك عن علي بن أبي طالب والحسن و سعيد بن جبير و أبي قلابة و الزهري و قتادة و الضحاك و أبي ثور لظاهر قوله تعالى : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } ولقوله تعالى لنبيه عليه السلام : { قل لأزواجك } - إلى قوله - { فتعالين أمتعكن وأسرحكن } وعلى هذه الرواية لكل مطلقة متاع سواء كانت مفوضة أو مسمى لها مدخولا بها أو غيرها لما ذكرنا وظاهر المذهب أن المتعة لا تجب إلا للمفوضة التي لم يدخل بها إذا طلقت قال أبو بكر : كل من روى عن أبي عبد الله فيما أعلم روى عنه أنه لا يحكم بالمتعة إلا لمن لم يسم لها مهر إلا حنبلا فإنه روى عن أحمد أن لكل مطلقة متاعا قال أبو بكر : والعمل عليه عندي لولا تواتر الروايات عنه بخلافها
ولنا قوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } ثم قال : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فخص الأولى بالمتعة والثانية بنصف المفروض مع تقسيمه النساء قسمين وإثباته لكل قسم حكما فيدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه وهذا يخص ما ذكروه ويحتمل أن يحمل الأمر بالمتاع في غير المفوضة على الاستحباب لدلالة الآيتين اللتين ذكرناهما على نفي وجوبها جمعا بين دلالة الآيات والمعنى فإنه عوض واجب في عقد فإذا سمي فيه عوض صحيح لم يجب غيره كسائر عقود المعاوضة ولأنها لا تجب لها المتعة قبل الفرقة ولا ما يقوم مقامها فلم تجب لها عند الفرقة كالمتوفي عنها زوجها
فصل : ولو طلق المسمى لها بعد الدخول أو المفوضة لها بعد الدخول فلا متعة لواحدة منهما إلا على رواية حنبل وقد ذكرنا ذلك وذكرنا قول من ذهب إليه وظاهر المذهب أنه لا متعة لواحدة منهما وهو قول أبي حنيفة ول الشافعي قولان كالروايتين وقد ذكرنا ذلك إذا ثبت هذا فإنه يستحب أن يمنعها نص عليه أحمد فقال : أوجبها على من لم يسم صداقا فإن كان سمي صداقا فلا أوجبها عليه وأستحب أن يمنع وإن سمى لها صداقا وإنما استحب ذلك لعموم النص الوارد فيها ودلالتها على إيجابها وقول علي رضي الله عنه ومن سمينا من الأئمة بها فلما امتنع الوجوب لدلالة الآيتين المذكورتين على نفي الوجوب ودلالة المعنى المذكور عليه تعين حمل الأدلة الدالة عليها من الاستحباب أو على أنه أريد به الخصوص وأما المتوفى عنها فلا متعة لها بالإجماع لأن النص العام لم يتناولها وإنما يتناول المطلقات ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود
فصل : والمتعة تجب على كل زوج لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول وسواء في ذلك الحر والعبد والمسلم والذمي والحرة والأمة والمسلمة والذمية وحكي عن أبي حنيفة لا متعة للذمية وقال الأوزاعي إن كان الزوجان أو أحدهما رقيقا فلا متعة
ولنا عموم النص ولأنها قائمة مقام نصف المهر في حق من سمى فتجب لكل زوجة على كل زوج كنصف المسمى ولأن ما يجب من العوض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد كالمهر
فصل : فأما المفوضة لمهر وهي التي يتزوجها على ما شاء أحدهما أو التي زوجها غير أبيها بغير صداق بغير أذنها أو التي مهرها فاسد فإنه لها مهر المثل ويتنصف بالطلاق قبل الدخول ولا متعة لها هذا ظاهر كلام الخرقي وقد صرح به في التي مهرها فاسد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أن لها المتعة دون نصف المهر كالمفوضة وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خلا عقدها من تسمية صحيحة فأشبهت التي لم يسم لها شيء
ولنا أن هذه لها مهر واجب قبل الطلاق فوجب أن يتنصف كما لو سماه أو نقول لم ترض بغير صداق فلم تجب المتعة كالمسمى لها وتفارق التي رضيت بغير عوض فإنها رضيته بغير صداق وعاد بضعها سليما فعوضت المتعة بخلاف مسألتنا
فصل : وكل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة وما يسقط به المسمى من الفرق كاختلاف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا تجب به متعة لأنها أقيمت مقام نصف المسمى فسقطت في موضع يسقط كما تسقط الأبدال بما يسقط مبدلها
فصل : قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهرا ثم وهب لها غلاما ثم طلقها قبل الدخول قال لها المتعة وذلك لأن الهبة لا تنقضي بها المتعة كما لا ينقضي بها نصف المسمى ولأن المتعة إنما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله ولأنها واجبة فلا تنقضي بالهبة كالمسمى

مسألة : مقدار متعة الطلاق
مسألة : قال : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره فأعلاه خادم وأدناه كسوة يجوز لها أن تصلي فيها إلا أن يشاء هو أن يزيدها أو تشاء هي أن تنقصه
وجملة ذلك أن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره نص عليه أحمد وهو وجه لأصحاب الشافعي والوجه الآخر قالوا هو معتبر بحال الزوجة لأن المهر معتبر بها كذلك المتعة القائمة مقامه ومنهم من قال يجزئ في المتعة ما يقع عليه الاسم كما يجزئ في الصداق ذلك
ولنا قول الله تعالى : { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } وهذا نص في أنها معتبرة بحال الزوج وأنها تختلف ولو أجزأ ما يقع عليه الأسم سقط الاختلاف ولو اعتبر بحال المرأة لما كان على الموسع قدره وعلى المقتر قدره
إذا ثبت هذا فاختلفت الرواية عن أحمد فيها فروي عنه مثل قول الخرقي أعلاها خادم هذا إذا كان موسرا وإن كان فقيرا متعها كسوتها درعا وخمارا وثوبا تصلي فيه ونحو ذلك قال ابن عباس و الزهري و الحسن قال ابن عباس : أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة ونحو ما ذكرناه في أدناه قال الثوري و الأوزاعي و عطاء و مالك و أبو عبيد وأصحاب الرأي قالوا : درع وخمار وملحفة
والرواية الثانية : يرجع في تقديرها إلى الحاكم وهو أحد قولي الشافعي لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره وهو مما يحتاج إلى الاجتهاد فجب الرجوع فيه إلى الحاكم كسائر المجتهدات وذكر القاضي في المجرد رواية ثالثة أنها مقدرة بما يصادف نصف مهر المثل لأنها بدل عنه فيجب أن تتقدر به وهذه الرواية تضعف لوجهين :
أحدهما : أن نص الكتاب يقتضي تقديرها بحال الزوج وتقديرها بنصف مهر المثل يوجب اعتبارها بحال المرأة لأن مهرها معتبر بها لا بزوجها
الثاني : أنا لو قدرناها بنصف المهر لكانت نصف المهر إذ ليس المهر معينا في شيء ولا المتعة ووجه قول الخرقي قول ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك الكسوة رواه أبو حفص بإسناده وقدرها بكسوة تجوز لها الصلاة فيها لأن الكسوة الواجبة بمطلق الشرع تتقدر بذلك كالكسوة في الكفارة والسترة في الصلاة وورى كنيف السلمي أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر الكلبية فحممها بجارية سوداء بعني متعها قال إبراهيم النخعي : العرب تسمي المتعة التحميم وهذا فيما إذا تشاحا في قدرها فإن سمح لها بزيادة على الخادم أو رضيت بأقل من الكسوة جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما وهو مما يجوز بذله فجاز ما اتفقا عليه كالصداق وقد روي عن الحسن بن علي أنه متع امرأة بعشرة آلاف درهم فقالت * متاع قليل من حبيب مفارق *

مسألة وفصل : فرض المهر للمفوضة ويجب بالعقد
مسألة : قال : ولو طالبته قبل الدخول أن يفرض لها أجبر على ذلك فإن فرض لها مهر مثلها لم يكن لها غيره وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيته
وجملة ذلك أن المفوضة لها المطالبة بفرض المهر لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجبت لها المطالبة ببيان قدره وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا فإن اتفق الزوجان على فرضه جاز ما فرضاه قليلا كان أو كثيرا سواء كانا عالمين بمهر المثل أو غير عالمين به وقال الشافعي في قول له : لا يصح الفرض لغير مهر المثل إلا مع علمها بمهر المثل لأن ما فرضه بدل عن مهر المثل فيحتاج أن يكون المبدل معلوما
ولنا أنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذلك من ماله فوق ما يلزمه وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها فلا تمنع من ذلك وقولهم أنه بدل غير صحيح فإن البدل غير المبدل والمفروض إن كان ناقصا فهو بعضه وإن كان أكثر فهو الواجب وزيادة ولا يصح جعله بدلاص ولو كان بدلا لما جاز مع العلم لأنه يبدل ما فيه الربا بجنسه متفاضلا وقد [ روى عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أترضى أني أزوجك فلانة ؟ قال : نعم وقال للمرأة : أترضين أن أزوجك فلانا ؟ قالت : نعم فزوج أحدهما صاحبه ودخل عليها ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاة قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوجني فلانة ولم يفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا وأني قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف ] فأما إن تشاحا فيه ففرض لها مهر مثلها أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه فإن لم ترض به لم يستقر لها حتى ترضاه فإن طلقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة لأنه لا يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة الابتداء وإن فرض لها أقل من مهر المثل فلها المطالبة بتمامه ولا يثبت لها ما لم ترض به وإن تشاحا وارتفعا إلى الحاكم فليس له أن يفرض لها إلا مهر المثل لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها والعدل المثل ولأنه إنما يفرض بدل البضع فيقدر به كالسلعة إذا أتلفت فرجعا في تقويمها إلى أهل الخبرة ويعتبر معرفة مهر المثل ليتوصل إلى إمكان فرضه ومتى صح الفرض صار كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق ولا تجب المتعة معه وإذا فرضه الحاكم لزم ما فرضه سواء رضيته أو لم ترضه كما يلزم ما حكم به
فصل : وإن فرض لها أجنبي مهر مثلها فرضيته لم يصح فرضه وكان وجوده كعدمه لأنه ليس بزوج ولا حاكم فإن سلم إليها ما فرضه لها فرضيته احتمل أن لا يصح لما ذكرنا ويكون حكمها حكم من لم يفرض لها ويسترجع ما أعطاها لأن تصرفه ما صح ولا برئت به ذمة الزوج ويحتمل أن يصح لأنه يقوم مقام الزوج في قضاء المسمى فيقوم مقامه في قضاء ما يوجبه العقد غير المسمى فعلى هذا إذا طلقت قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج لأنه ملكه إياه حين قضى به دينا عليه فيعود إليه كما لو دفعه هو ولأصحاب الشافعي مثل هذين الوجهين وذكروا وجها ثالثا أنه يرجع نصفه إلى الأجنبي وذكره القاضي وجها لنا ثالثا وقد ذكرنا ما يدل على صحة ما قلناه ولو أن رجلا قضى المسمى عن الزوج صح ثم إن طلقها الزوج قبل الدخول رجع نصفه إليه وإن فسخت نكاح نفسها بفعل من جهتها رجع جميعه إليه وعلى الوجه الآخر يرجع إلى من قضاه والله أعلم
فصل : ويجب المهر للمفوضة بالعقد وإنما يسقط إلى المتعة بالطلاق وهذا مذهب أبي حنيفة واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال الصحيح أنه يجب بالعقد وقال بعضهم : لا يجب بالعقد قولا واحدا ولا يجيء على أصل الشافعي غير هذا لو وجب بالعقد لتنصف بالطلاق كالمسمى في العقد
ولنا أنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كما في العقد الفاسد ولأن النكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي إلى خلوه عنه وإلى أن النكاح انعقد صحيحا وملك الزوج الوطء ولا مهر فيه وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى نقل غير المسمى لها بالطلاق إلى المتعة كما نقل من سمي لها إلى النصف المسمى لها والله أعلم
فعلى هذا لو فوض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر كان لمعتقها أو بائعها لأن المهر وجب بالعقد في ملكه ولو فوضت المرأة نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد تغير مثلها أو دخل بها لوجب مهر مثلها حالة العقد لما ذكرنا ووافق أصحاب الشافعي على ذلك لأن الوجوب يستند إلى حالة العقد إلا في الأمة التي أعتقها أو باعها في أحد الوجهين

فصل : ويجوز الدخول بالمرأة قبل اعطائها شيئا
فصل : ويجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئا سواء كانت مفوضة أو مسمى لها وبهذا قال سعيد بن المسيب و الحسن و الثوري و الشافعي وروي عن ابن عباس وابن عمر و الزهري و قتادة و مالك لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا قال الزهري مضت السنة أن لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا قال ابن عباس : يخلع إحدى نعليه ويلقيها إليها
وقد [ روى أبو داود بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أن عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يعطيها شيئا فقال يا رسول الله ليس لي شيء فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : أعطها درعك فأعطاها درعه ثم دخل بها ] ورواه ابن عباس أيضا قال : [ لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطها شيئا قال : ما عندي قال : أين درعك الخطمية ؟ ] رواه أبو داود و النسائي
ولنا حديث عقبة بن عامر في الذي زوجه النبي صلى الله عليه و سلم ودخل عليها ولم يعطها شيئا و [ روت عائشة قالت : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا ] رواه ابن ماجة ولأنه عوض في عقد معاوضة فلم يقف جواز تسليم المعوض على قبض شيء منه كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة وأما الأخبار فمحمولة على الاستحباب فإنه يستحب أن يعطيها قبل الدخول شيئا موافقة للأخبار ولعادة الناس فيما بينهم ولنخرج المفوضة عن شبه الموهوبة وليكون ذلك أقطع للخصومة ويمكن حمل قول ابن عباس ومن وافقته على الاستحباب فلا يكون بين القولين فرق والله أعلم

مسألة وفصول : تبوت مهر المثل للمفوضة بموتها أو موت الزوج وتحديد مهر المثل
مسألة : قال : ولو مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه وكان لها مهر نسائها
أما الميراث فلا خلاف فيه فإن الله تعالى فرض لكل واحد من الزوجين فرضا وعقد الزوجية ههنا صحيح ثابت فورث به لدخوله في عموم النص وأما الصداق فإنه يكمل لها مهر نسائها في الصحيح من المذهب وإليه ذهب ابن مسعود و ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الثوري و إسحاق وروي عن علي وابن عباس وابن عمر و الزهري و ربيعة و مالك و الأوزاعي لامهر لها لأنها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس فلم يجب بها مهر كفرقة الطلاق وقال أبو حنيفة كقولنا في المسلمة وكقولهم في الذمية وعن أحمد رواية أخرى لا يكمل ويتنصف ول الشافعي قولان كالروايتين
ولنا ما روي أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قضى لامرأة لم يفرض لها زوجها صداقا ولم يدخل بها حتى مات ! فقال : لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في بروع ابنة واشق مثل ما قضيت قال الترمذي : هذا حديث صحيح وهو نص في محل النزاع ولأن الموت معنى يكمل به المسمى فكمل به مهر المثل لمفوضة كالدخول وقياس الموت على الطلاق غير صحيح فإن الموت يتم به النكاح فيكمل به الصداق والطلاق يقطعه ويزيله قبل إتمامه ولذلك وجبت العدة بالموت قبل الدخول ولم تجب بالطلاق وكمل المسمى بالموت ولم يكمل بالطلاق وأما الذمية فإنها مفارقة بالموت فكمل لها الصداق كالمسلمة أو كما سمى لها ولأن المسلمة والذمية لا يختلفان في الصداق في موضع فيجب أن لا يختلفا ههنا
فصل : قوله لها مهر نسائها يعني مثلها من أقاربها وقال مالك تعتبر بمن هي في مثل كمالها ومالها وشرفها ولا يختص بأقربائها لأن الأعواض إنما تختلف بذلك دون الأقارب
ولنا قوله في حديث ابن مسعود لها مهر نسائها ونساؤها أقاربها وما ذكره فنحن نشترطه معه أن تكون من نساء أقاربها لأنها أقرب اليهن وقوله لا يختلف ذلك بإختلاف الأقارب لا يصح فإن المرأة تطلب لحسبها كما جاء في الأثر وحسبها يختص به أقاربها فيزداد المهر لذلك ويقل وقد يكون الحي وأهل القرية لهم عادة في الصداق ورسم مقرر لا يشاركهم فيه غيرهم ولا يغيرونه بتغير الصفات فيكون الاعتبار بذلك دون سائر الصفات واختلفت الرواية عن أحمد في من يعتبر من أقاربها فقال في رواية حنبل لها مهر مثلها من نسائها من قبل أبيها فاعتبرها بنساء العصبات خاصة وهذا مذهب الشافعي وقال في رواية إسحاق بن هانئ : لها مهر نسائها مثل أمها أو أختها أو عمتها أو بنت عمها اختاره أبو بكر و هو مذهب أبي حنيفة و ابن أبي ليلى لأنهن من نسائها والأول أولى فإنه قد روي في قصة بروع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في بروع بنت واشق بمثل مهر نساء قومها ولأن شرف المرأة معتبر في مهرها وشرفها بنسبها وأمها وخالتها لا تساويانها في نسبها فلا تساويانها في شرفها وقد تكون أمها مولاة وهي شريفة وقد تكون أمها شريفة وهي غير شريفة وينبغي أن يعتبر الأقرب فالأقرب فأقرب نساء عصباتها إليها أخواتها ثم عماتها ثم بنات عمها الأقرب فالأقرب ويعتبر أن تكون في مثل حالها في دينها وعقلها وجمالها ويسارها وبكارتها وثيوبتها وصراحة نسبها وكل ما يختلف لأجله الصداق وأن تكون من أهل بلدها لأن عادة البلاد تختلف في المهر وإنما اعتبرت هذه الصفات كلها لأن مهر المثل إنما هو بدل متلف فاعتبرت الصفات المقصودة فيه فإن لم يكن في عصباتها من هو في مثل حالها فمن نساء أرحامها كأمها وجداتها وخالاتها وبناتهن فإن لم يكن فأهل بلدها فإن لم يكن فنساء أقرب البلدان إليها فإن لم يوجد إلا دونها زيد لها بقدر فضيلتها وإن لم يوجد الأخير منها نقصت بقدر نقصها
فصل : ولا يجب مهر المثل إلا حالا لأنه بدل متلف فأشبه قيم المتلفات ولا يكون إلا من نقد البلد لما ذكرناه ولا تلزم الدية لأنها لا تختلف بإختلاف صفات المتلف لأنها مقدرة بالشرع فكانت بحكم ما جعل من الحلول والتأجيل فلا يعتبر بها غيرها ولأنها عدل بها عن سائر الأبدال في من وجبت عليه وكذلك في تأجيلها تخفيفا عنه بخلاف غيرها فإن كانت عادة نسائها تأجيل المهر ففيه وجهان :
أحدهما : يفرض حالا لذلك والثاني : يفرض مؤجلا لأن مهر مثلها مؤجل وإن كان عادتهم أنهم إذا زوجوا من عشيرتهم خففوا وإن زوجوا غيرهم ثقلوا اعتبر ذلك وهذا مذهب الشافعي فإن قيل : فإذا كان مهر المثل بدل متلف يجب أن لا يختلف بإختلاف المتلف كسائر المتلفات قلنا النكاح يخالف سائر المتلفات فإن سائر المتلفات المقصود بها المالية خاصة فلم تختلف بإختلاف المتلفين والنكاح يقصد به أعيان الزوجين فاختلف بإختلافهم ولأن سائر المتلفات بإختلاف العوائد والمهر يختلف بالعادات فإن المرأة إذا كانت من قوم عادتهم تخفيف مهور نسائهم وجب مهر المرأة منهم خفيفا وإن كانت أفضل وأشرف من نساء من عادتهم تثقيل المهر وعلى هذا متى كانت عادتهم التخفيف لمعنى مثل الشرف أو اليسار ونحو ذلك اعتبر جريا على عادتهم والله أعلم
فصل : إذا زوج السيد عبده أمته فقال القاضي لا يجب مهر لأنه لو وجب لوجب لسيدها ولا يجب للسيد على عبده مال وقال أبو الخطاب يجب المسمى أو مهر المثل إن يكون مسمى كيلا يخلو النكاح عن مهر ثم يسقط لتعذر إثباته
وقال أبو عبد الله : إذا زوج عبده من أمته فأحب أن يكون بمهر وشهود قيل : فإن طلقها ؟ قال : يكون الصداق عليه إذا أعتق قيل : فإن زوجها منه بغير مهر ؟ قال : قد اختلفوا فيه فذهب جابر إلى أنه جائز

مسألتان وفصول : وجوب المهر بالخلوة وبالاستمتاع دون خلوة
مسألة : قال : وإذا خلا بها بعد العقد فقال : لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا أو في الزنا فإنهما يجلدان ولا يرجمان
وجملة ذلك أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة وإن لم يطأ روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر وبه قال علي بن السحين و عروة و عطاء و الزهري و الأوزاعي و إسحاق وأصحاب الرأي وهو قديم قولي الشافعي وقال شريح و الشعبي و طاوس و عطاء و ابن سيرين و الشافعي في الجديد لا يستقر إلا بالوطء وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وروي نحو ذلك عن أحمد روى عنه يعقوب بن بختان أنه قال إذا صدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة وذلك لقول الله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وهذا قد طلقها قبل أن يمسها وقال تعالى : { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } والإفضاء الجماع ولأنها مطلقة لم تمس أشبهت من لم يخل بها
ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم روى الإمام أحمد و الأثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة ورواه أيضا عن الأحنف عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب وعن زيد بن ثابت عليها العدة ولها الصداق كاملا وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعا وما رووه عن ابن عباس لا يصح قال أحمد يرويه ليث وليس بالقوي وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث و حنظلة أقوى من ليث وحديث ابن مسعود منقطع قاله ابن المنذر ولأن التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به البدل كما لو وطئها أو كما لو أجرت دارها أو باعتها وسلمتها
وأما قوله تعالى : { من قبل أن تمسوهن } فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرناه وأما قوله : { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } فقد حكي عن الفراء أنه قال : الإفضاء الخلوة دخل بها أو لم يدخل وهذا صحيح فإن الإفضاء مأخوذ من الفضاء وهو الخالي فكأنه قال وقد خلا بعضكم إلى بعض وقول الخرقي حكمهما حكم الدخول في جميع أمورهما يعني في حكم ما لو وطئها من تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة له عليها في عدتها وقال الثوري و أبو حنيفة لا رجعة له عليها إذا أقر أنه لم يصبها
ولنا قوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } ولأنها معتدة من نكاح صحيح لم ينفسخ نكاحها ولا كمل عدد طلاقها ولا طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة كما لو أصابها ولها عليه نفقة العدة والسكنى لأن ذلك لمن لزوجها عليها الرجعة ولا تثبت بها الإباحة للزوج المطلق ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه و سلم لامرأة رفاعة القرشي أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ إلا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ولا الاحصان لأنه يعتبر لإيجاب الحد والحدود تدرأ بالشبهات ولا الغسل لأن موجبات الغسل خمسة وليس هذا منها ولا يخرج به من العنة لأن العنة العجز عن الوطء فلا يزول إلا بحقيقة الوطء ولا تحصل به الفيئة لأنها الرجوع عما حلف عليه وإنما حلف على ترك الوطء ولأن حق المرأة لا يحصل إلا بنفس الوطء ولا تفسد به العبادات ولا تجب به الكفارة
وأما تحريم الريبة فعن أحمد أنه يحصل بالخلوة وقال القاضي و ابن عقيل لا تحرم وحمل القاضي كلام أحمد على أنه حصل مع الخلوة نظرا أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين في أن ذلك يحرم والصحيح أنه لا يحرم لقول الله تعالى : { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } والدخول كناية عن الوطء والنص صريح في إباحتها بدونه فلا يجوز خلافه
مسألة : قال : وسواء خلا بها وهما محرمان أو صائمان أو حائض أو سالمان من هذه الأشياء
اختلفت الرواية عن أحمد فيما إذا خلا بها وبهما أو بأحدهما مانع من الوطء كالإحرام والصيام والحيض والنفاس أو مانع حقيقي كالجب والعنة أو الرتق في المرأة فعنه أن الصداق يستقر بكل حال وبه قال عطاء و ابن أبي ليلى و الثوري لعموم ما ذكرناه من الإجماع وقال عمر : في العنين يؤجل سنة فإن هو غشيها وإلا أخذت الصداق كاملا وفرق بينهما وعليها العدة ولأن التسليم المستحق عليها قد وجد وإنما الحيض والإحرام والرتق من غير جهتها فلا يؤثر في المهر كما لا يؤثر في إسقاط النفقة وروي أنه لا يكمل به الصداق وهو وقل شريح و أبي ثور لأنه لا يتمكن من تسلمها فلم تستحق عليه مهرا بمنعها كما لو منعت تسليم نفسها إليه يحققه أن المنع من التسليم لا فرق بين كونه من أجنبي أو من العاقد كالإجارة وعن أحمد رواية ثالثة إن كانا صائمين صوم رمضان لم يكمل الصداق فإن كان غيره كمل قال أبو داود : وسمعت أحمد وسئل عن رجل دخل على أهله وهما صائمان في غير رمضان فأغلق الباب وأرخى الستر قال : وجب الصداق قل ل أحمد فشهر رمضان ؟ قال شهر رمضان خلاف لهذا قيل له فكان مسافرا في رمضان قال هذا مفطر يعني وجب الصداق وهذا يدل على أنه متى كان المانع متأكدا كالإحرام وصوم رمضان لم يكمل الصداق
وقال القاضي : إن كان المانع لا يمنع دواعي الوطء كالجب والعنة والرتق والمرض والحيض والنفاس وجب الصداق وإن كان يمنع دواعيه كالإحرام وصيام الفرض فعلى روايتين وقال أبو حنيفة : إن كان المانع من جهتها لم يستقر الصداق وإن كان من جهته صيام فرض أو إحرام لم يستقر الصداق وإن كان جبا أو عنة كمل الصداق لأن المانع من جهته وذلك لا يمنع وجود التسليم المستحق منها فكمل حقها كما يلزم الصغير نفقة امرأته إذا سلمت نفسها إليه
فصل : وإن خلا بها وهي صغيرة لا يمكن وطؤها أو كانت كبيرة فمنعته نفسها أو كان أعمى فلم يعلم بدخولها عليه لم يكمل صداقها نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج المرأة فأدخلت عليه فأرخى الستر وأغلق الباب فإن كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق وأومأ إلى أنها إذا نشزت عليه أو منعته نفسها لا يكمل صداقها وذكره ابن حامد وذلك لأنه لم يوجد التمكين من جهتها فأشبه ما لو لم يخل بها وكذلك إن خلا بها وهو طفل لا يتمكن من الوطء لم يكمل الصداق لأنه في معنى الصغير في عدم التمكن من الوطء
فصل : والخلوة في النكاح الفاسد لا يجب بها شيء من المهر لأن الصداق لم يجب بالعقد وإنما يوجبه الوطء ولذلك لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول فأشبه ذلك الخلوة بالأجنبية وقد روي عن أحمد ما يدل على أن الخلوة فيه كالخلوة في الصحيح لأن الابتداء بالخلوة فيه كالابتداء بذلك في النكاح الصحيح فيتقرر به المهر كالصحيح والأولى أولى
فصل : فإن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة كالقبلة ونحوها فالمنصوص عن أحمد أنه يكمل به الصداق فإنه قال إذا أخذها فمسها وقبض عليها من غير أن يخلو بها الصداق كاملا إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره وقال في رواية مهنا : إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة تغتسل أوجب عليه المهر ورواه عن إبراهيم : إذا اطلع منها على ما يحرم على غيرها فعليه المهر لأنه نوع استمتاع فهو كالقبلة
قال القاضي : يحتمل أن هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك وفيه روايتان فيكون في تكميل الصداق به وجهان أحدهما : يكمل به الصداق لما روى الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل ] ولأنه مسيس فيدخل في قوله تعالى : { من قبل أن تمسوهن } ولأنه استمتاع بامرأته فكمل به الصداق كالوطء
والوجه الآخر : لا يكمل به الصداق وهو قول أكثر الفقهاء لأن قوله تعالى : { تمسوهن } إنما أريد به في الظاهر الجماع ومقتضىقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } إن لا يكمل الصداق لغير من وطئها ولا تجب عليها العدة ترك عمومه فيمن خلا بها للإجماع الوارد عن الصحابة فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم

فصلان : ما يجب بإتلاف البكارة
فصل : إذا دفع زوجته فأذهب عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فليس عليه نصف صداقها وقال أبو يوسف و محمد عليه الصداق كاملا لأنه أذهب عذرتها في نكاح صحيح فكان عليه المهر كاملا كما لو وطئها
ولنا قول الله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وهذه مطلقة قبل المسيس فأشبه ما لو لم يدفعها ولأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد فلم يضمنه لغيره كما لو أتلف عذرة أمته ويتخرج أن يجب لها الصداق كاملا لأن أحمد قال : إن فعل ذلك أجنبي عليه الصداق ففيما إذا فعله الزوج أولى فإن ما يجب به الصداق إبتداء أحق بتقرير المهر ونص أحمد فيمن أخذ امرأته وقبض عليها وفيمن نظر إليها وهي عريانة عليه الصداق كاملا فهذا أولى
فصل : وإن دفع امرأة أجنبية فأذهب عذرتها أو فعل ذلك بأصبعه أو غيرها فقال أحمد لها صداق نسائها وقال : إن تزوج امرأة عذراء فدفعها هو وأخوه فاذهبا عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فعلى الزوج نصف الصداق وعلى الأخ نصف العقد وروي نحو ذلك عن علي وابنه الحسن وعبد الله بن معقل وعبد الملك بن مروان وقال الشافعي : ليس عليه إلا أرش بكارتها لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير عوضه فرجع في ديته إلى الحكومة كسائر ما لم يقدر ولأنه إذا لم يكمل به الصداق في حق الزوج ففي حق الأجنبي أولى
ولنا ما روى سعيد قال : حدثنا هشيم حدثنا مغيرة عن إبراهيم أن رجلا كانت عنده يتيمة فخافت امرأته أن يتزوجها فاستعانت بنسوة فضبطنها لها فأفسدت عذرتها وقالت لزوجها إنها فجرت فأخبر عليا رضي الله عنه بذلك فأرسل علي إلى امرأته والنسوة فلما أتينه لم يلبثن أن اعترفن بما صنعن فقال للحسن بن علي اقض فيها يا حسن فقال : الحد على من قذفها والعقر عليها وعلى الممسكات فقال علي : لو كلفت الإبل طحنا لطحنت وما يطحن يومئذ بعير
وقال : حدثنا هشيم قال حدثنا إسماعيل بن سالم حدثنا الشعبي أن جواري أربعا قالت إحداهن هي رجل وقالت الأخرى هي امرأة وقالت الثالثة هي أبو التي زعمت أنها رجل وقالت الرابعة هي أبو التي زعمت أنها امرأة فخطبت التي زعمت أنها أو الرجل إلى التي زعمت أنها أبو المرأة فزوجوها إياها فعمدت إليها فأفسدتها بأصبعها فرفع ذلك إلى عبد الملك بن مروان فجعل الصداق بينهن أرباعا وألغى حصة التي أمكنت من نفسها فبلغ عبد الله بن معقل فقال : لو وليت أنا لجعلت الصداق على التي أفسدت الجارية وحدها وهذه قصص تنتشر فلم تنكر فكانت إجماعا ولأن إتلاف العذرة مستحق بعقد النكاح فإذا أتلفه أجنبي وجب المهر كمنفعة البضع

مسائل وفصول : العفو عن نصف المهر أو المهر كله
مسألة : قال : والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح فإذا طلق قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الأمر في ماله برئ منه صاحبه
اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح فظاهر مذهب أحمد رحمه الله أنه الزوج روي ذلك عن علي وابن عباس وجبير بن مطعم رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب و شريح و سعيد بن جبير و نافع بن جبير مولى ابن عمر و مجاهد و إياس بن معاوية و جابر بن زيد و ابن سيرين و الشعبي و الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي و الشافعي في الجديد وعن أحمد أنه الولي إذا كان أبا الصغيرة وهو قول الشافعي القديم إذا كان أبا أو جدا وحكي عن ابن عباس و علقمة و الحسن و طاوس و الزهري و ربيعة و مالك أنه الولي لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح لكونها قد خرجت عن يد الزوج ولأن الله تعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهن فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه ليكون المعفو عنه في الموضعين واحدا ولأن الله تعالى بدأ بخطاب الأزواج على المواجهة بقوله : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } - ثم قال - { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وهذا خطاب غير حاضر ولنا ما روى الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ولي العقدة الزوج ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج فإنه يتمكن من قطعه وفسخه وإمساكه وليس إلى الولي منه شيء ولأن الله تعالى قال : { وأن تعفوا أقرب للتقوى } والعفو الذي هو أقرب إلى التقوى هو عفو الزوج عن حقه أما عفو الولي عن مال المرأة فليس هو أقرب إلى التقوى ولأن المهر مال للزوجة فلا يملك الولي هبته وإسقاطه كغيره من أموالها وحقوقها وكسائر الأولياء ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب كقوله تعالى : { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة } وقال تعالى : { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } فعلى هذا متى طلق الزوج قبل الدخول تنصف المهر بينهما فإن عفا الزوج لها عن النصف الذي له كمل لها الصداق جميعه وإن عفت المرأة عن النصف الذي لها منه وتركت له جميع الصداق جاز إذا كان العافي منهما رشيدا جائزا تصرفه في ماله وإن كان صغيرا أو سفيها لم يصح عفوه لأنه ليس له التصرف في ماله بهبة ولا إسقاط ولا يصح عفو الولي عن صداق الزوجة أبا كان أو غيره صغيرة كانت أو كبيرة نص عليه أحمد في رواية الجماعة وروى عنه ابن منصور إذا طلق امرأته وهي بكر قبل أن يدخل بها فعفا أبوها أو زوجها ما أرى عفو الأب إلا جائزا قال أبو حفص : ما أرى ما نقله ابن منصور إلا قولا ل أبي عبد الله قديما وظاهر قول أبي حفص أن المسألة رواية واحدة وإن أبا عبد الله رجع عن قوله بجواز عفو الأب وهو الصحيح لأن مذهبه أنه لا يجوز للأب إسقاط ديون الصغيرة ولا إعتاق عبيده ولا تصرفه له إلا بما فيه مصلحته ولا حظ لها في هذا الإسقاط فلا يصح وإن قلنا برواية ابن منصور لم يصح إلا بخمس شرائط :
أولها : أن يكون أبا لأنه الذي يلي مالها ولا يتهم عليها
الثاني : أن تكون صغيرة ليكون وليا على مالها فإن الكبيرة تلي مال نفسها
الثالث : أن تكون بكرا لتكون غير مبتذلة ولأنه لا يملك تزويج الثيب وإن كانت صغيرة فلا تكون ولايته عليها تامة
الرابع : أن تكون مطلقة لأنها قبل الطلاق معرضة لإتلاف البضع
الخامس : أن تكون قبل الدخول لأن ما بعده قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف ومذهب الشافعي على نحو من هذا إلا أنه يجعل الجد كالأب
فصل : ولو بانت امرأة الصغيرة أو السفيه أو المجنون على وجه يسقط صداقها عنهم مثل أن تفعل امرأته ما ينفسخ به نكاحها من رضاع من ينفسخ نكاحها برضاعة أو ردة أو بصفة لطلاق من السفيه أو رضاع من أجنبية لمن ينفسخ نكاحها برضاعة أو نحو ذلك لم يكن لوليهم العفو عن شيء من الصداق رواية واحدة وكذلك لا يجوز عند الشافعي قولا واحدا والفرق بينهم وبين الصغير أن وليها أكسبها المهر بتزويجها وههنا لم يكسبه شيئا إنما يرجع المهر إليه بالفرقة
فصل : وإذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته له بعد قبضه وهي جائزة الأمر في مالها جاز ذلك وصح ولا نعلم فيه خلافا لقول الله تعالى : { إلا أن يعفون } يعني الزوجات وقال تعالى : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } قال أحمد في رواية المروذي ليس شيء قال الله تعالى : { فكلوه هنيئا مريئا } سماه غير المهر تهبه المرأة للزوج وقال علقمة لامرأته هيئي لي من الهنيء المريء يعني من صداقها وهل لها الرجوع فما وهبت زوجها فيها ؟ عن أحمد روايتان وإختلاف بين أهل العلم ذكرناه فيما مضى
فصل : إذا طلقت قبل الدخول وتنصف المهر بينهما لم يخل من أن يكون دينا أو عينا فإن كان دينا لم يخل أما أن يكون دينا في ذمة الزوج لم يسلمه إليها أو في ذمتها بأن تكون قد قبضته وتصرفت فيه أو تلف في يدها وأيهما كان فإن للذي له الدين أن يعفو حقه منه بأن يقول : عفوت عن حفي من الصداق أو أسقطتك أو أبرأتك منه أو ملكتك إياه أو وهبتك أو أحللتك منه أو أنت منه في حل أو تركته لك وأي ذلك قال سقط به المهر وبرئ منه الآخر وإذا لم يقبله لأنه إسقاط حق فلم يفتقر إلى قبول كإسقاط القصاص والشفعة والعتق والطلاق ولذلك صح إبراء الميت مع عدم القبول منه ولو رد ذلك لم يرتد وبرئ منه لما ذكرناه وإن أحب العفو من الصداق في ذمته لم يصح العفو لأنه إن كان في ذمة الزوج فقد سقط عنه بالطلاق وإن كان في ذمة الزوجة فلا يثبت في ذمتها إلا النصف الذي يستحقه الزوج وأما النصف الذي لها فهو حقها تصرفت فيه فلم يثبت في ذمتها منه شيء ولأن الجميع كان ملكا لها تصرفت فيه وإنما يتجدد ملك الزوج للنصف بطلاقه فلا يثبت في ذمتها غير ذلك وأيهما أراد تكميل الصداق لصاحبه فإنه يجدد له هبة متبدأة وأما إن كان الصداق عينا في يد أحدهما فعفا الذي هو في يده للآخر فهو هبة له تصح بلفظ العفو والهبة التمليك ولا تصح بلفظ الإبراء والإسقاط ويفتقر إلى القبض فيما يشترط القبض فيه وإن عفا غير الذي هو في يده صح بهذه الألفاظ وافتقر إلى مضي زمن يتأنى القبض فيه إن كان الموهوب مما يفتقر إلى القبض
فصل : إذا أصدق امرأته عينا فوهبتها له ثم طلقها قبل الدخول بها فعن أحمد فيه روايتان :
إحداهما : يرجع عليها بنصف قيمتها وهو اختيار أبي بكر وأحد قولي الشافعي لأنها عادت إلى الزوج بعقد مستأنف فلا تمنع استحقاقها بالطلاق كما لو عادت إليه بالبيع أو وهبتها لأجنبي ثم وهبتها له
والرواية الثانية : لا يرجع عليها وهو قول مالك و المزني وأحد قولي الشافعي وهو قول أبي حنيفة إلا أن تزيد العين أو تنقص ثم تهبها له لأن الصداق عاد إليه ولو لم تهبه لم ترجع بشيء وعقد الهبة لا يقتضي ضمانا ولأن نصف الصداق تعجل له بالهبة فإن كان الصداق دينا فأبرأته منه فإن قلنا لا يرجع فههنا أولى وإن قلنا يرجع ثم يخرج ههنا وجهان :
أحدهما : لا يرجع لأن الإبراء إسقاط حق وليس بتمليك الأعيان ولهذا لا يفتقر إلى قبول ولو شهد شاهدان على رجل بدين فأبرأه مستحقه ثم رجع الشاهدان لم يغرما شيئا ولو كان قبضه منه ثم وهبه له ثم رجع الشاهدان غرما
والثاني : يرجع لأنه عاد إليه بغير الطلاق فهو كالعين والإبراء بمنزلة الهبة ولهذا يصح بلفظها وإن قبضت الدين منه ثم وهبته له ثم طلقها فهو كهبة تعين لأنه تعين بقبضه وقال أبو حنيفة : يرجع ههنا لأن الصداق قد استوفته كله ثم تصرفت فيه فوجب الرجوع عليها كما لو وهبته أجنبيا ويحتمل أن لا يرجع لأنه عاد إليه ما أصدقها فأشبه ما لو كان عينا فقبضتها ثم وهبتها أو وهبته العين أو أبرأته من الدين ثم فسخت النكاح بفعل من جهتها كإسلامها أو ردتها أو إرضاعها لمن ينفسخ نكاحها برضاعه ففي الرجوع بجميع الصداق عليها روايتان كما في الرجوع بالنصف سواء
فصل : وإن أصدقها عبدا فوهبته نصفه ثم طلقها قبل الدخول انبنى ذلك على الروايتين فإن قلنا إذا وهبته الكل لم يرجع بشيء رجع ههنا في ربعه وعلى الرواية الأخرى يرجع في النصف الباقي كله لأنه وجده بعينه وبهذا قال أبو يوسف و محمد و المزني وقال أبو حنيفة : لا يرجع بشيء لأن النصف حصل في يده فقد استعجل حقه وقال الشافعي في أحد أقواله كقولنا والثاني : له نصف النصف الباقي ونصف قيمة الموهوب والثالث يتخير بين هذا وبين الرجوع بقيمة النصف
ولنا أنه وجد نصف ما أصدقها بعينه فأشبه ما لم تهبه شيئا
فصل : فإن خالع امرأته بنصف صداقها قبل دخوله بها صح وصار الصداق كله له نصفه بالطلاق ونصفه بالخلع ويحتمل أن يصير له ثلاثة أرباعه لأنه إذا خالعها بنصفه مع علمه أن النصف يسقط عنه صار مخالفا بنصف الذي يبقى لها فيصير له النصف بالطلاق والربع بالخلع وإن خالعها بمثل نصف الصداق في ذمتها صح وسقط جميع الصداق ونصفه بالطلاق بالمقاصة بما في ذمتها من عوض الخلع ولو قالت له : اخلعني بما يسلم لي من صداقي ففعل صح وبرئ من جميع الصداق وكذلك إن قالت أخلعني على أن لا تبعة عليك في المهر صح وسقط جميعه عنه وإن خالعته بمثل جميع الصداق في ذمتها صح ويرجع عليها بنصفه لأنه يسقط نصفه بالمقاصة بالنصف الذي لها عليه ويسقط عنه النصف بالطلاق يبقى له عليها النصف وإن خالعته بصداقها كله فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر لا يجرع عليه بشيء لأنه لما خالعها به مع علمه بسقوط نصفه بالطلاق كان مخالعا لها بنصفه ويسقط عنه بالطلاق نصفه ولا يبقى لها شيء
فصل : وإذا أبرأت المفوضة من المهر صح قبل الدخول وبعده وسواء في ذلك مفوضة البضع ومفوضة المهر وكذلك من سمي لها مهر فاسد كالخمر والمجهول لأن المهر واجب في هذه المواضع وإنما جهل قدره والبراءة من المجهول صحيحة لأنها إسقاط فصحت في المجهول كالطلاق وقال الشافعي : لا تصح البراءة في شيء من هذا لأن المفوضة لم يجب لها مهر فلا يصح الإبراء مما لم يجب وغيرها مهرها مجهول والبراءة من المجهول لا تصح إلا أن تقول أبرأتك من درهم إلى ألف فيبرأ من مهرها إذا كان دون الألف وقد دللنا على وجوبه فيما مضى فيصح الإبراء منه كما لو قالت أبرأتك من درهم إلى ألف وإذا أبرأت المفوضة ثم طلقت قبل الدخول فإن قلنا لا يرجع إلى المسمى لها لم يرجع ههنا وإن قلنا يرجع ثم احتمل أن لا يرجع ههنا لأن المهر كله سقط بالطلاق ووجبت المتعة بالطلاق ابتداء ويحتمل أن يرجع لأنه عاد إليها مهرها بسبب غير الطلاق وبكم يرجع ؟ يحتمل أن يرجع بنصف مهر المثل لأنه وجب بالعقد فهو كنصف المفروض ويحتمل أن يرجع بنصف المتعة لأنها التي تجب بالطلاق فأشبهت المسمى
فصل : وإن أبرأته المفوضة من نصف صداقها ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها لأن المتعة قائمة مقام نصف الصداق وقد أبرأت منه فصار كما لو قبضته ويحتمل لها أن يجب لها نصف المتعة إذا قلنا أن الزوج لا يرجع عليها بشيء إذا أبرأت من جميع صداقها
فصل : ولو باع رجلا عبدا بمائة فأبرأه البائع من الثمن أو قبضه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري بالعبد عيبا فهل له رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ أرش العيب مع إمساكه ؟ على وجهين بناء على الروايتين في الصداق إذا وهبته المرأة لزوجها ثم طلقتها قبل الدخول وإن كانت بحالها فوهب المشتري العبد للبائع ثم أفلس المشتري والثمن في ذمته فللبائع أن يضرب بالثمن مع الغرماء وجها واحدا لأن الثمن ما عاد إلى البائع منه شيء ولذلك كان يجب أدؤه إليه قبل الفلس بخلاف التي قبلها ولو كان عبدا ثم أسقط عنه مال الكتابة برئ وعتق ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب على السيد أن يؤتيه إياه كذلك لو أسقط عنه القدر الذي يلزمه إيتاؤه إياه واستوفى الباقي لم يلزمه أن يؤتيه شيئا لان اسقاطه عنه يقوم مقام الإيتاء وخرجه بعض أصحابنا على وجهين بناء على الروايتين في الصداق ولا يصح لأن المرأة أسقطت الصداق الواجب لها قبل وجود سبب استحقاق الزوج عليها نصفه وههنا أسقط السيد عن المكاتب ما وجد إتيانه إياه فكان إسقاطه مقام إيتائه ولهذا لو قبضه السيد منه ثم آتاه إياه لم يرجع بشيء ولو قبضت المرأة صداقها ووهبته لزوجها ثم طلقها قبل الدخول لرجع عليها فافترقا

فصل : لمن يسلم الزوج المهر ؟
فصل : ولا يبرأ الزوج من الصداق إلا بتسليمه إلى من يتسلم مالها فإن كانت رشيدة لم يبرأ إلا بالتسليم إليها أو إلى وكيلها ولا يبرأ بالتسليم إلى أبيها ولا إلى غيره بكرا كانت أو ثيبا قال أحمد إذا أخذ مهر ابنته وأنكرت فذاك لها ترجع على زوجها بالمهر ويرجع الزوج على أبيها فقيل له أليس قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنت ومالك لأبيك ] قال : نعم ولكن هذا لم يأخذ منها إنما أخذ من زوجها وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة : له قبض صداق البكر دون الثيب لأن ذلك العادة ولأن البكر تستحي فقام أبوها مقامها كما قام مقامها في تزويجها
ولنا أنها رشيدة فلم يكن لغيرها قبض صداقها كالثيب أو عوض ملكته وهي رشيدة فلم يكن لغيرها قبضه بغير إذنها كثمن مبيعها وأجر دارها وإن كانت غير رشيدة سلمه إلى وليها في مالها من أبيها أو وصيه أو الحاكم لأنه من جملة أموالها فهو كثمن مبيعها وأجر دارها

مسألة وفصل : وليس عليه دفع نفقة زوجته إذا كان مثلها لا يوطأ أو لعارض
مسألة : قال : وليس عليه دفع نفقة زوجته إذا كان مثلها لا يوطأ أو منع منها بغير عذر فإن كان المنع من قبله لزمته النفقة
وجملة ذلك أن المرأة إذا كانت لا يوطأ مثلها لصغرها فطلب وليها تسليمها والإنفاق عليها لم يجب ذلك على الزوج لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز وهذه لا يمكنه الاستمتاع بها وإن كانت كبيرة فمنعته نفسها أو منعها أولياؤها فلا نفقة لها أيضا لأنها في معنى الناشز لكونها لم تسلم الواجب عليها فلا يجب تسليم ما في مقابلته من الإنفاق وكل موضع لزمته النفقة لزمه تسليم الصداق إذا طولب به فأما الموضع الذي لا تلزمه نفقتها فيه كالغصير والمانعة نفسها فقال أبو عبد الله بن حامد : يجب تسليم الصداق وهو قول الشافعي لأن المهر في مقابلة ملك البضع وقد ملكه بخلاف النفقة فإنها في مقابلة التمكين ورد قوم هذا وقالوا المهر قد ملكته في مقابلة ما ملكه من بضعها فليس لها المطالبة بالاستيفاء إلا عند إمكان الزوج استيفاء العوض
فصل : وإمكان الوطء في الصغيرة معتبر بحالها واحتمالها لذلك قاله القاضي : وذكر أنهن يختلفن فقد تكون صغيرة السن تصلح وكبيرة لا تصلح وحده أحمد بتسع سنين فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها : فإن أتى عليها تسع سنين دفعت إليه ليس أن يحبسوها بعد التسع وذهب في ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم بنى بعائشة وهي ابنة تسع قال القاضي : وهذا عندي ليس على طريق التحديد وإنما ذكره لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها فمتى كانت لا تصلح للوطء لم يجب على أهلها تسليمها إليه وإن ذكر أنه يحضنها ويربيها وله من يخدمها لأنه لا يملك الاستمتاع بها وليست له بمحل ولا يؤمن شرة نفسه إلى مواقعتها فيفضها أو يقتلها وإن طلب أهلها دفعها إليه فامتنع فله ذلك ولا تلزمه نفقتها لأنه لا يمكن من استيفاء حقه منها وإن كانت كبيرة إلا أنها مريضة مرضا مرجو الزوال لم يلزمها تسليم نفسها قبل برئها لأنه مانع مرجو الزوال فهو كالصغر ولأن العادة لم تجر بزف المريضة إلى زوجها والتسليم في العقد يجب على حسب العرف فإن سلمت نفسها فتسلمها الزوج فعليه نفقتها لأن المرض عارض يعرض ويتكرر فيشق إسقاط النفقة به فجرى مجرى الحيض ولهذا لو مرضت بعد تسليمها لم تسقط نفقتها وإن امتنع من تسليمها فله ذلك ولا تلزمه نفقتها لأنه لما لم يجب تسليمها إليه لم يجب عليها تسلمها كالصغيرة ولأن العادة لم تجر بتسليمها على هذه الصفة وقال القاضي : يلزمه تسلمها وإن امتنع فعليه نفقتها لما ذكرنا من أنه عارض لا يمكن التحرز منه ويتكرر فأشبه الحيض فأما إن كان المرض غير مرجو الزوال لزم تسليمها إلى الزوج إذا طلبها ولزمه تسلمها إذا عرضت عليها لأنها ليست لها حالة يرجى زوال ذلك فيها فلو لم تسلم نفسها لم يفد التزويج فائدة وله أن يستمتع بها فإن كانت نضوة الخلق وهو جسيم تخاف على نفسها الإفضاء من عظم خلقه فلها منعه من جماعها وله الاستمتاع بها في ما دون الفرج وعليه نفقتها ولا يثبت له خيار الفسخ لأن هذه يمكن الاستمتاع بها لغيره وإنما امتناع الاستمتاع لمعنى فيه وهو عظم خلقه بخلاف الرتقاء وإن طلب تسليمها إليه وهي حائض احتمل أن لا يجب ذلك لأنه خلاف العادة فأشبه المرض المرجو والزوال واحتمل وجوب التسليم لأنه يزول قريبا ولا يمنع من الاستمتاع بما دون الفرج فإذا طلب ذلك لم يجز منعه منه كما لم يجز لها منعه منه بعد تسلمها وإن عرضت عليه فأباها حتى تطهر فعلى قول القاضي يلزمه تسلمها ونفقتها إن امتنع منه ويتخرج على ما ذكرنا أن لا يلزمه ذلك كالمرض المرجو الزوال

فصلان : للمرأة أن تمنع نفسها حتى تتسلم الصداق الحال فإن اعسر فلها الفسخ
فصل : فإن منعت نفسها حتى تتسلم صداقها وكان حالا فلها ذلك قال ابن المنذر : وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها وإن قال الزوج لا أسلم إليها الصداق حتى أتسلمها أجبر الزوج على تسليم الصداق أولا ثم تجبر هي على تسليم نفسها ومذهب الشافعي في هذا على نحو مذهبه في البيع
ولنا أن إجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع والإمتناع من بذل الصداق فلا يمكن الرجوع في البضع بخلاف البيع الذي يجبر على تسليمه قبل تسليم ثمنه فإذا تقرر هذا فلها النفقة ما امتنعت لذلك وإن كان معسرا بالصداق لأن امتناعها بحق وإن كان الصداق مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بتأجيله رضا بتسليم نفسها قبل قبضه كالثمن المؤجل في البيع فإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأن التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه فلم يكن لها أن تمتنع منه وإن كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الآجل وإن كان الكل حالا فلها منع نفسها على ما ذكرنا فإن سلمت نفسها قبل قبضه ثم أرادت منع نفسها حتى تقبضه فقد توقف أحمد عن الجواب فيها وذهب أبو عبد الله بن بطة و ابو إسحاق بن شاقلا إلى أنها ليس لها ذلك وهو قول مالك و الشافعي و أبي يوسف و محمد لأن التسليم استقر به العوض فرضي المسلم فلم يكن لها أن تمتنع منه بعد ذلك كما لو سلم البائع المبيع وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن هلا ذلك وهو مذهب أبي حنيفة لأنه تسليم يوجبه عليها عقد النكاح فملكت أن تمتنع منه قبل قبض صداقها كالأول فأما إن وطئها مكرهة لم يسقط به حقها من الإمتناع لأنه حصل بغير رضاها كالبيع إذا أخذه المشتري من البائع كرها وإن أخذت الصداق فوجدته معيبا فلها منع نفسها حتى يبدله أو يعطيها أرشه لأن صداقها صحيح وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها خرج على الوجهين فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها ثم بدا لها أن تمتنع وكل موضع قلنا لها الامتناع من تسليم نفسها فلها السفر بغير إذن الزوج لأنه لم يثبت للزوج عليها حق الحبس فصارت كمن لا زوج لها ولو بقي منه درهم كان كبقاء جميعه لأن كل من ثبت له الحبس بجميع البدل ثبت له الحبس ببعضه كسائر الديون
فصل : وإن أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول فلها الفسخ لأنه تعذر الوصول إلى عوض العقد قبل تسليم العوض فكان لها الفسخ كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع وإن أعسر بعد الدخول فعلى وجهين مبنيين على منع نفسها فإن قلنا لها منع نفسها بعد الدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول وإن قلنا ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين لها آخر ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم لأنه مجتهد فيه

مسألة : المهر المعلن والمهر المتفق عليه سرا
مسألة : قال : وإذا تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية وإن كان السر قد انعقد به النكاح
ظاهر كلام الخرقي أن الرجل إذا تزوج المرأة في السر بمهر ثم عقد عليها في العلانية بمهر آخر أنه يؤخذ بالعلانية وهذا ظاهر قول أحمد في رواية الأثرم وهو قول الشعبي و ابن أبي ليلى و الثوري و أبي عبيد وقال القاضي : الواجب المهر انعقد به النكاح سرا أو علانية وحمل كلام أحمد و الخرقي على أن المرأة لم تقر بنكاح السر فيثبت مهر العلانية لأنه الذي به النكاح وهذا قول سعيد بن عبد العزيز و أبي حنيفة و الأوزاعي و الشافعي ونحوه عن شريح و الحسن و الزهري و الحكم بن عيينة و مالك و إسحاق لأن العلانية ليس بعقد ولا يتعلق به وجوب شيء ووجه قول الخرقي أنه إذا عقد في الظاهر عقدا بعد عقد السر فقد وجد منه بذل الزائد على مهر السر فيجب ذلك عليه كما لو زادها على صداقها ومقتضى ما ذكرنا من التعليل لكلام الخرقي أنه إن كان مهر السر أكثر من العلانية وجب مهر السر لأنه وجب عليه بعقده ولم تسقطه العلانية فبقي وجوبه
فأما إن اتفقا على أن المهر ألف وأنهما يعقد بألفين تجملا ففعلا ذلك فالمهر لأنها تسمية صحيحة في عقد صحيح فوجبت كما لو لم يتقدمهما اتفاق على خلافها وهذا أيضا قول القاضي ومذهب الشافعي ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون السر من جنس العلانية نحو أن يكون السر ألفا والعلانية ألفين أو يكونا من جنسين مثل أن يكون السر مائة درهم والعلانية مائة دينار وإذا قلنا إن الواجب مهر العلانية فيستحب للمرأة أن تفي للزوج بما وعدت به وشرطته على نفسها من أنها لا تأخذ إلا مهر السر قال أحمد في رواية ابن منصور : إذا تزوج امرأة في السر بمهر وأعلنوا مهرا ينبغي لهم أن يفوا ويؤخذ بالعلانية فاستحب الوفاء بالشرط لئلا يحصل منهم غرور ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ المؤمنون على شروطهم ] وعلى قول القاضي : إذا ادعى الزوج عقدا في السر انعقد به النكاح فيه مهر قليل قصد فيه فليس لها سواه وإن أنكرته فالقول قولها لأنها منكرة وإن أقرت به وقالت هما مهران في نكاحين وقال بل نكاح واحد أسررناه ثم أظهرناه فالقول قولها لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكما كالأول ولها المهر في العقد الثاني ونصف المهر في العقد الأول إن ادعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول وإن أصر على الإنكار سئلت المرأة فإن ادعت أنه دخل بها في النكاح الأول ثم طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها نكاحا ثانيا حلفت على ذلك واستحقت وإن أقرت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما أقرت به

فصول : جهالة المهر تفصيلا مع العلم به إجمالا
فصل : إذا تزوج أربع نسوة في عقد واحد بمهر واحد مثل أن يكون لهن ولي واحد كبنات الأعمام أو موليات لمولى واحد أو من ليس لهن ولي فزوجهن الحاكم أو كان لهن أولياء فوكلوا وكيلا واحدا فعقد نكاحهن مع رجل فقبله فالنكاح صحيح والمهر صحيح وبهذا قال أبو حنيفة وهو أشهر قولي الشافعي
والقول الثاني : أن المهر فاسد ويجب مهر المثل لأن ما يجب لكل واحدة منهن من المهر غير معلوم
ولنا أن الفرض في الجملة معلوم فلا يفسد لجهالته في التفصيل كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل بثمن واحد وكذلك الصبرة بثمن واحد وهو لا يعلم قدر قفزانها
إذا ثبت هذا فإن الصداق يقسم بينهن على قدر مهورهن في قول القاضي و ابن حامد وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه و الشافعي وقال أبو بكر : يقسم بينهن بالسوية لأنه إضافة إليهن إضافة واحدة فكان بينهن بالسوية كما لو وهبه لهن أو أقر به لهن وكما لو اشترى جماعة ثوبا بأثمان مختلفة ثم باعوه مرابحة أو مساومة كان الثمن بينهم بالسواء وإن اختلفت رؤوس أموالهم ولأن القول بتقسيطه يفضي إلى جهالة العوض لكل واحد منهن وذلك يفسده
ولنا أن الصفقة اشتملت على سببين مختلفي القيمة فوجب تقسيط العوض عليهما بالقيمة كما لو باع شقصا وسيفا أو كما ابتاع عبدين فوجد أحدهما حرا أو مغصوبا وقد نص أحمد فيمن ابتاع عبدين فإذا أحدهما حر أنه يرجع بقيمته من الثمن وكذلك نص فيمن تزوج على جاريتين فإذا إحداهما حرة أنه يرجع بقيمة الحرة ولو اشترى عبدين فوجد أحدهما معيبا فرده لرجع بقسطه من الثمن وما ذكره من المسألة غير مسلم له وإن سلم فالقيمة واحدة بخلاف مسألتنا
وأما الهبة والإقرار فليس فيهما قيمة يرجع إليها ونفسم الهبة عليهما بخلاف مسألتنا وإفضاؤه إلى جهالة التفصيل لا يمنع الصحة إذا كان معلوم الجملة ويتفرع عن هذه المسألة إذا خالع امرأتين بعوض واحد أو كاتب عبيدا بعوض واحد أنه يصح مع الخلاف فيه ويقسم العوض في الخلع على قدر المهرين وفي الكتابة على قدر قيمة العبيد وعلى قول أبي بكر يقسم بالسوية في المسألتين
فصل : وإذا تزوج امرأتين بصداق واحد وإحداهما ممن لا يصح العقد عليها لكونها محرمة عليه أو غير ذلك وقلنا بصحة النكاح في الأخرى فلها بحصتها من المسمى وبه قال الشافعي على قول و أبو يوسف وقال أبو حنيفة : المسمى كله للتي يصح نكاحها لأن العقد الفاسد لا يتعلق به حكم بحال فصار كأنه تزوجها والحائظ بالمسمى
ولنا أنه عقد على عينين إحداهما لا يجوز القعد عليها فلزمه في الأخرى بحصتها كما لو باع عبده وأم ولده وما ذكروه ليس بصحيح فإن المرأة في مقابلة نكاحها مهر بخلاف الحائط
فصل : فإن جمع بين نكاح وبيع فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري هذه بألف صح ويقسط الألف على صداقها وقيمة الدار وإن قال زوجتك ابنتي واشتريت منك عبدك هذا بألف فقال : بعتكه وقبلت النكاح صح ويقسط الألف على العبد ومهر المثل وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يصح البيع والمهر لإفضائه إلى الجهالة
ولنا أنهما عقدان يصح كل واحد منهما منفردا فصح جمعهما كما لو باعه ثوبين فإن قال : زوجتك ولك هذا الألف بألفين لم يصح المهر لأنه كمسألة مد عجوة منك عبدك هذا بألف فقال : بعتكه وقبلت النكاح صح ويقسط الألف على العبد ومهر المثل وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يصح البيع والمهر لإفضائه إلى الجهالة
ولنا أنهما عقدان يصح كل واحد منهما منفردا فصح جمعهما كما لو باعه ثوبين فإن قال : زوجتك ولك هذا الألف بألفين لم يصح المهر لأنه كمسألة مد عجوة

فصل : تعليق اختلاف مقدار المهر على اختلاف الأحوال
فصل : وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وعلى ألفين إن كان أبوها ميتا فالتسمية فاسدة ولها صداق نسائها نص عليه أحمد في رواية مهنا لأن حال الأب غير معلومة فيكون مجهولا وإن قال : تزوجتك على ألف إن لم أخرجك من دارك وعلى ألفين إن أخرجتك منها أو على ألف إن لم يكن لي امرأة وعلى ألفين إن كانت لي امرأة فنص أحمد على صحة التسمية في هاتين المسألتين وقال القاضي : و أبو بكر في الجميع روايتان إحداهما : لا يصح واختاره أبو بكر لأن سبيله سبيل الشرطين فلم يجز كالبيع
والرواية الثانية : يصح لأن ألفا معلوم وإنما جهل الثاني وهو معلوم على شرط فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق والصداق تجوز الزيادة فيه والأولى أولى والقول بأن هذا تعليق على شرط لا يصح لوجهين أحدهما : أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط فلو قال إن مات أبوك فقد زدتك في صداقك ألفا لم تصح ولم تلزم الزيادة عند موت الأب
والثاني : أن الشرط ههنا لم يتجدد في قوله إن كان لي زوجة أو إن كان أبوك ميتا ولا الذي جعل الألف فيه معلوم الوجود ليكون الألف الثاني زيادة عليه ويمكن الفرق بين المسألة التي نص أحمد على إبطال التسمية فيها وبين التي نص على الصحة فيها بأن الصفة التي جعل الزيادة فيها ليس للمرأة فيها غرض يصح بذل العوض فيه وهو كون أبيها ميتا بخلاف المسألتين اللتين صحت التسمية فيهما فإن خلو المرأة من ضرة تغيرها وتقاسمها وتضيق عليها من أكبر أغراضها وكذلك إقرارها في دارها بين أهلها وفي وطنها فلذلك خففت صداقها لتحصيل غرضها وثقلته عند فواته فعلى هذا يمتنع قياس أحد الصورتين على الأخرى ولا يكون في كل مسألة إلا رواية واحدة وهي الصحة في المسألتين الآخرتين والبطلان في المسألة الأولى وما جاء من المسائل ألحق بأشبههما به

فصل : جعل المهر طلاق زوجته الثالثة وحكمه
فصل : وإن تزوجها على طلاق امرأة له أخرى لم تصح التسمية ولها مهر مثلها وهذا اختيار أبي بكر وقول أكثر الفقهاء : لأن هذا ليس بمال وإنما قال الله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها ] صحيح وروى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى ] ولأن هذا لا يصلح ثمنا في بيع ولا أجرا في إجارة فلم يصح صداقا كالمنافع المحرمة فعلى هذا يكون حكمه حكم ما لو أصدقها خمرا ونحوه يكون لها مهر المثل أو نصفه إن طلقها قبل الدخول أو المتعة عند من يوجبها في التسمية الفاسدة
وعن أحمد رواية أخرى أن التسمية صحيحة لأنه شرط فعلا لها فيه نفع وفائدة لما يحصل لها من الراحة بطلاقها من مقاسمتها وضررها والغيرة منها فصح صداقا كعتق أبيها وخياطة قميصها ولهذا صح بذل العوض في طلاقها بالخلع فعلى هذا إن لم يطلق ضرتها فلها مثل صداق الضرة لأنه سمى لها صداقا لم يصل إليه فكان لها قيمته كما لو أصدقها عبدا فخرج حرا ويحتمل أن لها مهر مثلها لأن الطلاق لا قيمة له وإن جعل صداقها إن طلاق ضرتها إليها سنة فلم تطلقها فقال أحمد إذا تزوج امرأة وجعل طلاق الأولى مهر الأخرى إلى سنة أو إلى وقت فجاء الوقت ولم تقض شيئا رجع الأمر إليه فقد أسقط أحمد حقها لأنه جعله لها إلى وقت فإذا مضى الوقت ولم تقض فيه شيئا بطل تصرفها كالوكيل وهل يسقط حقها من المهر ؟ فيه وجهان ذكرهما أبو بكر أحدهما : يسقط لأنها تركت ما شرط لها بإحتيارها فسقط حقها كما لو تزوجها على عبد فأعتقه والثاني : لا يسقط لأنها أخرت استيفاء حقها فلا يسقط كما لو أجلت قبض دراهمها وهل ترجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الأخرى ؟ يحتمل وجهين

فصل : أحكام الزيادة في الصداق بعد العقد
فصل : الزيادة في الصداق بعد العقد تلحق به نص أحمد قال في الرجال يتزوج المرأة على مهر فلما رآها زادها في مهرها فهو جائز فإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق الأول والذي زادها وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي : لا تلحق الزيادة بالعقد فإن زادها فهي هبة تفتقر إلى شروط الهبة وإن طلقها بعد هبتها لم يرجع بشيء من الزيادة قال القاضي وعن أحمد مثل ذلك فإنه قال : إذا زوج رجل أمته عبده ثم أعتقهما جميعا فقالت الأمة زدني في مهري حتى أختارك فالزيادة للأمة ولو لحقت بالعقد كانت الزيادة للسيد وليس هذا دليلا على أن الزيادة لا تلحق بالعقد فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد أنها تلزم ويثبت فيها أحكام الصداق من التنصيف بالطلاق قبل الدخول وغيره وليس معناه أن الملك يثبت فيها قبل وجودها وأنها تكون للسيد واحتج الشافعي بأن الزوج ملك البضع بالمسمى في العقد فلم يحصل بالزيادة شيء من المعقود عليه فلا تكون عوضا في النكاح كما لو وهبها شيئا ولأنها زيادة في عوض العقد بعد لزومه فلم يلحق به كما في البيع
ولنا قول الله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } ولأن ما بعد العقد زمن لفرض المهر فكان حالة الزيادة كحالة العقد وبهذا فارق البيع والإجارة وقولهم إنه لم يملك به شيئا من المعقود عليه قلنا يبطل الصداق فإن الملك ما حصل به ولهذا صح خلوه عنه وهذا ألزم عندهم فإنهم قالوا : مهر المفوضة إنما وجب بفرضه لا بالعقد وقد ملك البضع بدونه ثم أنه يجوز أن يستند ثبوت هذه الزيادة إلى حالة العقد فيكون كأنه ثبت بهما جميعا كما قالوا في مهر المفوضة إذا فرضه وكما قلنا جميعا فيما إذا فرض لها أكثر من مهر مثلها إذا ثبت هذا معنى لحوق الزيادة بالعقد أنه يثبت لها حكم المسمى في العقد في أنها تتنصف بالطلاق ولا تفتقر إلى شروط الهبة وليس معناه أن الملك يثبت فيها من حين العقد ولأنها تثبت لمن كان الصداق له لأن الملك لا يجوز تقدمه على سببه ولا وجوده في حال عدمه وإنما يثبت الملك بعد سببه من حينئذ وقال القاضي : في الزيادة وجه آخر أنها تسقط بالطلاق ولا أعرف وجه ذلك فإن من جعلها صداقا جعلها تستقر بالدخول وتتنصف بالطلاق قبله وتسقط كلها إذا جاء الفسخ من قبل المرأة ومن جعلها هبة جعلها جميعا للمرأة لا تتنصف بطلاقها إلا أن تكون غير مقبوضة فإنها تسقط لكونها عدة غير لازمة فإن كان القاضي أراد ذلك فهذا وجه وإلا فلا

مسائل وفصول : نماء المهر أو نقصه إذا كلفت قبل الدخول
مسألة : قال : فإذا أصدقها غنما فتوالدت ثم طلقها قبل الدخول كانت الأولاد لها ورجع بنصف الأمهات إلا أن تكون الولادة نقصتها فيكون مخيرا بين أن يأخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها أو يأخذ نصفها ناقصة
قد ذكرنا أن المهر يدخل في ملك المرأة بمجرد العقد فإذا زاد فالزيادة لها وإن نقص فعليها وإذا كانت غنما فولدت فالأولاد زيادة منفصلة تنفرد بها دونه لأنه نماء ملكها ويرجع في نصف الأمهات إن لم تكن نقصت ولا زادت زيادة متصلة لأنه نصف ما فرض لها وقد قال الله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وإن كانت نقصت بالولادة أو بغيرها فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصا لأنه راض بدون حقه وبين أخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يرجع في نصف الأصل وإنما يرجع في نصف القيمة لأنه لا يجوز فسخ العقد في الأصل دون النماء لأنه موجب العقد فلم يجز رجوعه في الأصل بدونه
ولنا أن هذا نماء منفصل عن الصداق فلم يمنع رجوع الزوج كما لو انفصل قبل القبض وما ذكروه فغير صحيح لأن الطلاق ليس برفع للعقد ولا النماء من موجبات العقد إنما هو من موجبات الملك إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الولادة قبل تسليمه إليها أو بعده إلا أن يكون قد منعها قبضه فيكون النقص من ضمانه والزيادة لها فتنفرد بالأولاد وإن نقصت الأمهات خيرت بين أخذ نصفها ناقصة وبين أخذ نصف قيمتها أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها وإن أراد الزوج أخذ نصف قيمة الأمهات من المرأة لم يكن له ذلك وقال أبو حنيفة : إذا ولدت في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول رجع في نصف الأولاد أيضا لأن الولد دخل في التسليم المستحق بالعقد لأن حق التسليم تعلق بالأم فسرى إلى الولد كحق الاستيلاد وما دخل في التسليم المستحق يتنصف بالطلاق كالذي دخل في العقد
ولنا قول الله تعالى : { فنصف ما فرضتم } وما فرض ههنا إلا الأمهات فلا يتنصف فلا يتنصف سواها ولأن الولد حدث في ملكها فأشبه ما حدث في يدها ولا يشبه حق التسليم حق الاستيلاد فإن حق الاستيلاد يسري وحق التسليم لا سراية له فإن تلف في يد الزوج وكانت المرأة قد طالبت به فمنعها ضمنه كالغاصب وإلا لم يضمنه لأنه تبع لأمه
فصل : والحكم في الصداق إذا كان جارية كالحكم في الغنم فإذا ولدت كان الولد لها كولد الغنم إلا أنه ليس له الرجوع في نصف الأصل لأنه يفضي إلى التفريق بين الأم وولدها في بعض الزمان وكما لا يجوز التفريق بينها وبين ولدها في جميع الزمان لا يجوز في بعضه فيرجع أيضا في نصف قيمتها وقت ما أصدقها لا غير
فصل : وإن كان الصداق بهيمة حاملا فحملت فالحمل فيها زيادة متصلة إن بذلتها له بزيادتها لزمه قبولها وليس ذلك معدودا نقصا ولذلك لا يرد به المبيع وإن كان أمة فحملت فقد زادت من وجه لأجل ولدها ونقصت من وجه لأن الحمل في النساء نقص لخوف التلف عليها حين الولادة ولهذا يرد بها المبيع فحينئذ لا يلزمها بذلها لأجل الزيادة ولا يلزمه قبولها لأجل النقص وله نصف قيمتها وإن اتفقا على تنصيفها جاز وإن أصدقها حاملا فولدت فقد أصدقها عينين الجارية وولدها وزاد الولد في ملكها فإن طلقها فرضيت ببذل النصف من الأم والولد جميعا أجبر على قبولهما لأنها زيادة غير متميزة وإن لم تبذله لم يجز له الرجوع في نصف الولد لزيادته ولا في نصف الأم لما فيه من التفرقة بينها وبين ولدها ويرجع بنصف قيمة الأم وفي نصف الولد وجهان :
أحدهما : لا يستحق نصف قيمته لأنه حالة العقد لا قيمة له وحالة الأنفصال قد زاد في ملكها فلا يقوم الزوج بزيادته ويفارق ولد المغرور فإن وقت الانفصال وقت الحيلولة فلهذا قوم فيها بخلاف مسألتنا
والثاني : له نصف قيمته لأنه أصدقها عينين فلا يرجع في إحداهما دون الأخرى ويقوم حالة الأنفصال لأنها أول حالة تقويمه وفي المسألة وجد آخر وهو أن الحمل لا حكم له فيكون كأنه حادث
فصل : إذا كان الصداق مكيلا أو موزونا فنقص في يد الزوج قبل تسليمه إليها أو كان غير المكيل والموزون فمنعها أن تتسلمه فالنقص عليه لأنه من ضمانه وتتخير المرأة بين أخذ نصفه ناقصا مع أرش النقص وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها لأنه إن زاد فلها وإن نقص فعليه بمنزلة الغاصب ولا يضمن زيادة القيمة لتغير الأسعار لأنها ليست من ضمان الغاصب فههنا أولى
مسألة : قال : وإذا أصدقها أرضا فبنتها دارا أو ثوبا فصبغته ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها إلا أن يشاء أن يعطيها نصف قيمة البناء أو الصبغ فيكون له النصف أو تشاء هي أن تعطيه زائدا فلا يكون له غيره
إنما كان له نصف القيمة لأنه قد صار في الأرض والثوب زيادة للمرأة وهي البناء والصبغ فإن دفعت إليه نصف الجميع زائدا فعليه قبوله لأنه حقه وزيادة وإن بذل لها نصف قيمة البناء والصبغ ويكون لها النصف فقال الخرقي له ذلك قال القاضي : هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لأنها تجبر على قبوله لأن بيع البناء معاوضة فلا تجبر المرأة عليها والصحيح أنها تجبر لأن الأرض حصلت له وفيها بناء لغيره فإذا بذل القيمة لزم الآخر قبوله كالشفيع إذا اخذ الأرض بعد بناء المشتري فيها فبذل الشفيع قيمته لزم المشتري قبولها وكذلك إذا رجع المعير في أرضه وفيها بناء أو غرس للمستعير فبذل المعير قيمة ذلك لزم المستعير قبولها
فصل : إذا أصدقها نخلا حائلا فاثمرت في يده فالثمرة لها لأنها نماء ملكها فإن جذها بعد تناهيها وجعلها في ظروف وألقى عليها صفرا من صفرها وهو سيلان الرطب بغير طبخ وهذا يفعله أهل الحجاز حفظا لرطوبتها لم يخل من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن لا تنقص قيمة الثمرة والصفر بل كانا بحالهما أو زادا فإنه يردهما عليها ولا شيء عليه
الثاني : أن تنقص قيمتهما وذلك على ضربين أحدهما : أن يكون نقصهما متناهيا فإنه يدفعهما إليها وأرش نقصهما لأنه تعدى بما فعله من ذلك الضرب الثاني : أن لا يتناهى بل يتزايد ففيه وجهان أحدهما : أنها تأخذ قيمتها لأنها كالمستهلكة الثاني : هي مخيرة بين ذلك وبين تركها حتى يستقر نقصها وتأخذها وأرشها كالمغصوب منه
الحال الثالث : أن لا تنقص قيمتها لكن إن أخرجها من ظروفها نقصت قيمتها فللزوج إخراجها وأخذ ظروفها إن كانت الظروف ملكه وإذا نقصت فالحكم على ما ذكرناه وإن قال الزوج : أنا أعطيكها مع ظروفها فقال القاضي : يلزمها قبولها لأن ظروفها كالمتصلة بها التابعة لها ويحتمل أن لا يلزمها قبولها لأن الظروف عين ماله فلا يلزمها قبولها كالمنفصلة عنها
فصل : فإن كانت بحالها إلا إن الصفر المتروك على الثمرة ملك الزوج فإنه ينزع الصفر ويرد الثمرة والحكم فيها إن نقصت أو لم تنقص كالتي قبلها فإن قال أنا أسلمها مع الصفر والظروف فعلى الوجهين اللذين ذكرناهما وفي الموضع الذي حكمنا أن له رده إذا قالت أنا أراد الثمرة وآخد الأصل فلها ذلك في أحد الوجهين والآخر لس لها ذلك مبنيان على تفريق الصفقة في البيع وقد ذكرناها في موضعها
فصل : إذا كان الصداق فوطئها الزوج عالما بزوال ملكه وتحريم الوطء عليه فعليه الحد لأنه وطء في غير ملكه وعليه المهر ليسدتها أكرهها أو طاوعته لأن المهر لمولاتها فلا يسقط ببذلها ومطاوعتها كما لو بذلت يدها للقطع والولد رقيق للمرأة وإن اعتقد أن ملكه لم يزل عن جميعها أو غير عالم بتحريمها عليه فلا حد عليه للشبهة وعليه المهر والولد حر لاحق نسبه به وعليه قيمته يوم ولادته ولا تصير أم ولد له وإن ملكها بعد ذلك لأنه لا ملك له فيها وتخير المرأة بين أخذها في حال حملها وبين أخذ قيمتها لأنه نقصها بإحبالها وهل لها الأرش مع ذلك ؟ يحتمل أن لها الأرش لأنها نقصت بعدوانه أشبه ما لو نقصها الغاصب بذلك وقال بعض أصحاب الشافعي في الأرش ههنا قولان وقال بعضهم ينبغي أن يكون لها المطالبة بالأرش قولا واحدا لأن النقص حصل بفعله الذي تعدى به فهو كالغاصب وكما لو طالبته فمنع تسليمها وهذا أصح
فصل : إذا أصدق ذمي ذمية خمرا فتخللت في يدها ثم طلقها قبل الدخول احتمل أن لا يرجع عليها بشيء لأنها قد زادت في يدها بالتخلل والزيادة لها وإن أراد الرجوع بنصف قيمتها قبل التخلل فلا قيمة لها وإنما يرجع إذا زادت في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض وحينئذ لا قيمة لها وإن تخللت في يد الزوج ثم طلقها فلها نصفها لأن الزيادة لها ويحتمل أن يكون الخل له وعليه نصف مهر مثلها إذا ترافعا إلينا قبل القبض أو أسلما أو أحدهما

فصل : ضمان أبي المرأة نفقتها عشر سنين
فصل : إذا تزوج امرأة فضمن أبوه نفقتها عشر سنين صح ذكره أبو بكر لأن أكثر ما فيه أنه ضمان مجهول أو ضمان ما لم يجب وكلاهما صحيح ولا فرق بين كون الزوج موسرا أو معسرا واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال كقولنا ومنهم من قال : لا يصح إلا ضمان نفقة المعسر لأن غير المعسر يتغير حاله فيكون عليه نفقة الموسر أو المتوسط فيكون ضمان مجهول والمعسر معلوم ما عليه ومنهم من قال لا يصح أصلا لأنه ضمان ما لم يجب
ولنا : أن الحبل لا يمنع صحة الضمان بدليل صحة ضمان نفقة المعسر مع احتمال أن يموت أحدهما فتسقط النفقة ومع ذلك صح الضمان فكذلك هذا

فصول : يجب المهر للمنكوحة نكاحا فاسدا أو صحيحا أو بشبهة
فصل : ويجب المهر للمنكوحة نكاحا صحيحا والموطوءة في نكاح فاسد والموطوءة بشبهة بغير خلاف نعلمه ويجب للمكرهة على الزنا وعن أحمد رواية أخرى أن لا مهر لها إن كانت ثيبا واختاره أبو بكر ولا يجب مع ذلك أرش البكارة وذكر القاضي أن أحمد قد قال في رواية أبي طالب في حق الأجنبية إذا أكرهها على الزنا وهي بكر فعليه المهر وأرش البكارة وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة لا مهر للمكرهة على الزنا
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فلها المهر بما استحل من فرجها ] وهذا حجة على أبي حنيفة فإن المكره مستحل لفرجها فإن استحلال الفعل في غير موضع الحل كقوله عليه السلام : [ ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ] وهو حجة على من أوجب الأرش لكونه أوجب المهر وحده من غير أرش ولأنه استوفى ما يجب بدله بالشبهة وفي العقد الفاسد كرها فوجب بدله كإتلاف الملا وأكل طعام الغير
ولنا على أنه لا يجب الأرش أنه وطء ضمن بالمهر فلم يجب معه أرش كسائر الوطء يحققه أن المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطء وبدل المتلف لا يختلف بكونه في عقد فاسد وكونه تمحض عدوانا ولأن الأرش يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها فكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة فلا يجب عوضها مرة ثانية يحققه أنه إذا أخذ أرش البكارة مرة لم يجز أخذه مرة أخرى فتصير كأنها معدومة فلا يجب لها إلا مهر ثيب ومهر الثيب مع أرش البكارة هو مهر مثل البكر فلا تجوز الزيادة عليه والله أعلم
فصل : ولا فرق بين كون الموطوءة أجنبية أو من ذوات محارمه وهو اختيار أبي بكر ومذهب النخعي و مكحول و أبي حنيفة و الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن ذوات محارمه من النساء لا مهر لهن وهو قول الشعبي لأن تحريمهن أصل فلا يستحق به مهر كاللواط وفارق من حرمت تحريم المصاهرة فإن تحريمها طارئ وكذلك ينبغي أن يكون الحكم في من حرمت بالرضاع لأنه طارئ أيضا وعن أحمد رواية أخرى أن من تحرم ابنتها لا مهر لها كالأم والبنت والأخت ومن تحل ابنتها كالعمة والخالة فلها المهر لأن تحريمها أخف
ولنا أن ما ضمن للأجنبي ضمن للمناسب كالمال ومهر الأمة ولأنه أتلف منفعة بضعها بالوطء فلزمه مهرها كالأجنبية ولأنه محل مضمون على غيره فوجب عليه ضمانه كالمال وبهذا فارق اللواط فإنه ليس بمضمون على أحد
فصل : ولا يجب المهر بالوطء في الدبر ولا اللواط لأن الشرع لم يرد ببدله ولا هو إتلاف لشيء فأشبه القبلة والوطء دون الفرج ولا يجب للمطاوعة على الزنا لأنها باذلة لما يجب بذله لها فلم يجب لها شيء كما لو أذنت له في قطع يدها فقطعها إلا أن تكون أمة فيكون المهر لسيدها ولا يسقط ببذها لأن الحق لغيرها فأشبه ما لو بذلت قطع يدها
فصل : ولو طلق امرأته قبل الدخول طلقة وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل ونصف المسمى وقال مالك لا يلزمه إلا مهر واحد
ولنا أن المفروض ينتصف بطلاقه بقوله سبحانه : { فنصف ما فرضتم } ووطؤه بعد ذلك عري عن العقد فوجب به مهر المثل كما لو علم أو كغيرها أو كما لو وطئها غيره
فصل : ومن نكاحها باطل بالإجماع كالزوجة والمعتدة إذا نكحها رجل فوطئها عالما بالحال وتحريم الوطء وهي مطاوعة عالمة فلا مهر لها لأنه زنا يوجب الحد وهي مطاوعة عليه وإن جهلت تحريم ذلك أو كونها في العدة فالمهر لها لأنه وطء شبهة
وقد روى أبو داود بإسناده أن رجلا يقال له نصر بن أكتم نكح امرأة فولدت لأربعة أشهر فجعل النبي صلى الله عليه و سلم لها الصداق وفي لفظ قال : [ الصداق بما استحللت من فرجها فإذا ولدت فاجلدوها ] وروى سعيد في سننه عن عمران بن كثير أن عبد الله بن الحر تزوج جارية من قومه يقال لها الدرداء فانطلق عبيد الله فلحق بمعاوية ومات أبو الجارية فزوجها أهلها رجلا يقال له عكرمة فبلغ ذلك عبيد الله فقدم فخاصمهم إلى علي رضي الله عنه فقصوا عليه قصتهم فرد عليه المرأة وكانت حاملا من عكرمة فوضعت على يدي عدل فقالت المرأة لعلي : أنا أحق بمالي أو عبيد الله ؟ قال : بل أنت أحق بمالك قالت : فاشهدوا أن ما كان لي على عكرمة من صداق فهو له فلما وضعت ما في بطنها ردها على عبيد الله بن الحر وألحق الولد بأبيه

فصل : حكم الصداق إذا كان في الذمة
فصل : والصداق إذا كان في الذمة فهو دين إذا مات من هو عليه وعليه دين سواء قسم ماله بينهم بالحصص قال أحمد في مريض تزوج في مرضه وعليه دين ومات : ما ترك الغرماء والمرأة بالحصص وذلك لأن النكاح المريض صحيح والصداق دين فيساوي سائر الديون

فصل : كل فرقة من قبل المرأة يسقط مهرها
فصل : وكل فرقة كانت قبل الدخول من قبل المرأة مثل إسلامها أو ردتها أو إرضاعها من ينفسخ النكاح بإرضاعه أو ارتضاعها وهي صغيرة أو فسخت لإعساره أو عيبه أو لعتقها تحت عبد أو فسخه بعيبها فإن يسقط به مهرها ولا يجب لها متعة لأنها أتلفت المعوض قبل تسليمه فسقط البدل كله كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه وإن كانت بسبب الزوج كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو جاءت من أجنبي كالرضاع أو وطء ينفسخ به النكاح سقط نصف المهر ووجب نصفه أو المتعة لغير من سمي لها ثم يرجع الزوج على من فسخ النكاح إذا جاء الفسخ من قبل أجنبي وإن قتلت المرأة استقر المهر جميعه لأنها فرقة حصلت بالموت وانتهاء النكاح فلا يسقط بها المهر كما لو ماتت حتف أنفها سواء قتلها زوجها أو أجنبي أو قتلت نفسها أو قتل الأمة سيدها وإن طلق الحاكم على الزوج في الإيلاء فهو كطلاقه لأنه قام مقامه في إيفاء الحق عليه عند امتناعه منه وفي فرقة اللعان روايتان :
إحداهما : هي كطلاقه لأن سبب اللعان قذفه الصادر منه والثانية : يسقط به مهرها لأن الفسخ عقيب لعانها فهو كفسخها لعنته وفي فرقة شرائها لزوجها أيضا روايتان :
إحداهما : يتنصف بها مهرها لأن البيع الموجب للفسخ ثم بالسيد القائم مقام الزوج وبالمرأة فأشبه الخلع
والثانية : يسقط المهر لأن الفسخ وجد عقيب قبولها فأشبه فسخها لعنته وفيما إذا اشترى الحر امرأته وجهان مبنيان على الروايتين في شرائها لزوجها وإذا جعل لها الخيار فاختارت نفسها أو وكلها في الطلاق فطلقت نفسها فهو كطلاقه لا يسقط مهرها لأن المرأة وإن باشرت الطلاق فهي نائبة عنه ووكيلة له وفعل الوكيل كفعل الموكل فكأنه صدر عن مباشرته وإن علق طلاقها على فعل من قبلها لم يسقط مهرها لأن السبب منه وجد وإنما هي حققت شرطه والحكم ينسب إلى صاحب السبب والله أعلم

كتاب الوليمة معنى الوليمة وحكمها
الوليمة اسم للطعام في العرس خاصة لا يقع هذا الاسم على غيره كذلك حكاه ابن عبد البر عن ثعلب وغيره من أهل اللغة وقال بعض الفقهاء من أصحابنا وغيرهم إن الوليمة تقع على كل طعام لسرور حادث إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب والعذيرة اسم لدعوة الختان وتسمى الأعذار والخرس والخرسة عند الولادة والذكيرة دعوة لبناء يقال وكر وخرس مشدد والنقيعة عند قدوم الغائب يقال : نقع مخفف والعقيقة الذبح لأجل الولد قال الشاعر :
( كل الطعام تشتهي ربيعه ... الخرس والاعذار والنقيعة )
والحداق الطعام عند حذاق الصبي والمأدبة اسم لكل دعوة لسبب كانت أو لغير سبب والآدب صاحب المأدبة قال الشاعر :
( نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا يرى الآدب منا ينتقر )
والجفلى في الدعوة أن يعم الناس بدعوته والنقرى هو أن يخص قوما دون قوم

مسألة وفصل : استحباب الوليمة عند التزويج
مسألة : قال : ويستحب لمن تزوج أن يولم ولو بشاة
لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة سنة في العرس مشروعة لما [ روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بها وفعلها فقال لعبد الرحمن بن عوف حين قال : تزوجت أولم ولو بشاة ] و [ قال أنس ما أولم رسول الله صلى الله عليه و سلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب جعل يبعثني فأدعو له الناس فأطعمهم خبزا ولحما حتى شبعوا ] و [ قال أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اصطفى صفية لنفسه فخرج بها حتى بلغ ثنية الصهباء فبنى بها ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال : ائذن لمن حولك فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه و سلم على صفية ] متفق عليهن ويستحب أن يولم بشاة إن أمكنه ذلك لـ [ قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لعبد الرحمن : أولم ولو بشاة ] و [ قال أنس ما أولم النبي صلى الله عليه و سلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة ] لفظ البخاري فإن أولم بغير هذا جاز فقد أولم النبي صلى الله عليه و سلم على صفية بحيس وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير رواه البخاري
فصل : وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب الشافعي هي واجبة لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولأن الإجابة إليها واجبة فكانت واجبة
ولنا أنها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والخبر محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه وكونه أمر بشاة ولا خلاف في أنها لا تجب وما ذكروه من المعنى لا أصل له ثم هو باطل بالسلام ليس بواجب وإجابه المسلم واجبة

مسألة وفصول : تلبية الدعوة إلى الوليمة
مسألة : قال : وعلى من دعي أن يجيب
قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إذا لم يكن فيها لهو وبه يقول مالك و الشافعي و العنبري و أبو حنيفة وأصحابه ومن أصحاب الشافعي من قال هي من فروض الكفايات لأن الإجابة إكرام وموالاة فهي كرد السلام
ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها ] وفي لفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها ] وقال أبو هريرة : شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله رواهن البخاري وهذا عام ومعنى قوله شر الطعام طعام الوليمة والله أعلم أي طعام الوليمة التي يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ولم يرد أن كل وليمة طعامها شر الطعام فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها ولا أمر بالإجابة إليها ولا فعلها ولأن الإجابة تجب بالدعوة فكل من دعي فقد وجبت عليه الإجابة
فصل : وإنما تجب الإجابة على من عين بالدعوة بأن يدعو رجلا بعينه أو جماعة معينين فإن دعا الجفلى بأن يقول يا أيها الناس أجيبوا إلى الوليمة أو يقول الرسول أمرت أن أدعو كل من لقيت أو من شئت فلم تجب الإجابة ولم تستحب لأنه لم يعين بالدعوة فلم تتعين عليه الإجابة ولأنه غير منصوص عليه ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك إجابته وتجوز الإجابة بهذا لدخوله في عموم الدعاء
فصل : وإذا صنعت الوليمة أكثر من يوم جاز فقد روى الخلال بإسناده عن أبي أنه أعرس ودعا الأنصار ثمانية أيام وإذا دعي في اليوم الأول وجبت الإجابة وفي اليوم الثاني تستحب الإجابة وفي اليوم الثالث لا تستحب قال أحمد الأول يجب والثاني إن أحب والثالث فلا وهكذا مذهب الشافعي وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة ] رواه أبو داود و ابن ماجة وغيرهما وقاله سعيد بن المسيب أيضا ودعي سعيد إلى وليمة مرتين فأجاب فدعي الثالثة فحصب الرسول رواه أبو داود و الخلال
فصل : والدعاء إلى الوليمة إذن في الدخول والأكل بدليل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فذلك إذن له ] رواه أبو داود وقال عبد الله بن مسعود : إذا دعيت فقد أذن لك رواه الإمام أحمد بإسناده
فصل : فإن دعاه ذمي فقال أصحابنا لا تجب إجابته لأن الإجابة للمسلم للإكرام والموالاة وتأكيد المودة والإخاء فلا تجب على المسلم للذمي ولأنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة ولكن تجوز إجابتهم لما روى أنس أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه و سلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه ذكره الإمام أحمد في الزهد
فصل : فإن دعاه رجلان ولم يمكن الجمع بينهما وسبق أحدهما أجاب السابق لأن إجابته وجبت حين دعاه فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني ولم تجب إجابة الثاني لأنها غير ممكنة مع إجابة الأول فإن استويا أجاب أقربهما منه بابا لما روى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق ] وروى البخاري بإسناده [ عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال : أقربهما منك بابا ] ولأن هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أجاب أقربهما رحما لما فيه من صلة الرحم فإن استويا أجاب أدينهما فإن استويا اقرع بينهما لأن القرعة تعين المستحق عند استواء الحقوق

مسألة : قال : فإن لم يحب أن يطعم دعا وانصرف
مسألة : قال : فإن لم يحب أن يطعم دعا وانصرف
وجملة ذلك أن الواجب الإجابة إلى الدعوة لأنها الذي أمر به وتوعد على تركه أما الأكل فغير واجب صائما كان أو مفطرا نص عليه أحمد لكن إن كان المدعو صائما صوما واجبا أجاب ولم يفظر لأن الفطر غير جائز فإن الصوم واجب والأكل غير واجب وقد روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليدع وإن كان مفطرا فليطعم ] رواه أبو داود وفي رواية فليصل يعني يدعو ودعي ابن عمر إلى وليمة فحضر ومد يده وقال بسم الله ثم قبض يده وقال كلوا فإني صائم وإن كان صوما تطوعا استحب له الأكل لأن له الخروج من الصوم فإذا كان في الأكل إجابة أخيه المسلم وإدخال السرور على قلبه كان أولى وقد [ روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في دعوة ومعه جماعة فاعتزل رجل من القوم ناحية فقال : إني صائم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : دعاكم أخوكم وتكلف لكم كل ثم صم يوما مكانه إن شئت ] وإن أحب إتمام الصيام جاز لما روينا من الخبر المتقدم ولكن يدعو لهم ويبارك ويخبرهم بصيامه ليعلموا عذره فتزول عنه التهمة في ترك الأكل وقد روى أبو حفص بإسناده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم فقال إني صائم ولكنني أحببت أن أجيب الداعي فادعوا بالبركة وعن عبد الله قال إذا عرض على أحدكم الطعام وهو صائم فليقل إني صائم وإن كان مفطرا فالأولى له الأكل لأنه أبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه ولا يجب عليه ذلك وقال أصحاب الشافعي فيه وجه آخر أنه يلزمه الأكل لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ وإن كان مفطرا فليطعم ] ولأن المقصود منه الأكل فكان واجبا
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك ] حديث صحيح ولأنه لو وجب الأكل لوجب على المتطوع بالصوم فلما لم يلزمه الأكل لم يلزمه إذا كان مفطرا وقولهم المقصود الأكل قلنا بل المقصود الإجابة ولذلك وجبت على الصائم الذي لا يأكل

فصل : حكم الدعوة إلى وليمة فيها معصية
فصل : إذا دعي إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه وأمكنه الإنكار وإزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار لأنه يؤدي فرضين إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر وإن لم يعلم المنكر حتى حضر أزاله فإن لم يقدر انصرف ونحو هذا قال الشافعي وقال مالك : أما اللهو الخفيف كالدف والكير فلا يرجع وقاله ابن القاسم وقال أصبغ : أرى أن يرجع وقال أبو حنيفة : إذا وجد اللعب فلا بأس أن يقعد فيأكل
وقال محمد بن الحسن إن كان ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج وقال الليث إذا كان فيها الضرب بالعود فلا ينبغي له أن يشهدها
والأصل في هذا ما [ روى سفينة إن رجلا أضافه علي فصنع له طعاما فقالت فاطمة لو دعونا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة لعلي الحقه فقل له : ما أرجعك يا رسول الله فقال : أنه ليس لي أن أدخل بيتا مزوقا ] حديث حسن وروى أبو حفص بإسناده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر ] وعن نافع قال : كنت أسير مع مع عبد الله بن عمر فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول يا نافع أتسمع حتى قلت لا فأخرج أصبعيه من أذنيه ثم رجع إلى الطريق ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع رواه أبو داود و الخلال ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة إلى ذلك فمنع منه كما لو قدر على إزالته ويفارق من له جار مقيم على المنكر والزمر حيث يباح له المقام فإن تلك حال حاجة لما في الخروج من المنزل من الضرر

فصلان : وجوب الإنكار على ما يصنع في الولائم ونحوها من المنكرات
فصل : فإن رأى نقوشا وصور شجر ونحوها فلا بأس بذلك لأن تلك نقوش فهي كالعلم في الثوب وإن كانت فيه صور حيوان في موضع يوطأ أو يتكأ عليها كالتي في البسط والوسائد جاز أيضا وإن كانت على الستور والحيطان وما لا يوطأ وأمكنه حطها أو قطع رؤوسها فعل وجلس وإن لم يكن ذلك انصرف ولم يجلس وعلى هذا أكثر أهل العلم قال ابن عبد البر : هذا أعدل المذاهب وحكاه سعد بن أبي وقاص وسالم و عروة و ابن سيرين و عطاء و عكرمة بن خالد و عكرمة مولى ابن عباس و سعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي وكان أبو هريرة يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط وكذلك مالك إلا أنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة ولعلهم يذهبون إلى عموم قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ] متفق عليه وروي عن ابن مسعود أنه دعي إلى طعام فلما قيل له إن في البيب صورة أبى أن يذهب حتى كسرت
ولنا ما [ روت عائشة قال : قدم النبي صلى الله عليه و سلم وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير فما رآه قال أتسترين الخدر بتسر فيه تصاوير فهتكه قالت : فجعلت منه منتبذتين كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم متكئا على إحداهما ] رواه ابن عبد البر ولأنها إذا كانت تداس وتبتذل لم تكن معززة ولا معظمة فلا تشبه الأصنام التي تعبد وتتخذ آلهة فلا تكرم وما رويناه أخص مما رووه وقد [ روي عن أبي طلحة أنه قيل له ألم يقل النبي صلى الله عليه و سلم : لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب قال ألم تسمعه قال : إلا رقما في ثوب ] متفق عليه وهو محمول على ما ذكرناه من أن المباح ما كان مبسوطا والمكروه منه ما كان معلقا بدليل حديث عائشة
فصل : فإن قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة قال ابن عباس : الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس بصورة وحكي ذلك عن عكرمة وقد روي عن أبي هريرة قال [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتاني جبريل فقال : أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع فيصير كهيئة الشجر ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن ومر بالكلب فليخرج ] ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن قطع منه ما لا يبقى الحيوان بعد ذهابه كصدره أو بطنه أو جعل له رأس منفصل عن بدنه لم يدخل تحت النهي لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه فهو كقطع الرأس وإن كان الذاهب يبقىالحيوان بعده كالعين واليد والرجل فهو صورة داخلة تحت النهي وكذلك إذا كان في إبتداء التصويرة صورة بدن بلا رأس أو رأس بلا بدن أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي لأن ذلك ليس بصورة حيوان

فصلان : حرمة منعة التصاوير ودخول منزل فيه صورة
فصل : وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها لما روى ابن عمر [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : الذين يصنعون هذه الصورة يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ] و [ عن مسروق قال دخلنا مع عبد الله بيتا فيه تماثيل فقال لتمثال منها تمثال من هذا قالوا تمثال مريم قال عبد الله قال رسول الله : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ] متفق عليهما والأمر بعمله محرم كعمله
فصل : فأما دخول منزل فيه صورة فليس بمحرم وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة للداعي بإسقاط حرمته لإيجاده المنكر في داره ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية الفضل : إذا رأى صورا على الستر لم يكن رآها حين دخل قال : هو أسهل من أن يكون على الجدار قيل : فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج ؟ فقال لا تضيق علينا ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم يعني لا يخرج وهذا مذهب مالك فإنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة وقال أكثر أصحاب الشافعي : إذا كانت الصور على الستر أو ما ليس بموطوئ لم يجز له الدخول لأن الملائكة لا تدخله ولأنه لو لم يكن محرما لما جازترك الدعوة الواجبة من أجله
ولنا ما [ روي أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام فقال : قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط ] رواه أبو داود وما ذكرنا من خبر عبد الله أنه دخل بيتا فيه تماثيل وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ليدخلها المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم وروى ابن عائد في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشام طعاما فدعوه فقال أين هو ؟ قالوا في الكنيسة فأبى أن يذهب وقال لعلي : أمض بالناس فليتغدوا فذهب علي رضي الله عنه بالناس فدخل الكنيسة وتغدى هو المسلمون وجعل علي ينظر إلى الصور وقال ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصورة ولأن دخول الكنائس والبيع غير محرم فكذلك المنازل التي فيها الصور وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب تحريم دخوله علينا كما لو كان فيه كلب ولا يحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس مع أن الملائكة لا تصحبهم وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله وزجرا له عن فعله والله أعلم

فصل : حكم ستر الحيطان بستور غير مصورة
فصل : فأما ستر الحيطان بستور غير مصورة فإن كان لحاجة من وقاية حر أو برد فلا بأس به لأنه يستعمله في حاجته فأشبه الستر على الباب وما يلبسه على بدنه وإن كان لغير حاجة فهو مكروه وعذر في الرجوع عن الدعوة وترك الإجابة بدليل ما روى سالم بن عبد الله بن عمر قال : أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس فكان أبو أيوب فيمن آذن وقد ستروا بيتي بخباء أخضر فأقبل أبو أيوب مسرعا فاطلع فرأى البيت مستترا بخباء أخضر فقال يا عبد الله أتسترون الجدر ؟ فقال أبي واستحيا : غلبتنا النساء يا أبا أيوب فقال : من خشيت أن يغلبنه فلم أخش أن يغلبنك ثم قال لا أطعم لكم طعاما ولا أدخل لكم بيتا ثم خرج رواه الأثرم
و [ روي عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه دعي إلى طعام فرأى البيت منجدا فقعد خارجا وبكى قيل له ما يبكيك ؟ قال أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : رأى رجلا قد رقع بردة له بقطعة أدم فقال : تطالعت عليكم الدنيا - ثلاثا ثم قال - أنتم اليوم خير أم خير أم إذا غدت عليكم عليكم قصعة وراحت أخرى ويغدوا أحدكم في حلة ويروح في أخرى وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة قال عبد الله أفلا أبكي وقد بقيت حتى رأيتكم تسترون بيوتكم كما تستر الكعبة ؟ ]
وقد روى الخلال بإسناده [ عن ابن عباس وعلي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى أن تستر الجدر ] و [ روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمرنا فيما رزقنا أن نستر الجدر ] إذا ثبت هذا فإن ستر الحيطان مكروه غير محرم وهذا مذهب الشافعي إذ لم يثبت في تحريمه دليل وقد فعله ابن عمر وفعل في زمن الصحابة رضي الله عنهم وإنما كره لما فيه من السرف كالزيادة في الملبوس والمأكول وقد قيل هو محرم للنهي عنه والأول أولى فإن النهي لم يثبت ولو ثبت الحمل على الكراهة لما ذكرناه

فصول : حكم الستور التي فيها القرآن واتخاذ آنية الذهب والفضة
فصل : وسئل أحمد عن الستور فيها القرآن فقال : لا ينبغي أن يكون شيئا معلقا فيه القرآن يستهان به ويمسح به قيل له فيقلع ؟ فكره أن يقلع القرآن وقال إذا كان ستر فيه ذكر الله فلا بأس به وكره أن يشتري الثوب فيه ذكر الله مما يجلس عليه أو يداس
فصل : قيل ل أبي عبد الله الرجل يكتري البيت فيه تصاوير ترى أن يحكها ؟ قال نعم قال المروذي قلت ل أبي عبد الله دخلت حماما فرأيت صورة أترى أن أحك الرأس قال : نعم إنما جاز ذلك لأن اتخاذ الصورة منكر فجاز تغييرها كآلة اللهو والصليب والصنم ويتلف منها ما يخرجها عن حد الصورة كالرأس ونحوه لأن ذلك يكفي قال أحمد : ولا بأس باللعب ما لم تكن صورة لما [ روي عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا ألعب فقال : ما هذا يا عائشة ؟ فقلت هذه خيل سليمان فجعل يضحك ] رواه مسلم بنحوه
فصل : والدف ليس بمنكر لما ذكرنا من الأحاديث فيه وأمر النبي صلى الله عليه و سلم به في النكاح و [ روت عائشة أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفعان وتضربان والنبي صلى الله عليه و سلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه و سلم عن وجهه فقال : دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد ] متفق عليه
فصل : واتخاذ آنية الذهب والفضة محرم فإذا رآه المدعو في منزل الداعي فهو منكر يخرج من أجله وكذلك ما كان من الفضة مستعملا كالمكحلة ونحوها قال الأثرم : سئل أحمد إذا رأى حلقة مرآة فضة ورأس مكحلة يخرج من ذلك ؟ فقال هذا تأويل تأولته وأما الآنية نفسها فليس فيها شك وقال ما لا يستعمل فهو أسهل مثل الضبة في السكين والقدح وذلك لأن رؤية المنكر كسماعه فكما لا يجلس في موضع يسمع فيه صوت الزمر لا يجلس في موضع يرى فيه من يشرب الخمر وغيره من المنكر
فصل : وإن علم أن عند أهل الوليمة منكرا لا يراه ولا يسمعه لكونه بمعزل عن موضع الطعام أو يخفونه وقت حضوره فله أن يحضر ويأكل نص عليه أحمد وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه فإنه سئل عن الرجل يدعى إلى الختان أو العرس وعنده المخنثون فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس عنده أولئك ؟ قال : أرجو أن لا يأثم إن لم يجب وإن أجاب فأرجو أن لا يكون آثما فأسقط الوجوب لإسقاط الداعي حرمة نفسه باتخاذ المنكر ولم يمنع الإجابة لكون المجيب لا يرى منكرا ولا يسمعه وقال أحمد إنما تجب الإجابة إذا كان المكسب طيبا ولم ير منكرا فعلى قوله هذا لا تجب إجابة من طعامه من مكسب خبيث لأن اتخاذه منكر والأكل منه منكر فهو أولى بالامتناع وإن حضر لم يسغ له الأكل منه

مسألة : حكم الدعوة إلى الختان والإجابة إليها
مسألة : قال : ودعوة الختان لا يعرفها المتقدمون ولا على من دعي إليها أن يجيب وإنما وردت السنة في إجابة من دعي إلى وليمة تزويج
يعني المتقدمين أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي يقتدى بهم وذلك لما [ روي أن عثمان بن أبي العاص دعي إلى ختان فأبى أن يجيب فقيل له ؟ فقال : إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا ندعى إليه ] رواه الإمام أحمد بإسناده إذا ثبت هذا فحكم الدعوة للختان وسائر الدعوات غير الوليمة أنها مستحبة لما فيها من إطعام الطعام والإجابة إليها مستحبة غير واجبة وهذا قول مالك و الشافعي و أبي حنيفة وأصحابه وقال العنبري : تجب إجابة كل دعوة الأمر به فإن ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو غير عرس ] أخرجه أبو داود
ولنا أن الصحيح من السنة إنما ورد في إجابة الداعي إلى الوليمة وهي الطعام في العرس خاصة كذلك قال الخليل و ثعلب وغيرهما من أهل اللغة وقد صرح بذلك في بعض روايات ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أه قال : [ إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب ] رواه ابن ماجة وقال عثمان بن ابي العاص : كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا ندعى إليه ولأن التزويج يستحب إعلانه وكثرة الجمع فيه والتصويت والضرب بالدف بخلاف غيره فأما الأمر بالإجابة إلى غيره فمحمول على الاستحباب بدليل أنه لم يخص به دعوة ذات سبب دون غيرها وإجابة كل داع مستحبة لهذا الخبر ولأن فيه جبر قلب الداعي وتطييب قلبه وقد دعي أحمد إلى ختان فأجاب وأكل فأما الدعوة في حق فاعلها فليست لها فضيلة تختص بها لعدم ورود الشرع بها ولكن هي بمنزلة الدعوة لغير سبب حادث فإذا قصد فاعلها شكر نعمة الله عليه وإطعام إخوانه وبذل طعامه فله أجر ذلك إن شاء الله تعالى

مسألتان وفصل : حكم النثار والتقاط ما ينثر
مسألة : قال : والنثار مكروه لأنه شبه النهبة وقد يأخذه من غير أحب إلى صاحب النثار منه
اختلفت الرواية عن أحمد في النثار والتقاطه فروي أن ذلك مكروه في العرس وغيره وروي ذلك عن أبي مسعود البدري و عكرمة و ابن سيرين و عبد الله بن يزيد الخطمي و طلحة و زبيد اليامي وبه قال مالك و الشافعي وروي عن أحمد رواية ثانية ليس بمكروه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن و قتادة و النخعي و أبي حنيفة و أبي عبيد و ابن المنذر لما [ روى عبد الله بن قرط قال قرب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس بدنات أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن فنحرها رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال كلمة لم أسمعها فسألت من قرب منه قال : من شاء اقتطع ] رواه أبو داود وهذا جابر مجرى النثار وقد [ روي أن النبي صلى الله عليه و سلم دعي إلى وليمة رجل من الأنصار ثم أتوا بنهب فأنهب عليه قال الراوي : ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يزاحم الناس أو نحو ذلك قلت يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أوما نهيتنا عن النهبة ؟ قال : نهيتكم عن نهبة العساكر ] ولأنه نوع إباحة فأشبه إباحة الطعام للضيفان
ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ لا تحل النهبة والمثلة ] رواه البخاري وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن النهبى والمثلة ولأن فيه نهبا وتزاحما وقتالا وربما أخذه من يكره صاب النثار لحرصه وشرهه ودناءة نفسه ويحرمه من يحب صاحبه لمروءته وصيانة نفسه وعرضه والغالب هذا فإن أهل المروءات يصونون أنفسهم عن عن مزاحمة سفلة الناس على شيء من الطعام أو غيره ولأن في هذا دناءة والله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها فأما خبر البدنات فيحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم علم أنه لا نهبة في ذلك لكثرة اللحم وقلة الآخذين أو فعل ذلك لا شتغاله بالمناسك عن تفريقها
وفي الجملة فالخلاف إنما هو في كراهية ذلك وأما إباحته فلا خلاف فيها ولا في الإلتقاط لأنه نوع إباحة لماله فأشبه سائر الإباحات
مسألة : قال : فإن قسم على الحاضرين فلا بأس بأخذه
كذا روي عن أبي عبد الله رحمه الله أن بعض أولاده حذق فقسم على الصبيان الجوز أما إذا قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز والسكر وغيره فلا خلاف أن ذلك حسن غير مكروه وقد روي عن أبي هريرة قال : [ قسم النبي صلى الله عليه و سلم يوما بين أصحابه تمرا فأعطى كل إنسان سبع تمرات فأعطاني سبع تمرات إحداهن حشفة لم تكن تمرة أعجب إلي منها شدت إلى مضاغي ] رواه البخاري وكذلك أن وضعه بين أيديهم وأذن لهم في أخذه على وجه لا يقع تناهب فلا يكره أيضا
قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر فكرهه وقال يعطون يقسم عليهم وقال محمد بن علي بن بحر سمعت حسن أم ولد أحمد بن حنبل تقول لما حذق أبي حسن قال لي مولاي : حسن لا تنثروا عليه فاشترى تمرا وجوزا فأرسله إلى المعلم قالت وعملت أنا عصيدة وأطعمت الفقراء فقال : أحسنت أحسنت وفرق أبو عبد الله على الصبيان الجوز لكل واحد خمسة خمسة
فصل : ومن حصل في حجره شيء من النثار فهو له غير مكروه لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت في حجره وليس لأحد أن يأخذه من حجره لما ذكرناه

فصل : ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم
فصل : ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلوا جميعا وإن أكل بعضهم اكثر من بعض فلا بأس وقد كان السلف يتعاهدون في الغزو والحج ويفارق النثار فإنه يؤخذ بنهب وتسالب وتجاذب بخلاف هذا

آداب الطعام : فصل : غسل اليدين قبل وبعد الطعام واستحباب التسمية
فصل : يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء قال المروذي : رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال : [ من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع ] رواه ابن ماجة
وروى أبو بكر بإسناده عن الحسن بن علي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم ] يعني به غسيل اليدين وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ من نام وفي يده ريح غمر وأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ] رواه أبو داود ولا بأس بترك الوضوء لما [ روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج من الغائط فأتي بطعام فقال رجل : يا رسول الله ألا آتيك بوضوء قال : لا أريد الصلاة ] رواه ابن ماجة و [ عن جابر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم من شعب الجبل وقد قضى حاجته وبين أيدينا تمر على ترس أو جحفة فدعوناه فأكل معنا وما مس ماء ] رواه أبو داود وروي عنه أنه كان يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها من يده ثم قام فصلى ولم يتوضأ رواه البخاري ولا بأس بتقطيع اللحم بالسكين لهذا الحديث وقال مهنا : سألت أحمد عن حديث يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنع الأعاجم وانهشوه نهشا فإنه أهنأ وأمرأ قال : ليس بصحيح واحتج بهذا الحديث الذي ذكرناه

فصلان : أكل الإنسان مما أمامه وباليمين بثلاث أصابع
فصل : وتستحب التسمية عند الأكل وأن يأكل بيمينه مما يليه لما [ روى عمر بن أبي سلمة قال : كنت يتيما في حجر رسول الله صلى الله عليه و سلم فكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي النبي صلى الله عليه و سلم : يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ] متفق عليه وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ] رواه مسلم وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره ] و [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا ورجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال : بسم الله أوله وآخره فضحك النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما زال الشيطان يأكل معه فلم ذكر الله قاء ما في بطنه ] رواهن أبو داود و [ عن عكراش بن ذؤيب قال أتى النبي صلى الله عليه و سلم بجفنة كثيرة الثريد والودك فأقبلنا نأكل فخبطت يدي في نواحيها فقال : يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد ثم أتينا بطبق فيه ألوان الرطب فجالت يد رسول الله صلى الله عليه و سلم في الطبق وقال : يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد ] رواه ابن ماجة ولا يأكل من ذروة الثريد لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها ] وفي الحديث [ كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها ] رواهما ابن ماجة
فصل : ويستحب الأكل بالأصابع الثلاث ولا يمسح يده حتى يلعقها قال مثنى سألت أبا عبد الله عن الأكل بالأصابع كلها فذهب إلى ثلاث أصابع فذكرت له الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير إلا ثلاث أصابع وقد [ روى كعب بن مالك قال : كان رسول الله يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها ] رواه الخلال بإسناده ويكره الأكل متكئا لما [ روى أبو جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا آكل متكئا ] رواه البخاري ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها لما روينا ولما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها ] رواه أبو داود وعن نبيشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة ] رواه الترمذي و [ عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا وقعت اللقمة من يد أحدكم فليمسح ما عليها من الأرض وليأكلها ] رواهن ابن ماجة

فصول : استحباب الحمد عند الفراغ من الأكل والدعاء لصاحب الطعام وغسل الأيدي
فصل : ويحمد الله إذا فرغ لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن الله ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها ] رواه مسلم وعن أبي سعيد قال [ كان النبي صلى الله عليه و سلم : إذا أكل طعاما قال الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ] رواه أبو داود وعن أبي اليمامة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول إذا رفع طعامه : الحمد لله كثيرا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا ] وعن معاذ بن أنس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ] رواهن ابن ماجة وروي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم أكل طعام هو وأبو بكر وعمر ثم قال : من قال في أوله بسم الله وبركة الله وفي آخره الحمد لله الذي أطعم وأروى وأنعم وأفضل فقد أدى شكره ] ويستحب الدعاء لصاحب الطعام لما [ روى جابر بن عبد الله قال : صنع أبو الهيثم للنبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه طعاما فدعا النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه فلما فرغ قال : أثيبوا صاحبكم قالوا يا رسول الله وما أثابته ؟ قال : إن الرجل إذا دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذاك إثابته ] وعن أنس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم جاء إلى سعد بن عبادة قال : فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم : أفطر عندك الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة ] رواهما أبو داود
فصل : ولا بأس بالجمع بين طعامين فإن عبد الله بن جعفر قال : رأست النبي صلى الله عليه و سلم يأكل القناء بالرطب ويكره عيب الطعام لقول أبي هريرة ما عاب رسول الله صلى الله عليه و سلم طعاما قط إذا اشتهى شيئا أكله وإن لم يشتهه تركه متفق عليهما وإذا حضر فصادف قوما يأكلون فدعوه لم يكره له الأكل لما قدمنا من حديث جابر حين دعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكل معهم ولا يجوز أن يتحين وقت أكلهم فيهجم عليهم ليطعم معهم لقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه } أي غير منتظرين بلوغ نضجه و [ عن أنس قال : ما أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم على خوان ولا في سكرجة قال : فعلام كنتم تأكلون ؟ قال : على السفر ] وقال ابن عباس : [ لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الإناء ] وفي المتفق عليه من حديث أبي قتادة [ ولا يتنفس أحدكم في الإناء ] وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا وضعت المائدة فلا يقوم رجل حتى ترفع المائدة ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم ليعذر فإن الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسى أن يكون له في الطعام حاجة ] رواهن كلهن ابن ماجة
فصل : قال محمد بن يحيى : قلت ل أبي عبد الله الإناء يؤكل فيه ثم تغسل فيه اليد ؟ قال : لا بأس وقيل ل أبي عبد الله ما تقول في غسل اليد بالنخالة فقال : لا بأس به نحن نفعله واستدل الخطابي على جواز ذلك بما روى أبو داود بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه أمر امرأة أن تجعل مع الماء ملحا ثم تغسل به الدم من حيضة والملح طعام ففي معناه ما أشبهه والله أعلم

كتاب عشرة النساء والخلع
قال الله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } وقال تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وقال أبو زيد : يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم وقال ابن عباس إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تزين لي لأن الله تعالى يقول : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وقال الضحاك في تفسيرها إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته وقال بعض أهل العلم : التماثل ههنا في تأديه كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يمطله به ولا يظهر الكراهة بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه أذى ولا منة لقول الله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } وهذا من المعروف ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرفق به واحتمال أذاه لقول الله تعالى : { وبالوالدين إحسانا وبذي القربى } - إلى قوله - { والصاحب بالجنب } قيل هو كل واحد من الزوجين وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ] رواه مسلم وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج ] متفق عليه وقال : [ خياركم خياركم لنسائهم ] رواه ابن ماجة وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى : { وللرجال عليهن درجة } وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لو كنت آمرا أحد أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق ] رواه أبو داود وقال : [ إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع ] متفق عليه و [ قال لامرأة : أذات زوج أنت ؟ قالت نعم قال : فإنه جنتك ونارك ] وقال : [ لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة من غير إذنه فإنه يرد إليه شطره ] رواه البخاري

فصل : تسليم المرأة إلى زوجها بعد العقد
فصل : إذا تزوج امرأة مثلها يوطأ فطلب تسليمها إليه وجب ذلك وإن عرضت نفسها عليه لزمه تسليمها ووجبت نفقتها وإن طلبها فسألت الإنظار أنظرت مدة جرت العادة أن تصلح أمرها فيها كاليومين والثلاثة لأن ذلك يسير جرت العادة بمثله وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تطرقوا النساء ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة ] فمنع من الطروق وأمر بإمهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبته لها فههنا أولى ثم إن كانت حرة وجب تسليمها ليلا ونهارا وله السفر بها لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسافر بنسائه إلا أن يكون سفرا مخوفا فلا يلزمها ذلك وإن كانت أمة لم يلزم تسليمها إلا بالليل لأنها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها فلم يلزم تسليمها في غير وقتها كما لو أجرها لخدمة النهار لم يلزم تسليمها بالليل ويجوز للمولى بيعها لأن النبي صلى الله عليه و سلم أذن لعائشة في شراء بريرة وهي ذات زوج ولا ينفسخ النكاح بذلك بدليل أن بيع بريرة لم يبطل نكاحها

فصل : إجبار الزوج زوجته على النظافة والطهارة
فصل : وللزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية حرة كانت أو مملوكة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه وإن احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه لأنه لحقه وله إجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لأن الصلاة واجبة عليها ولا تتمكن منها إلا بالغسل فأما الذمية ففيها روايتان إحداهما : له إجبارها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه فإن النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة
والثانية : ليس له إجبارها عليه وهو قول مالك و الثوري لأن الوطء لا يقف عليه فإنه مباح بدونه ول الشافعي قولان كالروايتين وفي إزالة الوسخ والدرن وتقليم الأظفار وجهان بناء على الروايتين في غسل الجنابة تلد وتستوي في هذه المسلمة والذمية لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها وله إجبارها على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة رواية واحدة ذكره القاضي وكذلك الأضفار وإن طالا قليلا بحيث تعافه النفس ففيه وجهان وهل له منعها من أكل ما له رائحة كريهة كالبصل والثوم والكراث ؟ على وجهين أحدهما : له منعها من ذلك لأنه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع
والثاني : ليس له منعها منه لأنه لا يمنع الوطء وله منعها من السكر وإن كانت ذمية لأنه يمنع الاستمتاع بها فإن يزيل عقلها ويجعلها كالزق المنفوخ ولا يأمن أن تجني عليه وإن أرادت شرب ما لا يسكرها فله منع المسلمة لأنهما يعتقدان تحريمه وإن كانت ذمية لم يكن له منعها منه نص عليه أحمد لأنها تعتقد إباحته في دينها وله إجبارها على غسل فمها منه ومن سائر النجاسات ليتمكن من الاستمتاع بفيها ويتخرج أن يملك منعها منه لما فيه من الرائحة الكريهة وهو كالثوم وهكذا الحكم لو تزوج مسلمة تعتقد إباحة يسير النبيذ هل له منعها منه ؟ على وجهين ومذهب الشافعي على نحو هذا الفصل كله

فصل : وله منعها من الخروج
فصل : وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما قال أحمد في امرأة لها زوج وأمر مريضة : طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها وقد روى ابن بطة في أحكام النساء [ عن أنس أن رجلا سافر ومنع زوجته الخروج فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه و سلم في عيادة أبيها فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : اتقي الله ولا تخالفي زوجك فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه و سلم : إني قد غفرت لها بطاعة زوجها ] ولأن طاعة الزوج واجبة والعيادة غير واجبة فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما لأن في ذلك قطيعة لهما وحملا لزوجته على مخالفته وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف وليس هذا من المعاشرة بالمعروف وإن كانت زوجته ذمية فله متها من الخروج إلى الكنيسة لأن ذلك ليس بطاعة ولا نفع وإن كانت مسلمة فقال القاضي : له منعها من الخروج إلى المساجد وهو مذهب الشافعي وظاهر الحديث يمنعه من منعها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ] وروي أن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت تخرج إلى المساجد وكان غيورا فيقول لها لو صليت في بيتك فتقول أزال أخرج أو تمنعني فكره منعها لهذا الخبر وقال أحمد في الرجل تكون له المرأة أو الأمة النصرانية يشتري لها زنارا ؟ قال : لا بل تخرج هي تشتري لنفسها فقيل له جاريته تعمل الزنانير ؟ قال : لا

فصل : وليس عليها خدمة زوجها من العجن والخبز
فصل : وليس عن المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز والطبخ وأشباهه نص عليه أحمد وقال أبو بكر بن أبي شيبة و أبو إسحاق الجوزجاني : عليها ذلك واحتجا بقصة علي وفاطمة فإن النبي صلى الله عليه و سلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى علي ما كان خارجا من البيت من عمل رواه الجوزجاني من طرق قال الجوزجاني وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أن رجلا أمر امرأه أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر أو من جبل أحمر إلى جبل أسود كان عليها أن تفعل ] ورواه بإسناده قال فهذا طاعته فيما لا منفعة فيه كفيف بمؤنة معاشه ؟ وقد [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يأمر نساءه بخدمته فقال : يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة واشحذيها بحجر ] و [ قد روي أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم تشكو إليه ما تلقي من الرحى وسألته خادما يكفيها ذلك ]
ولنا أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه فأما قسم النبي صلى الله عليه و سلم بين علي وفاطمة فعلى ما تليق به الأخلاق المرضية ومجرى العادة لا على سبيل الإيجاب كما قد روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقوم بفرس الزبير وتلتقط له النوى وتحمله على رأسها ولم يكن ذلك واجبا عليها ولهذا لا جيب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت ولا الزيادة على ما يجب لها من النفقة والكسوة ولكن الأولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به ولا تنتظم المعيشة بدونه

فصول : حكم الوطء في الدين
فصل : ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وبه قال سعيد بن المسيب و أبو بكر بن عبد الرحمن و مجاهد و عكرمة و الشافعي وأصحاب الرأي و ابن المنذر ورويت إباحته عن ابن عمر و زيد بن أسلم و نافع و مالك وروي عن مالك أنه قال ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أجله بقول الله تعالى : { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم } وقوله سبحانه : { والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
ولنا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إن الله لا يستحيي من الحق ولا تأتوا النساء من أعجازهن ] وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأة في دبرها ] رواهما ابن ماجة وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ محاسن النساء حرام عليكم ] وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ] رواهن كلهن الأثرم فأما الآية فروى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزل الله : { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم } من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها إلا في المأتى متفق عليه وفي رواية [ ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج ] والآية الأخرى المراد بها ذلك
فصل : فإن وطئ زوجته في دبرها فلا حد عليه لأن له في ذلك شبهة ويعزر لفعله المحرم وعليها الغسل لأنه إيلاج فرج في فرج وحكمه حكم الوطء في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر ووجوب العدة وإن كان الوطء لأجنبية وجب حد اللوطي ولا مهر عليه لأنه لم يفوت منفعة لها عوض في الشرع ولا يحصل بوطء زوجته في الدبر إحصان إنما يحصل بالوطء الكامل وليس هذا بوطء كامل والإحلال للزوج الأول لأن المرأة لا تذوق به عسيلة الرجل ولا تحصل به الفينة ولا الخروج من العنة لأن الوطء فيهما لحق المرأة وحقها الوطء في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصماتها في الأذن بالنكاح لأن بكارة الأصل باقية
فصل : ولا بأس بالتلذذ بها بين الاليتين من غير إيلاج لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر فهو مخصوص بذلك ولأنه حرم لأجل الأذى وذلك مخصوص بالدبر فاختص التحريم به

فصول : والعزل مكروه عن الزوجة ويجوز عن الأمة
فصل : والعزل مكروه ومعناه أن ينزع إذا قرب الإنزال فينزل خارجا من الفرج رويت كراهته عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وروي ذلك عن أبي بكر الصديق أيضا لأن فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة وقد حث النبي صلى الله عليه و سلم على تعاطي أسباب الولد فقال : [ تناكحوا تناسلوا تكثروا - وقال - سوداء ولود خير من حسناء عقيم ] إلا أن يكون لحاجة مثل أن يكون في دار الحرب فتدعو حاجته إلى الوطء فيطأ ويعزل ذكر الخرقي هذه الصورة أو تكون زوجته أمة فيخشى الرق على ولده أو تكون له أمة فيحتاج إلى وطئها وإلى بيعها وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يعزل عن إمائه فإن عزل من غير حاجة كره ولم يحرم ورويت الرخصة فيه عن علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي والخباب بن الأرت و سعيد بن المسيب و طاوس و عطاء و النخعي و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي و [ روى أبو سعيد قال : ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فلم يفعل أحدكم ؟ - ولم يقل فلا يفعل - فإنه ليس من نفس مخلوقة إلا الله خالقها ] متفق عليه وعنه [ أن رجلا قال : يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى قال : كذبت اليهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه ] رواه أبو داود
فصل : ويجوز العزل عن أمته بغير إذنها نص عليه أحمد وهو قول مالك و أبي حنيفة و الشافعي وذلك لأنه لا حق لها في الوطء ولا في الولد ولذلك لم تملك المطالبة بالقسم ولا الفيئة فلأن لا تملك المنع من العزل أولى ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها قال القاضي : ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل ويحتمل أن يكون مستحبا لأن حقها في الوطء دون الإنزال بدليل أن يخرج به من الفيئة والعنة وللشافعية في ذلك وجهان والأول أولى لما روي عن عمر رضي الله عنه قال : [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها ] رواه الإمام أحمد في المسند و ابن ماجة ولأن لها في الولد حقا وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها فأما زوجته الأمة فيحتمل جواز العزل عنها بغير إذنها وهو قول الشافعي استدلالا بمفهول هذا الحديث وقال ابن عباس : تستأذن الحرة ولا تستأذن الأمة ولأن عليه ضررا في استرقاق ولده بخلاف الحرة ويحتمل أن لا يجوز إلا بإذنها لأنها زوجة تملك المطالبة بالوطء في الفيئة والفسخ عند تعذره بالعنة وترك العزل من تمامه فلم يجز بغير إذنها كالحرة
فصل : فإن عزل عن زوجته أو أمته ثم أتت بولد نسبه لما روى أبو داود [ عن جابر قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال : اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها ] وقال أبو سعيد : كنت أعزل عن جارية لي فولدت أحب الناس إلي ولأن لحقوق النسب حكم يتعلق بالوطء فلم يعتبر فيه الإنزال كسائر الأحكام وقد قيل إن الوطء في الفرج يحصل به الإنزال ولا يحس به

آداب الجماع : فصل : يستحب التسمية ويكره التجرد
فصل : تستحب التسمية قبله لقول الله تعالى : { وقدموا لأنفسكم } قال : عطاء هي التسمية عند الجماع وروى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما روقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا ] متفق عليه ويكره التجرد عند المجامعة لما روى عتبة بن عبيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العيرين ] رواه ابن ماجة و [ عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه ولا يجامع بحيث يراهما أحد أو يسمع حسهما ولا يقبلها ويباشرها عند الناس ] قال أحمد : ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله وقال الحسن في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع قال كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي ولا يتحدث بما كان بينه وبين أهله لما [ روى الحسن قال جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الرجال والنساء فأقبل على الرجال فقال : لعل أحدكم يحدث بما يصنع بأهله إذا خلا ثم أقبل على النساء فقال : لعل إحداكن تحدث النساء بما يصنع بها زوجها قال فقالت امرأة : إنهم ليفعلون وإنا لنفعل فقال : لا تفعلوا فإنما مثل ذلكم كمثل شيطان لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون ]
وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله بمعناه ولا يستقبل القبلة حال الجماع لأن عمرو بن حزم و عطاء كرها ذلك ويكره الإكثار من الكلام حال الجماع لما روى قبيضة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإن منه يكون الخرس والفأفاء ] ولأنه يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه وأولى بذلك منه ويستحب أن يلاعب امرأته قبل الجماع لتنهض شهوتها فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ - قلت وذلك إلي ؟ - نعم إنك تقبلها وتغمزها وتلمزها فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها ] فإن فرغ قبلها كره له النزع حتى تفرغ لما روى أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إذا جامع الرجل أهله فليقصدها ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها ] ولأن في ذلك ضرراص عليها ومنعا لها من قضاء شهوتها ويستحب للمرأة أن تتخذ خرقة تناولها الزوج بعد فراغه فيتمسح بها فإن عائشة قالت ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة فإذا جامعها زوجها ناولته فمسح عنه ثم تمسح عنها فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة ولا بأس أن يجمع بين نسائه وإمائه بغسل واحد لما روي عن أنس قال : سكبت لرسول الله صلى الله عليه و سلم من نسائه غسلا واحدأ في ليلة واحدة فإن حدث الجنابة لا يمنع الوطء بدليل إتمام الجماع قال أحمد : إذا أراد أن يعود فأعجب إلى الوضوء فإن لم يفعل فأرجو أن لا يكون به بأس ولأن الوضوء يزيده نشاطا ونظافة فاستحب وإن اغتسل بين كل بن كل وطأئن فهو أفضل فإن أبا رافع روى [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف على نسائه جميعا فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا فقلت : يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا ؟ قال : هذا أزكى وأطيب وأطهر ] رواه أحمد في المسند وروى أحاديث هذا الفصل كلها : أبو حفص العكبري وروى ابن بطة بإسنادة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا جامع الرجل أول الليل ثم أراد أن يعود توضأ وضوءه للصلاة ]

فصلان : ليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد
فصل : وليس للرجل أن يجمع بن امرأتيه في مسكن واحد لغير رضاهما صغيرا كان أو كبيرا لأن عليهما ضررا لما بينهما من العداوة والغيرة واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى أو ترى ذلك فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن رضيتا بنومه في لحاف واحد وإن رضيتا بأن يجامع واحدة بحيث تراه الأخرى لم يجز لأن فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة فلم يبح برضاهما وإن أسكنهما في دار واحدة كل واحدة في بيت جاز إذا كان ذلك مسكن مثلها
فصل : روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغير منه والله أغير مني ] وعن علي رضي الله عنه قال : بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق أما تغارون ؟ إنه لا خير فيمن لا يغاروقال محمد بن علي بن الحسين : كان إبراهيم عليه السلام غيورا وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب

فصول : التسوية في القسم واجبة وقسم الابتداء
مسألة : قال : أبو القاسم : وعلى الرجل أن يساوي بين زوجاته في القسم
لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } وليس مع الميل معروف وقال الله تعالى : { فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة } وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ] و [ عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك ] رواهما أبو داود إذا ثبت هذا فإنه إذا كان عنده نسوه لم يجز أن يبتدئ بواحدة منهن إلا بقرعة لأن البداءة بها تفضيل لها والتسوية واجبة ولأنهن متساويات في الحق ولا يمكن الجميع بينهن فوجب المصير إلى القرعة كما لو أراد السفر بإحداهن فإن كانتا كفاه قرعة واحدة ويصير في الليلة الثانية إلى الثانية بغير قرعة لأن حقها متعين وإن كن ثلاثا أقرع في الليلة الثانية للبداية بإحدى الباقيتين وإن كن أربعا أقرع في الليلة الثالثة ويصير في الليلة الرابعة إلى الرابعة بغير قرعة ولو أقرع في الليلة الأولى فجعل سهما للأولى وسهما للثانية وسهما للثالثة وسهما للرابعة ثم أخرجها عليهن مرة واحدة جاز وكان لكل واحدة ما خرج لها
فصل : ويقسم المريض والمجبوب والعنين والخنثى والخصي وبذلك قال الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي لأن القسم للأنس وذلك حاصل ممن لا يطأ وقد [ روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول أين أنا غدا ؟ أين أنا غدا ؟ ] رواه البخاري فإن شق عليه ذلك أستأذنهن في الكون عند إحداهن كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم [ قالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إلى النساء فاجتمعن قال : إني لا أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن فأذن له ] رواه أبو داود فإن لم يأذن له أقام عند إحداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعا إن أحب فإن كان الزوج مجنونا لا يخاف منه طاف به الولي عليهن وإن كان يخاف منه فلا قسم عليه لأنه لا يحصل منه أنس ولا فائدة وإن لم يعدل الولي في القسم بينهن ثم أفاق المجنون فعليه أن يقضي للمظلومة لأنه حق ثبت في ذمته فلزمه إيفاؤه حال الإفاقة كالمال
فصل : ويقسم للمريضة والرتقاء والحائض والنفساء والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها وكلهن سواء في القسم وبذلك قال مالك و الشافعي وأصحاب الرأي ولا يعلم عن غيرهم خلافهم وكذلك التي ظاهر منها لأن القصد الإيواء والسكن والأنس وهو حاصل لهن وأما المجنونة فإن كانت لا يخاف منها فهي كالصحيحة وإن خاف منها فلا قسم لها لأنه لا يأمنها على نفسه ولا يحصل لها أنس ولا بها
فصل : ويجب قسم الابتداء ومعناه أنه إذا كانت له امرأة لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع ليال ما لم يكن عذر وإن كان له نساء فلكل واحدة منهن ليلة من كل أربع وبه قال الثوري و أبو ثور وقال القاضي في المجرد لا يجب قسم الابتداء إلا أن يترك الوطء مصرا فإن تركه غير مصر لم يلزمه قسم ولا وطء لأن أحمد قال إذا وصل الرجل إلى امرأته مرة بطل أن يكون عنينا أي لا يؤجل وقال الشافعي لا يجب قسم الابتداء بحال لأن القسم لحقه فلم يجب عليه
ولنا [ قول النبي صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمرو بن العاس يا عبد الله ألم أخبرك أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قلت بلى يا رسول الله قال : فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا ] متفق عليه فأخبره أن للمرأة عليه حقا وقد اشتهرت قصة كعب بن سور رواها عمر بن شبة في كتاب قضاة البصرة من وجوه إحداهن عن الشعبي أن كعب بن سور كان جالسا عند عمر ابن الخطاب فجاءت امرأة فقالت : يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي والله إنه ليبيت ليله قائما ويظل نهاره صائما فاستغفر لها وأثنى عليها استحيت المرأة وقامت راجعة فقال كعب : يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها ؟ فجاء فقال لكعب اقض بينهما فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهم قال فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر : والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر اذهب فأنت قاض على أهل البصرة وفي رواية فقال عمر : نعم القاضي أنت وهذه قضية انتشرت فلم تنكر فكانت إجماعا ولأنه لو لم يكن حقا لم تستحق فسخ النكاح لتعذره بالجب والعنة وامتناعه بالإيلاء ولأنه لو لم يكن حقا للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجتيه به كالزيادة في النفقة على قدر الواجب إذا ثبت هذا فقال أصحابنا حق المرأة ليلة من كل أربع وللأمة ليلة من كل سبع لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها السابعة
والذي يقوى عندي أن لها ليلة من ثمان لتكون على النصف مما للحرة فإن حق الحرة من كل ثمان ليلتان ليس لها أكثر من ذلك فلو كان للأمة ليلة من سبع لزاد على النصف مما للحرة فإن حق الحرة من كل ثمان ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة فلم يرد أن يزيدهن على الواجب لهن فقسم بينهن سبعا فماذا يصنع في الليلة الثامنة ؟ إن أوجبنا عليه مبيتها عند حرة فقد زادها على ما يجب لها وإن باتها عند الأمة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه وعلى ما اخترن تكون هذه الليلة الثامنة له إن أحب انفرد فيها وإن أحب بات عند الأولى مستأنفا للقسم وإن كان عنده حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال من ثمان وله الانفراد في خمس وإن كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث وإن كان حرتان وأمتان فلهن ست وله اثنتان وإن كانت أمة واحدة فلها ليلة وله سبع وعلى قولهم لها ليلة وله ست

فصل : والوطء واجب على الرجل
فصل : والوطء واجب على الرجل إذا لم يكن له عذر وبه قال مالك وعلى قول القاضي لا يجب إلا أن يتركه للأضرار وقال الشافعي لا يجب عليه لأنه حق له فلا يجب عليه كسائر حقوقه
ولنا ما تقدم في الفصل الذي قبله وفي بعض روايات حديث كعب أنه حين قضى بين الرجل وامرأته قال : إن لها عليك حقا يا بعل تصيبها في أربع لمن عدل فأعطها ذاك ودع عنك العلل فاستحسن عمر قضاءه ورضيه ولأنه حق واجب وبالإنفاق وإذا حلف على تركه فيجب قبل أن يحلف كسائر الحقوق الواجبة يحقق هذا إنه لو لم يكن واجبا لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر ما لا يجب ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة كإفصائه إلى دفع ذلك عن الرجل فيجب تعليله بذلك ويكون النكاح حقا لهما جميعا ولأنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب استذانها في العزل كالأمة
إذا ثبت وجوبه فهو مقدر بأربعة أشهر نص عليه أحمد ووجهه إن الله تعالى قدره بأربعة أشهر في حق المولى فكذلك في حق غيره لأن اليمين لا توجب ما حلف على تركه فيدل على أنه واجب بدونها فإن أصر على ترك الوطء وطالبت المرأة فقد روى ابن منصور عن أحمد في رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها يقول : غدا أدخل بها إلى شهر هل يجبر على الدخول ؟ فقال أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما فجعله أحمد كالمولى
وقال أبو بكر بن جعفر لم يرو مسألة ابن منصور غيره وفيها نظر وظاهر قول أصحابنا أنه لا يفرق بينهما لذلك وهو قول أكثر الفقهاء لأنه لو ضرب له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للإيلاء أثر ولا خلاف في اعتباره

فصل : وإن سافر عن امرأته سقط حقها من القسم
فصل : وإن سافر عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره ولذلك لا يصح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة وإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع فإن أحمد ذهب إلى توقيته بستة أشهر فإنه قيل له كم يغيب الرجل عن زوجته ؟ قال ستة أشهر يكتب إليه فإن أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما وإنما صار إلى تقديره بهذا الحديث عمر رواه أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم قال : بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة في بيتها وهي تقول :
( تطاول هذا الليل واسود جانبه ... وطال على أن لا خليل ألاعبه )
( ووالله لولا خشية الله وحده ... لحرك من هذا السرير جوانبه )
فسأل عنها عمر فقيل له هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث إلى زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال يا بنية كم تصبر المرأة على زوجها ؟ فقالت سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا فقال لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك ؟ قالت : خمسة أشهر أو ستة أشهر فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة ويسيرون شهرا راجعين وسئل أحمد كم للرجل أن يغيب عن أهله ؟ قال : يروى ستة أشهر وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لأمر لا بد له فإن غاب أكثر من ذلك لغير عذر فقال بعض أصحابنا : يراسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ نكاحه ومن قال لا يفسخ نكاحه إذا ترك الوطء وهو حاضر فههنا أولى وفي جميع ذلك لا يجوز الفسخ عند من يراه إلا بحكم حاكم لأنه مختلف فيه

فصول : وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة
فصل : وسئل أحمد يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة ؟ فقال أي والله يحتسب الولد وإن لم يرد الولد يقول هذه امرأة شابة لم لا يؤجر ؟ وهذا صحيح فإن أبا ذر روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ مباضعتك أهلك صدقة - قلت يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر ؟ قال - أرأيت لو وضعه في غير حقه كان عليه وزر ؟ قال : قلت : بلى قال : - أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير ] ولأنه وسيلة إلى الولد وإعفاف نفسه وامرأته وغض بصره وسكون نفسه أو إلى بعض ذلك
فصل : وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن قال أحمد في الرجل له امرأتان : له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسى إذا كانت الأخرى في كفاية ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج فسقط وجوبه كالتسويه في الوطء

مسألة وفصول : عماد القسم الليل والنهار تبع وفروع في القسم بين الزوجات
مسألة : قال : وعماد القسم الليل
لا خلاف في هذا وذلك لأن الليل للسكن والإيواء يأوي فيه الإنسان إلى منزله ويسكن إلى أهله وينام في فراشه مع زوجته عادة والنهار للمعاش والخروج والتكسب والاشتغال قال الله تعالى : { وجعل الليل سكنا } وقال تعالى : { وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا } وقال { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } فعلى هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلة وليلة ويكون في النهار في معاشه وقضاء حقوق الناس وما شاء مما يباح له إلا أن يكون ممن معاشه بالليل كالحراس ومن أشبههم فإنه يقسم بين نسائه بالنهار ويكون الليل في حقه كالنهار في حق غيره
فصل : والنهار يدخل في القسم تبعا لليل بدليل ما روي أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه وقالت عائشة قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي وفي يومي وإنما قبض النبي صلى الله عليه و سلم نهارا ويتبع اليوم الليلة الماضية لأن النهار تابع الليل ولهذا يكون أول الشهر الليل ولو نذر اعتكاف شهر دخل معتكفه قبل غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه بعد غروب شمس آخر يوم منه فيبدأ بالليل وإن أحب أن يجعل النهار مضافا إلى الليل الذي يتعقبه جاز لأن ذلك لا يتفاوت
فصل : فإن خرج من عند بعض نسائه في زمانها فإن كان ذلك في النهار أو أول الليل أو آخره الذي جرت العادة بالأنتشار فيه والخروج إلى الصلاة جاز فإن المسلمين يخرجون لصلاة العشاء ولصلاة الفجر قبل طلوعه وأما النهار فهو المعاش والانتشار وإن خرج في غير ذلك ولم يلبث أن عاد لم يقض لها لأنه لا فائدة في قضاء ذلك وإن أقام قضاء لها سواء كانت إقامته لعذر من شغل أو حبس أو لغير عذر لأن حقها قد فات بغيبته عنها وإن أحب أن يجعل قضاءه لذلك غيبته عن الأخرى مثل ما غاب عن هذه جاز لأن التسوية تحصل بذلك ولأنه إذا جاز له ترك الليلة بكمالها في حق كل واحدة منهما فبعضها أولى ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت لأنه أبلغ في المماثلة والقضاء تعتبر المماثلة فيه كقضاء العبادات والحقوق وإن قضاه في غيره من الليل مثل أن فاتها في أول الليل فقضاه في آخره أو من آخره فقضاه في أوله ففيه وجهان :
أحدهما : يجوز لأنه قد قضى قدر ما فاته من الليل والآخر لا يجوز لعدم المماثلة إذا ثبت هذا فإنه لا يمكن قضاؤه كله من ليلة الأخرى لئلا يفوت حق الأخرى فتحتاج إلى قضاء ولكن إما أن ينفرد بنفسه في ليلة فيقضي منها وإما أن يقسم بينهن ويفضل هذه بقدر ما فات من حقها وإما أن يترك من ليلة كل واحدة مثل ما فات من ليلة هذه وإما أن يقسم المتروك بينهما مثل أن يترك من ليلة إحداهما ساعتين فيقضي لها من ليلة الأخرى ساعة واحدة فيصير الفائت على كل واحدة منهما ساعة
فصل : وأما الدخول على ضرتها في زمنها فإن كل ليلا لم يجز إلا لضرورة مثل أن يكون منزولا بها فيريد أين يحضرها أو توصي إليه أو ما لا بد منه فإن فعل ذلك ولم يلبث أن خرج لم يقض وإن أقام وبرئت المرأة المريضة قضى للأخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها وإن خرج لحاجة غير ضرورية أثم والحكم في القضاء كما لو دخل لضرورة لأنه لا فائدة في قضاء اليسير وإن دخل عليها فجامعها في زمن يسير ففيه وجهان :
أحدهما : لا يلزمه قضاؤه لأن الوطء لا يستحق في القسم والزمن اليسير لا يقضى
والثاني : يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما ولأن اليسير مع الجماع يحصل به السكن فأشبه الكثير وأما الدخول في النهار إلى المرأة في يوم غيرها فيجوز للحاجة من دفع النفقة أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لبعد عهده ونحو ذلك لما [ روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل علي في يوم فينال مني كل شيء إلا الجماع ] وإذا دخل إليها لم يجامعها ولم يطل عندها لأن السكن يحصل بذلك وهي لا تستحقه وفي الاستمتاع منها بما دون الفرج وجهان :
أحدهما : يجوز لحديث عائشة والثاني : لا يجوز لأنه يحصل لها به السكن فأشبه الجماع فإن أطال المقام عندها قضاه وإن جامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان على ما ذكرنا ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا إلا أنهم قالوا لا يقضي إذا جامع في النهار
ولنا أنه زمن يقضيه إذا طال المقام فيقضيه إذا جامع فيه كالليل
فصل : والأولى أن يكون لكل واحدة منهن مسكن يأتيها فيه لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقسم هكذا ولأنه أصون لهن وأستر حتى لا يخرجن من بيوتهن وإن اتخذ لنفسه منزلا يستدعي إليه كل واحدة منهن في ليلتها ويومها كان له ذلك لأن الرجل نقل زوجته حيث شاء ومن امتنعت منهن من إجابته سقط حقها من القسم لنشوزها وإن اختار أن يقصد بعضهن في منازلهن ويستدعي البعض كان له ذلك لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء وإن حبس الزوج فأحب القسم بين نسائه بأن يستدعي كل واحدة في ليلتها فعليهن طاعته إن كان ذلك سكنى مثلهن وإن لم يكن لم تلزمهن إجابته لأن عليهن في ذلك ضررا وإن أطعنه لم يكن له أن يترك العدل بينهن ولا استدعاء بعضهن دون بعض كما في غير الحبس

مسألتان وفصول : الستوية في الجماع بين الزوجات برضائهن
مسألة : قال : ولو وطئ زوجته ولم يطأ الأخرى فليس بعاص
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع وهو مذهب مالك و الشافعي وذلك لأن الجماع طريقة الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك فإن قلبه قد يميل إلى إحداهما دون الأخرى قال الله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } قال عبيدة السلماني في الحب والجماع وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فإنه أبلغ في العدل وقد [ كان النبي صلى الله عليه و سلم يقسم بينهن فيعدل ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك ] وروي أنه كان يسوي بينهن حتى في القبل ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبل واللمس ونحوهما لأنه إلا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى
مسألة : قال : ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية
وبهذا قال علي بن أبي طالب و سعيد بن المسيب و مسروق و الشافعي و إسحاق و أبو عبيدة وذكر أبو عبيدة مذهب الثوري و الأوزاعي وأهل الرأي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه يسوي بين الحرة والأمة في القسم لأنهما سواء في حقوق النكاح من النفقة والسكنى وقسم الابتداء كذلك ههنا
ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول : إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين رواه الدارقطني واحتج به أحمد ولأن الحرة يجب تسليمها ليلا ونهارا فكان حظها أكثر في الإيواء ويخالف النفقة والسكنى فإنه مقدر بالحاجة وحاجتها إلى ذلك كحاجة الحرة وأما قسم الإبتداء فإنما شرع ليزول الاحتشام من كل واحد منهما من صاحبه ولا يختلفان في ذلك وفي مسألتنا يقسم لهما ليتساوى حظهما
فصل : والمسلمة والكتابية سواء في القسم فلو كان له امرأتان أمة مسلمة وحرة كتابية قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانتا جميعا حرتين فليلة وليلة قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء كذلك قال سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و النخعي و الزهري فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسكنى ويفارق الأمة لأن الأمة لا يتم تسليمها ولا يحصل لها الإيواء التام بخلاف الكتابية
فصل : فإن اعتقت الأمة في أثناء مدتها أضاف إلى ليلتها ليلة أخرى لتساوي الحرة وإن كان بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساويا ولم يقض لها ما مضى لأن الحرية حصلت بعد استيفاء حقها وإن عتقت وقد قسم للحرة لم يزدها على ذلك لأنهما تساوتا فيسوي بينهما
فصل : والحق في القسم للأمة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها كالحرة وليس لسيدها الاعتراض عليها ولا أن يهبه دونها لأن الإيواء والسكن حق لها دون سيدها فملكت إسقاطه وذكر القاضي أن قياس قول أحمد أنه يستأذن سيد الأمة في العزل عنها أن لا تجوز هبتها لحقها من القسم إلا بإذنه ولا يصح هذا لأن الوطء لا يتناوله القسم فلم يكن للولي فيه حق ولأن المطالبة بالفيئة للأمة دون سيدها وفسخ النكاح بالجب والعنة لها دمن سيدها فلا وجه لإثبات الحق لها ههنا
فصل : ولا قسم على الرجل في ملك يمينه فمن كان له نساء وإماء فله الدخول على الإماء كيف شاء والاستمتاع بهن إن شاء كالنساء وإن شاء أقل وإن أكثر وإن شاء ساوى بين الإماء وإن شاء فضل وإن شاء استمتع من بعضهن دون بعض بدليل قول الله تعالى : { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } وقد كان للنبي صلى الله عليه و سلم مارية القبطية وريحانة فلم يكن يقسم لهما ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بكون السيد مجبوبا أو عنينا ولا تضرب لها مدة الإيلاء لكن إن احتاجت إلى النكاح فعليه إعفافها إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها
فصل : ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن وقال القاضي : له أن يقسم ليلتين ليلتين وثلاثا وثلاثا ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن والأولى مع هذا ليلة وليلة لأنه أقرب لعهدهن به وتجوز الثلاث لأنها في حد القلة فهي كالليلة وهذا مذهب الشافعي
ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما قسم ليلة ليلة ولأن التسوية واجبة وإنما جوزت البداءة بواحدة لتعذر الجمع فإذا بات عند واحدة ليلة تعينت الليلة الثانية حقا للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها ولأنه تأخير لحقوق بعضهن فلم يجز بغير رضاهن كالزيادة على الثلاث ولأنه إذا كان له أربع نسوة فجعل لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الأخيرة في تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد أن يجعل لكل واحدة تسعا ولأن للتأخير آفات فلا يجوز مع إمكان التعجيل بغير رضا المستحق كتأخير الدين الحال والتحديد بالثلاث تحكم لا يسمع من غير دليل وكونه في حد القلة لا يوجب جواز تأخير الحق كالديون الحالة وسائر الحقوق
فصل : فإن قسم لإحداهما ثم طلق الأخرى قبل قسمها أثم لأنه فوت حقها الواجب لها فإن عادت إليه برجعة أو نكاح قضى لها لأنه قدر على إيفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين فإن قسم لإحداهما ثم جاء ليقسم للثانية فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت لا تدخل علي أو لا تبت عندي أو ادعت الطلاق سقط حقها من القسم
فإن عادت بعد ذلك إلى المطاوعة استأنف القسم بينهما ولم يقض الناشز لأنها أسقطت حق نفسها وإن كان له أربع نسوة فأقام عند ثلاث منهن ثلاثين ليلة لزمه أن يقيم عند الرابعة عشرا لتساويهن فإن نشزت إحداهن عليه وظلم واحدة فلم يقسم لها وأقام عند الاثنتين ثلاثين ليلة ثم أطاعته الناشز وأراد القضاء للمظلومة فإنه يقسم لها ثلاثا وللناشز ليلة خمسة أدوار فيكمل للمظلومة خمس عشرة ليلة ويحصل الناشز خمس ثم يستأنف القسم بين الجميع فإن كان له ثلاث نسوة فقسم بين اثنتين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة ثم تزوج جديدة ثم أراد أن يقضي المظلومة فإنه يخص الجديدة بسبع إن كانت بكرا وثلاث إن كانت ثيبا لحق العقد ثم يقسم بينها وبين المظلومة خمسة أدوار على ما قدمنا للمظلومة من كل دور ثلاثا وواحدة للجديدة
فصل : فإن كان امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما عنه بذلك فأما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها وإما أن يقدمها إليه ويجمع بينهما في بلد واحد فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان سقط حقها لنشوزها وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن كشهر وشهر وأكثر أو أقل على حسب ما يمكنه وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما
فصل : ويجوز للمرأة أن تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها أو لهن جميعا ولا يجوز إلا برضا الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه فإذا رضيت هي والزوج جاز لأن الحق في ذلك لهما لا يخرج عنهما فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع بها ثابت في كل وقت إنما منعته المزاحمة صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه في الاستمتاع بها وإن كرهت كما لو كانت منفردة وقد ثبت أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة متفق عليه ويجوز ذلك في جميع الزمان وفي بعضه فإن سودة وهبت يومها في جميع زمانها وروى ابن ماجة [ عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجد على صفية بنت حيي في شيء فقالت صفية لعائشة هل لك أن ترضي عني رسول الله صلى الله عليه و سلم ولك يومي ؟ فأخذت خمارا مصبوغا بزعفران فرشته ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إليك يا عائشة أنه ليس يومك قالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فأخبرته بالأمر فرضي عنها ] فإذا ثبت هذا فإن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها صار القسم بينهن كما لو طلق الواهبة وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء لأنه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع وإن شاء خص بها واحدة منهن وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض وإن وهبتها لواحدة منهن كفعل سودة جاز ثم إن كانت تلك الليلة تلي ليلة الموهوبة وإلى بينهما وإن كانت لا تليها لم يجز له الموالاة بينهما إلا برضاء الباقيات ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة لأن الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها كما لو كانت باقية للواهبة ولأن في ذلك تأخير حق غيرها وتغييرا لليلتها بغير رضاها فلم يجز وكذلك الحكم إذا وهبتها للزوج فآثر بها امرأة منهن بعينها وفيه وجه آخر إنه يجوز الموالاة بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق والأول أصح وقد ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز إطراحها
ومتى رجعت الواهبة في ليلتها فلها ذلك في المستقبل لأنها هبة لم تقبض وليس لها الرجوع فيما مضى لأنه بمنزلة المقبوض ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئا لأن التفريط منها
فصل : فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال فلا يجوز مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالا لزمها رده عليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها وإن كان عوضها غير المال مثل إرضاء زوجها أو غيره عنها جاز فإن عائشة أرضت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صفية وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم ينكره

مسألة : سفر المرأة بإذن زوجها وحكم نفقها وكسوتها
مسألة : قال : وإذا سافرت زوجته بإذنه فلا نفقة لها ولا قسم وإن كان هو أشخصها فهي على حقها من ذلك
وجملة الأمر أنها إذا سافرت في حاجتها بإذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج أو عمرة لم يبق لها حق في نفقة ولا قسم هكذا ذكر الخرقي والقاضي وقال أبو الخطاب في ذلك وجهان ول الشافعي فيه قولان أحدهما : لا يسقط حقها لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه
ولنا أن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فسقط كما لو تعذر ذلك قبل دخوله بها وفارق ما إذا سافرت معه لأنه لم يتعذر ذلك ويحتمل أن يسقط القسم وجها واحدا لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها بسفرها كان أولى ويكون في النفقة الوجهان وفي هذا تنبيه على سقوطهما إذا سافرت بغير إذنه فإنه إذا سقط حقها من ذلك لعدم التمكين بأمر ليس فيه نشوز ولا معصية فلأن يسقط بالنشوز والمعصية أولى وهذا لا خلاف فيه نعلمه فأما إن أشخصها وهو أن يبعثها لحاجته أو يأمرها بالنقلة من بلدها لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم لأنها لم تفوت عليه التمكين ولا فات من جهتها وإنما حصل بتفويته فلم يسقط حقها كما لو أتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها وإن سافرت معه فهي على حقها منهما جميعا

مسألة : حكم سفر الرجل وغيبته
مسألة : قال : وإذا أراد سفرا فلا يخرج معه منهن إلا بقرعة فإذا قدم ابتدأ القسم بينهن
وجملته أن الزوج إذا أراد سفرا فأحب حمل نسائه معه كلهن أو تركهن كلهن لم يحتج إلى قرعه لأن القرعة لتعيين المخصوص منهن بالسفر وههنا قد سوى وإذا أراد السفر ببعضهن لم يجز له أن يسافر بها إلا بقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي من مالك أنه له ذلك من غير قرعة وليس بصحيح فإن عائشة روت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه وأيتهن خرج سهمها خرج بها معه متفق عليه ولأن في المسافرة ببعضهن من غير قرعة تفضيلا لها وميلا إليها فلم يجز بغير قرعة كالبداية بها في القسم
وأن أحب المسافرة بأكثر من وحدة أقرع أيضا فقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه فصارت القرعة لعائشة وحفصة رواه البخاري ومتى سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كما يسوي بينهن في الحضر ولا يلزمه القضاء للحاضرات بعد قدومه وهذا معنى قول الخرقي فإذا قدم ابتدأ القسم بينهن وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن داود أنه يقضي لقول الله تعالى : { فلا تميلوا كل الميل }
ولنا أن عائشة لم تذكر قضاء في حديثها ولأن هذه التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء ما حصل لها من السكن ولا يحصل لها من السكن مثل ما يحصل في الحضر فلو قضى للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل لكن إن سافر بإحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك لا يقضي لأن قسم الحضر ليس بمثل لقسم السفر فيتعذر القضاء
ولنا : أنه خص بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا إذا ثبت هذا فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة وإنما يقضي منها ما أقام منها معها بمبيت ونحوه فأما زمان السير فلم يحصل لها منه إلا التعب والمشقة فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتا عندها واستمتاعا بها لمال كل الميل

مسألة وفصلان : اصطحاب زوجة في السفر والقرعة بينهن
فصل : إذا خرجت القرعة لإحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن القرعة لا توجب وإنما تعين من تستحق التقديم وإن أراد السفر بغيرها لم يجز لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها إلى غيرها وإن وهبت حقها من ذلك لغيرها جاز إذا رضي الزوج لأن الحق لها فصحت هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ولا يجوز بغير رضا الزوج لما ذكرنا في هبة الليلة في الحضر وإن وهبته للزوج أو للجميع جاز وإن امتنعت من السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج وإن أبى فله إكراهها على السفر معه لما ذكرنا وإن رضي بذلك أستأنف القرعة بين البواقي وإن رضي الزوجات كلهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز لأن الحق لهن إلا أن لا يرضى الزوج ويريد غير من اتفقن عليها فيصار إلى القرعة ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى وذكر القاضي احتمالا ثانيا أنه يقضي للبواقي في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة وهو وجه لأصحاب الشافعي
ولنا أنه سافر بها بقرعة فلم يقض كالطويل ولو كان في حكم الإقامة لم تجز المسافرة بإحداهن دون الأخرى كما لا يجوز إفراد إحداهن بالقسم دون الأخرى ومتى سافر بإحداهن بقرعة ثم بدا له فأبعد السفر نحو أن يسافر إلى بيت المقدس ثم يبدو له فيمضي إلى مصر فله استصحابها معه لأنه سفر واحد قد أقرع له وإن أقام في بلدة مدة إحدى وعشرين صلاة فما دون لم يحتسب عليه بها لأنه في حكم السفر تجري عليه أحكامه وإن زاد على ذلك قضى الجميع مما أقامه لأنه خرج عن حكم السفر وإن أزمع على المقام قضى ما أقامه وإن قل لأنه خرج عن حكم السفر ثم إذا خرج بعد ذلك إلى بلده أو بلد أخرى لم يقض ما سافره لأنه في حكم السفر الواحد وقد أقرع له
فصل : إذا أراد الانتقال بنسائه إلى بلد آخر فأمكنه استصحابهن كلهن في سفره فعل ولم يكن له إفراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن فإن خص إحداهن قضى للباقيات كالحاضر فإن لم يمكنه صحبة جميعهن أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعا مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ولا يقضي لأحد ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن وإن أراد إفراد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لأنه صار مقيما وانقطع حكم السفر عنه
فصل : إذا كانت له امرأة فتزوج أخرى وأراد السفر بهما جميعا قسم للجديدة سبعا إن كانت بكرا وثلاثا إن كانت ثيبا ثم يقسم بعد ذلك بينها وبين القديمة وإن أراد السفر بإحداهما أقرع بينهما فإن خرجت قرعة الجديدة سافر به معه ودخل حق العقد في قسم السفر لأنه نوع قسم وإن وقعت القرعة للأخرى سافر بها فإن حضر قضى للجديدة حق العقد لأنه سافر بعد وجوبه عليه وإن تزوج إثنتين وعزم على السفر أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة ويدخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم قضى للثانية حق العقد في أحد الوجهين لأنه حق وجب لها قبل سفره يؤده إليها فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه
والثاني : لا يقضيه لئلا يكون تفضيلا لها على التي سافر بها لأنه لا يحصل للمسافرة من الإيواء والسكن والمبيت عندها مثل ما يحصل في الحضر فيكون ميلا فيتعذر قضاؤه فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى أتمه في الحضر وقضى للحاضرة مثله وجها واحدا وفيما زاد الوجهان
ويحتمل في المسألة الأولى وجها ثالثا وهو أن يستأنف قضاء حق العقد لكل واحدة منهما ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد وهذا أقرب إلى الصواب من إسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط

مسألة وفصول : تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة وفروع في أحكام الفسخ
مسألة : قال : وإذا أعرس عند بكر أقام عندها سبعا ثم دار ولا يحتسب عليها بما أقام عندها وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا ثم دار ولا يحتسب عليها أيضا بما أقام عندها
متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة قطع الدور وأقام عندها سبعا إن كانت بكرا ولا يقضيها للباقيات وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا ولا يقضيها إلا أن تشاء هي أن يقيم عندها سبعا فإنه يقيمها عندها ويقضي الجميع للباقيات روي ذلك عن أنس وبه قال الشعبي و النخعي و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و ابن المنذر وروى عن سعيد بن المسيب و الحسن و خلاس بن عمرو و نافع مولى ابن عمر للبكر ثلاث وللثيب ليلتان ونحوه قال الأوزاعي وقال الحكم و حماد وأصحاب الرأي : لا فضل للجديدة في القسم فإن أقام عندها شيئا قضاه للباقيات لأنه فضلها بمدة فوجب قضاؤها كما لو أقام عند الثيب سبعا
ولنا ما روى أبو قلابة عن أنس قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم قال أبو قلابة لو شئت لقلت أن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم متفق عليه و [ عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا وقال : ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي ] رواه مسلم وفي لفظ [ وإن شئت ثلثت ثم درت ] وفي لفظ [ وإن شئت زدتك ثم حاسبتك به للبكر سبع وللثيب ثلاث ] وفي لفظ رواه الدارقطني [ إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شئت سبعت لك ثم سبعت لنسائي ] وهذا يمنع قياسهم ويقدم عليه وقال ابن عبد البر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب على ما قلناه وليس مع من خالفنا حديث مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة
فصل : والأمة والحرة في هذا سواء ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه أحدها : كقولنا : والثاني : الأمة على النصف من الحرة كسائر القسم والثالث : للبكر من الإماء أربع وللثيب ليلتان تكميلا لبعض الليلة
ولنا عموم قوله عليه السلام : [ للبكر سبع وللثيب ثلاث ] ولأنه يراد للأنس وإزالة الاحتشام والأمة والحرة سواء في الحاجة إليه فاستويا فيه كالنفقة
فصل : يكره أن يزف إليه امرأتان في ليلة واحدة أو في مدة حق عقد إحداهما لأنه لا يمكنه أن يوفيهما حقهما وتستضر التي لا يوفيها حقها وتستوحش فإن فعل فأدخلت إحداهما قبل الأخرى بدأ بها فوفاها حقها ثم عاد فوفى الثانية ثم ابتدأ القسم وإن زفت الثانية في أثناء مدة حق العقد أتمه للأولى ثم قضى حق الثانية وإن أدخلتا عليه جميعا في مكان واحد أقرع بينهما وقدم من خرجت لها القرعة منهما ثم وفى الأخرى بعدها
فصل : وإذا كانت عنده امرأتان فبات عند إحداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية قدم المزفوفة بلياليها لأن حقها آكد لأنه ثبت بالعقد وحق الثانية ثبت بفعله فإذا قضى حق الجديدة بدأ بالثانية فوفاها ليلتها ثم يبيت عند الجديدة ثم يبتدئ القسم وذكر القاضي أنه إذا وفى الثانية ليلتها بات عند الجديدة نصف ليلة ثم يبتدئ القسم لأن الليلة التي يوفيها للثانية نصفها من حقها ونصفها من حق الأخرى فيثبت للجديدة في مقابلة ذلك نصف ليلة بإزاء ما حصل لكل واحدة من ضرتيها وعلى هذا القول يحتاج أن ينفرد بنفسه في نصف ليلة وفيه حرج فإنه ربما لا يجد مكانا ينفرد فيه أو لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة أو المجيء منه وفيما ذكرناه من البداية بها بعد الثانية وفاء بحقها بدون هذا الحرج فيكون أولى إن شاء الله
فصل : وحكم السبعة والثلاثة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم في إن عماده الليل وله الخروج نهارا لمعاشه وقضاء حقوق الناس وإن تعذر عليه المقام عندها ليلا لشغل أو حبس أو ترك ذلك لغير عذر قضاء لها وله الخروج لصلاة الجماعة فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يترك الجماعة لذلك ويخرج لما لا بد له منه فإن أطال قضاه وإن كان يسيرا فلا قضاء عليه

مسألة وفصلان : ظهور إمارات النشوز من المرأة والرجل وأحكامه
مسألة : قال : وإذا ظهر منها ما يخاف معه نشوزها وعظها فإن أظهرت نشوزا هجرها فإن أردعها وإلا فله أن يضربها ضربا لا يكون مبرحا
معنى النشوز معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما أوجب الله عليها من طاعته فمتى ظهرت منها أمارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية وما يسقط بذلك من حقوقها من النفقة والكسوة وما يباح له من ضربها وهجرها لقول الله تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } فإن أظهرت النشوز وهي أن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع لقول الله تعالى : { واهجروهن في المضاجع } قال ابن عباس : لا تضاجعها في فراشك فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ] وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة وقد روي عن أحمد إذا عصت المرأة زوجها فله ضربها ضربا غير مبرح فظاهر هذا إباحة ضربها بأول مرة لقول الله تعالى : { واضربوهن } ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت ولأن عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود ووجه قول الخرقي المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل كمن هجم منزله فأراد إخراجه وأما قوله : { واللاتي تخافون نشوزهن } الآية ففيها إضمار تقديره : واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن كما قال سبحانه : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف في أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره ول الشافعي قولان كهذين فإن لم ترتدع بالوعظ والهجر فله ضربها لقوله تعالى : { واضربوهن } وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ] رواه مسلم معنى غير مبرح أي ليس بالشديد قال الخلال : سألت أحمد بن يحيى عن قوله ضربا غير مبرح قال غير شديد وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف وقد روى أبو داود [ عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال : قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن يطعمها إذا طعمت ويكسوها إذا اكتست ولا يقبح ولا يهجر إلا في البيت ] وروى عبد الله بن زمعه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يجد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط ] لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ] متفق عليه
فصل : وله تأديبها على ترك فرائض الله وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة عليه قال على فرائض الله وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربا رفيقا غير مبرح وقال علي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى : { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } قال : علموهم أدبوهم وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ رحم الله عبدا علق في بيته سوطا يؤدب أهله ] فإن لم تصل فقد قال أحمد : أخشى أن لا يحل لرجل يقيم مع امرأة لا تصلي ولا تغتسل من جنابة ولا تتعلم القرآن قال أحمد : في الرجل يضرب امرأته لا ينبغي لأحد أن يسأله ولا أبوها لم ضربتها والأصل في هذا ما روى الأشعث عن عمر أنه قال : يا أشعث أحفظ عني شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا تسألن رجلا فيم ضرب إمرأته ] رواه أبو داود ولأنه قد يضربها لأجل الفراش فإن أخبر بذلك استحيا وإن أخبر بغير كذب
فصل : وإذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها لرغبته عنها إما لمرض بها أو كبر أو دمامة فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها تسترضيه بذلك لقول الله تعالى : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا } روى البخاري عن عائشة ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا ) قالت : هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج عليها تقول له : أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي
و [ عن عائشة أن سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : يا رسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم منها قالت في ذلك أنزل الله جل ثناؤه وفي أشباهها أراه قال : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } ] رواه أبو داود ومتى صالحته على ترك شيء من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله جاز فإن رجعت فلها ذلك قال أحمد : في الرجل يغيب عن امرأته فيقول لها إن رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم فتقول قد رضيت فهو جائز فإن شاءت رجعت

مسألة وفصلان : أحكام الشقاق بين الزوجين والقول في الحكمين
مسألة : قال : والزوجان إذا وقعت بينهما العداوة وخشي عليهما أن يخرجهما ذلك إلى العصيان بعث الحاكم من أهله وحكما من أهلها مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما بأن يجمعا إذا رأيا أو يفرقا فما فعلا من ذلك لزمهما
وجملة ذلك أن الزوجين إذا وقع بينهما شقاق نظر الحاكم فإن بان له أنه من المرأة فهو نشوز قد مضى حكمه وإن بان أنه من الرجل أسكنهما إلى جانب ثقة يمنعه من الإضرار بها والتعدي عليها وكذلك إن بان من كل واحد منهما تعد أو ادعى كل واحد منهما أن الآخر ظلمه اسكنهما إلى جانب من يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف فإن لم يتهيأ ذلك وتمادى الشر بينهما وخيف الشقاق عليهما والعصيان بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها فنظرا بينهما وفعلا ما يريان المصلحة فيه من جمع أو تفريق لقول الله تعالى : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما }
واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الحكمين ففي إحدى الروايتين عنه إنهما وكيلان لهما لا يملكان التفريق لهما إلا بإذنهما وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي وحكي ذلك عن الحسن و أبي حنيفة لأن البضع حقه والمال حقها وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما أو ولاية عليهما والثانية : إنهما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغير عوض ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما روي نحو ذلك عن عي وابن عباس وأبي سلمة بن عبد الرحمن و الشعبي و النخعي و سعيد بن جبير و مالك و الأوزاعي و إسحاق و ابن المنذر لقول الله تعالى : { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } فسماهما حكمين ولم يعتبر رضا الزوجين ثم قال : { إن يريدا إصلاحا } فخاطب الحكمين بذلك
وروى أبو بكر بإسناده عن عبيدة السلماني أن رجلا وامرأة أتيا عليا مع كل واحد منهما فئام من الناس فقال علي رضي الله عنه : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فبعثوا حكمين ثم قال علي للحكمين : هل تدريان ما عليكما من الحق ؟ عليكما من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله علي ولي فقال الرجل : أما الفرقة فلا فقال علي : كذبت حتى ترضى بما رضيت به وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك ويروى أن عقيلا تزوج فاطمة بنت عتبة فتخاصما فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان فبعث حكما من أهله عبد الله بن عباس وحكما من أهلها معاوية فقال ابن عباس : لأفرقن بينهما وقال معاوية : ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف فلما بلغ الباب كانا قد غلقا الباب واصطلحا ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كما يقضي الدين عنه من ماله إذا امتنع ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع إذا ثبت هذا فإن الحكمين لا يكونان إلا عاقلين بالغين عدلين مسلمين لأن هذه من شروط العدالة سواء قلناهما حاكمان أو وكيلان لأن الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إلا عدلا كما لو نصب وكيلا لصبي أو مفلس ويكونان ذكرين لأنه مفتقر إلى الرأي والنظر قال القاضي : ويشترط كونهما حرين وهو مذهب الشافعي لأن العبد عنده لا تقبل شهادته فتكون الحرية من شروط العدالة والأولى أن يقال إن كانا وكيلين لم تعتبر الحرية لأن توكيل العبد جائز وإن كانا حكمين اعتبرت الحرية لأن الحاكم لا يجوز أن يكون عبدا ويعتبر أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق لأنهما يتصرفان في ذلك فيعتبر علمهما به والأولى أن يكونا من أهلهما لأمر الله تعالى بذلك ولأنهما أشفق وأعلم بالحال فإن كانا من غير أهلهما جاز لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة فكان الأمر بذلك إرشادا واستحبابا فإن قلناهما وكيلان فلا يفعلان شيئا حتى يأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو صلح وتأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا وإن قلنا إنهما حكمان فإنهما يمضيان ما يريانه من طلاق وخلع فينفذ ذلك عليهما رضياه أو أبياه
فصل : فإن غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث حكمين جاز للحكمين إمضاء رأيهما إن قلنا إنهما وكيلان لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة وإن قلنا إنهما حاكمان لم يجز لهما إمضاء الحكم لأن كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه والقضاء للغائب إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم التوكيل لا بالحكم وإن كان أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته وإن جن أحدهما بطل حكم وكيله لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل وإن كان حاكما لم يجز له الحكم لأن من شرط ذلك بقاء الشقاق وحضور المتداعيين ولا يتحقق ذلك مع الجنون
فصل : فإن شرط الحكمان شرطا أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشترطا ترك بعض النفقة والقسم لم يلزم الوفاء به لأنه إذا لم يلزم برضا الموكلين فبرضا الوكيلين أولى وإن أبرأ وكيل المرأة من الصداق او دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع وإن أبرأ وكيل الزوج من دين له أو من الرجل لم تبرأ الزوجة لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق

كتاب الخلع : مسألة : قال : المرأة إذا كانت مبغضة للرجال وتكره أن تمنعه ما تكون عاصة
مسالة : قال : و المرأة إذا كانت مبغضة للرجل وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه
وجمله الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك وخشيت أن لا تؤدي
حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } و [ روي أن رسول الله خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول صلى الله عليه و سلم : ما شانك ؟ قالت : لا أنا ولا ثابت لزوجها فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذه حبيبه بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبه : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم كل ما اعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لثابت بن قيس : خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها ] وهذا حديث صحيح ثابت رواه الأئمة مالك و احمد وغيرهما وفي رواية البخاري قال : [ جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله ما انقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتردين عليه حديقته ؟ فقالت نعم فردتها عليه وأمره ففارقها ] وفي رواية فقال له : [ اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ] وبهذا قال جمع الفقهاء بالحجاز والشام قال ابن عبد البر : ولا نعلم أحد خالفه إلا بكر ابن عبد الله المزني فإنه لم يجزه وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله سبحانه : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج }
وروى عن ابن سيرين و أبي قلابة أن لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لقول الله تعالى : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة }
ولن الآية التي تلوناها والخبر وانه قول عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة لم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فيكون إجماعا ودعوى النسخ لا تسمع حتى يبث تعذر الجمع وأن الآية الناسخة متأخرة ولم يبث شيء من ذلك إذا ثبت هذا فأن هذا يسمى خلعا لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها قال الله تعالى : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } ويسمى افتداء لأنها تفتدي نفسها بمال تبذله قال الله تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به }

فصلان : لا يفتقر الخلع إلى حاكم
فصل : ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه احمد فقال : يجوز الخلع دون السلطان وروى البخاري ذلك عن عمر وعثمان رضى الله عنهما وبه قال شريح و الزهري و مالك و الشافعي و إسحاق وأهل الرأي وعن الحسن و ابن سيرين لا يجوز إلا عند السلطان
ولنا قول عمر وعثمان ولأنه معاوضة فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح ولأنه قطع عقد بالتراضي أشبه الإقالة
فصل : ولا باس بالخلع في الحيض والطهر الذي أصابها فيه لأن المنع من الطلاق في الحيض من اجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه وذلك أعظم من ضرر طول العدة فجاز دفع أعلامها بأدناهما وذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه و سلم المختلعة عن حالها ولأن ضرر تطويل العدة عليها والخلع يحصل بسؤالها فيكون ذلك رضاء منها به ودليلا على رجحان مصلحتها فيه

مسالة : ولا يستحب أن يأخذ أكثر مما أعطاها
مسألة : قال : ولا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها
هذا القول يدل على صحة الخلع بأكثر من الصداق وانهما إذا تراضيا على الخلع بشيء صح وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وابن عكرمة و مجاهد و قبيصة بن ذؤيب و النخعي و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزا وقال عطاء وطاوس والزهري وعمر بن شعيب لا يأخذ اكثر مما أعطاها وروي ذلك عن علي بإسناد منقطع واختاره أبو بكر قال : فإن فعل ذلك رد الزيارة وعن سعيد بن المسيب قال : ما أرى أن يأخذ كل مالها ولكن ليدع لها شيئا واحتجوا بما روي أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : والله ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق ولكن أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم أتردين عليه حديقته قالت : نعم فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد رواه ابن ماجة و لأنه بدل في مقابلة فسخ فلم يزد على قدره في ابتداء العقد كالعوض في الإقالة ولنا قول الله تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ولأنه قول من سمينا من الصحابة قالت الربيع بنت معوذ : اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه ومثل هذا يشتهر فلم ينكر فيكون إجماعا ولم يصح عن علي خلافه فإذا ثبت هذا فانه لا يستحب له أن يأخذ اكثر مما أعطاها وبذلك قال سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و الحكم و حماد و إسحاق و أبو عبيد فأن فعل جاز مع الكراهة ولم يكره أبو حنيفة و مالك و الشافعي قال مالك : لم أزل أسمع إجازة الفداء بأكثر من الصداق ولنا حديث جميلة وروي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنة كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها رواه أبو حفص بإسناده وهو صريح في الحكم فنجمع بين الآية والخبر فنقول الآية دالة على الجواز والنهي عن الزيادة للكراهة والله اعلم

مسالة : لو خالعته لغير ما ذكر كره لها ذلك
مسألة : قال : لو خالعته لغير ما ذكرنا كره لها ذلك ووقع الخلع
في بعض النسخ بغير ما ذكرنا بالباب فيحتمل أنه أراد بأكثر من صداقها وقد ذكرنا ذلك في المسألة التي قبل هذه والظاهر انه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من ان لا تقيم حدود الله لأنه لو أراد الأول لقال كره له فلما قال : كره لها دل على انه أراد مخالعتها له والحال عامرة والأخلاق ملتئمة فإنه يكره لها ذلك فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم ابو حنيفه و الثوري و مالك و الأوزاعي و الشافعي ويحتمل كلام أحمد تحريمه فان قال : الخلع مثل حديث سهله تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع وهذا يدل على انة لا يكون الخلع صحيحا إلا في هذه الحال وهذا قول ابن المنذر وداود وقال ابن المنذر : وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من اهل العلم وذلك لان الله تعالى قال : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فدل بمفهومه على ان الجناح لاحق بهما اذا افتدت من غير خوف ثم غلظ بالوعيد فقال : { تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون }
وروى ثوبان [ قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أيما إمرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بائس فحرام عليها رائحة الجنة ] رواه أبو داود وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ] رواة أبو حفص ورواة احمد في المسند وذكره محتجا به وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة ولأنة إضرار بها وبزوجها وإزالة المصالح النكاح من غير حاجة فحرم لقول علية السلام [ لا ضرر ولا ضرار ] واحتج من أجازه بقول الله تعالى { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } قال ابن المنذر لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضة بدليل الربا حرمه الله في العقد وأباحه في الهبة والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمه على عموم آية الجواز مع ما عضدهامن الأخبار والله أعلم

مسالة : حكم ما لو عضل زوجته وضارها
فصل : فاما إن عضل زوجته وضارها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود روي ذلك عن ابن عباس و عطاء و مجاهد و الشعبي و النخعي و القاسم بن محمد و عروه و عمرو بن شعيب و حميد بن عبد الرحمن و الزهري وبه قال مالك و الثوري و قتادة و الشافعي و اسحاق وقال ابو حنيفة : العقد صحيح والعوض لازم وهوآثم عاص ولنا قول الله تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } وقال الله تعالى : { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } ولأنه عوض أكرهن على بذلة بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع والأجر في الإجارة وإذا لم يملك العوض وقلنا الخلع طلاق وقع الطلاق بغير عوض فإن كان أقل من ثلاث فله رجعتها لأن الرجعة إنما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة وإن قلنا هو فسخ ولم ينوبه الطلاق لم يقع شيء لأن الخلع بغير عوض لا يقع على إحدى الروايتين وعلى الرواية الأخرى أنما رضي بالفسخ ههنا بالعوض فإذا لم يحصل له العوض لا يحصل المعوض
وقال مالك : ان أخذ منها شيئا على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه ويتخرج لنا مثل ذلك إذا قلنا يصح الخلع بغير عوض

فصول : حكم مالو أتت بفاحشة فعضلها
فصل : فأما إن ضربها على نشوزها ومنعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لأن ذلك لا يمنعهاأن لا يخافا أن لا يقيما حدود الله وفي بعض حديث حبيبةإنها كانت تحت ثابت بن قيس فضربها فكسر ضلعها فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فدعا النبي صلى الله عليه و سلم ثابتا فقال : [ خذ بعض مالها وفارقها ففعل ] رواه أبو داود وهكذا لو ضربها ظلما لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم عليه مخالعتها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض ما آتاها ولكن عليه إثم الظلم
فصل : فان أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت صح الخلع لقول الله تعالى : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة }
والاستثناء من النهي إباحة ولأنها متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر لا يصح لأنه عوض أكرهت عليه أشبه ما لو لم تزن والنص أولى
فصل : إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فانهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق فان كان قبل الدخول فلهما نصف المهر وان كانت قبضته كله ردت نصفه وإن كانت مفوضه فلها المتعة وهذا قول عطاء و الزهري و الشافعي وقال أبوحنيفة : ذلك براءة لكل واحد منها مما لصاحبه علية من مهر وإما الديون التي ليست من حقوق الزوجية فعنة فيها روايتان ولا تسقط النفقة في المستقبل لأنها ما وجب بعد ولنا أن المهر حق لا يسقط بالخلع إذا كان بلفظ الطلاق فلا يسقط بلفظ الخلع والمباراة كسائر الديون ونفقة العدة إذا كانت حاملا ولأن نصف المهر الذي يصير له لم يجب له قبل الخلع فلم يسقط بالمباراة كنفقة العدة والنصف لها لا تبرأمنه بقولها بارأتك لأن ذلك يقتضي براءتها من حقوقه لابراءته من حقوقها

مسألة : قال والخلع فسخ
مسألة : قال : والخلع فسخ في إحدى الروايتين والأخرى تطليقه بائنة
اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع ففي إحدى الروايتين أنة فسخ وهذا اختيار أبي بكر وقول ابن عباس و طاوس و عكرمة و إسحاق و أبي ثور واحد قولي الشافعي
الرواية الثانية : انه طلقة بائنة روي ذلك عن سعيد بن المسيب و الحسن و العطاء و قبيصه و شريج و مجاهد و أبي سلمه بن عبد الرحمن و النخعي و الشعبي و الزهري و مكحول و ابن أبي نجيح و مالك و الأوزاعي وأصحاب الرأي وقد روي عن عثمان وعلي وابن مسعود لكن ضعف أحمد الحديث عنهم وقال : ليس في الباب شيء اصح من حديث ابن عباس أنة فسخ واحتج ابن عباس بقوله تعالى : { الطلاق مرتان } - ثم قال - { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } - ثم قال - { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة بعدها فلو كان الخلع طلاقا لكان أربعا ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكانت فسخا كسائر الفسوخ ووجه الثانية أنها بذلت العوض للفرقة والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون طلاقا ولأنة أتى بكناية الطلاق قاصدا فراقها فكان طلاقا كغير الخلع وفائدة الروايتين أنا إذا قلنا هو طلقة فخلعها مرة حسبت طلقة فينقص بها عدد طلاقه وان خالعها ثلاثا طلقت ثلاثا فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيرة وان قلنا صو فسخ لم تحرم علية وان خالعها مائة مرة وهذا الخلاف فيما اذا خالعها بغير لفض الطلاق ولم ينوه فأما إن بذلت له العوض على فراقها فهو طلاق لا اختلاف فيه وان وقع بغير لفظ الطلاق مثل كنايات الطلاق او لفظ الخلع والمفاداة ونحوهما ونوى به الطلاق فهو طلاق أيضا لأنة كناية نوى الطلاق فكانت طلاقا كما لو كان بغير عوض فإن لم ينوبه الطلاق فهو الذي فيه الروايتين والله أعلم

فصل : ألفاظ الخلع
فصل : وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح ثلاثة ألفاظ خالعتك لأنه ثبت له العرف والمفاداة لأنه ورد به القرآن سبحانه : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية وما عدا هذه مثل بارأتك وأبرأتك وابنتك فهو كناية لان الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية كالطلاق وهذا قول الشافعي إلا أن له في لفظ الفسخ وجهين : فإذا طلبت الخلع وبذلت العوض صارفة إلية فأغنى عن النية فيه وإن لم يكن دلالة حال فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية سواء قلنا هو فسخ أو طلاق ولا يقع بالكناية إلا بنية ممن تلفظ به منها ككنايات الطلاق مع صريحه والله أعلم

فصل : لا يحصل الخلع بمجرد بذل المال
فصل : ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ الزوج قال القاضي : هذا الذي عليه شيوخنا البغداديون وقد أومأ إلية أحمد وذهب أبو حفص العبكري و ابن شهاب الى وقوع الفرقة بقبول الزوج للعوض وافتى بذلك ابن شهاب بعبكرا واعترض علية ابن الحسن بن هرمز واستفتى علية من كان ببغداد من أصحابنا فقال ابن شهاب المختلعة على وجهين : مستبرئة ومفتدية فالمفتدية هي التي تقول لا أنا ولا أنت ولا أبر لك قسما وأنا افتدي نفسي منك فإذا قبل الفدية واخذ المال انفسخ النكاح لأن إسحاق بن منصور روى قال فلت لأحمد كيف الخلع ؟ قال : اذا اخذ المال فهو فرقه وقال إبراهيم النخعي : اخذ المال تطليقه بائنه ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي الله عنة من قبل مالا على فراق فهي تطليقة بائنة لا رجعه لها فيها واحتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم لجملة : [ أتريدين علية حديقته ؟ قالت : نعم ففرق رسول الله صلى الله عليه و سلم بينهما وقال : خذ ما أعطيتها ولا تزد ] ولم يستدع منه لفظا ولأنة دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبه الى قصار أو خياط معروفين بذلك فعملاه استحقا الأجرة وان لم يشترطا عوضا ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع فلم يصح بدون اللفظ كما لو سألته أن يطلقها ولأنه تصرف في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق ولأن أخذ المال قبض لعوض فلم يقم بمجرد مقام الإيجاب كققبض احد العوضين في البيع ولأن الخلع ان كان طلاقا فلا يقع بدون صريحة أو كنايته وإن كان فسخا فهو أحد طرفي عقد النكاح فيعتبر فيه اللفظ كابتداء العقد وإما حديث جميلة فقد رواة البخاري [ اقبل الحديقة وطلقها تطليقه ] وهذا صريح في اعتبار اللفظ وفي رواية فأمره ففارقها ومن لم يذكر الفرقة فإنما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق فإن القصة واحدة والزيادة من الثقة مقبولة ويدل على ذلك انه قال : ففرق النبي صلى الله عليه و سلم بينهما وقال : [ خذ ما أعطيتها ] فجعل التفريق قبل العوض ونسب التفريق إلى النبي صلى الله عليه و سلم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم لا يباشر التفرق فدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر به واعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ لأنه معلوم منه وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظا ولا دلالة حال ولا بد منه اتفاقا

مسألة : قال : ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق
مسألة : قال : ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به
وجمله ذلك أن المختلعة لا يلحقها بحال وبه قال ابن عباس و ابن الزبي ر و عكرمة و جابر بن زيد و الحسن و الشعبي و مالك و الشافعي و إسحاق و ابو ثور وحكي عن أبي حنيفة انه يلحقها الطلاق الصريح المعين دون الكناية والطلاق المرسل وهو أن يقول كل امرأة لي طالق وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب و شريح و طاوس و المنخعي و الزهري و الحاكم و حماد و الثوري لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة ]
ولنا قول ابن عباس وابن الزبير ولا نعرف لهما مخالفا في عصرهما ولأنها لا تحل إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول أو المنقضية عدتها ولأنة لا يملك بعضها فلم يلحقها طلاقه كالأجنبية ولأنها لا يقع بها الطلاق المرسل ولا تطلق بالكناية فلم يلحقها الصريح ألمعيت كما قبل الدخول ولا فرق بين أن يواجهها به فيقول أنت طالق أو لا يواجهها به مثل أن يقول فلانة طالق وحديثهم لا نعرف له صله أصلا ولا ذكره أصحاب السنن

فصول : اشتراط الرجعة في الخلع واشتراط جعل المرأة
فصل : ولا يثبت في الخلع رجعة سواء قلنا هو فسخ أو طلاق في قول اكثر أهل العلم منهم الحسن و عطاء و طاوس و النخعي و الثوري و الأوزاعي و مالك و الشافعي و إسحاق وحكي عن الزهري و سعيد ابن المسيب انهما قالا الزوج بالخيار بين إمساك العوض ولا رجعة له بين رده وله الرجعة وقال أبو ثور : إن كان الخلع بلفظ الطلاق فله الرجعة لأن الرجعة من حقوق الطلاق فلا تسقط بالعوض كالولاء مع العتق ولنا قوله سبحانه وتعالى { فيما افتدت به } وإنما يكون فداء إذا خرجت عن قبضته وسلطانه وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه ولأن القصد إزالة الضرر عن المرأة فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر وفارق الولاء فان العتق لا ينفعك منه والطلاق ينفعك عن الرجعة فيما قبل الدخول وإذا اكمل العدد
فصل : فان شرط في الخلع ان له الرجعة فقال ابن حامد : يبطل الشرط ويصبح الخلع وهو قول ابي حنيفة واحدى الروايتين عن مالك لان الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسدا فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح ولانه لفظ يقتضي البينونة فذا شرط الرجعة معه بطل الشرط كالطلاق الثلاث ويحتمل ان يبطل الخلع وتثبت الرجعةوهو منصوص الشاقعي لانه شرط في العقد ما ينافي مقتضاه فأبطله كما لو شرط ان لا يتصرف في المبيع واذا حكمنا بالصحة فقال القاضي يسقط المسمى في العوض لانه لم يرض به عوضا حتى ضم اليه الشرط فاذا سقط الشرط وجب ضم النقصان الذي نقصه من أجله اليه فيصير مجهولا فيسقط ويجب المسمى في العقد ويحتمل ان يجب المسمى لانهما تراضيا به عوضا فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة
فصل : فان شرط الخيار لها او له يوما اواكثروقبلت المراة صح الخلع وبطل الخيار وبه قال ابو خنيفة فيما إذا كان الخيار للرجل وقال : إذا جعل الخيار للمراة ثبت لها الخيار ولم يقع الطلاق ولنا ان سبب وقوع الطلاق وجد وهو اللفظ به فوقع كما لو اطلق ومتى وقع فلا سبيل الى رفعه
فصل : نقل مهنا في رجل قالت له امرأته : اجعل امري بيديوأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل امرها بيديها وباع العبد قبل ان تقول االمرأة شيئا هو له انما قالت : اجعل امري بيدي واعطيك فقيل له متى شاءت تختارقال : نعم ما لم يطأها وينقض فجعل له الرجوع كا لم تطلق واذا رجع فينبغي ان ترجع عليه بالعوض لانه استرجع ما جعل لها فتسترجع منهما اعطته ولو قال : اذا جاء راس الشهر فامرك بيدك ملك ابطال هذه الصفة لان هذا يجوز الرجوع فيه لو لم يكن معلقا فمع التعليق اولى كالوكالة قال احمد : ولو جعلت له امرأته الف درهم على ان يحيرها فاختارت الزوج لايرد عليها شيئا ووجهه ان الالف في مقابلة تمليكه اياها الخيار وقد فعل فاستحق الالف في مقابلة الفرقة
فصل : اذا قالت امرأته طلقني بدينار فطلقها ثم ارتدت لزامهاالدينار ووقع الطلاق بائنا ولا تؤثر الردة لانها وجدت بعد البينونة وان طلقها بعد ردتها وقبل دخوله بها بانت بالردة ولم يقع الطلاث لانه صادفها بائنا فان كان بعد الدخول وقلنا ان الردة ينفسخ بها النكاح في الحال فكذلك وان قلنا يقف على انقضاء العدة كان الطلاق مراعى فان اقامت على ردتها حتى انقضت عدتها تبينا انها لم تكن زوجته خين طلقها فلم يقع ولاشيء له عليها وان رجعت الى الاسلام بان الطلاق صتدف زوحة فوقع واستحق عليها العوض

مسألة وفصل : صحة الخلع على المجهول
مسألة : قال : وإذا قالت له أخلعني على ما في يدي من الدراهم ففعل فلم يكن في يدها شيء لزمها ثلاثة دراهم
وجمله ذلك ان الهلع بالمجهول جائز وله ما حعل له وهذذا قول اصحاب اللااي وقال أبو بكر : لا يصح الخلغ ولا شيء له لاغنه مغاوصة قلا يصح بالمجهول كالبيع وهذا قول ابي ثور وقال الشافعي : يصح الخلع وله مهر مثلها لانه معاوصة بالبضع فاذا كان العوض مجهول وجب مهر المثل كالنكاح
ولنا أن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط فجاز ان يستحق به العوض المجهول كالوصية ولان الخلع إسقاط لحقه من البضع وليس فيه تمليك شيء والاسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز من غير عوض بخلاف النكاح واذا صح الخلع فلا يجب مهر المثل لانها لم تبضله ولا فوتت عليه ما يوجبه فان خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو الخرجته من ملكه بردتها او رضاعها لن ينفسخ به نكاحها لم يجب عليها شيء ولو قتلت نفسها او قتلها احنبي لم يجب للزوج عوض عن بضعها ولو وطئت بشبهة او مكرهه لوجب المهر لها دون الزوج ولو طاعت لم يكن للزوج شيء وانما يتقوم البضع على الزوج في النكاح خاصة واباح لها افتدت نفسها لحاجتها الى ذلك فيكون الواحب ما رضيت ببذله فاما ايجاب شيء لم ترض به فلا وجه له فعلى هذا ان خلعها على ما في يدها من الدراهم صح فان كان في يدها دراهم قهي له وان لم يكن في يدها شيء قله عليها ثلاثة نص عليه احمد لانه اقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة لفظها دل على ذلك فاستحقه كما لو له بدراهم وان كان في يدها اقل من ثلاثة احتمل ان لايكون له غيره لانه من الدلااهم وهو قي يدها واحتمل ان يكون له ثلاثة كاملة لان اللفظ يقتضيها فيما اذا لم يكن قي يدها شيء فكذلك اذا كان في يدها
فصل : والخلع على مجهول ينقسم أقساما
احدها : ان يخالعها على عدد مجهول من شيء غير محتلف كالدينار والدراهم كالتي يخالعها على ما في يدها من الدراهم قهي هذه التي ذكر الخرقي حكمها
والثاني : ان يكون ذلك من شيء مختلف لا يعظم اختلافه مثل ان يخلعها على عببد مطلق او عبيد يقول ان اعطاني عبدا فانت طالق فانها تطلق باي عبد اعطته اياه ويملكه بذالك ولايكون له غيرة وكذلك ان خالعته عليه فليس له الاما يقع عليه اسم العبد وان خالعته على عبيد فله ثلاثة هذا ظاهر كلام احمد وقياس قوله وقول الخرقي في المسالة التي قبلها وقد قال احمد فيما اذا قال : اذا اعطيتني عبدا فانت طالق فاذا اعطته عبدا فهي طالق والظاهر من كلامه ما قلناه وقال القاضي : له عليها عبد وسط وتاول كلام احمد على انها اعطته عبدا وسطا والظاهر خلافه
ولنا انها خالعته على مسمى مجهول فكان له اقل ما يقع عليه السم كما لو خالعها على ما في يدها من الدلااهم والانه اذا قال : ان اعطيتني عبدا فانت طالق فاطته عبدا فقد وجد شرطه فيجب ان يقع الطلاق كما لو قال ان رايت عبدا فانت طالق ولايلزمها اكثر منه لانها لم تلتزم له شيء كما لو طلقها بغير خلع
الثالث : ان يخالعها على مسمى تعظم الجهالة فيه مثل ان يخالعها على دابة او بعير او بقرة او ثوب او يقول ان اعطيتني ذلك فأنت طالق فالواجب في الخلع ما يقع عليه السم من ذلك ويقع الطلاث بها اذا اعطته اياه فيما اذا علق طلاقها على عطيته اياه ولا يلزمها لانها فوتت البضع ولم يحصل له العوض بجهالته فوجب عليها ثيمة ما فوتت وهو المهر
ولن ما تقدم ولتنها ما التزمت له المهر المسمى ولا مهر المثل فلم يلزمها : ان دخلت الدار فانت طالق ولان المسمى قد استوفى بدله بالوطء فكيف يجب بغير رضا ممن يجب عليه والاشبه بمذهل احمد ان يكون الخلع بالمجهول كالوصية به ومن هذا الثسم لو خالعها على ما في بيتها من المتاع فان كان فيه متاع قهو له ثليلا كان او كثيرا كعلوما او مجهولا وان لم يكن فيه متاع فله اقل ما يقع عليه اسم المتاع وفي قول القاضي عليها المسمى في الصداق وهو قول أصحاب الرأي والوجه للقولين ما تقدم
الرابع : ان يخالعها على حمل امتها أو غنمها أو غيرهما من الحيوان او قال : على ما في بطونها او ضروعها فيصبح الخلع وروي عن ابي حنيفة يصح الخلع على ما في بطنها ولا على حملها
ولنا ان حملها هو ما في بطنها فصح الخلع عليه كما لو قال : على ما في بطنها اذا ثبت هذا فان ان خرج الولد سليما او كان في ضروعها شيء من اللبن فهو له وان لم يخرج شيء فقال القاضي : لا شيء له وهو قول مالك واصحاب الري وقال ابن عقيل : لها مهر المثل وقال ابو الخطاب : له المسمى وان خالعها على ما يثمر نخلنها ترضيه بشيء قيل له فان حمل نخلها ؟ قال : هذا اجود من ذاك قيل له يستقيم هذا قال : نعم جائز فيحتمل قول احمد ترضيه بشيء اي له اقل مايقع عليه اسم الثمرة او الحمل فتعطيه عن ذلك شئا اي شيء كان مثل ما غالزمناه في مسالة المتاع وقال القاضي : لاشيء له وتأول قول احمد ترضيه بشيء على الاستحباب لانه لو كان واجبا لتقدر ببتثدير يرجع اليه وفرق بين هاتين المسالتين ومسالة الدراهم والمتاع حيث يرجع فيهما باقل ما يقع عليه الاسم اذا لم يجد شيئا وههنا لا يرجع بشيء اذا لم يجد حملا ولا ثمرة ثم اوهميه ان معها دراهم وفي بيتها متاع لانها خاطبته بلفظ يقتضي الوجود مع امكان علمها به فكان له مما دل عليه لفظها كما لو خالعته على عبد فوجده حرا وفي هاتين المسالتين دخل معها في العقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال فلم يكن له شيء غيره كما لو قال : خالعتك على هذا الحر وقال أبو حنيفة : لا يصح العوض ههنا لأنه معدوم
ولناان ما جاز في الحمل قي البطن كالوصية واختار ابو الخطاب ان له قي هذه الاقسام الثلاثة المسمى قي الصداق واوجب له الشافعي مهر المثل ولم يصحح ابو بكر الخلع في هذا كله وقد ذكرنا نصوص احمد على جوازه والدليل عليه والله اعلم

فصول : الخلع على رضاع أو كفالة ولده
فصل : اذا خالعته على رضاع ولده سنتين صح وكذلك إن جعلا وقتا معلوما قل قل او اكثر وبهذا قال الشافعي : لان هذا مما تصح المعاوضة عليه في غير الخلع ففي الخلع اولى فان خالعته على رضاع ولده مطلقا ولم يذكرا مدته صح أيضا وينصرف الى ما بفي من الحولين نص عليه اخمد قيل له ويستقيم هذا الشرط رضاع كما ولدها ولا يقول ترضعه سنتين قال نعم وقال أصحاب الشافعي : لا يصح حتى يذكرا مدة الرضاع كما لا تصح الإجارة حتى يذكر ا المدة
ولنا أن الله تعالى قيده بالحولين فقال تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } وقال سبحانه { وفصاله في عامين } وقال { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } ولم يبين مدة الحمل ههنا والفصال فحمل على ما فسرته الآية الأخرى وجعل الفصال عامين والحمل ستة أشهر وقال النبي صلى الله عليه و سلم [ لإرضاع بعد فصال ] يعني بعد العامين فيخمل المطلق من كلام الآدمي على ذلك أيضا ولا يحتاج الى وصف بالرضاع لأن جنسه كاف كما لو ذكر جنس الخياطة في الإجارة فان ماتت المرضعة او جف لبنها فعليها اجر المثل لما بقي من المدة وان مات الصبي فكذلك وقال الشافعي في أحد قوليه : لا ينفسخ ويأتيها بصبي ترضعه مكانه لأن الصبي مستوفى به لا معقودا عليه فاسبه ما لو استأجر دابة ليركبها فمات
ولنا انه عقد على فعل في عين فينفسخ كما لو ماتت الدابة المستأجرة ولأن ما يستوفيه من البن إنما يتقدر بحاجة الصبي وحاجات الصبيان تختلف ولا تنضبط فلم يجز أن يقوم غيره مقامه كما لو أراد إبداله في حياته ولأنه لا يجوز إبداله في حياته فلم يجز بعد موته كالمرضعة بخلاف راكب الدابة وان وجد أحد هذه الأمور قبل مضي شيء من المدة فعليها اجر رضاع مثله وعن مالك كقولنا وعنه لا يرجع بشيء وعن الشافعي
كقولنا وعنه يرجع بالمهر
ولنا انه عوض معين تلق قبل قبضه فوجبت قيمته او مثلها كما خالعها على قفيز فهلك قبل قبصه
فصل : وان خالعها على كفالة ولده عشر سنين صح وان لم يذكر مدة الرضاع منها ولا قدر الطعام و الادام ويرجع عند الإطلاق إلى نفقه مثله وقال الشافعي : لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع وقدر الطعام وجنسه وقدر الادام وجنسه ويكون المبلغ معلوما مضبوطا باصفة كالمسلم فيه وما يحل منه كل يوم ومبنى الخلاف على اشتراط الطعام للأجير مطلقا وقد ذكرناه في الإجارة ودللنا عليه بقصة موسى عليه السلام وقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ رحم الله أخي موسى آجر نفسه بطعام بطنه وعفة فرجه ] ولان نفقة الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة وهي غير مقدرة كذا ههنا وللوالد أن يأخذ منها ما يستحقه من مؤنة الصبي وما يحتاج إليه لآنه بدل ثبت له في ذمتها فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره فإن احب بعينه أخذه لنفسه وانفق عليه غيره وان أذن لها قي إنفاقه على الصبي جاز فان مات الصبي بعد انقضاء مدة الرضاع فلا بيه أن يأخذ ما بقي من المؤنة وهل يستحقه دفعة أو يوما بيوم ؟ فيه وجهان :
أحدهما : يستحقه دفعه واحد ذكره القاضي في الجامع واحتج بقول احمد اذا خالعها على رضاع ولده فمات في أثناء الحولين قال : يرجع عليها ببقية ذلك ولم يعتبر الأجل ولأنه إنما فرق لحاجة الولد إليه متفرقا فإذا زالت الحاجة الى التفرق استحق جمله واحدة
والثاني : لا يستحقه إلا يوما بيوم ذكره القاضي في المجرد وهو الصحيح لأنه ثبت منجما فلا يستحقه معجلا كما لو اسلم إليه في خبر يأخذه منه كل يوم أرطالا معلومه فمات المستحق له ولتن الحق لا يحل بموت المستوفي كما لو مات وكيل صاحب الحق وان وقع الخلاف في استحقاقه بموت من هو عليه ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كهذين وان ماتت المرأة خرج في استحقاقه في الحال وجهان كهذين بناء على إن الدين هل يحلمون من هو عليه أم لا ؟
فصل : والعوض قي الخلع كالعوض في الصداق والبيع أن كان مكيلا أو موزونا لم يدخل في ضمان الزوج ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه وان كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه قال احمد في إمرأة قالت لزوجها : اجعل أمري بيدي ولك هذا العبد ففعل ثم خيرت فاختارت نفسها بعد ما مات العبد جائز وليس عليها شيء قال : ولو أعتقت العبد ثم اختارت نفسها لم يصح عتقها له فلم يصحح له لان ملكها زال عنه بجعلها له عوضا في الخلع ولم يضمنها إياه لأنه عوض معين غير مكيل ولا موزون فدخل في ضمان الزوج بمجرد العقد ويخرج فيه وجه انه لا يدخل في ضمانه ولا يصح تصرفه فيه حتى يقبضه كما ذكرنا في عوض البيع وفي الصداق واما المكيل و الموزون قلا يصح تصرفه فيه ولا يدخل في ضمانه حتى يقبضه فإن تلف قبل قبضه فالواجب مثله لانه من ذوات الامثال وقد ذكر القاضي في صداق انه لا يجوز التصرف فيه قبل يقبضه وان كان مكيلا أو موزونا لأنه لا ينفسخ سببه بتلهفه فههنا مثله

مسألتان وفصول : الخلع على غير عوض وحكمه وأكثر أو أقل من المتفق عليه وظهور عيب
مسالة : قال : وان خالعها على عوض كان خلعا ولا شيء له
اختلفت الرواية عن أحمد فيه المسالة فروى عنه ابنه عبد الله قال : لأبي رجل علقت به امرأته تقول أخلعني قال قد خلعتك قال : يتزوج بها ويجدد نكاحا جديدا وتكون عنده على اثنتين فظاهر هذا صحة الخلع بغي عوض وهو قول مالك لأنه قطع لنكاح فصح من فير عوض كالطلاق ولان الأصل في مشروعية الخلع أن بوجد من المرأة رغبة عن زوجها وحاجة إلى فراقه فسأله فراقها فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع فصح كما لو كان بعوض
قال أبو بكر : لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال فلا نزاع قي انه طلاق تملك به الرجعة ولا يكون فسخا
والرواية الثانية : لا يكون خلع إلا بعوض روى عنه مهنا لذا قال لها : اخلعي نفسك فقالت : خلعت نفسي لم يكن هلعا إلا على شيء إلا أن يكون نوى الطلاق فيكون ما نوى فعلى هذه الرواية لا يصح الخلع إلا بعض فان تلفظ به بغير عوض ونوى الطلاق كان طلاقا رجعيا لأنه يصلح كناية عن الطلاق وان لم ينوبه الطلاق لم يكن شيئا وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي لان الخلع إن كان فسخا فلا يملك الزوج فسخ النكاح ألا بعيبها وكذلك لو قال : فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء بخلاف ما إذا دخله العوض فأنه يصير معاوصه فلا يجتمع له العوض والمعوض وإن قلنا الخلع طلاق فليس بصريح فيه اتفاقا وإنما هو كناية والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية او بذل للعوض فيقوم مقام النية وما وجد واحد منهما ثم إن وقع الطلاق فإذا لم يكن بعوض لم يقتض البينونة إلا أن تكمل الثلاث
فصل : إذا قالت بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح وكان بيعا وخلعا بعوض واحد لأنهما عقدان يصح أفاد كل واحد منهما بعوض فصح جميعهما كبيع ثوبين وقد نص احمد على الجمع بين بيع وصرف انه يصخ وهو نظير لهذا وذكر أصحابنا فيه وجها أخر انه لا يصح لان أحكام العقدين تختلف والأول اصح لما ذكرنا و للشافعي فيه قولان أيضا فعلى قولنا يتقسط الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد فيكون عوض الخلع8 ما يخص المسمى وعوض العبد يخص ما يخص حتى لو ردته بعيب رجعت بذلك وان وجدته حرا أو مغصوبا رجعت لأنه عوضه فان كان العبد شقص مشفوع ففيه الشفعه ويأخذ الشفيع بحصة قيمته من ألالف لأنها عوضه
فصل : وان خالعها على نصف دار صح ولا شفعة فيه لانه عوض عما لا قيمة له ويتخرج إن فيه شفعة لان له عوضا وهل يأخذه الشفيع بقيمته او بمثل المهر على وجهين فإما إن خالعها ودفع إليها ألفا بنصف دارهم صح ولاشفعه أيضا وقال أبو يوسف ومحمد : تجب الشفعة فيما قابل الألف لأنه عوض مال
ولنا أن إجاب الشفعة تقوم للبضع في حق غير الزوج والبضع لايتقوم في حق ولا الزوج ملك الشقص صفقة واحدة من شخص واحد فلا يجوز للشفيع اخذ بعضه كما لو اشتراه بثمن واحد
مسالة : قال : ولو خالعها على ثوب فخرج معيبا فهو مخير بين أن يأخذ ارش العي أو قيمة الثوب ويرده
وجمله ذلك ان الخلع يستحق فيه رد عوضه بالعيب أو أخذا لأرش لأنه عوض في معاوضة فيستحق فيه ذلك كالبيع والصداق ولا يهلو إما أن يكون على معين ممثل ان تقول : اخلعني على هذا الثوب فيقول : خلعتك ثم يجد به عيبا لم يكن علم به فهو مخير بين رده واخذ قيمته وبين اخذ ارشه وان قال : إن أعطيتني وهذا الثوب فانت طالق فأعطته إياه طلقت وملكه قال أصحابنا : والحكم فيه لو خالعها عليه وهذا مذهب الشافعي إلا انه لا يجعل له ألمطالبه بالأرش مع إمكان رده وهذا اصل ذكرناه في البيع وله ايضا نقول انه اذا رده رجع بمهر المصل وهذا الأصل ذكر قي الصداق
وان خالعها على ثوب موصوف في الذمة واستقصى صفات السلم صح وعليها ان تعطيه اياه سليما لان اطلاق ذلك يقتضي السلامة كما في البيع والصداق فان دفعته اليه معيبا او ناقصا عن الصفات المذكورة قله الهيار بين امساكه او رده والمطالبة بثوب سليم علىتلك الصفة لانه انما وجب في الذمة سليما تام الصفات فيرحع بما وجب له لانها ما اعطته الذي وجب له عليها وان قال أن أعطيتني ثوبا صفته كذا وكذا فأعطته ثوبا علة تلك الصفات طلقت وملكه وان أعطته ناقصا صفة لم يقع الطلاق ولن يملكه لانه ما وجد الشرط فان كان على الصفة لكن به عيب وقع الطلاق لوجود شرطه قال القاضي : ويتخير بين إمساكه ورده والرجوع بقيمته وهذا قول الشافعي الاان له قولا انه يرجع بمهر المثل على ما ذكرنا وعلى ما قلنا نحن فيما تقدم انه إذا قال : إن أعطيتني هذا العبد فأعطته إياه معيبا طلقت وليس له شيء سواه وقد نص احمد على من قال : إن أعطيتني هذا ألالف فأنت طالق فأعطته إياه فوجده معيبا فليس له البدل وقال أيضا : إذا قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فإذا أعطته عبدا فهي طالق ويملكه وهذا يدل على أن كل موضع قال : إن أعطيتني كذا فأعطته إياه فليس له غيره وذلك لان الانسان لا يلزمه في ذمته شيء إلا بإلزام أو التزام ولم يرد الشرع بإلزامها هذا ولا هي التزمتة له وإنما علق طلاقها على شرط وهو عطيتها له ذلك فلا يلزمها شيء سواه ولأنها لم تدخل معه في معاوضة وإنما حققت شرط الطلاق فأشبه ما لو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت أو ما لو قال : أن أعطيت أباك عبدا فأنت طالق فأعطته إياه
فصل : إذا إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألفا أو اكثر طلقت لوجود الصفه وان أعطته دون ذلك لم تطلق لعدمها وان أعطته ألفا وازنة تنقص في العدد طلقت وان أعطته ألفا عددا تنقص في الوزن لم تطلق لان إطلاق الدرهم ينصرف الى الوازن من دراهم الإسلام وهي ما كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل ويحتمل أن الدراهم متى كانت تنفق برؤوسها من غير وزن طلقت لأنها يقع عليها اسم الدراهم ويحصل منها مقصودها ولا تطلق إذا أعطتهوزنةقص في العدد لذلك وان أعطته ألفا رديئة كنحاس فيها أو رصاص أو نحو لم تطلق لان إطلاق الألف يتناول ألفا من الفضة وليس في هذه ألف من الفضة وان زادت على الألف بحيث يكون فيها ألف فضة طلقت لأنها قد أعطته ألفا فضة وان أعطته سبيكة تبلغ ألفا لم تطلق لأنها لا تسمى دراهم فلم بوجد الصفة بخلاف المغشوشة فانهما تسمى دراهم وان أعطته ألفا رديء الجنس لخشونة او سواد او كانت وحشة السكة طلق5ت لان الصفة وجدت قال القاضي : وله ردها واخذ بدلها وهذا قد ذكرناه في المسالة التي قبلها
فصل : وان قال : اعطيتني ثوبا ذمروياطلقت وان خالعها على مروي فاعطته هروبا فلخلع واقع ويطالبها بما خالعها عليه وان خالتعها على ثوب بعينه هبة انه مروي فباغن هرويا فالهلع صحيح لان جنسهما واحد وإنما ذلك اختلاف صفة فجرة مجرى العيب في العوض وهو مخير بين إمساكه ولا شيء له غيره وبين رده وقيمته لو كان مرويا لان مخالفة الصفة بمنزلة الغيب في جواز الرد
وقال ابو الخطاب : وعندي لا يستحق شيئا سواه لان الهلع على عينه وقد أخذه وان خالعها على ثوب على انه قطن فبان كتانا لزم رده ولم يكن له إمساك لأنه جنس آخر واختلاف الأجناس واختلاف الأعيان بخلاق ما لو خالعها على مروي فخرج هرويا فان الجنس واحد
فصل : وكل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض وقع الطلاق سواء بضعه منها أو لم يقبضه لان العطية وجدت فانه يقال أعطته فلم يأخذ ولأنه علق اليمين على فعل من جهتها والذي من جهتها في العطية البذل على وجه يمكنه قبضه فان هرب الزوج أو غاب قبل عطيتها أو قالت : يضمنه لك زيد او اجعله قصاصا مما لي عليك أو أعطته به رهنا أو إحالته به لم يقع الطلاق لان العطية ما وجدت ولا يقع الطلاق بدون شرطة وكذلك كل موضع تعذر العطية فيه لا يقع الطلاق سواء كان التعذر من جهته أو من جهتها أو من جهة غيرهما لانتفاء الشرط ولو قالت : طلقني بألف فطلقها استحق الألف وبانت وان لم يقبض نص عليه احمد : ولو قالت لا أعطيك شيئا يأخذها بالألف يعني ويقع الطلاق لان هنا ليس بتعليق على شرط بخلاف الأول

فصلان : الطلاق على شرط لزومه من جهة الزوج
فصل : وتعليق الطلاق على شرط العطية أو الضمان أو التمليك لازم من جهة الزوج لزوما لا سبيل إلى دفعه فان الغالب فيها حكم التعليق المحض بدليل صحة تعليقه علته الشروط و يقع الطلاق بوجود الشرط سواء كانت العطية على الفور أو التراخي وقال الشافعي إن قال : متى أعطيتني أو متى ما أعطيتني أو أي حين أو أي زمان أعطيتني ألفا فأنت طالق فذلك على التراخي وان قال : أن أعطيتني و إذا أعطيتني ألفا فأنت طالق فذلك على الفور فان أعطته جوابا لكلامه وقع الطلاق وان تأخر العطاء لم يقع الطلق لان قبول المعاوضات على الفور فإذا لم يوجد منه تصريح بخلافه وجب حمل ذلك على المعاوضات بخلاف متى وأي فإن فيهما تصريحا بالتراخي ونصا فيه وان صارا معاوضة فان تعليقه بالصفة جائز أما إن وإذا فانهما يحتملان الفور والتراخي فإذا تعلق بهما العوض حملا على الفور
ولنا انه علق الطلاق بشرط الأعطاء فكان على التراخي كسائر التعليق أو نقول علق الطلاق بحرف مقتضاه التراخي فكان على التراخي كما لو خلا عن العوض والدليل على أن مقتضاه التراخي انه يقتضيه إذا خلا عن العوض ومقتضيات الألفاظ لا تختلف بالعو وعدمه وهذه المعاوضة معدول بها هن سائر المعاوضات بدليل جواز تعليقها على الشروط ويكون على التراخي فيما إذا علقها بمتى أو بأي فكذلك في مسألتنا ولا يصح قياس ما نحن فيه على غيره من المعاوضات لما ذكرنا من الفرق ثم يبطل قياسهم بقول السيد لعبده أن أعطيتني ألفا فأنت خر فانه كمسألتنا وهو على التراخي على أننا قد ذكرنا ان حكم هذا اللفظ حكم الشرط المطلق
فصل : إذا قال لامراته انت طالق بالف ان شئت لم تطلق حتى تشاء فاذا شاءت وقع الطلاق بائنا ويستحق الالف سواء سالته الطلاق فقالت : طلقني بألف فأجابها أو قال ذلك لها ابتداء لانه علق طلاقها على شرط فلم يوجد قبل وجوده وتعتبر مشيئتها بالقول فإنها وان كان محلها القلب فلا يعرف ما في القلب الا بألنطق فيعلق الحكم به ويكون ذلك على التراخي فمتى شاءت طلقت نص عليه احمد ومذهب الشافعي كذلك إلا في انه على الفور عنده ولو انه قال لامرأته : أمرك بيدك أن ضمنت لي ألفا فقيا س قول احمد انه على التراخي لأنه نص على إن أمرك بيدك على التراخي ونص على انه إذا قال لها : أنت طالق إن شئت أن لها المشيئة بعد مجلسها ومذهب الشافعي انه على الفور لما تقدم
ولنا انه قال لعبده : إن ضمنت لي ألفا فأنت حر كان على التراخي ولو قال له : أنت حر على ألف إن شئت كان على التراخي والطلاق نظير العتق فعلى هذا متى ضمنت له ألفا كان أمرها بيدها وله الرجوع فيما جعل إليها لان أمرك بيدك توكيل منه لها فله الرجوع فيه كما يرجع في الوكالة وكذلك لو قال لزوجته : طلقي بفسك أن ضمنت لي ألفا فمتى ضمنت له ألفا وطلقت نفسها وقع ما لم يرجع وان ضمن الألف ولم تطلق أو طلقت ولم تضمن لم يقع الطلاق

مسالة وفصول : حكم على ما إذا خالعها على عبدا أو محرم
مسالة : قال : وإذا خالعها على عبد فخرج حرا أو استحق فله عليها قيمته
وجملة ذلك أن الرجل إذا خالع امرأته على عوض يظنه مالا غير مال مثل أن يخالعها
على عبد بعينه فيبين خرا أو مع صوبا أو على خل فيبين خمرا فان الخلع صحيح في قول اكثر أهل العلم لان الخلع معاوضة بالبضع فلا يفسد بفاسد العوض كالنكاح ولكنه يرجع عليها بقيمته لو كان عبدا وبهذا قال أبو ثور وصاحبا أبي حنيفة وان خالعها على هذا الدن الخل فبان خمرا رجع عليها بمثله خلا لان الخل من ذوات الأمثال وقد دخل على أن هذا المعين خل فكان له مقله كما لو كان خلا فتلف قبل قبضه وقد قيل يرجع بقيمة مثله خلا لان الخمر ليس من ذوات المثال والصحيح الأول لأنه إنما وجب عليها مثله لو كان خلا كما نوجب قيمه الحر بتقدير كونه عبدا فان الحر لا قيمة له وقال أبو حنيفة : في المسالة كلها يرجع بالمسمى وقال الشافعي : يرجع بمهر المثل لأنه عقد على البضع بعوض فاسد فأشبه النكاح بخمر واحتج أبو حنيفة بان خروج البضع لا قيمة له فإذا غرته رجع عليها بما أخذت
ولنا أنها عين يجب تسليمها مع سلامتها وبقاء سبب الاستحقاق فوجب بدلها مقدرا بقيمتها أو مثلها كالمغصوب والمستعار و إذا خالعها على عبد فخرج مغصوبا أو أم ولد فان أبا حنيفة يسلمه ويوافقنا فيه
فصل : وان خالعها على محرم يعلمان تحريمه كالحر والخمر والخنزير والميته فهو كالخلع بغير عوض سواء لا يستحق شيئا وبه قال مالك و أبو حنيفة وقال الشافعي له عليها مهر المثل لأنه معاوضة بالبضع فإذا كان العوض محرما وجب مهر المثل كالنكاح
ولنا ان خروج البضع من مالك الزوج غير متقوم على ما أسلفنا فإذا رضى بغير عوض لم يكن له شيء كما لو طلقها او علق طلاقها على فعل شيء ففعلته وفارق النكاح فان دخول البضع في ملك متقوم ولا يلزم إذا خالعها على عبد فبان حرا لانه لم يرضى بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور وههنا رضي بما لا قيمة له اذا تقرر هذا 5قان كان الخلع بلقظ الطلاق فهو طلاق رحعي لانه خلا عن عوض وان كان بلفظ الخلع وكنايات الخلع ونوى به الطلاق فكذلك لان الكنايات مع النية كالصريح وان كان بلفظ الخلع ولم ينو الطلاق انبنى على اصل وهو انه هل يصح الخلع بغير ؟ وفيه روايتان فان قلنا يصح صح ههنا وان قلنا لايصح لم يصح ولم يصح ولم يقع شيئا وان قال : أن أعطيتني خمرا او ميتة فأنت طالق فأعطته ذلك طلقت ولا شيء عليها وعند الشافعي عليها مهر المثل كقوله في التي قبلها
فصل : فان قال : إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته مدبرا أو معتقا نصفه وقع الطلاق بهما لإنهما كالقن في التمليك ولن أعطته حرا او مغصوبا او مرهونا لم تطلق لان العطية أنما تتناول ما يصح تمليكه وما لا يصح تمليكه لا تكون معطية له وان قال : أن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته إياه فإذا هو حرا أو مغصوب لم تطلق أيضا لما ذكره أبو بكر وأومأ إليه احمد وذكر القاضي وجها أخر انه يقع الطلاق قال : وأومأ إليه احمد موضع أخر لأنه إذا عينه فقد قطع اجتهادها فيه فإذا أعطته إياه وجدت الصفة فوقع الطلاق بخلاف غير المعين ولأصحاب الشافعي أيضا وجهان كذلك وعلى قولهم يقع الطلاق هل يرجع بقيمته أو بمهر المثل ؟ على وجهين
ولنا أن العطية إنما معناها المتبادر إلى الفهم عند إطلاقها التمكن من نملكه بدليل غير معين ولان العطية ههنا التمليك بدليل حصول الملك بها فيما إذا كان العبد مملوكا لها وانتفاء الطلاق فيما إذا كان غير معين

مسالة وفصول : حكم ما لو قالت طلقني وفروع في وهب الزوجة الطلاق على عوض
مسالة : قال : واذا قالت له طلقني ثالثا بألف فطلقها واحدة لم يكن له شيء ولزمها تطليقة
اما وقوع الطلاق بها فلا فيه واماالألف فلايستحق منه شيئا وقال ابو حنيفة و مالك و الشافعي : له ثلث الالف لانها استدعت منه فعل بعوض فاذا فعل تعضه استحق بقسطه من العوض كمالو قال من رد عبيدي فله الف فرد ثلثهم لستحق ثلث الالف وكذلك في بناء الحائط وهخياطة الثوب ولنا انها بذلت العوض في مقابلة شئ لم يجيبها اليه فلم يستحق شيئا كمالو قال في المسابقة : من سبق الى خمساصابات فله الف فسبق الى بعضها أو قالت : بعني عبديك بالف فقال : بعتك احدهما بخمسمائة وكما لو قالت : طلقني ثلاثا على الف فطلقها واحدة فان ابا حنيفة وافقنا ف الصورة علة انه لايستحق شيئا فان قيل الفرق بينهما ان الباء للعوض دون الشرط وعلى للشرط فكانها شرطت في استحقاقه الالف ان يطلقها ثلاثا قلنا لانسلم ان على للشرط فانها ليست مذكورة في حروفه وانما معناها ومعنى الباء واحد وقد سوي بينهما فيما اذا قالت : طلقني وضرتي بالف او على مقتضى اللفظ لايختلف بكون المطلقة واحدة او اثنين
فصل : فان قالت : طلقني ثلاثا ولك الف فهي كالتي قبلها ان طلقها اقل من ثلاث وقع الطلاق ولاشيء له وان طلقها ثلاثا ايتحق الالف ومذهب الشافعي وابي يوسف ومحمد فيها كمذهبهم في التي قبلها وقال ابو حنيفة : لايستحق شيئا وان طلقها ثلاثا لأنه يعلق الطلاق بالعوض
ولنا انها استدعت منه الطلاق بالعوض فاشبه ما لو قال : رد عبدي ولك الف فرده وقوله لم يعلق الطلاق بالعوض غير مسلم فان معنى الكلام ولك الف عوضا عن طلاقي فان قرينة الحال دالة عليه وان قال طلقني وضرتي بالف او على الف علينا فطلقها وحدها طلقت وعليها قسطها من الألف لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين وخلعه للمراتين بعوض عليهما خلعان فجاز ان ينعقد احدهما صحيحا موجبا للعوض دون الآخر وان كان العوض منها وحدها فلا شيء له في قياس المذهب لأن العقد لا يتعدد بتعدد العوض ولذلك لو اشترى منه عبدين بثمن واحد بخلاف ما إذا كان العاقد من أحد الطرفين اثنين فانه يكون عقدين
فصل : فان لم يبق من طلاقها إلا واحدة فقالت : طلقني بألف واحدة ابين بها واثنتين في نكاح آخر فقال أبو بكر : قياس قول احمد انه إذا طلقها واحدة استحق العوض فان تزوج بها بعد ذلك ولم يطلقها رجعت عليه بالعوض لأنها بذلت العوض في مقابلة ثلاث فإذا لم يوقع الثلاث لم يستحق العوض كما لو كانت ذات طلقات ثلاث فقالت : طلقني ثلاثا فلم يطلقها إلا واحدة ومقتضى هذا انه إذا لم ينكحها نكاحا آخر أنها ترجع عليه بالعوض وإنما يفوت نكاحه إياها وان نكحها نكاحا أخر وطلقها اثنين لم ترجع عليه بشيء وان لم يطلقها الا واحدة رجعت عليه بالعوض كله وقال القاضي في المذهب : ان هذا لا يصح في الطلقتين الاخرتين لأنه سلف في طلاق ولايصح السلم في الطلاق ولأنه معاوضة على الطلاق قبل النكاح لايصح فالمعاوضة في الجمع ويرجع بالمسمى في عقد النكاح
فصل : وان قالت طلقن واحدة بالف فطلقها ثلاثا استحق الالف وقال محمد بن الحسن قياس قول ابي حنيفة انه لايستحق شيئا لأن الثلاث مخالفة للواحدة لأتحرمها إلابزوج واصابة وقد لا تريد ذلك ولا تبذل العوض فيه فلم يكن ذلك ايقاعا لما استدعته بل هو ايقاع مبتدأ فلم يستحق به عوضا
ولنا انه أوقع ما استدعته وزيادة لأن الثلاث واحدة واثنتان وكذلك لو قال : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة وقع فيستحق العوض بالواحدة وما حصل من الزيادة التي لم تبذل العوض فيها لا يستحق بها شيئا فان قال لها : طالق بألف وطالق وطالق وقعت الأولى بائنة ولم تقع الثانية ولا الثالثة لأنهما جاءا بعد بينونتها وهذا مذهب الشافعي وان قال لها : أنت طالق وطالق وطالق بألف وقع الثلاث وان قال : أنت طالق وطالق وطالق ولم يقل بألف قيل له أيتهن أوقعت بالألف ؟ فإن قال : الأولى بانت بها ولم يقع ما بعدها وان قال الثانية : بلغت بها ووقعت بها طلقتان ولم تقع الثالثة وان قال : الثالثة وقع الكل وان قال : نويت ان الالف في مقابلة الكل بانت بالأولى وحدها ولم يقع بها ما بعدها لأن الأولى حصل في مقابلتها عوض وهو قسطها من الألف فبانت بها وله ثلث الألف لأنه رضي بان يوقعها بذلك مثل أن تقول : طلقني بألف فيقول : أنت طالق بخمسمائة هكذا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي ويحتمل أن يستحق الألف لأنه أتى بما بذلت العوض فيه بنية العوض فلم يسقط بعضه بنيته كما لو قالت : رد عبدي بألف فرده يخزي خمسمائة وان لم ينو شيئا استحق الألف بالأولى ولم يقع بها ما بعدها ويحتمل أن تقع الثلاث لأن الواو للجمع و لا تقتضي ترتيبا فهو كقول : أنت طالق ثلاثا بألف وكذلك لو قال لغير مدخول بها أو قال : أنت طالق وطالق و طالق وطالق بألف طلقت ثلاثا
فصل : وإذا قالت طلقني بألف أو على إن لك ألفا أو أن طلقتني فلك علي ألف فقال : أنت طالق استحق الألف وان لم يذكره لأن قوله جواب لما استدعته منه والسؤال معاد في الجواب فاسبه ما لو قالت : بعني عبدك بألف فقال : بعتكه وان قالت : أخلعني بألف فقال : أنت طالق فان قلنا هو فسخ احتمل أن يستحق العوض أيضا لان الطلاق يتضمن ما طلبته وهو بينونتها وفيه زيادة نقصان العدد فأشبه ما لو قالت : طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا احتمل أن لا يستحق شيئا لأنها استدعت منه فسخا فلم يجيبها إليه وأوقع طلاقا ما طلبته ولا بذلت عوضا فعلى هذا يحتمل أن يقع الطلاق رجعيا لأنه أوقعه مبتدئا به غير مبذول فيه عوض فأشبه ما لو طلقها ابتداء ويحتمل أن لا يقع لأنه أوقعه بعوض فإذا لم يحصل العوض لم يقع لأنه كالشرط فيه فأشبه ما لو قال : إن أعطيتني ألفا فأنت طالق وان قالت : طلقني بألف فقال : خلعتك فان قلنا هو طلاق استحق الألف لأنه طلقها وان نوى به الطلاق فكذلك لأنه كناية فيه وان لم ينو الطلاق وقلنا ليس بطلاق لم يستحق عوضا لأنه ما أجابها الى ما بذلت فيه ولايتضمنه لأنها سألته طلاقا ينقص به عدد طلاقه فلم يجبها إليه وإذا لم يجب العوض لم يصح الخلع لأنه إنما خالعها معتقدا لحصول العوض فإذا لم يحصل لم يصح ويحتمل أن يكون كالخلع بغير عوض وفيه من الخلاف ما فيه
فصل : ولو قالت له : طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة أو اثنتين فلاشيء له لأنه يجبها إلى ما سالت فلم يستحق عليها ما بذلت وان طلقها ثلاثا استحق الألف على قياس قول أصحابنا فيما إذا قالت : طلقني ثلاثا بألف ولم يبق من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة استحق الألف لأنه قد حصل بذلك جميع المقصود
فصل : ولو لم يبق من طلاقها إلا واحدة فقالت : طلقتي ثلاثا بألف فقال : أنت طالق طلقتين الأولى بألف والثانية بغير شيء وقعت الأولى واستحق الألف ولم تقع الثانية وان قال : الأولى بغير شيء وحدها ولم يستحق شيئا لأنه لم يجعل لها عوضا وكملت الثلاث وان قال : أحدهما بألف لزمها الألف لأنها طلبت منه طلقة بألف فأجابها إليها وزادها أخرى
فصل : وان قالت : بألف إلى شهر أو أعطته ألفا على أن يطلقها الى شهر فقال : إذا جاء راس الشهر فأنت طالق صح ذلك واستحق العوض ووقع الطلاق عند راس الشهر بائنا لأنه بعوض وان طلقها قبل مجيء الشهر طلقت ولا شيء له ذكره أبو بكر وقال : روى ذلك عن احمد علي بن سعيد وذلك لأنه إذا طلقها قبل راس الشهر فقد أختار إقاع الطلاق من غير عوض وقال الشافعي : إ ذا اخذ منها ألفا لا يثبت فيه الذمة ولأنه عقد تعلق بعين فلا يجوز شرط تأخير التسليم فيه
ولنا أنها جعلت له عوضا صحيحا على طلاقها فإذا طلقها استحقه كما لو لم يقل الى شهر ولأنها جعلت له عوضا صحيحا على طلاقها فلم يستحق أكثر منه كالأصل وان قالت لك ألف على أن تطلقني أي وقت شئت من ألان إلى شهر صح في قياس المسالة التي قبلها وقال القاضي : لا يصح لأن زمن الطلاق مجهول فإذا طلقها فله مهر المثل وهذا مذهب الشافعي لأنه طلقها على عوض لم يصح لفساده
ولنا ما تقدم في التي قبلها ولاتضر الجهالة في وقت الطلاق لأنه مما يصح تعليقه على الشرط فصح بذل العوض فيه مجهول الوقت كالجعالة ولأنه لو قال متى أعطيتني ألفا فأنت طالق صح وزمنه مجهول اكثر من الجهالة ههنا فان الجهالة في شهر واحد وثم في العمر كله وقول القاضي : له مهر مخالف لقياس المذهب فانه ذكر في المواضع التي يفسد فيها العوض أن له المسمى فكذلك يجب أن يكون ههنا أن حكمنا بفساده والله اعلم
فصل : إذا قال لها : أنت طالق وعليك ألف وقعت طلقة رجعية ولاشيء لأنه لم يجعل له العوض قي مقابلتها ولا شرط فيها وإنما عطف ذلك علة طلاقها فأشبه ما لو قال : أنت طالق وعليك الحج فان أعطته المرأة عن ذلك عوضا لم يكن عوضا لأنه لم يقابله شيء وكان ذلك هبة مبتدأة يعتبر فيه شرائط الهبة وان قالت المرأة : ضمنت لك ألفا لم يصخ لأن الضمان أعطته المرأة عن ذلك عوضا لم يكن عوضا لأنه لم يقابله شيء وكان ذلك هبة مبتدأة يعتبر فيه شرائط الهبة وان قالت المرأة : ضمنت لك ألفا لم يصح لأن الضمان إنما يكون عن غير الضامن لحق واجب أو ماله إلى الوجوب وليس ههنا شيء من ذلك
وذكر القاضي انه يصح لأن ضمان ما لم يجب يصح ولم اعرف لذلك وجها إلا أن يكون أراد إنها إذا قالت له قبل طلاقها ضمنت لك ألفا على أن تطلقني فقال : أنت طالق وعليك ألف فانه يستحق الألف وكذلك إذا قالت طلقني طلقة بألف فقال : انت طالق وعليك الف وقع الطلاق وعليها الف لأن قوله أنت طالق يكفي في صحة الخلع واستحقاق العوض وما وصل به تأكيد فإن اختلفا فقال : أنت استدعيت مني الطلاق بالف فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل عدمه فإذا حلفت برئت من العوض وبانت لأن قوله مقبول في بينونتها لأنها حقه غير مقبول في العوض لأنه عليها وهذا مذهب الشافعي و أبي حنيفة وإن قال : ما استدعيت مني الطلاق وإنما أنا ابتدأت فلي عليك الرجعة وادعت أن ذلك كان جوابا لا ستدعائها فالقول قول الزوج لأن الأصل معه ولا يلزمها الألف لأنه لايدعيه وإن قال : أنت طالق على الألف فلمنصوص عن احمد أن الطلاق يقع رجعيا كقوله انت طالق وعليك الف فانه قال في رواية مهنا في الرجل يقول لامرأته : أنت طالق على ألف درهم فلم تقل هي شيئا فهي طالق يملك الرجعة ثانيا وقال القاضي في المجرد : ذلك للشرط تقديره إن ضمنت لي الفا فأنت طالق فإن ضمنت له الفا وقع الطلاق بائنا وإلا لم يقع وكذلك الحكم إذا قال : أنت طالق على أن عليك فقياس قول احمد الطلاق يقع رجعيا ولاشيء له وعلى قول القاضي إن قبلت ذلك لزمها الألف وكان خلعا وإلا لم يقع الطلاق وهو قول أبي حنيفة و الشافعي وهو أيضا ظاهر كلام ألخرقي لأنه استعمل على بمعنى الشرط في مواضع من كتابه منها قوله وإذا أنكحها على أن لا يتزوج عليها فلها فراقه إن تزوج عليها وذلك أن على تستعمل بمعنى الشرط بدليل قول الله تعالى في قصة شعيب { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } وقال : { فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } وقال موسى { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } ولو قال في النكاح : زوجتك ابنتي على صداق كذا صح وإذا اوقعه بعوض لم يقع بدونه وجرى مجرى قوله أنت طالق إن أعطيتني ألفا أو ضمنت لي ألفا ووجه الأول أنه بأوقع الطلاق غير معلق بشرط وجعل عليها عوضا لم تبذله فوقع رجعيا من غير عوض كما لو قال : أنت طالق وعليك ألف ولأن علي ليست للشرط ولا للمعاوضة ولذلك لا يصح أن يقول بعتك ثوبي على دينار
فصل : وإذا قال : أنت طالق ثلاثا بألف فقالت قبلت واحدة منها بالف وقع الثلاث واستحق الألف لأن إيقاع الطلاق إليه وإنما علقه بعوض يجري مجرى الشرط من جهتها وقد وجد الشرط فيقع الطلاق وان قالت : قبلت بألفين وقع ولم يلزمها الألف الزائد لأن القبول لما أوجبه دون ما لم يوجبه وان قالت : قبلت بخمسمائة لم يقع لأن الشرط لم يوجد إن قالت : قبلت واحدة من الثلاث بثلث الألف لم يقع لأنه لم يرضى بانقطاع رجعته عنها إلا بألف وان قال : أنت طالق طلقتين أحدهما بألف وقعت بها واحدة لأنها بغير عوض ووقعت الأخرى على قبولها لأنها بعوض

مسالة وفصول : مخالعة الأمة بغير إذن سيدها ومخالعة الأمة لسفه
مسالة : قال : وإذا خالعته الأمة بغير إذن سيدها على شئ معلوم كان الخلع واقعا ويتبعها إذا عتقت يمثله أن كان له مثل وإلا فقيمته
في هذه المسالة ثلاثة فصول :
الفصل الأول : أن الخلع مع الأمة صحيح سواء كان بإذن سيدها أو بغير إذنه لأن الخلع يصح مع الأجنبي فمع الزوجة اولى ويكون طلاقها على عوض بائنا والخلع معها كالخلع مع الحرة سواء
الفصل الثاني : أن الخلع إذا كان بغير إذن سيدها على شيء في ذمتها فانه يتبعنها إذا عتقت لأنه رضي بذمتها ولو كان على عين فالذي ذكر الخرقي انه يثبت في ذمتها مثله أو قيمته إن لم يكن مثليها لانها لاتملك العين وما في يدها من شيء فهو لسيدها فيلزمها بذله كما لو خالعها على علد فخرج حرا أو مستحقا وقياس المذهب انه لاشيء له أنه إذا خالعها على عين وهو يعلم أنها أمة فقد علم إنها لا تملك العين فيكون راضيا بغير عوض فلا يكون له شيء كما لو قال : خالعتك على هذا الغصوب أو هذا الحر وكذلك ذكر القاضي في المجرد قال : هو كالخلع على المغصوب لإنها لا تملكها وهذا قول مالك وقال الشافعي : يرجع عليها بمهر المثل كقوله في الخلع على الحر والمغصوب ويمكن حمل كلام الخرقي على أنها ذكرت لزوجها أن سيدها إذن لها في هذا الخلع بهذه العين ولم تكن صادقة أو جهل إنها لا تملك العين أو يكون اختاره فيما إذا خالعها على مغصوب انه يرجع عليها بقيمته ويكون الرجوع عليها في حال عتقها لأنه الوقت الذي تملك فيه فهي كالمعسر يرجع في حال يساره ويرجع بقيمتها و مثله لأنه مستحق تعذر تسليمه مع بقاء سبب الاستحقاق فوجب الرجوع بمثله أو قيمته كالمغصوب
الفصل الثالث : إذا كان الخلع بأذنه السيد تعلق العوض بذمته هذا قياس كما لو أذن لعبده في الاستدانة ويحتمل أن يتعلق برقبة الأمة وان خالعت على معين بإذن السيد فيه ملكه وإن أذن في قدر المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها وان أطلق الأذن اقتضى الخلع بالمسمى لها فان خالعت به أو بما دونه لزم السيد وان كان بأكثر منه تعلقت الزيادة بذمتها كما لو عين لها قدرا فخالعت بأكثر منه وان كانت مأذونا لها في التجارة سلمت العوض مما في يدها
فصل : والحكم في المكاتبة كالحكم في الأمة القن سواء لأنها لأتملك التصرف فيما في يدها بتبرع وما لاحظ فيه وبذل المال في الخلع لا فائدة فيه من حيث تحصيل المال بل فيه ضرر بسقوط نفقتها وبعض مهرها إن كانت غير مدخول بها وإذا كان الخلع بغير إذن السيد فالعوض في ذمتها يتبعها به بعد العتق وإن كان بإذن السيد مما في يدها وان لم يكن في يدها شيئا فهو على سيدها
فصل : ويصح خلع المحجور عليها لفلس وبذلها للعوض صحيح لأن لها ذمة يصح بصرفها فيها ويرجع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها وليس له مطالبتها في حال حجرها كما لو استدانت منه أو باعها شيئا في ذمتها
فصل : فأما المحجور عليها لسفه أو صغر أو جنون فلا يصح بذل العوض منها في الخلع لأنه تصرف في المال وليس هي من أهله وسواء أذن فيه الولي أو لم يأذن لأنه ليس له الأذن في التبرعات وهذا كالتبرع وفارق الأمة فإنها أهل التصرف ولهذا تصح منها الهبة وغيرها من التصرفات بأذنه ويفارق المفلسة لأنها من أهل التصرف فان خالع المحجور عليها بلفظ يكون طلاقا فهو طلاق رجعي ولا يستحق عوضا وإن لم يكن اللفظ مما يقع به الطلاق كان كالخلع بغير عوض ويحتمل أم لا يقع الخلع ههنا لأنه إنما رضي به بعوض ولم يحصل له ولا أمكن الرجوع بدله قال أصحابنا : وليس لولي هؤلاء المخالعة بشيء من مالهن لأنه إنما يملك التصرف بما لها فيه الحظ وهذا لا حظ فيه بل فيه إسقاط نفقتها ومسكنها وبذل مالها ويحتمل أن يملك ذلك إذا رأى الحظ فيه أن يكون الحظ لها فيه بتخليصها ممن يتلف مالها وتخاف منه على نفسها وعقلها ولذلك لم يعد بذل المال في الخلع تبذيرا ولا سفها فيجوز له بذل مالها لتحصيل حظها وحفظ نفسها ومالها كما يجوز بذله في مداواتها وفكها من السر وهذا مذهب مالك والأب وغيره من أوليائها في هذا سواء وان خالعها بشيء من ماله جاز لأنه يجوز من الأجنبي فمن الولي أولى

فصل : طلب الأب طلاق ابنته على البراءة من صداقها
إذا قال الأب : طلق ابنتي وأنت بريء من صداقها فطلقها وقع الطلاق رجعيا ولم يبرا من شيء ولم يرجع على الأب ولم يضمن له لأنه أبرأه مما ليس له إلا براء منه فأشبه الأجنبي قال القاضي وقد قال أحمد : انه يرجع على الأب قال : وهذا محمول على أن الزوج كان جاهلا بان أبراء الأب لا يصح لم يرجع بشيء ويقع الطلاق رجعيا لأنه خلا عن العوض وفي الموضع الذي يرجع عليه يقع الطلاق لأنه لا يبرأ
وروي عن أحمد ان الطلاق واقع فيحمل انه اوقعه اذا قصد الزوج تعليق الطلاق على مجرد التلفظ بالإبراء دون حقيقه البراءة وان قال الزوج : هي طالق ان برئت من صداقها لم يقع لأنه علقه على شرط ولم يوجد وان قال الاب : طلقها على الف من مالها وعلى الدرك فطلقها طلقت بائنا لأنه بعوض وهوما لزم الأب من ضمان الدرك ولا يملك الألف لأنه ليس له بذلها

فصل : حكم ما لو قال لامرأتيه أنتما طالقان
فصل : وإن قال لامرأتيه : انتما طالقتان بالف إن شئتما وقع بهما بائنا ولزمها العوض بينهما على قدر مهريهما وإن شاءت إحداهما دون الأخرى لم يطلق واحدة منهما لأنه جعل شئتما صفة في طلاق كل واحدة منها ويخالف هذا ما لو قال : اننتما طالقتان بألف فقبلت إحداهما دون الأخرى لزمه الطلاق بعوضه لأنه لم يجعل في طلاقها شرطا وههنا علق كل واحدة منها بمشيئتهما جميعا فيتعلق الحكم بقولهما قد شئنا لفظا لأن ما في القلب لا سبيل إلى معرفته فلو قال الزوج : ما شئتما وإنما قلتما ذلك بالسنتكما أ وقلتا ما شئنا بقوبنا لم يقبل فاذا ثبت هذا فإن العوض يتقسط عليها على قدر مهر كل واحدة منها في الصحيح من المذهب وهو قول ابن حامد ومذهب أهل الرأي واحد قولي الشافعي وقال في الآخر : يلزم كل واحدة منها مهر مثلها وعلى قول أبي بكر من أصحابنا يكون ذلك عليهما نصفين
واصل هذا في النكاح إذا تزوج اثنتين بصداق واحد وقد ذكرناه في موضعه فإن كانت إحداهما رشيدة والأخرى محجورا عليها لسفه فقالتا قد شئنا وقع الطلاق رجعيا لأن لها مشيئة ولكن الحجر مع صحة تصرفها ونفوذه ولهذا يرجع إلى مشيئة المحجور عليه في النكاح وفيما نأكله وكذلك إن كانت غير بالغة إلا أنها مميزة فإن لها مشيئة صحيحة ولهذا يخير الغلام بين أبويه إذا بلغ سبعا وإن كانت إحداهما مجنونة أو صغيرة غير مميزة لم تصح المشيئة منهما ولم يقع الطلاق وفي كل موضع حكمنا بوقوع الطلاق فإن الرشيدة يلزمها من العوض وهو قسط مهرها من العوض في أحد الوجهين وفي الآخر نصفه وإن قالت له امرأتاه : طلقنا بألف بيننا نصفين فطلقهما فعلى كل واحدة منهما نصفه وجها واحدا وإن طلق أحدهما وحدها فعليها نصف الألف وإن قالتا طلقنا بألف فطلقهما فالألف عليها على قدر صداقيهما في أصح الوجهين وإن طلق إحداهما فعليها حصتها منه وإن كانت إحداهما غير رشيدة فطلقهما فعلى الرشيدة حصتها من الألف ويقع طلاقها بائنا وتطلق الأخرى طلاقا رجعيا ولاشيء عليها

فصل : الخلع مع الأجنبي بغير إذن المرأة
فصل : ويصح الخلع مع الأجنبي بغير إذن المرأة مثل أن يقول الأجنبي للزوج : طلق امرأتك بألف علي وهذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو ثور : لايصح لأننه سفه فإنه يبذل عوضا في مقابلة ما لا منفعة له فيه فإن الملك لا يحصل له فاشبه ما لو قال : بع عبدك لزيد بألف علي
ولنا أنه بذل مالا في مقابلة إسقاط حق عن غيرة فصح كما لو قال : أعتق عبدك وعلي ثمنه ولأنه لو قال ألق متاعبك في البحر وعلي ثمنه صح ولزمه ذلك مع أنه لايسقط حقا عن أحد فههنا أولى ولأنه حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين وفارق البيع فإنه تمليك فلا يجوز بغير رضاء من يثبت له الملك وإن قال : طلق امرأتك بمهرها وأنا ضامن هل صح ويرجع عليه بمهرها

فصلان : حكم ما إذا قالت بألف علة أن تطلق ضرتي
فصل : وإن قالت له امرأته : طلقني وضرتي بألف فطلقهما وقع الطلاق بهما بائنا واستحق الألف على باذلته لأن الخلع مع الأجنبي جائز وإن طلق إحداهما فقال القاضي : تطلق طلاقا بائنا ولزم الباذلة بحصتها من الألف وهذا مذهب الشافعي إلا أن بعضهم قال : يلزمها شيء ووقعت بها التطليقة أن لا يلزم الباذلة ههنا شيء لأنه لم يجبها إلى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت ولأنه قد يكون غرضها في بينونتهما جميعا منه فإذا طلق إحداهما لم يحصل غرضها فلا يلزمها عوضها
فصل : وإن قالت : طلقني بألف على أن تطلق ضرتي أو على أن لا تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والبذل لازم وقال الشافعي : الشرط والعوض باطلان ويرجع إلى مهر المثل لأن الشرط سلف في الطلاق والعوض بعضه في مقابلة الشرط الباطل فيكون الباقي مجهولا وقال أبو حنيفة : الشرط باطل والعوض صحيح لأن العقد يستقل بذلك العوض
ولنا أنها بذلت عوضا في طلاقها وطلاق ضرتها فصح كما لو قالت : طلقني وضرتي بألف فإن لم يف لها بشرطها فعليها الأقل من المسمى أو الألف الذي شرطته ويحتمل أن لا يستحق شيئا من العوض لأنها إنما بذلته بشرط لم يوجد فلا يستحقه كما لو طلقها بغير عوض

مسألة : ما خلع العبد به زوجته
مسألة : قال : وما خالع العبد زوجته من شيء جاز وهو لسيده
وجملة ذلك أن كل زوج صح طلاقه صح خلعه لأنه إذا ملك الطلاق وهو مجرد إسقاط من غير تحصيل شيء فلان يملكه محصلا للعوض اولى والعبد يملك الطلاق فملك الخلع وكذلك المكاتب والسفيه وفي الصبي المميز وجهان بناء على صحة طلاقه ومن لا يصح طلاقه كالطفل والمجنون لا يصح خلعه لأنه ليس من أهل التصرف فلا حكم لكلامه ومتى خالع العبد كان العوض لسيده وسائر من ذكرنا العوض لهم ويجب تسليم العوض إلى سيد العبد وولي المحجور عليه لأن العوض في خلع العبد ملك لسيده فلم يجز تسليمه إلى غيره إلا بإذنه
وولي المحجور عليه هو الذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه وأما المكاتب فيدفع العوض إليه لأنه هو الذي يتصرف لنفسه وقال القاضي : يصح قبض العبد والمحجور عليه للعوض لأن من صح خلعه صح قبضه للعوض كالمحجور عليه لفلس واحتج بقول أحمد ما ملكه العبد من خلع فهو لسيده وإن استهلكه لم يرجع على الواهب والمختلعة بشيء والمحجور عليه في معنى العبد والأولى أن لا يجوز لأن العوض في الخلع لسيد العبد فلا يجوز دفعه إللى غير من هو له بغير إذن مالكه والعوض في خلع المحجور عليه ملك له إلا أنه لايجوز تسليمه إليه لأن الحجر أفاد منعه من التصرف وكلام أحمد يحمل على ما إذا أتلفه العبد قبل تسليمه إليه وعلى أن عدم الرجوع عليها لا يلزم منه جواز الدفع إليه فإنه لو رجع علة العبد وتعلق حقها برقبته وهي ملك للسيد فلا فائدة في الرجوع عليها بما يرجع به على ماله وإن أسلمت العوض إلى المحجور عليه لم تبرأ فإن أخذه الولي منه برئت وإن أتلفه أو تلف كان لوليه الرجوع عليها به

فصل : طلاق الأب زوجة ابنه الصغير
فصل : وقد توقف أحمد في طلاق الأب زوجة ابنه الصغير وخلعه إياها وساله أبو الصقر هن ذلك فقال : قد اختلف فيه وكأنه رآه قال أبو بكر : لم يبلغني في هذه المسألة إلا ما رواه أبو الصقر فيخرج على قولين أحدهما يملك ذلك وهو قول عطاء وقتادة لأن ابن عمر طلق على ابن له معتوه رواه الإمام أحمد وعن عبد الله بن عمرو ولأنه يصح أن يزوجه فصح أن يطلق عليه إذا لم يكن مهتما كالحاكم يفسخ للاعسار ويزوج الصغير والقول الآخر لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة و الشافعي لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الطلاق لمن أخذ بالساق ] رواه ابن ماجة وعن عمر أنه قال : إنما الطلاق بيد الذي يحل له الفرج ولأنه إسقاط لحقه فلم يملكه كالإبراء من الدين وإسقاط القصاص ولأن طريقه الشهوة فلم يدخل في الولاية والقول في زوجة عبده الصغير كالقول في زوجة ابنه الصغير لأنه في معناه

مسألة : حكم ما لو خالعت المرأة في مرض موتها
مسألة : قال : وإذا خالعت المرأة في مرض موتها بأكثر من ميراثه منها فالخلع واقع وللورثة أن يرجعوا عليه بالزيادة
وجملة الأمر أن المخالعة في المرض صحيحة سواء كان المريض الزوج أو هما جميعا لأنه معاوضة فصح في المرض كالبيع ولا نعلم في هذا خلافا ثم إذا خالعته المريضة بميراثه منها فما صح ولا رجوع وإن خالعته بزيادة بطلت الزيادة وهذا قول الثوري و إسحاق وقال أبو حنيفة : له العوض كله فإن حابته فمن الثلث لأنه ليس بوارث لها فصحت محلاتها له من الثلث كالأجنبي وعن مالك كالمذهبين وعنه يعتبر بخلع مثلها وقال الشافعي : إن خالعت بمهر مثلها جاز وإن زاد فالزيادة من الثلث
ولنا على أنه لا يعتبر مهرا لمثل أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم بما قدمنا واعتبار مهر المثل تقويم له وعلى إبطال الزيادة أنها متهمة في أنها قصدت الخلع لتوصل إليه شيئا من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه وهو وارث لها فبطل كما لو أوصت له أو أقرت له وأما قدر الميراث فلا تهمة فيه فإنها لو لم تخالعه لورث ميراثه وإن صحت من ممرضها ذلك صح الخلع وله جميع ما خالعها به لأنا تبينا أنه ليس بمرض الموت والخلع في غير مرض الموت كالخلع في الصحة

مسألة : حكم لو خالعها في مرض الموت
مسألة : قال : ولو خالعها في مرض موته وأوصى لها بأكثر مما كانت ترث فللورثة أن لا يعطوها أكثر من ميراثها
أما خلعه لزوجته فلا إشكال في صحته سواء كان بمهر مثلها أو أكثر أو أقل ولا يعتبر من الثلث لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلان يصح بعوض أولى ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شيء فإن لو مات وله امرأة لبانت بموته ولم تنتقل إلى ورثته فأما ان أوصى لها بمثل ميراثها أو أقل صح لأنه لا تهمة في أنه أتانها ليعطيها ذلك فإنه لو لم يبثها لأخذته بميراثها وإن أوصى لها بزيادة عليه فللورثة منعها ذلك لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها ذلك إليها لأنه لم يكن له سبيل إلى إيصاله إليها وهي حباله فطلقها ليوصل ذلك إليها فمنع منه كما لو أوصى لوارث

فصل : وإذا خالعها على نفقة عدتها
فصل : وإذا خالع امرأته على نفقة عدتها فيحكي هن أحمد وأبي حنيفة أنه يجوز ذلك وهذا أنما يخرج على أصل أحمد إذا كانت حاملا أما غير الحامل فلا نفقة لها عليه فلا تصح عوضا وقال الشافعي : لا تصح النفقة عوضا فإن خالعها به وجب مهر الممثل لم لأن النفقة لم تجب فلا يصح الخلع كما لو خالعها على عوض ما يتلفه عليها
ولنا أنها إحدى النفقتين فصحت المخالعة عليها كنفقة الصبي فيما إذا خالعته على كفالة ولده وقتا معلوما وقولهم إنها لم تجب ممنوع فإنه قد إنا النفقة تجب بالعقد إنها إن لم تجب وجد سبب وجوبها كنفقة الصبي بخلاف عوض ما يتلفه

مسألة : حكم لو خالعته بمحرم
مسألة : قال : ولو خالعته بمحرم وهما كافران فقبضه ثم أسلما أو أحدهما لا يرجع عليها بشيء
وجملة ذلك أن الخلع من الكفار جائز سواء كانوا أهل الذمة أو أهل حرب لأن كل من ملك الطلاق ملك المعاوضة عليه كالمسلم فإن خالعها بعوض صحيح ثم أسلما وترافعا إلى الحاكم أمضى ذلك عليهما كالمسلمين وإن كان بمحرم كخمر وخنزير فقبضه ثم أسلما وترافعا إلينا أو اسلم أحدهما أمضى ذلك عليهما ولم يعرض له ولم يزده ولا يبقى له عليها شيء كما لو أصدقها خمرا ثم أسلما أوتبايعا خمرا أو تقابضا ثم أسلما وإن كان إسلامهما أو ترافعهما قبل القبض لم يمضه الحاكم ولم يأمر باقباضه لأن الخمر والخنزير لا يجوز أن يكون عوضا لمسلم أو من مسلم فلا يأمر الحاكم باقبضه قال القاضي في الجامع : ولا شيء له لأنه رضي منها بما ليس بمال كالمسلمين إذا تخالعا بخمر وقال في المجرد يجب مهر المثل وهو مذهب الشافعي لأن العوض فاسد فيرجع إلى قيمة المتلف وهو مهر المثل وكلام الخرقي يدل بمفهومه على أنه يجب له شيء لأن تخصيصه حالة القبض بنفي الرجوع يدل على الرجوع مع عدم القبض والفرق بينه وبين المسلم أن المسلم لا يعتقد الخمر والخنزير مالا فإذا رضي به عوضا فقد رضي بالخلع بغير مال فلم يكن له شيء والمشرك يعتقده مالا فلم يرض بالخلع بغير عوض فيكون العوض واجبا كما لو خالعها على حر يظنه عبدا أو خمر يظنه خلا إذا ثبت أنه يجب له العوض فذكر القاضي أنه مهر المثل كما لو تزوجها على خمر ثم أسلما وعلى ما عللنا به يقتضي وجوب قيمة ما سمي لها على تقدير كونه مالا فإنه رضي بمالية ذلك فيكون له قدره من المال كما لو خالعها على خمر يزنه خلا وإن حصل القبض في بعضه دون بعض سقط ما قبص وفيما لم يقبض الوجود الثلاثة والأصل فيه فول الله تعالى : { وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين }

فصل : التوكل في الخلع
فصل : ويصح التوكل في الخلع من كل واحد من الزوجين ومن أحدهما منفردا وكل من صح أن يتصرف بالخلع لنفسه جاز توكيله ووكالته حرا كان أو عبدا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا محجورأ عليه أو رشيدا لأن كل واحد منهم يجوز أن بوجب الخلع فصح أن يكون وكيلا وموكلا فهي كالحر الرشيد وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا ويكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء : استعاء الخلع أو الطلاق وتقدير العوض وتسليمه وتوكيل الرجال في ثلاثة أشياء شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق أو الخلع ويجوز التوكل مع تقدير العوض ومن غير تقدير لأنه عقد معاوضه فصح كذلك البيع والنكاح والمستحب التقدير لأنه لأسلم من الغرر وأسهل على الوكيل لاستغنائه هن الاجتهاد فإن وكل الزوج لم يخل من حالين الحال الأول : أن يقدر له العوض فخالع به أو بما زاد صح ولزم المسمى لأنه فعل ما أمر به وإن خالع بأقل منه ففيه وجهان أحدهما : لا يصح لاخلع وهذا اختيار ابن حامد ومذهب الشافعي لأنه خالف موكله فلم يصح تصرفه كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى ولأنه لم يأذن له في الخلع بهذا العوض فلم يصح منه كالأجنبي
والثاني : يصح ويرجع على الوكيل بالنقص وهذا قول أب بكر لأن المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع كحالة الإطلاق والأول أولى وأما إن خالف في الجنس مثل أن يأمره بالخلع على دراهم فخالع على عبد أو بالعكس أو يأمره بالخلع حالا فخالع بعوض نسيئة فالقياس أنه لا يصح لأنه مخالف لموكله في جنس العوض فلم يصح تصرفه كالوكيل في البع ولأن ما خالع به لا يملكه الموكل لكونه لم يأذن فيه ولا الوكيل لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه وفارق المخالفة في القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل وقال القاضي : القياس أن يلزم الوكيل القدر أذن فيه ويكون له خالع قياسا على المخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع ولأن هذا خلع لم يأذن فيه فلم يصح لو لم يوكله في شيء ولأنه يفضي إلى أن يملك عوضا ما ملكته إياه المرأة ولا قصد هو تملكه وتنخلع المرأة من زوجها بغير عوض لزمها له بغير إذنه وأما المخالفة في القدر فلا يلزم فيها ذلك مع أن الصحيح أنه لا يصح الخلع فيها أيضا لما قدمناه
والحال الثاني : إذا أطلق الوكالة فإنه يقتضي الخلع بمهرها المسمى حالا من جنس نقد البلد فإن خالع ب ذلك فما زاد صح لأنه زاده خيرا وإن خالع بدونه ففيه الوجهان المذكوران فيما إذا قدر له العوض فخالع بدونه وذكر القاضي احتمالين آخرين
أحدهما : أن يسقط المسمى ويجب مهر المثل لأنه خالع بما لم يؤذن له فيه
والثاني : أن يختر الزوج بين قبول العوض ناقصا ولا رجعة له وبين رده وله وإن خالع بغير نقد البلد فحكمه حكم ما لو عين له عوضا فخالع بغير جنسه وإن خالع وهو إبانة المرأة بعوض وما أتى به و إنما أتى بطلاق غير مأذون له فيه ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي وسواء عين له العوض أو أطلق وذكر في الجامع أن الخلع يصح ويرجع على الوكيل بالمسمى ولاشيء على المرأة هذا إذا قلنا الخلع بلا عوض يصح وإن قلنا لا يصح لم أن يكون بلفظ الطلاق فيقع طلقة رجعية واحتج بأن وكيل الزوجة لو خالع بذلك صح فكذلك وكيل الزوج وهذا القياس غير صحيح فإن وكيل الزوج يوقع الطلاق فلا يصح أن يوقعه على غير ما أذن له فيه ووكيل الزوجة لا يوقع وإنما يقبل ولأن وكيل الزوج إذا خالع على محرم فوت على موكله العوض ووكيل الزوجة يخلصها منه فلا يلزم من الصحة في موضع يخلص موكله من وجوب العوض عليه الصحة في موضع يفوته عليه ألا ترى أن وكيل الزوجة لو صالح بدون العوض الذي قدرته له صح ولزمها ولو خالع وكيل الزوج بدون العوض الذي قدره له لم يلزمه وأما وكيل الزوجة فله حالان أحدهما : أن تقدر له العوض فمتى خالع به فما دون صح ولزمها ذلك لأنه زادها خيرا وإن خالع باكثر منه صح ولم تلزمها الزيادة لأنها لم تأذن فيها ولزم الوكيل لأنه التزمه للزوج فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من يعتق على رب المال وقال القاضي في المجرد : عليها مهر مثلها ولا شيء على وكيلها لأنه لا يقبل العقد لنفسه إنما يقبله لغيره ولعل هذا مذهب الشافعي والأولى أنه لا يلزمها أكثر مما بذلته لأنها ما التزمت أكثر منه و لا وجد منها تغرير للزوج ولا ينبغي أن يجب للزوج أيضا أكثر مما بذل له الوكيل لأنه رضي بذلك عوضا وهو عوض صحيح معلوم فلم يكن له أكثر منه كما لو بذلته المرأة الثاني : أن يطلق الوكالة فيقتضي خلعها بمهرها من جنس نقد البلد فإن خالعها بذلك فما دون صح ولزمها وإن خالعها بأكثر منه فهو كما لو خالعها بأكثر مما قدرت له على ما مضى من القول فيه

فصل : اختلاف الزوجين في الخلع
فصل : إذا اختلفا في الخلع فادعاه الزوج وأنكرته المرأة بانت باقرار ولم يستحق عليها عوضا لأنها منكرة وعليها اليمين وإن ادعته المرأة وأنكره الزوج فالقول قوله لذلك ولا يستحق عليها عوضا لأنه لا يدعيه فإن اتفقا على الخلع واختلفا في قدر العوض أو جنسه أو حاوله أو تأجيله أو صفته فالقول المرأة حكاه أبو بكر نصا عن أحمد وهو قول مالك و أبي حنيفة وذكر القاضي رواية أخرى عن أحمد أن القول قول الزوج لأن البضع يخرج من ملكه فكان القول قول في عوضه كالسيد مع مكاتبه وقال الشافعي : يتحالفان لأنه اختلاف في عوض العقد فيتحالفان فيه كالمتبايعين إذا اختلفا في الثمن
ولنا أنه أحد نوعي الخلع فكان القول قول المرأة كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره ولأن المرأة منكرة للزيادة في القدر أو الصفة فكان القول قولها لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ اليمين على المدعى عليه ] وأما التحالف في البيع فيحتاج إليه لفسخ العقد و الخلغ في بنفسه فسخ فلا يفسخ وإن قال : خالعتك بألف فقالت : إنما خالعك غيري بألف في ذمته بانت ولا قول قولها في نفي العوض عنها لأنها منكرة له وإن قالت : نعم ولكن ضمنها لك أبي أو غيره لزمها الألف لإقرارها به والضمان لا يبرىء ذمتها وكذلك إن قالت : خالعتك على ألف بذله لك أبي لأنها أعترفت بالألف وادعت على أبيها دعوى فقبل قولها على نفسها دون غيرها وإن قال : سألتني
طلقة بألف فقالت بل سألتك ثلاثا فطلقني واحدة بانت بإقراره والقول قولها في سقوط العوض وعند أكثر الفقهاء يلزمها ثلث الألف بناء على أصلهم فيما إذا قالت : طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أنه يلزمها ثلث الألف وإن خالعها على ألف فادعى أنها دينانير وقالت : بل هي دراهم فالقول قولها إلا على الرواية التي حكاها القاضي فإن القول قول الزوج في هاتبن المسألتين وإن اتفقا على الإطلاق لزم الألف من غالب نقد البلد وإن اتفقا على أنهما أرادا دراهم قراضة لزمها مال اتفقت إرادتها عليه وإن اختلفا في الإرادة كان حكمها حكم المطلقة يرجع إلى غلب نقد البلد وقال القاضي : إذا اختلفا في الإرادة وجب المهر المسمى في العقد لأن اختلافهما يجعل البدل مجهولا فيجب الممسمى في النكاح والأول أصح لأنهما لو أطلقاه لصلحت التسمية ووجب الألف من غلب نقد البلد ولم يكن إطلاقهما جهالة تمنع صحة العوض فكذلك إذا اختلفا ولأنه يجيز العوض المجهول إذا لم تكن جهالته تزيد على جهالة مهر المثل كعبد مطلق وبعير وفرس والجهالة ههنا أقل فالصحة أولى

فصلان : تعليق الطلاق بصفة
فصل : إذا علق طلاق امرأته بصفة ثم أبانها بخلع أو طلاق ثم عاد فتزوجها ووجدت الصفة طلقت ومثاله إذا قال : إن كلمت أباك فأنت طلاق ثم تزوجها فكلمت أباها فإنها تطلق نص عليه أحمد فأما إن وجدت الصفة في حال البينونة ثم تزوجها ثم وجدت مرة أخرى فظاهر المذهب أنها تطلق وعن أحمد ما يدل على أنها لا تطلق نص عليه في العتق في رجل قال لعبده : أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم رجع يعني فشتراه فإن رجع وقد دخل الدار لم يعتق وإن يكون في الطلاق مثله بل أولى لأن العتق يتشوف الشرع إليه ولذلك قال الخرقي : وإذا قال إن تزوجت فالنه فهي طلاق لم تطلق أن تزوجها و قال : إن ملكت فلنا فهو حر فملكه صار حرا وهذا اختيار أبي الحسن التميمي وأكثر أهل العلم يرون أن الصفة لا تعود إذا أبانها بطلاق ثلاث وإن لم توجد الصفة في حال البينونة هذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته : أنت طالق ثالثا إن دخلت الدار فطلقها ثلاثا ثم نكحت غيره ثم نكحها الحالف ثم دخلت الدار أنه لا يقع عليها الطلاق وهذا على مذهب مالك و الشافعي وأصحاب الرأي لأن إطلاق الملك يقتضي ذلك فإن أبانها دون الثلاث فوجدت الصفة ثم تزوجها انحلت يمينه في قولهم وإن لم توجد الصفة في البينونة ثم نكحها لم تنحل في قول مالك وأصحاب الرأي وأحد أقوال الشافعي وله قول آخر لا تعود الصفة بحال وهو اختيار المزني و أبي إسحاق لأن الإيقاع وجد قبل النكاح فلم يقع كما لو علقه بالصفة قبل أن يتزوج بها فإنه لا خلاف في أنه لو قال لأجنبية : أنت طالق إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخلت الدار لم تطلق وهذا في معناه فأما إذا وجدت الصفة في حال البينونة انحلت اليمين لأن الشرط وجد قس وقت لا يمكن وقوع الطلاق فيه فسقطت اليمين وإذا انحلت مرة لم يمكن عودها إلا بعقد جديد
ولنا أن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح فيقع كما لو يتخلله بينونة أ و كما لو بانت بما دون الثلاث عند مالك و أبي حنيفة ولم تفعل الصفة وقولهم أن هذا طلاق قبل نكاح قلنا يبطل بما إذا لم يكمل الثلاث وقولهم تنحل الصفة بفعلها قلنا إنما تنحل بفعلها على وجه يحنث به وذلك لأن اليمين حل وعقد ثم ثبت أن عقدها يفتقر إلى الملك فكذلك حلها والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال بينونتها فلا تنحل اليمين وأما العتق ففيه روايتان
إحداهما : أن العتق كالنكاح في أن الصفة لا تنحل بوجودها بعد بيعه فيكون كمسألتنا والثانية : تنحل لأن الملك الثاني لا يبني على الأول في شيء من أحكامه وفارق النكاح فإنه يبنى على الأول في بعض أحكامه وهو عدد الطلاق فجاز أن يبنى عليه في عود الصفة ولأن هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فإن بن ماجة و أبن بطة رويا بإسنادها عن أبي موسى قال : قال رسول الله : [ ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك ] وفي لفظ رواه بن بطة [ خلعتك وراجعت طلقتك راجعتك ]
وروى بإسناده عن أبي هريرة قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لاترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ]
فصل : فإن كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني مثل أن قال : إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق ثلاثا ثم أبانها فأكلته ثم نكحها لم يحنق لأن حنثه بوجود الصفة في النكاح الثاني وما وجدت ولا يمكن إيقاع الطلاق بأكلها له حال البينونة لأن الطلاق لا يلحق البائن والله أعلم

كتاب الطلاق
الطلاق حل قيد النكاح وهو مشروع والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وأما السنة فما [ روى ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ] متفق عليه في آي وأخبار سوى الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضررا مجردا بإلزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه

فصل : الطلاق خمسة اضرب
فصل : والطلاق على خمسة أضرب واجب : وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفيئه وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأيا ذلك ومكروه : وهو لاطلاق من غير حاجة إليه وقال القاضي فيه روايتان إحداهما : أنه محرم لأنه ضرر بنفسه وزجته وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه فكان حراما كإتلاف المال ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا ضرر ولا ضرار ] والثانية : أنه مباح لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أبغض الحلال إلى الله الطلاق ] وفي لفظ [ ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق ] رواه أبو داود وإنما يكون مبغضا من غير حاجة إليه وقد سماه النبي صلى الله عليه و سلم حلالا ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها فيكون مكروها والثالث : مباح وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها من غير حصول الغرض بها والرابع : مندوب إليه وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها أو تكون له امرأة غير عفيفة قال أحمد : لاينبغي له إمساكها وذلك لأن فيه نقصا لدينه ولايأمن إفسادها لفراششه وإلحاقها به ولدا ليس هو منه ولا بأس بعضلها في هذه الحال والتضييق عليها لتفتدي منه قال الله تعالى : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } ويحتما أن الطلاق في هذين الموضعين واجب ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق وفي الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر وأما المحظور : فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر اله تعالى ورسوله قال الله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ] وفي لفظ رواه الدارقطني بإسناده [ عن ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله إنك أخطأت السنه والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء ] ولأنه إذا طلق في الحيض طول الهدة عليها فإن الحيضة التي طلق فيها لا تحسب من عدتها ولا الطهر الذي بعدها عند من نجعل الاقراء الحيض وإذا طلق في طهر أصابها فيه لم يأمن أن تكون حاملا فيندم وتكون مرتابة لا تدري أتعتد بالحمل أو الإقراء ؟

مسألة تعريف الطلاق السني
مسألة : قال : وطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها
معنى طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه و سلم في الآية والخبرين المذكورين وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه ثم يتركها حتى تنقضي عدتها ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه ثم تركها حتى تنقضي عدتها أنه مصي للسنة مطلق للعدة التي أمر الله بها قاله ابن عبد البر وابن المنذر وقال ابن مسعود : طلاق السنة أن يطلقها من غير جماع وقال في قوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } قال : طاهرا من غير جماع ونحوه عن ابن عباس وفي حديث ابن عمر الذي رويناه [ ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قيل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ] فأما قوله [ ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ] فمعناه أنه لا يتبعها طلاها آخر قبل قضاء عدتها ولو طلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار كان حكم ذلك حكم جميع الثلاث في طهر واحد قال أحمد : طلاق السنة واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض وكذلك قال مالك و الأوزاعي و الشافعي وأبو عبيد وقال أبو حنيفة و الثوري : السنة أن يطلقها ثلاثا في كل قرء طلقة وهو قول سائر الكوفيين واحتجوا بحديث ابن عمر حين قال له النبي صلى الله عليه و سلم : [ راجعها ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ] قالوا وإنما أمره بإمساكها في هذا الطهر لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل فإذا مضى ومضت الحيضة التي بعده أمره بطلاقها وقوله في حديثه الآخر والسنة أن يستقبل الطهر فيطلق لكل قرء
وروى النسائي بإسناده عن عبد الله قال : طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر في غير جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك بحيضة
ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : لا يطلق أحد للسنة فيندم رواه الأثرم وهذا إنما يحصل في حق لم يطلق ثلاثا وقال ابن سيرين أن عليا كرم الله وجهه قال : لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا فمتى شاء راجعها رواه النجاد بإسناده وروى ابن عبد البر بإسناده عن ابن مسعود أنه قال : طلاق السنة أن يطلقها وهي طاهر ثم يدعها حتى تنقضي عدتها أو يراجعها إن شاء فأما حديث ابن عمر الأول فلا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه جميع الثلاث وأما حديثه الآخر فيحتمل أن يكون ذلك بعد ارتجاعها ومتى ارتجع بعد الطلقة ثم طلقها كان للسنة على كل حال حتى قد قال أبو حنيفة : لو أمسكها بيده لشهوة ثم والى فصارت كأنها لم توجد ولا غنى به عن الطلقة الأخرى إذااحتاج إلى فراق امرأته بخلاف ما إذا لم يرتجعها فإنه مستغن عنها لإفضائها إلى مقصوده من ابانتها فافترقا ولأن ما ذكروه أرداف طلاق من غير ارتجاع فلم يكن للسنة كجمع الثلاث في طهر واحد وتحريم المرأة لا يزول إلا بزوج وإصابة من غير حاجة فلم يكن للسنة كجمع الثلاث

فصل : الطلاق البدعي
فصل : فإن طلق للبدععة وهو أن يطلقها حائضا أو في طهر أصابها فيه أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر و ابن عبد البر : لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال وحكاه أبو نصر عن ابن علية و هشام بن الحكم و
الشيعة قالوا لا يقع طلاقه لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة فإذا طلق في غيره لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بإيقاعه في غيره
ولنا حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يراجعها وفي رواية الدارقطني قال : [ فقال يا رسول الله أفرأيت لو أني طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها ؟ قال : لا كانت تبين منك وتكون معصية ] وقال نافع : وكان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقه وراجعها كما أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر قال قلت لابن عمر أفتعتد عليه أو تحتسب عليه ؟ قال : نعم أرأيت ان عجز واستحق ؟ وكلها أحاديث صحاح ولأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق فوقع كطلاق الحامل ولأنه ليس يقر به فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له أما غير الزوج فلا يملك الطلاق و الزوج يملكه بملكه محله

فصلان : استحباب المراجعة
فصل : ويستحب أن يراجعها لأمر النبي صلى الله عليه و سلم بمراجعتها وأقل أحوال الأمر الاستحبات ولأنه بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق ولا يجب ذلك في ظاهر المذهب وهو قول الثوري و الأوزاعي و الشافعي و ابن أبي ليلى وأصحاب الرأي وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أن الرجعة تجب واختارها وهو قول مالك و داود لظاهر الأمر في الوجوب ولأن الرجعة تجري مجرى استبقاء النكاح واستبقاؤه ههنا واجب بدليل تحريم الطلاق ولأن الرجعة إمساك للزوجة بدليل قوله تعالى : { فأمسكوهن بمعروف } فوجب ذلك كإمساكها قبل الطلاق وقال مالك و داود : يجبر على رجعتها قال أصحاب مالك : يجبر على رجعتها ما دامت في العدة إلا أشهب قال شك ما لم تطهر ثم تحيض ثم تطهر لأنه لا يجب عليه إمساكها في تلك الحال فلا يجب عليه رجعتها فيه
ولنا أنه طلاق لا يرتفع بالرجعة فلم تجب عليه الرجعة فيه كاطلاق في طهر مسها فيه فإنهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب حكاه ابن عبد الب ر عن جميع العلماء وما ذكروه من المعنى ينتقض بهذه الصورة وأما الأمر بالرجعة فمخمول على الاستحباب لما ذكرنا
فصل : فإن رجعها وجب إمساكها حتى تطهر واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أأخرى ثم تطهر على ما أمر به النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عمر الذي رويناه قال ابن عبد البر : ذلك من وجوه عند أهل العلم منها أان لارجعة لا تكاد تعلم صحتها إلابالوطء لأنه االمبغي من لانكاح ولا يحصل الوطء إلا في الطهر فإذا وطئها حرم طلاقها فيه حتى تحيض ثم تطهر واعترنا مظنه الوطء ومحله لا حقيقه ومنها أن الطلاق كره في الحيض لتطويل العدة فلو طلقها عقيب الرجعةمن غير وطء كانت في معنى المطلقة قبل الدخول وكانت نتبني على عدتها فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم قطع حكم الطلاق بالوطء واعتبر الطهر الذي هو موضع الوطء فإذا وطىء حرم طلاقها حتى تحيض ثم تططهر أخرى فإن شاء أمسكها رواه ابن عبد البر أنه عوقب على إقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي يباح له ن وذكر غير هذا فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة قبل أن يمسها فهو طلاق سنة وقال أصحاب مالك : لا يطلقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر على ما جاء في الحديث ولنا قوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } وهذا مطلق للعدة فيدخل في الأمر وقد روى يونس بن جبير وسعيد بن جبر وابن سرين وزيد بن أسلم وأبو الزبير عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم أن شاء طلق وإن شاء أمسك ولم يذكروا تلك الزيادة وهو حديث صحيح متفق عليه ولأنه طهر لم يمسها فيه فأشبه الثاني وحديثهم محمول على الاستحباب

مسائل وفصول : في الطلاق السني والبدعي
مسألة : قال : ولو طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كان أيضا للسنة وكان تاركا للاختيار
اختلفت الرواية عن أحمد في جميع الثلاث فروي عنه انه غير محرم اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي و أبي ثور و داود وروي ذلك عن الحسن بن علي و عبد الرحمن بن عوف و الشعبي لأن عويمرالعجلاني لما لاعن امرأتة قال : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم متفق عليه ولم ينقل إنكار النبي صلى الله عليه و سلم [ وعن عائشة ان امرأة رفاعة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله : إن رفاعة طلقني فبت طلاقي ] متفق عليه وفي حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أرسل إليها بثلاث تطليقات ولأنه طلاق جاز تفريقه فجاز جمعه كطلاق النساء والرواية الثانية أن جمع الثلاث طلاق محرم اختارها أبو بكر وأبو حفص روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وهو قول مالك و أبي حنيفة قال علي رضي الله عنه : لا يطلق أحد للسنة فينعدم وفي رواية قال : يطلقها واحدة ثم يدعها ما بينما وبين أن تحيض ثلاث حيض فمتى شاء رجعيا وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا أتي برجل طلق ثلاثا أوجعه ضربا وعن مالك بن الحارث قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال : إن عمك عصى الله وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجا ووجه ذلك قول الله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } - إلى قوله - { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ثم قال بعد ذلك { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا } ومن جمع الثلاث لم يبق له أمر يحدث ولا يجعل الله له مخرجا ولا من أمره يسرا
وروى النسائي بإسناده عن محمود بن لبيد قال : [ اخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فغضب ثم قال : أيلعب بكتاب الله عز و جل وأنا بين أظهركم ؟ حتى قام رجل فقال يا رسول الله : ألا أقتله ] و [ في حديث ابن عمر قال : قلت يا رسول الله أرأيت لو طلقها ثلاثا ؟ قال : إذن عصيت ربك وبانت منك امرأتك ] وروى الدارقطني بإسناده [ عن علي قال : سمع النبي صلى الله عليه و سلم رجلا طلق البتة فغضب وقال : تتخذون آيات الله هزوا أو دين الله هزوا أو لعبا ؟ من طلق البتة الزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ] ولأنه تحريم للبضع بقول الزوج من غير حاجة فحرم كالظهار بل هذا أولى لأن الظهار يرتفع تحريمه بالتكفير وهذا لاسبيل للزوج إلى رفعه بحال ولأنه ضرر بنفسه وبامرأته من غير حاجة فيدخل في عموم النهي وربما كان وسيلة إلى عوده إليها حراما أو بحيلة لاتزيل التحريم ووقوع الندم وخسارة الدنيا والآخرة فكان أولى بالتحريم من الطلاق في الحيض الذي ضرره بقاؤها في العدة أياما يسيرة أوالطلاق في طهر مسها فيه الذي ضرره احتمال الندم بظهور الحمل فإن الحمل فأن ضرر جميع الثلاث يتضاعف على ذلك أضعافا كثيرة فالتحريم ثم تنبيه على التحريم ههنا ولأنه قول من سميا من الصحابة رواه الأثرم وغيره ولم يصح عندنا في عصرهم خلاف قولهم فيكون ذلك إجماعا
وأما حديث المتلاعنين فغير لازم لأن الفرقة لم تقع بالطلاق فإنها وقعت بمجرد لعانهما وعند الشافعي بمجرد لعان الزوج فلا حجة فيه ثم إن اللعان يوجب تحريما مؤبدا فالطلاق بعده كالطلاق بعد انفساخ النكاح بالرضاع أو غيره ولأن جمع الثلاث إنما حرم لما يعقبه من لاندم ويحصل به من الضرر ويفوت عليه من حل نكاحها ولا يحصل ذلك بالطلاق بعد اللعان وسائر الأحاديث لم يقع فيها جمع الثلاث بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم فيكون مقرا عليه ولا حضر المطلق عند النبي صلى الله عليه و سلم حين أخبر بذلك ليننكر عليه على أن حديث فاطمة قد جاء فيه أنه أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها وحديث امرأة رفاعة جاء فيه أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات متفق عليه فلم يكن في شيء من ذلك جمع الثلاث ولا خلاف بين الجميع في أن الاختيار والأولى أن يطلق واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها إلا ما حكينا من قول السلف وأمنا من الندم فإنه متى ندم راجعها فإن فاته ذلك بانقضا عدتها فله نكاحها قال محمد بن سرين ان عليا كرم الله وجهه قال : لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا فمتى شاء راجعها رواه النجاد بإسناده وعن عبد الله قال من أراد أن يطلق الطلاق الذي هو الطلاق فليهمل حتى إذا حاضت ثم طهرت طلقها تطليقة في غير جماع ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ولا يطلقها ثلاثا وهي حامل فيجمع اله عليه بفقتها وأجر رضاعها ويندمه الله فلا يستطيع إليها سبيلا
فصل : وإن طلق ثلاثا بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق بين قبل الدخول وبعده روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود وانس وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم وكان عطاء و طاوس و سعيد بن جبير و أبو الشعثاء و عمرو بن دينار يقولون من طلق البكر ثلاثا فهي واحدة وروى طاوس عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة رواه أبو داود وروى سعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث عن ابن عباس خلاف رواية طاوس أخرجه أيضا أبو داود وافتى ابن عباس بخلاف ما رواه عنه طاوس وقد ذكرنا حديث ابن عنر أرأيت لو طلقتها ثلاثا وروى الدارقطني بإسناده عن عبادة بن الصامت قال : [ طلق بعض آبائي امرأته ألفا فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله إن أبانا طلق أمنا ألفا فهل له مخرج ؟ فقال : ان أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنه و تسعمائة وسبعة وتسعون اثم في عنقه ] ولأن النكاح ملك يصح إزالته متفرقا فصح مجتمعا كسائر الأملاك فأما حديث ابن عباس فقد صحت الرواية عنه بخلاف وأفتى أيضا بخلاف قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس بأي شيء تدفعه فقال : أدفعه بروايه الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه ثم ذكر عن عدة عن لبن عباس من وجوه انها ثلاث وقيل معنى حديث ابن عباس أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وإلا فلا يجوز أن يخالف عمر ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر ولا يسوغ لابن عباس أن يروي هذا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ويفتي بخلافه
فصل : وإن طلق اثنتين في طهر ثم تركها حتى انقضت عدتها فهو للسنة لأنه لم يحرمها على نفسه ولم يسد على نفسه المخرج من الندم ولكنه ترك الاختيار لأنه فوت نفسه طلقة جعلها الله من غير فائدة تحصيل بها فكان مكروها كتضييع المال
مسألة : قال : وإذا قال لها أنت طالق للسنة وكانت حاملا أو طاهرا لم يجامعها فيه فقد وقع الطلاق وإن كانت حائضا لزمها الطلاق إذا طهرت وإن كانت طاهرة مجامعة فيه فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة لزمها الطلاق
وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته : أنت طالق للسنة فمعناه في وقت السنة فإن كانت طاهرا غير مجامعة فيه فهو وقت السنة على ما أسلفناه وكذلك إن كانت حاملا قال ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أن الحامل طلاقها للسنة وقال أحمد : اذهب إلى حديث سالم عن أبيه ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا وأخرجه مسلم وغيره فأمره بالطلاق في الطهر أو في الحمل فطلاق السنة ما وافق الأمر ولأن مطلق الحامل التي إستبان حملها قد دخل على بصيرة فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم وليست مرتابة لعدم اشتباه الأمر عليها فإذا قال لها : أنت طالق للسنة في هاتين الحالتين طلقت لأنه وصف الطلقة بصفتها فوقعت في الحال وإن قال ذلك لحائض لم تقع في الحال لأن طلاقها طلاق بدعة لكن إذا طهرت طلقت لأن الصفة وجدت حينئذ فصار كأنه قال : أنت طالق في النهار فإن كانت في النهار طلقت وإن كانت في الليل طلقت إذا جاء النهار وإن كانت في طهر جامعها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة طلقت حينئذ لأن الصفة وجدت وهذا كله مذهب الشافعي و أبي حنيفة ولا أعلم فيه مخالفا فإن أولج في آخر الحيض واتصل بأول الطهر أو أولج مع أول الطهر لم يقع الطلاق في ذلك الطهر لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه طلقت في أوله وهذا كله مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا
فصل : إذا انقطع الدم من الحيض فقد دخل زمان السنة ويقع عليها السنة وإن لم تغتسل كذلك قال أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وبه وقال الشافعي وقال أبو حنيفة : إن طهرت لأكثر الحيض مثل ذلك وإن انقطع الدم لدون أكثره لم يقع حتى تغتسل أوتتيمم عند عدم الماء وتصلي أو يخرج عنها وقت صلاة لأنه متى لم يوجد فما حكمنا بانقطاع حيضها ولنا أنها طاههر فوقع بها طلاق السنة كالتي طهرت لأكثر الحيض والدليل على أنها طاهر أنها تؤيمر بالغسل ويلزمها ذلك ويصح منها وتؤمر بالصلاة وتصح صلاتها ولأن في حديث ابن عمر فإذا طهرت طلقها إن شاء وما قاله غير صحيح فإننا لو لم نحكم بالطهر لما أمرناها بالغسل ولا صح منها
مسألة : قال : ولو قال لها أنت طالق للبدعة وهي في طهر لم يصبها فيه لم تطلق حتى يصيبها أتحيض
هذه المسألة عكس تلك فإنه وصف الطلقة بأها للبدعة فإن قال ذلك لحائض أو طاهر مجامعة فيه وقع الطلاق في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها وإن كانت في طهر لم يصبها فيه فإذا حاضت طلقت بأول جزء من الحيض وإن أصابها طلقت بالتقاء الختانين فإن نزع من غير توقف فلا شيء عليها إن شاء الله تعالى فيما بعد
فصل : فإن قال لطاهر : أنت طالق للبدعة في الحال فقد قيل إن الصفة تلغو ويقع الطلاق لأنه وصفها بما تتصف به فلغت الصفة دون الطلاق ويحتمل أن تطلق في الحال ثلاثا لأن ذلك طلاق بدعة فانصرف الوصف بالبدعة إليه لتعذر صفة البدعة من الجة الأخرى وإن قال لحائض : أنت طالق للسنة في الحلا لغت الصفة و وقع الطلاق لأنه وصف الطلقة بما لاتتصف به وإن قال : أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة طلقت ثلاثا في الحال بناء على ما سنذكره
فصل : وإن قال : أنت طالق ثلاثا للسنة فالمنصوص عن أحمد أنها تطلق ثلاثا إن كانت طاهرا غير مجامعة فيه وإن كانت حائضا طلقت ثلاثا إذا طهرت وهذا مذهب الشافعي قال القاضي وأبو الخطاب هذا على الرواية التي قا لفيها : إن جمع الثلاث يكون سنة فأما على الرواية الأخرى فإذا طهرت طلقت واحدة وتطلق الثانية والثالثة في نكاحين آخرين أو بعد رجعتين وقد أنكر أحمد هذا ففال في رواية مهنا إذا قال لامراته : أنت طالق ثلاثا للسنة قد اختلفوا فيه فمنهم من يقول يقع عليها الساعة واحدة فلو راجعها تقع عليها تطليقة أخرة وتكون عنده على أخرى وما يعجبني قولهم هذا فيحتمل أن أحمد أوقع الثلاث لأن ذلك عنده سنة ويحتمل أنه أوقعها لوصفه الثلاث بما لا تتصف به فألغى الصفة وأوقع الطلاق كما لو قال لحائض : أنت طالق في الحال للسنة وقد قال في رواية أبي الحارث ما يدل على هذا قال : يقع عليها الثلاث ولا معنى لقوله للسنة وقال أبو حنيفة : يقع في كل قرء طلقة وإن كانت من ذوات الأشهر وقع في كل شهر وبناه على أصله في أن السنة تفريق الثلاث على الاطهار وقد بينا أن ذلك في حكم جمع الثلاث فإن قال : أردت بقولي للسنة إيقاع واحدة في الحال واثنين في نكاحين آخرين قبل منه وإن قال : أردت أن يقع في كل قرء طلقة قبل أيضا لأنه مذهب طائفة من أهل العلم وقد ورد به الأثر فلا يبعد أن يريده وقال أصحابنا : يدين وهل يقبل في الحكم ؟ على وجهين أحدهما : يقبل لما قدمنا فإن كانت في زمن البدعة فقال : سبف لساني إلى قول السنة ولم أرده وإنما أردت الإيقاع في الحال وقع في الحال لأنه مالك لإيقاعها فإذا اعترف بما يوقعها قبل منه
فصل : إذا قال : أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت في الحال طلقتين وتأخرت الثالثة إلى الأخرى لأنه سوى بين الحالين فاقتضى الظاهر أن يكونا سواء فيقع في الحال طلقة ونصف ثم يكمل النصف لكون الطلاق لا يتبعض فيقع طلقتان ويحتمل أن تقع طلقة وتتأخر اثنتان إلى الحال اأ لأخرى لأن البعض يقع على ما دون الكل ويتناول القليل من ذلك والكثير فيقع أقل ما يقع عليه الاسم لأنه اليقين وما زاد لا يقع بالشك فيتأخر إلى الحال الأخرى فإن قيل فلم لايقع من كل طلقة بعضها ثم تكمل فيقع الثلاث ؟ قلنا متى أمكنت القسمة من غير تكسير وجب القسمة على الصحة وإن قال : نصفهن للسنة ونصفهن للبدعة وقع في الحال طلقتان وتأخرت الثالثة وإن قال : طلقتان للسنة وواحدة للبدعة أو طلقتان للبدعة وواحدة للسنة فهو على ما قال وإن أطلق ثم قال : نويت ذلك فإن فسر نيته بما يوقع في الحال طلقتين قبل لأنه مقتضى الإطلاق ولأنه غير ماهم فيه وإن فسرها بما يوقع طلقة واحدة ويؤخر اثنتين دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم ؟ فيه وجهان أظهرهما : أنه يقلبل لأن البعض حقيقة في القليل والكثير فما فسر كلامه به لا يخالف الحقيقة فيجب أن يقبل والثاني : لايقبللأنه فسر كلامه بأخف مما يلزمه حالة الإطلاق ومذهب الشافعي على نحو هذا فإن قال : أنت طالق ثلاثا بعضها للسنة ولم يذكر شيئا آخر احتمل أن تكون كالتي قيلها لأنه يلزم من ذلك أن يكون بعضها للبدعة فأشبه ما لو صرح به ويحتمل أنه لا يقع في الحال إلا واحدة لأنه لم يسوبين الحالين والبعض لا يقتضي النصف فتقع الواحدة لأنها اليقين والزائد بالشك وكذلك لو قال : بعضها للسنة وباقيها للبدعة أو سائرها للبدعة
فصل : إذا قال : أنت طالق إذا قدم زيد فقدم وهي حائض طلقت للبدعة ولم يأثم لأنه لم يقصده وإن قال : أنت طالق إذا قدم زيد للسنة فقدم في زمان البدعة لم يقع حتى إذا صارت إلى زمان السنة وقع ويصير كأنه قال : حين قدم زيد أنت طالق للسنة لأنه أوقع الطلاق بقدوم زيد على صفة فلا يقع إلا عليها وإن قال لها : أنت طالق للسنة إذا قدم زيد قبل أن يدخل بها طلقت عند قدومه حائضا كانت أو طاهرا لأنها لا سنة لطلاقها ولا بدعة وإن قدم بعد دخوله بها وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت وإن قدم في زمن البدعة لم تطلق حتى يجيء زمن السنة لأنها صارت ممن لطلاقها سنة وبدعة وإن قال لامرأته : أنت طالق إذا جاء رأس الشهر للسنة فكان رأس الشهر في زمان السنة وقع وإلا وقع إذا جاء زمان السنة

مسألة وفصول : ولو قال لها وهي حائض ولم يدخل بها أنت طالق للسنة وفروع
مسألة : قال : ولو قال لها وهي حائض ولم يدخل بها أنت طالق للسنة طلقت من وقتها لأنه لا سنة فيه ولا بدعة
قال ابن عبد البر أجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها أما غير المدخول بها فلس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عدد الطلاق على اختلاف بينهم فيه وذلك لأن الطلاق في حق المدخول بها إذا كانت من ذوات الإقراء إنما كان له سنة وبدعة لأن العدة تطول عليها بالطلاق في الحيض وترتاب بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الأمران بالطلاق في الطهر الذي لم يجعلها فيه أما غير المدخول بها فلا عدة عليها ينفي تطويلها أو الارتياب فيها وكذلك ذوات الأشهر كالصغير التي لم تحض الآيات من الحيض لا سنة لطلاقهن ولا بدعة لأن العدة لا تطول بطلاقها في الحال ولا تحمل فترتاب وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء كلهن ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة من جهة الوقت في قول أصحابنا وهو مذهب الشافعي وكثير من أهل العلم فإذا قال لإحدى هؤلاء أنت طالق للسنة أو للبدعة وقعت الطلقة في الحال ولغت الصفة لأن طلاقها لا يتصف بذلك فصار كأنه قال أنت طالق ولم يزد وكذلك إن قال أنت طالق للسنة والبدعة أو قال أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها ويحتمل كلام الخرقي أن يكون للحامل طلاق سنة لأنه طلاق أمر به بقوله عليه السلام [ ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ] وهو أيضا كلام أحمد فإنه قال أذهب إلى حديث سالم عن أبيه يعني هذا الحديث ولأنها في حال انتقلت إليها بعد زمن البدعة ويمكن أن تنتقل عنها إلى زمان البدعة فكان طلاقها طلاق سنة كالطاهر من الحيض من غير مجامعة ويتفرع من هذاغ أنه لو قال لها أنت طالق للبدعة لم بطلق في الحال فإذا وضعت الحمل طلقت لأن النفاس زمان بدعة كالحيض
فصل : وإن قال الصغير أو غير مدخول بها أنت طالق للبدعة ثم قال أردت إذا حاضت الصغيرة أو أصيبت غير المدخول بها أو قال لهما أنتما طالقتان للسنة وقال أردت طلاقهما في زمن يصير طلاقهما فيه للسنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم ؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي أحدهما : لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف الظاهر فأشبه ما لو قال أنت طالق ثم أردت إذا دخلت الدار والثاني : يقبل وهو الأشبه بمذهب أحمد لأنه فسر كلامه بما يحتمله فقبل كما لو قال : أنت طالق أنت طالق وقال : أردت بالثانية إفهامها
فصل : وإذا قال لها في طهر جامعها فيه أنت طالق للسنة فيئست من الحيض لم تطلق لأنه وصف طلاقها بأنه للسنة في زمن يصلح له فإذا صارت آيسة فليس لطلاقها سنة فلم توجد الصفة فلا يقع وكذلك إن استبان حملها لم يقع أيضا إلا على قول من جعل طلاق الحامل سنة فإنه ينبغي أن يقع لوجود الصفة كما لو حاضت ثم طهرت
فصل : إذا قال : أنت طالق في كل قرء طلقة وهي من ذوات القرء وقع في كل قرء طلقة فإن كانت في القرء وقعت بها واحدة في الحال و وقع بها طلقتان في قرأين آخرين في أولهما سواء قلنا القرء الحيض أوالإطهار وسواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها تبين بالطلقة الأولى فإن تزوجها وقع بها في القرء الثاني طلقة أخرى وكذلك الحكم في الثالثة وإن كانت صغيرة وقلنا القرء الحيض لم بطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة وإن قلنا القرء الإطهار احتمل ان تطلق في الحال واحدة ثم لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر فتطلق الثانية ثم الثالثة في الطهر بين الحيضتين وكذلك لو حاضت الصغيرة لأن زمن الحمل كله قرء واحد في أحد الوجهين إذا قلنا الإقراء الإطهار والوجه الآخر ليس بقرء على كل حال وإن كانت آيسة فقال القاضي تطلق واحدة على كل حال لأنه علق طلاقها بصفة تستحيل فيها فلفت ووقع بها الطلاق كما لو قا للها أنت طالق للبدعة وإذا طلقت الحامل في حال حماها بانت بوضعه لأن عدتها تنقضي به فلم يلحقها طلاق آخر فإن استأنف نكاحها أو رجعها قبل وضع حملها ثم طهرت من النفاس طلقت أخرى ثم إذا حاضت ثم طهرت وقعت الثالثة
فصل : فإن قال : أنت طالق للسنة إن كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت بوجود الصفة وإن لم تكن في زمن السنة انحلت الصفة ولم يقع بحال لأن الشرط ما وجد وكذلك إن قال : أنت طالق للبدعة إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة إن كانت في زمن البدعة وقع وإلا لم يقع بحال فإن كانت ممن لا سنة لطلاقها ولا بدعة فذكر القاضي فيها احتمالين
أحدهما : لا يقع في المسألتين لأن الصفة ما وجدت فأشبه ما لو قال أنت طالق إن كنت هاشمية ولم تكن هاشمية
الثاني : تطلق لأنه شرط لوقوع الطلقة شرطا مستحيلا فلغي ووقع الطلاق كما قال أنت طالق للسنة والأولى أشبه وللشافعية وجهان كهذين
فصل : فإن قال : أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله أو أعدله أو أكمله أو أتمه أو أفضله أو قال : طلقة حسنة أو جملة أو عدلة أو سنية كان ذلك كله عبارة عن طلاق السنة وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن إذا أعدل الطلاق أو أحسنه ونحوه كقولنا وإن قال طلقة سنية أو عدلة وقع الطلاق في الحال لأن الطلاق لا يتصف بالوقت والسنة واللبدعة وقت فإذا وصفها بما لا تتصف به سقطت الصفة كما لو قال للغر المدخول بها أنت طالق طلقة رجعية أو قال لها أنت طالق للسنة أو البدعة
ولنا أن ذلك عبارة عن طلاق السنة ويصح وصف الطلاق بالسنة والحسن لكونه في ذلك الوقت موافقا للسنة مطابقا للشرع فهو كقوله أحسن الطلاق وفارق قوله طلقه رجعية لأن الرجعة لا تكون إلا في عدة ولا عدة لها فلا يحصل ذلك بقوله فإن قال نويت بقولي أعدك الطلاق وقوعه في الحيض لأنه أشبه بأخلاقها القبيحة ولم أرد الوقت وكانت في الحيض وقع الطلاق لأنه إقرار على نفسه بما فيه تغليظ وإن كانت في حال السنة دين فيما وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم ؟ على وجهين كما تقدم
فصل : فإن عكس فقال : أنت طالق أقبح الطلاق وأسمحه أو أفحشه أو أنتنه أو أرأده حمل على طلاق البدعة فإن كانت في وقت البدعة وإلا وقف على مجيء زمان البدعة وحكي عن أبي بكر أنه يقع ثلاثا إن قلنا ان جمع الثلاث بدعة وينبغي أن تقع الثلاث في وقت البدعة ليكون جامعا لبدعتي الطلاق فيكون أقبح الطلاق وإن نوى بذلك غير طلاق البدعة نحو أن يقول إنما أردت أن طلاقك أقبح الطلاق لأنك لا تستحقينه لحسن عشرتك وجميل طريقتك وقع في الحال وإن قال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة فاحشة جميلة تامة ناقصة وقع في الحال لأنه وصفها بصفتين متضادتين فلغيا وبقي مجرد الطلاق فإن قال أردت أنها حسنة لكونها في زمان السنة وقبيحة لاضرارها بك أو قال أردت أنها حسنه لتخليصي من شرك وسوء خلقك وقبيحة لكونها في زمان البدعة وكان ذلك يؤخر وقوع الطلاق عنه وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على وجهين
فصل : فإن قال أنت طالق طلاق الحرج فقال القاضي : معناه طلاق البدعة لأن الحرج الضيق والاثم فكأنه قال طلاق الاثم وطلاق البدعة طلاق اثم وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه يقع ثلاثا لأن الحرج الضيق والذي يضيق عليه ويمنعه الرجوع إليه هو الثلاث وهو مع ذلك طلاق بدعة وفية إثم فيجتمع عليه الأمران الضيق والاثم وإن قال : طلاق الحرج والسنة كان كقوله طلاق

مسألة وفصل : طلاق الزائل العقل بلا سكر والمغمى عليه
مسألة : قال : وطلاق الزائل العقل بلا سكر لا يقع
أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو معناه لا يقع طلاقه كذلك قال عثمان وعلي و سعيد بن المسيب والحسن و النخعي و الشعبي و أبو قلابة و قتادة و الزهري و يحيى الأنصار و مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق في حال نومه لا طلاه له وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق ]
[ وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله ] رواه النجاد وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن عجلان وهو ذاهب الحديث وروى بإسناده عن علي مثل ذلك ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال عقله لجنون أو إغماء أو شرب دواء أو إكراه على شرب الخمر أو شرب ما يزيل عقله شربه ولا يعلم أنه مزيل للعقل عالما به متلاعبا فحكمه حكم السكران في طلاقه وبهذا قال أصحاب الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة لا يقع طلاقه لأنه لا يلتذ بشربها ولنا أنه زال عقله بمعصية فأشبه السكران
فصل : قال أحمد في الغمى عليه إذا طلق فلما أفاق علم أنه مغمى عليه وهو ذاكر لذلك فقال إذا كان ذاكرا لذلك فليس هو مغمى عليه يجوز طلاقه وقال في رواية أبي طالب في المجنون يطلق فقيل له بعد ما أفاق انك طلقت امرأتك فقال أنا أذكر أني طلقت ولم يكن عقلي معي فقال إذا كان يذكر أنه طلق فقد طلقت فلم يجعله مجنونا إذا كان يذكر الطلاق ويعلم به وهذا والله اعلم فيمن جنونه بذهاب معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكره للطلاق إن شاء الله تعالى

مسألة وفصلان : طلاق السكران
مسألة : قال وعن أبي عبد الله رحمه الله في السكران روايات : رواية يقع الطلاق ورواية لا يقع ورواية يتوقف عن الجواب ويقول : قد اختلف فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم
أما التوقف عن الجواب فليس بقول في المسألة إنما هو ترك للقول فيها وتوقف عنها لتعارض الأدلة فيها وإشكال دليلها ويبقى في المسألة روايتان
إحداهما : يقع طلاقه اختارها أبو بكر الخلال والقاضي وهو مذهب سعيد بن المسيب و عطاء و مجاهد و الحسن و ابن سيرين و الشعيبي و النخعي و ميمون بن مهران و الحكم و مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي في أحد قوليه و ابن شبرمة و أبي حنيفة وصاحبيه و سليمان بن حرب لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه ] ومثل هذا عن علي ومعاوية وابن عباس قال ابن عباس طلاق السكران جائز إن ركب معصية من معاصي الله نفعه ذلك ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف بدليل ما روى أبو وبرة الكلبي قال أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت : إن خالدا يقول ان الناس انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فقال عمر : هؤلاء عندك فسلهم فقال علي : نراه إذا سكر هذى وإذا افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي ولأنه ايقاع للطلاق من مكلف غير مكره صادف فوجب أن يقع كطلاق الصاحي ويدل على تكليفه أنه يقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون
والرواية الثانية : لا يقع طلاقه اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان رضي الله عنه ومذهب عمر ابن عبد العزيز و القاسم و طاوس و ربيعة و يحيى الأنصاري و الليث و العنبري و إسحاق و أبي ثور و المزني قال ابن المنذر : هذا ثابت عن عثمان ولا نعلم أحد من الصحابة خالفه وقال أحمد حديث عثمان أرفع شيء فيه وهو أصح يعني من حديث علي وحديث الأغعمش منصور لا يرفعه إلى علي ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره ولأن العقل شرط للتكليف إذ هو عباره عن الخطاب بأمر أو أنهى ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل أ من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعدا ولو ضربت المرأة بطنها فنسفت سقطت عنها الصلاة ولو ضرب رأسه فجن سقط التكليف وحديث أبي هريرة لا يثبت وأما قلته وسرقته فهو كمسألتنا
فصل : والحكم في عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته وإقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم في طلاقه لأن المعنى في الجميع واحد وقد روي عن أحمد في بيعه وشرائه الروايات الثلاث وسأله ابن منصور إذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو باع فقال عنه لايصح من أمر السكران شيء وقال أبو عبد الله بن حامد حكم السكران حكم الصاحي فيما له عليه فأما فيما له وعليه كالبيع والنكاح والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شيء وقد أومأ إليه أحمد والأولى أن ماله أيضا لا يصح منه لأن تصحيح تصرفاته فيما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح تصرف له
فصل : وحد السكر الذي يقع الخلاف في صاحبه هو الذي يجعله يخلط في كلانه ولا يعرف رداءه من رداء غيره ونعله من نعل غيره ونحو ذلك لأن الله تعالى قال : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : استفرئوه القرآن أو ألقوا رداءه في الأردية فإن قرأ أم القرآن أو عرف رداءه وإلا فأقم عليه الحد ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من ولا الذكر من الأنثى لأن ذلك لا يخفى على المجنون فعليه أولى

مسألة وفصول : طلاق الصبي وجواز توكيله وطلاق السفيه
مسألة : قال : وإذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه
وأما الصبي الذي لا يعقل فلا خلاف في أنه لا طلاق له وأما الذي يعقل الطلاق ويعلم أن زوجته تبين به وتحرم عليه فأكثر الروايات عن أحمد أن طلاقه يقع اختارها أبو بكر و الخرقي و ابن حامد وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب و عطاء و الحسن و الشعبي و إسحاق وروى أبو طالب عن أحمد لا يجوز طلاقه حتى يحتلم وهو قول النخعي والزهري ومالك وحماد والثوري وأبي عبيد أنه قول أهل العراق وأهل الحجاز وروي نحو ذلك عن ابن عباس لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ] ولأنه غير مكلف فلم يقع طلاقه كالمجنون ووجه الأولى قوله عليه السلام : [ الطلاق لمن أخذ بالساق ] وقوله [ كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله ] وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : اكتموا الصبيان النكاح فيفهم منه فائدته أن لا يطلقوا ولأنه طلاق من عاقل صادف فوقع كطلاق البالغ
فصل : وأكثر الروايات عن أحمد تحديد من يقع طلاقه من الصبيان بكونه يعقل وهو اختيار القاضي وروى عن أحمد أبو الحارث إذا عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين عشر إلى اثنتي عشرة وهذا يدل على أنه لا يقع لدون العشر وهو اختيار أبي بكر لأن العشر حد للضرب على الصلاة والصيام وصحة الوصية فكذلك هذا وعن سعيد بن المسيب إذا أحصى الصلاة وصام رمضان جاز طلاقه وقال عطاء إذا بلغ أن يصيب النساء وعن الحسن إذا عقل وحفظ الصلاة وصام رمضان وقال إسحاق إذا جاوز اثنتي عشرة
فصل : ومن أجاز طلاق الصبي اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره وقد أومأ إليه أحمد فقال في رجل قال لصبي طلق امرأتي فقال : قد طلقتك ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق فقيل له فإن كانت له زوجة صبية فقالت صير أمري إلي فقال لها أمرك بيدك فقالت قد اخترت نفسي فقال أحمد ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل الطلاق وقال أبو بكر لا يصح أ يوكل حتى يبلغ وحكاه أحمد
ولنا أن من صح تصرفه في شيء مما تجوز الوكالة فيه بنفسه صح توكيله ووكالته فيه كالبالغ وما روي عن أحمد من منع ذلك فهو على الرواية التي لا تجيز طلاقه إن شاء الله تعالى
فصل : فأما السفيه فيقع طلاقه في قول أكثر أهل العلم منهم القاسم بن محمد و مالك و الشافعي و أبو حنيفة وأصحابه ومنع منه عطاء والأولى صحته لأنه مكلف مالك لمحل الطلاق فوقع طلاقه كالرشيد والحجر عليه في ماله لا يمنع تصرفه في غير ما هو محجور عليه فيه كالفلس

مسألتان وفصول : الإكراه على الطلاق وشروطه وبيان ما يحصل به الإكراه
مسألة : قال : ومن أكره على الطلاق لم يلزمه
لا تختلف الرواية عن أحمد أن طلاق المكره لا يقع وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجابر بن سمرة وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير و عكرمة و الحسن و جابر بن زيد و شريح و عطاء و طاوس و عمر بن عبد العزيز و ابن عون و أيوب السختياني و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أبو عبيد وأجازه أبو قلابة و الشعبي و النخعي و الزهري و الثوري و أبو حنيفة وصاحباه لأنه طلاق من مكلف في محل يملكه فينفذ كطلاق غير المكره
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] رواه ابن ماجة وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول [ لا طلاق في إغلاق ] رواه أبو داود و الأثرم قال أبو عبيد والقتيبي معناه في إكراه وقال أبو بكر سألت ابن دريد وأبا طاهر النحويين فقالا يريد الإكراه لأنه إذا أكره انغلق عليه رأيه ويدخل في هذا المعنى المبرسم والمجنون ولا نه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصره فيكون إجماعا ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر إذا أكره عليها
فصل : وإن كان الإكراه بحق نحو إكراه الحاكم المولي على الطلاق بعد التربص إذا لم يفيء وإكراهه الرجلين اللذين زوجهما وليان ولا يعلم السابق منهما على الطلاق وقع الطلاق لأنه قول حمل عليه بحق فصح كإسلام المرتد إذا أكره عليه ولأنه إنما جاز إكراهه على الطلاق ليقع طلاقه فلو لم يقع لم يحصل المقصود
مسألة : قال : ولا يكون مكرها حتى ينال بشيء من العذاب مثل الضرب أو الخنق أو عصر الساق وما أشبهه ولا يكون التواعد كرها
أما إذا نيل بشيء من العذاب والخنق والعصر والحبس والغط في الماء مع الوعيد فإنه يكون إكراها بلا أشكال لما [ روي أن المشركين أخذوا عمارا فأرادوه على الشرك فأعطاهم فانتهى إليه النبي صلى الله عليه و سلم وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول أخذك المشركون فغطوك في الماء وأمروك أن تشرك بالله ففعلت فإن أخذوك مرة أخرى فافعل ذلك بهم ] رواه أبو حفص بإسناده وقال عمر رضي الله عنه : ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أجعته أو ضربته أو ثقته وهذا يقتضي وجود فعل يكون به إكراها فأما الوعيد بمفرده فعن أحمد فيه روايتان إحداهما : ليس بإكراه لأن الذي ورد الشرع بالرخصة معه هو ما ورد في حديث عمار وفيه [ إنهم أخذوك فغطوك في الماء ] فلا يثبت الحكم إلا فيما كان مثله
والرواية الثانية : أن الوعيد بمفرده إكراه قال في رواية ابن منصور : حد الإكراه إذا خاف القتل أو ضربا شديدا وهذا قول أكثر الفقهاء وبه يقول أبو حنيفة و الشافعي لأن الإكراه لا يكون إلا بالوعيد فإن الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه ولا يخشى من وقوعه وإنما أبيح له فعل المكره عليه دفعا لما يتوعد به من العقوبة فيما بعد وهو في الموضعين واحد ولأنه متى بوعده بالقتل وعلم أنه يقتله فلم يبح له الفعل أفضى إلى قتله وإلقائه بيده إلى التهلكة ولا يفيد ثبوت الرخصة بالإكراه شيئا لأنه إذا طلق في هذه الحال وقع الطلاق فيصل المكره إلى مراده ويقع الضرر بالمكره وثبوت الإكراه في حق من نيل بشيء من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره وقد روي عن عمر رضي الله عنه في الذي تدلى يشتار عسلا فوقفت امرأته على الحبل وقالت : طلقني ثلاثا وإلا قطعته فذكرها الله والإسلام فقالت : لتفعلن أو لأفعلن فطلقها ثلاثا فرده إليها رواه سعيد بإسناده وهذا كان وعيدا
فصل : ومن شرط الإكراه ثلاثة أمور أحدها : أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب كاللص ونحوه وحكي عن الشعبي إن أكرهه اللص لم يقع طلاقه وإن أكرهه السلطان وقع قال ابن عيينة : لأن اللص يقتله وعموم ما ذكرناه في دليل الإكراه يتناول الجميع والذين أكرهوا عمارا لم يكونوا لصوصا وقد [ قال النبي صلى الله عليه و سلم لعمار إن عادوا فعد ] ولأنه إكراه فمنع وقوع الطلاق كإكراه اللصوص
الثاني : أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه
الثالث : أن يكون مما يستضر به ضررا كالقتل والضرب والشديد والقيد والحبس الطويلين فأما الشتم والسب فليس بإكراه رواية واحدة وكذلك أخذ المال اليسير فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه وإن كان من ذوي المروءات على وجه يكون إخراقا بصاحبه وغضا له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره وإن توعد تعذيب ولده فقد قيل ليس بإكراه لأن الضرر لاحق بغيره والأولى أن يكون إكراها لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله والوعيد بذلك إكراه فكذلك هذا
فصل : وإن أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها وقع لأنه غير مكره عليه وإن أكره على طلقة فطلق ثلاثا وقع أيضا لأنه لم يكره على الثلاث وإن طلق من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها دونها وإن خلصت نيته في الطلاق دون دفع الإكراه وقع لأنه قصده واختاره ويحتمل أن لا يقع لأن اللفظ مرفوع عنه فلا يبقى إلا مجرد النية فلا يقع بها طلاق وإن طلق ونوى بقلبه غير امرأته أو تأول في يمينه فله تأويله ويقبل قوله في نيته لأن الإكراه دليل له على تأويله وإن لم يتأول وقصدها بالطلاق لم يقع لأنه معذور وذكر أصحاب الشافعي وجها أنه يقع لأنه لا مكره له على نيته
ولنا أنه مكره عليه فلم يقع ما ذكرنا من الأدلة ولأنه قد لا يحضره التأويل في تلك الحال فتفوت الرخصة

باب تصريح الطلاق وغيره
وجملة ذلك أن الطلاق لا يقع إلا بلفظ فلو بقلبه من غير لفظ لم يقع في قول عامة أهل العلم منهم عطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير ويحيى بن أبي كثير والشافعي وإسحاق وروي أيضا عن القاسم و سالم و الحسن و الشعيبي وقال الزهري إذاعزم على ذلك طلقت وقال ابن سيرين فيمن طلق في نفسه أليس قد علمه الله ؟
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل ] رواه النسائي و الترمذي وقال هذا حديث صحيح ولأنه تصرف يزيل الملك فلم يحصل بالنية كالبيع والهبة وإن نواه بقلبه وأشار بأصابعه لم يقع أيضا لما ذكرناه إذا ثبت أنه يعتبر فيه اللفظ ينقسم فيه إلى صريح وكناية فالصريح يقع به الطلاق من غير نية والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه أو يأتي بما يقوم مقام نيته

مسألة وفصول : الألفاظ الصريحة في الطلاق وحكم من سبق لسانه بالطلاق
مسألة : قال : وإذا قال قد طلقتك أو قد فارقتك أو قد سرحتك لزمها الطلاق
هذا يقتضي أن صريح الطلاق ثلاثا ألفاظ الطلاق والفراق والسراح وما تصرف منهن وهذا مذهب الشافعي وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن صريح الطلاق وحده وما تصرف منه لا غير وهو مذهب أبي حنيفة ومالك إلا أن مالكا يوقع الطلاق به بغير نية لأن الكنايات الظاهرة لا تفتقر عنده إلى النية وحجة هذا القول أن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا فلم يكونا صريحين فيه كسائر كناياته ووجه الأول أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب بمعنى الفرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق قال الله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال { فأمسكوهن بمعروف } وقال سبحانه : { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } وقال سبحانه : { فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } وقول ابن حامد أصح فإن الصريح في الشي ما كان نصا فيه لا يحتمل غيره إلا احتمالا بعيدا ولفظة الفراق والسراح إن وردا في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين فقد وردا لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيرا قال الله تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } وقال : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب } فلا معنى لتخصيصه بفرقة الطلاق على أن قوله { أو فارقوهن بمعروف } لم يرد به الطلاق وإنما هو ترك ارتجاعها وكذلك قوله { أو تسريح بإحسان } ولا يصح قياسه على لفظ الطلاق فإنه مختص بذلك سابق إلى الافهام من غير قرينة ولا دلالة بخلاف الفراق والسراح فعلى كلا القولين إذا قال : طلقتك أو أنت طالق أو مطلقة وقع الطلاق من غير نية وإن قال : فارقتك أو أنت مفارقة أو سرحتك أو أنت مسرحة فمن يراه صريحا أوقع به الطلاق من غير نية ومن لم يره صريحا لم يوقعه به إلا أن ينويه فإن قال : أردت بقولي فارقتك أي بجسمي أو بقلبي أو بمذهبي أوسرحتك من يدي أو شغلي أو من حبسي أو سرحت شعرك قبل قوله وإن قال أردت بقولي أنت طالق أي من وثاقي أو قال : أردت أن أقول طلبتك فسبق لساني فقلت طلقتك ونحو ذلك دين بينه وبين الله تعالى فمتى علم يقع عليه فيما بينه وبين ربه قال أبو بكر : لا خلاف عن أبي عبد الله أنه إذا أراد أن يقول لزوجته اسقيني ماء فسبق لسانه فقال أنت طالق أو أنت حرة أنه لا طلاق فيه ونقل ابن منصور عنه أنه سئل عن رجل فجرى على لسانه غير ما في قلبه فقال : أرجوك أن يكون الأمر فيه واسعا وهل تقبل دعواه في الحكم ؟ ينظر فإن كان في حال الغضب أو سؤالها الطلاق لم يقبل في الحكم لأن لفظه ظاهر في الطلاق وقرينة حاله تدل فكانت دعواه مخالفة للظاهر من وجهين فلا تقبل وإن لم تكن في الحال فظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور وأبي الحارث أنه يقبل قوله وهو قول جابر بن زيد والشعبي والحكم حكاه عنهم أبو حفص لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد فقبل كما لو قال أنت طالق أنت طالق وقال : أردت بالثنية إفهامها وقال القاضي : فيه روايتان هذه التي ذكرنا قال وهي ظاهر كلام أحمد
الثانية : لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر في العرف في الحكم كما لو أقر بعشرة ثم قال ظيوفا أو صغارا أو إلى شهر فأما إن صرح بذلك في اللفظ فقال طلقتك من وثاقي أو فارقتك بجسمي أو سرحتك من يدي فلا شك في أن الطلاق يقع لأن ما يتصل بالكلام يصرفه عن مقتضاه كالاستثناء والشرط وذكر أبو بكر في قوله أنت مطلقة أنه إن نوى أنها مطلقة طلاقا ماضيا أو من زوج كان قبله لم يكن عليه شيء وإن لم ينو شيئا فعلى قولين أحدهما : يقع
والثاني : لا يقع وهذا من قوله يقتضي أن تكون هذه اللفظة غير صريحة في أحد القولين قال القاضي والمنصوص عن أحمد أنه صريح وهو لأن هذه متصرفة من لفظ الطلاق فكانت صريحة فيه كقوله أنت طالق
فصل : فأما لفظة الإطلاق فليست صريحة في الطلاق لأنها لم يثبت لها عرف الشرع ولا الا ستعمال فأشبهت سائر كناياته وذكر القاضي فيها احتمالا أنها صريحة لأنه لا فرق بين فعلت وأفعلت نحو : عظمته وأعظمته وكرمته وأكرمته وليس هذا الذي ذكره بمطرد فإنهم يقولون حييته من التحية وأحييته من الحياة وأصدقت المرأة صداقا وصدقت حديثها تصديقا ويفرقون بين أقبل وقبل وأدبر ودبر وأبصر وبصر ويفرقون بين المعاني المختلفة بحركة أو حرف فيقولون : حمل لما في البطن وبالكسر لما على الظهر والوقر بالفتح الثقل في الأذن وبالكسر لثقل الحمل وههنا فرق بين حل قيد النكاح وبين غيره بالتضعيف في أحدهما والهمزة في الآخر ولو كان معنى اللفظين واحدا لقيل : طلقت الأسيرين والفرس والطائر فهو طالق وطلقت الدابة فهي طالق ومطلقة ولم يسمع هذا في كلامهم وهذا مذهب الشافعي
فصل : فإن قال : أنت الطلاق فقال القاضي : لا تختلف الرواية عن أحمد في الطلاق يقع به نواه أو لم ينوه وبهذا قال أبو حنيفة ومالك ولأصحاب الشافعي فيه وجهان : أحدهما : أنه غير صريح لأنه مصدر والأعيان لا توصف بالمصدر إلا مجازا والثاني : ان الطلاق لفظ صريح فلم يفتقر إلى نية كالمتصرف منه وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر
نوهت باسمي في العالمين وأفـ نيت عمري عاما فعاما
فأنت الطلاق وأنت الطلا ق وأنت الطلاق ثلاثا تماما
وقولهم انه مجاز قلنا نعم إلا أنه يتعذر حمله على الحقيقة ولا يظهر سوى هذا المحمل فتعين فيه
فصل : وصريح الطلاق بالعجمية { بهشتم } فإذا أتى بها العجمي وقع الطلاق منه بغير نية وقال النخعي و أبو حنيفة هو كناية لا يطلق به إلا بنية لأن معناه خليتك وهذه اللفظة كناية
ولنا أن هذه اللفظة بلسانهم موضوعة للطلاق يستعملونها فيه فأشبهت لفظ الطلاق بالعربية ولو لم تكن هذه صريحة لم يكن في العجمية صريح للطلاق وهذا بعيد ولا يضر كونها بمعنى فإن معنى طلقتك خليتك أيضا إلا أنهخ لما كان موضوعا له يستعمل فيه كان صريحا كذا هذه ولا خلاف في أنه إذا نوى بها الطلاق كانت طلاقا كذلك قال الشعبي و النخعي و الحسن و مالك و الثوري و أبو حنيفة و زفر و الشافعي

مسألة وفصول : من كنايات الطلاق قول : أنت حرة والتلفظ بكنايات الطلاق
مسألة : قال : وإذا قال لها في الغضب أنت حرة أو لطمها فقال هذا طلاقك فقد وقع الطلاق
الكلام في هذه المسألة في فصلين :
الفصل الأول : في أن هذا اللفظ كناية في الطلاق إذا نواه وقع ولا يقع من غير ولا دلالة حال ولا نعلم حال ولا نعلم خلافا في أنت حرة أنه كناية فأما إذا لطمها وقال : هذا طلاقك فإن كثيرا من الفقهاء قالوا : ليس هذا كناية ولا يقع به طلاق وإن نوى لأن هذا لا يؤدي معنى الطلاق ولا هو سبب له ولا حكم فلم يصح التعبير به عنه كقوله غفر الله لك وقال ابن حامد يقع به الطلاق من غير نية لأن تقديره أوقعت عليك طلاقا هذا الضرب من أجله فعلى قوله يكون هذا صريحا وقول الخرقي محتمل لهذا أيضا ويحتمل أنه إنما يوقعه إذا كان في حال الغضب فيكون الغضب قائما مقام النية كما قام مقامها في قوله أنت حرة ويحتمل أن يكون لطمه لها قرينة تقوم مقام النية لأنه يصدر عن الغضب فجرى مجراه والصحيح أنه كناية في الطلاق لأنه محتمل بالتقدير الذي ذكره ابن حامد أن يريد أنه سبب لطلاقك لكون الطلاق معلقا عليه فصح أن يعبر به عنه وليس بصريح لأنه احتاج إلى تقدير ولو كان صريحا لم يحتج ذلك ولأنه غير موضوع له ولا مستعمل فيه شرعا ولا عرفا فأشبه سائر الكنايات وعلى قياسه ما لو اطعمها أو ساقها أو كساها وقال : هذا طلاقك أو لو فعلت المرأة فعلا من قيام أو قعود أو فعل هو فعلا وقال : هذا طلاقك فهو مثل لطمها إلا في أن اللطم يدل على الغضب القائم مقام النية فيكون هو أيضا قائما مقام في وجه وما ذكرنا أيقوم مقام النية عند من اعتبرها
الفصل الثاني : أنه إذا أتى بالكناية في حال الغضب فذكر الخرقي في هذا الموضع أنه يقع الطلاق وذكر القاضي وأبو بكر وأبو الخطاب في ذلك روايتين
إحداهما : يقع الطلاق قال في رواية الميموني إذا قال لزوجته : أنت حرة لوجه الله في الرضاء في الغضب فأخشى أن يكون طلاقا
الرواية الأخرى : ليس بطلاق وهو قول أبي حنيفة و الشافعي إلا أن أبا حنيفة يقول في اعتدي واختاري وأمرك بيدك كقولنا في الوقوع واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه به فلم يقع به الطلاق كحال الرضا ولأن مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضا والغضب ويحتمل أن ما كان من الكنايات لا يستعمل في غير الفرقة إلا نادرا نحو قوله أنت حرة لوجه الله واعتدي واستبرئي زحبلك على غاربك وأنت بائن وأشباه ذلك أنه يقع في حال الغضب وجواب سؤال الطلاق من غير نية وما كثر استعماله لغير ذلك نحو اذهبي واخرجي وروحي وتقنعي لا يقع الطلاق به إلا بنية ومذهب أبي حنيفة قريب من هذا وكلام أحمد و الخرقي في بالوقوع إنما ورد في قوله أنت حرة وهو مما لا يستعمله الإنسان في حق زوجته غالبا إلا كناية عن الطلاق ولا ييلزم من الاكتفاء بذلك بمجرد الغضب وقوع غيره من غير نية لأن ما كثر استعماله يوجد كثيرا غير مراد به الطلاق في حال فكذلك في حال الغضب إذ لا حجر عليه في استعماله والتكلم به بخلاف ما لم تجر العادة بذكره فإنه لما قل استعماله في غير الطلاق كان مجرد ذكره يظن منه إرادة الطلاق فإذا انضم إلى ذلك مجيئه عقيب سؤال الطلاق أو في حال الغضب قوي الظن فصار ظنا غالبا ووجه الرواية الأخرى أن دلاله الحال تغير حكمك الأقوال والأفعال فإن من قال لرجل ياعفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحا له وإن قال في حال شتمه وتنقصه كان قذفا وذما ولو قال : إنه لا يغدر ولا يظلم حبة خردل وما أحد أوفى ذمتة منه في حال المدح كان مدحا بليغا كما قال حسان :
فما حملت من ناقة فوق رحلها أبر وأوفى ذمة من محمد
ولو قاله في حال الذم كان هجاء قبيحا كقول النجاشي :
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
وقال آخر :
كأن ربي لم يخلق لخشيته سواهم من جميع الناس انسانا
وهذا في هذا الموضع هجاء قبيح وذم حتى حكي عن حسان أنه قال : ما أراه إلا قد سلح عليهم ولو لا القرينة ودلالة الحال كان من أحسن المدح وأبلغه وفي الأفعال لو أن وجلا بسيف والحال يدل على المزح واللعب لم يجز قتله ولو دلت الحال على الجد دفعه بالقتل والغضب ههنا يدل على قصد الطلاق فيقوم مقامه
فصل : وإن أتى بالكناية في حال سؤال الطلاق فالحكم في ما إذا أتى بها في حال الغضب على ما فيه من الخلاف والتفصيل والوجه لذلك ما تقدم من التوجيه إلا أن المنصوص عن أحمد ههنا أنه لا يصدق في عدم النية قال في رواية أبي الحارث إذا قال : لم أنوه صدق في ذلك إذا لم تكن سألته الطلاق فإن كان بينهما غضب قبل ذلك فيفرق بين كونه جوابا للسؤال وكونه في حال الغضب وذلك لأن الجواب ينصرف إلى السؤال فلو قال : لي عندك دينا ر قال : نعم أو صدقت كان إقرار به ولم يقبل منه تفسير بغير الإقرار ولو قال زوجتك ابنتي وبعتك ثوبي هذا فقال قبلت صح وكفى ولم يحتج إلى زيادة عليه ولو أراد بالكناية حال الفضل أو سؤال الطلاق غير الطلاق لم يقع الطلاق لأنه لو أراده بالصريح لم يقع فبالكناية أولى وإذا ادعى ذلك دين وهل يقبل في الحكم ؟ فظاهر كلام حمد في رواية أبي الحارث أنه يصدق إن كان في الغضب ولا يصدق أن كان جوابا لسؤال الطلاق ونقل عنه في موضع آخر أنه إذا قال : أنت خلية أو بريئة أو بائن ولم يكن بينهما ذكر طلاق ولا غضب صدق فمفهومه أنه لا يصدق مع وجودهما وحكي هذا عن أبي حنيفة إلا في الأربعة المذكورة والصحيح أنه يصدق لما روى سعيد بإسناده أن وجلا خطب إلى قوم فقالوا : لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال : قد طلقت ثلاثا فزوجوه ثم أمسك امرأته فقالوا ألم تقل انك طلقت ثلاثا ؟ قا لألم تعلموا أني تزوجت فلانه ثم طلقتها ثم تزوجت فلانه وطلقتها ثم تزوجت فلانه وطلقتها فسئل عثمان عن ذلك فقال له نيته ولأنه أمر يعتبر فيه فقبل قوله في ما يحتمله كما لو كرر لفظا وقال : أردت التوكيد

مسألة : الألفاظ التي يقع بها الطلاق وأحكامها والبينونة الصغرىوالكبرى
مسألة : قال أبو عبد الله : وإذا قال لها أنت خلية أو أنت برية أو أنت أو حبلك على غاربك أو الحقي بأهلك فهو عندي ثلاث ولكن أكره أن أفتي به سواء دخل بها أو لم يدخل
أكثر الروايات عن أبي عبد الله كراهية الفتيا في هذه الكنايات مع ميله إلى أنها ثلاث وحكى ابن أبي موسى في الإرشاد عنه روايتين إحداهما : انها ثلاث والثانية : يرجع إلى ما نواه اختارها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي قال : يرجع إلى ما نوى فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة ونحو ه قول النخعي إلا أنه قال : يقع طلقة بائنة لأن لفظه يقتضي البينونة ولا يقتضي عددا وروى حنبل عن أحمد ما يدل على هذا فإنه قال : يزيدها في مهرها إن إراد رجعتها ولو وقع ثلاثا لم يبح له رجعتها ولو لم تبن لم يحتج إلى زيادة في مهرها
واحتج الشافعي بما روى أبو داود بإسناده [ ان ر كانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك وقال : والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم والله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال ركانة : والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان ] قال علي بن محمد الطنافسي ما أشرف هذا الحديث ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لابنة الجون : [ الحقي بأهلك ] ولم يكن النبي صلى الله عليه و سلم ليطلق ثلاثا وقد نهى عن ذلك ولأن الكنايات مع النية كالصريح فلم يقع به عند الإطلاق واحدة كقوله أنت طالق
وقال الثوري وأصحاب الرأي إن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى اثنتين أو واحد وقعت واحدة ولا يقع اثنين لأن الكناية تقتضي البينونة دون العدد والبينونة بينونتان صغرى وكبرى فالصغرى بالواحدة والكبرى بالثلاث ولو أوقعنا اثنتين كان موجبه العدد وهي لا تقتضيه
قال ربيعة و مالك : يقع بها الثلاث وإن لم ينو إلا في خلع أو قبل الدخول فإنها تطلق واحدة لأنها تقتضي البينونة والبينونة تحصل في الخلع وقبل الدخول بواحدة فلم يزد عليها لأن اللفظ لا يقتضي زيادة عليها وفي غيرها يقع الثلاث ضرورة أن البينونة لا تحصل إلا بها ووجه أنها ثلاث أنه قو ل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فروي عن علي وابن عمر وزيد بن ثابت أنها ثلاث قال أحمد في الخلية والبريئة والبتة قول علي وابن عمر قول صحيح ثلاثا
وقال علي و الحسن و الزهري في البائن أنها ثلاث وروى النجاد بإسناده عن نافع أن رجلا جاء إلى عاصم وأبن الزبير فقال : إن ظئري هذا طلق امرأته البتة قبل أن يدخل بها فهل تجدان له رخصة ؟ فقالا : لا ولكنا تركنا ابن عباس وأبا هريرة عند عائشة فسلهم ثم ارجع الينا فاخبرنا فسألهم فقال أبو هريرة : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقال ابن عباس هي ثلاث وذكر عن عائشة متابعتهما
وروى النجاد بإسناده أن عمر رضي الله عنه جعل البتة واحدة ثم جعلها بعد ثلاث تطليقات وهذه أقوال علماء الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان ولأنه طلق امرأته بلفظ يقتضي البينونة فوجب الحكم بطلاق تحصل به البينونة كما لو طلق ثلاثا أو نوى الثلاث واقتضاؤه للبينوننة ظاهر في قوله أنت بائن وكذا في قوله البتة لأن البت القطع فكأنه قطع النكاح كله ولذلك يعبر به عن الطلاق الثلاث كما قالت امرأة رفاعة إن رفاعة طلقني فبت طلاقي وبتله هو من القطع أيضا ولذلك قيل في مريم البتول لانقطاعها عن النكاح و البراءة منه وإذا كان للفظ معنى فاعتبره الشرع إنما يعتبر فيما يقتضيه ويؤدي معناه ولا سبيل إلى البينونة بدون الثلاث فوقعت ضرورة الوفاء بما يقتضيه لفظه ولا يمكن إيقاع واحدة بائن لأنه لا يقدر على لفظ أوجبت الثلاث في المدخول بها أوجبتها في غيرها كقوله أنت طالق ثلاثا
فأما حديث ركانة فإن أحمد ضعف إسناده فلذلك تركه وأما قوله عليه السلام لابنة الجون الحقي بأهلك فيدل على أن هذه اللفظة لا تقتضي الثلاث وليست من اللفظات التي قال الصحابة فيها بالثلاث ولا هي مثلها فيقتصر الحكم عليها وقولهم إ الكناية بالنية كالصريح قلنا إلا أن الصريح ينقسم إلى ثلاث تحصل بها البينونة وإلى ما دونها مما لاتحصل به البينونة فكذلك الكناية تنقسم كذلك فمنها ما يقوم مقام الصريح المحصل للبينونة وهو هذه الظاهر ومنها ما يقوم مقام الواحدة ما عداها والله أعلم

فصول : أقسام الكناية وألفاظها وأحكامها
فصل : وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد و الخرقي أن الطلاق يقع إلا بهذه الكنايات من غير نية كقول مالك لأنه اشتهر استعمالها فيه فلم تحتج إلى نية كالصريح ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يقع إلا بنية لقوله وإذا أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو ينوه فمفهومه إن غير الصريح لا يقع إلا بنية ولأن هذا كناية فلم يثبت حكمه بغير كسائر الكنايات
فصل : والكناية ثلاثة أقسام ظاهرة وهي ستة ألفاظ خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وأمرك بيدك الحكم فيها ما بيناه في هذا الفصل وإن قال : أنت طالق لا رجعة لي عليك وهي مدخول بها فهي ثلاث قال أحمد : إذا قال لامرأته أنت طالق لا رجعة لي فيها بالواو فكذلك وقال أصحاب أبي حنيفة : تكون رجعية لأنه لم يصف الطلقة بذلك وإنما عطف عليها
ولنا أن الصفة تصح مع العطف كما لو قال بعتك بعشرة وهي مغربية صح وكان صفة للثمن قال الله تعالى { إلا استمعوه وهم يلعبون } وإن قال أنت طالق واحدة بائنا أو واحد ة بتة ففيها ثلاث روايات إحداهن : أنها واحدة رجعية ويلغو ما بعدها قال أحمد : لا أعرف شيئا متقدما إن نوى واحدة تكون بائنا وهذا مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بمالا تتصف به فلغت الصفة كما لو قال أنت طالق لا تقع عليك والثانية هي ثلاث قاله أبو بكر وقال : هو قول أحمد لأنه أتى بما يقتضي الثلاث فوقع ولغا قوله كما لو قال أنت طالق واحدة ثلاثا
والثالثة : رواها حنبل عن أحمد إذا طلق امرأته واحدة البتة أمرها بيدها يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها فهذا يدل على أنه أوقع بها واحدة بائنا لأنه جعل أمرها بيدها ولو كانت رجعية لما كان أمرها بيدها ولا احتاجت إلى زيادة في مهرها ولو وقع ثلاث لما حلت له رجعتها وقال أبو الخطاب هذه الرواية تخرج في جميع الكنايات الظاهرة فيكون ذلك مثل قول ابراهيم النخعي ووجهه أنه أوقع الطلاق بصفة البينونة فوقع على ما أوقعه ولم يزد على واحدة لأن لفظه لم يقتض عددا فلم يقع أكثر من واحدة كما لو قال : أنت طالق وحمل القاضي رواية حنبل على ذلك أن ذلك بعد انقضاء العدة
القسم الثاني : مختلف فيها وهي ضربان : منصوص عليها وهي عشرة الحقي بأهلك وحبلك على غاربك ولا سبيل لي عليك علي حرج وأنت علي حرام واذهبي فتزوجي من شئت وغطي شعرك وأنت حرة وقد أعتقتك فهذه عن أحمد فيها روايتان إحداهما : أنها ثلاث والثانية : ترجع إلى ما نواه وإن لم ينو شيئا فواحدة كسائر الكنايات الضرب الثاني : مقيس على هذه وهي استبرئي رحمك وحللت للأزواج وتقنعني ولاسلطان لي عليك فهذه في معنى المنصوص عليها فيكون حكمها حكمها والصيح في قوله بأهلك أنها واحدة ولا تكون ثلاثا إلا بنية لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لابنة الجون : ( الحقي بأهلك ) متفق عليه ولم يكن النبي صلى الله عليه و سلم ليطلق ثلاثا وقد نهى أمته عن ذلك قال الاثرم : قلت لأبي عبد الله إن النبي صلى الله عليه و سلم قال لابنة الجون : [ الحقي بأهلك ] ولم يكن طلاقا غير هذا ولم يكن النبي صلى الله عليه و سلم ليطلق ليطلق ثلاثا فيكون غير طلاق السنة فقال لا أدري وكذلك قوله اعتدى واستبرئي رحمك لا يختص الثلاث فإن ذلك يكون من الواحدة كما يكون من الثلاث وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لسودة بنة زمعة اعتدي فجعلها تطليقة وروى هشم أنبأنا الأعمش عن المنهال بن عمرو أن نعيم بن دجاجة الأسدي طلق امرأته تطليقتين ثم قال : ( هي علي حرج ) وكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال : ( أما إنها ليست بأهونهن ) واما سائر اللفظات فإن قلنا هي ظاهرة فلان معناها الظاهرة فإن قوله لا سبيل عليك ولا سلطان لي عليك إنما يكون في المبتوتة أما الرجعية فله عليها سبيل وسلطان وقوله أنت حرة أو أعتقتك يقتضي ذهاب الرق عنها وخلوصها منه والرق ههنا النكاح وقوله أنت حرام يقتضي بينونتها منه لأن الرجعية غير محرمة وكذلك حللت الأزواج لأنك بنت مني وكذلك سائرها وإن قلنا هي واحدة فلأنها محتملة فإن قوله حللت للأزواج أي بعد انقضاء عدتك إذا لا يمكن حلها قبل ذلك والواحدة تحلها وكذلك انكحي من شئت وسائر الألفاظ يتحقق معناها بعد قضاء عدتها
القسم الثالث : الخفية نحو اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي وأنت مخلاة واختاري ووهبتك لأهلك وسائر ما يدل على الفرقة ويؤدي معنى الطلاق سوى ما تقدم ذكره فهذه ثلاث إن نوى ثلاثا واثنتان إن نواهما وواحدة إن نواها أو أطلق قال أحمد : ما ظهر من الطلاق فهو على ما ظهر وما عني به الطلاق فهو على ما عني مثل حبلك على غربك إذا نوى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فهو على ما نوى ومثل لا سبيل لي عليك وإذا نص في هاتين على أنه يرجع إلى نيته فكذلك سائر الكنايات وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يقع اثنتان وإن نواهما وقع واحدة وقد تقدم ذكر ذلك وإن قال : أنت واحدة فهي كناية خفية لكنها لا تقع بها إلا واحدة وإن نوى ثلاثا لأنها لا تحتما غير الواحدة وإن قال أغناك الله فهي كناية خفية لأنه يحتمل أغناك الله بالطلاق لقول الله تعالى { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته }
فصل : والطلاق الواقع بالكنايات رجعي ما لم يقع الثلاث في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة كلها بوائن إلا اعتدى واستبرئي رحمك وأنت واحدة لأنها تقتضي البينونة فتقع البينونة كقوله أنت طالق ثلاثا
ولنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير ولا استيفاء عدد فوجب أن يكون رجعيا كصريح الطلاق وما سلموه من الكنايات وقولهم أنها تقتضي البينونة قلنا فينبغي أن تبين بثلاث لأن المدخول بها لا تبين إلا بثلاث أو عوض

فصول : حكم الألفاظ التي لا تشبه الطلاق ولا تدل على الفراق
فصل : فأما ما لا يشبه الطلاق ولا يدل على الفراق كقوله اقعدي وقومي / وكلي واشربي واقربي واطعميني وبارك الله عليك وغفر الله لك وما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية ولا تطلق به وإن نوى لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو وقع الطلاق به لوقع بمجرد النية وقد ذكرنا أنه لا يقع بها وبهذا قال أبو حنيفة واختلف أصحاب الشافعي في قوله كلي واشربي فقال بعضهم كقولنا وقال بعضهم : هو كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق به كقولنا ذوقي وتجرعي
ولنا أن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله تعالى { كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } - وقال - { فكلوه هنيئا مريئا } فلم يكن كناية كقوله اطعميني وفارق ذوقي وتجرعي فإنه يستعمل في المكاره كقول الله تعالى { ذق إنك أنت العزيز الكريم } - { وذوقوا عذاب الحريق } - { ذوقوا مس سقر } وكذلك التجرع فال الله تعالى { يتجرعه ولا يكاد يسيغه } فلم يصح أن يلحق بهما ما ليس مثلهما
فصل : فإن قال أنا منك طالق أو جعل أمر امرأته بيدها فقالت : أنت طالق لم تطلق زوجته نص عليه في رواية الاثرم وهو قول ابن عباس و الثوري و أبي عبيد وأصحاب الرأي و ابن المنذر وروي ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال مالك و الشافعي تطلق إذا نوى به الطلاق وروي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود و عطاء و النخعي و القاسم و إسحاق لأن الطلاق إزالة النكاح وهو مشترك بينهما فإذا صح في أحدهما صح في الآخر ولا خلاف في أنه لا يقع به الطلاق من غير نية
ولنا أنه محل لا يقع الطلاق بإضافته إليه من غير نية فلم يقع وإن نوى كالأجنبي ولأنه لو قال : أنا طالق ولم يقل منك لم يقع ولو كان محلا للطلاق لوقع بذلك كالمرأة ولأن الرجل كالك في النكاح والمرأة مملوكة فلم يقع إزالة الملك بإضافة الإزالة إلى المالك كالعتق ويدل على هذا أن الرجل لا يوصف بأنه مطلق بخلاف المرأة وجاء رجل إلى ابن عباس فقال ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا فقال ابن عباس : خطا الله نواها أن الطلاق لك وليس لها عليك رواه أبو عبيد و الاثرم واحتج به أحمد
فصل : وإن قال أنا منك بائن أو بريء فقد توقف أحمد قال أبو عبد الله بن حامد يتخرج على وجهين
أحدهما : لا يقع لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه فلم يقع بإضافة كنايته إليه كالأجنبي
الثاني : يقع لأن لفض البينونة والبراءة يوصف بهما كل واحد من الزوجين يقال بان منها وبانت منه وبرىء منها وبرئت منه وكذلك لفظ الفرقة يضاف إليهما قال الله تعالى { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } وقال تعالى { يفرقون به بين المرء وزوجه } ويقال فارقته المرأة وفارقها ولا يقال طلقته ولا سرحته ولا تطلقا ولا تسرحا
وإن قال أنا بائن ولم يقل منك فذكر القاضي فيما إذا قال لها أمرك بيدك فقالت أنت بائن ولم تقل مني أنه لا يقع وجها واحدا وإن قالت أنا بائن ونوت وقع وإن قالت أنت مني بائن فعلى الوجهين ههنا مثل ذلك

مسألة وفصول : وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه أو لم ينوه
مسألة : قال : وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه أو لم ينوه
قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد ولا خلاف في ذلك ولأن ما يعتبر له القول يكتفي فيه به من غير نية إذا كان صريحا فيه كالبيع وسواء قصد المزح أو الجد لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح الطلاق والرجعة ] رواه أبوداود و الترمذي وقال حديث حسن قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء روي هذا عن عمر بن الخطاب و ابن مسعود ونحوه عن عطاء و عبيدة وبه قال الشافعي و أبو عبيد وهو قول سفيان وأهل العراق فأما لفظ الفراق والسراح فينبني على الخلاف فيه فمن جعله صريحا أوقع به الطلاق من غير نية ومن لم يجعله صريحا لم يوقع به الطلاق حتى ينويه ويكون بمنزلة الكنايات الخفية
فصل : فإن قال الأعجمي : لامرأته أنت طالق ولا يفهم معناه لم تطلق لأنه ليس بمختار للطلاق فلم يقع طلاقه كالمكره فإن نوى موجبه عند أهل العربية لم يقع أيضا لأنه لا يصح منه اختيار ما لا يعلمه ولذلك لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر ويحتمل أن تطلق إذا نوى موجبها لأنه لفظ بالطلاق ناويا موجبة فأشبه العربي وكذلك الحكم إذا قال العربي { بهشتم } بي وهو لا يعلم معناها
فصل : فإن قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق أو قال لحماته ابنتك طالق ولها بنت سوى امرأته أو كان اسم زوجته زينب فقال : زينب طالق طلقت زوجته لأنه لا يملك طلاق غيرها فإن قال أردت الأجنبية لم يصدق نص عليه أحمد في رجل تزوج امرأة قال لحماته ابنتك طالق وقال أردت ابنتك الأخرى التي ليست بزوجتي فقال يحنث ولا يقبل منه وقال في رواية أبي داود في رجل له امرأتان اسماهما فاطمة فماتت إحداهما فقال : فاطمة طالق ينوي الميتة فقال : الميتة تطلق ؟ قال أبو داود : كأنه لا يصدق في الحكم
وقال القاضي : فيما إذا نضر إلى امرأته وأجنبية فقال : إحداكما طالق وقال أردت الأجنبية فهل يقبل على روايتن وقال الشافعي يقبل ههنا ولا يقبل فيما إذا قال زينب طالق وقال : أردت أجنبية اسمها زينب لأن زينب لا يتنارل الأجنبية بصريحه بل من جهة الدليل وقد عارضه دليل أنه لا يطلق غير زوجته فصار اللفظ في زوجته أظهر فلام يقبل خلافه فإما إذا قال إحداهما فإنه يتناول الأجنبية بصريحه وقال أصحاب الرأي و أبو ثور يقبل في الجميع لأنه فسر كلامه بما يحتمله
ولنا أنه لايحتمل غير امرأته على وجه صحيح فلم يقبل تفسيره بها كما لو فسر كلامه بما لا يحتمله وكما لو قال : زينب طالق عند الشافعي وما ذكروه من الفرق لا يصح فإن احداكما ليس بصريح في واحدة منها إنما يتناول واحدة لا بعينها وزينب يتناول واحدة لا بعينها ثم تعينت الزوجة لكونها محل الطلاق وخطاب غيرها به عبث كما إذا قال : إحداكما طالق ثم لو تناولها بصريحه لكنه صرفه عنها دليل فصار ظاهرا في غيرها ولما قال النبي صلى الله عليه و سلم للمتلاعنين [ أحدكما كاذب ] لم ينصرف إلا إلى الكاذب منها وحدة ولما قال حسان يعني النبي صلى الله عليه و سلم وأبا سفيان * فشركما لخيركما الفداء * لم ينصرف شرهما إلا إلى أبي سفيان وحده وخيرهما النبي صلى الله عليه و سلم وحده وهذا في الحكم أما فيما بينه وبين الله تعالى فيدين فيه فمتى علم من نفسه أنه أراد الأجنبية لم تطلق زوجته لأن اللفظ محتمل له وإن كان غير مقيد ولو كانت ثم قرينة دالة على إرادته الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه قبل قوله في الحكم لوجود الدليل الصارف إليها وإن لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته لأنها محل الطلاق وللفظ يحملها ويصلح لها ولم يصرفه عنها فوقع به كما لو نواها
فصل : فإن كانت له امرأتان حفصة وعمرة فقال : ياحفصة فأجابته عمرة فقال : أنت طالق فإن لم تكن له نية أو نوى المجيبة وحدها طلقت وحدها لأنها المطلقة دون غيرهما وإن قال ما خاطبت بقولي أنت طالق إلا حفصة وكانت حاضرة طلقت وحدها وإن قال : علمت أن المجيبة عمرة فخاطبتها بالطلاق وأردت طلاق حفصة طلقتا معا في قولهم جميعا وإن قال ظننت المجيبة حفصة فطلقتها طلقت حفصة رواية واحدة وفي عمرة روايتان :
إحداهما : تطلق أيضا وهو قول النخعي و قتادة و الأوزاعي وأصحاب الرأي واختاره ابن حامد لأنه خاطبها بالطلاق وهي محل له فطلقت كما لو قصدها
والثانية : لا تطلق وهو قول الحسن و الزهري و أبي عبيد قال أحمد : في رواية مهنا في رجل له امرأتان فقال فلانة أنت طالق فالتفت فإذا هي غير التي حلف عليها قال إبراهيم : يطلقان والحسن يقول تطلق التي نوى قيل له ما تقول أنت ؟ قال : تطلق التي نوى ووجه أنه لم يقصدها بالطلاق فلم تطلق كما لو أراد أن يقول أنت طاهر فسبق لسانه فقال : أنت طالق وقال أبو بكر : لا يختلف كلام أحمد أنها لا تطلق وقال الشافعي : تطلق المجيبة وحدها لأنها مخاطبة بالطلاق فطلقت كما لو لم ينو غيرها ولا تطلق المنوية لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولم تعترف بطلاقها وهذا يبطل بما لو علم أن المجيبة عمرة فإن المنوية تطلق أرادتها الطلاق ولولا ذلك لم تطلق بالاعتراف به لأن الاعتراف بما لا يوجب ولأن الغائبة مقصودة بلفظ الطلاق فطلقت ذ
فصل : وإن أشار إلى عمرة فقال : يا حفصة أنت طالق وأراد طلاق عمرة فسبق لسانه إلى نداء حفصة طلقت عمرة وحدها لأنه لم يرد بلفظه إلا طلاقها وإنما سبق لسانه إلى غير ما أراده فأشبه ما لو أراد أن يقول أنت طاهر فسبق لسانه إلى أنت طالق وإن أتى باللفظ مع علمه أن المشار إليها عمرة طلقتا معا عمرة بالإشارة إليها وإضافة الطلاق إليها حفصة بنيته وبلفظه بها وإن ظن أن المشار إليها حفصة طلقت حفصة وفي عمرة روايتان كالتي قبلها
فصل : وإن لقي أجنبية ظنها زوجته فقال : فلانة أنت طالق فإذا هي أجنبية طلقت زوجته نص عليه أحمد وقال الشافعي : لا تطلق لأنه خاطب بالطلاق غيرها فلم يقع كما لو علم أنها أجنبية فقال : أنت طالق
ولنا انه قصد زوجته بلفظ الطلاق فطلقت كما لو قال : علمت انها أجنبية وأردت طلاق زوجتي وإن قال لها أنت طالق ولم يذكر اسم زوجته احتمل ذلك أيضا لأنه قصد امرأته بلفظ الطلاق واحتمل أن لا تطلق لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولا ذكر اسمها معه وإن علمها أجنبية وأراد بالطلاق زوجته طلقت وإن لم يردها بالطلاق لم تطلق
فصل : وإن لقي امرأة فظنها أجنبية فقال : أنت طالق أو تنحي يا مطلقة أو لقي أمته فظنها أجنبية فقال : أنت حرة أو تنحي يا حرة فقال أبو بكر فيمن لقي امرأته فقال : تنحي يا مطلقة أو يا حرة وهو لا يعرفها فإذا هي زوجته أو أمته لا يقع بها طلاق ولا حرية لأنه لم يرد بها ذلك فلم يقع بهما شيء كسبق اللسان إلى ما لم يرده ويحتمل أن لا يعتق الأمة لأن العادة من الناس مخاطبة من لا يعرفها بقوله يا حرة وتطلق الزوجة لعدم العادة بالمخاطبة بقوله يا مطلقة

مسألة وفصول : حكم الطلاق غير الصريح
فصل : فأما غير الصريح فلا يقع الطلاق به إلا بنية أو دلالة حال وقال مالك الكنايات الظاهرة كقوله أنت بائن وبتة وبتلة وحرام يقع بها الطلاق من غير تية قال القاضي في الشرح وهذا ظاهر كلام أحمد و الخرقي لأنها مستعملة في الطلاق في العرف فصارت كالصريح
ولنا أن هذه كناية لم تعرف بإرادة الطلاق بها ولا اختصت به فلم يقع الطلاق بها بمجرد اللفظ كسائر الكنايات وإذا ثبت اعتبار النية فإنها تعتبر مقارنة للفظ فإن وجدت في ابتدائه وعريت عنه في سائره وقع الطلاق وقال بعض أصحاب الشافعي : لا يقع فلو قال : أنت بائن ينوي الطلاق وعريت نيته حين قال أنت بائن لا يقع لأن القدر الذي صاحبته النية لا يقع به شيء
ولنا أن ما ييعتبر له النية يكتفى فيه بوجودها في أوله كالصلاة وسائر العبادات فأما ان تلفظ بالكناية غيرنا وثم نوى بها بعد ذلك لم يقع بها الطلاق وكما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه
مسألة : قال : ولو قيل له ألك امرأة ؟ فقال لا وأراد به الكذب لم يلزمه شيء ولو قال قد طلقتها وأراد به الكذب لزمه الطلاق
إنما لم يلزمه إذا أراد الكذب لأن قوله ما لي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق وإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع وهكذا لو نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني أو أني كمن لا امرأة له أو لم ينو شيئا لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية وإن أراد بهذا اللفظ طلاقها طلقت لأنها كناية صحبتها النية وبهذا قال الزهري و مالك و حماد بن أبي سليمان و أبي حنيفة و الشافعي قال أبو يوسف و محمد لا تطلق فإن هذا ليس بكناية وإنما هو خبر هو كاذب فيه وليس بإيقاع
ولنا أنه محتمل للطلاق لأنه إذا طلقها فليست له بامرأة فأشبه قوله أنت بائن وغيرها من الكنايات الظاهرة وهذا يبطل قولهم فأما إن قال لطلقتها وأراد الكذب طلقت لأن لفظ الطلاق صريح يقع به الطلاق من غير نية وإن قال لخليتها أو أبنتها افتقر إلى النية لأنه كناية لا يقع به الطلاق من غير نية
فصل : فإن قيل له : أطلقت امرأتك ؟ فقال : نعم أو قيل له : امرأتك طالق ؟ فقال : نعم طلقت امرأته وإن لم ينو وهذا الصحيح من مذهب الشافعي واختيار المزني لأن نعم صريح في الجواب والجواب الصريح للفظ الصريح صريح ألا ترى أنه لو قيل لفلان عليك ألف ؟ فقال : نعم وجب عليه وإن قيل له طلقت امرأتك ؟ فقال : قد كان بعض ذلك وقال : أردت الإيقاع وقع وإن قال أردت أني علقت طلاقها بشرط قبل لأنه محتمل لما قاله وإن قال : أردت الإخبار عن شيء ماض أو قيل له : ألك امرأة ؟ فقال : قد طلقتها ثم قال : إنما أردت أني طلقتها في نكاح آخر دين فيما بينه وبين الله تعالى فأما في الحكم فإن لم يكن ذلك وجد منه لم يقبل لأنه لا يحتمل ما قاله وإن كان وجد فعلى وجهين
فصل : فإن قال : حلفت بالطلاق أو قال : على يمين بالطلاق ولم يكن حلف لم يلزمه شيء فيما بينه وبين الله تعالى ولزمه ما أقربه في الحكم ذكره القاضي و أبو الخطاب وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم في الرجل يقول حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هي كذبة ليس عليه يمين وذلك لأن قوله له حلفت أليس بحلف وإنما هو خبر عن الحلف فإذا كان كاذبا فيه لم يصر حالفا كما لو قال حلفت بالله وكان كاذبا واختار أبو بكر أنه يلزمه ما أقر به وحكى في زاد المسافر عن الميموني عن أحمد أنه قال : إذا قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف يلزمه الطلاق ويرجع إلى نيته في الطلاق الثلاث أو الواحد وقال القاضي : معنى قول أحمد يلزمه الطلاق أي في الحكم ويحتمل أنه أراد يلزمه الطلاق إذا نوى به الطلاق فجعله كناية عنه ولذلك قال يرجع إلى نيته أما الذي قصد الكذب فلا نية له في الطلاق فلا يقع به شيء لأنه ليس بصريح الطلاق ولا نوى به الطلاق فلم يقع له طلاق كسائر الكنايات وذكر القاضي في كتاب الايمان فيمن قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف فهل يقع به الطلاق ؟ على روايتين

مسألة وفصول : حكم من وهب زوجته لأهلها أو باعها لغيره
مسألة : قال : وإذا وهب زوجته لأهلها فإن قبلوها فواحدة يملك الرجعة إن كانت مدخولا بها وإن لم يقبلوها فلا شيء
هذا المنصوص عن أحمد في هذه المسألة وبه قال ابن مسعود و عطاء و مسروق و الزهري و مكحول و مالك و إسحاق وروي عن علي رضي الله عنه النخعي إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت والحسن إن قبلوها فثلاث وإن لم يقبلوها فواحدة رجعية وروي عن أحمد مثل ذلك وقال ربيعة و يحيى بن سعيد و أبو الزناد و مالك هي ثلاث على كل حال قبلوها أو ردوها وقال أبو حنيفة فيها كقوله في الكناية الظاهرة قبلوها أو ردها وكذلك قال الشافعي واختلفا ههنا بناء على اختلافهما
ولنا على أنها لا تطلق إذا لم يقبلوها أنه تمليك للبضع فافتقر إلى القبول كقوله اختاري وأمرك بيدك وكالنكاح وعلى أنها لا تكون ثلاثا أنه لفظ محتمل فلا يحمل على الثلاث عند الاطلاق كقوله اختاري وعلى أنها رجعية أنها طلقة لمن عليها عدة بغير عوض قبل استفاء العدد فكانت رجعية كقوله أنت طالق وقوله إنها واحدة محمول على ما إذا أطلق النية في عددها كسائر الكنايات ولا بد من أن ينوي بذلك الطلاق أو تكون ثم دلالة حال لأنها كناية والكنايات لابد فيها من النية كذلك قال القاضي : وينبغي أن تعتبر النية من الذي يقبل أيضا كما تعتبر في اختيار الزوجة إذا قال لها اختاري أو أمرك بيدك إذا ثبت هذا فإن صيغة القبول أن يقول أهلها قبلناها نص عليه أحمد والحكم في هبتها لنفسها أو لأجنبي كالحكم في هبتها لأهلها
فصل : فإن باع امرأته لغيره لم يقع به طلاق وإن نوى وبهذا قال الثوري و إسحاق وقال مالك : تطلق واحدة وهي أملك بنفسها لأنه أتى بما يقتضي خروجها عن ملكه فأشبه ما لو وهبها
ولنا أن البيع لا يتضمن معنى الطلاق لأنه نقل ملك بعوض والطلاق مجرد اسقاط لا يقتضي العوض فلم يقع به طلاق كقوله أطعمني واسقيني

مسألة وفصل : قال وإذا قال لها أمرك يبدك
مسألة : قال : وإذا قال لها : أمرك بيدك فهو بيدها وإن تطاول ما لم يفسخ
أو يطأها
وجملة ذلك أن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه وبين أن يوكل فيه وبين أن يفوضه إلى المرأة ويجعله إلى اختيارها بدليل أن النبي صلى الله عليه و سلم خير نساءه فاخترنه ومتى جعل أمر امرأته بيدها فهو بيدها أبدا لا يتقيد ذلك بالمجلس روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الحكم و أبو ثور و ابن المنذر وقال مالك و الشافعي وأصحاب الرأي هو مقصور على المجلس ولا طلاق لها بعد مفارقته لأنه تخيير لها فكان مقصورا على المجلس كقوله اختاري
زلنا قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها قال : هو لها حتى ولا نعرف له في الصحابة مخالفا فيكون إجماعا ولأنه نوع توكل في الطلاق فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي وفارق قوله اختياري فإنه يخيير فإه رجع الزوج فيما جعل إليها أو قال فسخت ما جعلت إليك بطل وبذلك قال عطاء و مجاهد و الشعبي و النخعي و الأوزاعي و إسحاق وقال الزهري والثوري ومالك وأصحاب الرأي ليس له الرجوع لأنه ملكها ذلك فلم يملك الرجوع كما لو طلقت
ولنا أنه توكيل فكان له الرجوع فيه كالتوكيل في البيع وكما خاطب بذلك أجنبيا وقولهم تمليك لا يصح فإن الطلاق لا يصح تمليكه ولا ينتقل عن الزوج وإنما ينوب فيه غيره عنه فإذا استناب غيره فيه كان توكيلا لا غير ثم وإن سلم إنه تمليك فالتمليك يصح الرجوع فيه قبل اتصال به كالبيع وإن وطئها الزوج كان رجوعا لأنه نوع توكيل والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل
فصل : ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ما لم ينو به إيقاع طلاقها في الحال أو تطلق نفسها ومتى ردت الأمر الذي جعل إليها بطل ولم يقع شيء في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر و سعيد بن المسيب و عمر بن عبد العزيز و مسروق و عطاء و مجاهد و الزهري و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وقال قتادة إن ردت فواحدة رجعية
ولنا أنه توكيل أو تمليك لم يقبله المملك فلم يقع به شيء كسائر التوكيل والتمليك فأما إن نوى بهذا تطليقها في الحال طلقت في الحال ولم يحتج إلى قبولها كما لو قال : حبلك على غاربك

مسألة وفصلان : وقوع طلقة واحدة رجعية باختيار المرأة المخيرة نفسها
مسألة : قال : فإن قالت اخترت نفسي فواحدة تملك الرجعة
وجملة الأمر أن المملكة والمخيرة إذا قالت اخترت نفسي فهي واحدة رجعية روي ذلك عن عمر و ابن مسعود وابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز و الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور وروي عن علي أنها واحدة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه لأن تمليكه إياها أمرها يقتضي زوال سلطانه عنها وإذا قبلت ذلك بالاختيار وجب أن يزول عنها ولا يحصل ذلك مع بقاء الرجعة وعن زيد بن ثابت أنها ثلاث وبه قال الحسن و مالك و لليث إلا أن مالكا قال إذا لم تمن مدخولا بها قبل منه إذا أراد واحدة المدخول بها يزول سلطانه عنها بواحدة فاكتفى بها
ولنا أنها لم تطلق بلفظ الثلاث ولا نوت ذلك فلم تطلق ثلاثا كما لو أتى الزوج بالكناية الخفية
فصل : وهذا إذا لم تنو أكثر من واحدة وقع ما نوت لأنها تملك الثلاث بالتصريح فتملكها بالكناية كالزوج وهكذا إن أتت بشيء من الكنايات فحكمها فيها حكم الزوج إن كانت مما يقع بها الثلاث من الزوج وقع بها الثلاث إذا أتت بها وإن كانت من الكنايات الخفية نحو قولها لا يدخل علي ونحوها وقع ما نوت
قال أحمد : إذا قال لها أمرك بيدك فقالت : لا يدخل علي إلى بإذن تنوي في ذلك إن قالت : واحدة فواحدة وإن قالت : أردت أن أغيظه قبل منها يعني لا يقع شيء وكذلك لو جعل أمرها في يد أجنبي فأتى بهذه الكنايات لا يقع شيء حتى ينوي الوكيل الطلاق ثم إن طلق بلفظ صريح أو بكناية ظاهرة طلقت ثلاثا وإن كان بكناية خفية وقع ما نواه
فصل : وقوله أمرك بيدك وقوله اختاري نفسك كناية في حق الزوج يفتقر إلى نية أو دلالة حال كما في سائر الكنايات فإن عدما لم يقع به الطلاق لأنه ليس بصريح وإنما هو كناية فيفتقر إلى ما يفتقر إليه سائر الكنايات وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك يفتقر إلى نية لأنه من الكنايات الظاهرة وقد سبق الكلام معه فيها وهو أيضا كناية في حق المرأة قبلته بلفظ الكناية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يفتقر وقوع الطلاق إلى نيتها إذا نوى الزوج لأن الزوج علق الطلاق بفعل من جهتها فلم يفتقر إلى نيتها كما لو قال : إن تكلمت فأنت طالق فتكلمت وقال لا يقع إلا واحدة بائن وإن نوت ثلاثا لأن ذلك تخيير والتخيير لا يدخله عدد كخيار المعتقة ولنا أنها موقعة للطلاق بلفظ الكناية فافتقر إلى نيتها كالزوج وعلى أنه يقع الثلاث إذا نوت أن اللفظ يحتمل الثلاث لأنها تختار نفسها بالواحدة وبالثلاث فإذا نوياه وقع كقوله أنت بائن

مسألتان وفصلان : تطلق المخيرة نفسها ثلاثا وتعليق الاختيار
مسألة : قال : وإن طلقت نفسها ثلاثا وقال لم أجعل إليها إلا واحدة لم يلتفت إلى قوله والقضاء ما قضت
وممن قال القضاء ما قضت عثمان وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن علي وفضالة بن عبيد وبه قال سعيد بن المسيب و عطاء و الزهري وعن عمر وابن مسعود أنها تطليقة واحدة وبه قال عطاء و مجاهد و القاسم و ربيعة و الأوزاعي و الشافعي قال الشافعي إن نوى ثلاثا فلها أن تطلق ثلاثا وإن نوى غير ذلك لم تطلق ثلاثا والقول قوله في نيته
قال القاضي : ونقل عبد الله عن أحمد ما يدل على أنه إذا نوى واحدة لأنه نوع تخيير فيرجع إلى نيته فيه كقوله اختاري
ولنا أنه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كما لو قال طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله أردت واحدة لأنه خلاف ما يقتضيه ولا يدين في هذا لأنه من الكنايات الظاهرة والكنايات الظاهرة تقتضي ثلاثا
مسألة : قال : وكذلك الحكم إذا جعله في يد غيرها
وجملة ذلك أنه إذا جعل أمر امرأته بيد غيرها صح وحكمه حكم ما لو جعله بيدها في أنه بيده في المجلس وبعده ووافق الشافعي على هذا في حق غيرها لأنه توكيل وسواء قال له : أمر امرأتي بيدك فقال جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي أو قال : طلق امرأتي وقال أصحاب أبي حنيفة ذلك مقصور على المجلس لأنه نوع تخيير أشبه ما لو قال اختاري
ولنا أنه توكيل مطلق فكان على التراخي كالتوكيل في البيع وإذا ثبت هذا فإن له يطلقها ما لم يفسخ أو يطأها وله أن يطلق واحدة وثلاثا كالمرأة وليس له أن يجعل الأمر إلا بيد من يجوز توكيله وهو العاقل فأما الطفل والمجنون فلا يصح أن يجعل الأمر بأيديهم فإن فعل فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه وقال أصحاب الرأي يصح
ولنا أنهما ليسا من أهل التصرف فلم يصح تصرفهم كما لو وكلهم في العتق وإن جعله في يد كافر أو عبد صح لأنه ممن يصح طلاقه لنفسه فصح توكيلها فيه وإن جعله في يد امرأة صح لأنه يصح توكيلها في العتق فصح في الطلاق كالرجل وإن جعله في يد صبي يعقل الطلاق انبنى ذلك على صحة طلاقه لزوجته وقد مضى ذلك وقد نص أحمد ههنا على اعتبار وكالته بطلاقه فقال : إذا قال الصبي : طلق امرأتي ثلاثا فطلقها ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق أرأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقة ؟ فأعتبر طلاقه بالوكالة بطلانه لنفسه وهكذا لو جعل أمر الصغير والمجنون بيدها لم تملك ذلك نص عليه أحمد في امرأة صغيرة قال لها أمرك بيدك فقالت : اخترت نفسي ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل وهذا لأنه تصرع بحكم التوكيل وليست من أهل التصرف وظاهر كلام أحمد أنها إذا علقت الطلاق وإن طلاقها وإن لم تبلغ كما قررناه في الصبي إذا طلق وفي الصبي رواية أخرى لا يقع طلاقه حتى يبلغ فكذلك يخرج في هذه لأنها مثله في المعنى والله أعلم
فصل : فإن جعله في يد أو وكل اثنين في طلاق زوجته صح وليس لأحدهما أن يطلق على الانفراد إلا أن يجعل إليه ذلك لأنه إنما رضي بتصرفهما جميعا وبهذا قال الحسن و مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبو عبيد و ابن المنذر وإن طلق أحدهما واحدة والآخر ثلاثا وقعت واحدة وبهذا قال إسحاق وقال الثوري لا يقع شيء
ولنا أنهما طلقا جميعا واحدة مأذونا فيها فصح كما لو جعل إليها واحدة
فصل : ويصح تعليق أمرك بيدك واحتاري نفسك بالشروط وكذلك إن جعل ذلك إلى أجنبي صح مطلقا ومقيدا ومعلقا نحو أن يقول اختاي نفسك وأمرك بيدك شهرا أو إذا قدم فلان فأمرك بيدك واختاري نفسك يوما أو يقول ذلك لأجنبي قال أحمد إذا قال إذا كان سنة أو أجل مسمى فأمرك بيدك فإذا دخل ذلك فأمرها بيدها وليس لها قبل ذلك أمر وقال أيضا إذا تزوج امرأة وقال لأبيها إن جاءك خبري إلى ثلاث سنين وإلا فأمر ابنتك إليك فلما مضت السنون لم يأت خبره فطلقها الأب فإن كان الزوج لم يرجع فيما جعل إلى الأب فطلاقه جائز ورجوعه أن يشهد انه قد رجع فيما جعل إليه ووجه هذا انه فوض أمر الطلاق إلى من يملكه فصح تعليقه على شرط كالتوكيل الصريح فإذا صح هذا فإن الطلاق إلى من فوض إليه على حسب ما جعله إليه في الوقت الذي عينه له لا قبله بعده وللزوج الرجوع في هذا لأنه عقد جائز قال أحمد ولا تقبل دعواه للرجوع إلا ببينة لأنه مما يمكن إقامة البينة عليه فإن طلق الوكيل والزوج غائب كره للمرأة التزوج لأنه يحتمل أن الزوج رجع في الوكالة وقد نص أحمد على منعها من التزوج لهذا العلة وحمله القاضي على الاستحباب والاحتياط فان غاب الوكيل كره للزوج الوطء مخافة أن يكون الوكيل طلق ومنع منه أحمد أيضا لهذه العلة وحمله القاضي على الإستحباب لأن الأصل بقاء النكاح فحمل الأمر فيه على اليقين وقول أحمد رجوعه أن يشهد على أنه قد رجع فيما جعل إليه معناه انه لا يقبل قوله إنه قد رجع إليه إلا ببينة ولو صدقته المرأة في أنه قد رجع قبل وإن لم تكن له بينة

مسألة وفصلان : التخيير على الفور أو في مدة معينة
مسألة : قال : ولو خيرها فاختارت فرقته من وقتها وإلا فلا خيار لها
أكثر أهل العلم على أن التخيير على الفور إن اختارت في وقتها وإلا فلا خيار لها بعده روي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر رضي الله عنهم وبه قال عطاء و جابر بن زيد و مجاهد و الشعبي و النخعي و مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وقال الزهري و قتادة و أبو عبيد و ابن المنذر و مالك في إحدى الروايتين هو على التراخي ولها الاختيار في المجلس وبعده ما لم يفسخ أو يطأ واحتج ابن المنذر [ قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لعائشة لما خيرها : أني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ] وهذا يمنع قصره على المجلس ولأنه جعل أمرها اليها فأشبه أمرك بيدك
ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة روى النجاد بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال قضى عمر وعثمان في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما لم يتفرقا وعن عبد الله بن عمر قال : ما داما في مجلسها ونحوه عن ابن مسعود وجابر ولم نعرف لهم مخالفا في الصحابة فكان إجماعا ولأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول فأما الخبر فإن النبي صلى الله عليه و سلم جعل لها الخيار على التراخي وخلافنا في المطلق وأما أمرك بيدك فهو توكيل والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسألتنا
فصل : وقوله في وقتها أي عقيب كلامه ما لم يخجلا من الكلام الذي كانا فيه إلى غير ذكر الطلاق فإن تفرقا عن ذلك الكلام إلى كلام غيره بطل خيارها قال أحمد : إذا قال لامرأته اختاري فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام فإن طال المجلس وأخذوا في الكلام غير ذلك ولم تختر فلا خيار لها وهذا مذهب أبي حنيفة ونحوه مذهب الشافعي على اختلاف عنه فقيل عنه إنه يتقيد بالمجلس وقيل هو على الفور وقال أحمد أيضا : الخيار على مخاطبة الكلام أن تجاوبه ويجاوبها إنما هو جواب كلام إن أجابته من ساعته وإلا فلا شيء ووجهه أنه تمليك مطلق تأخر قبوله عن أول حال الإمكان فلم يصح كما لو قاما من مجلسها فإن قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها بطل خيارها وقال أبو حنيفة : يبطل بقيامها دون قيامه بناء على أصله في أن الزوج لا يملك الرجوع وعندنا أنه يملك الرجوع فبطل بقيامه كما يبطل بقيامها وإن كان أحدهما قائما أو مشى بطل الخيار وإن قعد لم يبطل والفرق بين القيام والقعود أن القيام يبطل الفكر والارتياء في الخيار فيكون إعراضا والعقود بخلافه ولو كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت لم يبطل لأن ذلك لا يبطل الفكر وإن تشاغل أحدهما بالصلاة بطل الخيار وإن كانت في صلاة فأتمتها لم يبطل خيارها وإن أضافت إليها ركعتين أخريين بطل خيارها وإن أكلت شيئا يسيرا أو قالت بسم الله أو سبحت شيئا يسيرا لم يبطل لأن ذلك ليس بإعراض وإن قالت ادع لي شهودا أشهدهم على ذلك لم يبطل خيارها وإن كانت راكبة فسارت بطل خيارها وهذا كله قول أصحاب الرأي
فصل : فإن جعل لها الخيار متى شاءت أو في مدة فلها ذلك في تلك المدة وإذا قال : اختاري إذا شئت أو متى شئت فلها ذلك لأن هذه تفيد جعل الخيار لها في عموم الأوقات وإن قال : اختاري اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك فإن ردت الخيار في الأول بطل كله وكذلك إن قال : لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ونحوه فلها الخيار على التراخي فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال ذلك لعائشة فدل على أن خيارها لا يبطل بالتأخير وإن قال : اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فردته في اليوم الأول لم يبطل في الثاني وقال أبو حنيفة لا يبطل في المسألة الأولى أيضا لأنهما خياران في زمنين فلم يبطل أحدهما برد الآخر قياسا على المسألة الثانية
ولنا أنه خيار واحد في مدة واحدة فإذا بطل أوله بطل ما بعده كما لو كان الخيار في يوم واحد وكخيار الشرط وخيار المعتقة ولا نسلم أنهما خياران وإنما هو خيار واحد في يومين وفارق ما إذا قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فإنهما خياران لأن كل واحد ثبت بسبب مفرد ولو خبرها شهرا فاختارت نفسها ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار وعند أبي حنيفة لها الخيار
ولنا أنها استوفت ما جعل لها في هذا العقد فلم يكن لها في عقد ثان كما لو اشترط الخيار في سلعة مدة ثم فسخ ثم اشتراها بعقد آخر في تلك المدة ولو لم تختر نفسها أو اختارت زوجها وطلقها الزوج ثم تزوجها بطل خيارها لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كما في البيع والحكم في قوله أمرك بيدك في هذا كله كالحكم في التخيير لأنه نوع تخيير ولو قال لها اختاري أو أمرك بيدك اليوم وبعد الغد فردت ففي اليوم الأول لم يبطل بعد في غد لأنهما خياران ينفصل أحدهما من صاحبه فلم يبطل أحدهما ببطلان الآخر بخلاف ما إذا كان الزمان متصلا واللفظ واحد فإنه خيار واحد فبطل كله ببطلان بعضه وإن قال لك الخيار يوما أو أمرك بيدك يوما فابتداؤه من حين نطق به إلى مثله من الغد لأنه لا يمكن استكمال يوم بتمامه إلا بذلك وإن قال : شهرا فمن ساعة نطق إلى استكمال ثلاثين يوما إلى مثل تلك الساعة وإن قال : الشهر أو اليوم أو السنة فهو على ما بقي من اليوم والشهر والسنة

مسألة وفصول : التخيير على الفور أو في مدة معينة
مسألة : قال : وليس لها أن تختار أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر
من ذلك
وجملة الأمر أن لفظة التخيير لا تقتضي بمطلقها أكثر من تطليقة وجعية قال أحمد : هذا قول ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وعمر وعائشة رضي الله عنهم وروي ذلك عن جابر وعبد الله بن عمرو وقال أبو حنيفة : هي واحدة بائن وهو قول ابن شبرمة لأن اختيار نفسها يقتضي زوال سلطانه عنها ولا يكون إلا بالبينونة وقال مالك هي ثلاث في المدخول بها لأن المدخول بها لا تبين بأقل من ثلاث إلا أن تكون بعوض ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن من سمينا منهم قالوا إن اختارت نفسها فهي واحدة وهو أحق بها رواه النجاد عنهم بأسانيده ولأن قوله اختاري تفويض مطلق فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم وذلك طلقة واحدة ولا يجوز أن تكون بائنا لأنها طلقة بغير عوض لم يكمل لها العدد بعد الدخول فأشبه ما لو طلقها واحدة ويخالف قوله أمرك بيدك فإنه للعموم فإنه اسم جنس فيتناول جميع أمرها ولكن إن جعل إليها أكثر من ذلك فلها ما جع إليها سواء جعله بلفظه مثل أن يقول اختاري ما شئت أو اختاري الطلقات الثلاث إن شئت فلها أن تختار ذلك فإن قال اختاري من الثلاث ما شئت فلها أن تختار واحدة أو اثنتين وليس لها اختيار الثلاث بكمالها لأن من للتبعيض فقد جعل لها اختيار بعض الثلاث فلا يكون لها اختيار الجميع أو جعله نيته وهو أن ينوي بقوله اختاري عددا فإنه يرجع إلى ما نواه لأن قوله اختاري كناية خفية فيرجع في قدر ما يقع بها إلى نيته كسائر الكنايات الخفية فإن نوى ثلاثا أو اثنتين أو واحدة فهو على ما نوى وإن أطلق النية فهي واحدة وإن نوى ثلاثا فطلقت أقل منها وقع ما طلقته لأنه يعتبر قولهما جميعا فيقع ما اجتمعا عليه كالوكيلين إذا طلق واحد منهما واحدة والآخر ثلاثا
فصل : وإن خيرها فاختارت زوجها أو ردت الخيار أو الأمر لم يقع شيء نص عليه أحمد في رواية الجماعة وروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس وعمر بن عبد العزيز و ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الثوري و الشافعي و ابن المنذر وعن الحسن تكون واحدة رجعية وروي ذلك عن علي ورواه إسحاق بن منصور عن أحمد قال فإن اختارت زوجها فواحدة يملك الرجعة وإن اختارت نفسها فثلاث قال أبو بكر : انفرد بها إسحاق بن منصور والعمل على ما رواه الجماعة ووجه هذه الرواية أن التخيير كناية نوى بها الطلاق فوقع بها بمجردها كسائر كناياته وكقوله انكحي من شئت
ولنا [ قول عائشة قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان طلاقا وقالت : لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال : إني لمخبرك خبرا فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك - ثم قال - إن الله تعالى قال : { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } - حتى بلغ - { إن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما } فقالت في أي هذا استأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت : ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم مثل ما فعلت ] متفق عليهما ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو ألفا بعد أن تختارني ولأنها مخيرة اختارت النكاح فلم يقع بها الطلاق كالمعتقة تحت عبد فأما إن قالت اخترت نفسي إلى نيتها لأنه لفظ كناية منها فإن نوى أحدهما دون الآخر لم يقع لأن الزوج إذا لم ينو فوض إليها الطلاق فلا يصح أن يوقعه وإن نوى ولم تنوهي فقد فوض إليها الطلاق فما أوقعته فلم يقع شيء كما لو وكل وكيلا في الطلاق فلم يطلق وإن نويا جميعا وقع ما نوياه من العدد اتفقا فيه وإن نوى أحدهما أقل من الآخر وقع الأقل لأن ما زاد انفرد به أحدهما فلم يقع
فصل : وإن قال أمرك بيدك أو اختاري فقالت قبلت لم يقع شيء لأن أمرك بيدك توكيل فقولها في جوابه : قبلت ينصرف إلى قبول الوكالة فلم يقع شيء كما لو قال لأجنبي أمر امرأتي بيدك فقال : قبلت وقوله اختاري في معناه وكذلك في معناه وكذلك إن قالت : أخذت أمري نص عيهما أحمد في رواية ابراهيم بن هانىء إذا قال لامرأته : أمرك بيدك فقالت : قبلت ليس بشيء حتى تبين وقال : إذا قالت : أخذت أمري ليس بشيء قال وإذا قال لامرأته اختاري فقالت قبلت نفسي أو قالت اخترت نفسي كان أبين قال القاضي : ولو قالت اخترت ولم تقل نفسي لم تطلق وإن نوت ولو قال الزوج اختاري وبم يقل نفسك ولم ينوه لم تطلق ما لم تذكر نفسها ما لم يكن في كلام الزوج أو جوابها ما يصرف الكلام إليه لأن ذلك في حكم التفسير فإذا عوى عن ذلك لم يصح وإن قالت : اخترت زوجي أو اخترت البقاء على النكاح أو رددت الخيار أو رددت عليك سفهتك بطل الخيار وإن قالت : اخترت أهلي أو أبوي وقع الطلاق لأن هذا يصلح كناية من الزوج فيما إذا قال : الحقي بأهلك فكذلك منها وإن قالت : اخترت الأزواج فكذلك لأنهم لا يحلون إلا بمفارقة هذا الزوج ولذلك كان كناية منه في قوله : انكحي من شئت
فصل : فإن كرر لفظة الخيار فقال : اختاري اختاري اختاري فقال أحمد : إن كان إنما يردد علنها ليفهمها وليس نيته ثلاثا فني واحدة وإن كان أراد بذلك ثلاثا فهي ثلاث فرد الأمر إلى نيته في ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قبلت وقع ثلاثا لأنه كرر ما يقع به الطلاق فتكرر كما لو كرر الطلاق
ولنا أنه يحتمل التأكيد فإذا قصده قبل منه كما لو قال : أنت طالق وإن أطلق فقد روي عن أحمد ما يدل على أنها واحدة يملك الرجعة وهذا اختيار القاضي ومذهب عطاء و أبي ثور لأن تكرر لا يزيد به الخيار كشرط الخيار في البيع ئن وروي عن أحمد إذا قال لامرأته : اختاري فقالت : اخترت نفسي هي واحدة إلا أن يقول : اختاري اختاري اختاري وهذا يدل على أنها تطلق ثلاثا ونحوه قال الشعبي و النخعي وأصحاب الرأي و مالك لأن اللفظة الواحدة تقتضي طلقة فإذا تكررت اقتضت ثلاثا كلفظة الطلاق
فصل : فإن قال لزوجته : طلقي نفسك ونوى عددا فهو على ما نوى وإن أطلق من غير نية لم يملك إلا واحدة لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم وكذلك الحكم لو وكل أجنبيا فقال طلق زوجتي فالحكم على ما ذكرناه قال أحمد : إذا قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا فهي ثلاث وإن كان ونوى واحدة فهي واحدة وذلك لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثا فأيهما نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله وإن لم ينو تناول اليقين وهو الواحدة فإن طلقت نفسها أو طلقها الوكيل في المجلس أو بعده وقع الطلاق لأنه توكيل قال القاضي : إذا قال لها طلقي نفسك تفيد بالمجلس لأنه تفويض للطلاق إليها فتقيد بالمجلس كقوله اختاري
ولنا أنه توكيل في الطلاق فكان على التراخي كتوكيل الأجنبي وكقوله أمرك بيدك وفارق اختاري فإنه تخيير وما ذكروه ينتقض بقوله أمرك بيدك ولها أن توقع الطلاق بلفظ الصريح وبالكناية مع النية وقال بعض أصحاب الشافعي : ليس لها أن توقعه بالكناية لأنه فوضه إليها بلفظ الصريح فلا يصح أن توقع غير ما فوض إليها
ولنا أنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعته كما لو أوقعته بلفظ الصريح وما ذكره صحيح فإن التوكيل في شيء لا يقتضي أن يكون إيقاعه بلفظ الأمر من جهته كما لو قال لوكيله بع داري جاز له بيعها بلفظ االتمليك وإن قال لها طلقي ثلاثال فطلقت واحدة وقع نص عليه وقال مالك لا يقع شيء لأنها لم تمتثل أمره
ولنا أنها ملكت إيقاع ثلاث فملكت إيقاع واحدة كالموكل ولأنه لو قال وهبتك هؤلاء العبيد الثلاثة فقال : قبلت واحدا منهم صح كذا ههنا وإن قال طلقي واحدة فطلقت ثلاثا وقعت واحدة نص عليه أيضا وبه قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يقع شيء لأنها لم تأت بما يصلح قبولا فلم يصح كما لو قال بعتك نصف هذا العبد فقال : قبلت البيع في جميعه
ولنا أنها أوقعت طلاقا مأذونا فيه وغيره فوقع المأذون فيه دون غيره كما لو قال طلقي نفسك فطلقت نفسها وضرائرها فإن قال طلقي نفسك فقالت أنا طالق إن قدم زيد لم يصح لأن إذنه انصرف إلى المجز فلم يتناول المعلق على شرط وحكم توكيل الأجنبي في الطلاق كحكمها في ما ذكرناه كله
فصل : نقل عنه أبو الحارث إذا قال طلقي نفسك طلاق السنة قالت : قد طلقت نفسي ثلاثا هي واحدة وهو أحق برجعتها إنما كان كذلك لأن التوكيل بلفظ يتناول أقل ما يقع عليه اللفظ وهو طلقة واحدة سيما وطلاق السنة في الصحيح طلقة واحدة في طهر لم يصبها فيه
فصل : ويجوز أن يجعل أمر امرأته بيدها بعوض وحكمه حكم ما لا عوض له في أن له الرجوع فيما جعل لها وانه يبطل بالوطء قال أحمد إذا قالت امرأته اجعل أمري بيدي وأعطيك عبدي هذا قبض العبد وجعل أمرها بيدها فلها أن تختار ما لم يطأها أو ينقضه وذلك لأنه توكيل والتوكيل لا يلزم بدخول العوض فيه وكذلك التمليك بعوض لا يلزم ما لم يتصل به القبول كالبيع
فصل : إذا اختلفا فقال الزوج لم أنو الطلاق بلفظ الاختيار وأمرك بيدك وقالت بل نويت كان القول قوله لأنه أعلم بنيته ولا سبيل إلى معرفته إلا من جهته ما لم يكن جواب سؤال أو معها دلالة حال
وإن قال لم تنو الطلاق باختيار نفسك وقالت بل نويت فالقول قولها لما ذكرنا وإن قالت قد اخترت نفسي وأنكر وجود الاختيار منها فالقول قوله لأنه منكر له وهو مما يمكنه علمه وتمكنها إقامة البينة عليه فأشبه ما لو علق طلاقها على دخول الدار فادعته فأنكره
فصل : إذا قال لزوجته أنت علي حرام وأطلق فهو ظهار وقال الشافعي لا شيء عليه وله قول آخر عليه كفارة يمين وليس بيمين وقال أبو حنيفة : هو يمين قد روي ذلك عن أبي بكر وعنر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهم وقال سعيد : حدثنا خالد بن عبد الله عن جويبر عن الضحاك أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا في الحرام يمين وبه قال ابن عباس و سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعن أحمد ما يدل على ذلك لأن الله تعالى قال : { لم تحرم ما أحل الله لك } ثم قال : { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } وقال ابن عباس قوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ولأنه تحريم للحلال أشبه تحريم الأمة
ولنا أنه تحريم للزوجة بغير طلاق فوجبت به كفارة الظاهر كما لو قال أنت فلي حرام كظهر أمي فأما إن نوى غير الظهار عثمان بن عفان وابن عباس وأبو قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي روى الأثرم تإسناده عن ابن عباس في الحرام أنه تحرير رقبة فإن لن يجد فصيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا ولأنه صريح في تحريمها فكان ظهارا وإن نوى غيره كقوله أنت علي كظهر أمي وعن أحمد أنه إذا نوى الطلاق كان طلاقا إذا قال : ما أحل الله علي حرام يعني به الطلاق أخاف أن يكون ثلاثا ولا أفتى به وهذا مثل قوله في الكنايات الظاهرة فكأنه من كنايات الطلاق يقع به الطلاق إذا نواه ونقل عنه البغوي في رجل قال لامرأته أمرك بيدك فقالت : أنا عليك حرام فقد حرمت عليه فجعله منها كناية في الطلاق فكذلك من الجل واختاره ابن عقيل وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي وروي ذلك عن ابن مسعود وممن وري عنه أنه طلاق ثلاث علي وزيد بن ثابت وأبو هريرة و الحسن البصري و ابن أبي ليلى وهو مذهب مالك في المدخول بها لأن الطلاق نوع تحريم فصح أن يكنى به عنه كقوله أنت بائن فأما إن لم ينو الطلاق فلا يكون طلاقا بحال لأنه ليس بصريح في الطلاق فإذا لم ينو معه لم يقع به طلاق كسائر الكنايات
وإن قلنا إنه كناية في الطلاق ونوى به فحكمه حكم الكنايات الظاهرة على ما مضى من الاختلاف فيها وهو قول مالك و أبي حنيفة و الشافعي كل على أصله ويمكن حمله على الكنايات الخفية إذا قلنا إن الرجعة محرمة لأن أقل ما تحرم به الزوجة طلقة رجعية فحمل على اليقين وقد روي عن أحمد ما يدل عليه فإنه قال إذا قال أنت علي حرام أعني به طلاقا فهي واحدة وروي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و الزهري وقد روي عن مسروق و أبي سلمة بن عبد الرحمن و الشعبي ليس بشيء لأنه قول هو كاذب فيه وهذا يبطل بإظهار فإنه منكر من القول وزور وقد وجبت الكفارة ولأن هذا إيقاع للطلاق فأشبه قوله أنت بائن أو أنت طالق وروي عن أحمد أنه إذا نوى اليمين كان فإنه قال في رواية مهنا إنه إذا قال أنت علي حرام ونوى يمينا ثم تركها أربعة أشهر قال هو يمين وإنما الإيلاء أن يحلف بالله أو لا يقرب امرأته فظاهر هذا أنه إذا نوى اليمين كانت يمينا وهذا مذهب ابن مسعود وقول أبي حنيفة و الشافعي وممن روي عنه : عليه كفارة يمين أبو بكر الصديق وعمر وابن عباس وعائشة و سعيد بن المسيب والحسن و عطاء و طاوس و سليمان بن يسار و قتادة و الأوزاعي وفي المتفق عليه عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها وقال : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ولأن الله تعالى قال : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } فجعل الحرام يمينا ومعنى قوله نوى يمينا والله أعلم أنه نوى بقوله أنت علي حرام ترك وطئها واجتنابها وأقام ذلك مقام قوله والله لا وطئتك
فصل : وإن قال أنت علي حرام أعني به الطلاق فهو طلاق رواه الجماعة عن أحمد وروى عنه أبو عبد الله النيسابوري أنه قال إذا قال أنت علي حرام أريد به الطلاق كنت أقول إنها طالق يكفر كفارة الظهار وهذا كأنه رجوع عن قوله إنه طلاق ووجه أنه صريح في الظهار فلم يصر طلاقا بقوله أريد به الطلاق كما لو قال : أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق قال القاضي : ولكن جماعة أصحابنا عللا أنه طلاق وهي الرواية المشهورة التي رواها عنه الجماعة لأنه صرح بلفظ الطلاق فكان طلاقا كما لو ضربها وقال هذا طلاقك وليس هذا صريحا في الظهار إنما هو صريح في التخريم والتحريم يتنوع إلى تحريم بالظاهر وإلى تحريم بالطلاق فإذا بين بلفظه إرادة تحريم الطلاق وجب صرفه إليه وفارق قوله أنت علي كظهر أمي فإنه صريح في الظهار وهو تخريم لا يرتفع إلا بالكفارة فلم يمكن جعل ذلك طلاقا بخلاف مسألتنا ثم إن قال أعني به الطلاق أو نوى به ثلاثا فهي ثلاث نص عليه أحمد لأنه أتى بالألف واللام التي للا ستغراق تفسيرا للتحريم فيدخل فيه الطلاق كله
وإذا نوى الثلاث فقد نوى بلفظه ما يحتمله من الطلاق فوقع كما لو قال : أنت بائن وعنه لا يكون ثلاثا حتى ينوبها سواء كانت فيه الألف واللام أو لم تمن لأن الألف واللام تكون لغير الاستغراق في أكثر أسماء الأجناس وإن قال أعني له طلاقا فهو واحدة لأنه ذكره منكرا فيكون طلاقا واحدا نص عليه أحمد وقال في رواية حنبل : إذا قال أعني طلاقا فهي واحدة أو اثنتان إذا لم تكن فيه ألف ولام
فصل : فإن قال : أنت علي كظهر أمي ونوى به الطلاق لم يكن طلاقا لأنه صريح في الظهار فلم يصلح كناية في الطلاق كما لا يكون الطلاق كفاية في الظهار ولأن الظهار تشبيه بمن هي محرمة على التابيد والطلاق يفيد تحريما غير مؤبد فلم تصلح الكناية بأحدهما عن الآخر ولو صرح به فقال أعني به الطلاق لم يصر طلاقا لأنه لا يصلح الكناية به عنه
فصل : وإن قال : أنت : علي كالميته والدم ونوى به كان طلاقا لأنه يصلح أن يكون كناية فيه فإذا اقتربت به النية وقع به الطلاق ويقع به من عدد الطلاق مانواه فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة لأنه من الكنايات الخفية وهذا حكمها وإن نوى به الظهار وهو أن يقصد تحريمها عليه مع ببقاء نكاحها احتمل أن يكون ظهارا كما قلنا في قوله أنت علي حرام واحتمل أن لا يكون ظهرا كما لو قال أنت علي كزهر البهيمة أو كظهر أمي وإن نوى اليمين وهو أن يريد بذلك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها فهو يمين وإن لم ينو شيئا لم يكن طلاقا لأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نواه به وهل يكون ظهارا أو يمينا على وجهين
أحدهما : يكون ظهارا لأن معناه أنت حرام علي كالميتة والدم فإن تشبيهها بهما يقيضي التشبيه بهما في الأمر الذي اشتهرا به وهو التحريم لقول اله تعالى فيهما : { حرمت عليكم الميتة والدم }
الثاني : يكون يمينا لأن الأصل براءة الذمة فإذا أتى بلفظ محتمل ثبت به أقل الحكمين لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا نثبته بالشك ولا نزول عن الأصل إلا بيقين وعند الشافعن هو كقوله أنت علي حرام سواء

مسألة : وإذا طلقها بلسان واستثنى شيئا بقلبه
مسألة : قال : وإذا طلقها بلسانه واستثنى شيئا بقلبه وقع الطلاق ولم ينفعه
الاستثناء
وجملة ذلك أن ما يتصل بالفظ من قرينة أو استثناء على ثلاثة أضرب :
أحدها : ما لا يصح نطقا ولا نية وذلك نوعان : أحدهما : ما يرفع حكم اللفظ كله مثل أن يقول أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أ أ ت طالث طلقة لا تلزمك أو لا تقع عليك فهذا لا يصح بلفظ ولا بنيه لأنه يرفع حكم اللفظ كله فيصير الجميع لغوا فلا يصح هذا في اللغة بالاتفاق وإذا كان كذلك سقط الاستثناء والصفة ووقع الطلاق
الضرب الثاني : ما يقبل لفظا ولا يقبل نية لا في الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو استثناء الأقل فهذا يصح لفظا لأنه من لسان العرب ولا يصح بالنية مثل أن يقول أنت طالق ثلاثا ويستثني بقلبه إلا واحدة أو أكثر فهذا لا يصح لأن العدد نص فيما تناوله لا يحتمل غيره فلا يرتفع بالنية ما ثبت بنص اللفظ فإن اللفظ أقوى من النية ولو نوى بالثلاث اثنتين كان مستعملا للفظ في غير ما يصلح له فوقع مقتضى اللفظ ولغت نيته
وحكي عن بعض الشافعي أنه يقبل فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال : نسائي طوالق واستثنى بقلبه إلا فلانه والفرق بينهما أن نسائي أسم عام يجوز التعبير عن بعض ما وضع له وقد استعمل العموم بازاء الخصوص كثيرا فإذا أراد به البعض صح وقوله ثلاثا أسم عدد للثلاث لا يجوز التعبير به عن عدد غيرها ولا يحتمل سواها بوجه فإذا أراد بذلك اثنتين فقد أراد بالفظ مالا يحتمله وإنما تعمل النية في صرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته فأما ما لا يحتمل فلا فانا لو عملنا به فيما لا يحتما كان عملا بمجرد النية ومجرد النية لا تعمل عن نكاح ولا طلاق ولا بيع ولو قال نسائي الأربع طوالق أو قال لهن : أر بعتكن طوالق واستثني بعضهن بالنية لم يقبل على قياس ما ذكرناه ولا يدين فيه لأنه عني باللفظ ما لا يحمل
الضرب الثالث : ما يصح نطقا وإذا نواه دين فيما بينه وبين الله تعالى وذلك مثل تخصيص اللفظ العام أو استعمال اللفظ في مجازه مثل قوله نسائي طوالق يريد بعضهن أو ينوي بقوله طالق أي من وثاق فهذا يقبل إذا كان لفظا وجها واحدا لأنه وصل كلامه بما يبين مراده وإن كان بنيته قبل فيما بينه وبين الله تعالى لأنه أراد يخصيص اللفظ العام واستعماله في الخصوص وهذا سائغ في اللغة شائع في الكلام فلا يمنع من استعماله والتكلم به ويكون اللفظ بنيه منصرفا إلى ما أراده دون ما لم يرده وهل يقبل ذلك في الحكم ؟ يخرج على روايتين
إحداهما : يقبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله فصح كما لو قال أنت طالق أنت طالق وأراد بالثانية إفهامها
والثانية : لا يقبل لأنه خلاف الظاهر وهو مذهب الشافعي ومن شرط هذا أن تكون النية مقارنة للفظ وهو أن يقول نسائي طوالق يقصد بهذا اللفظ بعضهن فأما إن كانت النية متأخرة عن اللفظ فقال نسائي طوالق ثم بعد فراغه نوى بقلبه بعضهن لم تنفعه النية ووقع الطلاق بجميعهن وكذلك لم طلق نساءه ونوى بعد طلاقهن أي من وثائق لزمه الطلاق لأنه مقتضى اللفظ والنية الأخير نية مجردة لا لفظ معها فلا تعمل
ومن هذا الضرب يخصيص حال دون حال مثل أن يقول أنت طالق ثم يصله بشرط أو صفة مثل قوله إن دخلت الدار أو بعد شهر أو قال : إن دخلت الدار بعد شهر فهذا يصح إذا كان نطقا بغير خلاف وإن نواه ولم يلفظ به دين وهل يقبل في الحكم ؟ على روايتين قال في رواية إسحاق بن ابراهيم فيمن حلف لا تدخل الدار وقال :
نويت شهرا يقبل منه أو قال : إذا دخلت دار فلان فأنت طالق ونوى تلك الساعة
وذلك اليوم قبلت نيته
والرواية الأخرى : لا يقبل فإنه قال لامرأته أنت طالق ونوى في نفسه إلى سنة تطلق ليس ينظر إلى نيته وقال : إذا قال أنت طالق وقال : نويت إن دخلت الدار لا يصدق ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين بأن يخمل قوله في القبول على أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى وقوله في عدم القبول على الحكم فلا يكون بينهما اختلاف والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها أن إرادة الخاص بالعام شائع كثير وإرادة الشرط من غير ذكره غير سائغ فهو قريب من الاستثناء ويمكن أن يقال هذا كله من جملة التخصيص

فصول : اعتبار النية في الطلاق وعدم اعتبارها
فصل : وإذا قالت له امرأة من نسائه : طلقني فقال : نسائي طوالق ولا نية له طلقن كلهن بغير خلاف لأن لفظه عام وإن قالت له : طلق نساءك فقال : نسائي طوالق فكذلك وحكي عن مالك أن السائلة لا تطلق في هذه الصورة لأن الخطاب العام يقصر على سببه الخاص وسببه سؤال طلاق من سواها
ولنا أن اللفظ عام فيها ولم يرد به غير مقتضاه فوجب العمل بعمومه كالصورة الألى والعمل بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب لأن دليل هو اللفظ فيجب اتباعه والعمل بمقتضاه في خصوصه وعمومه ولذلك لو كان أخص من السبب لوجب قصره على خصوصه واتباع صفة اللفظ دون صفة السبب فإن أخرج السائلة بنيته دين فيما بينه وبين الله تعالى في الصورتين وقبل في الحكم في الصورة الثانية لأن خصوص السبب دليل على نيته ولم يقبل في الصورة الأولى قاله ابن حامد لأن طلاقه جواب لسؤالها الطلاق لنفسها فلا يصدق في صرفه عنها لأنه يخالف الظاهر من وجهين ولأنها سبب الطلاق وسبب الحكم لا يجوز إخراجه من العموم بالتخصيص وقال القاضي : يحتمل أن لا تطلق لأن لفظه عام والعام يحتمل التخصيص
فصل : فإن قال : أنت طالق إن دخلت الدار ثم قال : إنما أردت الطلاق في الحال لكن سبق لساني إلى الشرط طلقت في الحال لأنه أقر على نفسه بما يوجب الطلاق فلزمه كما لو قال قد طلقتها فإن قال بعد ذلك : كذبت وإنما أردت طلاقها عند الشرط دين في ذلك ولم يقبل في الحكم لأنه رجوع عما أقر به
فصل : وقول الخرقي : وستثنى شيئا بقلبه يدل بمفهومه على أنه إذا استثنى بلسانه صح ولم يقع ما استثناه وهو قول جماعة أهل العلم قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا واحدة انها تطلق طلقتين منهم الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن أبي بكر أن الاستثناء لا يؤثر في عدد الطلقات ويجوز في المطلقات فلو قال : أنت طلق ثلاثا إلا واحدة وقع الثلاث ولو قال نسائي طوالق إلا فلانه لم تطلق لأن الطلاق لا يمكن رفعه بعد إيقاعه والاستثناء يرفعه لو صح وما ذكره من التعليل باطل بما سلمه من الاستثناء في المطلقات وليس الاستثناء رفعا لما وقع إذ لو كان كذلك لما صح في المطلقات ولا الاعتاق ولا في الإقرار ولا الإخبار وإنما هو مبين أن المستثني غير مراد بالكلام فهو يمنع أن يدخل فيه ما لولاه الدخل فقوله تعالى : { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين } عاما عبارة عن تسعمائة وخمسين وقوله تعالى : { إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني } تبرؤ من غير الله فكذلك قوله أنت طالق ثلاثا إلا واحدة عبارة عن اثنين لا غير وحرف الاستثناء المستولى عليه إلا ويشبه به أسماء وأفعال وحروف فالأسماء غير وسوى والأفعال ليس ولا يكون وعدا والحروف حاشا وخلا فأي كلمة استثني بها صح الاستثناء

فصول : بطلان استثناء الأكثر من الأقل في الطلاق وحكم استثناء الاستثناء
ولا يصح استثناء الأكثر نص عليه أحمد فلو قال : أنت طالق ثلاثا لا اثنتين وقع ثلاث والأكثرون على أن ذلك جائز وقد ذكرناه في الإقرار وذكرنا أن أهل العربية إنما أجازوه في القليل من الكثير وحكينا ذلك عن جماعة من أئمة أهل اللغة فإذا قال : أنت طالق إلا واحدة وقع اثنتان وإن قال : الا ثنتين وقع ثلاث وإن قال : طلقتين إلا طلقة ففيه وجهان أحدهما : يقع طلقة والثاني : طلقتان بناء على استثناء النصف هل يصح أو لا ؟ على وجهين وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع ثلاث بغير خلاف لأن الاستثناء لرفع بعض المستثنى منه فلا يصح أن يرفع جميعه وإن قال : أنت طالق خمسا إلا ثلاثا وقع ثلاث لأن الاستثناء إن عاد إلى الخمس فقد استثنى الأكثر وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلاهما لا يصح وإن قال : خمسا ففيه وجهان أحدهما : يقع ثلاث لأن الكلام مع الاستثناء كأنه نطق بما عدا المستثني فكأنه قال : أنت طالق أربعا والثاني : يقع اثنتان ذكره القاضي لآن الاستثناء يرجع إلى ما ملكه من الطلقات وهي الثلاث وما زاد عليها يلغو وقد استثنى واحدة من الثلاث فيصح ويقع طلقتان
وإن قال أنت طالق أربعا إلا اثنين فعلى الوجه الأول يصح الاستثناء ويقع اثنتان وعلى قول القاضي ينبغي أن لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى الثلاث فيكون استثناء الأكثر
فصل : فإن قال : أنت طالق اثنتين وواحدة إلا واحدة ففيه وجهان أحدهما : لا يصح الاستثناء لأن الاستثناء يرفع الجملة الأخيرة بكمالها من غير زيادة عليها فيصير ذكرها واستثناؤها لغوا وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى الغاية وإلغاء المستثنى منه بطل كاستثناء الجميع ولأن إلغاءه وحده أولى من الغائه مع الغاء غيره ولأن الاستثناء ويقع طلقتان لأن العطف ولواو يجعل الجملتين كالجملة الواحدة فيصير مستثنيا لواحدة من ثلاث لذلك لو قال له : علي مائة وعشرون درهما إلا نمسين صح والأول أصح وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي
وإن قال : أنت طالق واحدة واثنتين إلا واحدة فعلى الوجه الثاني يصح الاستثناء وعلى الوجه الأول يخرج في صحته وجهان بناء على استثناء النصف وإن قال : أنت طالق وطالق إلا طلقة أو قال : طالق طلقتين ونصفا إلا طلقة فالحكم في ذلك كالحكم في المسألة الأولى سواء وإن كان العطف بغير واو كقوله أنت طالق فطالق فطالق أو طالق ثم طالق إلا طلقة لم يصح الاستثناء لأن هذه حرف يقتضي الترتيب وكون الطلقة الأخيرة مفردة عما فبلها فيعود الاستثناء إليها وحدها فلا يصح وإن قال : أنت طالق اثنتين واثنتين إلا اثنتين لم يصح الاستثناء لأنه إن عاد إلى الجملة التي تليه فهو رفع لجميعها وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فهو رفع لأكثرها وكلاهما لا يصح ويحتمل أن يصح بناء على أن العطف بالواو يجعل الجملتين جملة واحدة وإن استثناء النصف يصح لأنه استثنى واحدة من ثلاث واحتمل أن لا يصح لأنه إن عاد إلى الرابعة فقد بقي بعدها ثلاث وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين فهو استثناء الجميع فصل : وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان أحدهما : يلغو الاستثناء ويقع ثلاث لأن العطف يوجب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه فيصير مستثنيا لثلاث من ثلاث وهذا وجه لأصحاب الشافعي وقول أبي حنيفة والثاني : يصح الاستثناء في طلقة لأن استثناء الأقل جائز وإنما لا يصح استثناء الثانية والثالثة فيلغو وحده وقال أبو يوسف و محمد : يصح استثناء اثنتين ويلغو في الثالثة بناء على أصلهم في أن استثناء الأكثر جائز وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي وإن قال : أنت طالق طلقتين إلا طلقة وطلقة ففيه الوجهان وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا طلقة ونصف احتمل وجهين أيضا
أحدهما : يلغو الاستثناء لأن النصف يكمل فيكون مستثنيا للأكثر فيلغو
والثاني : يصح في طلقة فتقع طلقتان لما ذكرنا في التي قبلها فإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وإلا واحدة كان عاطفا على الستثناء فيصح الأول ويلغو الثاني لأننا لو صححناه لكان مستثنيا للأكثر فيقع به طلقتان ويجيء على قول من أجاز استثناء الأكثر أن يصح فيهما فتقع طلقة واحدة وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا واحدة كان مستثنيا من الواحدة المستثناة واحدة فيحتمل أن يلغو الاستثناء القاني ويصح الأول فيقع به طلقتان ويحتمل أن يقع به الثلاث لأن الاستثناء الثاني معناه إثبات طلقة في حقها لكون الاستثناء من النفي إثلاتا فيقبل ذلك في إيقاع طلاقه وإن لم يقبل في نفيه كما لو قال : أنت طالق طلقتين ونصفا وقع به ثلاث ولو قال : أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة وقع به ثلاث فكمل النصف في الإثبات ولم يكمبق في النفي
فصل : ويصح الاستثناء من الاستثناء ولا يصح منه في الطلاق إلا مسألة واحدة على اختلاف فيها وهي قوله أنت طالق ثلاثا إلا واحدة فإنه يصح إذا أجزنا استثناء النصف فيقع به طلقتان فإن قيل فكيف أجزتم استثناء الاثنين من الثلاث وهي أكثرها ؟ قلنا لأنه لم يسكت عليها بل وصلهما بأن لستثنى منها طلقة فصار عبارة عن واحدة وإن قا ل : أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنين لم يصح لأن استثنيء الاثنين من الثلاث لا يصح لأنهما أكثرها واستثناء الثلاث من الثلاث لا يصح لأنها جميعها وإن قال : ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة لم يصح ووثع ثلاث لأنه إذا استثنى واحدة من ثلاث بقي اثنتان لا يصح ايتثناؤهما من الثلاث الأولى فيقع الثلاث وذكر أبو الخطاب فيها وجها آخر أنه يثح أن الاستثناء الأول يلغو كونه استثناء الجميع فيرجع قوله إلا واحدة إلى الثلاث المثبتة فيقع منها طلقتان والأول أولى لأن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات فإذا استثنى من الثلاث المنفية طلقة كان مثبتا لها فلا يجوزجعلها من الثلاث المثبتة لأنه يكون إثباتا من إثبات ولا يصح الا ستثناء في جميع ذلك إلا متصلا بالكلام وقد ذكر في الإقرار والله أعلم

مسألة وفصل : متى حدد زمنا للطلاق وقع في أول جزء منه
مسألة : قال : وإذا قال لها أنت طالق في شهر كذا لم تطلق حتى تغيب شمس اليوم الذي يلي الشهر المشترط
وجملة ذلك أنه إذا قال : أنت طالق في شهر عينه كشهر رمضان وقع الطلاق في أول جزء من الليلة الأولى منه وذلك حين تغرب الشمس من آخر يوم من الشهر الذي قبله وهو شهر شعبان وبهذا قال أبو حنيفة وقال أبو ثور : يقع الطلاق في آ خر رمضان لأن ذلك يحتمل وقوعه في أوله وآخره فلا يقع إلا بعد زوال الاحتمال ولنا أنه جعل الشهر ظرفا للطلاق فإذا وجد ما يكون ظرفا له طلقت كما لو قال : إذا دخلت الدار فأنت طالق فإذا دخلت أول جزء منها طلقت فأما إن قال : إن لم أقضك حقك في شهر رمضان فامرأتي طالق لم تطلق حتى يخرج رمضان قبل قضائه لأنه إذا قضاه في آخر لم توجد الصفة وفي الموضعين لا يمنع من وطء زوجته قبل الحنث وقا لمالك : يمنع وكذلك كل يمين على فعل يفعله يمنع من الوطء فعله لأن الظاهر أنه على حنث لأن الحنث بترك الفعل وليس بفاعله
ولنا أن طلاقه لم يقع فلا يمنع من الوطء لأجل اليمين كما لو حلف لا فعلت كذا ولو صح ما ذكره لوجب إيقاع الطلاق
فصل : ومتى جعل زمنا ظرفا للطلاق وقع الطلاق في أول جزء منه مثل أن يقول أنت طالق اليوم أو غدا أو في سنة كذا أو شهر المحرم لما ذكرنا فإن قال : في آخره أو أوسطه أو يوم كذا منه أو في النهار دون الليل قبل منه فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين
وإن قال : أنت طالق في أول رمضان أو غرة رمضان أو في رأس شهر رمضان أو دخول شهر رمضان أو استقبال رمضان أو مجيء شهر رمضان طلقت بأول جزء منه ولم يقبل قوله أردت أوسطه أو آخر لا ظاهرا ولا باطنا لأنه لا يحتمله لفظه وإن قال : بانقضاء رمضان أو انسلاخه أو نفاده أو مضيه طلقت في آخر جزء منه وإن قال : أنت طالق في أول نهار شهر رمضان أو في أول يوم منه طلقت بطلوع فجر أول يوم منه لأن ذلك أول نهار واليوم وهذا لو يذر اعتكاف يوم أو صيام يوم لزمه من طلوع الفجر وإن قال : أنت طالق إذا كان رمضان أو إلى رمضان أو إلى هلال رمضان أو في هلال رمضان طلقت ساعة يستهل الا أن يكون نوى من الساعة إلى الهلال فتطلق في الحال وإن قال : أنت طالق في مجيء ثلاثة أيام طلقت في أول اليوم الثالث

فصول : حكم تعليق الطلاق بزمن أو صفة أو شرط ونحوه
فصل : وإذا أوقع الطلاق في زمن أو علقه بصفة يعلق بها ولم يقع حتى تأتي الصفة والزمن وهذا قول ابن عباس و عطاء و جابر بن زيد و النخعي و أبي هاشم و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد وأصحاب الرأي وقال سعيد بن المسيب و الحسن و الزهري و قتادة و يحيى الأنصاري و ربيعة و مالك : إذا علق الطلاق بصفة تأتي لا محالة كقوله أنت طالق إذا طلقت الشمس أو دخل رمضان طلقت في الحال لأن النكاح لا يكون مؤقتا بزمان ولذلك لا يجوز أن يتزوجها شهرا
ولنا أن عباس كان يقول في الرجل يقول لا مرأته أنت طالق إلى رأس السنة قال : يطأ فيما بينه وبين رأس السنة ولأنه إزالة ملك يصح تعليقه بالصفات فمتى علقه بصعة لم يقع قبلها كالعتيق فإنهم سلموه وقد احتج أحمد بقول أبي ذر إن لي إبلا يرعاها عبد لي وهو عتيق إلى الحول ولأنه تعليق للطلاق بصفة لم توجد فلم يقع كما لو قال : أنت طالق إذا قدم الحاج وليس هذا توقيتا للنكاح وإنما هو توقيت للطلاق وهذا لا يمنع كما أن النكاح لا يجوز أن يكون معلقا بشرط والطلاق يجوز فيه التعليق
فصل : ولو قال : أنت طالق إلى شهر كذا أو سنة كذا فهو كما لو قال : في شهر كذا أو سنة كذا ولا يقع الطلاق إلا في أول ذلك الوقت وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يقع في الحال لأن قوله أنت طالق إيقاع في الحال وقوله إلى شهر كذا يأقيت له وغاية وهو لا يقبل التأقيت فبطل التأقيت ووقع الطلاق
ولنا قول ابن عباس وقول أبي ذر ولأن هذا يحتمل أن يكون توقيتا لإيقاعه كقول الرجل أنا خارج إلى سنة أي بعد سنة وإذا احتمل الأمرين لم يقع الطلاق بالشك وقد يرجح ما ذكرناه من وجهين : أحدهما : أنه جعل للطلاق غاية ولا غاية لآخره وإنما الغاية لأوله
الثاني : أن ما ذكرناه عمل باليقين وما ذكروه أخذ بالشك فإن قال : أردت أنها طالق في الحال إلى سنة كذا وقع في الحال لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ ولفظه يحتمله وإن قال : أنت طالق من اليوم إلى سنة طلقت في الحال لأن من لابتداء الغاية فيقتضي أن طلاقها من اليوم فإن قال : أردت أن عقد الصفة من اليوم ووقوعه بعد سنة لم يقع إلا بعدها وإن قال أردت تكرير وقوع طلاقها من حين لفظت به إلى سنة طلقت من ساعتها ثلاثا إذا كانت مدخولا بها قال أحمد : أنت طالق من اليوم إلى سنة يريد التوكد وكثرة الطلاق فتلك طالق من ساعتها
فصل : إذا قال : أنت طالق في آخر أول الشهر طلقت في آخر أول يوم منه لأنه أوله وإن قال : في أول آخره طلقت في أول آخر يوم منه لأنه آخره وقال أبو بكر في الأولى تطلق بغروب الشمس من اليوم الخامس عشر منه وفي الثانية تطلق بدخول أول ليلة السادس عشر منه لأن الشهر نصفان أول وآخر : فآخر أوله يلي أول آخره وهذا قول أبي العباس بن شريح وقال : أكثرهم كقولنا وهو أصح فإن ما عدا اليوم الأول لا يسمى أول الشهر ويصح نفيه عنه وكذلك لا يسمى أوسط الشهر آخره ولا يفهم ذلك من إطلاق لفظه فوجب أن لا يصرف كلام الحالف إليه ولا يحمل كلامه عليه
فصل وإذا قال : إذا مضت سنة فأنت طالق أو أنت طالق إلى سنة فإن ابتداء السنة من حين حلف إلى تمام اثني عشر شهرا بالأهلة لقوله تعالى { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } فإن حلف في أو ل الشهر فإذا مضى اثنا عشر شهرا وقع طلاقه وإن حلف في اثناء شهر عدد ما بقي منه ثم حسبت بعد بالأهلة فإذا مضت أحد عشر شهرا نظرت ما بقي من الشهر الأول فكملته ثلاثين يوما لأن الشهر اسم لما بين هلالين فإن تفرق كان ثلاثين يوما وفيه وجه آخر أنه تعتبر الشهور كلها بالعدد نص عليه أحمد فيمن نذر صيام شهرين متتابعين فاعترض الأيام ؟ قال يصوم ستين يوما وإن ابتدأ من شهر فصام شه9رين فكانا ثمانية وخمسين يوما أجزأه وذلك انه لما صام نصف شهر وجب تكميله من الذي يليه فكان ابتداء الثاني من نصفه أيضا فوجب الاعتبار بها كما لو كانت يمينه في أول شهر ولا يلزم أن يتم الأول من الثاني بل يتمه من آخر الشهور وإن قال : أردت بقولي سنة إذا انسلخ ذو الحجة قبل لأنه يقر على يفسه بما هو أغلظ وإن مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة لأنه لما عرفها بلام التعريف انصرف إلى السنة المعروفة التي آخرها ذو الحجة فإن قال : أردت بالسنة اثني عشر شهرا قبل لأن السنة إسم لها حقيقة
فصل : فإن قال : أنت طالق في كل سنة طلقة فهذه صفة صحيحة لأنه يملك إيقاعه في كل سنة فإذا جعل ذلك صفة جاز ويكون ابتداء المدة عقيب يمينه لأن كل أجل ثبت بمطلق العقد ثبت عقيبه كقوله والله لا كلمتك سنة فيقع في الحال طلقة لأنه جعل السنة ظرفا للطلاق فتقع الأولى في أول جزء منها وتقع الثانية في أول الثانية والثالثة في أول الثالثة إن دخلتا عليها وهي في نكاحه لكونها لم ينقض عدتها أو ارتجعها في عدة الطلقة الأولى وعدة الثانية أو جدد نكاحها بعد أن بانت فإن انقضت عدتها فبانت منه ودخلت السنة الثانية وهي بائن لم تطلق لكونها غير زوجة فإن تزوجها في أثناءها اقتضى قول أكثر أصحابنا وقوع الطلاق عقيب تزويجه لها لأنه جزء من السنة القانية التي جعلها ظرفا للطلاق ومحلاله وكان سبيله أن تقع في أولها فمنع منه كونها غير محل الطلاق لعدم نكاحه حينئذ فإن عادت الزوجية وقع في أولها وقال القاضي : تطلق بدخوق السنة الثالثة وعلى قول التميمي ومن وافقة تنحل الصفة بوجودها في حال البينونة فلا يعود بحال وإن لم يتزوجها حتى دخلت السنة الثالثة ثم نكحها طلقت عقيب تزويجها ثم طلقت الثالثة بدخول السنة الرابعة وعلى قول القاضي لا يطلق إلا بدخول الرابعة ثم تطلق الثالثة بدخول الخامسة وعلى قول التميمي قد انحلت واختلف في مبدأ السنة الثانية فظاهر ما ذكره القاضي أن أولها بعد انقضاء اثني عشر شهرا من حين يمينه لأنه جعل ابتداء المدة حين يمينه وكذلك قال أصحاب الشافعي وقال أبو الخطاب : ابتداء السنة الثانية أول المحرم لأنها السنة المعروفة فإذا علق ما يتكرر على تكرر السنين انصرف إلى السنين المعروفة كقول الله تعالى : { أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام } وإن قال : أردت بالسنة اثنى عشرا قبل لأنها سنة حقيقة وإن قال : نويت أن ابتداء السنين أول السنة الجديدة من المحرم دين قال القاضي : ولا يقبل منه في الحكم لأنه خلاف الظاهر والأولى أن يخرج على روايتين لأنه محتمل مخالف للظاهر
فصل : إذا قال : أنت طالق إذا رأيت هلال رمضان طلقت برؤية الناس له في أول الشهر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا تطلق إلا أن يراه لأنه علق الطلاق برؤية نفسه فأشبه ما لو علقه على رؤية زيد
ولنا أن الرؤية للهلال في عرف الشرع العلم به في أول الشهر بدليل قوله عليه السلام : [ إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا ] والمراد به رؤية البعض وحصول العلم فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع كما لو قال : إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الصلاة الشرعية لا إلى الدعاء وفارق رؤية زيد فإنه لم يثبت له عرف شرعي يخالف الحقيقة وكذلك لو لم يره أحد لكن ثبت الشهر بتمام العدد طلقت لأنه قد علم طلوعه بتمام العدد وإن قال : أردت إذا رأيته بعيني قبل لأنها رؤية حقيقة وتتعلق الرؤية برؤية الهلال بعد الغروب فإن رأى قبل ذلك لك تطلق لأن هلال الشهر ما كان في أوله ولأننا جعلنا رؤية الهلال عبارة عن دخول أول الشهر ويحتمل أن تطلق برؤيته فيل الغروب لأنه يسمى رؤية والحكم متعلق به في الشرع فإن قال : أردت إذا رأيته أنا بعيني فلم يره حتى أقمر لم بطلق لأنه ليس بهلال واختلف فيما يصير به قمرا فقيل بعد ثالثة وقيل إذا استدار وقيل إذا بهر ضوؤه
فصل : قال أحمد : إذا قال لها أنت طالق ليلة القدر يعتزلها إذا دخل العشر وقبل العشر أهل المدينة يرونها في السبع عشرة إلا أن المثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في العشر الأواخر إنما أمره باجتنابها في العشر لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالتماس ليلة القدر في العشر الأواخر فيحتمل أن تكون أول ليلة منه ويمكن أن هذا منه على سبيل الاحتياط ولا يتحقق حنثه إلى آخر ليلة من الشهر لاحتمال أن تكون هي تلك الليلة
فصل : وإذا علق طلاقها على شرط مستقبل ثم قال : عجلت لك تلك الطلقة لم تتعجل لأنها معلقة بزمن مستقبل فلم يكن له إلى تغييرها سبيل وإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة وقعت بها طلقة فإذا جاء الزمن الذي علق الطلاق به وهي في حباله وقع بها الطلاق المعلق
فصل : إذا قال : أنت طالق غدا إذا قدم زيد لم تطلق حتى يقدم لأن إذا اسم زمن مستقبل فمعناه أنت طالق غدا وقت قدوم زيد وإن لم يقدم زيد في غد لم تطلق وإن قدم بعده لأنه قيد طلاقها بقدوم مقيد بصفة فلا فلا يأت وهي محل للطلاق فلم تطلق كما لو ماتت قبل دخول ذلك اليوم وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق لأنه لم يوجد الشرط إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق وقت قدومه لأن الوقت يسمى يوما قال الله تعالى : { ومن يولهم يومئذ دبره } وإن ماتت المرأة غدوة وقدم زيد ظهرا ففيه وجهان :
أحدهما نتبين أن طلاقها وقع من أول اليوم لأنه لو قال : أنت طالق يرم الجمعة طلقت من أوله فكذا إذا قال : أنت طالق يوم يقدم زيد ينبغي أن تطلق بطلوع فجره
والثاني : لا يقع الطلاق لأن شرطه قدوم زيد ولم يوجد إلا بعد موت المرأة فلم يقع بخلاف يوم الجمعة فإن شرط الطلاق مجيء يوم الجمعة وقد وجد وههنا شرطان فلا يؤخد بأحدهما والأول أولى وليس هذا شرطا إنما هو بيان للوقت الذي يقع فيه الطلاق معرفا بفعل يقع فيه فيقع في أوله كقوله : أنت طالق اليوم الذي نصلي فيه الجمعة ولو مات الزوجان قبل قدوم زيد كان الحكم كما لو ماتت المرأة ولو قال : أنت طلق في شهر رمضان إن قدم زيد فقدم فيه خرج فيه وجهان
أحدهما : لا تطلق حتى يقدم زيد لأن قدومه شرط فلا يتقدمه المشروط بدليل ما لو قال : أنت طالق أن قدم زيد فإنها لا تطلق قبل قدومه بالاتفاق وكما لو قال : إذا قدم زيد
والثاني : أنه قدم زيد تبينا وقوع الطلاق من أول الشهر قياسا على المسألة التي قبل هذه
فصل : إذا قال : أنت طالق اليوم وطالق غدا طلقت واحدة لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا وإن قال أردت أن تطلق اليوم وتطلق غدا طلقت طلقتين في اليومين وإن قال : أردت أنها تطلق في أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا لأنه جعل الزمان كله ظرفا لوقوع الطلاق فوقع في أوله وإن قال : أردت نصف طلقة اليوم ونصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل ذلك أيضا واحتمل أن لا تطلق إلا واحدة لأنه قال : نصفها كملت اليوم كلها فلم يبق لها بقية تقع غدا ولم يقع شيء غيرها لأنه ما أوقعه وذكر القاضي هذا الاحتمال أيضا في المسألة الأولى أيضا وهو مذهب الشافعي وذكر أصحابه فيها الوجهين
فصل : إذا قال : أنت طالق اليوم إذا جاء غد فاختار القاضي أن الطلاق يقع في الحال لأنه علقه بشرط محال علغا الشرط ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لطلاقها ولا بدعة : أنت طالق غد إلا بعد فوات اليوم وذهاب محل الطلاق وهو قول أصحاب الشافعي
فصل : إذا قال : أنت طالق أمس ولا نية له فظاهر كلام أحمد أن الطلاق لا يقع فروي عنه فيمن قال لزوجته أنت طالق أمس وإنما تزوجها اليوم ليس بشيء وهذا قول أبي بكر وقال القاضي في بعض كتبه يقع الطلاق وهو مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لها ولا بدعة أنت طالق للسنة أو قال أنت طالق طلقة لا تلزمك ووجه الأول أن الطلاق رفع الاستباحة ولا يمكن رفعها في الزمن الماضي فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم فإن أصحابنا لم يختلفوا في أن الطلاق لا يقع وهو قول أكثر أصحاب الشافعي وهذا طلاق في زمن ماض ولأنه علق الطلاق بمستحيل فلغا كما لو قال أنت طالق إ قلبت الحجر ذهبا وإن قال أنت طالق قبل أن أتزوجك فالحكم فيه كما لو قال أنت طالق أمس قال القاضي : ورأيت بخظ أبي بكر في جزء مفرد أنه قال إذا أنت طالق قبل أن أتزوجك طلقت ولو قال أنت طالق أمس لم يقع لأن أمس لا يمكن ونوع الطلاق فيه وقبل تزويجها متصور الوجود فإنه يمكن أن يتزوجها ثانيا وهذا الوقت قبله فوقع في الحال كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد وإن قصد بقوله أنت طالق أمس أو قبل أن أتزوجك إيقاع الطلاق في الحال مستندا إلى ذلك الزمان وقع في الحال وإن أراد الإخبار أنه كان قد طلقها هو أو زوج قبله في ذلك الزمان الذي ذكره وكان قد وجد ذلك قبل منه وإن لم يكن وجد وقع طلاقه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي : يقبل على ظاهر كلام أحمد لأنه فسره بما يحتمله ولم يشترط الوجود وإن أراد الي كنت طلقتك أمس فكذبته لزمته الطلقة وعليها العدة من يومها لأنها اعترفت أن أمس لم يكن من عدتها وإن مات ولم يبين مراده فعلى وجهين بناء على اختلاف القولين في المطلق إن قلنا لا يقع به شيء لم يلزمه ههنا شيء وإن قلنا بوقوعه ثم وقع ههنا
فصل : وإن قال لزوجته أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا أن طلاقه وقع قبل الشهر لأنه إيقاع للطلاق بعد عقده وبهذا قال الشافعي و زفر وقال أبو حنيفة وصاحباه : يقع الطلاق عند قدوم زيد لأنه جعل الشهر شرطا لوقوع الطلاق فلا يسبق الطلاق شرطه
ولنا أنه أوقع الطلاق في زمن على صفة فإذا حصلت الصفة وقع فيه كما لو قال أنت طالق قبل رمضان بشهر أو قبل موتك بشهر فإن أبا حنيفة خاصة يسلم ذلك ولا يسلم أنه جعل الشهر شرطا وليس فيه حرف شرط وإن قدم قبل مضي شهر لم يقع بغير اختلاف بين أصحابنا وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه تعليق للطلاق على صفة كان وجودها ممكنا فوجب اعتبارها وإن قدم زيد مع مضي الشهر لم تطلق لأنه لابد من جزء يقع الطلاق فيه فإن خالعها بعد تعليق طلاقها بيوم ثم قدم زيد بعد الخلع بشهر وساعة تبينا أن الخلع وقع صحيحا ولم يقع الطلاق لأنه صادفها بائنا وإن قدم بعد عقد الصفة بشهر وساعة وقع الطلاق وبطل الخلع ولها الرجوع بالعوض إلا أن يكون الطلاق رجعيا لأن الرجعية يصح خلعها وإن كانت بحالها فمات أحدهما بعد عقد الصفة بيوم ثم قدم زيد بعد شهر وساعة من حين عقد الصفة لم يرث أحدهما الآخر لأنا تبينا أن الطلاق كان قد وقع قبل موت الميت منها فلم يرثه صاحبه إلا أن يكون الطلاق رجعيا فإنه لا يقطع التوارث ما دامت في العدة فإن قدم بعد الموت بشهر وساعة تبينا أن الفرقة وقعت بالموت ولم يقع طلاق فإن قال أنت طالق قبل موتي بشهر فمات أحدهما قبل مضي شهر لم يقع طلاق لأن الطلاق لا يقع في الماضي وإن مات بعد عقد اليمين بشهر وساعة تبينا وقوع الطلاق في تلك الساعة ولم يتوارثا إلا أن يكون الطلاق رجعيا ويموت في عدتها وإن قال أنت طالق قبل موتي ولم يزد شيئا طلقت في الحال لأن ما قبل موته من حين عقد الصفة محل للطلاق فوقع في أوله وإن قال قبل موتك أو موت زيد فكذلك وإن قال أنت طالق قبل قدوم زيد أو قبل دخولك الدار فقال القاضي : تطلق في الحال سواء قدم زيد أو لم يقدم بدليل قول الله تعالى : { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها } ولم يوجد الطمس في المأمورين ولو قال لغلامه : اسقني قبل أن أضربك فسقاه في الحال عد ممتثلا وإ لم يضر به ولو قال أنت طالق قبيل موتي أو قبيل قدوم زيد لم يقع في الحال وإنما يقع ذلك في الجزء الذي يلي الموت لأن ذلك تصغير يقتضي الصفة بأولهما موتا لأن اعتباره بالثاني يفضي إلى وقوعه بعد موت الأول وأعتباره بالأول لا يفضي إلى ذلك فكان أولى

مسألة وفصول : تعليق الطلاق بالطلاق وفروع في تعليق الطلاق والاختلاف فيه
مسألة : قال : وإذا قال لها إذا طلقتك فأنت طالق فإذا طلقها لزمه اثنتان إذا كانت مدخولا بها وإن كانت غير مدخول بها لزمته واحدة
وجملة ذلك لأنه إذا قال لمدخول بها : إذا طلقتك فأنت طالق ثم أنت طالق وقعت واحدة بالمباشرة وأخرى بالصفة لأنه جعل تطليقها شرطا لوقوع طلاقها فإذا وجد الشرط وقع الطلاق وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم تقع الثانية لأنها لا عدة عليها ولا تمكن رجعتها فلا يقع طلاقها إلا بائنا فلا يقع الطلاق ببائن
فصل : فإن قال : عنيت بقولي هذا انك تكونين طالقا بما أوقعته عليه ولم أرد إيقاع طلاق سوى ما باشرتك به دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين إحدهما : لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف الظاهر إن هذا تعليق للطلاق بشرط الطلاق ولأن أخباره إياها بوقوع طلاقه بها لا فائدة فيه والوجه الثاني : يقبل قوله لأنه يحتمل ما قاله فقبل كما لو قال لها أنت طالق أنت طالق وقال : أردت بالثاني التأكيد أو إفهامها
فصل : فإن قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم علق طلاقها بشرط مثل قوله إن خرجت فانت طالق فخرجت طلقت بخروجها ثم طلقت بالصفة أخرى لأنه قد طلقها بعد عقد الصفة ولو قال أولا إن خرجت فأنت طالق ثم قال إن طلقتك فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج ولم تطلق بتعليق الطلاق بطلاقها لأنه لم يطلقها بعد ذلك ولم يحدث عليها طلاقا لأن إيقاعه الطلاق بالخروج كان قبل تعليقه الطلاق بتطليقها فلم توجد الصفة فلم يقع وإن قال : إن خرجت فأنت طالق ثم قال : إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج ثم تطلق الثانية بوقوع الطلاق عليها إن كانت مدخولا بها
فصل : وإن قال لها : كلما طلقت فأنت طالق فهذا حرف يقتضي التكرار فإذا قال لها بعد ذلك أنت طالق وقع بها طلقتان إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة ولا تقع ثالثة لأن الثانية لم تقع بإقاعه بعد عقد الصفة لأن قوله كلما طلقتك يقتضي كلما أوقعت عليك الطلاق وهذا يقتضي تجديد إيقاع طلاق بعد هذا القول وإنما وقعت الثانية بهذا القول وإن قال لها : بعد عقد الصفة إن خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج طلقة وبالصفة أخرى لأنه قد طلقها ولم تقع الثالثة وإن قال لها : كلما أوقعت عليك طلاقا فأنت طالق فهو بمنزلة قوله كلما طلقتك فأنت طالق وذكر القاضي في هذه أنه إذا وقع عليها طلاقه بصفة عقدها بعد قوله إذا أوقعت عليه طلاقا فأنت طالق لم تطلق لأن ذلك ليس بإيقاع منه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وفيه نظر فإنه قد أوقع الطلاق عليها بشرط فإذا وجد الشرط فهو الموقع للطلاق عليها فلا فرق بين هذا وبين قوله إذا طلقتك فأنت طالق وإن قال كلما وقع عليه طلاقي فأنت طالق ثم وقعت عليها طلقة بالمباشرة او بصفة عقدها قبل ذلك أو بعده طلقت لثلاثا فلو قال لها : إن خرجت فأنت طالق ثم قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم خرجت وقعت عليها طلقة بالخروج ثم وقعت الثانية بوقوع الأولى ثم وقعت الثالثة بوقوع الثانية لن كلما تقتضي التكرار وقد عقد الصفة بوقوع الطلاق فكيفما وقع يقتضي وقوع أخرى ولو قال لها إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت ثلاثا واحدة بالمباشرة واثنتين بالصفتين لأن تطليقه لها يشتمل على الصفتين هو تطليق منه وهو وقوع طلاقه ولأنه إذا قال أنت طالق طلقت بالمباشرة واحدة فتطلق الثانية بكونه طلقها وذلك طلاق منه واقع عليها فتطلق به الثالثة وهذا كله في المدخول بها فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا واحدة في جميع هذا وهذا كله مذهب الشافعي و أصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا
فصل : فإن قال كلما طلقتك طلاقا أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت اثنتين إحداهما : بالمباشرة والأخرى : بالصفة إلا أن تكون الطلقة بعوض أو في غير مدخول بها فلا تقع بها ثانية لأنها تبين بالطلقة التي باشرها بها فلا يملك رجعتها فإن طلقها اثنتين طلقت الثالثة وقال أبو بكر : قيل تطلق وقيل لا تطلق واختياري أنها تطلق وقال أصحاب الشافعي لا تطلق الثالثة لأنا لو أوقعناها لم يملك الرجعة ولم يوجد شرط طلاقها فيفضي ذلك إلى الدور فبقطعه يمنع وقوعه
ولنا أنه طلاق لم يكمل به العدد بغير عوض في مدخول بها فيقع بها التي بعدها كالأولى فامتناع الرجعة ههنا لعجزه عنها لا لعدم الملك كما لو طلقها واحدة وأغمي عليه عقيبها فإن الثانية تقع وإن امتنعت الرجعة لعجزه عنها وإن كان الطلاق بعوض أو في غير مدخول بها لم يقع بها إلا الطلقة التي باشرها بها لأنه لا يملك رجعتها وإن قال : كلما وقع عليك طلاق أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم وقع عليها طلقة بمباشرة أو صفة طلقت ثلاثا وعندهم لا تطلق لما ذكرناه في التي قبلها ولو قال لامرأته إذا طلقتك طلاقا أملك فيه الرجعة فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها طلقت ثلاثا وقال المزني : لا تطلق وهو قياس قول أصحاب الشافعي لما تقدم
فصل : وإن قال لزوجته إذا طلقتك أو إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فلا نص فيها وقال القاضي : تطلق ثلاثا واحدة بالمباشرة واثنتان من المعلق وهو قياس قول الشافعي وقول بعض أصحابه وقال ابن عقيل : تطلق واحدة بالمباشرة ويلغو المعلق لأنه طلاق في زمن ماض فلا يتصور وقوع الطلاق فيه وهو قياس نص أحمد وأبو بكر في أن الطلاق لا يقع في زمن ماض وبه قال أبو العباس ابن القاضي من أصحاب الشافعي وقال أبو العباس بن شريح وبعض الشافعية : لا تطلق أبدا لأن وقوع الواحدة يقتضي وقوع ثلاث قبلها وذلك يمنع وقوعها فاثباتها يؤدي إلى نفيها فلا تثبت ولأن إيقاعها يفضي إلى الدور لأنها إذا وقعت وقع قبلها ثلاث فيمتنع وقوعها وما أفضى إلى الدور وجب قطعه من أصله
ولنا أنه طلاق من مكلف مختار في محل لنكاح صحيح فيجب أن يقع كما لو لم يعقد هذه الصفة ولأن عمومات النصوص تقتضي عموم وقوع الطلاق مثل قوله سبحانه : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وقوله سبحانه : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وكذلك سائر النصوص ولأن الله تعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به وما ذكروه يمنعه بالكلية ويبطل شرعيته فتفود مصلحته فلا يجوز ذلك بمجرد االرأي والتحكم وما ذكروه غير مسلم فإنا إن قلنا لا يقع الطلاق المعلن فله وجه لأنه أوقعه في زمن ماض ولا يمكن وقوعه في الماضي فلم يقع كما لو قال أنت طالق طالق قبل قدوم زيد بيوم فقدم في اليوم ولأنه جعل الطلقة الواقعة شرطا لوقوع الثلاث ولا يوجد المشروط قبل شرطه فعلى هذا يمتنع وقوع الطلقة المباشرة ولا يفضي إلى دور غيره إن قلنا بوقوع الثلاث فوجهه أنه وصف الطلاق المعلق بما يستحيل وصفه به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال أنت طالق طلقة لا تنقص عدد طلاقك أو لا تلزمك أو قال للآيسة : أنت طالق للسنة أو قال : للبدعة وبيان استحالته أن تعليقه بالشرط يقتضي وقوعه بعده لأن الشرط يتقدم مشروطه ولذلك لو أطلق لوقع بعده وتعقيبه بالفاء فؤ قوله فأنت طالق يقتضي كونه عقبيه وكون الطلاق المعلق بعده قبله محال فلا يصح الوصف به فلغت الصفة الصفة ووقع الطلاق كما لو قال إذا طلقتك فأنت طالق ثلاثا لا تلزمك ثم يبطل كا ذكروه بقوله إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد ما يفسخ نكاحها من رضاع أو وردة أو وطء أمها أو ابنتها بشبهة فإنه يرد عليه ما ذكروه ولا خلاف في انفساخ النكاح قال القاضي : ما ذكروه ذريعة إلى أن يقع عليها الطلاق جملة وإن قال أنت طالق ثلاثا قبيل وقوع طلاقي بك واحدة او قال أنت طالق اليوم ثلاثا إن طلقتك غدا واحدة فالكلام عليها من وجه آخر وهو وارد على المسألتين جميعا وذلك أن الطلقة الموقعة يقتضي وقوعها ما لا يتصور وقوعها معه فيجب أن يقضي بوقوع الطلقة الموقعة دون ما تعلق بها لأن ما تعلق بها تابع ولا يجوز إبطال المتبوع لامتناع حصول التبع فيبطل التابع وحده كما لو قال في مرضه إذا أعتقت سالما فغانم حر ولم يخرج من ثلثه إلا أحدهما فإن سالما يعتق وحده ولا يقرع بينهما لأن ذلك ربما أدى إلى عتق المشروط دون الشرط وذلك غي جائز ولا فرق بين أن يقول فغانم حر قبله أو معه أو بعده أو تطلق كذا ههنا
فصل : اختلف أصحابنا في الحلف بالطلاق فقال القاضي في الجامع و أبو الخطاب هو تعليقه على شرط أي شرط كان إلا قوله إذا شئت فانت طالق ونحوه فإنه تمليك وإذا حضت فأنت طالق فإنه طلاق بدعة وإذا طهرت فأنت طالق فإنه طلاق سنة وهذا قول أبي حنيفة لأن ذلك يسمى حلفا عرفا فيتعلق الحكم به كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ولأن في الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون الجواب فاأشبه قوله والله وبالله وتالله وقال القاضي في المجرد هو تعليقه على شرط يقصد به الحث على الفعل أو المنع منه كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق وإن لم تدخلي فأنت طالق أو على تصديق خبره مثل قوله أنت طالق لقد قدم زيد أو لم يقدم فأما التعليق على غير ذلك كقوله أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج أو إن لم يقدم السلطان فهو شرط محض ليس يحلف لأن حقيقة الحلف القسم وإنما سمي تعليق الطلاق على شرط حلفا تجوزا لمشاركته الحلف في المعنى المشهور وهو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر نحو قوله والله لأفعلن او لا أفعل أو لقد فعلت أو لم أفعل وما لم يوجد فيه هذا المعنى لا يصح تسميته حلفا وهذا مذهب الشافعي فإذا قال لزوجته إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال : إذا طلعت الشمس فأنت طالق لم تطلق في الحال على القول الثاني لأنه ليس بحلف وتطلق على الأول لأنه حلف وإن قال : كلما كلمت أباك فانت طالق طلقت على القولين جميعا لأنه علق طلاقها على شرط يمكن فعله وتركه فكان حلفا كما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق وإن قال : إن حلفت بطلاقك فانت طالق وينعقد شرط طلقة أخرى وبهذا قال الشافعي و أصحاب الرأي وقال أبو ثور : ليس ذلك بحلف ولا يقع الطلاق بتكراره لأنه تكرار للكلام فيكون تأكيدا لا حلفا
ولنا أنه تعليق للطلاق على شرط يمكن فعله وتركه فكان حلفا كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ولوه إنه تكرار للكلام حجة عليه فإن تكرار الشيء عبارة عن وجوده مرة أخرى فإذا كان في الأول حلفا فوجد مرة أخرى فقد وجد الحلف مرة أخرى وأما التأكيد فإنما يحمل عليه الكلام المكرر إذا قصده وههنا إن قصد إفهامها لم يقع بالثاني شيء كما لو قال أنت طالق يعني بالثانية إفهامها فأما إن كر ذلك لغير مدخول بها بانت بطلقة ولم يقع أكثر منها فإذا قال لها ذلك ثلاثا بانت بالمرة الثانية ولم تطلق بالثالثة فإن جدد نكاحها ثم أعاد ذلك لها أو قال لها إن تكلمت فأنت طالق أو نحو ذلك لم تطلق بذلك لأن شرط طلاقها انما كان بعد بينونتها
فصل : وإن قال لامرأتيه : كلما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم أعاد ذلك ثلاثا طلقت كل واحدة منهما ثلاثا لما ذكرنا فإن كانت إحداهما غير مدخول بها بانت بالمرة الثانية فإذا أعاده مرة ثالثة لم تطلق واحدة منهما لأن غير المدخول بها بائن فلم تكن إعادة هذا القول حلفا بطلاقها وهي غير زوجته فلم يوجد الشرط فإن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما جميعا فإن جدد النكاح البائن ثم قال لها : إن تكلمت فأنت طالق فقد قيل يطلقان حينئذ لأنه صار بهذا حالفا بطلاقها وقد حلف بطلاق المدخول بها بإعادة قوله في المرة الثالثة بائن فلم تنعقد الصفة بالإضافة إليها كما لو قال لأجنبية : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم تزوجها وحلف بطلاقها ولكن تطلق المدخول بها حينئذ لأنه قد حلف بطلاقها في المرة الثالثة وحلف بطلاق هذه حينئذ فكمل شرط طلاقها فطلقت وحدها
فصل فإن كانت له امرأتان حفصة وعمرة فقال إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق ثم أعاده لم تطلق واحدة منهما لأن هذا حلف بطلاق عمرة وحدها فلم يوجد الحلف بطلاقهما وإن قال : بعد ذلك إن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت عمرة لأنه حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقها على الحلف بطلاقهما ولم تطلق حفصة لأنه ما حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقها عليه فإن قال بعد هذا إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه لم يحلف بطلاقهما إنما حلف بطلاق عمرة وحدها فإن قال بعد هذا إن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت حفصة وعلى هذا القياس
فصل : وإن قال لاحداهما : إن حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك طلقت الثانية لأن اعادته للثانية هو حلف بطلاق الأولى وذلك شرط الثانية ثم إن أعاد للأولى طلقت ثم كلما أعاده على هذا الوجه لامرأة طلقت حتى يكمل للثانية ثلاث ثم أعاده للأولى لم تطلق لأن الثانية قد بانت منه فلم يكن ذلك حلفا بطلاقها ولو قال هذا القول لامرأة ثم أعاده لها لم تطلق به واحدة منهما لأن ذلك ليس بحلف بطلاقها إنما هو حلف بطلاق ضرتها ولم يعلق على ذلك طلاقا وإن قال للأولى إن حلفت بطلاق ضرتك فانت طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك طلقت الأولى لأن قوله للثانية حلف بطلاقها وشرط لوقوع الطلاق بالأولى ثم إن أعاده للأولى طلقت الثانية ثم كلما اعاده لامرأة منهما على هذا الوجه طلقت الأخرى فغن كان إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة بانت ولم تطلق صاحبتها باعادة ذلك لها لأنه ليس بحلف بطلاقها لكونها بائنا فهي كسائر الأجنبيات وإن قال لإحداهما : إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك لم تطلق واحدة منهما ثم إن أعاد ذلك لاحداهما طلقت الأخرى ثم إن أعاده للأخرى طلقت صاحبتها ثم كلما أعاده لامرأة طلقت الأخرى إلا أن تكون إحداهما غير مدخول بها أو لم يبق من طلاقها إلا دون الثلاث فإنها إذا بانت صارت كالأجنبية ولو قال ذلك لامرأته ابتداء ثم أعاده لها طلقت ضرتها بكل إعادة مرة حتى تكمل الثلاث وإن قال لامرأة إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق طلقت في الحال ثم إن قال للأولى مثل ما قال لها أو قال للثانية مثل ما قال لها طلقت الثانية وكذلك الثالثة ولا يقع بالأولى بهذا طلاق لأن الحالف في الموضعين إنما هو بطلاق الثانية
ولو قال للأولى : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال للثانية : إن حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق طلقت الأولى ثم متى أعاد أحد هذين الشرطين مرة أخرى طلقت الأولى مرة ثانية وكذلك الثالثة ولا يقع بالثانية بهذا طلاق ولو قال إحداهما : إذا حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قل للأخرة إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه في الموضعين علق طلاق الثانية على الحلف بطلاق الأولى ولم يحلف بطلاقها ولو أعاد ذلك لهما لم يقع طلاق بواحدة منهما وسواء تقدم القول للثانية على القول للأولى أو تأخر عنه
فصل : وإن كان له ثلاث نسوة فقال إن حلف بطلاق زينب فعمرة طالق ثم قال إن حلفت بطلاق عمرة فحفصة طالق ثم قال إن حلفت بطلاق حفصة فزينب طالق طلقت عمرة وإن جعل مكان زينب عمرة طلقت حفصة ثم متى أعاده بعد ذلك طلقت منهن واحدة على الوجه الذي ذكرناه وإن قال إن حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق ثم قال إن حلفت بطلاق عمرة فنسائي طوالق ثم قال إن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق طلقت كل واحدة منهن طلقتين لأنه لما قال إن حلفت بطلاق عمرة فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق زينب بعد تعليقه طلاق نسائه على الحلف بطلاقها فطلقت كل واحدة منهن طلقة ولما قال إن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق عمرة وزينب فطلقت كل واحدة منهن طلقة بحلفه بطلاق عمرة ولم يقع بحلفه بطلاق زينب شيء لأنه قد حنث به مرة فلا يحنث ثانية ولو كان مكان قوله إن كلما طلقت كل واحدة منهن ثلاثا لأن كلما تقتضي التكرار
ولو قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك مرة ثانية طلقن ثلاثا ثلاثا لأنه بإعادته حالف بطلاق كل واحدة منهن وحلفه بطلاق كل واحدة شرط لطلاقهن جميعا وإن قال إن حلفت بطلاق واحدة منكن فانتن طوالق ثم اعاد ذلك كل واحدة منهن طلقة لأن إن لا تقتضي التكرار وإن قال بعد ذلك لإحداهن إن قمت فأنت طالق طلقت كل واحدة منهن طلقة أخرى ولو قال : كلما حلفت بطلاقكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك طلقت كل واحدة طلقة وإن قال بعد ذلك لإحداهن إن قمت فأنت طالق لم تطلق واحدة منهن وإن قال ذلك للأثنتين الباقيتين طلق الجميع طلقة طلقة

فصول : استعمال الطلاق والعتاق استعمال القسم
فصل : وإن قال لزوجته إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال إن حلفت بطلاقك فعبدي حر طلقت ثم إن قال لعبده : إن حلفت بعتقك فامرأتي طالق عتق العبد وإن قال له : إن حلفت بطلاق امرأتي فأنت حر ثم قال لها : إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق عتق العبد ولو قال لعبده إن حلفت بعتقك فأنت حر ثم أعاد ذلك عتق العبد
فصل : وقد استعمل الطلاق والعتاق استعمال القسم جوابا له فإذا قال أنت طالق لأقومن وقام لم تطلق زوجته فإن لم يقم في الوقت الذي عينه حنث هذا قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن المسيب و الحسن و عطاء و سعيد بن جبير و الشعبي و الثوري و أصحاب الرأي وقال شريح : يقع طلاقه وإن قام لأنه طلق طلاقا غير معلق بشرط فوقع كما لو لم يقم
ولنا أنه حلف ابن عبد البر فيه فلم يحنث كما لو حلف بالله تعالى وإن قال أنت طالق إن أخاك لعاقل وكان أخوها عاقلا لم يحنث وإن لم يكن عاقلا حنث كما لو قال والله إن أخاك لعاقل وإن شك في عقله لم يقع الطلاق لأن الأصل بقاء النكاح فلا يزول بالشك وإن قال أنت طالق لا أكلت هذا الرغيف فأكله حنث وإلا فلا وإن قال أنت طالق ما أكلته وكان صادقا لم يحنث وإن كان كاذبا حنث كما لو قال والله ما اكلته وإن قال أنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقا لم تطلق وإن كان كاذبا طلقت ولو قال : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق لأكرمنك طلقت في الحال ولو قال إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال عبدي حر لأقومن طلقت المرأة وإن قال إن حلفت بطلاق امرأتي فعبدي حر ثم قال أنت طالق لقد صمت أمس عتق العبد

فصول : تعليق طلاق امرأة على طلاق اخرى وعلى صفات مجتمعات
فصل : وإن قال إن طلقت حفصة فعمرة طالق ثم قال إن طلقت عمرة فحفصة طالق ثم طلق حفصة طلقتا معا حفصة بالمباشرة وعمرة بالصفة ولم تزد كل واحدة منهما على طلقة وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة لأنه إذا طلق حفصة طلقت عمرة بالصفة لكونه علق طلاقها على طلاق حفصة ولم يعد على حفصة طلاق آخر لأنه ما أحدث في عمرة طلاقا إنما طلقت بالصفة السابقة على تعليقه طلاقها وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت حفصة لكون طلاقها معلقا على طلاق عمرة ووقوع الطلاق بها تطليق منه لها لأنه أحدث فيها طلاقا بتعلقه طلاقها على تطليق عمرة بعد قوله إن طلقت حفصة فعمرة طالق ومتى وجد التعليق والوقوع معا فهو تطليق فإن وجدا معا بعد تعليق الطلاق بطلاقها وقع الطلاق المعلق بطلاقها وطلاق عمرة ههنا معلق بطلاقها فوجب القول بوقوعه ولو قال لعمرة : كلما طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال لحفصة : كلما طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة : أنت طلق طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة وإن طلق حفصة ابتداء لم يقع بكل واحدة منهما إلا طلقة لأن هذه المسألة كالتي قبلها سواء فإنه بدأ بتعليق طلاق عمرة على تطليق حفصة ثم ثنى بتعليق طلاق حفصة على تطليق عمرة ولو قال لعمرة إن طلقتك فحفصة طالق ثم قال لحفصة إن طلقتك فعمرة طالق ثم طلق حفصة طلقت طلقتين وطلقت عمرة طلقة وإن طلق عمرة كل واحد منهما طلقة لأنها عكس التي قبلها ذكر هاتين المسألأتين القاضي في المجرد ولو قال لإحدى زوجتيه كلما طلقت ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت طلقتين وطلقت الثانية طلقة وإن طلق الثانية طلقت طلقتين وطلقت الأولى طلقة وإن قال كلما طلقتك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت كل واحدة منهما طلقة طلقة وإن طلق الثانية طلقت طلقتين وطلقت الأولى طلقة وتعليل ذلك على ما ذكرنا في المسألة الأولى
فصل : وإن كان له ثلاث فقال إن طلقت زينب فعمرة طالق وإن طلقت عمرة فحفصة طالق وإن طلقت حفصة فزينب طالق ثم طلق زينب طلقت عمرة ولم تطلق حفصة لأنه ما أحدث في عمرة طلاقا بعد تعليق طلاق حفصة بتطليقها وإنما طلقت بالصفة السابقة على ذلك فيكون وقوعا للطلاق وليس بتطليق وإن طلق عمرة طلقت حفصة ولم تطلق حفصة ولم تطلق زينب لذلك وإن طلق حفصة طلقت زينب ثم طلقت عمرة فيقع الطلاق بالثلاث لأنه أحدث في زيبنب طلاقا بعد تعليقه طلاق عمرة بطلاقها فإنه علق طلاقها بعد ذلك على تطليق حفصة ثم طلق حفصة والتعليق مع تحقق شرطه تطليق وقد وجد التعليق وشرطه معا بعد تعليقه طلاق عمرة بتطليقها فكان وقوع الطلاق بزينب تطليقا فطلقت به عمرة بخلاف غيرها وإن قال لزينب إن طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة إن طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال لحفصة إن طلقت زينب فأنت طالق ثم طلق زينب طلقت الثلاث زينب بالمباشرة وحفصة بالصفة ووقوع الطلاق بحفصة تطليق لها وتطليقها شرط طلاق عمرة فتطلق به أيضا والدليل على أنه تطليق لحفصة أنه أحدث فيها طلاقا بتعليقه طلاقها على تطليق زينب بعد طلاق عمرة بتطليقها وتحقق شرطه والتعليق مع شرطه تطليق وقد وجدا معا بعد جعل تطليقها صفة لطلاق عمرة وإن طلق عمرة طلقت هي وزينب ولم تطلق حفصة وإن طلق حفصة طلقت هي وعمرة ولم تطلق زينب لما ذكرنا في المسألة التي قبلها وإن قال لزينب إن طلقتك فضرتاك طالقتان ثم قال لعمرة مثل ذلك ثم قال لحفصة مثل ذلك ثم طلق زينب طلقت كل واحدة منهن طلقة واحدة لأنه لم يحدث في غير زينب طلاقا إنما طلقتا بالصفة السابقة على تعليق الطلاق بتطليقهما وإن طلق عمرة طلقت زينب طلقة وطلقت عمرة وحفصة كل واحدة منهما طلقتين لأن عمرة طلقت واحدة بالمباشرة وطلقت زينب وحفصة بطلاقها واحدة واحدة وطلاق زينب تطليق لها لأنه وقع بها بصفة أحدثها بعد تعليق طلاقهما بتطليقها فعاد على عمرة وحفصة بذلك طلقتان ولم يعد على زينب بطلاقهما طلاق لما تقدم وإن طلق حفصة طلقت ثلاثا لأنها طلقت واحدة بالمباشرة فطلقت بها ضرتاها ووقوع الطلاق بكل واحدة منهما تطليق لأنه بصفة أحدثها فيهما بعد تعليق طلاقها بطلاقهما فعاد عليها من طلاق كل واحدة منهما طلقة فكمل لها ثلاث وطلقت عمرة طلقتين واحدة بتطليق حفصة وأخرى بوقوع الطلاق على زينب لأنه تطليق لزينب لما ذكرناه وطلقت زينب واحدة لأن طلاق ضرتيها بالصفة ليس بتطليق في حقها وإن قال لكل واحدة منهن كلما طلقت إحدى ضرتيك فأنت طالق ثم طلق الأولى طلقت ثلاثا وطلقت الثانية طلقتين والثالثة طلقة واحدة لأن تطليقه للأولى شرط لطلاق ضرتيها ووقوع الطلاق بهما تطليق بالنسبة إليهما لكونه واقعا بصفة أحدثها بعد تعليق طلاقها بطلاقها فعاد عليها من تطليق كل واحدة منهما طلقة فكمل لها الثلاث وعاد على الثانية من طلاق الثالثة طلقة ثانية لذلك ولم يعد على الثالثة من طلاقهما الواقع بالصفة شيء لأنه ليس بتطليق في حقها وإن طلق الثانية طلقت أيضا طلقتين وطلقت الأولى ثلاثا والثالثة طلقة وإن طلق الثالثة طلقت الأولى طلقتين وطلقت كل واحدة من الباقيتين طلقة طلقة
فصل : ولو قال لامرأته إن طلقتك فعبدي حر ثم قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق فقام طلقت المرأة وعتق العبد ولو قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق ثم قال لامرأته إن طلقتك فعبدي حر فقام العبد طلقت المرأة ولم يعتق العبد لأن وقوع الطلاق بالصفة إنما يكون تطليقا مع وجود الصفة ففي االصورة الأولى وجدت الصفة والوقوع بعد قوله إن طلقتك فعبدي حر وفي الصورة الأخرى لم يوجد بعد ذلك إلا الوقوع وحده فكانت الصفة سابقة فلذلك لم يعتق العبد ولو قال لعبده إن أعتقتك فامرأتي طالق ثم قال لامرأته إن حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لعبده إن لم أضربك فامرأتي طالق عتق العبد وطلقت المرأة
فصل : ومتى علق الطلاق على صفات فاجتمعن في شيء واحد وقع بكل صفة ما علق عليها كما لو وجدت مفترقة وكذلك العتاق فلو قال لامرأته إن كلمت رجلا فأنت طالق وإن كلمت طويلا فأنت طالق وإن كلمت أسود فأنت طالق فكلمت رجلا أسود طويلا طلقت ثلاثا وإن قال إن ولدت بنتا فأنت طالق وإن ولدت سوداء فأنت طالق وإن ولدت ولدا فأنت طالق فولدت بنتا سوداء طلقت ثلاثا وإن قال إن أكلت رمانة فأنت طالق وإن أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت طلقتين وإن قال كلما أكلت رمانة فأنت طالق وكلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثا لأن كلما تقتضي التكرار وفي الرمانة نصفان فتطلق بأكلهما طلقتين وبأكل الرمانة طلقة فإن نوى بقوله نصف رمانة نصفا مفردا عن الرمانة المشروطة أو كانت مع الكلام قرينة تقتضي ذلك لم يحنث حتى تأكل ما نوى تعليق الطلاق به لأن مبنى الايمان على النية
فصل : فإن قال إن دخل الدار رجل فعبد من عبيدي حر وإن دخلها طويل فعبدان حران وإن دخلها أسود فثلاثة أعبد أحرار وإن دخلها فقيه فأربعة أعبد أحرار فدخلها فقيه طويل أسود عتق من عبيده عشرة وإن كان له أربع نسوة فقال إن طلقت امرأة منكن فعبد من عبيدي حر وإن طلقت اثنتين فعبدان حران وإن طلقت ثلاثة فثلاثة أحرار وإن طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلق طلقت اثنتين فعبدان حران وإن طلقت ثلاثة فثلاثة أحرار وإن طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلق الأربع مجتمعات أو متفرقات عتق من عبيده عشرة بالواحدة واحد وبالإثنتين اثنان وبالثلاث ثلاثة وبالأربع أربعة لاجتماع هذه الصفات الأربع فيهن ولو علق دلك بلفظه كلما فقد قيل يعتق عشرة أيضا والصحيح أنه يعتق خمسة عشر عبدا لأن فيهن أربعة صفات هن أربع فيعتق أربعة وهن أربعة آحاد فيعتق بذلك أربعة وفيهن ثلاث فيعتق بهن ثلاثة وإن شئت قلت يعتق بالواحدة واحد وبالثانية ثلاثة لأن فيها صفتين هي واحدة وهي مع الأولى اثنتان ويعتق بالثالثة أربعة لأنها واحدة وهي مع الولى والثانية ثلاث ويعتق بالرابعة سبعة لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة وهي مع الثالثة اثنتان وهي مع الثلاث التي قبلها أربع وهذا أولى من الأول لأن قائله لا يعتبر صفة طلاق الواحدة في غير الأولى ولا صفة التثنية في الثالثة والرابعة ولفظ كلما يقتضي التكرار فيجب تكرار الطلاق بتكرر الصفات وقيل يعتق سبعة عشر لأن صفة التثنية قد وجدت ثلاث مرات فإنها توجد بضم الثانية إلى الثالثة وقيل يعتق عشرون وهو قول أبي حنيفة لأن صفة الثلاث وجدت مرة ثانية بضم الثانية إلى الرابعة وكلا القولين غير سديد لأنهم عدوا الثانية مع الأولى في صفة التثنية مرة ثم عدوها مع الثالثة مرة أخرة وعدوا الثانية والثالثة في صفة التثليث مرتين مرة مع الأولى ومرة مع الرابعة وما عد في صفة مرة لا يجوز عده في تلك الصفة مرة أخرى ولذلك لو قال كلما أكلت نصف رمانة فانت طالق فأكلت رمانة لم تطلق إلا اثنتين لأن الرمانة نصفان ولا يقال إنها تطلق ثالثة بأن يضم الربع الثاني إلى الربع الثالث فيصيران نصفا ثالثا وكذلك في مسألتنا لم تضم الأولى إلى الرابعة فيصيران اثنتين وعلى سياق هذا القول ينبغي أن يعتق اثنان وثلاثون واحد بطلاق واحدة وثلاثة بطلاق الثانية وثمانية بطلاق الثالثة لأنها واحدة وهي ما قبلها ثلاثة وهي مع ضمها إلى الأولى اثنتان ومع ضمها إلى الثانية اثنتان ففيها صفة التثنية مرتان ويعتق بطلاق الرابعة عشرون لأن فيها ثماني صفات هي واحدة وهي مع ما قبلها أربع وفيها صفة التثليث ثلاث مرات هي مع الأولى والثانية ثلاث ومع الثانية والثالثة ثلاث ومع الأولى والثالثة ثلاث فيعتق بذلك تسعة وفيها صفة التثنية ثلاث مرات هي مع الأولى اثنتان وهي مع الثانية اثنتان وهي مع الثالثة اثنتان فيعتق بذلك ستة ويصير الجميع اثنتين وثلاثين وما نعلم بهذا قائلا وهذا مع الإطلاق
فأما إذا نوى بلفظه غير ما يقتضيه الإطلاق مثل أن ينوي بقوله اثنتين غير الواحدة فيمينه على ما نواه ومتى لم يعين العبيد المعتقين أخرجوا بالقرعة ولو قال كلما أعتقت عبدا من عبيدي فامرأة من نسائي طالق وكلما أعتقت اثنتين فامرأتان طالقتان ثم أعتق اثنتين طلق الأربع على القول الصحيح وعلى القول الأول يطلق ثلاث ويخرجن بالقرعة ولو قال كلما اعتقت عبدا من عبيدي فجارية من جواري حرة وكلما أعتقت اثنين فجاريتان حرتان وكلما أعتقت ثلاثة أحرار وكلما أعتقت أربعة فأربع أحرارا ثم أعتق أربعة عتق من جواريه بعدد ما طلق من النساء على ما ذكرنا وإمن أعتق خمسا فعلى القول الأول يعتق من جواريه هنا خمس عشرة وعلى القول الثاني يعتق إحدى وعشرون لأن عتق الخامس عتق به ست لكونه واحدا وهو مع ما قبله خمسة ولم يمكن عده في سائر الصفات لأن ما قبله قد عد في ذلك مرة فلا يعد ثانية

مسألة وفصلان : حكم لو قال إن لم أطلقك فأنت طالق فلا يمنع من وطئها وإذا ماتت لم يرثها
مسألة : قال : وإذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا ولم يطلقها حتى مات أو ماتت وقع الطلاق بها في آخر أوقات الإمكان
وجملة ذلك أن حرف إن موضوع للشرط لا يقتضي زمنا ولا يدل عليه إلا من حيث أن الفعل المعلق به من ضرورته الزمان وما حصل ضرورة لا يتقيد بزمن معين ولا يقتضي تعجيلا فما علق عليه كان على التراخي سواء في ذلك الإثبات والنفي فعلى هذا إذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا ولم يطلقها كان ذلك على التراخي ولم يحنث بتأخيره لأن كل وقت يمكن أن يفعل ما حلف عليه فلم يفت الوقت فإذا مات أحدهما علمنا حنثه حينئذ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما فتبين أنه وقع إذ لم يبق من حياته ما يتسع لتطليقها وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي : ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا ولو قال إن لم أطلق عمرة فحفصة طالق فأي الثلاثة مات أولا وقع الطلاق قبل موته لأن تطليقه لحفصة على وجه تنحل به يمينه إنما يكون في حياتهم جميعا وكذلك لو قال إن لم أعتق عبدي أو إن لم أضربه فامرأتي طالق وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم موتا فأما أن عين وقتا بلفظه أو بنيته تعين وتعلقت يمينه به
قال أحمد رحمه الله : إذا قال إن لم أضرب فلانا فأنت طالق ثلاثا فهو على ما أراد من ذلك وذلك لأن الزمان المحلوف على ترك الفعل فيه تعين بينته وإرادته فصار كالمصرح به في لفظه فإن مبنى الإيمان على النية لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما لامرئ ما نوى ]
فصل : ولا يمنع من وطء زوجته قبل فعل ما حلف عليه وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و يحيى الأنصاري و ربيعة و مالك و أبو عبيد : لا يطأ حتى يفعل لأن الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق وروى الأثرم عن أحمد مثل ذلك وقال الأنصاري و ربيعة و مالك يضرب له أجل المولي كما لو حلف أن لا يطأها
ولنا أنه نكاح صحيح لم يقع فيه طلاق ولا غيره من أسباب التحريم فحل له الوطء فيه كما لو قال إن طلقتك فأنت طالق وقولهم الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق قلنا هذا الأصل لم يقتض وقوع الطلاق فلم يقتض حكمه ولو وقع الطلاق بعد وطئه لم يضر كما لو طلقها ناجزا وعلى أن الطلاق ههنا إنما يقع في زمن لا يمكن الوطء بعده بخلاف قوله إن وطئتك فأنت طالق
فصل : إذا كان المعلق طلاقا بائنا فماتت لم يرثها لأن طلاقه أبانها منه فلم يرثها كما لو طلقها ناجزا عند موتها وإن مات ورثته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك ومات ولم يتزوج عليها ورثته وإن ماتت لم يرثها وذلك لأنها تطلق في آخر حياته فأشبه طلاقه لها في تلك الحال ونحو هذا قال عطاء و يحيى الأنصاري ويتخرج لنا أنها لا ترثه أيضا وهذا قول سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و أبي عبيد لأنه إنما طلقها في صحته وإنما تحقق شرط وقوعه في المرض فلم ترثه كما لو علقه على فعلها ففعلته في مرضه
وقال أبو حنيفة : إن حلف إن لم تأتي البصرة فأنت طالق فلم تفعل فإنهما لا يتوارثان وإن قال : إن لم آت البصرة فأنت طالق فمات ورثته وإن ماتت لم يرثها لأنه في الأولى علق الطلاق على فعلها فإذا امتنعت منه فقد حققت شرط الطلاق فلم ترثه كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها وإذا علقه فعل نفسه فامنتع كان الطلاق منه فأشبه ما لو نجزه في الحال ووجه الأول أنه طلاق في مرض موته فمنعه ميراثه ولم يمنعها كما لو طلقها ابتداء ولأن الزوج أخر الطلاق اختيارا منه حتى وقع ما علق عليه في مرضه فصار كالمباشرة له فأما ما ذكر عن أبي حنيفة فحسن إذا كان الفعل مما لا مشقة عليها فيه لأن تركها له كفعلها لما حلف عليها لتتركه وإن كان مما فيه مشقة فلا ينبغي أن يسقط ميراثها بتركه كما لو حلف عليها لترك ما لا بد لها من فعله ففعلته
فصل : إذا حلف ليفعلن شيئا ولم يعين له وقتا بلفظه ولا بنيته فهو على التراخي أيضا فإن لفظه مطلق بالنسبة إلى الزمان كله فلا يتقيد بدون تقييده ولذلك لما قال الله تعالى في الساعة : { قل بلى وربي لتأتينكم } وقال : { قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم } ولما قال : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } كان ذلك على التراخي فإن الآية أنزلت في نوبة الحديبية في سنة ست وتأخر الفتح إلى سنة ثمان
ولذلك روي [ عن عمر أنه قال : قلت للنبي صلى الله عليه و سلم أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى فأخبرتك أنك آتيه العام ؟ قلت لا قال : فإنك آتيه ومطوف به ] وهذا مما لا خلاف فيه نعلمه
فصل : إذا قال لامرأته أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم ولم يطلقها طلقت إذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فيه على مقتضى هذه المسألة وهذا اختيار أبي الخطاب وقول أصحاب الشافعي وحكى القاضي فيها وجهين هذا ووجها آخر أن الطلاق لا يقع وحكي ذلك عن أبي بكر وابن شريح لأن محل الطلاق اليوم ولا يوجد شرط طلاقها إلا بخروجه فلا يبقى من محل طلاقها ما يقع الطلاق فيه
ولنا أن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الإمكان كموت أحدهما في اليوم وذلك لأن معنى يمينه إن فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه فإذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فقد فاته طلاقها فيه فوقع حينئذ كما يقع طلاقه في مسألتنا في آخر حياة أولهما موتا وما ذكروه باطل بما لو مات أحدهما في اليوم فإن محل طلاقها يفوت بموته ومع ذلك فإن الطلاق يقع قبيل موته كذا ههنا ولو قال لها أنت طالق اليوم إن لم أتزوج عليك اليوم أو إن لم أشتر لك اليوم ثوبا ففيه الوجهان : والصحيح منهما وقوع الطلاق بها إذا بقي من اليوم ما لا يتسع لفعل المحلوف عليه فيه وإن قال لها أنت طالق إن لم أطلقك اليوم طلقت بغير خلاف وفي محل وقوعه وجهان :
أحدهما : في آخر اليوم والثاني : بعد خروجه وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك فهو كقوله أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم لأنه جعل عدم طلاقها شرطا لطلاقها اليوم والشرط يتقدم المشروط
فصل : وإن قال لعبده : إن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق اليوم ولم يبعه حتى خرج اليوم ففيه الوجهان وإن أعتق العبد أو مات أو مات الحالف أو المرأة في اليوم طلقت زوجته حينئذ لأنه قد فات بيعه وإن دبره أو كاتبه لم تطلق امرأته لأن بيعه جائز ومن منع بيعهما قال لا يقع الطلاق بذلك كما لو مات وإن وهب العبد لإنسان لم يقع الطلاق لأنه يمكن عوده إليه فيبيعه فلم يفت بيعه ولو قال إن لم أبع عبدي فامرأتي طالق ولم يقيده باليوم فكاتب العبد لم يقع الطلاق لأنه يمكن عجزه فلم يعلم فوات البيع فإن عتق بالكناية أو غيرها وقع الطلاق حينئذ لأنه فات بيعه

مسألة وفصلان : بيان الحروف المستعملة للشروط وتعليق الطلاق بها وأحكامها
مسألة : قال : وإن قال : كلما لم أطلقك فأنت طالق وقع بها الثلاث في الحال إذا كان مدخولا بها
إنما كان كذلك لأن كلما تقتضي التكرار قال الله تعالى : { كلما جاء أمة رسولها كذبوه } وقال : { كلما دخلت أمة لعنت أختها } فيقتضي تكرار الطلاق تكرار الصفة والصفة عدم تطليقه لها فإذا مضى بعد يمينه زمن يمكن أن يطلقها فيه فلم يطلقها فقد وجدت الصفة فيقع طلقة وتتبعها الثانية والثالثة إن كانت مدخولا بها وإن لم تكن مدخولا بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها لأن البائن لا يلحقها طلاق فأما إذا قال : إن لم أطلقك فأنت طالق أو متى لم أطلقك أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق فإنها تطلق واحدة ولا يتكرر إلا على قول أبي بكر في متى فإنه يراها للتكرار فيتكرر الطلاق بها مثل كلما إلا أن متى وأي وقت يقتضيان الطلاق على الفور فمتى مضى زمن يمكن أن يطلقها فيه ولم يطلقها في الحال وأما إذا ففيها وجهان أحدهما : هي على الفور لأنها اسم وقت فهي كمتى والثاني : أنها على التراخي لأنها كثر استعمالها في الشرط فهي كإن فعلى هذا إذا قال : إذا لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما وإن قال : متى لم أحلف بطلاقك فأنت طالق أو أي وقت لم أحلف بطلاقكما فأنت طالق وكرره ثلاثا متواليات طلقت مرة واحدة لأنه لم يحنث في المرة الأولى ولا الثانية لكونه حلف عقيبهما وحنث في الثالثة وإن سكت بين كل يمينين سكوتا يمكنه الحلف فيه طلقت ثلاثا وإن قال ذلك بلفظة إذا وقلنا هي على الفور فهي كمتى وإلا فلم تطلق إلا واحدة في آخر حياة أحدهما
فصل : والحروف المستعملة للشرط وتعليق الطلاق بها سنة : إن وإذا ومتى ومن وأي وكلما فمتى علق الطلاق بإيجاد فعل بواحد منها كان على التراخي مثل قوله إن خرجت وإذا خرجت ومتى خرجت وأي حين وأي زمان وأي وقت خرجت وكلما خرجت ومن خرجت منكن وأيتكن خرجت فهي طالق فمتى وجد الخروج طلقت وإن مات أحدهما سقطت اليمين فأما إن علق الطلاق بالنفي بواحد من هذه الحروف كانت إن على التراخي ومتى وأي ومن وكلما على الفور لأن قوله متى دخلت فأنت طالق يقتضي أي زمان دخلت فأنت طالق وذلك شائع في الزمان كله فأي زمن دخلت وجدت الصفة وإذا قال متى لم تدخلي فأنت طالق فإذا مضى عقيب اليمين زمن لم يدخل فيه وجدت الصفة فإنها اسم لوقت الفعل فيقدر به ولهذا يصح السؤال به فيقال : متى دخلت أي أي وقت دخلت وأما إن فلا تقتضي وقتا فقوله إن لم تدخلي لا يقتضي وقتا إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت فهي مطلقة في الزمان كله وأما إذا ففيها وجهان أحدهما : هي على التراخي وهو قول أبي حنيفة ونصره القاضي لأنها تستعمل شرطا بمعنى إن قال الشاعر :
( استغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتجمل )
فجزم بها ما يجزم بأن ولأنها تستعمل بمعنى متى وإذا احتملت الأمرين فاليقين بقاء النكاح فلا يزول بالإحتمال والوجه الآخر أنها على الفور وهو قول أبي يوسف و محمد وهو المنصوص عن الشافعي لأنها اسم لزمن مستقبل فتكون كمتى وأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضوعها فإن متى يجازى بها ألا ترى إلى قول الشاعر :
( متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد )
ومن يجازى بها أيضا وكذلك أي وسائر الحروف وليس في هذه الحروف ما يقتضي التكرار إلا كلما وذكر أبو بكر في متى أنها تقتضي التكرار لأنها تستعمل للتكرار بدليل قوله :
( متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد )
أي في كل وقت ولأنها تستعمل في الشرط والجزاء ومتى وجد الشرط يرتب عليه جزاؤه والصحيح أنها لا تقتضيه لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت وبمعنى إذا فلا تقتضي ما لا يقتضيانه وكونها تستعمل للتكرار في بعض أحيانها لا يمنع استعمالها في غيره مثل إذا وأي وقت فإنهما يستعملان في الأمرين قال الله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم } { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم } { وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها } وقال الشاعر :
( قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... ساروا إليه زرافات ووحدانا )
وكذلك أي وقت وأي زمان فإنهما يستعملان للتكرار وسائر الحروف يجازى بها إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره لا تحمل على التكرار إلا بدليل كذلك متى
فصل : وهذه الحروف إذا تقدم جزاؤها عليها لم تحتج إلى حرف في الجزاء كقوله أنت طالق إن دخلت الدار وإن تأخر جزاؤها احتاجت في الجزاء إلى حرف الفاء إذا كان جملة من مبتدأ وخبر كقوله إن دخلت النار فأنت طالق وإنما اختصت بالفاء لأنها للتعقيب فتربط بين الجزاء وشرطه وتدل على تعقيبه به فإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق لم تطلق حتى تدخل وبه قال بعض الشافعية وقال محمد بن الحسن تطلق في الحال لأنه لم يعلقه بدخول الدار لأنه إنما يتعلق بالفاء وهذه لا فاء فيها فيكون كلاما مستأنفا غير معلق بشرط فيثبت حكمه في الحال
ولنا أنه أتى بحرف الشرط فيدل ذلك على أنه أراد التعليق به وإنما حذف الفاء وهي مرادة كما يحذف المبتدأ تارة ويحذف الخبر أخرى لدلالة باقي الكلام على المحذوف ويجوز أن يكون حذف الفاء على التقديم والتأخير فكأنه أراد أنت طالق إن دخلت الدار فقدم الشرط ومراده التأخير ومهما أمكن حمل الكلام العاقل على فائدة وتصحيحه عن الفساد وجب وفيما ذكرنا تصحيحه وفيما ذكروه إلغاؤه وإن قال أردت الإيقاع في الحال وقع لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال : أنت طالق وإن دخلت الدار وقع الطلاق في الحال لأن معناه أنت طالق في كل حال ولا يمنع من ذلك دخولك الدار كقول النبي صلى الله عليه و سلم [ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق ] وقال : [ صلهم وإن قطعوك وأعطهم وإن حرموك ] وإن قال : أردت الشرط دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين فإذا قال : إن دخلت الدار فأنت طالق الأخرى فمتى دخلت الأولى طلقت سواء دخلت الأخرى أو لم تدخل ولا تطلق بدخول الأخرى
وقال ابن الصباغ : تطلق بدخول كل واحدة منهما وقد ذكرنا أن مقتضى اللغة ما قلناه وإن قال : أردت جعل الثاني شرطا لطلاقها أيضا طلقت بكل منهما لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال : أردت أن دخول الثانية شرط لطلاق الثانية فهو ما أراده وإن قال : أنت طالق إن دخلت الدار وإن دخلت الأخرى طلقت بدخول إحداهما لأنه عطف شرطا على شرط فإن قال : أردت أن دخول الثانية يمنع وقوع الطلاق قبل منه لأنه محتمل وطلقت بدخول الأولى وحدها وإن قال : إن دخلت الدار هذه الأخرى فأنت طالق فقد قيل لا تطلق إلا بدخولهما لأنه جعل طلاقها جزاء لهذين الشرطين ويحتمل أن تطلق بأحدهما أيهما كان لأنه ذكر شرطين بحرفين فيقتضي كل واحد منهما جزاء فترك جزاء الأول وكان الجزاء الآخر دالا عليه كما لو قال ضربت وضربني زيد
قال الفرزدق :
( ولكن نصفا لو سببت وسبني ... بنو عبد شمس من قريش وهاشم )
والتقدير سبني هؤلاء وسببتهم وقال الله تعالى : { عن اليمين وعن الشمال قعيد } أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد وإن قال : إن دخلت الدار وأنت طالق طلقت لأن الواو ليست للجزاء وقد تكون للابتدار فإن قال : أردت بها الجزاء أو قال : أردت أن أجعل دخولها في حال كونها طالقا شرطا لشيء ثم أمسكت دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين وإن جعل لهذا جزاء فقال إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر صح ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار وهي طالق لأن الواو ههنا للحال كقول الله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } - وقوله - { فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } ولو قال : أنت طالق إن دخلت الدار طالقا فدخلت وهي طالق طلقت أخرى وإن دخلتها غير طالق لم تطلق لأن هذا حال فجرى مجرى قوله أنت طالق إن دخلت الدار راكبة وإن قال : أنت طالق لو قمت كان ذلك شرطا بمنزلة قوله إن قمت وهذا يحكى عن أبي يوسف ولأنها لو لم تكن للشرط كانت لغوا والأصل اعتبار كلام المكلف وقيل يقع الطلاق في الحال وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنها بعد الإثبات تستعمل لغير المنع كقوله تعالى : { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } { ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون } وإن قال : أردت أن أجعل لها جوابا دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين
فصل : فإن قال : إن أكلت ولبست فأنت طالق لم تطلق إلا بوجودهما جميعا سواء تقدم الأكل أو تأخر لأن الواو للعطف ولا تقتضي ترتيبا وإن قال : إن أكلت أو لبست فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما لأن أو لأحد الشيئين وكذلك إن قال : إن أكلت أو إن لبست أو لا أكلت ولا لبست وإن قال : أنت طالق لا أكلت ولبست لم تطلق إلا بفعلهما إلا على الرواية التي تقول يحنث بفعل بعض المحلوف عليه فإنه يحنث بأحدهما ههنا وإن قال : أنت طالق إن أكلت فلبست أو إن أكلت ثم لبست لم تطلق حتى تأكل ثم تلبس لأن الفاء وثم للترتيب وإن قال : أنت طالق إن أكلت إذا لبست أو إن أكلت متى لبست أو إن أكلت إن لبست لم تطلق حتى تلبس ثم تأكل لأن اللفظ اقتضى تعليق الطلاق بالأكل بعد اللبس ويسميه النحويون اعتراض الشرط على الشرط فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطا للذي قبله والشرط يتقدم المشروط قال الله تعالى : { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } فلو قال : لامرأته : إن أعطيتك وإن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى تسأله ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية الوعد وفي الوعد السؤال فكأنه قال إن سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال القاضي : إذا كان الشرط بإذا كقولنا وفيما إذا كان بإن مثل قوله إن شربت إن أكلت إنها تطلق بوجودهما كيفما وجدا لأن أهل العرف لا يعرفون ما يقوله أهل العربية في هذا فتعلقت اليمين بما يعرفه أهل العرف بخلاف ما إذا كان الشرط بإذا والصحيح الأول وليس لأهل العرف في هذا عرف فإن هذا الكلام غير متداول بينهم ولا ينطقون به إلا نادرا فيجب الرجوع فيه إلى مقتضاه عند أهل الشأن كسائر مسائل هذا الفصل

فصلان : تعليق الطلاق بشرطين
فصل : فإن قال أنت طالق أن قمت بفتح الهمزة فقال أبو بكر تطلق في الحال لأن أن المفتوحة ليست للشرط وإنما هي للتعليل فمعناه أنت طالق لأنك قمت أو لقيامك كقول الله تعالى : { يمنون عليك أن أسلموا } { وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا } { يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم } وقال القاضي : قياس قول أحمد أنه إن كان نحويا وقع طلاقه وإن لم يكن نحويا فهي للشرط لأن العامي لا يريد بذلك إلا الشرط ولا يعرف إن مقتضاها التعليل فلا يريده فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه ولا يريده كما لو نطق كلمة الطلاق بلسان لا يعرفه وحكي عن ابن حامد أنه قال في النحوي أيضا لا يقع طلاقه بذلك إلا أن ينوبه لأن الطلاق يحمل على العرف في حقهما جميعا
واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه أحدها : يقع طلاقه في الحال والثاني : يكون شرطا في حق العامي وتعليلا في حق النحوي والثالث : يقع الطلاق إلا أن لا يكون من أهل الإعراب فيقول أردت الشرط فيقبل لأنه لا يجوز صرف الكلام عما يقتضيه إلا بقصده
وإن قال أنت طالق إذا دخلت الدار طلقت في الحال لأن إذ للماضين ويحتمل أن لا يقع لأن الطلاق لا يقع في زمن ماض فأشبه قوله أنت طالق أمس
فصل : وغذا علق الطلاق بشرطين لم يقع قبل وجودهما جميعا في قول عامة أهل العلم وخرج القاضي وجها في وقوعه بوجود أحدهما بوجود أحدهما بناء على إحدى الروايتين فيمن حلف أن لا يفعل شيئا ففعل بعضه وهذا بعيد جدا يخالف الأصول ومقتضى اللغة والعرف وعامة أهل العلم فإنه لا خلاف بينهم في المسائل التي ذكرناها في الشرطين جميعا وإذا اتفق العلماء على أنه لا يقع طلاقه لإخلاله بالترتيب في الشرطين المرتبين في مثل قوله إن أكلت ثم لبست فلإخلاله بالشرط كله أولى ثم يلزم على هذا ما لو قال إن أعيطتني درهمين فأنت طالق وإذا مضى شهران فأنت طالق فإنه لا خلاف في أنها لا تطلق قبل وجودهما جميعا وكان قوله يقتضي أن يقع الطلاق بإعطائه بعض درهم ومضي بعض يوم وأصول الشرع تشهد بأن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما
وقد نص أحمد على أنه إذا قال إن حضت حيضة فأنت طالق وإذا قال إذا صمت يوما فأنت طالق أنها لا تطلق حتى تحيض حيضى كاملة وإذا غابت الشمس من اليوم الذي تصوم فيه طلقت وأما اليمين فإنه متى كان في لفظه أو نيته ما يقتضي جميع المحلوف عليه لم يحنث إلا بفعل جميعه وفي مسألتنا ما يقتضي تعليق الطلاق بالشرطين معا لتصريحه بهما وجعلهما شرطا للطلاق والحكم لا يثبت بدون شرطه على أن اليمين مقتضاها المنع مما حلف عليه فيقتضي المنع من فعل جميعه لنهي الشارع عن شيء يقتضي المنع من كل جزء منه كما يقتضي المنع من جملته وما علق على شرط جعل جزاء وحكما له والجزاء لا يوجد بدون شرطه والحكم لا يتحقق قبل تمام شرطه لغة وعرفا وشرعا

فصول في تعليق الطلاق فصول : اختلاف الزوجين في تحقيق شرط الطلاق والمعلق على حيضها أو حيض أحداهن وتعليق الطلاق بزمن أو بصفة أو حادث
فصل : إذا قال لامرأته إن حضت فأنت طالق فقالت قد حضت فصدقها طلقت وإن كذبها ففيه روايتان :
إحداهما : يقبل قولها لأنها أمينة على نفسها وهذا قول أبو حنيفة و الشافعي وهو ظاهر المذهب لأن الله تعالى قال : { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قيل هو الحيض والحمل ولولا أن قولها فيه مقبول لما حرم عليها كتمانه وصار هذا كما قال الله تعالى : { ولا تكتموا الشهادة } لما حرم كتمانها دل على قبولها كذا ههنا ولأنه معنى فيها لا يعرف إلا من جهتها فوجب الرجوع إلى قولها فيه كقضاء عدتها
والرواية الثانية : لا يقبل قولها ويختبرها النساء بإدخال قطنة في الفرج في الزمان الذي ادعت الحيض فيه فإن ظهر الدم فهي حائض وإلا فلا قال أحمد في رواية مهنا في رجل قال لامرأته : إذا حضت فأنت طالق وعبدي حر قالت : قد حضت ينظر إليها النساء فتعطى قطنة وتخرجها فإن خرج الدم فهي حائض تطلق ويعتق العبد وقال أبو بكر : وبهذا أقول وهذا لأن الحيض يمكن التوصل إلى معرفته من غيرها فلم يقبل فيه مجرد قولها كدخول الدار والأول المذهب ولعل أحمد إنما اعتبر البينة في هذه الرواية من أجل عتق العبد فإن قولها : إنما يقبل في حق نفسها دون غيرها وهل يعتبر يمينها إذا قلنا القول قولها ؟ على وجهين بناء على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها فأنكرها ولا يقبل قولها إلا في حق نفسها خاصة دون غيرها من طلاق أخرى أو عتق عبد نص عليه أحمد في رجل قال لامرأته : إذا حضت فأنت طالق وهذه معك لامرأته الأخرى قالت قد حضت من ساعتها أو بعد ساعة تطلق هي ولا تطلق هذه حتى تعلم لأنها مؤتمنة على نفسها ولا يجعل طلاق هذه بيدها وهذا مذهب الشافعي وغيره لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها فصارت كالمودع يقبل قوله في الرد على المودع دون غيره ولو قال قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره وإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت فصدقها طلقتا بإقراره وإن كذبها طلقت وحدها وإن ادعت الضرة أنها قد حاضت لم يقبل لأن معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به وإنما ائتمنت على نفسها في حيضها وإن قال قد حضت فأنكرت طلقتا بإقراره ولو قال لامرأتيه إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا وإن كذبهما لم تطلق واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضهما وحيض ضرتها ولا يقبل قول ضرتها عليها فلم يوجد الشرطان وإن صدق إحداهما وكذب الأخرى طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حقها وقد صدق الزوج ضرتها فوجد الشرطين في طلاقهما ولم تطلق المصدقة لأن قول ضرتها غير مقبول في حقها وما صدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها
فصل : فإن قال لأربع إن حضتن فأنتن طوالق فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأن شرط طلاقهن حيض الأربع ولم يوجد وإن صدق واحدة أو اثنتين لم تطلق واحدة منهن لأنه لم يوجد الشرط وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حيضها وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت ولا يطلق المصدقات لأن قول المكذبة غير مقبول في حقهن
فصل : وإن قال لهن كلما حاضت إحداكن أو أيتكن حاضت فضراتها طوالق فقلن قد حضنا فصدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثا ثلاثا وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن وإن صدق واحدة طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة ولم تطلق هي لأنه لم يثبت حيض ضرة لها وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة طلقة لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة وطلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين طلقتين
فصل : إذا قال لطاهر إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم في وقت يمكن أن يكون حيضا حكمنا بوقوع الطلاق كما يحكم بكونه حيضا في المنع من الصلاة وغيرها مما يمنع من الحيض وإن بان أنه ليس بحيض لانقطاعه لدون أقل الحيض بان أن الطلاق لم يقع وبهذا قال الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا قال غير ذلك إلا مالكا فإن ابن القاسم روى عنه أنه يحنث حين تكلم به وقد سبق الكلام معه في هذا وإن قال لحائض إذا حضت فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض ولم قال لطاهر إذا تطهرت فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر وهذا يحى عن أبي يوسف
وقال بعض أصحاب الشافعي الذي يقتضيه مذهب الشافعي أنها تطلق بما يتجدد من حيضها وطهرها في المسألتين لأنه قد وجد منها الحيض والطهر فوقع الطلاق لوجود صفته
ولنا أن إذا اسم زمن مستقبل يقتضي فعلا مستقبلا وهذا الحيض والطهر مستدام غير متجدد ولا يفهم من إطلاق حاضت المرأة وطهرت إلا ابتداء ذلك فتعلقت الصفة به ولو قال لطاهر إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر نص عليه أحمد لأنه لا توجد حيضة كاملة إلا بذلك ولو قال لحائض إذا طهرت فأنت طالق طلقت بأو الطهر وتطلق في الموضعين بانقطاع دم الحيض قبل الغسل نص عليه أحمد في رواية إبراهيم الحربي وذكر أبو بكر في التنبيه فيها قولا أنها لا تطلق حتى تغتسل بناء على أن العدة لا تنقضي بانقطاع الدم حتى تغتسل
ولنا أن الله تعالى قال : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } أي ينقطع دمهن { فإذا تطهرن } أي اغتسلن ولأنه قد ثبت لها أحكام الطاهرات في وجوب الصلاة وصحة الطهارة والصيام وإنما بقي بعض الأحكام موقوفا على وجود الغسل ولأنها ليست حائضا فيلزم أن تكون طاهرا لأنهما ضدان على التعيين فيلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر
فصل : فإن قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة طلقت واحدة فإذا حاضت الثانية طلقت الثانية عند طهرها منها وإن قال إذا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة لأن ثم للترتيب فتقتضي حيضتين بعد الطلقة الأولى لكونهما مرتبتين عليها
فصل : فإن قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق طلقت إذا ذهب نصف الحيضة وينبغي أن يحكم بوقوع الطلاق إذا حاضت نصف عادتها لأن الأحكام تعلقت بالعادة فيتعلق بها وقوع الطلاق ويحتمل أنه لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي سبعة أيام ونصف لأننا لا نتيقن مضي نصف الحيضة إلا بذلك إلا أن تطهر لأقل من ذلك ومتى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصف الحيضة وقيل يلغو قوله نصف حيضة ويبقى طلاقها معلقا بوجود الحيض والأول أصح فإن الحيض له مدة أقلها يوم وليلة وله نصف حقيقة والجهل بقدر ذلك لا يمنع وجوده وتعلق الحكم به كالحمل
فصل : وإن قال لامرأتيه إذا حضتما حيضة واحدة فأنتما طالقتان لم تطلق واحدة منهما حتى تحيض كل واحدة منهما حيضة واحدة ويكون التقدير إن حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما طالقتان كقول الله تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة } أي اجلدوا كل واحد منهما ثمانين ويحتمل أن يتعلق الطلاق بحيض إحداهما حيضة لأنه لما تعذر وجود الفعل منهما وجبت إضافته إلى إحداهما كقوله تعالى : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } وإنما يخرج من أحدهما وقال القاضي : يلغو قوله حيضة واحدة لأن حيضة واحدة من امرأتين محال فيبقى كأنه قال إن حضتما فأنتما طالقتان وهذا احد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر لا تنعقد هذه الصفة لأنها مستحيلة فتصير كتعليق الطلاق بالمستحيلات والوجه الأول أولى لأن فيه تصحيح كلام المكلف بحمله على محلم سائغ وتبعيد لوقوع الطلاق واليقين بقاء النكاح فلا يزول حتى يوجد ما يقع به الطلاق يقينا وغير هذا الوجه لا يحصل به اليقين
فإن أراد بكلامه أحد هذه الوجوه حمل عليه وإذا ادعى ذلك قبل منه وإذا أردت أن تكون الحيضة الواحدة منهما فهو تعليق الطلاق بمستحيل فيحتمل أن يلغو قوله حيضة ويحتمل لا يقع الطلاق لأن هذه الصفة لا توجد فلا يوجد ما علق عليها ويحتمل أن يقع في الحال ويلغو الشرط بناء على ما ذكرناه في تعليق الطلاق على المستحيل
فصل : وإذا كان له أربع نسوة فقال أيتكن لم أطأها فضرائرها طوالق وقيده بوقت فمضى الوقت ولم يطأهن طلقهن ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث ضرائر غير مطوءات وإن وطئ ثلاثا وترك وحدة لم تطلق المتروكة لأنها ليست لها ضرة غير موطوءة وتطلق كل واحدة من الموطوءات طلقة طلقة وإن وطئ اثنتين طلقتا طلقتين طلقتين المتروكتان طلقة طلقة وإن وطئ واحدة طلقت ثلاثا وطلقت كل واحدة من المتروكات طلقتين وإن لم يقيده بوقت كان وقت الطلاق مقيدا بعمره وعمرهن فأيتهن ماتت طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة وإذا ماتت أخرى فكذلك وإن مات هو طلقن كلهن في آخر جزء من حياته
فصل : فإن قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق ولم تكن حاملا طلقت وإن أتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين أو لأقل من أربع سنين ولم يكن بطأها لم تطلق لأنا تبينا أنها كانت حاملا بذلك الولد وإن مضت أربع سنين ولم تلد تبينا أنها طلقت حين عقد اليمين وإن كان يطؤها وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر وأقل من أربع سنين نظرت علامات الحمل من انقطاع الحيض ونحوه قبل وطئه أو قريبا منه بحيث لا يحتمل أن يكون من الوطء الثاني لم تطلق وإن حاضت أو وجد ما يدل على براءتها من الحمل طلقت وإن لم يظهر ذلك واحتمل أن يكون من الثاني ففيه وجهان :
أحدهما : تطلق لأن الأصل عدم الحمل قبل الوطء والثاني : لا تطلق لأن اليقين بقاء النكاح فلا يزول بشك واحتمال ولا يجوز للزوج وطؤها قبل الاستبراء لأن الأصل عدم الحمل ووقوع الطلاق وإلا استبرأها ههنا بحيضة فإن وجدت الحيضة على عادتها تبينا وقوع طلاقها وإن لم تأت في عادتها كان ذلك دليلا على حملها وحل وطئها وإن قال إن كنت حاملا فأنت طالق فهي عكس المسألة التي قبلها ففي الموضع الذي يقع الطلاق ثم لا يقع ههنا وفي الموضع الذي لا يقع ثم يقع ههنا إلا أنها إذا أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من حين وطء الزوج بعد اليمين ولأقل من أربع سنين من حين عقد الصفة لم تطلق لأن تعين النكاح باق والظاهر حدوث الولد من الوطء لأن الأصل عدمه قبله ولا يحل له الوطء حتى يستبرئها نص عليه أحمد قال القاضي : يحرم الوطء سواء قلنا الرجعية مباحة أو محرمة لأنه يمنع المعرفة بوقوع الطلاق وعدمه وقال أبو الخطاب في رواية أخرى : لا يحرم الوطء لأن الأصل بقاء النكاح وبراءة الرحم من الحمل وإذا استبرأها حل وطؤها على الروايتين ويكون الاستبراء بحيضة
قال أحمد في رواية أبي طالب : إذا قال لامرأته متى حملت فأنت طالق لا يقربها حتى تحيض فإذا طهرت وطئها فإن تاخر حيضها أريت النساء من أهل المعرفة فإن لم يوجدن أو خفي عليهن انتظر عليها تسعة أشهر غالب مدة الحمل وذكر القاضي فيها رواية أخرى أنها تستبرأ بثلاثة أقراء ولأنه استبراء الحرة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والصحيح ما ذكرناه لأن المقصود معرفة براءة رحمها وقد حصل بحيضة ولهذا قال عليه السلام : [ لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ] يعني تعلم براءتها بحيضة ولأن ما يعلم به البراءة في حق الأمة والحرة واحد لأنه أمر حقيقي لا يختلف بالحرية والرق وأما العدة ففيها نوع تعبد لا يجوز أن يعرى بالقياس وهل تعتدان بالإستبراء قبل عقد اليمين أو بالحيضة التي حلف فيها ؟ على وجهين أصحهما الاعتداد به لأنه يحصل به ما يحصل بالاستبراء بعد اليمين والثاني : لا يعتد به لأن الاستبراء لا يتقدم على سببه ولأنه لا يعتد به في استبراء الأمة
قال أحمد : إذا قال لامرأته إذا حبلت فأنت طالق يطؤها في كل طهر مرة يعني إذا حاضت ثم طهرت حل وطؤها لأن الحيض علم على براءتها من الحمل ووطؤها سبب له فإذا وطئها اعتزلها لاحتمال أن تكون قد حملت من وطئه فطلقت منه
فصل : إذا قال إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما كانت حاملا به وقت اليمين تبينا أنها طلقت واحدة حين حلف وانقضت عدتها بوضعه وإن ولدت أنثى طلقت بولادتها طلقتين واعتدت بالقروء وإن ولدت غلاما وجارية وكان الغلام أولهما ولادة تبينا أنها طلقت واحدة وبانت بوضع الجارية ولم تطلق بها وإن كانت الجارية أولهما ولادة طلقت ثلاثا واحدة بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية وانقضت عدتها بوضع الغلام وإن قال لها إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بجارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية طلقت ثلاثا
وإن قال إن كان حملك غلاما فأنت طالق واحدة وإن كان حملك جارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية لم تطلق لأن حملها كله ليس بغلام ولا هو جارية ذكره القاضي في المجرد و أبو الخطاب وبه قال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وقال القاضي في الجامع في وقوع الطلاق وجهان بناء على الروايتين فيمن حلف لا لبست ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه من غزلها
فصل : فإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثا دفعة واحدة طلقت ثلاثا لأن صفة الثلاث وجدت وهي زوجة وإن ولدتهم في دفعات من حمل واحد طلقت بالأولين وبنات بالثلاث ولم تطلق ذكره أبو بكر وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن ابن حامد أنها تطلق لأن زمان البينونة زمن الوقوع ولا تنافي بينهما
ولنا أن العدة انقضت بوضع الحمل فصادفها الطلاق بائنا فلم يقع كما لو قال إذا مت فأنت طالق وقد نص أحمد فيمن قال أنت طالق مع موتي أنها لا تطلق فهذا أولى وإن قال إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة طلقت ثلاثا وإن ولدتهما في دفعتين وقع بالأول ما علق عليه وبانت بالثاني ولم يقع به شيء إلا على قول ابن حامد فإن أشكر الأول منهما أو كيفية وضعهما طلقت واحدة بيقين ولا نلزمه الثانية والورع أن يلتزمها وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وقال القاضي : قياس المذهب أن يقرع بينهما
وإن قال إن كان أول ما تلدين ذكر فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة طلقن كلهن ثلاثا ثلاثا وإن ولدن في دفعات وقع بضرائر الأولى طلقة طلقة فإذا ولدت الثانية بانت بوضعه ولم تطلق وهل يطلق سائرهن ؟ فيه احتمالان أحدهما : لا يقع بهن طلاق لأنها لما انقدت عدتها بانت فلم يبقين ضرائرها والزوج إنما علق على ولادتها طلاق ضرائرها
والوجه الثاني : يقع بكل واحدة طلقة لأنهن ضرائرها في حال ولادتها فعلى هذا يقع بكل واحدة من اللتين لم يلدن طلقتان طلقتان وتبين هذه وتقع بالوالدة الأولى طلقة فإذا ولدت الثالثة بانت وفي وقوع الطلاق بالباقيتين وجهان فإذا قلنا يقع بهن طلقت الرابع ثلاثا والأولى طلقتين وبانت الثانية والثالثة وليس فيهن من له رجعتها إلا الأولى ما لم تنقض عدتها وإذا ولدت الرابعة لم تطلق واحدة منهن وتنقضي عدتها بذلك
وإن قال كلما ولدت واحدة منكن فسائركن طوالق أو فباقيكن طوالق فكلما ولدت واحدة وقع بباقيهن طلقة طلقة وتبين الوالدة بوضع ولدها إلا الأولى والفرق بين هذه وبين التي قبلها أن الثانية والثالثة يقع الطلاق بباقيهن وولادتهما ههنا وفي الأولى لا يقع لأنهن لم يبقين ضرائرها وههنا لم يعلقه بذلك وإن قال كلما ولدت واحدة منكن فأنت طوالق فكذلك إلا أنه يقع على الأولى طلقة بولادتها فإن كان الثانية حاملا باثنين فوضعت الأول منهما وقع بكل واحدة من ضرائرها طلقة في المسائل كلها ووقع بها طلقة في المسألة الثالثة وإذا وضعت الثالثة أو كانت حاملا باثنين فكذلك فتطلق الرابعة ثلاثا وتطلق كل واحدة من الوالدات طلقتين طلقتين في المسألتين الأوليين وثلاثا في المسألة الثالثة فكلما وضعت واحدة منهن تمام حملها انقضت به عدتها قال القاضي : إذا كانت له زوجتان فقال كلما ولدت واحدة منكما فأنتما طالقتان فولدت إحداهما يوم الخميس طلقتا جميعا ثم ولدت الثانية يوم الجمعة بانت وانقضت عدتها ولم تطلق وطلقت الأولى ثانية فإذا كانت كل واحدة منهما حاملا باثنين طلقتا بوضع الثانية طلقة طلقة أيضا ثم إذا ولدت الأولى تمام حملها انقضت عدتها به وطلقت الثانية ثلاثا فإذا ولدت الثانية تمام حملها انقضت عدتها به وطلقت الثانية ثلاثا
فصل : وإذا قال لامرأته إن كلمتك فأنت طالق ثم أعاد ذلك ثانية طلقت واحدة لأن إعادته تكليم لها وشرط لطلاقها فإن أعاده ثالثة طلقت ثانية إلا أن يكون غير مدخول بها فتبين بالأولى ولا يلحقها طلاق ثان وإن أعاده رابعة طلقت الثالثة وإن قال إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي ذلك أو فتحققي ذلك حنث لأنه كلمها بعد عقد اليمين إلا أن ينوي كلاما مبتدأ وإن زجرها فقال : تنحي أو اسكتي أو اذهبي حنث لأنه كلام وإن سمعها تذكر فقال : الكاذب عليه لعنة الله حنث نص عليه أحمد لأنه كلمها وإن كلمها وهي نائمة أو مغلوبة على عقلها بإغماء أو جنون لا تسمع أو بعيدة لا تسمع كلامه أو صماء بحيث لا تفهم كلامه ولا تسمع أو حلف لا يكلم فلانا فكلمه ميتا لم يحنث وقال أبو بكر : يحنث في جميع ذلك لقول أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟
ولنا أن التكلم فعل يتعدى إلى المتكلم وقد قيل إنه مأخوذ من الكلم وهو الجرح لأنه يؤثر فيه كتأثير الجرح ولا يكون ذلك إلا بإسماعه ف [ أما تكليم النبي صلى الله عليه و سلم الموتى فمن معجزاته فإنه قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ] ولم يثبت هذا لغيره وقول أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟ حجة لنا فإنهم قالوا ذلك استبعادا أو سؤالا عما خفي عنهم سببه وحكمته حتى كشف لهم النبي صلى الله عليه و سلم حكمة ذلك بأمر مختص به فيبقى الأمر في حق من سواه على النفي وإن حلف لا كلمت فلانا فكلمته سكران حنث لأن السكران يكلم ويحنث وربما كان تكليمه في حال سكره أضر من تكليمه في صحوه وإن كلمته سكرانة حنث لأن حكمها حكم الصاحي وإن كلمته وهو صبي أو مجنون يسمع ويعلم أنه مكلم حنث وإن جنت هي ثم كلمته لم يحنث لأن القلم مرفوع عنها ولم يبق لكلامها حكم

فصلان : تعمد الحنث باليمين
فصل : فإن حلف لا يكلم إنسانا فكلمه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث لأنه كلمه وإنما لم يسمع لغفلته أو شغل قلبه وإن كلمه ولم يعرفه فإن كانت يمينه بالطلاق حنث قال أحمد : في رجل حلف بالطلاق أن لا يكلم حماته فرآها بالليل فقال من هذا ؟ حنث قد كلمها وإن كانت يمينه بالله أو يمينا مكفرة فالصحيح أنه لا يحنث لأنه لم يقصد تكليمه فأشبه الناسي ولأنه ظن المحلوف عليه غيره فأشبه لغير اليمين وإن سلم عليه حنث لأنه كلمه بالسلام وإن سلم على جماعة هو فيهم وأراد جميعهم بالسلام حنث لأنه كلمهم كلهم وإن قصد بالسلام من عداه لم يحنث لأنه إنما كلم غيره وهو يسمع وإن لم يعلم أنه فيهم ففيه روايتان إحداهما : يحنث لأنه كلمهم جميعهم وهو فيهم والثانية : لا يحنث لأنه لم يقصده ويمكن حمل قوله في الحنث على اليمين بالطلاق والعتاق لأنه لا يعذر فيها بالنسيان والجهل في الصحيح من المذهب وعدم الحنث على اليمين المكفرة فإن كان الحالف إماما والمحلوف عليه مأموما لم يحنث بتسليم الصلاة لأنه للخروج منها إلا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون حكمه حكم ما لو سلم عليهم في غير الصلاة ويحتمل أن لا يحنث بحال لأن هذا لا يعد تكليما ولا يريده الحالف وإن حلف لا يكلم فلانا فكلم إنسانا وفلانا يسمع يقصد بذلك إسماعه كما قال * إياك عني واسمعي يا جارة * حنث نص عليه أحمد قال : إذا حلف لا يكلم فلانا فكلم إنسانا وفلان يسمع يريد بكلامه إياه المحلوف عليه حنث لأنه قد أراد تكليمه
وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث فإنه كان حلف أن لا يكلم أخاه زيدا فعزم زياد على الحج فجاء أبو بكرة فدخل قصره وأخذ ابنه في حجره فقال إن أباك يريد الحج والدخول على زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا السبب وقد علم أنه غير صحيح ثم خرج ولم ير أنه كلمه والأول الصحيح لأنه أسمعه كلامه يريده به فأشبه ما لو خاطبه به ولأن به مقصود تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه
فصل : فإن قكت إليه أو أرسل إلأيه رسولا حنث إلا أن يكون قصد أن لا يشافهه نص عليه أحمد وذكره الخرقي في موضع آخر وذلك لقول الله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا } ولأن القصد بالترك لكلامه هجرانه ولا يحصل مع مواصلته بالرسل والكتب ويحتمل أن لا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك لأن هذا ليس بتكليم حقيقة ولو حلف ليكلمنه لم يبر بذلك إلا أن ينويه فكذلك لا يحنث به ولو حلف لا يكلمه فأرسل إنسانا يسأل أهل العلم عن مسألة أو حديث فجاء الرسول فسأله المحلوف عليه لم يحنث بذلك وإن حلف لا يكلم إمرأته فجامعها لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها قال أحمد في رجل قال لامرأته إن كلمتك خمسة أيام فأنت طالق أله أن يجامعها ولا يكلمها ؟ فقال أي شيء كان بدو هذا أيسوؤها أو يغيظها فإن لم يكن له نية فله أن يجامعها ولا يكلمها وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس فتنصرف يمينه إليه إلا أن ينوي حقيقة القراءة قال أحمد إذا حلف لا قرأت لفلان كتابا ففتحه حتى استقصى آخره إلا أنه لم يحرك شفتيه فإن أراد أن لا يعلم ما فيه فقد علم ما فيه وقرأه

فصول : صور أخرى من تعليق الطلاق بزمن أو صفة
فصل : فإن قال لامرأته أن بدأتك بالكلام فأنت طالق إن بدأتك بالكلام فعبدي حر انحلت يمينه لأنه لما خاطبته بيمينها فاتته البداية بكلامها وبقيت يمينها معلقة فإن بدأها بكلام انحلت يمينها أيضا وإن بدأته هي عتق عبدها هكذا ذكره أصحابنا ويحتمل أنه إن بدأها بالكلام في وقت آخر حنث لأن ذلك يسمى بداية فتناولته يمينه إلا أن ينوي ترك البداية في هذا الوقت أو هذا المجلس فيتقيد به
فصل : فإن قال لامرأتيه إن كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة رجلا ففيه وجهان :
أحدهما : يحنث لأن تكليمهما وجد منهما كما لو قال إن حضتما فأنتما طالقتان فحاضت كل واحدة حيضة وكذلك لو قال إن ركبتما دابتيكما فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة دابتها
والوجه الثاني : لا يحنث حتى تكلم كل واحدة منهما الرجلين معا لأنه علق طلاقهما بكلامهما لهما فلا تطلق واحدة بكلام الأخرى وحدها وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي وهكذا لو قال إن دخلتما هاتين الدارين فالحكم فيها كالأولى وهذا فيما لم تجر العادة بانفراد الواحد به فأما ما جرى العرف فيه بانفراد الواحد فيه بالواحد كنحو ركبا دابتيهما ولبسا ثوبيهما وتقلدا سيفيهما واعتقلا رمحيهما ودخلا بزوجيهما وأشباه هذا فإنه يحنث إذا وجد منهما منفردين وما لم تجر العادة فيه بذلك فهو على الوجهين ولو قال إن أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفا يحنث لأنه يستحيل أن تأكل كل واحدة منهما الرغيفين بخلاف الرجلين والدارين
فصل : فإن قال أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال يكون فيها محمد مع خالد وذكر القاضي انه يحنث بكلام زيد فقط لأن قوله محمد مع خالد استئناف كلام بدليل أنه مرفوع والصحيح ما قلناه لأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى من قطعه والرفع لا ينفي كونه حالا فإن الجملة من المبتدأ والخبر تكون حالا كقوله تعالى : { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون } وقال : { إلا استمعوه وهم يلعبون } { وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون } وهذا كثير فلا يجوز قطعه عن الكلام الذي هو في سياقه مع إمكان وصله به ولو قال إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد فأنت طالق لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال كون محمد مع خالد فكذلك إذا تأخر قوله محمد مع خالد ولو قال أنت طالق إن كلمت زيدا وأنا غائب لم تطلق حتى تكلمه في حال غيبته وكذلك لو قال أنت طالق إن كلمت زيدا وأنت راكبة أو هو راكب أو ومحمد راكب حتى تكلمه في تلك الحال ولو قال أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمدا أخوه مريض لم تطلق حتى تكلمه وأخوه محمد مريض
فصل : فإن قال إن كلمتني إلى أن يقدم زيد أو حتى يقدم زيد فأنت طالق فكلمته قبل قدومه حنث لأنه مد المنع إلى غاية هي قدوم زيد فلا يحنث بعدها فإن قال أردت أن استدمت كلامي من الآن إلى أن يقدم زيد دين وهل يقبل في الحكم ؟ يحتمل وجهين

فصول : الطلاق المعلق على مشيئة شخص أو محبته أو نحو ذلك
فصل : فإن قال : أنت طالق إن شئت أو إذا شئت أو متى شئت أو كلما شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو أنى شئت لم تطلق حتى تشاء وتنطق بالمشيئة بلسانها فتقول قد شئت لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فتعلق الحكم بما يتعلق به دون ما في القلب فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم يقع طلاق ولو قالت : قد شئت بلسانها وهي كارهة لوقع الطلاق اعتبارا بالنطق وكذلك إن علق الطلاق بمشيئة غيرها ومتى وجدت المشيئة باللسان وقع الطلاق سواء كان على الفور أو التراخي نص عليه أحمد في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وفيما إذا قال : أنت طالق حيث شئت أو أنى شئت ونحو هذا قال الزهري و قتادة وقال أبو حنيفة دون صاحبيه : إذا قال : أنت طالق كيف شئت تطلق في الحال طلقة رجعية لأن هذا ليس بشرط وإنما هو صفة للطلاق الواقع بمشيئتها
ولنا أنه أضاف الطلاق إلى مشيئتها فأشبه ما لو قال حيث شئت وقال الشافعي في جميع الحروف إن شاءت في الحال وإلا فلا تطلق لأن هذا تمليك للطلاق على الفور كقوله اختاري وقال أصحاب الرأي في أن كقوله وفي سائر الحروف كقولنا لأن هذه الحروف صريحة في التراخي فحملت على مقتضاها بخلاف أن فإنها لا تقتضي زمانا وإنما هي لمجرد الشرط فتقيد بالفور بقضية التمليك وقال الحسن و عطاء إذا قال : أنت طالق إن شئت إنما ذلك لها ما داما في مجلسهما
ولنا أنه تعليق للطلاق على شرط فكان على التراخي كسائر التعليق ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة فكان على التراخي كالعتق وفارق اختاري فغنه ليس بشرط إنما هو تخيير فتقيد بالمجلس كخيار المجلس وإن مات من له المشيئة أو جن لم يقع الطلاق لأن شرط الطلاق لم يوجد وحكي عن أبي بكر أنه يقع وليس بصحيح لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كما لو قال : أنت طالق إن دخلت الدار وإن شاء وهو مجنون لم يقع طلاقه لأنه لا حكم لكلامه وإن شاء وهو سكران فالصحيح أنه لا يقع لأنه زائل العقل فهو كالمجنون
وقال أصحابنا يخرج على الروايتين في طلاقه والفرق بينهما أن إيقاع طلاقه تغليظ عليه كيلا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه وههنا إنما يقع الطلاق بغير فلا يصح منه في حال زوال عقله وإن شاء وهو طفل لم يقع لأنه كالمجنون وإن كان يعقل الطلاق وقع لأن له مشيئة ولذلك صح اختياره لأحد أبويه وإن كان أخرس فشاء بالإشارة وقع الطلاق لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق ولذلك وقع طلاقه بها وإن كان ناطقا حال التعليق فخرس ففيه وجهان
أحدهما : يقع الطلاق بها لأن طلاقه في نفسه يقع بها فكذلك طلاق من علقه بمشيئة
والثاني : لا يقع بها لأنه حال التعليق كأنه لا يقع إلا بالنطق فلم يقع بغيره كما لو قال في التعليق إن نطق فلان بمشيئته فهي طالق
فصل : فإن قيد المشيئة بوقت فقال : أنت طالق إن شئت اليوم تقيد به فإن خرج اليوم قبل مشيئتها لم تطلق وإن علقه على مشيئة اثنين لم يقع حتى توجد مشيئتهما وخرج القاضي وجها أنه يقع بمشيئة أحدهما كما يحنث بفعل بعض المحلوف عليه وقد بينا فساد هذا فإن قال : أنت طالق إن شئت وشاء أبوك فقالت قد شئت إن شاء أبي فقال أبوها قد شئت لم تطلق لأنها لم تشأ فإن المشيئة أمر خفي لا يصح تعليقها على شرط وكذلك لو قال : أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شئت فقال : قد شئت أو قالت : قد شئت إن طلعت الشمس لم يقع نص عليه أحمد على معنى هذا وهو قول سائر أهل العلم منهم الشافعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته : أنت طالق إن شئت فقالت : قد شئت إن شاء فلان أنها قد ردت الأمر ولا يلزمها الطلاق وإن شاء فلان وذلك لأنه لم توجد منها مشيئة وإنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس تعليق المشيئة بشرط مشيئة وإن علق الطلاق على مشيئة اثنين فشاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي وقع الطلاق لأن المشيئة قد وجدت منهما جميعا
فصل : فإن قال : أنت طالق إلا أن تشائي أو يشاء زيد فقالت : قد شئت لم تطلق وإن أخرا ذلك طلقت وإن جن من علق الطلاق بمشيئته طلقت في الحال لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بشرط لم يوجد وكذلك إن مات فإن خرس فشاء بالإشارة خرج فيه وجهان بناء على وقوع الطلاق بإشارته إذا علقه على مشيئته
فصل : فإن قال : أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا فلم تشأ أو شاءت أقل من ثلاث طلقت واحدة وإن قالت قد شئت ثلاثا فقال أبو بكر : تطلق ثلاثا وقال أصحاب الشافعي و أبي حنيفة : لا تطلق إذا شاءت ثلاثا لأن الاستثناء من الإثبات نفي فتقديره أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا فلا تطلقي ولأنه أو لم يقل ثلاثة لما طلقت بمشيئتها ثلاثا فكذلك إذا قال : ثلاثا لأنه إنما ذكر الثلاث صفة لمشيئتها الرافعة لطلاق الواحدة فيصير كما لو قال أنت طالق إلا أن تكرري بمشيئتك ثلاثا وقال القاضي : فيها وجهان :
أحدهما : لا تطلق لما ذكرنا والثاني : تطلق ثلاثا لأن السابق إلى الفهم من هذا الكلام إيقاع الثلاث إذا شاءت كما لو قال علي درهم إلا أن يقيم البينة بثالثة وخذ درهما إلا أن تريد أكثر منه ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم [ البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار ] أي إن بيع الخيار ثبت الخيار فيه بعد تفرقهما وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا أن تشائي واحدة فقالت : قد شئت واحدة طلقت واحدى على قول أبي بكر وعلى قولهم لا تطلق شيئا
فصل : فإن قال : أنت طالق لمشيئة فلان أو لرضاه أو له طلقت في الحال لأن معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه أو ليرضى به كقوله هو حر لوجه الله أو لرضى الله فإن قال : أردت به الشرط دين قال القاضي : يقبل في الحكم لأنه محتمل فإن ذلك يستعمل للشرط كقوله أنت طالق للسنة وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي
فصل : فإن قال : أنت طالق إن أحببت أو إن أردت أو إن كرهت احتمل أن يتعلق الطلاق بقولها بلسانها قد أحببت أو أردت أو كرهت لأن هذه المعاني في القلب لا يمكن الإطلاع عليها إلا من قولها فتعلق الحكم بها كالمشيئة ويحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ويكون اللسان دليلا عليه فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده وقع طلاقه وإن لم يتلفظ به ولو قالت : أنا أحب ذلك ثم قالت : كنت كاذبة لم تطلق وإن قال : إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق فقالت : أنا أحب ذلك فقد سئل أحمد عنها فلم يجب فيها بشيء وفيها احتمالان
أحدهما : لا تطلق وهو قول أبي ثور لأن المحبة في القلب ولا توجد من أحد محبة ذلك وخبرها محبتها له كذب معلوم فلم يصلح دليلا على ما في قلبها
والاحتمال الثاني : أنها تطلق وهو قول أصحاب الرأي لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من لسانها فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به كاذبة كانت أو صادقة كالمشيئة ولا فرق بين قوله إن كنت تحبين ذلك وبين قوله إن كنت تحبينه بقلبك لأن المحبة لا تكون إلا بالقلب

فصول : تعليق الطلاق على مشيئة الله
فصل : فإن قال أنت طالق إن شاء الله تعالى طلقت وكذلك إن قال عبدي حر إن شاء الله تعالى عتق نص عليه أحمد في رواية جماعة وقال ليس هما من الأيمان وبهذا قال سعيد بن المسيب و الحسن و مكحول و قتادة و الزهري و مالك و الليث و الأوزاعي و أبو عبيد وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع وكذلك العتاق وهو قول طاوس و الحكم و أبي حنيفة و الشافعي لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها فلم يقع كما لو علقه على مشيئة زيد وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث ] رواه الترمذي وقال حديث حسن
ولنا ما روى أبو جمرة قال سمعت ابن عباس يقول : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فهي طالق وراه أبو حفص بإسناده وعن أبي بردة نحوه
وروى ابن عمر وأبو سعيد قال : كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم نرى الاستثناء جائزا في كل شيء إلا في العتاق والطلاق ذكر أبو الخطاب وهذا نقل للإجماع وإن قدر أنه قول بعضهم ولم يعلم له مخالف فهو إجماع ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا ولأنه استثناء حكما في محل فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح ولأنه إزالة ملك فلم يصح تعليقه على مشيئة الله كما لو قال أبرأتك إن شاء الله أو تعليق على ما لا سبيل إلى عمله فأشبه تعليقه على المستحيلات والحديث لا حجة لهم فيه فإن الطلاق والعتاق إنشاء وليس بيمين حقيقة وإن سمي بذلك فمجاز لا تترك الحقيقة من أجله ثم إن الطلاق إنما سمي يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن تركه وفعله ومجرد قوله أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا مجازا فلم يمكن الاستثناء بعد يمين وقولهم علقه على مشيئة لا تعلم قلنا قد علمت مشيئة الله للطلاق بمباشرة الآدمي سببه قال قتادة : قد شاء الله حين أذن أن يطلق ولو سلمنا أنها لم تعلم لكن قد علقه على شرط يستحيل علمه كتعليقه على المستحيلات يلغو ويقع الطلاق في الحال
فصل : فإن قال أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله فعن أحمد فيه روايتان إحداهما : يقع الطلاق بدخول الدار ولا ينفعه الاستثناء لأن الطلاق والعتاق ليسا من الأيمان ولما ذكرناه في الفصل الأول
والثانية : لا تطلق وهو قول أبي عبيد لأنه إذا علق الطلاق بشرط صار يمينا وحلفا فصح الاستثناء فيه لعموم قوله عليه السلام : [ من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث ] وفارق ما إذا لم يعلقه فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم
فصل : فإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت ووافق أصحاب الشافعي على هذا في الصحيح من المذهب لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم وإن قال أنت طالق إن لم يشأ الله أو لم يشأ الله وقع أيضا في الحال لأن وقوع طلاقها إذا لم يشأ الله محال فلغت هذه الصفة ووقع الطلاق ويحتمل أن لا يقع بناء على تعليق الطلاق على المحال مثل قوله أنت طالق إن جمعت بين الضدين أو شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه وإن قال أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم تطلق دخلت أو لم تدخل لأنها إن دخلت فقد فعلت المحلوف عليه وإن لم تدخل علمنا أن الله لم يشأه لأنه لو شاءه لوجد فإن ما شاء الله كان وكذلك إن قال أنت طالق لا تدخلي الدار إن شاء الله لما ذكرنا وإن أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق دون الدخول خرج فيه من الخلاف ما ذكرنا في المنجز وإن لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق

فصل : تعليق الطلاق على مستحيل
فصل : فإن علق الطلاق على مستحيل فقال أنت طالق إن قتلت الميت أو شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو جمعت بين الضدين أو كان الواحد أكثر من اثنين أو على ما يستحيل عادة كقوله إن طرأت أو صعدت إلى السماء أو قلبت الحجر ذهبا أو شربت هذا النهر كله أو حملت الجبل أو شاء الميت ففيه وجهان :
أحدهما : يقع الطلاق في الحال لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ويمنع وقوعه في الحال
وفي الثاني فلم يصح كاستثناء الكل كما لو قالت أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو لا تنقص عدد طلاقك
والثاني : لا يقع لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد ولأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال كقوله :
( إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللبن الحليب )
أي لا آتيهم وقيل إن علقه على ما يستحيل عقلا وقع في الحال لأنه لا وجود له فلم تعلق به الصفة وبقي مجرد الطلاق فوقع وإن علقه على مستحيل عادة كالطيران وصعود السماء لم يقع لأنه له وجود وقد وجد جنس ذلك في معجزات الأنبياء عليهم السلام وكرامات الأولياء فجاز تعليق الطلاق به ولم يقع قبل وجوده فأما إن علق طلاقها على نفي فعل المستحيل فقال أنت طالق إن لم تقتلي الميت أو تصعدي السماء طلقت في الحال لأنه علقه على عدم ذلك وعدمه معلوم في الحال
وفي الثاني فوقع الطلاق كما لو قال أنت طالق إن لم أبع عبدي فمات العبد وكذلك لو قال أنت طالق لأشربر الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو لأقتلن الميت وقع الطلاق في الحال لما ذكرناه وحكى أبو الخطاب عن القاضي أنه لا يقع طلاقه كما لو حلف ليصعدن السماء أو ليطيرن فإنه لا يحنث والصحيح أنه يحنث فإن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث قال الله تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } - إلى قوله - { وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين } ولو حلف على فعل متصور فصار ممتنعا حنث بذلك فلأن يحنث بكونه ممتنعا حال يمينه أولى

فصل : وإن حلف أن لا يشرب النهر فشرب
فصل : وإذا حلف لا شربت من هذا النهر فاعترف منه وشرب حنث وإن حلف لا شربت من هذا الإناء فصب منه في إناء آخر وشرب وكان الإناء كبيرا لا يمكن الشرب به حنث أيضا وإن كان الشرب به ممكنا لم يحنث لأن الإناء الصغير آلة للشرب فتنصرف يمينه إلى الشرب به بخلاف النهر والإناء الكبير فإنه لا تنصرف يمينه إلا إلى الشرب من مائه ولو حلف لا يشرب من بردى فشرب من نهر يأخذ منه لم يحنث وإن حلف لا يشرب من ماء بردى فشرب من نهر يأخذ منه حنث ذكر نحو ذلك القاضي لأن بردى اسم لمكان خاص فإذا تجاوزه إلى مكان سواه فشرب منه فما شرب من بردى وإذا كانت يمينه على مائه فماؤه ماؤه حيث كان وأين نقل ولذلك لو حلف لا يأكل من تمر البصرة فأكله في غيرها حنث وإن اغترف من بردى ونقله إلى مكان آخر فشربه حنث في المسألتين جميعا لأن اغتراف الماء من بردى ولو حلف لا يشرب من ماء الفرات لم يحنث إلا بالشرب من ماء النهر المعروف بالفرات وإن حلف لا يشرب من ماء فرات حنث بالشرب من كل ماء عذب لأنه إذا عرفه بلام التعريف انصرف إلى النهر المعروف وإذا أنكره صار للعموم فيتناول كل ما يسمى فراتا وكل عذب فرات قال الله تعالى : { وأسقيناكم ماء فراتا } وقال : { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } ومتى نوى بيمينه المحتمل الآخر انصرف إليه ويقبل منه ذلك لأنه قريب لا تبعد إرادته

فصول : حكم اليمين إذا قيدت بزمان أو مكان وفروع في تعليق الطلاق بصفة أو زمان
فصل : ولو حلف لا يشتمه ولا يكلمه في المسجد ففعل ذلك في المسجد والمحلوف عليه من غيره حنث وإن فعله في غير المسجد والمحلوف عليه في المسجد لم يحنث ولو حلف لا يضربه ولا يشجه ولا يقتله في المسجد ففعله والحالف في المسجد والمحلوف عليه في غيره لم يحنث وإن كان الحالف في غير المسجد والمحلوف عليه في المسجد حنث لأن الشتم والكلام قول يستقل به القائل فلا يعتبر فيه حضور المشتوم فيوجد من الشاتم في المسجد وإن لم يكن المشتوم فيه والكلام قول فهو كالشتم وسائر الأفعال المذكورة فعل متعد محله المضروب والمقتول والمشجوج فإذا كان محله في غير المسجد كان الفعل في غيره فيعتبر محل المفعول به ولو حلف ليقتلنه يوم الجمعة فجرحه يوم الخميس ومات يوم الجمعة فقال القاضي : لا يحنث وإن جرحه يوم الجمعة فمات يوم السبت فقال : يحنث لأنه لا يكون مقتولا حتى يموت فاعتبر يوم موته لا يوم ضربه ويتوجه أن يكون الحكم بالعكس في المسألتين فيعتبر يوم جرحه لا يوم موته لأن القتل فعل القاتل ولهذا يصح الأمر به والنهي عنه قال الله تعالى : { اقتلوا المشركين } { ولا تقتلوا أولادكم } والأمر والنهي إنما يتوجه إلى فعل ممكن فعله وتركه وذلك فعل الآدمي من الجرح ونحوه أما الزهوق ففعل الله لا يؤمر به ولا ينهى عنه ولا سبيل للآدمي إلا إلى تعاطي سببه وهو شرط في القتل فإذا وجد تبينا أن الفعل المفضي إليه كان قتلا ولذلك جاز تقديم الكفارة بعد الجرح وقبل الزهوق ولو حلف لأقتلنه فمات من جرح كان جرحه لم يبر ولو حلف لا يقتله لم يحنث بذلك أيضا ويحتمل أن لا يبر حتى يوجد السبب والزهوق معا في يوم الجمعة لأن القتل لا يتم إلا بسببه وشرطه فأما بنسبته إلى الشرط وحده دون السبب فبعيد
فصل : إذا قال من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فبشرته إحداهن وهي صادقة طلقت وإن كانت كاذبة لم تطلق لأن التبشير خبر صدق يحصل به ما يغير البشرة من سرور أو غم وإن أخبرته به أخرى لم تطلق لأن السرور إنما يحصل بخبرها فكان هو البشارة وإن بشره بذلك اثنتان أو ثلاث أو الأربع في دفعة واحدة طلقن كلهن لأن من تقع على الواحد فما زاد قال الله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقال : { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين } ولو قال من أخبرتني بقدوم أخي فهي طالق فقال القاضي هو كالبشارة لا تطلق إلا المخبرة الأولى الصادقة دون غيرها لأن مراده خبر يحصل له به العلم بقدومه ولا يحصل ذلك بكذب ولا بغير الأول
ويحتمل أن تطلق كل مخبرة صادقة كانت أو كاذبة أولا كان أو غيره لأن الخبر يكون صادقا وكذبا وأولا ومكررا وهو اختيار أبي الخطاب والأول قول القاضي ومذهب الشافعي على نحو هذا التفصيل
فصل : وإن قال أول من تقوم منكن فهي طالق أو قال لعبيده أول من قام منكم فهو حر فقام الكل دفعة واحدة لم يقع طلاق ولا عتق لأنه لا أول فيهم وإن قال واحد أو واحدة ولم يقم بعده أحد احتمل وجهين :
أحدهما : يقع الطلاق والعتق لأن الأول ما لم يسبقه شيء وهذا كلذلك
والثاني : لا يقع طلاق ولا عتق لأن الأول ما كان بعده شيء ولم يوجد فعلى هذا لا يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه حتى يتبين من قيام أحد منهم بعده فتنحل يمينه وإن قال اثنان أو ثلاثة دفعة واحدة وقام بعدهم آخر ووقع الطلاق والعتق بالجماعة الذين قاموا في الأول لأن الأول يقع على الكثير والقليل قال الله تعالى : { ولا تكونوا أول كافر به }
وحكي عن القاضي فيمن قال أول من يدخل من عبيدي فهو حر فدخل اثنان دفعة واحدة ثم دخل بعدهما ثالث لم يعتق واحد منهم وهذا بعيد فإنهم قد دخل بعضهم بعد بعض ولا أول فيهم وهذا لا يستقيم إلا أن يكون قال أول من يدخل منكم وحده ولم يدخل بعد الثالث أحد فإنه لو دخل بعد الثالث أحد عتق الثالث لكونه أول من دخل وحده وإذا لم يقل وحده فإن لفظة الأول يتناول الجماعة كما ذكرنا وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أول من يدخل الجنة فقراء المهاجرين ]
ولو قال : آخر من يدخل منكن الدار فهي طالق فدخل بعضهن لم يحكم بطلاق واحدة منهن حتى يتبين من دخول غيرها بموته أو موتهن أو غير ذلك فنتبين وقوع الطلاق بآخرهن دخولا من حين دخلت وكذلك الحكم في العتق

فصول : نية الحالف باليمين بلفظ عام وصور من تعليق الطلاق بزمن أو صفة
فصل : وإذا حلف يمينا على فعل بلفظ عام وأراد به شيئا خاصا مثل أن حلف لا يغتسل الليلة وأراد الجنابة أو لا قربت لي فراشا وأراد ترك جماعها أو قال إن تزوجت فعبدي حر وأراد امرأة معينة أو قال إن دخل إلي رجل أو قال أحد فامرأتي طالق وأراد رجلا بعينه أو حلف لا يأكل خبزا يريد خبر البر أو لا يدخل دارا يريد دار فلان أو قال إن خرجت فأنت طالق يريد الخروج إلى الحمام أو قال إن مشيت واراد استطلاق البطن فإن ذلك يسمى مشيا قال النبي صلى الله عليه و سلم لامرأة : ثم تستمشين ويقال شربت مشيا ومشوا إذا شرب دواء يمشيه فإن يمينه في ذلك على ما نواه ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين قال أحمد : في الظهار فيمن قال لامرأته إن قربت لي فراشا فأنت علي كظهر أمي فجاءت فقامت على فراشه فقال أردت الجماع لا يلزمه شيء وقال الشافعي و محمد بن الحسن : لا يقبل قوله في الحكم في هذا كله لأنه خلاف الظاهر
ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله فقبل كما لو قال أنت طالق وقال أردت بالثانية التوكيد
فصل : وإن حلف يمينا عامة لسبب خاص وله نية حمل عليها ويقبل قوله في الحكم لأن السبب دليل على صدقه وإن لم ينو شيئا فقد روي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تختص بما وجد فيه السبب وذكره الخرقي فقال : فإن لم يكن له نية رجع سبب اليمين وما هيجها فظاهر هذا أن يمينه مقصورة على محل السبب وهذا قول أصحاب أبي حنيفة
وروي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تحمل على العموم فإنه قال فيمن قال لله علي أن لا أصيد في هذا النهر لظلم رآه فتغير حاله فقال النذر يوفى به وذلك لأن اللفظ دليل الحكم فيجب الإعتبار في الخصوص والعموم كما في لفظ الشارع
ووجه الأول أن السبب الخاص يدل على قصد الخصوص ويقوم مقام النية عند عدمها لدلالته عليها فوجب أن يختص به اللفظ العام كالنية وفارق لفظ الشارع فإنه يريد بيان الأحكام فلا يختص بمحل السبب لكن الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير محل السبب فعلى هذا لو قامت امرأته لتخرج فقال إن خرجت فأنت طالق فرجعت ثم خرجت بعد ذلك أو دعاه إنسان إلى غدائه فقال امرأتي طالق إن تغديت ثم رجع فتغدى في منزله لم يحنث على الأول ويحنث على الثاني وإن حلف لعامل أن يخرج إلا بإذنه أو حلف بذلك على امرأته أو مملوكه فعزل العامل وطلق المرأة وباع المملوك أو حلف على وكيل فعزله خرج في ذلك كله وجهان
فصل : وإن قال إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لإنسان إن دخل دارك أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها فقال القاضي : لا يحنث لأن قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما يحلف على غيره ويمنع من سواه فيخرج هو من العموم بالقرينة ويخرج المخاطب من اليمين بها أيضا ويحتمل أن يحنث أخذا بعموم اللفظ وإعراضا عن السبب كما في التي قبلها
فصل : وإذا قال لامرأته إن وطئتك فأنت طالق انصرفت يمينه إلى جماعها وقال محمد بن الحسن : يمينه على الوطء بالقدم لأنه الحقيقة وحكي عنه أنه لو قال أردت به الجماع لم يقبل في الحكم
ولنا أن الوطء إذا أضيف إلى المرأة كان في العرف عبارة عن الجماع ولهذا يفهم منه الجماع في لفظ الشارع في مثل قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ] فيجب حمله عند الإطلاق عليه كسائر الأسماء العرفية من الظعينة والرواية وأشبههما ولا يحنث حتى تغيب الحشفة في الفرج وإن حلف ليجامعها أو لا يجامعها انصرف إلى الوطء في الفرج ولم يحنث بالجماع دون الفرج وإن أنزل لأن مبنى الأيمان على العرف والعرف ما قلناه
وإن حلف لافتضضتك فافتضها بأصبع لم يحنث لأن المعهود من إطلاق هذه اللفظة وطء البكر وإن حلف على امرأة لا يملكها أن لا ينكحها فيمينه على العقد لأن إطلاق النكاح ينصرف إليه وإن كان مالكا لها بنكاح أو ملك يمين فهو على وطئها لأن قرينة الحال صارفة عن العقد عليها لكونها معقودا عليها
فصل : وإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق ثم نهاها فخالفته فقال أبو بكر : لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها خالفت نهيه لا أمره وقال أبو الخطاب : يحنث إذا قصد أن لا تخالفه أو لم يكن ممن يعرف حقيقة الأمر والنهي لأنه إذا كان كذلك فإنما يريد نفي المخالفة ويحتمل أن تطلق بكل حال لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي عنه أمر بضده فقد خالفت أمره وإن قال لها إن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له لا تعطها من مالي شيئا لم يحنث لأن إعطاءها من مالها لا يجوز ولا يجوز النفع به فيكون هذا النفع محرما فلا يتناوله يمينه ويحتمل أن يحنث لأنه نفع ولفظه عام فيدخل المحرم فيه
فصل : فإن قال لامرأته إن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق فخرجت إلى غير الحمام طلقت سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل وإن خرجت إلى الحمام ثم عدلت إلى غيره فقياس المذهب أنه يحنث لأن ظاهر هذه اليمين المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث كما لو خالفت لفظه ويحتمل أن لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها لم تفعل ما حلف عليه ويتناوله لفظه وإن خرجت إلى الحمام وغيره وجمعتهما في القصد ففيه وجهان
أحدهما : يحنث لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم إلأيه غيره فحنث بما حلف عليه كما لو حلف لا يكلم زيدا فكلم زيدا وعمرا
والثاني : لا يحنث لأنها ما خرجت إلى غير الحمام بل الخروج مشترك ونقل الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل إذا حلف بالطلاق أن لا يخرج من بغداد إلا لنزهة فخرج إلى النزهة ثم مر إلى مكة فقال النزهة لا تكون إلى مكة فظاهر هذا أنه أحنثه ووجه ما تقدم وقال في رجل حلف بالطلاق أن لا يأتي أرمينية إلا بإذن امرأته فقالت امرأته إذهب حيث شئت فقال لا حتى تقول إلى أرمينية والصحيح أنه متى أذنت له إذنا عاما لم يحنث قال القاضي : وهذا من كلام أحمد محمول على أن هذا خرج مخرج الغضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قلبها كان إذنا منها وله الخروج وإن كان بلفظ عام
فصل : فإن حلف ليرحلن من هذه الدار أو ليخرجن من هذه المدينة ففعل ثم عاد إليها لم يحنث إلا أن تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي عدم الرجوع إليها لأن الحلف على الخروج والرحيل وقد فعلهما وقد نقل عنه إسماعيل بن سعيد إذا حلف على رجل أن يخرج من بغداد فخرج ثم رجع قد مضت يمينه لا شيء عليه
ونقل عنه مثنى بن جامع فيمن قال لامرأته أنت طالق إن لم نرحل من هذه الدار إن لم يدركه الموت ولم ينو شيئا هي إلى أن تموت فإن رحل لم يرجع ومعنى هذا أنه إن أدركه الموت قبل إمكان الرحيل لم يحنث وإن أمكنه الرحيل فلم يفعل لم يحنث حتى يموت أحدهما فيقع بها الطلاق في آخر أوقات الإمكان وأما قوله إن رحل لم يرجع فمحمول على من كان ليمينه سبب يقتضي هجران الدار على الدوام ونقل مهنا في رجل قال لامرأته إن وهبت كذا فأنت طالق فإذا هي قد وهبت قال أخاف أن يكون قد حنث قال القاضي : هذا محمول على أنه قال إن كنت وهبته وإلا فلا يحنث حتى تبتدئ هبته لأن اليمين تقتضي فعلا مستقبلا يحنث به وما فعلت ما حلف عليه بعد يمينه
ونقل عنه أيضا في رجل قال لامرأته إن رأيتك تدخلين الدار فأنت طالق فهو على نيته إن أراد أن لا تدخلها حنث وإن كان نوى إذا رآها لم يحنث حتى يراها تدخل وهو كما قال فإن مبنى اليمين على النيات سيما والرؤية تطلق على العلم كقول الله تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } ونحوه ومتى لم تكن له نية ولا سبب هناك يدل على إرادته مع الدخول بمجرده لم يحنث حتى يراها تدخل الدار لأنه الذي تناوله لفظه ونقل عنه المروزي في رجل أقرض رجلا دراهم فحلف أن لا يقبلها وكان الرجل ميتا تعطى الورثة يعني إذا مات الحالف يوفى الورثة ولا يبرأ بيمينه لأنها ليست إبراء فلا يسقط الحق بها
فصل : ولو قال امرأتي طالق إن كنت أملك إلا مائة وكان يملك أكثر من مائة أو أقل حنث فإن نوى أني لا أملك أكثر من مائة لم يحنث بملك ما دونها وإن قال إن كنت أملك أكثر من مائة فامرأتي طالق وكان يملك أقل من المائة لم يحنث لأنه صادق
فصل : فإن قال لامرأته يا طالق أنت طالق إن دخلت الدار طلقت واحدة بقوله يا طالق وبقيت أخرى معلقة بدخول الدار ولو قال أنت طلاق ثلاثا يا طالق إن دخلت الدار فإن كانت له نية رجع إليها وإلا وقعت واحدة بالنداء وبقيت الثلاث معلقة على دخول الدار وكذا لو قال أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار وعاد الشرط إلى الطلاق دون القذف وقال محمد بن الحسن : يرجع الشرط إليهما في المسألتين فلا يقع بها في الحال شيء والأولى أن يرجع الشرط إلى الخبر الذي يصح فيه التصديق والتكذيب وجرت العادة بتعليقه بالشرط بخلاف النداء والقذف الذي لا يوجد ذلك فيه
فصل : فإن قال لامرأته أنت طالق مريضة بالنصبة أو الرفع ونوى به وصفها بالمرض في الحال طلقت في الحال وإن نوى به أنت طالق في حال مرضك لم تطلق حتى تمرض لأن هذا حال والحال مفعول فيه كالظرف ويكون الرفع لحنا لأن الحال منصوب وإن أطلق ونصب انصرف إلى الحال لأن مريضة اسم نكرة جاء بعد تمام الكلام وصفا لمعرفة فيكون حالا وإن رفع فالأولى وقوع الطلاق في الحال ويكون ذلك وصفا لطالق الذي هو خبر المبتدأ وإن أسكن احتمل وجهين
أحدهما وقوع الطلاق في الحال لأن قوله أنت طالق يقتضي وقوع الطلاق في الحال فقد تيقنا وجود المقتضي وشككنا فيما يمنع حكمه فلا نزول عن اليقين بالشك
والثاني : لا يقع إلا في حال مرضها لأن ذكره للمرض في سياق الطلاق يدل على تعليقه به وتأثيره فيه ولا يؤثر فيه إلا إذا كان حالا

فصلان : تعليق الطلاق على فعل الغير
مسألة : قال : وإذا قال أنت طالق إذا قدم فلان فقدم به ميتا أو مكرها لم تطلق
أما إذا قدم به ميتا أو مكرها محمولا فلا تطلق لأنه لم يقدم إنما قدم به وهذا قول الشافعي ن ونقل عن أبي بكر أنه يحنث لأن الفعل ينسب إليه ولذلك يقال دخل الطعام البلد إذا حمل إليه ولو قال أنت طالق إذا دخل الطعام البلد طلقت إذا حمل إليه
ولنا أن الفعل ليس منه والفعل لا ينسب إلى غير فاعله إلا مجازا والكلام عند إطلاقه لحقيقته إذا أمكن وأما الطعام فلا يمكن وجود الفعل منه حقيقة فتعين حمل الدخول فيه على مجازه وأما إن قدم بنفسه لإكراه فعلى قول الخرقي لا يحنث وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال أبو بكر : يحنث وحكاه عن أحمد لأن الفعل منه حقيقة وينسب إليه قال الله تعالى : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها } ويصح أمر المكره بالفعل قال الله تعالى : { فادخلوا أبواب جهنم } ولولا أن الفعل يتحقق منه لما صح أمره به ووجه الأول أنه بالإكراه زال اختياره فإذا وجدت الصفة منه كان كوجود الطلاق منه مكرها وهذا فيما إذا أطلق وإن كانت له نية حمل عليها كلامه وتقيد بها
فصل : وإن قدم مختارا حنث الحالف سواء علم القادر باليمين أو جهلها قال أبو بكر : الخلال يقع الطلاق قولا واحدا وقال أبو عبد الله بن حامد : إن كان القادم ممن لا يمتنع من القدون بيمينه كالسلطان والحاج والرجل الأجنبي حنث الحالف ولا يعتبر علمه ولا جهله وإن كان ممن يمتنع باليمين من القدوم كقرابة لهما أو لأحدهما أو غلام لأحدهما فجهل اليمين أو نسيها فالحكم فيه كما لو حلف على فعل نفسه ففعله ناسيا أو جاهلا وفي ذلك روايتان كذلك ههنا وذلك لأنه إذا لم يكن ممن تمنعه اليمين كان تعليقا للطلاق على صفة ولم يكن يمينا فأشبه ما لو علقه على طلوع الشمس وإن كان ممن يمتنع كان يمينا فيعذر فيها بالنسيان والجهل وينبغي أن تعتبر على هذا القول نية الحالف وقرائن أحواله الدالة على قصده فإن كان قصده بيمينه منع القادم من القدوم كان يمينا وإن كان قصده جعله صفة في طلاقها مطلقة لم يكن يمينا ويستوي فيه علم القادم وجهله ونسيانه وجنونه وإفاقته مثل أن يقصد طلاقها إذا حصل معها محرمها ولا يطلقها وحدها وتعتبر قرائن الأحوال فمتى علق اليمين على قدوم غائب بعيد يعلم أنه لا يعلم اليمين ولا يمتنع بها أو على فعل صغير أو مجنون أو من لا يمتنع بها لم تكن يمينا وإن علق ذلك على فعل حاضر يعلم بيمينه ويمتنع لأجلها عن فعل ما علق الطلاق عليه كان يمينا ومتى أشكلت الحال فينبغي أن يقع الطلاق لأن لفظه يقتضي وقوع الطلاق عند وجود هذه الصفة على العموم وإنما ينصرف عن ذلك بدليل فمتى شككنا في الدليل المخصص وجب العمل بمقتضى العموم

فصول : صور من تعليق الطلاق بزمن أو فعل معين
فصل : فإن قال إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فانفلت الصبي بغير اختيارها فخرج فإن كان نوى أن لا يخرج فقد حنث وإن نوى أن لا تدعه لم يحنث نص أحمد على معنى هذا وذلك لأن اليمين إذا وقعت على فعلها فقد فعل الخروج عن غير اختيار منها فكانت كالمكره إذا لم يمكنها حفظه ومنعه وإن نوى فعله فقد وجد وحنث وإن لم تعلم نيته انصرفت يمينه إلى فعلها لأنه الذي تناوله لفظه فلا يحنث إلا إذا خرج بتفريطها في حفظه أو اختيارها
فصل : فإن حلف لا تأخذ حقك مني فأكره على دفعه إليه وأخذه منه قهرا حنث لأن المحلوف عليه فعل الأخذ وقد أخذه مختارا وإن أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الوجهين : فيمن أكره على القدوم وإن وضعه الحالف في حجره أو بين يديه أو إلى جنبه فلم يأخذه لم يحنث لأن الأخذ ما وجد وإن أخذه الحاكم أو السلطان من الغريم فدفعه إلى المستحق فأخذه فقال القاضي : لا يحنث وهو مذهب الشافعي لأنه ما أخذه منه وإن قال لا تأخذ حقك علي حنث لأنه قد أخذ حقه الذي عليه والمنصوص عن أحمد أنه يحنث في الصورتين قاله أبو بكر وهو الذي يقتضيه مذهبه لأن الأيمان عنده على الأسباب لا على الأسماء ولأنه لو وكل وكيلا فأخذه منه كان آخذا لحقه منه عرفا ويمسى آخذا قال الله تعالى : { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } وقال : { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا } وإن كانت اليمين من صاحب الحق فحلف لا أخذت حقي منك فالتفريع فيها كالتي قبلها فإن تركها الغريم في أثناء متاع في خرج ثم دفع الخرج إلى الحالف فأخذه ولم يعلم أنها فيه لم يحنث لأن هذا ليس بمعدود أخذا ولا يبرأ به الغريم منها فقد كانت اليمين لا أعطيتك حقك فأخذه الحاكم منه كرها فدفعه إلى الغريم لم يحنث وإن أكرهه على دفعه إليه فدفعه خرج على الوجهين في المكره وإن أعطاه باختياره حنث وإن وضعه في حجره أو جيبه أو صندوقه وهو يعلم حنث لأنه أعطاه وإن دفعه إلى الحاكم اختيارا ليدفعه إلى الغريم فدفعه أو أخذه من ماله باختياره فدفعه إلى الغريم حنث وقال القاضي : لا يحنث وقياس المذهب أنه يحنث لأنه أوصله إليه مختارا فأشبه ما لو دفعه إلى وكيله فأعطاه إياه ولأن الأيمان على الأسباب لا على الأسماء على ما ذكرناه فيما مضى
فصل : فإن قال إن رأيت أباك فأنت طالق فرأته ميتا أو نائما أو مغمى عليه أو رأته من خلف زجاج أو جسم شفاف طلقت لأنها رأته وإن رأت خياله في ماء أو مرآة أو صورته على حائط أو غيره لم تطلق لأنها لم تره وإن أكرهت على رؤيته خرج على الوجهين

مسألتان وفصول : تكرير لفظ الطلاق للمدخول بها أو لغير المدخول بها
مسألة : قال : وإذا قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق لزمه تطليقتان إلا أن يكون أراد بالثانية إفهامها أن قد وقعت بها الأولى فتلزمه واحدة وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها لأنه ابتداء كلام
وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته المدخول بها أنت طالق مرتين ونوى بالثانية إيقاع طلقة ثانية وقعت بها طلقتان بلا خلاف وإن نوى بها إفهامها أن الأولى قد وقعت بها أو التأكيد لم تطلق إلا واحدة وإن لم تكن له نية وقع طلقتان وبه قال أبو حنيفة و مالك وهو الصحيح من قولي الشافعي وقال في الآخر : تطلق واحدة لأن التكرار يكون للتأكيد والإفهام ويحتمل الإيقاع فلا توقع طلقة بالشك
ولنا أن هذا اللفظ للإيقاع ويقتضي الوقوع بدليل ما لو لم يتقدمه مثله وإنما ينصرف عن ذلك بنية التأكيد والإفهام فإذا لم يوجد ذلك وقع مقتضاه كما يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصص وبالإطلاق في المطلق إذا لم يوجد المقيد فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا طلقة واحدة سواء نوى الإيقاع أو غيره وسواء قال ذلك منفصلا أو متصلا وهذا قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث و عكرمة و النخعي و حماد بن أبي سليمان و الحكم و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي و أبي عبيد و ابن المنذر وذكره الحكم عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وقال مالك و الأوزاعي و الليث : يقع بها تطليقتان وإن قال ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا إذا كان متصلا لأنه طلق ثلاثا بكلام متصل أشبه قوله أنت طالق ثلاثا
ولنا أنه طلاق مفرق في غير المدخول بها فلم تقع الأولى كما لو فرق كلامه ولأن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة لأنه لا عدة عليها فتصادفها الطلقة الثانية بائنا فلم يمكن وقوع الطلاق بها لأنها غير زوجة وإنما تطلق الزوجة ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم فيكون إجماعا
فصل : فإن قال أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية ولم يقبل قوله نويت التوكيد لأن التوكيد تابع للكلام فشرطه أن يكون متصلا به كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل
فصل : وكل طلاق يترتب في الوقوع ويأتي بعضه بعد بعض لا يقع بغير المدخول بها منه أكثر من طلقة واحدة لما ذكرناه ويقع بالمدخول بها ثلاث إذا أوقعها مثل قوله أنت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق أو أنت طالق ثم طالق وطالق أو فطالق وأشباه ذلك لأن هذه حروف تقتضي الترتيب فتقع بها الأولى فتبينها فتأتي الثانية فتصادفها بائنا غير زوجة فلا تقع بها وأما المدخول بها فتأتي الثانية فتصادف محل النكاح فتقع وكذلك الثالثة وكذلك لو قال أنت طالق بل طالق وطالق ذكره أبو الخطاب
ولو قال أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعد طلقة أو بعدها طلقة أو طلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة وقع بغير المدخول بها طلقة وبالمدخول بها طلقتان لما ذكرنا من أن هذا يقتضي طلقة بعد طلقة
فصل : وإن قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك ذكره القاضي وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يقع بغير المدخول بها شيء بناء على قولهم في المسألة السريجية وقال أبو بكر : يقع طلقتان وهو قول أبي حنيفة لأنه استحال وقوع الطلقة الأخرى قبل الطلقة الموقعة فوقعت معها لأنها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد إيقاعها فيه لكونه زمنا ماضيا وجب إيقاعها في أقرب الأزمنة إليه وهو معها ولا يلزم تأخرها إلى ما بعدها لأن قبله زمن يمكن الوقوع فيه وهو زمن قريب فلا يؤخر إلى البعيد مع إمكان القريب
ولنا أن هذا طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه كما لو قال طلقة بعد طلقة ولا يمتنع أن يقع المتأخر في لفظه متقدما كما لو فال طلقة بعد طلقة أو قال أنت طالق طلقة غدا وطلقة اليوم ولو قال جاء زيد بعد عمرو أو جاء زيد وقبله عمرو أو أعط زيدا بعد عمرو وكان كلاما صحيحا يفيد تأخير المتقدم لفظا عن المذكور بعده وليس هذا طلاقا في زمن ماض وإنما يقع إيقاعه في المستقبل مرتبا على الوجه الذي رتبه ولو قدر أن إحداهما موقعة في زمن ماض لامتنع وقوعها وحدها ووقعت الأخرى وحدها وهذا تعليل القاضي لكونه لا يقع إلا واحدة والأول من التعليل أصح إن شاء الله تعالى
فصل : فإن قال أنت طالق طلقة معها طلقة وقع بها طلقتان وإن قال معها اثنتان وقع بها ثلاث في قياس المذهب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال أبو يوسف : يقع طلقة لأن الطلقة إذا وقعت مفردة لم يمكن أن يكون معها شيء
ولنا أنه أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهن معا فوقعن كلهن كما لو قال أنت طالق ثلاثا ولا نسلم أن الطلقة تقع مفردة فإن الطلاق لا يقع بمجرد التلفظ به إذ لو وقع بذلك لما صح تعليقه بشرط ولا صح وصفه بالثلاث ولا بغيرها وكذلك الحكم لو قال إذا طلقتك فأنت طالق معها طلقة ثم قال أنت طالق فإنها تطلق طلقتين لما ذكرنا
فصل : فإن قال أنت طالق طلقة بعدها طلقة ثم أردت أني أوقع بعدها طلقة دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين وإن قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقال أردت أني طلقتها قبل هذا في نكاح آخر أو أن زوجا قبلي طلقها دين وهل يقبل في الحكم ؟ على ثلاثة أوجه أحدها : يقبل والآخر : لا يقبل والثالث : يقبل إن كان وجد وإن لم يكن وجد لم يقبل والصحيح أنه إذا لم يكن وجد لا يقبل لأنه لا يحتمل ما قاله
فصل : فإن قال أنت طالق طالق طالق وقال أردت التوكيد قبل منه لأن الكلام يكرر للتوكيد كقوله عليه السلام [ فنكاحها باطل باطل باطل ] وإن قصد الإيقاع وكرر الطلقات طلقت ثلاثا وإن لم ينو شيئا لم يقع إلا واحدة لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة فلا يكن متغايرات وإن قال أنت طالق وطالق وطالق وقال : أردت بالثانية التأكيد لم يقبل لأنه غاير بينها وبين الأولى بحرف يقتضي العطف والمغايرة وهذا يمنع التأكيد وأما الثالثة فهي كالثانية في لفظها فإن قال أردت بها التوكيد دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين إحداهما : يقبل وهي مذهب الشافعي لأنه كرر لفظ الطلاق مثل الأول فقبل تفسيره بالتأكيد كما لو قال أنت طالق أنت طالق
والثانية : لا يقبل لأن حرف العطف للمغايرة فلا يقبل ما يخالف ذلك كما لا يقبل في الثانية ولو قال أنت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو وإن غاير بين الحروف فقال : أنت طالق وطالق ثم طالق أو طالق ثم طالق وطالق أو طالق وطالق فطالق ونحو ذلك لم يقبل في شيء منها إرادة التوكيد لأن كل كلمة مغايرة لما قبلها مخالفة لها في لفظها والتوكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته
فصل : ولو قال أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة وقال أردت التوكيد بالثانية والثالثة قبل لأنه لم يغاير بينهما بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد اللفظة بمعناها ومثل هذا يعاد توكيدا وإن قال أنت مطلقة ومسرحة ومفارقة وقال : أردت التوكيد احتمل أن يقبل منه لأن اللفظ المختلف يعطف بعضه على بعض توكيدا كقوله * فألقى قولها كذبا ومينا * ويحتمل أن لا يقبل لأن الواو تقتضي المغايرة فأشبه ما لو كان بلفظ واحد
مسألة : قال : وإذا قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق وطالق لزمه الثلاث لأنه نسق وهو مثل قوله أنت طالق ثلاثا
وبهذا قال مالك و الأوزاعي و الليث و ربيعة و ابن أبي ليلى وحكي عن الشافعي في القديم ما يدل عليه وقال الثوري و أبو حنيفة و الشافعي و أبو ثور : لا يقع إلا واحدة لأنه أوقع الأولى قبل الثانية فلم يقع عليها شيء آخر كما لو فرقها
ولنا أن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها فتكون موقعا للثلاث جميعا فيقعن عليها كقوله أنت طالق ثلاثا أو طلقة معها طلقتان ويفارق ما إذا فرقها فإنها لا تقع جميعا وكذلك إذا عطف بعضها على بعض بحرف يقتضي الترتيب فإن الأولى تقع قبل الثانية بمقتضى إيقاعه وههنا لا تقع الأولى حين نطقه بها حتى يتم كلامه بدليل أنه لو ألحقه استثناء أو شرطا أو صفة لحق به ولم يقع الأول مطلقا ولو كان يقع حين تلفظه لم يلحقه شيء من ذلك وإذا ثبت أنه يقف وقوعه على تمام الكلام فإنه يقع عند تمام كلامه على الوجه الذي اقتضاه لفظه ولفظه يقتضي وقوع الطلقات الثلاث مجتمعات وهو معنى قول الخرقي لأنه نسق أي غير متفرق فإن قيل إنما وقف أول الكلام على آخره مع الشرط والاستثناء لأنه مغير له والعطف لا يغير عليه ونتبين أنه وقع أول ما لفظ به ولذلك لو قال لها أنت طالق لم يقع إلا واحدة قلنا ما لم يتم الكلام فهو عرضة للتغيير أما بما يخصه بزمن أو يقيده بقيد كالشرط وأما بما يمنع بعضه كالاستثناء وأما بما يبين عدد الواقع كالصفة بالعدد وأشباه هذا فيجب أن يكون واقعا ولولا ذلك لما وقع بغير المدخول بها ثلاث بحال لأنه لو قال لها أنت طالق ثلاثا فوقعت بها طلقة قبل قوله ثلاثا لم يكن أن يقع بها شيء آخر وأما إذا قال أنت طالق أنت طالق فهاتان جملتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى ولو تعقب إحداهما شرط أو استثناء أو صفة لم يتناول الأخرى ولا وجه لوقوف إحداهما على الأخرى والمعطوف مع المعطوف عليه شيء واحد لو تعقبه شرط لعاد إلى الجميع ولأن المعطوف لا يستقبل بنفسه ولا يفيد بمفرده بخلاف قوله أنت طالق فإنها مفيدة لا تعلق لها بالأخرى فلا يصح قياسها عليها
فصل : فإن قال أنت طالق طلقتين ونصفا فهي عندنا كالتي قبلها يقع الثلاث وقال مخالفون يقع طلقتان وإن قال دخلت الدار فأنت طالق وكرر ذلك فدخلت طلقت ثلاثا في قول الجميع لأن الصفة وجدت فاقتضى وقوع دفعة واحدة وإن قال : إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فدخلت الدار طلقت ثلاثا وبه قال أبو يوسف و محمد وأصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة يقع واحدة لأن الطلاق المعلق إذا وجدت الصفة يكون كأنه أوقعه في تلك الحال على صفته ولو أوقعه كذلك لم يقع إلا واحدة
ولنا أنه وجد شرط وقوع الثلاث طلقات غير مرتبات فوقع الثلاث كالتي قبلها وإن قال إذا دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقتان فدخلت طلقت ثلاثا وذكر مثل هذا بعض أصحاب الشافعي ولم يحك عنهم فيه خلافا
فصل : وإن قال لغير مدخول بها أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار أو إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق أو إن دخلت فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت فطلقت واحدة فبانت بها ولم يقع غيرها وبهذا قال الشافعي وذهب القاضي إلى أنها تطلق في الحال واحدة تبين بها وهو قول أبي حنيفة في الصورة الأولى لأن ثم تقطع الأولى عما بعدها لأنها للمهملة فتكون الأولى موقعة والثانية معلقة بالشرط وقال أبو يوسف و محمد : لا يقع حتى تدخل الدار فيقع بها ثلاث لأن دخول الدار شرط لثلاث فوقعت كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق
ولنا أن ثم للعطف وفيها ترتيب فتعلقت التطليقات كلها بالدخول لأن العطف لا يمنع تعليق الشرط بالمعطوف عليه ويجب الترتيب فيها كما يجب لو لم يعلقه بالشرط وفي هذا انفصال عما ذكروه ولأن الأولى تلي الشرط فلم يجز وقوعها بدونه كما لو لم يعطف عليها ولأنه جعل الأولى جزاء للشرط وعقبه إياها بفاء التعقيب الموضوعة للجزاء فلم يجز تقديمها عليه كسائر نظائره ولأنه لو قال إن دخل زيد داري فأعطه درهما لم يجز أن يعطيه قبل دخوله فكذا ههنا وما ذكروه تحكم ليس له شاهد في اللغة ولا أصل في الشرع
فصل : وإن قال لمدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق لم يقع بها شيء حتى تدخل الدار فتقع بها الثلاث وبهذا قال الشافعي و أبو يوسف و محمد وذهب القاضي إلى وقوع طلقتين في الحال وتبقى الثالثة معلقة بالدخول وهو ظاهر الفساد فإنه يجعل الشرط المتقدم للمعطوف دون المعطوف عليه ويعلق به ما يبعد عنه دون ما يليه ويجعل جزاء ما لم توجد فيه الفاء التي يجازى بها دون ما وجدت فيه تحكما لا يعرف عليه دليل ولا نعلم له نظيرا وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت ثلاثا في قولهم جميعا

مسألتان وفصول : ما يختلف به عدد الطلاق من الألفاظ والنية
مسألة : قال : وإذا طلق ثلاثا وهو ينوي واحدة فهي ثلاث
وجملة ذلك أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة لا نعلم فيه خلافا لأن اللفظ صريح في الثلاث والنية لا تعارض الصريح لأنها أضعف من اللفظ ولذلك لا نعمل بمجردها والصريح قوي يعمل بمجرده من غير نية فلا يعارض القوي بالضعيف كما لا يعارض النص بالقياس ولأن النية إنما تعمل في صرف اللفظ إلى بعض محتملاته والثلاث نص فيها لا يحتمل الواحدة بحال فإذا نوى واحدة فقد نوى ما لا يحتمله فلا يصح كما لو قال له علي ثلاثة دراهم وقال أردت واحدا
مسألة : قال : وإن طلق واحدة وهو ينوي ثلاثا فهي واحدة
أما إذا قال أنت طالق واحدة ونوى الثلاث لم يقع إلا واحدة لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها فإذا نوى ثلاثا فقد نوى ما لا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر من ذلك لوقع بمجرد النية ومجرد النية لا يقع بها طلاق وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين يقع ثلاث لأنه يحتمل واحدة معها اثنتان وهذا فاسد فإن قوله معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة فلا تعمل كما لو نوى الطلاق من غير لفظ وأما إذا قال أنت طالق ونوى ثلاثا فهذا فيه روايتان :
إحداهما : لا يقع إلا واحدة وهو قول الحسن و عمرو بن دينار و الثوري و الأوزاعي وأصحاب الرأي لأن هذا اللفظ لا يتضمن عددا ولا بينونة فلم تقع به الثلاث كما لو قال أنت طالق واحدة بيانه أن قوله أنت طالق إخبار عن صفة هي عليها فلم يتضمن العدد كقوله قائمة وحائض وطاهر
والرواية الثانية : إذا نوى ثلاثا وقع الثلاث وهو قول مالك و الشافعي و أبي عبيد و ابن المنذر لأنه لفظ لو قرن به لفظ الثلاث كان ثلاثا فإذا نوى به الثلاث كان ثلاثا كالكنايات ولأنه نوى بلفظه ما يحتمله فوقع ذلك به كالكناية وبيان احتمال اللفظ للعدد انه يصح تفسيره به فيقول أنت طالق ثلاثا ولأن قوله طالق اسم فاعل واسم الفاعل يقتضي المصدر كما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل والكثير وفارق قوله أنت حائض وطاهر لأن الحيض والطهر لا يمكن تعدده في حقها والطلاق يمكن تعدده
فصل : فإن قال : أنت طالق طلاقا ونوى ثلاثا وقع لأنه صرح بالمصدر والمصدر يقع على القليل والكثير فقد نوى بلفظه ما يحتمله وإن نوى واحدة فهي واحدة وإن أطلق فهي واحدة لأنه اليقين وإن قال أنت طالق الطلاق وقع ما نواه وإن لم ينو شيئا فحكى فيها القاضي روايتين إحداهما : يقع الثلاث نص عليها أحمد في رواية مهنا لأن الألف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهي ثلاث
والثانية : انها واحدة لأنه يحتمل أن تعود الألف واللام إلى معهود يريد الطلاق الذي أوقعته ولأن اللام في أسماء الأجناس تستعمل لغير الاستغراق كثيرا كقوله ومن أكره على الطلاق - وإذا عقل الصبي الطلاق - واغتسلت بالماء - وتيممت بالتراب - وقرأت العلم والحديث والفقه - هذا مما يراد به ذلك الجنس ولا يفهم منه الاستغراق فعند ذلك لا يحمل على التعميم إلا بنية صارفة إليه وهكذا لو قال لامرأته أنت الطلاق فإن أحمد قال : إن أراد ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة فهي واحدة وإن لم ينو شيئا فكلام أحمد يقتضي أن تكون ثلاثا لأنه قال أنت الطلاق فهذا قد بين أي شيء بقي هي ثلاث وهذا اختيار أبي بكر ويخرج فيها أنها واحدة بناء على المسألة قبلها ووجه القولين ما تقدم ومما يبين أنه يراد بها الواحدة قول الشاعر :
( فأنت الطلاق وأنت الطلاق ... وأنت الطلاق ثلاثا تماما )
فجعل المكرر ثلاثا ولو كان للاستغراق لكان ذلك تسعا
فصل : ولو قال الطلاق يلزمني أو الطلاق لي لازم فهو صريح فإنه يقال لمن وقع طلاقه لزمه الطلاق وقالوا إذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه ولعلهم أرادوا لزمه حكمه فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية وانغمرت الحقيقة فيه ويقع به ما نواه من واحدة أو اثنتين أو ثلاث وإن أطلق ففيه روايتان وجههما ما تقدم وإن قال علي الطلاق فهو بمثابة قوله : الطلاق يلزمني لأن من لزمه شيء فهو عليه كالدين وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع الطلاق ويخرج فيه في حالة الإطلاق الروايتان هل هو ثلاث أو واحدة ؟
والأشبه في هذا جميعه أن يكون واحدة لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثا ولا يعتقد أنه طلق إلا واحدة فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة فلا يريدون إلا ما يعتقدونه مقتضى للفظهم فيصير كأنهم نووا الواحدة
فصل : وإن قال أنت طالق للسنة طلقت واحدة في وقت السنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها تطلق ثلاثا في ثلاثة قروء بناء منه على أن هذا هو السنة وقد بينا أن طلاق السنة طلقة واحدة في طهر لم يصبها فيه وإن قال أنت طالق طلاق السنة وقعت بها واحدة في طهر لم يصبها في أيضا إلا أن ينوي الثلاث فتكون ثلاثا لأنه ذكر المصدر والمصدر يقع على الكثير والقليل بخلاف التي قبلها
فصل : وإن قال العجمي بهشتم لبسيار طلقت امرأته ثلاثا نص عليه أحمد لأن معناه أنت طالق كثيرا وإن قال بهشتم فجسبت طلقت واحدة إلا أن ينوي ثلاثا فتكون ثلاثا نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وقال القاضي : يتخرج فيه روايتان بناء على قوله : أنت طالق لأن هذا صريح وذاك صريح فهما سواء والصحيح أنه يقع ما نواه لأن معناها خليتك وخليتك يقع بها ما نواه وكذا ههنا وإنما صارت صريحة لشهرة استعمالها في الطلاق وتعينها له وذلك لا ينفي معناها ولا يمنع العمل به إذا أراده وإن قال فارقتك أو سرحتك ونوى واحدة أو أطلق فهي واحدة وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث لأنه فعل يمكن أن يعبر به عن القليل والكثير وكذلك لو قال طلقتك

فصل : طلاق الأخرس
فصل : ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق إلا في موضعين أحدهما : من لا يقدر على الكلام كالأخرس إذا طلق بالإشارة طلقت زوجته وبهذا قال مالك و الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنه لا طريق إلى الطلاق إلا بالإشارة فقامت إشارته مقام الكلام من غير نية كالنكاح فأما القادر فلا يصح طلاقه بالإشارة كما لا يصح نكاحه بها فإن أشار الأخرس بأصابعه الثلاث إلى الطلاق طلقت ثلاثا لأن إشارته جرت مجرى نطق غيره ولو قال الناطق أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة لأن إشارته لا تكفي وإن قال أنت طالق هكذا بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا لأن قوله هكذا تصريح بالتشبيه بالأصابع في العدد وذلك يصلح بيانا كما قال النبي صلى الله عليه و سلم [ الشهر هكذا وهكذا وهكذا ] وأشار بيده مرة ثلاثين ومرة تسعا وعشرين وإن قال أردت الإشارة بالأصبعين المقبوضتين قبل منه لأنه يحتمل ما يدعيه
الموضع الثاني : إذا كتب الطلاق فإن نواه طلقت زوجته وبهذا قال الشافعي و النخعي و الزهري و الحكم و أبو حنيفة و مالك وهو المنصوص عن الشافعي وذكر بعض أصحابه أن له قولا آخر أنه لا يقع به طلاق وإن نواه لأنه فعل من قادر على التطليق فلم يقع به الطلاق كالإشارة
ولنا أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق فإذا أتى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه وقع كاللفظ ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب بدلالة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان مأمورا بتبليغ رسالته فحصل ذلك في حق البعض بالقول وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في اثبات الديون والحقوق فأما إن كتب ذلك من غير نية فقال أبو الخطاب قد خرجها القاضي الشريف في الإرشاد على روايتين :
إحداهما : يقع وهو قول الشعبي و النخعي و الزهري والحكم لما ذكرنا
والثانية : لا يقع إلا بنية وهو قول أبي حنيفة و مالك ومنصوص الشافعي لأن الكتابة محتملة فإنه يقصد بها تجربة القلم وتجويد الخط وغم الأهل من غير نية ككنايات الطلاق فإن نوى بذلك تجويد خطه أو تجربة قلمه لم يقع لأنه نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع فالكتابة أولى وإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى ويقبل أيضا في الحكم في أصح الوجهين لأنه يقبل ذلك في اللفظ الصريح في أحد الوجهين فههنا مع أنه ليس بلفظ أولى وإن قال نويت غم أهلي فقد قال في رواية أبي طالب فيمن كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق وقع وإن أراد أن يغم أهله فقد عمل في ذلك أيضا يعني أنه يؤاخذ به لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ إن الله عفا لأمتي عما حدثت به أنفسها مالم تكلم أو تعمل به ] فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق لأن غم أهله يحصل بالطلاق فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه كما لو قال أنت طالق يريد به غمها ويحتمل أن لا يقع لأنه أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته فلا يكون ناويا للطلاق والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به أو الكلام وهذا لم ينو طلاقا فلا يؤاخذ به

فصل : الطلاق في الكتابة بالهواء ونحوه
فصل : وإن كتبه بشيء لا يبين مثل إن كتبه باصبعه على وسادة أو في الهواء فظاهر كلام أحمد أنه لا يقع وقال أبو حفص العكبري يقع ورواه الأثرم عن الشعبي لأنه كتب حروف الطلاق فأشبه ما لو كتبه بشيء يبين والأول أولى لأن الكتابة التي لا تبين كالهمس بالفم بما لا يتبين وثم لا يقع فههنا أولى

فصل : الحكم إذا وجدت فترة بين كتابة الطلاق وكتابة شرط فيه
فصل : إذا كتب لزوجته أنت طالق ثم استمد فكتب إذا أتاك كتابي أو علقه بشرط أو استثناء وكان في حال كتابته للطلاق مريدا للشرط لم يقع طلاقه في الحال لأنه لم ينو الطلاق في الحال بل نواه في وقت آخر وإن كان نوى الطلاق في الحال غير معلق بشرط طلقت للحال وإن لم ينو شيئا وقلنا إن المطلق يقع به الطلاق نظرنا فإن كان استمدادا لحاجة أو عادة لم يقع طلاق قبل وجود الشرط لأنه لو قال أنت طالق ثم أدركه النفس أو شيء يسكنه فسكت لذلك ثم أتى بشرط تعلق به فالكتابة أولى وإن استمد لغير حاجة ولا عادة وقع الطلاق كما لو سكت بعد قوله أنت طالق لغير حاجة ثم ذكر شرطا وإن قال إنني كتبته مريدا للشرط فقياس قول أصحابنا أنها لا تطلق قبل الشرط إلا أنه يدين وهل يقبل في الحكم ؟ على وجهين بناء على قولهم فيمن قال أنت طالق ثم قال أردت تعليقه على شرط وإن كتب إلى امرأته أما بعد فأنت طالق طلقت في الحال سواء وصل إليها الكتاب أو لم يصل وعدتها من حين كتبه وإن كتب إليها إذا وصلك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت عند وصوله إليها وإن ضاع ولم يصلها لم تطلق لأن الشرط وصوله وإن ذهبت كتابته بمحو أو غيره ووصل الكاغد لم تطلق لأنه ليس بكتاب وكذلك إن انطمس ما فيه لعرق أو غيره لأن الكتاب عبارة عما فيه الكتابة وإن ذهبت حواشيه أو تخرق منه شيء لا يخرجه عن كونه كتابا ووصل باقيه طلقت لأن الباقي كتاب وإن تخرق بعض ما فيه الكتابة سوى ما فيه ذكر الطلاق فوصل طلقت لأن الاسم باق فينصرف الاسم إليه وإن تخرق ما فيه ذكر الطلاق فذهب ووصل باقيه لم تطلق لأن المقصود ذاهب فإن قال لها إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين لوجود الصفتين في مجيء الكتاب فإن قال أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بذلك الطلاق الذي علقته دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين

فصل : ثبوت الكتابة بالطلاق إذا شهد به عدلان
فصل : ولا يثبت الكتاب بالطلاق إلا بشاهدين عدلين ان هذا كتابه قال أحمد في رواية حرب في امرأة أتاها كتاب زوجها بخطه وخاتمه بالطلاق لا تتزوج حتى يشهد عندها شهود عدول قيل له فإن شهد حامل الكتاب ؟ قال : لا إلا شاهدان فلم يقبل قول حامل الكتاب وحده حتى يشهد معه غيره لأن الكتب المثبتة للحقوق لا تثبت إلا بشاهدين ككتاب القاضي وظاهر كلام أحمد أن الكتاب يثبت عندها بشهادتها بين يديها وإن لم يشهدا به عند الحاكم لأن أثره في حقها في العدة وجواز التزويج بعد انقضائها وهذا معنى يختص به لا يثبت به حق على الغير فاكتفى فيه بسماعها للشهادة ولو شهد شاهدان ان هذا خط فلان لم يقبل لأن الخط يشبه به ويزور ولهذا لم يقبله الحاكم ولو اكتفى بمعرفة الخط لاكتفى بمعرفتها له من غير شهادة
وذكر القاضي أنه لا يصح شهادة الشاهدين حتى يشهداه يكتبه ثم لا يغيب عنهما حتى يؤديا الشهادة وهذا مذهب الشافعي والصحيح أن هذا ليس بشرط فإن كتاب القاضي لا يشترط فيه ذلك فهذا أولى وقد يكون صاحب الكتاب لا يعرف الكتابة وإنما يستنيب فيها وقد يستنيب فيها من يعرفها بل متى أتاها بكتاب وقرأه عليها وقال هذا كتابي كان لهما أن يشهدا به

باب الطلاق بالحساب مسألة وفصل : طلاق جزء من المرأة
مسألة : قال : وإذا قال لها نصفك طالق أو يدك أو عضو من أعضائك طالق أو قال لها أنت طالق نصف تطليقة أو ربع تطليقة وقعت بها واحدة
الكلام في هذه المسألة في فصلين :
الفصل الأول : أنه إذا طلق جزءا منها والثاني : إذا طلق جزءا من طلقة فأما الأول فإنه متى طلق من المرأة جزءا من أجزائها الثابتة طلقت كلها سواء كان جزءا شائعا كنصفها أو سدسها أو جزءا من ألف جزء منها أو جزءا معينا كيدها أو رأسها أو أصبعها وهذا قول الحسن ومذهب الشافعي و أبي ثور و ابن القاسم صاحب مالك ومذهب أصحاب الرأي إلا أنه إن أضافه إلى جزء شائع أو واحد من أعضاء خمسة : الرأس والوجه والرقبة والظهر والفرج طلقت وإن أضافه إلى جزء معين غير هذه الخمسة لم تطلق لأنه جزء تبقى الجملة منه بدونه أو جزء لا يعبر به عن الجملة فلم تطلق المرأة بإضافة الطلاق إليه كالسن والظفر
ولنا أنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباجه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع والأعضاء الخمسة ولأنها جملة لا تتبعض في الحل والحرمة وجد فيها ما يقتضي التحريم والإباحة فغلب عليها حكم التحريم كما لو اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد وفارق ما قسوا عليه فإنه ليس بثابت والشعر والظفر ليس بثابت فإنهما يزولان ويخرج غيرهما ولا ينقض مسهما الطهارة

فصول : ما يقع ببعض تطليقة
الفصل الثاني : إذا طلقها نصف تطليقة أو جزءا منها وإن قل فإنه يقع بها طلقة كاملة في قول عامة أهل العلم إلا داود قال : لا تطلق بذلك قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أنها تطلق بذلك منهم الشعبي و الحارث العكلي و الزهري و قتادة و الشافعي وأصحاب الرأي و أبو عبيد قال أبو عبيد وهو قول مالك وأهل الحجاز و الثوري وأهل العراق وذلك لأن ذكر بعض ما لا يتبعض ذكر لجميعه كما لو قال نصفك طالق
فصل : فإن قال أنت طالق نصفي طلقة وقعت طلقة لأن نصفي الشيء كله وإن قال ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين لأن ثلاثة أنصاف طلقة ونصف فكمل النصف فصارا طلقتين وهذا وجه لأصحاب الشافعي ولهم وجه آخر انها لا تطلق إلا واحدة لأنه جعل الأنصاف من طلقة واحدة فيسقط ما ليس منها وتقع طلقة ولا يصح لأن إسقاط الطلاق الموقع من الأهل في المحل لا سبيل إليه وإنما الإضافة إلى الطلقة الواحدة غير صحيح فلغت الإضافة
وإن قال أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة وذكر أصحاب الشافعي وجها آخر أنه يقع طلقتان لأن اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل وما ذكرناه أولى لأن التنصيف يتحقق به وفيه عمل باليقين وإلغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة فكان أولى وإن قال أنت طالق نصفي طلقتين وقعت طلقتان لأن نصفي الشيء جميعه فهو كما لو قال أنت طالق طلقتين وإن قال أنت طالق نصف ثلاث طلقات طلقت طلقتين لأن نصفها طلقة ونصف ثم يكمل النصف فتصير طلقتين
فصل : وإن قال أنت طالق نصف وثلث وسدس طلقة وقعت طلقة لأنها أجزاء الطلقة ولو قال : أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فقال أصحابنا : يقع ثلاث لأنه عطف جزءا من طلقة على جزء من طلقة فظاهره انها طلقات متغايرة ولأنها لو كانت الثانية هي الأولى لجاء بها بلام التعريف فقال ثلث الطلقة وسدس الطلقة فإن أهل العربية قالوا إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكرا فالثاني غير الأول وإن أعيد معرفا بالألف واللام فالثاني هو الأول كقوله تعالى : { إن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا } فالعسر الثاني هو الأول لإعادته معرفا واليسر الثاني غير الأول لإعادته منكرا ولهذا قيل لن يغلب عسر يسرين وقيل لو أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير لأنه الأولى
وإن قال أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة طلقت طلقة لأنه لم يعطف بواو العطف فيدل على أن هذه الأجزاء من طلقة غير متغايرة ولأنه يكون الثاني ههنا بدلا من الأول والثالث من الثاني والبدل هو المبدل أو بعضه فلم يقتض المغايرة وعلى هذا التعليل لو قال أنت طالق طلقة نصف طلقة أو طلقة طلقة لم تطلق إلا طلقة فإن قال أنت طالق نصفا وثلثا وسدسا لم يقع إلا طلقة لأن هذه أجزاء طلقة إلا أن يريد من كل طلقة جزءا فتطلق ثلاثا
ولو قال أنت طالق نصفا وثلثا وربعا طلقت طلقتين لأنه يزيد على الطلقة نصف سدس ثم يكمل وإن أراد من كل طلقة جزءا طلقت ثلاثا وإن قال أنت طلقة أو أنت نصف طلقة أو أنت نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو أنت نصف طالق وقع بها طلقة بناء على قولنا في أنت الطلاق أنه صريح في الطلاق وههنا مثله
فصل : فإن قال لأربع نسوة له أوقعت بينكن طلقة طلقت كل واحدة منهن طلقة كذلك قال الحسن و الشافعي و ابن القاسم و أبو عبيد وأصحاب الرأي لأن اللفظ اقتضى قسمها بينهن لكل واحدة ربعها ثم تكملت وإن قال بينكن طلقة فكذلك نص عليه أحمد لأن معناه أوقعت بينكن طلقة وإن قال أوقعت بينكن طلقتين وقع بكل واحدة طلقة ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة و الشافعي وقال أبو بكر و القاضي : تطلق كل واحدة طلقتين ويروى عن أحمد ما يدل عليه فإنه روي عنه في رجل قال أوقعت بينكن ثلاث تطليقات ما أرى إلا قد بن منه لإننا إذا قسمنا كل طلقة بينهن حصل لكل واحدة جزءان من طلقتين ثم تكمل والأول أولى لأنه لو قال أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة ويكمل نصيبها من الطلاق في واحدة فيكون لكل واحدة نصف ثم يكمل طلقة واحدة وإنما يقسم بالأجزاء مع الاختلاف كالدور ونحوها من المختلفات أما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فإنما تقسم برؤوسها ويكمل نصيب كل واحد من واحد كأربعة لهم درهمان صحيحان فإنه يجعل لكل واحد نصف من درهم واحد والطلقات لا اختلاف فيها ولأن فيما ذكرناه أخذا باليقين فكان أولى من إيقاع طلقة زائدة بالشك فإن أراد قسمة كل طلقة بينهن فهو على ما قال أبو بكر وإن قال أوقعت بينكن ثلاث طلقات أو أربع طلقات فعلى قولنا تطلق كل واحدة طلقة وعلى قولهما يطلقن ثلاثا ثلاثا وإن قال أوقعت بينكن خمس طلقات وقع بكل واحدة طلقتان كذلك قال الحسن و قتادة و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي لأن نصيب كل واحدة طلقة وربع ثم تكمل وكذلك إن قال ستا أو سبعا أو ثمانيا وإن قال أوقعت بينكن تسعا طلقن ثلاثا ثلاثا
فصل : فإن قال أوقعت بينكن طلقة و طلقة و طلقة وقع بكل واحدة منهن ثلاث لأنه لما عطف وجب قسم كل طلقة على حدتها ويستوي في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب لأن الواو لا تقتضي ترتيبا وإن قال أوقعت بينكن نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فكذلك لأن هذا يقتضي وقوع ثلاث على ما قدمنا وإن قال أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة ثم طلقة أو أوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة طلقن ثلاثا إلا التي لم يدخل بها فإنها لا تطلق إلا واحدة لأنها بانت بالأولى فلم يحلقها ما بعدها
فصل : فإن قال لنسائه أنتن طوالق ثلاثا أو طلقتكن ثلاثا طلقن ثلاثا ثلاثا نص عليه أحمد لأن قوله طلقتكن يقتضي تطليق كل واحدة منهن وتعميمهن به ثم وصف ما عمهن به من الطلاق بأنه ثلاث فصار لكل واحدة ثلاث بخلاف قوله أوقعت بينكن ثلاثا فإنه يقتضي قسمة الثلاث عليهن لكل واحدة منهن جزء منها وجزء الواحدة من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة

مسألة وفصل : صور من طلاق جزء من المرأة
مسألة : قال : وإن قال لها شعرك أو ظفرك طالق لم تطلق
لأن الشعر والظفر يزولان ويخرج غيرهما فليس هما كالأعضاء الثابتة وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك و الشافعي : تطلق بذلك ونحوه عن الحسن لأنه جزء يستباح بنكاحها فتطلق به كالأصبع
ولنا أنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة فلم تطلق بطلاقه كالحمل والريق فإنه لا خلاف فيهما وفارق الأصبع فإنها لا تنفصل في حال السلامة ولأن الشعر لا روح فيه ولا ينجس بموت الحيوان ولا ينقض الوضوء مسه فأشبه العرق والريق واللبن ولأن الحمل متصل بها وإنما لم تطلق بطلاقه لأن مآله إلى الانفصال وهذه كذلك والسن في معناهما لأنها تزول من الصغير ويخلف غيرها وتقلع من الكبير
فصل : وإن أضافه إلى الريق والدمع والعرق والحمل لم تطلق لا نعلم فيه خلافا لأن هذه ليست من جسمها وإنما الريق والدمع والعرق فضلات تخرج من جسمها فهو كلبنها والحمل مودع فيها قال الله تعالى : { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع } قيل مستودع في بطل الأم وإن أضافه إلى الزوج فقال أبو بكر : لا يختلف قول أحمد في الطلاق والعتاق والظهار والحرام إن هذه الأشياء لا تقع إذا ذكر أربعة أشياء الشعر والسن والظفر والروح جرد القول عنه مهنا بن يحيى والفضل بن زياد القطان فبذلك أقول ووجهه أن الروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به

مسألة : حكم من شك أنه طلق أو لم يطلق
مسألة : قال : وإذا لم يدر أطلق أم لا فلا يزول يقين النكاح بشك الطلاق
وجملة ذلك أن من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بشك والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ] متفق عليه فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك ولأنه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه كما لو شك المتطهر في الحدث أو المحدث في الطهارة والورع التزام الطلاق فإن كان المشكوك فيه طلاقا رجعيا راجع امرأته إن كانت مدخولا بها أو جدد نكاحها إن كانت غير مدخول بها أو قد انقضت عدتها وإن شك في طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق فلا تحل لغيره وحكي عن شريك أنه إذا شك في طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها لتكون الرجعة عن طلقة تكون صحيحة في الحكم وليس بشيء لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق ولا يفتقر إلى ما تفتقر إليه العبادات من النية ولأنه لو شك في طلقتين فطلق واحدة لصار شاكا في تحريمها عليه فلا تفيده الرجعة

6037 - مسألة : الشك في عدد الطلاق
مسألة : قال : وإذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت في العدة فإن راجعها في العدة لزمته النفقة ولم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق لأنه متيقن للتحريم شاك في التحليل
وجملة ذلك أنه إذا طلق وشك في عدد الطلاق فإنه يبني على اليقين نص عليه أحمد في رواية ابن منصور في رجل لفظ بطلاق امرأته لا يدري واحدة أم ثلاثا ؟ قال أما الواحدة فقد وجبت عليه وهي حتى يستيقن وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي لان ما زاد على القدر الذي تيقنه طلاق مشكوك فيه فلم يلزمه كما لو شك في أصل الطلاق وإذا ثبت هذا فإنه تبقى أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة الرجعة وإذا راجع وجبت النفقة وحقوق الزوجية قال الخرقي يحرم وطؤها ونحوه قول مالك إلا أنه حكي عنه أنه يلزمه الأكثر من الطلاق المشكوك فيه وقولهما تيقن في التحريم لأنه تيقن وجوده بالطلاق وشك في رفعه بالرجعة فلا يرتفع بالشك كما لو أصاب ثوب نجاسة وشك في موضعها فإنه لا يزول حكم النجاسة بغسل موضع من الثوب ولا يزول إلا بغسل جميعه وفارق لزوم النفقة فإنها لا تزول بالطلقة الواحدة فهي باقية لأنها كانت باقية ولم يتيقن زوالها وظاهر قول غير الخرقي من أصحابنا أنه إذا راجعها حلت له وهو قول أبي حنيفة و الشافعي وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور لأن التحريم المتعلق بما ينفيه يزول بالرجعة يقينا فإن التحريم أنواع تحريم تزيله الرجعة تحريم يزيله نكاح وتحريم يزيله نكاح بعد زوج وإصابة من تيقن الأدنى لا يثبت فيه حكم الأعلى كمن تيقن الحدث الأصغر لا يثبت فيه حكم الأكبر ويزول تحريم الصلاة بالطهارة الصغرى ويخالف الثوب فإن غسل بعضه لا يرفع ما تيقنه من النجاسة فنظير مسألتنا أن يتيقن نجاسة كم الثوب ويشك في نجاسة سائره فإن حكم النجاسة فيه يزول بغسل الكم وحدها كذا ههنا ويمكن منع حصول التحريم ههنا ومنع يقينه فإن الرجعية مباحة لزوجها في ظاهر المذهب وما هو إذا متيقن للتحريم بل شاك فيه متيقن للإباحة

فصول : الشك في وجود سبب الحنث في الطلاق المعلق
فصل : إذا رأى رجلان طائرا فحلف بالطلاق أنه غراب وحلق الآخر بالطلاق إنه حمام فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بحنث واحد منهما لأن يقين النكاح ثبت ووقوع الطلاق مشكوك فيه فإن ادعت امرأة أحدهما حنثه فيها فالأول قوله لأن الأصل معه واليقين في جانبه ولو كان الحالف واحد فقال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن كان حماما فعبيده أحرار أو قال إن كان غرابا فزينب طالق وإن كان حماما فهند طالق ولم يعلم ما هو لم يحكم بحنثه في شيء لأنه متيقن للنكاح شاك في الحنث فلا يزول عن يقين النكاح والملك بالشك فأما إن أحد الرجلين إن كان غرابا فامرأته طالق ثلاثا وقال الآخر : إن لم يكن غرابا فامرأته طالق ثلاثا فطار ولم يعلما حاله فقد حنث أحدهما لا بعينه ولا يحكم به في حق واحد منهما بعينه بل تبقى في حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكنى لأن كل واحد منهما يقين نكاحه باق ووقوع طلاقه مشكوك فيه فأما الوطء فذكر القاضي إنه يحرم عليهما لأن أحدهما حانث بيقين وامرأته محرمة عليه وقد أشكل فحرم عليهما جميعا كما لو حنث في إحدى امرأتيه لا بعينها وقال أصحاب الرأي و الشافعي لا يحرم على واحد منهما وطء امرأته لأنه محكوم ببقاء نكاحه ولم يحكم بوقوع الطلاق عليه وفارق الحانث في إحدى امرأتيه لأنه معلوم زوال نكاحه عن إحدى زوجتيه قلنا إنما تحقق حنثه في واحدة غير معينة وبالنظر إلى كل واحدة مفردة فيقين نكاحها باق وطلاقها مشكوك فيه لكن لما تحققنا أن إحدهما حرام ولم يمكن تمييزها حرمتا عليه جميعا وكذلك ههنا قد علمنا أن أحد هذين الرجلين قد طلقت امرأته وحرمت عليه وتعذر التمييز فيحرم الوطء عليهما ويصير كما لو تنجس أحد الإناءين لا بعينه فإنه يحرم استعمال كل واحد منهما سواء كانا لرجلين أو لرجل واحد وقال مكحول يحمل الطلاق عليهما جميعا ومال إليه أبو عبيد فإن ادعى كل واحد منهما أنه علم الحال وانه لم يحنث دين فيما بينه وبين الله تعالى ونحو هذا قال عطاء و الشعبي و الزهري و الحارث العكلي و الثوري و الشافعي لأن كل واحد منهما يمكن صدقه فيما ادعاه وإن أقر كل واحد منهما أنه الحانث طلقت زوجتاهما بإقرارهما على أنفسهما وإن أقر أحدهما حنث وحده وإن ادعت امرأة أحدهما عليه الحنث فأنكر فالقول قوله وهل يحلف ؟ يخرج على روايتين
فصل : فإن قال أحدهما إن كان هذا غرابا فعبدي حر وقال الآخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر فطار ولم يعلما حاله لم نحكم بعتق واحد من العبدين فإن اشترى أحدهما عبد صاحبه بعد أن أنكر حنث نفسه عتق الذي اشتراه لأن إنكاره حنث نفسه منه بحنث صاحبه وإقرار بعتق الذي اشتراه وإذا اشترى من أقر بحريته عتق عليه وإن لم يكن منه إنكار ولا اعتراف فقد صار العبدان في يده وأحدهما حر ولم يعلم بعينه ويرجع في تعيينه إلى القرعة وهذا قول أبي الخطاب وذهب القاضي إلى أنه يعتق الذي اشتراه في الموضعين لأن تمسكه بعبده اعتراف منه برقه وحرية صاحبه وهذا مذهب الشافعي
ولنا أنه لم يعترف لفظا ولا فعل ما يلزم الاعتراف فإن الشرع يسوغ له إمساك عبده مع الجهل استنادا إلى الأصل فكيف يكون معترفا مع تصريحه بأنني لا أعلم الحر منهما ؟ وإنما اكتفينا في إبقاء رق عبده باحتمال الحنث في حق صاحبه فإذا صار العبدان له وأحدهما حر لا بعينه صار كأنهما كانا له فحلف بعتق أحدهما وحده فيقرع بينهما حينئذ ولو كان الحالف واحدا فقال إن كان غرابا فأمتي حرة ولم يعلم حاله فإنه يقرع بينهما فيعتق أحدهما فإن ادعى أحدهما أنه الذي عتق أو ادعى كل واحد منهما ذلك فالقول قول السيد مع يمينه
فصل : وإن قال إن كان غرابا فهذه طالق وإن لم يكن غرابا فهذه الأخرى طالق فطار ولم يعلم حاله فقد طلقت إحداهما فيحرم عليه قربانهما ويؤخذ بنفقتهما حتى تبين المطلقة منهما لأنهما محبوستان عليه لحقه وذهب أصحابنا إلى أنه يقرع بينهما فتخرج بالقرعة المطلقة منهما كقولنا في العبيد والصحيح أن القرعة لا مدخل لها ههنا لما سنذكره فيما إذا طلق واحدة وأنسيها وهو قول أكثر أهل العلم فعلى هذا يبقى التحريم فيهما إلى أن يعلم المطلقة منهما ويؤخذ بنفقتهما فإن قال هذه التي حنثت فيها حرمت عليه ويقبل قوله في حل الأخرى فإن ادعت التي لم يعترف بطلاقها إنها المطلقة فالقول قوله لأنه منكر وهل يحلف ؟ يخرج على روايتين
فصل : فإن قال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن لم يكن غرابا فعبيده أحرار وطار ولم يعلم حاله منع من التصرف في الملكين حتى يتبين وعليه نفقة الجميع فإن قال كان غرابا طلق نساؤه ورق عبيده فإن ادعى أنه لم يكن غرابا ليعتقوا فالقول قوله وهل يحلف ؟ يخرج على روايتين وإن قال لم يكن غرابا عتق عبيده ولم تطلق النساء فإن ادعين أنه كان غرابا ليطلقن فالقول قوله وفي تحليفه وجهان وكل موضع قلنا يستحلف فنكل عن اليمين قضي عليه بنكوله وإن قال لا أعلم ما الطائر ؟ فقياس المذهب أن يقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الغراب طلق النساء ورق العبيد وإن وقعت على العبيد ولم تطلق النساء وهذا قول أبي ثور وقال أصحاب الشافعي : إن وقعت القرعة على النساء لم يطلقن ولم يعتق العبيد لأن القرعة لها مدخل في العتق لكون النبي صلى الله عليه و سلم أقرع بين العبيد الستة ولا مدخل لها في الطلاق لأنه لم ينقل مثل ذلك فيه ولا يمكن قياسه على العتق لأن الطلاق حل قيد النكاح والقرعة لا تدخل في النكاح والعتق حل الملك والقرعة تدخل في تمييز الأملاك قالوا ولا يقرع بينهم إلا بعد موته ويمكن أن يقال على هذا ان ما لا يصلح للتعيين في حق الموروث لا يصلح في حق الوارث كما لو كانت اليمين في زوجتين ولأن الاماء محرمات على الموروث تحريما لا تزيله القرعة فلم ينجز للوارث بها كما لو تعين العتق فيهن

مسألة وفصلان : طلاق امرأة من نسائه مبهمة
مسألة : قال : وإذا قال لزوجاته إحداكن طالق ولم ينو بعينها أقرع بينهن فأخرجت بالقرعة المطلقة منهن
وجملته أنه إذا طلق امرأة من نسائه لا بعينها فإنها تخرج بالقرعة نص عليه في رواية جماعة وبه قال الحسن و أبو ثور وقال قتادة و مالك يطلقن جميعا وقال حماد بن أبي سليمان و الثوري و أبو حنيفة و الشافعي : له أن يختار أيتهن شاء فيوقع عليها الطلاق لأنه يملك إيقاعه ابتداء وتعيينه فإذا أوقعه ولم يعينه ملك تعيينه لأنه استيفاء ما ملكه
ولنا أن ما ذكرناه مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما ولا مخالف لهما في الصحابة ولأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وقد ثبت الأصل بكون النبي صلى الله عليه و سلم أقرع بين العبيد الستة ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة كالحرية في العبيد إذا أعتقهم في مرضه ولم يخرج جميعهم من الثلث وكالسفر بإحدى نسائه والبداية بإحداهن في القسم وكالشريكين إذا اقتسما ولأنه طلق واحدة من نسائه لا يعلم عينها فلم يملك تعيينها باختياره كالمنسية وأما الدليل على أنهن لا يطلقن جميعا أنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم يطلق الجميع كما لو عينها قولهم إنه كان يملك الإيقاع والتعيين قلنا ملكه للتعيين بالإيقاع لا يلزم أن يملكه بعده كما لو طلق واحدة بعينها وأنسيها وأما إن نوى واحدة بعينها طلقت وحدها لأنه عينها بنيته فأشبه ما لو عينها بلفظه وإن قال إنما أردت فلانة قبل منه لأنه يحتمل ما قاله وإن مات قبل القرعة والتعيين أقرع الورثة بينهن فمن وقعت عليها قرعة الطلاق فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها بالتطليق
فصل : وإذا قال لنسائه إحداكن طالق غدا فجاء غد طلقت واحدة منهن وأخرجت بالقرعة فإن مات قبل الغد ورثته كلهن وإن ماتت إحداهن ورثها لأنها ماتت قبل وقوع الطلاق فإذا جاء غد أقرع بين الميتة والأحياء فإن وقعت القرعة على الميتة لم يطلق شيء من الأحياء وصارت كالمعينة بقوله أنت طالق غدا وقال القاضي : قياس المذهب أن يتعين الطلاق في الأحياء فلو كانتا اثنتين فماتت إحداهما طلقت الأخرى كما لو قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق وهو قول أبي حنيفة والفرق بينهما ظاهر فإن الأجنبية ليست محلا للطلاق وقت قوله فلا ينصرف قوله إليها وهذه قد كانت محلا للطلاق وإرادتها بالطلاق ممكنة وإرادتها بالطلاق كإرادة الأخرى وحدوث الموت بها لا يقتضي في حق الأخرى طلاقا فتبقى على ما كانت عليه والقول في تعليق العتق كالقول في تعليق الطلاق وإذا جاء غد وقد باع بعض العبيد أقرع بينه وبين العبيد الأخر فإن وقعت على المبيع لم يعتق شيء منه وعلى قول القاضي ينبغي أن يتعين العتق في الباقين وكذلك ينبغي أن يكون مذهب أبي حنيفة و الشافعي لأن له تعيين العتق عندهم بقوله فبيع أحدهم صرف للعتق عنه فيتعين في الباقين وإن باع نصف العبد أقرع بينه وبين الباقين فإن وقعت قرعة العتق عليه عتق نصفه وسرى إلى باقيه إن كان العتق موسرا وإن كان معسرا لم يعتق إلا نصفه
فصل : وإذا قال امرأتي طالق وأمتي حرة وله نساء وإماء ونوى بذلك معينة انصرف إليها وإن نوى واحدة مبهمة فهي مبهمة فيهن وإن لم ينو فقال أبو الخطاب : يطلق نساؤه كلهن ويعتق إماؤه لأن الواحد المضاف يراد به الكل كقوله تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } - و { أحل لكم ليلة الصيام } ولأن ذلك يروى عن ابن عباس وقال الجماعة يقع على واحدة مبهمة وحكمه حكم ما لو قال إحداكن طالق وإحداكن حرة لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجمع إلا مجازا والكلام لحقيقته ما لم يصرفه عنها دليل ولو تساوى الاحتمالان لوجب قصره على الواحدة لأنها اليقين فلا يثبت الحكم فيما زاد عليها بأمر مشكوك فيه وهذا أصح والله أعلم

مسألتان وفصول : الحكم إذا طلق امرأة من نسائه فنسيها
مسألة : قال : وإذا طلق واحد من نسائه وأنسيها أخرجت بالقرعة
أكثر أصحابنا على أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة فيثبت حكم الطلاق فيها ويحل له الباقيات وقد روى اسماعيل بن سعيد عن أحمد ما يدل على أن القرعة لا تستعمل ههنا لمعرفة الحل وإنما تستعمل لمعرفة الميراث فإنه قال سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق ؟ قال أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت أرأيت إن مات هذا ؟ قال أقول بالقرعة وذلك لأنه تصير القرعة على المال وجماعة من روى عنه القرعة في المطلقة المنسية إنما هو في التوريث فأما في الحل فلا ينبغي أن يثبت بالقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم فالكلام إذا في المسألة في شيئين
أحدهما : في استعمال القرعة في المنسية للتوريث
والثاني : في استعمالها فيها للحل أما الأول فوجهه ما روى عبد الله بن حميد قال : سألت أبا جعفر عن رجل قدم من خراسان وله أربع نسوة قدم البصرة فطلق إحداهن ونكح ثم مات لا يدري الشهود أيتهن طلق ؟ فقال قال علي رضي الله عنه : أقرع بين الأربع وأنذر منهن واحدة واقسم بينهن الميراث ولأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة صح استعمالها كالشركاء في القسمة والعبيد في الحرية وأما القرعة في الحل في المنسية فلا يصح استعمالها لأن اشتبهت عليه زوجته بأجنبية فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت بأجنبية لم يكن له عليها عقد ولأن القرعة لا تزيل التحريم من المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه ولا احتمال كون المطلقة غير من خرجت عليها القرعة ولهذا لو ذكر أن المطلقة غيرها حرمت عليه ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد بالذكر فيجب بقاء التحريم بعد القرعة كما كان قبلها وقد قال الخرقي : فيمن طلق امرأته فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا ؟
ومن حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة لا تحل له امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت عليها اليمين فحرمها مع أن الأصل بقاء النكاح ولم يعارضه يقين التحريم فههنا أولى وهكذا الحكم في كل موضع وقع الطلاق على امرأة بعينها ثم اشتبهت بغيرها مثل أن يرى امرأة في روزنة أو مولية فيقول أنت طالق ولا يعلم عينها من نسائه وكذلك إذا وقع الطلاق على إحدى نسائه في مسألة الطائر وشبهها فإنه يحرم جميع نسائه عليه حتى تتبين المطلقة ويؤخذ بنفقة الجميع لأنهن محبوسات عليه وإن أقرع بينهن لم تفد القرعة شيئا ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزوج لأنها يجوز أن تكون غير المطلقة ولا يحل للزوج غيرها لاحتمال أن تكون المطلقة وقال أصحابنا إذا أقرع بينهن فخرجت القرعة على إحداهن ثبت حكم الطلاق فيها فحل لها النكاح بعد قضاء عدتها وحل للزوج من سواها كما لو كان الطلاق في واحدة غير معنية واحتجوا بما ذكرنا من حديث علي ولأنها مطلقة لم تعلم بعينها فأشبه ما لو قال إحداكن طالق ولأنه إزالة أحد الملكين المبنيين على التغليب والسراية أشبه العتق والصحيح إن شاء الله أن القرعة لا تدخل ههنا لما قدمنا وفارق ما قاسوا عليه فإن الحق لم يثبت لواحد بعينه فجعل الشرع القرعة معينة فإنها تصلح للتعيين وفي مسألتنا الطلاق واقع في معينة لا محالة والقرعة لا ترفعه عنها ولا توقعه على غيرها ولا يؤمن وقوع القرعة على غيرها واحتمال وقوع القرعة على غيرها كاحتمال وقوعها عليها بل هو أظهر في غيرها فإنهن إذا كن أربعا فاحتمال وقوعه في واحدة منهن بعينها أندر من احتمال وقوعه في واحدة من ثلاث ولذلك لو اشتبهت أخته بأجنبية أو ميتة بمذكاة أو زوجته بأجنبية أو حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر وأشباه ذلك مما يطول ذكره لا تدخله قرعة فكذا ههنا وأما حديث علي فهو في الميراث لا في الحل وما نعلم بالقول بها في الحل من الصحابة قائلا
فصل : فعلى قول أصحابنا إذا ذكر أن المطلقة غير التي وقعت عليها القرعة فقد تبين أنها كانت محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حين طلق لا من حين ذكر وقوله في هذا مقبول لأنه يقر على نفسه وترد إليه التي خرجت عليها القرعة لأننا تبينا أنها غير مطلقة والقرعة ليست بطلاق لا صريح ولا كناية فإن لم تكن تزوجت ردت إليه وقبل قوله في هذا لأنه أمر من جهته لا يعرف إلا من قبله إلا أن تكون قد تزوجت أو يكون بحكم حاكم لأنها إذا تزوجت تعلق بها حق الزوج الثاني فلا يقبل قوله في فسخ نكاحه والقرعة من جهة الحاكم بالفرقة لا يمكن الزوج رفعها فتقع الفرقة بالزوجين
قال أحمد في رواية الميموني : إذا كان له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ولم يدر أيتهن طلق يقرع بينهن فإن أقرع بينهن فوقعت القرعة على واحدة ثم ذكر التي طلق فقال هذه ترجع إليه والتي ذكر أنه طلق يقع الطلاق عليها فإن تزوجت فهذا شيء قد مر فإن كان الحاكم أقرع بينهن فلا أحب أن ترجع إليه لأن الحاكم في ذلك أكبر منه وقال أبو بكر و ابن حامد متى أقرع ثم قال بعد ذلك إن المطلقة غيرها وقع الطلاق بهما جميعا ولا ترجع إليه واحدة منهما لا أن التي عينها بالطلاق تحرم بقوله وترثه إن مات ولا يرثها ويجيء على قياس قولهما أن تلزمه نفقتها ولا يحل وطؤها
فصل : فإن قال هذه المطلقة قبل منه وإن قال هذه المطلقة بل هذه طلقتا لأنه أقر بطلاق الأولى فقبل إقراره ثم قبل إقراره بطلاق الثانية ولم يقبل رجوعه عما أقر به من طلاق الأولى وكذلك لو كن ثلاثا فقال هذه بل هذه طلقن كلهن وإن قال هذه أو هذه بل هذه طلقت الثانية وإحدى الأوليين وإن قال طلقت هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الأخريين وإن قال أنت طالق وهذه أو هذه فقال القاضي : هي كذلك وذكر أنه قول الكسائي
وقال محمد بن الحسن : تطلق الثانية ويبقى الشك في الأولى والثالثة وجه الأول أنه عطف الثانية على الأولى بغير شك ثم فصل بين الثانية والثالثة بحرف الشك فيكون الشك فيهما ولو قال طلقت هذه أو هذه وهذه طلقت الثالثة وكان الشك في الأوليين ويحتمل في هاتين المسألتين أن يكون الشك في الجميع لأنه في الأولى أتى بحرف الشك بعدهما فيعود إليهما وفي المسألة الثانية عطف الثالثة على الشك فعلى هذا إذا قال طلقت هذه وهذه أو هذه طولب بالبيان فإن قال هي الثالثة طلقت وحدها وإن قال لم أطلقها طلقت الأولتان وإن لم يبين أقرع بين الأولتين والثالثة قال القاضي في المجرد : وهذا أصح وإن قال طلقت هذه أو هذه وهذه أخذ بالبيان فإن قال هي الأولى طلقت وحدها وإن قال ليست الأولى طلقت الأخريان كما لو قال طلقت هذه أو هاتين وليس له الوطء قبل التعيين فإن وطئ لم يكن تعيينا وإن ماتت إحداهما لم يتعين الطلاق في الأخرى وقال أبو حنيفة : يتعين الطلاق في الأخرى لأنها ماتت قبل ثبوت طلاقها
ولنا أن موت إحداهما أو وطأها لا ينفي احتمال كونها مطلقة فلم يكن تعيينا لغيرها كمرضها وإن قال طلقت هذه وهذه أو هذه وهذه فالظاهر أنه طلق اثنتين لا يدري أهما الأولتان أم الآخرتان كما لو قال طلقت هاتين أو هاتين فإن قال هما الأولتان تعين الطلاق فيهما وإن قال لم أطلق الأولتين تعين الآخرتان وإن قال إنما أشك في طلاق الثانية والآخرتين طلقت الأولى وبقي الشك في الثلاث ومتى فسر كلامه بشيء محتمل قبل منه
مسألة : قال : فإن مات قبل ذلك أقرع الورثة وكان الميراث للبواقي منهن
نص أحمد على هذا وقال أبو حنيفة : يقسم الميراث بينهن كلهن لأنهن تساوين في احتمال استحقاقه ولا يخرج الحق عنهن وقال الشافعي : يوقف الميراث المختص بهن حتى يصطلحن عليه لأنه لا يعلم المستحق منهن ووجه قول الخرقي قول علي رضي الله عنه ولأنهن قد تساوين ولا سبيل إلى التعيين فوجب المصير إلى القرعة كمن اعتق عبيدا في مرضه لا مال له سواهم وقد ثبت الحكم فيهم بالنص ولأن توريث الجميع توريث لمن لا يستحق يقينا والوقف لا إلى غاية حرمان لم يستحق يقينا والقرعة يسلم بها من هذين المحذورين ولها نظير في الشرع
فصل : فإن مات بعضهن أو جميعهن قرعنا بين الجميع فمن خرجت القرعة لها حرمناه ميراثها وإن مات بعضهن قبله وبعضهن بعده وخرجت القرعة لميتة قبله حرمناه ميراثها وإن خرجت لميتة بعده حرمناها ميراثه والباقيات يرثهن ويرثنه فإن قال الزوج بعد موتها هذه التي طلقتها أو قال في غير العينة هذه التي أردتها حرم ميراثها لأنه يقر على نفسه ويرث الباقيات سواء صدقه ورثتهن أو كذبوه لأن علم ذلك إنما يعرف من جهته ولأن الأصل بقاء النكاح بينهما وهم يدعون طلاقه لها والأصل عدمه وهل يستحلف على ذلك ؟ فيه روايتان فإن قلنا يستحلف فنكل حرمناه ميراثها لنكوله ولم يرث الأخرى لإقراره بطلاقها فإن مات فقال ورثته لإحداهن هذه المطلقة فأقرت أو أقر ورثتها بعد موتها حرمناها ميراثه وإن أنكرت أو أنكر ورثتها فقياس ما ذكرناه أن القول قولها لأنها تدعي بقاء نكاحها وهم يدعون زواله والأصل معها فلا يقبل قولهم عليها إلا ببينة وإن شهد اثنان من ورثته انه طلقها قبلت شهادتهما إذا لم يكونا ممن يتوفر عليهما ميراثها ولا على من لا تقبل شهادتهما له كأمهما وجدتهما لأن ميراث إحدى الزوجات لا يرجع إلى ورثة الزوج وإنما يتوفر على ضرائرها وإن ادعت إحدى الزوجات أنه طلقها طلاقا تبين به فأنكرها فالقول قوله وإن مات لم ترثه لإقرارها بأنها لا تستحق ميراثه فقبلنا قولها فيما عليها دون ما لها وعليها العدة لأننا لم نقبل قولها فيما عليها وهذا التفريع فيما إذا كان الطلاق يبينها فأما إن كان رجعيا ومات في عدتها أو ماتت ورث كل واحد منهما صاحبه
فصل : وإذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات ولم يعلم أيتهن طلق فللتي تزوجها ربع ميراث النسوة نص عليه أحمد ولا خلاف فيه بين أهل العلم ثم يقرع بين الأربع فأيتهن خرجت قرعتها خرجت وورث الباقيات نص عليه أحمد أيضا وذهب الشعبي و النخعي و عطاء الخراساني و أبو حنيفة إلى أن الباقي بين الأربع وزعم أبو عبيد انه قول أهل الحجاز وأهل العراق جميعا وقال الشافعي : يوقف الباقي بينهن حتى يصطلحن ووجه الأقوال ما تقدم
وقال أحمد في رواية ابن منصور : في رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهن ثلاثا وواحدة اثنتين وواحدة واحدة ومات على أثر ذلك ولا يدر أيتهن طلق ثلاثا وأيتهن طلق اثنتين وأيتهن واحدة يقرع بينهن فالتي أبانها تخرج ولا ميراث لها هذا فيما إذا مات في عدتهن وكان طلاقه في صحته فإنه لا يحرم الميراث إلا المطلقة ثلاثا فالباقيتان رجعيتان يرثنه في العدة ويرثهن ومن انقضت عدتها منهن لم ترثه ولم يرثها ولو كان طلاقه في مرضه الذي مات فيه لورثه الجميع في العدة وفيما بعدها قبل التزويج روايتان
فصل : إذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها أو يعينها فأنسيها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة قبل القرعة وخرج ابن حامد وجها في أنه لا يصح نكاح الخامسة لأن المطلقة في حكم نسائه بالنسبة إلى وجوب الإنفاق عليها وحرمة النكاح في حقها ولا يصح لاننا علمنا أن منهن واحدة بائنا منه ليست في نكاحه ولا في عدة من نكاحه فكيف تكون زوجته وإنما الإنفاق عليها لأجل حبسها ومنعها من التزوج بغيره لأجل اشتباهها ومتى علمناها بعينها إما بتعيينه أو قرعة فعدتها من حين طلقها لا من حين عينها وذكر أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي أن عدتها من حين التعيين وهذا فاسد فإن الطلاق وقع حين إيقاعه وثبت حكمه في تحريم الوطء وحرمان الميراث من الزوج وحرمانه منها قبل التعيين فكذلك العدة وإنما التعيين تبيين لما كان واقعا وإن مات الزوج قبل البيان فعلى الجميع عدة الوفاء في قول الشعبي و النخعي و عطاءالخراساني
قال أبو عبيد وهو قول أهل الحجاز والعراق لأن كل واحدة منهن يحتمل أنها باقية على النكاح والأصل بقاؤه فتلزمها عدته والصحيح أنه يلزم كل واحدة أطول الأجلين من عدة الوفاء وعدة الطلاق لكن عدة الطلاق من حين طلق وعدة الوفاة من حين موته لأن كل واحدة منهن يحتمل أن يكون عليها عدة الوفاة ويحتمل أنها المطلقة فعليها عدة الطلاق فلا تبرأ يقينا إلا بأطولهما وهذا في الطلاق البائن فأما الرجعي فعليها عدة الوفاة بكل حال لأن الرجعية زوجة

فصلان : اختلاف الزوجين في فصول التعليق
فصل : إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الطلاق إلا أن يكون لها بما ادعته بينة ولا يقبل فيه إلا عدلان ونقل ابن منصور عن أحمد أنه سئل أتجوز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق قال لا والله إنما كان كذلك لأن الطلاق ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يقبل فيه إلا عدلان كالحدود والقصاص فإن لم تكن بينة فهل يستحلف ؟ فيه روايتان نقل أبو الخطاب أنه يستحلف وهو الصحيح لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ولكن اليمين على المدعى عليه ] وقوله [ اليمين على من أنكر ] ولأنه يصح من الزوج بذله فيستحلف فيه كالمهر ونقل أبو طالب عنه لا يستحلف في الطلاق والنكاح لأنه لا يقضي فيه بالنكول فلا يستحلف فيه كالنكاح إذا ادعى زوجتيها فأنكرته وإن اختلفا في عدد الطلاق فالقول قوله لما ذكرناه فإذا طلق ثلاثا وسمعت ذلك وأنكر أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها وعليها أن تفر منه ما استطاعت وتمتنع منه إذا أرادها وتفتدي منه إن قدرت قال أحمد : لا يسعها أن تقيم معه وقال أيضا : تفتدي منه بما تقدر عليه فإن أجبرت على ذلك فلا تزين له ولا تقر به وتهرب إن قدرت وإن شهد عندها عدلان غير متهمين فلا تقيم معه وهذا قول أكثر أهل العلم قال جابر بن زيد وحماد بن أبي سليمان وبن سيرين : تفر منه ما استطاعت وتفتدي منه بكل ما يمكن وقال الثوري و أبو حنيفة و أبو يوسف و أبو عبيد تفر منه وقال مالك : لا تتزين له ولا تبدي له شيئا من شعرها ولا عريتها ولا يصيبها إلا وهي مكرهة وروي عن الحسن و الزهري و النخعي يستحلف ثم يكون الاثم عليه والصحيح ما قاله الأولون لأن هذه تعلم أنها أجنبية منه محرمة عليه فوجب عليها الامتناع والفرار منه كسائر الأجنبيات وهكذا لو ادعى نكاح امرأة كذبا وأقام بذلك شاهدي زور فحكم له الحاكم بالزوجية ولو تزوجها تزويجا باطلا وسلمت إليه بذلك فالحكم في هذا كله كالحكم في المطلقة ثلاثا
فصل : ولو طلقها ثلاثا ثم جحد طلاقها لم ترثه نص عليه أحمد وبه قال قتادة و أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي و ابن المنذر وقال الحسن : ترثه لأنها في حكم الزوجات ظاهرا
ولنا أنها تعلم أنها أجنبية فلم ترثه كسائر الأجنبيات وقال أحمد في رواية أبي طالب : تهرب منه ولا تتزوج حتى يظهر طلاقها وتعلم ذلك يجيء فيدعيها فترد عليه وتعاقب وإن مات ولم يقر بطلاقها لا ترثه لا تأخذ ما ليس لها تفر منه ولا تخرج من البلد ولكن تختفي في بلدها قيل له فإن بعض الناس قال تقتله هي بمنزلة من يدفع عن نفسه فلم يعجبه ذلك فمنعها من التزويج قبل ثبوت طلاقها لأنها في ظاهر الحكم زوجة هذا المطلق فإذا تزوجت غيره وجب عليها في ظاهر الشرع العقوبة والرد إلى الأول ويجتمع عليها زوجان هذا بظاهر الأمر وذاك بباطنه ولم يأذن لها في الخروج من البلد لأن ذلك يقوي التهمة في نشوزها ولأن في قتله قصدا لأن الدافع عن نفسه لا يقتل قصدا فأما إن قصدت الدفع عن نفسها فآل إلى نفسه فلا اثم عليها ولا ضمان في الباطن فأما في الظاهر فإنها تؤخذ بحكم القتل ما لم يثبت صدقها

فصل : إذا طلق فشهد عليه أربعة أنه وطئها
فصل : قال أحمد : إذا طلقها ثلاثا فشهد عليه أربعة أنه وطئها أقيم عليها الحد إنما أوجبه لأنها صارت بالطلاق أجنبية فهي كسائر الأجنبيات بل هي أشد تحريما لأنها محرمة وطئا ونكاحا فإن جحد طلاقها ووطئها ثم قامت البينة بطلاقه فلا حد عليه وبهذا قال الشعبي و مالك وأهل الحجاز و الثوري و الأوزاعي و ربيعة و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر لأن جحده لطلاقه يوهمنا أنه نسيه وذلك شبهة في درء الحد عنه ولا سبيل لنا إلى علم معرفته بالطلاق حالة وطئه إلا بإقراره بذلك فإن قال وطئتها عالما بأنني كنت طلقتها ثلاثا كان إقرارا منه بالزنا فيعتبر فيه ما يعتبر في الإقرار بالزنا

مسألة : ما ينهدم من عدد الطلاق بزواج المرأة من غير مطلقها
مسألة : قال : وإذا طلق زوجته أقل من ثلاث فقضت العدة ثم تزوجت غيره ثم أصابها ثم طلقها أو مات عنها وقضت العدة ثم تزوجها الأول فهي عنده على ما بقي من الثلاث
وجملة ذلك أن المطلق إذا بانت زوجته منه ثم تزوجها لم يخل من ثلاثة أحوال
أحدها : أن تنكح غيره ويصيبها ثم يتزوجها الأول فهذه ترجع إليه على طلاق ثلاث بإجماع أهل العلم قاله ابن المنذر
والثاني : أن يطلقها دون الثلاث ثم تعود إليه برجعة أو نكاح جديد قبل زوج ثان فهذه ترجع إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف نعلمه
والثالث : طلقها دون الثلاث فقضت عدتها ثم نكحت غيره ثم تزوجها الأول فعن أحمد فيها روايتان إحداهما : ترجع إليه على ما بقي من طلاقها وهذا قول الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر وعلي وأبي ومعاذ وعمران بن حصين وأبي هريرة وروي ذلك عن زيد وعبد الله بن عمرو بن العاص وبه قال سعيد بن المسيب و عبيدة و الحسن و مالك و الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و محمد بن الحسن و ابن المنذر
والرواية الثانية : عن أحمد أنها ترجع إليه على طلاق ثلاث وهذا قول ابن عمر وابن عباس و عطاء و النخعي و شريح و أبي حنيفة و أبي يوسف لأن وطء الزوج الثاني مثبت للحل فيثبت حلا يتسع لثلاث تطليقات كما بعد الثلاث لأن الوطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها
ولنا أن وطء الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول فلا يغير حكم الطلاق كوطء السيد ولأنه تزويج قبل استيفاء الثلاث فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطء الثاني وقولهم ان وطء الثاني يثبت الحل لا يصح لوجهين
أحدهما : منع كونه مثبتا للحل أصلا وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية للتحريم بدليل قوله تعالى : { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وحتى للغاية إنما سمى النبي صلى الله عليه و سلم الزوج الذي قصد الحيلة محللا تجوزا بدليل أنه لعنه ومن أثبت حلالا يستحق لعنا
والثاني : أن الحل إنما يثبت في محل فيه تحريم وهي المطلقة ثلاثا وههنا هي حلال له فلا يثبت فيها حل وقولهم إنه يهدم الطلاق قلنا بل هو غاية لتحريمه وما دون الثلاث لا تحريم فيها فلا يكون غاية له

مسألة وفصلان : عدد طلاق الرقيق
مسألة : قال : وإذا كان المطلق عبدا وكان طلاقه اثنتين لم تحل له زوجة حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت الزوجة أو مملوكة لأن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء
وجملة ذلك أن الطلاق معتبر بالرجال فإن كان الزوج حرا فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو أمة وإن كان عبدا فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة فإذا طلق اثنتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره روي ذلك عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب و مالك و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وقال ابن عمر : أيهما رق نقص الطلاق برقه فطلاق العبد اثنتان وإن كان تحته حرة وطلاق الأمة اثنتان وإن كان زوجها حرا وروي عن علي وابن مسعود أن الطلاق معتبر بالنساء فطلاق الأمة اثنتان حرا كان الزوج أو عبدا وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا وبه قال الحسن و ابن سيرين و عكرمة و عبيدة و مسروق و الزهري و الحكم و حماد و الثوري و أبو حنيفة لما روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان ] رواه أبو داود و ابن ماجة ولأن المرأة محل للطلاق فيعتبر بها كالعدة
ولنا أن الله تعالى خاطب الرجال بالطلاق فكان حكمه معتبرا بهم ولأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به كعدد المنكوحات وحديث عائشة قال أبو داود رواية مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث وقد أخرجه الدارقطني في سننه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقرء الأمة حيضتان وتتزوج الحرة على الأمة ولا تتزوج الأمة على الحرة ] وهذا نص ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعا فملك طلقات ثلاثا كما لو كان تحته حرة ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاث وان العبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان وإنما الخلاف فيما إذا كان أحد الزوجين حرا والآخر رقيقا
فصل : قال أحمد : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وطلاقه وأحكامه كلها أحكام العبيد وهذا صحيح فإنه جاء في الحديث [ المكاتب عبد ما بقي علي درهم ] ولأنه يصح عتقه ولا ينكح إلا اثنتين ولا يتزوج ولا يتسرى إلا بإذن سيده وهذه أحكام العبيد فيكون طلاقه كطلاق سائر العبيد
وقد روى الأثرم في سننه عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتب أم سلمة طلق امرأة حرة تطليقتين فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك فقالا حرمت عليك والمدبر كالعبد القن في نكاحه وطلاق وكذلك المعلق عتقه بصفة لأنه عبد فتثبت فيه أحكام العبيد
فصل : قال أحمد في رواية محمد بن الحكم العبد إذا كان نصفه حرا ونصفه عبدا يتزوج ثلاثا ويطلق ثلاث تطليقات وكذلك كلما تجزأ بالحساب إنما جعل له نكاح ثلاث لأن عدد المنكوحات يتبعض فوجب أن يتبعض في حقه كالحد فلذلك كان له أن ينكح نصف ما ينكح الحر ونصف ما ينكح العبد وذلك ثلاث وأما الطلاق فلا يمكن قسمته في حقه لأن مقتضى حاله أن يكون له ثلاثة أرباع الطلاق وليس له ثلاثة أرباع فكمل في حقه ولأن الأصل اثبات الطلقات الثلاث في حق كل مطلق وإنما خولف فيمن كمل الرق في حقه ففي من عداه يبقى على الأصل
فصل : إذا طلق العبد زوجته اثنتين ثم عتق لم تحل له زوجته حتى تنكح زوجا غيره لأنها حرمت عليه بالطلاق تحريما لا ينحل إلا بزوج وإصابة ولم يوجد ذلك فلا يزول التحريم وهذا ظاهر المذهب وقد روي عن أحمد أنه يحل له أن يتزوجها وتبقى عنده على واحدة وذكر حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم في المملوكين إذا طلقها تطليقتين ثم عتقا فله أن يتزوجها وقال لا أرى شيئا يدفعه وغير واحد يقول به أبو سلمة وجابر وسعيد بن المسيب ورواه الإمام أحمد في المسند وأكثر الروايات عن أحمد الأول وقال : حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد وحديث ابن عباس يرويه عمرو بن مغيث ولا أعرفه
وقد قال ابن المبارك من أبو حسن هذا ؟ لقد حمل صخرة عظيمة منكرا لهذا الحديث قال أحمد أما أبو حسن فهو عندي معروف ولكن لا أعرف عمرو بن مغيث قال أبو بكر إن صح الحديث فالعمل عليه وإن لم يصح فالعمل على حديث عثمان وزيد وبه أقول قال أحمد ولو طلق عبد زوجته الأمة تطليقتين ثم عتق واشتراها لم تحل له ولو تزوج وهو عبد فلم يطلقها أو طلقة واحدة ثم عتق فله عليها ثلاث تطليقات أو طلقتان إن كان طلقها واحدة لأنه في حال الطلاق حر فاعتبر حاله حينئذ كما يعتبر حال المرأة في العدة حين وجودها ولو تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق ثم أسلما جميعا لم يملك إلا طلاق العبيد اعتبارا بحاله حين الطلاق ولو طلق في كفره واحدة وراجعها ثم سبي واسترق لم يملك إلا طلقة واحدة ولو طلقها في كفره طلقتين ثم استرق فأراد التزويج بها جاز وله طلقة واحدة لأن الطلقتين وقعتا غير محرمتين فلا يعتبر حكمهما بما يطرأ بعدهما كما أن الطلقتين من العبد لما أن وقعتا محرمتين لم يعتبر ذلك بالعتق بعدهما

مسألة : قال : وإذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثة انصاف طلقتين
مسألة : قال : وإذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين طلقت بثلاث
نص أحمد على هذا في رواية مهنا وقال أبو عبد الله بن حامد تقع طلقتان لأن معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين وذلك طلقة ونصف تم تكمل فتصير طلقتين وقيل بل لأن النصف الثالث من طلقتين محال ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين
ولنا أن نصف الطلقتين طلقة وقد أوقعه ثلاثا فيقع ثلاث كما لو قال أنت طالق ثلاث طلقات وقولهم معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين تأويل يخالفه ظاهر اللفظ فإنه على ما ذكره يكون ثلاثة أنصاف طلقة وينبغي أن يكون ثلاثة أنصاف طلقتين مخالفة لثلاثة أنصاف طلقة وقولهم إنه محال قلنا وقوع نصف الطلقتين عليها مرات ليس بمحال فيجب أن يقع

فصل : وصف الطلاق بلفظ يقضي العظم والشدة
فصل : فإن قال أنت طالق ملء الدنيا ونوى الثلاث وقع الثلاث وإن لم ينو شيئا أو نوى واحدة فهي واحدة قال أحمد فيمن قال لامرأته أنت طالق ملء البيت فإن أراد الغلظة عليها يعني يريد أن تبين منه فهي ثلاث فاعتبر نيته فدل على أنه إذا لم ينو يقع واحدة وذلك لأن الوصف لا يقتضي عددا وهذا لا نعلم فيه خلافا إلا أن الواحدة إذا وقعت كانت رجعية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه تكون بائنا لأنه وصف الطلاق بصفة زائدة تقتضي الزيادة عليها وذلك هو البينونة
ولنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير استيفاء عدد ولا عوض فكان رجعيا كقوله أنت طالق وما ذكروه لا يصح لأن الطلاق حكم فإذا ثبت ثبت في الدنيا كلها فلا يقتضي ذلك زيادة وإن قال أنت طالق أشد الطلاق وأغلظه أو أطول الطلاق أو أعرضه أو أقصره أو مثل الجبل أو مثل عظم الجبل ولا نية له وقعت طلقة رجعية وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة في جميعها يقع بائنا وقال صاحباه إن قال مثل الجبل كانت رجعية وإن قال مثل عظم الجبل كانت بائنا ووجه القولين ما تقدم ولأنه لا يملك إيقاع البينونة فإنها حكم وليس ذلك إليه وإنما تثبت البينونة بأسباب معينة كالخلع والطلاق الثلاث والطلاق قبل الدخول فيملك مباشرة سببها فيثبت وإن أراد اثباتها بدون ذلك لم يثبت ويحتمل أن يكون أشد الطلاق عليه أو عليها وأغلاظ لتعجلهما أو لحب أحدهما صاحبه ومشقة فراقه عليه فلم يقع امر زائد بالشك وإن قال أنت طالق أقصى الطلاق أو أكبره فكذلك في قياس المذهب ويحتمل أن يكون أقصى الطلاق ثلاثا لأن أقصاه آخره وآخر الطلاق الثالثة ومن ضرورة كونها ثالثة وقوع اثنتين وإن قال أتم الطلاق أو أكمله فواحدة إلا أنها تكون سنية لأنها أكمل الطلاق وأتمه

فصل : عدد ما يقع من الطلاق إذا وصفه بالكثرة
فصل : وإن قال أنت طالق أكثر الطلاق أو كله أو جميعه أو منتهاه أو مثل عدد الحصا أو الرمل أو القطر طلقت ثلاثا لأن هذا يقتضي عددا ولأن الطلاق أقل وأكثر فأقله واحدة وأكثره ثلاث وإن قال كعدد التراب أو الماء وقع الثلاث وقال أبو حنيفة يقع واحدة بائنا لأن الماء والتراب من أسماء الأجناس لا عدد له
ولنا أن الماء تتعدد أنواعه وقطراته والتراب تتعدد أنواعه وأجزاؤه فأشبه الحصا وإن قال يا مائة طالق أو أنت مائة طالق طلقت ثلاثا وإن قال أنت طالق كمائة أو ألف فهي ثلاث قال أحمد فيمن قال أنت طالق كألف تطليقة فهي ثلاث وبه قال محمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة و أبو يوسف : إن لم تكن له نية وقعت واحدة لأنه لم يصرح بالعدد وإنما شبهها بالألف وليس الموقع للشبه به
ولنا أن قوله كألف تشبيه بالعدد خاصة لأنه لم يذكر إلا ذلك فوقع العدد كقوله أنت طالق كعدد ألف وفي هذا انفصال عما قال وإن قال أردت أنها طلقة كألف في صعوبتها دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين

فصل : الطلاق بالحساب
فصل : وإن قال أنت طالق من واحد إلى ثلاث وقع طلقتان وبهذا قال أبو حنيفة لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها كقوله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل } وإنما يدخل إذا كانت بمعنى مع وذلك خلاف موضوعها وقال زفر يقع طلقة لأن ابتداء الغاية ليس منها كقوله بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط وقال أبو يوسف و محمد يقع الثلاث لأنه نطق بها فلم يجز إلغاؤها
ولنا أن ابتداء الغاية يدخل كما لو قال خرجت من البصرة فإنه يدل على أنه كان فيها وأما انتهاء الغاية فلا يدخل بمقتضى اللفظ ولو احتمل دخوله وعدم دخوله لم نجز الطلاق بالشك وإن قال أنت طالق ما بين واحدة وثلاث وقعت واحدة لأنها التي بينهما

فصل : هل يحمل اللفظ في الطلاق على العرف عند اختلاف النية عن اللفظ ؟
فصل : فإن قال أنت طالق طلقة في اثنتين أو واحدة في اثنتين ونوى به ثلاثا فهي ثلاث لأنه يعبر بفي عن مع كقوله { فادخلي في عبادي } فتقدير الكلام أنت طالق طلقة مع طلقتين فإذا أقر بذلك على نفسه قبل منه وإن قال أردت واحدة قبل أيضا حاسبا كان أو غير حاسب وقال القاضي : إذا كان عارفا بالحساب لم يقبل منه ووقع طلقتان لأنه خلاف ما اقتضاه اللفظ
ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله فإنه لا يبعد أن يريد بكلامه ما يريده العامي وإن لم تكن له نية وكان عارفا بالحساب وقع طلقتان وقال القاضي : إن أطلق لم يقع إلا واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو بلفظ الواحدة وما زاد عليها لم يحصل فيه لفظ الإيقاع وإنما يقع الزائد بالقصد فإذا خلا عن القصد لم يقع إلا ما أوقعه وقال بعض أصحابه كقولنا وقال أبو حنيفة لا يقع إلا واحدة سواء قصد به الحساب أو لم يقصد إذا لم يقصد به واحدة مع اثنتين لأن الضرب إنما يصح فيما له مساحة فأما ما لا مساحة له فلا حقيقة فيه للحساب وإنما حصل منه الإيقاع في واحدة فوقعت دون غيرها
ولنا أن هذا اللفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنتين فإذا لفظ به وأطلق وقع كما لو قال أنت طالق اثنتين وبهذا يحصل الانفصال عما قاله الشافعي فإن اللفظ لا يحتاج معه إلى نية فأما ما قاله أبو حنيفة فإنما ذلك في وضع الحساب في الأصل ثم صار مستعملا في كل ما له عدد فصار حقيقة فيه فأما الجاهل بمقتضى ذلك في الحساب إذا طلق وقعت طلقة واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو لفظ واحدة وإنما صار مصروفا إلى الاثنتين بوضع أهل الحساب واصطلاحهم فمن لا يعرف اصطلاحهم لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها ولم يفرق أصحابنا في ذلك بين أن يكون المتكلم بذلك ممن لهم عرف في هذا اللفظ أو لا والظاهر أنه إن كان المتكلم بذلك من عرفهم أن في ههنا بمعنى مع وقع به ثلاث لأن كلامه يحمل على عرفهم والظاهر منه إرادته وهو المتبادر إلى الفهم من كلامه فإن نوى موجبه عند أهل الحساب فقال القاضي لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية ولا يعرف معناها وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه إذا لم يكن يعرف موجبه فلم يقصد إيقاعه ولا يصح منه قصد ما لا يعرفه

فصل : عدم ارتفاع الطلاق بالاضراب عنه
فإن قال أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان نص عليه أحمد وقال أصحاب الشافعي : يقع ثلاث في أحد الوجهين لأن قوله أنت طالق إيقاع فلا يجوز إيقاع الواحدة مرتين فيدل على أنه أوقعها ثم أراد رفعها وأوقع اثنتين آخرتين فتقع الثلاث
ولنا أن ما لفظ به قبل الإضراب بعض ما لفظ به بعده فلم يلزمه أكثر مما بعده كقوله علي درهم بل درهمان وقولهم لا يجوز إيقاع ما أوقعه قلنا يجوز أن يخبر بوقوعه مع وقوع غيره فلا يقع الزائد بالشك قال أحمد : فإن قال أنت طالق لا بل أنت طالق هي واحدة وهذا اختيار أبي بكر واختار القاضي أنه يقع طلقتان لأنه أراد رفع الأولى وإيقاع الثانية فلم ترتفع الأولى ووقعت الثانية
ووجه الأول أنه لو قال : له علي درهم بل درهم لزمه درهم واحد كذا ههنا فعلى هذا القول إن نوى بقوله بل أنت طالق طلقة أخرى وقع اثنتان لأنه قصد إيقاع طلقتين بلفظين فوقع كما لو قال أنت طالق أنت طالق وذكر القاضي احتمالا آخر أنه لا يقع إلا طلقة لأن اللفظ موضوع لواحدة فلا يصح أن ينوي به اثنتين قال أحمد : ولو كان له امرأتان فقال لإحداهما أنت طالق ثم قال للأخرى لا بل أنت طالق طلقتا جميعا ووجهه أنه أوقع طلاق الأولى ثم أضرب عنه وأوقع طلاق الأخرى فوقع بها ولم يرتفع عن الأولى وفارق ما إذا قال ذلك لواحدة لأن الطلقة يجوز أن تكون هي الثانية كرر الاخبار بها ولا يجوز في المرأتين أن يكون طلاق إحداهما هو طلاق الأخرى ونظيره في الإقرار ما لو قال له علي درهم بل درهم لزمه درهم ولو قال له علي درهم بل دينار لزماه جميعا
ولو قال أنت طالق واحدة بل هذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثا ولو قال لامرأة غير مدخول بها أنت طالق واحدة بل ثلاثا طلقت واحدة لأنها بانت الأولى فلم يقع بها ما بعدها وإن قال أنت طالق واحدة بل ثلاثا إن دخلت الدار ونوى تعليق الجميع بدخول الدار تعلق وإن نوى تعليق الثلاث حسب وقعت الواحدة في الحال وإن أطلق ففيه وجهان :
أحدهما : يتعلق الجميع بالشرط لأنه بعدهما فيعود إليهما
والثاني : تقع الواحدة في الحال وتبقى الثلاث معلقة بدخول الدار لأنه إنما ذكر الشرط عقيبها فتختص به
وإن قال أنت طالق إن دخلت الدار بل هذه فدخلت الأولى طلقتا وإن دخلت الثانية لم تطلق واحدة منهما فإن قال أردت أن الثانية تطلق إن دخلت الدار قبل منه لأنه محتمل لما قاله وإن قال أردت أنك تطلقين إذا دخلت الثانية الدار قبل منه لأنه محتمل لما قاله وكان طلاق الأولى وحدها معلقا على دخول كل واحدة منهما

فصول : الطلاق المقترن بما يبطل حكمه الشك في الطلاق
فصل : إذا قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو طالق لا أو طالق طلقة لا ينقص بها عدد طلاقك أو طالق لا شيء أو ليس بشيء طلقت واحدة لأن ذلك رفع لجميع ما أوقعه فلم يصح كاستثناء الجميع وإن قال ذلك خبرا فهو كذب لأن الواحدة إذا أوقعها وقعت وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا وإن قال أنت طالق أولا لم يقع لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج من أن يكون لفظا لإيقاع ويخالف ما قبل ذلك فإنه إيقاع ويحتمل أن يقع لأن لفظه لفظ الإيقاع لا لفظ الاستفهام لكون الاستفهام يكون بالهمزة أو نحوها فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكره بعده كالتي قبلها وإن قال أنت طالق واحدة أولا فكذلك وبه قال أبو حنيفة و أبو يوسف وهو قياس قول الشافعي وقال محمد : يقع واحدة لأن قوله أولا يرجع إلى ما يليه من اللفظ وهو واحدة دون لفظ الإيقاع وليس بصحيح لأن الواحدة صفة للطلقة الواقعة فما اتصل بها يرجع إليها فصار كقوله أنت طالق أو لا شيء
فصل : فإن قال أنت طالق بعد موتي أو موتك أو مع موتي أو موتك لم تطلق نص عليه أحمد وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا لأنها تبين بموت أحدهما فلا يصادف الطلاق نكاحا يزيله وإن تزوج أمة أبيه ثم قال إذا مات أبي فأنت طالق فمات أبوه لم يقع الطلاق اختاره القاضي لأنه بالموت يملكها فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق فلم يقع كما لو قال أنت طالق مع موتي واختار أبو الخطاب أنه يقع لأن الموت سبب ملكها وطلاقها وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه وإن قال إن اشتريتك فأنت طالق ثم اشتراها خرج على الوجهين وإن قال الأب إذا مت فأنت حرة وقال الابن إذا مات أبي فأنت طالق وكانت تخرج من الثلث ثم مات الأب وقع العتق والطلاق معا وإن لم تخرج من الثلث فإن بعضها ينتقل إلى الورثة فيملك الابن جزءا منها ينفسخ به النكاح فيكون كملك جميعها في فسخ النكاح ومنع وقوع الطلاق فإن أجاز الورثة عتقها فذكر بعض أهل العلم أن هذا ينبني على الإجازة هل هي تنفيذ أو عطية مبتدأة ؟ فإن قلنا هي عطية مبتدأة فقد انفسخ النكاح قبلها فلم يقع الطلاق وإن قلنا هي تنفيذ لما فعل السيد وقع الطلاق وهكذا إن أجاز الزوج وحده عتق أبيه فإن كان على الأب دين يستغرق تركته لم يعتق والصحيح أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح وإن كان الدين لا يستغرق التركة وكانت تخرج من الثلث بعد أداء الدين عتقت وطلقت وإن لم يخرج من الثلث لم تعتق كلها فيكون حكمها في فسخ النكاح ومنع الطلاق كما لو استغرق الدين التركة وإن أسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق لأن النكاح انفسخ قبل إسقاطه
فصل : في مسائل تنبني على نية الحالف وتأويله إذا قال إن لم تخبرني بعدد حب هذه الرمانة فأنت طالق أو أكل تمرا فقال إن لم تخبريني بعدد ما أكلت فأنت طالق ولم تعلم ذلك فإنها تعد له عددا يعلم أنه قد أتى على عدد ذلك مثل أن يعلم عدد ذلك ما بين مائة إلى ألف فتعد ذلك كله ولا يحنث إذا كانت نيته ذلك وإن نوى الإخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة لم يبرأ إلا بذلك وإن أطلق فقياس المذهب انه لا يبرأ إلا بذلك أيضا لأن ظاهر حال الحالف إرادته فتنصرف يمينه إليه كالأسماء العرفية التي تنصرف اليمين إلى مسماها عرفا دون مسماها حقيقية ولو أكل تمرا فقال إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت فأنت طالق فأفردت كل نواة وحدها فالقول فيها كالتي قبلها وإن وقعت في ماء جار فحلف عليها إن خرجت منه أو قمت فيه فأنت طالق فقال القاضي : قياس المذهب أنه يحنث إلا أن ينوي عين الماء الذي هي فيه لأن إطلاق يمينه يقتضي خروجها من النهر أو إقامتها فيه
وقال أبو الخطاب : لا يحنث لأن الماء المحلوف عليه جرى عنها وصارت في غيره فلم يحنث سواء أقامت أو خرجت لأنها إنما تقف في غيره أو تخرج منه وكذلك قال القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي لأن الأيمان عندهم تنبني على اللفظ لا على القصد وكذلك قالوا لا يحنث في هذه الأيمان السابقة كلها ولو قال إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق فكانا جميعا في السوق فقيل يعتق العبد ولا تطلق المرأة لأنه لما حنث في اليمين الأولى عتق العبد فلم يبق له في السوق عبد ويحتمل أن يحنث بناء على قولنا فيمن حلف على معين تعلقت اليمين بعينه دون صفته كما قال إن كلمت عبدي سعدا فأنت طالق ثم أعتقه وكلمته طلقت فكذلك ههنا لأن يمينه تعلقت بعبد معين وإن لم يرد عبدا بعينه لم تطلق المرأة لأنه لم يبق له عبد في السوق ولو كان في فيها تمرة فقال أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها وألقت بعضها لم يحنث إلا على قول من قال إنه يحنث بفعل بعض المحلوف عليه وإن نوى الجميع لم يحنث بحال ولو كانت عنده وديعة لانسان فأحلفه ظالم أن ليس لفلان عندك وديعة فإنه يحلف ما لفلان عندي وديعة وينوي بما الذي ويبر في يمينه وكذلك لو سرقت امرأته منه شيئا فحلف عليها بالطلاق لتصدقني أسرقت مني أم لا وخافت أن تصدقه فإنها تقول سرقت منك ما سرقت منك وتعني الذي سرقت منك ولو استحلفه ظالم هل رأيت فلانا أو لا ؟ فإنه يعني برأيت أي ضربت رئته وذكرته أي قطعت ذكره وما طلبت منه حاجة أي الشجرة التي حبسها الحاج ولا أخذت منه فروجا يعني القباء ولا حصيرا وهو الحبس وأشباه هذا فمن لم يكن ظالما فحلف وعنى به هذا تعلقت يمينه بما عناه ولو كانت له امرأة على درجة فحلف عليها أن لا تنزل عنها ولا تصعد منها ولا تقف عليها فإنها تنتقل عنها إلى سلم آخر وتنزل إن شاءت أو تصعد أو تقف عليه لأن نزولها إنما حصل من غيرها وإن كان في يمينه ولا انتقلت عنها فإنها تحمل مكرهة ولو كان في سلم وله امرأتان إحداهما في الغرفة والأخرى في البيت السفلاني فحلف لا صعدت إلى هذه ولا نزلت إلى الأخرى فإن السفلى تصعد وتنزل العليا ثم ينزل إن شاء أو يصعد
فصل : قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أجامعك اليوم وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم قال يصلي العصر ثم يجامعها فإذا غابت الشمس اغتسل إن لم يكن أراد بقوله اغتسلت المجامعة وقال في رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أطأك في رمضان فسافر مسيرة أربعة أيام وثلاثة ثم وطئها قال لا يعجبني لأنها حيلة ولا تعجبني الحيلة في هذا ولا في غيره قال القاضي : إنما كره أحمد هذا لأن السفر الذي يبيح الفطر أن يكون سفرا مقصودا مباحا وهذا لا يقصد به غير حل اليمين والصحيح أن هذا تنحل به اليمين ويباح له الفطر فيه لأنه سفر بعيد مباح لقصد صحيح وإرادة حل يمينه من المقاصد الصحيحة وقد أبحنا لمن له طريقان قصيرة لا تقصر فيها الصلاة وبعيدة أن يسلك البعيدة ليقصر فيها الصلاة ويفطر مع أنه لا قصد له سوى الترخص فههنا أولى

كتاب الرجعة الرجعة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع
وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله سبحانه : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } إلى قوله { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا } والمراد به الرجعة عند جماعة العلماء وأهل التفسير وقال تعالى : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } أي بالرجعة ومعناه إذا قاربن بلوغ أجلهن أي انقضاء عدتهن وأما السنة فما [ روى ابن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه و سلم فقال مره فليراجعها ] متفق عليه وروى أبو داود [ عن عمر قال ان النبي صلى الله عليه و سلم طلق حفصة ثم راجعها ] وأجمع أهل العلم أن الحر إذا طلق الحرة دون الثلاث أو العبد إذا طلق دون الاثنتين أن لهما الرجعة في العدة ذكره ابن المنذر

مسألة وفصول : صفة الوطء الذي تحل به المطلقة ثلاثا
مسألة : قال : والزوجة إذا لم يدخل بها تبينها تطليقة وتحرمها الثلاث من الحر والاثنتان من العبد
أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق مطلقها رجعتها وذلك لأن الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول لقول الله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا } فبين الله سبحانه أنه لا عدة عليها فتبين بمجرد طلاقها وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء عدتها لا رجعة عليها ولا نفقة لها وان رغب مطلقها فيها فهو خاطب من الخطاب يتزوجها برضاها بنكاح جديد وترجع إليه بطلقتين وإن طلقها اثنتين ثم تزوجها رجعت إليه بطلقة واجدة بغير خلاف بين أهل العلم وإن طلقها ثلاثا بلفظ واحد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره في قول أكثر أهل العلم وقد ذكرنا ذلك فيما مضى ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثا بعد الدخول لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره لقول الله سبحانه : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } و [ روت عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير فجاءت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها قالت فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ضاحكا وقال : لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته ] متفق عليه وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه وجمهور أهل العلم على أنها لا تحل للأول حتى يطأها الزوج الثاني وطأ يوجد فيه التقاء الختانين إلا أن سعيد بن المسيب من بينهم قال : إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد به إحلالا فلا بأس أن يتزوجها الأول قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بقول سعيد بن المسيب هذا إلا الخوارج أخذوا بظاهر قوله سبحانه : { حتى تنكح زوجا غيره } ومع تصريح النبي صلى الله عليه و سلم ببيان المراد من كتاب الله تعالى وانها لا تحل للأول حتى يذوق الثاني عسيلتها وتذوق عسيلته لا يعرج على شيء سواه ولا يسوغ لأحد المصير إلى غيره مع ما عليه جملة أهل العلم منهم علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وممن بعدهم مسروق و الزهري و مالك وأهل المدينة و الثوري وأصحاب الرأي و الأوزاعي وأهل الشام و الشافعي و أبو عبيدة وغيرهم
فصل : ويشترط لحلها للأول ثلاثة شروط
أحدها : أن تنكح زوجا غيره فلو كانت أمة فوطئها سيدها لم يحلها لقول الله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وهذا ليس بزوج ولو وطئت بشبهة لم تبح لما ذكرنا ولو كانت أمة فاستبرأها مطلقها لم يحل له وطؤها في قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب الشافعي : تحل له لأن الطلاق يختص الزوجية فأثر في التحريم بها وقول الله تعالى : { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } صريح في تحريمها فلا يعول على ما خالفه ولأن الفرج لا يجوز أن يكون محرما مباحا فسقط هذا
الشرط الثاني : أن يكون النكاح صحيحا فإن كان فاسدا لم يحلها الوطء فيه وبهذا قال الحسن و الشعبي و حماد و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أبو عبيد وأصحاب الرأي و الشافعي في الجديد وقال في القديم يحلها ذلك وهو الحكم وخرجه أبو الخطاب وجها في المذهب لأنه زوج فيدخل في عموم النص ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لعن المحلل والمحلل له فسماه محللا مع فساد نكاحه
ولنا قول الله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وإطلاق النكاح يقتضي الصحيح ولذلك لو حلف لا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لم يحنث ولو حلف ليتزوجن لم يبر بالتزويج الفاسد ولأن أكثر أحكام الزواج غير ثابتة فيه من الاحصان واللعان والظهار والإيلاء والنفقة وأشباه ذلك وأما تسميته محللا فلقصده التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له وإنما هذا كقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ] وقال الله تعالى : { يحلونه عاما ويحرمونه عاما } ولأنه وطء في غير نكاح صحيح أشبه وطء الشبهة
الشرط الثالث : أن يطأها في الفرج فلو وطئها دونه أو في الدبر لم يحلها لأن النبي صلى الله عليه و سلم علق الحل على ذواق العسيلة منهما ولا يحصل إلا بالوطء في الفرج وأدناه تغييب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به ولو أولج الحشفة من غير انتشار لم تحل له لأن الحكم يتعلق بذواق العسيلة ولا تحصل من غير انتشار وإن كان الذكر مقطوعا فإن بقي منه قدر الحشفة فأولجه أحلها وإلا فلا فإن كان خصيا أو مسلولا أو موجوءا حلت بوطئه لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا الإنزال وهو غير معتبر في الاحلال وهذا قول الشافعي
قال أبو بكر : وقد روي عن أحمد في الخصي انه لا يحلها فإن أبا طالب سأله في المرأة تتزوج الخصي تستحل به قال لا خصي يذوق العسيلة قال ابو بكر : والعمل على ما رواه مهنا انها تحل ووجه الأول أن الخصي لا يحصل منه الإنزال فلا ينال لذة الوطء فلا يذوق العسيلة ويحتمل أن أحمد قال ذلك لأن الخصي في الغالب لا يحصل منه الوطء أو ليس بمظنة الإنزال فلا يحصل الإحلال بوطئه كالوطء من غير انتشار
فصل : واشترط أصحابنا أن يكون الوطء حلالا فإن وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام من أحدهما أو منهما أو وأحدهما صائم فرضا لم تحل وهذا قول مالك لأنه وطء حرام لحق الله تعالى فلم يحصل به الإحلال كوطء المرتدة وظاهر النص حلها وهو قوله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وهذه قد نكحت زوجا غيره وأيضا قوله عليه السلام : [ حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ] وهذا قد وجد ولأنه وطء في نكاح صحيح في محل الوطء على سبيل التمام فأحلها كالوطء الحلال وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة أو طئها مريضة يضرها الوطء وهذا أصح إن شاء الله تعالى وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي وأما وطء المرتدة فلا يحلها سواء وطئها في حال ردتهما أو ردتها أو وطئ المرتد المسلمة لأنه إن لم يعلم المرتد منهما إلى الإسلام تبين أن الوطء في غير نكاح وإن عاد إلى الإسلام في العدة فقد كان الوطء في نكاح غير تام لأن سبب البينونة حاصل فيه وهكذا لو أسلم أحد الزوجين فوطئها الزوج قبل إسلام الآخر لم يحلها لذلك
فصل : فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها وبذلك قال عطاء و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي : ولا نعلم لهم مخالفا ولأنه دخل في عموم النص ووطؤه كوطء الحر وإن تزوجها مراهق فوطئها أحلها في قولهم إلا مالكا و أبا عبيد فإنهما قالا لا يحلها ويروى ذلك عن الحسن لأنه وطء من غير بالغ فأشبه وطء الصغير
ولنا ظاهر النص وأنه وطء من زوج في نكاح صحيح فأشبه البالغ ويخالف الصغير فإنه لا يمكن الوطء منه ولا تذاق عسيلته قال القاضي : ويشترط أن يكون له اثنا عشر سنة لأن من دون ذلك لا يمكنه المجامعة ولا معنى لهذا فإن الخلاف في المجامع ومتى أمكنه الجماع فقد وجد منه المقصود فلا معنى لاعتبار سن ما ورد الشرع باعتبارها وتقديره بمجرد الرأي والتحكم وإن كانت ذمية فوطئها زوجها الذمي أحلها لمطلقها المسلم نص عليه أحمد وقال هو زوج وبه تجب الملاعنة والقسم وبه قال الحسن و الزهري و الثوري و الشافعي و أبو عبيد وأصحاب الرأي و ابن المنذر وقال ربيعة و مالك : لا يحلها
ولنا ظاهر الآية ولأنه وطء من زوج في نكاح صحيح تام أشبه وطء المسلم وإن كانا مجنونين أو أحدهما فوطئها أحلها وقال أبو عبد الله بن حامد لا يحلها لأنه لا يذوق العسيلة
ولنا ظاهر الآية ولأنه وطء مباح في نكاح صحيح أشبه العاقل وقوله لا يذوق العسيلة لا يصح فإن الجنون إنما هو تغطية العقل وليس العقل شرطا في الشهوة وحصول اللذة بدليل البهائم لكن إن كان المجنون ذاهب الحس كالمصروع والمغمى عليه لم يحصل الحل بوطئه ولا بوطء مجنونة في هذه الحال لأنه لا يذوق العسيلة ولا تحصل له لذة ولعل ابن حامد إنما أراد المجنون الذي هذه حاله فلا يكون ههنا اختلاف ولو وطئ مغمى عليها أو نائمة لا تحس بوطئه فينبغي أن لا تحل بهذا لما ذكرناه وحكاه ابن المنذر ويحتمل حصول الحل في ذلك كله أخذا من عموم النص والله أعلم
فصل : ولو وجد على فراشه امرأة فظنها أجنبية أو ظنها جاريته فوطئها فاذا هي امرأته أحلها لأنه صادف نكاحا صحيحا ولو وطئها فأفضاها أو وطئها وهي مريضة تتضرر بوطئه أحلها لأن التحريم ههنا لحقها وإن استدخلت ذكره وهو نائم أو مغمى عليه لم تحل لأنه لا يذوق عسيلتها ويحتمل أن تحل لعموم الآية والله أعلم

مسألة وفصل : مراجعة المطلقة وشروطه
مسألة : قال : وإذا طلق الحر زوجته أقل من ثلاث فله عليها الرجعة ما كانت في العدة
أجمع أهل العلم على أن الحر إن طلق الحرة بعد دخوله بها أقل من ثلاث بغير عوض ولا أمر يقتضي بينونتها فله عليها الرجعة ما كانت في عدتها وعلى أنه لا رجعة له عليها بعد قضاء عدتها لما ذكرناه في أول الباب وإن طلق الحر امرأته الأمة فهو كطلاق الحرة إلا أن فيه خلافا ذكرناه فيما مضى وذكرنا أن الطلاق معتبر بالرجال فيكون له رجعتها ما لم يطلقها ثلاثا كالحرة
فصل : ولا يعتبر في الرجعة رضا المرأة لقول الله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا } فجعل الحق لهم وقال سبحانه : { فأمسكوهن بمعروف } فخاطب الأزواج بالأمر ولم يجعل لهن اختيارا ولأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية فلم يعتبر رضاها في ذلك كالتي في صلب نكاحه وأجمع أهل العلم على هذا

فصلان : استمرار احكام الزوجية في عدة الطلاق الرجعي
فصل : والرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ولعانه ويرث أحدهما صاحبه بالإجماع وإن خالعها صح خلعه وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يصح لأنه يراد للتحريم وهي محرمة
ولنا انها زوجة صح طلاقها فصح خلعها كما قبل الطلاق وليس مقصود الخلع التحريم بل الخلاص من مضرة الزوج ونكاحه الذي هو سببها والنكاح باق ولا نأمن رجعته وعلى إننا نمنع كونها محرمة
فصل : وظاهر كلام الخرقي أن الرجعية محرمة لقوله وإذا لم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا ؟ فهو متيقن للتحريم شاك في التحليل وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا وهو مذهب الشافعي وحكي ذلك عن عطاء و مالك وقال القاضي : ظاهر المذهب أنها مباحة قال أحمد في رواية أبي طالب : لا تحتجب عنه وفي رواية أبي الحارث تتشرف له ما كانت في العدة فظاهر هذا أنها مباحة له وله أن يسافر بها ويخلو بها ويطؤها وهذا مذهب أبي حنيفة لأنها في حكم الزوجات فأبيحت له كما قبل الطلاق ووجه الأولى أنها طلقة واقعة فأثبتت التحريم كالتي بعوض ولا خلاف في أنه لا حد عليه بالوطء ولا ينبغي أن يلزمه مهر سواء راجع أو لم يراجع لأنه وطئ زوجته التي يلحقها طلاقه فلم يكن عليه مهر كسائر الزوجات ويفارق ما لو وطئ الزوج بعد إسلام أحدهما في العدة حيث يجب المهر إذ لم يسلم الآخر في العدة لأنه إذا لم يسلم تبينا أن الفرقة وقعت من حين إسلام المسلم الأول منهما وهي فرقة فسخ تبين به من نكاحه فأشبهت التي أرضعت من ينفسخ نكاحها برضاعه وفي مسألتنا لا تبين إلا بانقضاء العدة فافترقا وقال أبو الخطاب : إذا أكرهها على الوطء وجب عليه المهر عند من حرمها وهو المنصوص عن الشافعي لأنه وطئ حرمه الطلاق فوجب به المهر كوطء البائن والفرق ظاهر فإن البائن ليست زوجة له وهذه زوجته وقياس الزوجة على الأجنبية في الوطء وأحكامه بعيد

مسألة : مراجعة العبد لامرأته
مسألة : قال : وللعبد بعد الواحدة ما للحر قبل الثلاث
أجمع العلماء على أن للعبد رجعة امرأته بعد الطلقة الواحدة إذا وجدت شروطها فإن طلقها ثانية فلا رجعة له سواء كانت امرأته حرة أو أمة لأن طلاق العبد اثنتان وفي هذا خلاف ذكرناه فيما مضى

مسألة : قال : ولو كانت حاملا باثنين فوضعت احدهما
مسألة : قال : ولو كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما فله مراجعتها ما لم تضع الثاني
هذا قول عامة العلماء إلا أنه حكي عن عكرمة أن العدة تنقضي بوضع الأول وما عليه سائر أهل العلم أصح فإن العدة لا تنقضي إلا بوضع الحمل كله لقول الله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } واسم الحمل متناول لكل ما في البطن فتبقى العدة مستمرة إلى حين وضع باقي الحمل فتبقى الرجعة ببقائها ولو انقضت العدة بوضع بعض الحمل لحل لها التزويج وهي حامل من زوج آخر ولا قائل به وأظن أن قتادة ناظر عكرمة في هذا فقال عكرمة : تنقضي عدتها بوضع أحد الوالدين فقال له قتادة : أيحل لها أن تتزوج ؟ قال لا قال خصم العبد ولو خرج بعض الولد فارتجعها قبل أن تضع باقيه صح لأنها لم تضع جميع حملها فصارت كمن ولدت أحد الولدين

فصلان : ما تقضي به عدة المطلقة المعتدة بالاقرار وحكم زواجها
فصل : إذا انقطع حيض المرأة في المرة الثالثة ولما تغتسل فهي تنقضي عدتها بطهرها ؟ فيه روايتان ذكرهما ابن حامد :
إحداهما : لا تنقضي عدتها حتى تغتسل ولزوجها رجعتها في ذلك وهذا ظاهر كلام الخرقي فإنه قال في العدة فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت للأزواج وهذا قول كثير من أصحابنا وروي ذلك عن عمر وعلي وأبي مسعود و سعيد بن المسيب و الثوري و أبي عبيد وروي نحوه عن أبي بكر الصديق وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء وروي عن شريك له الرجعة وإن فرضت في الغسل عشرين سنة ووجه هذا قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فيكون إجماعا ولأن أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل وكذلك هذا
والرواية الثانية : أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل وهو قول طاوس وسعيد بن جبير و الأوزاعي واختاره أبو الخطاب لقوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } والقرء الحيض وقد زالت فيزول التربص وفيما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ وقرء الأمة حيضتان ] وقال [ دعي الصلاة أيام إقرائك ] يعني أيام حيضك ولأن انقضاء العدة تتعلق به بينونتها من الزوج وحلها لغيره فلم يتعلق بفعل اختياري من جهة المرأة بغير تعليق الزوج كالطلاق وسائر العدد ولأنها لو تركت الغسل اختيارا أو لجنون أو نحوه لم تحل إما أن يقال بقول شريك إنها تبقى معتدة ولو بقيت عشرين سنة وذلك خلاف قول الله : { ثلاثة قروء } فإنها تصير عدتها أكثر من مائتي قرء أو يقال تنقضي العدة قبل الغسل فيكون رجوعا عن قولهم ويحمل قول الصحابة في قولهم حتى تغتسل أي يلزمها الغسل
فصل : إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدتها من الأول بوطء الثاني وهل يملك الزوج رجعتها في عدة الحمل ؟ يحتمل وجهين :
أولهما : أنه له رجعتها لأنها لم تقض عدتها فحكم نكاحه باق يلحقها طلاقه وظهاره وإنما انقطعت عدته لتعارض فهو كما وطئت في صلب نكاحه فإنها تحرم عليه وتبقى سائر أحكام الزوجية ولأنه يملك إرتجاعها إذا عادت إلى عدته فملكه قبل ذلك كما لو ارتفع حيضها في أثناء عدتها
والوجه الثاني : ليس له رجعتها لأنها ليست في عدته فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الثاني وبنت على ما مضى من عدة الأول وله ارتجاعها حينئذ وجها واحدا ولو كانت في نفاسها لأنها بعد الوضع تعود إلى عدة الأول وإن لم تحتسب به فكان له الرجعة فيه كما لو طلق حائضا فإن له رجعتها في حيضتها وإن كانت لا تعتد بها وإن حملت حملا يمكن أن يكون منهما فعلى الوجه الذي لا يملك رجعتها في حملها من الثاني إذا رجعها في هذا الحمل ثم بان أنه من الثاني لم يصح وإن بان من الأول احتمل أن يصح لأنه راجعها في عدتها منه واحتمل أن لا يصح لأنه راجعها مع الشك في إباحة الرجعة والأول أصح فإن الرجعة ليست بعبادة يبطلها الشك في صحتها وعلى أن العبادة تصح مع الشك فيما إذا نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فصلى خمس صلوات فإن كل صلاة يشك في أنها هل هي المنسية أو غيرها ؟ ولو شك في الحدث فتطهر ينوي رفع الحدث صحت طهارته وارتفع حدثه فههنا أولى فإن راجعها بعد الوضع وبان أن الحمل من الثاني صحت رجعته وإن بان من الأول لم تصح الرجعة لأن العدة انقضت بوضعه

مسألة وفصل : ما تحصل به الرجعة والروايات فيه
مسألة : قال : والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين اشهدا أني قد راجعت امرأتي بلا ولي يحضره ولا صداق يزيده وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه تجوز الرجعة بلا شهادة
وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضا المرأة ولا علمها بإجماع أهل العلم لما ذكرنا من أن الرجعية في أحكام الزوجات والرجعة إمساك لها واستبقاء لنكاحها ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى الرجعة إمساكا وتركها فراقا وسراحا فقال : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وفي آية أخرى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وإنما تشعث النكاح بالطلقة وانعقد بها سبب زواله فالرجعة تزيل شعثه وتقطع مضيه إلى البينونة فلم يحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح فأما الشهادة ففيها روايتان :
إحداهما : تجب وهذا أحد قولي الشافعي لأن الله تعالى قال : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم } وظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباجة بضع مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع
والرواية الثانية : لا تجب الشهادة وهي اختيار أبي بكر وقول مالك و أبي حنيفة لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع وعند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الإشهاد فإن قلنا هي شرط فإنه يعتبر وجودها حال الرجعة فإن ارتجع بغير شهادة لم يصح لأن المعتبر وجودها في الرجعة دون الإقرار بها إلا أن يقصد بذلك الإقرار الارتجاع فيصح
فصل : وظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول بقوله المراجعة أن يقول وهذا مذهب الشافعي لأنها استباحة بضع مقصود أمر بالإشهاد فيه فلم تحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولأن غير القول فعل من قادر على القول فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهذا إحدى الروايتين عن أحمد
والرواية الثانية : تحصل الرجعة بالوطء سواء نوى به الرجعة أو لم ينو اختارها ابن حامد و القاضي وهو قول سعيد بن المسيب و الحسن و ابن سيرين و عطاء و طاوس و الزهري و الثوري و الأوزاعي و ابن أبي ليلى وأصحاب الرأي قال بعضهم ويشهد وقال مالك و إسحاق تكون رجعة إذا أراد به الرجعة لأن هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطء كمدة الإيلاء ولأن الطلاق سبب لزوال الملك ومعه خيار فتصرف المالك بالوطء يمنع عمله كوطء البائع الأمة المبيعة في مدة الخيار وذكر أبو الخطاب أننا إذا قلنا الوطء مباح حصلت الرجعة به كما ينقطع به التوكيل في طلاقها وإن قلنا هو محرم لم تحصل الرجعة به لأنه فعل محرم فلا يكون سببا للحل كوطء المحلل
فصل : فأما إن قبلها أو لمسها لشهوة أو كشف فرجها ونظر إليه فالمنصوص عن أحمد أنه ليس برجعة وقال ابن حامد فيه وجهان :
أحدهما : هو رجعة وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه استمتاع يستباح بالزوجية فحصلت الرجعة به كالوطء
والثاني : أنه ليس برجعة لأنه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به الرجعة كالنظر فأما الخلوة بها فليس برجعة لأنه ليس باستمتاع وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن غيره من أصحابنا أن الرجعة تحصل به لأنه معنى يحرم من الأجنبية ويحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع والصحيح أنه لا تحصل الرجعة بها لأنها لا تبطل اختيار المشتري للأمة فلم تكن رجعة كاللمس لغير شهوة فأما اللمس لغير شهوة والنظر لذلك ونحوه فليس برجعة لأنه يجوز في غير الزوجة عند الحاجة فأشبه الحديث معها

مسألة وفصل : صيغة المراجعة وتعليق الرجعة على شرط
فصل : فأما القول فتحصل به الرجعة بغير خلاف وألفاظه راجعتك وارتجعتك ورددتك وأمسكتك لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة فالرد والإمساك ورد بهما الكتاب بقوله سبحانه : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } وقال : { فأمسكوهن بمعروف } يعني الرجعة والرجعة وردت بها السنة بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ مره فليراجعها ] وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه فإنهم يسمونها رجعة والمرأة رجعية ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق والاحتياط أن يقول راجعت امرأتي إلى نكاحي أو زوجتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي فإن قال نكحتها أو تزوجتها فهذا ليس بصريح فيها لأن الرجعة ليست بنكاح وهل تحصل به الرجعة ؟ فيه وجهان :
أحدهما : لا تحصل به الرجعة لأن هذا كناية والرجعة استباحة بضع مقصود ولا تحصل بالكناية كالنكاح
والثاني : تحصل به الرجعة أومأ إليه أحمد واختاره ابن حامد لأنه تباح به الأجنبية فالرجعية أولى وعلى هذا يحتاج أن ينوي به الرجعة لأن ما كان كناية تعتبر له النية ككنايات الطلاق
فصل : فإن قال راجعتك للمحبة أو قال للإهانة وقال أردت أنني راجعتك لمحبتي إياك أو إهانة لك صحت الرجعة لأنه أتى بالرجعة وبين سببها وإن قال أردت أنني كنت أهنتك أو أحبك وقد رددتك بفراقي إلى ذلك فليس برجعة وإن أطلق ولم ينو شيئا صحت الرجعة ذكره القاضي لأنه أتى بصريح الرجعة وضم إليه ما يحتمل أن يكون بيانا لسببها ويحتمل غيره فلا يزول اللفظ عن مقتضاه بالشك وهذا مذهب الشافعي
فصل : ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح ولو قال راجعتك إن شئت لم يصح كذلك ولو قال كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح لذلك ولأنه راجعها قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح وإن قال إن قدم أبوك فقد راجعتك لم يصح لأنه تعليق على شرط
فصل : فإن راجعها في الردة من أحدهما فذكر أبو الخطاب انه لا يصح وهو صحيح مذهب الشافعي لأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح مع الردة كالنكاح ولأن الرجعة تقرير للنكاح والردة تنافي ذلك فلم يصح اجتماعهما وقال القاضي : إن قلنا تتعجل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لأنها قد بانت بها وإن قلنا لا تتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة إن أسلم المرتد منهما في العدة صحت الرجعة لأننا تبينا أنه ارتجعها في نكاحه ولأنه نوع إمساك فلم تمنع منه الردة كما لو لم يطلق وإن لم يسلم في العدة تبينا أن الفرقة وقعت قبل الرجعة وهذا قول المزني واختيار أبي حامد وهكذا ينبغي أن يكون فيما إذا راجعها بعد إسلام أحدهما

==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أدوات الإعراب المؤلف: ظاهر شوكت البياتي

  : أدوات الإعراب المؤلف: ظاهر شوكت البياتي أدوات الأعراب تأليف ظاهر شوكت البياتي  الإهداء إلى صديقي الصدوق: طه هاشم الدليمي الذ...